المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: التطبيق في الركوع - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ٤

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌ص: باب: التطبيق في الركوع

‌ص: باب: التطبيق في الركوع

ش: أي هذا باب في بيان حكم التطبيق في الركوع، وهو أن يجمع بين أصابع يديه ويجعلهما بين ركبتيه في الركوع والتشهد، وهو مذهب ابن مسعود رضي الله عنه كما يجيء إن شاء الله تعالى.

ص: حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى العبسي، قال: أنا إسرائيل بن يونس، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود:"أنهما دخلا على عبد الله فقال: أصلى هؤلاء خلفكم؟ فقالا: نعم، فقام بينهما وجعل أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، ثم ركعنا فوضعنا أيدينا على ركبنا، فضرب أيدينا فطبق، ثم طبق بيديه فجعلهما بين فخديه، فلما صلى قال: هكذا فعل النبي عليه السلام".

حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: ثنا إسرئيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة والأسود أنهما كانا مع عبد الله

ثم ذكر نحوه.

حدثنا فهد بن سليمان، قال: ثنا عمر بن حفص بن غياث، قال: ثنا أبي، قال: ثنا الأعمش، قال: حدثني إبراهيم، عن الأسود قال:"دخلت أنا وعلقمة على عبد الله، فقال: أصلى هؤلاء خلفكم؟ فقلنا نعم، فقال: فصلوا، فصلى بنا فلم يأمرنا بأذان ولا بإقامة، فقمنا خلفه فقدمنا، فقام أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فلما ركع وضع يديه بين رجليه وحنا، قال: وضرب يدي عن ركبتي وقال: هكذا، وأشار بيده، فلما صلى قال: إذا كنتم ثلاثة فصلوا جميعًا، وإذا كنتم أكثر من ذلك فقدموا أحدكم، فإذا ركع أحدكم فليفعل هكذا، وطبق يديه، ثم ليفترش ذراعيه بين فخذيه، فكأني أنظر إلى أصابع النبي صلى الله عليه وسلم".

ش: هذه ثلاث طرق صحاح ورجالها كلهم رجال الجماعة غير علي بن شيبة وفهد بن سليمان.

ص: 201

وعُبيد الله بن موسى بتصغير العبد، ونسبته إلى عبس -بفتح العين المهملة، وسكون الباء الموحدة، وفي آخره سين مهملة- ابن بغيض بن ريث بن غطفان قبيلة مشهورة.

والأعمش هو سليمان بن مهران.

فكالطريق الأول: أخرجه مسلم (1): حدثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، قال: أنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود:"أنهما دخلا على عبد الله، فقال: أصلي من خلفكم؟ قالا: نعم. فقام بينهما وجعل أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، ثم ركعنا فوضعنا أيدينا على ركبنا، فضرب أيدينا، ثم طبق بين يديه، ثم جعلهما بين فخديه، فلما صلى قال: هكذا فعل رسول الله عليه السلام".

وأخرجه البزار في "مسنده"(2): عن محمَّد بن عثمان بن كرامة، عن عبيد الله بن موسى

إلى آخره نحوه.

وكالطريق الثاني: أخرجه أحمد أيضًا في "مسنده"(3): عن أسود، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن ابن الأسود، عن علقمة والأسود:"أنهما كانا مع ابن مسعود، فحضرت الصلاة فتأخر علقمة والأسود، فأخذ ابن مسعود بأيديهما [فأقام أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، ثم ركعا فوضعا أيديهما] (4) على ركبهما فضرب أيديهما، ثم طبق بين يديه وشبك وجعلهما بين فخذيه، قال: رأيت النبي عليه السلام فعله".

وكالطريق الثالث: أخرجه مسلم (1): ثنا محمَّد بن العلاء الهمداني أبو كريب، قال: نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود وعلقمة قالا: "أتينا

(1)"صحيح مسلم"(1/ 378 رقم 534).

(2)

"مسند البزار"(4/ 301 رقم 1479).

(3)

"مسند أحمد"(1/ 413 رقم 3927).

(4)

سقط من "الأصل، ك"، والمثبت من "مسند أحمد".

ص: 202

عبد الله بن مسعود في داره، فقال: أصلى هؤلاء خلفكم؟ فقلنا: لا. فقال: فقدموا فصلوا، فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة، قال: وذهبنا لنقوم خلفه، فأخذ بأيدينا فجعل أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، قال: فلما ركع وضعنا أيدينا على ركبنا، قال: فضرب أيدينا، وطبّق بين كفيه ثم أدخلهما بين فخديه، قال: فلما صلى قال: إنه سيكون عليكم إمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها ويخنقونها إلى شرق الموتى، فإذا رأيتموهم قد فعلوا ذلك فصلوا الصلاة لميقاتها، واجعلوا صلاتكم معهم سبحة، وإذا كنتم ثلاثة فصلوا جميعًا، وإذا كنتم أكثر من ذلك فليؤمكم أحدكم، وإذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وَلْيُحْن، وليطبق بين كفيه فكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله عليه السلام فأراهم".

قوله: "أصلى هؤلاء" الهمزة فيه للاستفهام، فأراد بهؤلاء الأمير والتابعين له.

قوله: "فقام بينهما" أي فقام ابن مسعود بين علقمة والأسود.

قوله: "فطبق" من التطبيق وهو أن يجمع بين أصابع يديه ويجعلهما بين ركبتيه في الركوع والتشهد.

قوله: "صلوا" فيه: جواز إقامة الجماعة في البيوت، لكن لا يسقط بها فرض الكفاية إذا قلنا: إنها فرض كفاية، بل لا بد من إظهارها، وإنما اقتصر عبد الله بن مسعود على فعلها في البيت؛ لأن الفرض كان سقط بفعل الأمير وعامة الناس وإن أخروها إلى آخر الوقت.

قوله: "فلم يأمرنا بأذان ولا بإقامة" فيه: جواز صلاة المرء الفريضة في بيته بلا أذان ولا إقامة، وهذا مذهب ابن مسعود وبعض السلف من أصحابه، أنه لا يشرع الأذان والإقامة لمن يصلي وحده في البلد الذي يؤذن فيه وتقام الصلاة بالجماعة العظمى، بل يكفي أذانهم وإقامتهم.

قال القاضي عياض: اختلف الناس فيمن صلى وحده أو في بيته هل تجزئه إقامة أهل العصر وأذانهم؟ فذهب بعض السلف من أصحاب ابن مسعود وغيرهم إلى أن

ص: 203

له أن يصلي بغير أذان ولا إقامة، وذهب عامة الفقهاء إلى أنه يقيم ولا تجزئه إقامة أهل العصر ولا يؤذن، واستحب ابن المنذر أن يؤذن ويقيم، وذهب ابن سيرين والنخعي إلى الإقامة إلا صلاة الفجر فإنه يؤذن ويقيم لها خاصة.

قوله: "وحَنَى" بفتح الحاء المهملة والنون، من حَنَى يَحْنُو، وحَنَى ويَحْنِي، يقال: حنى ظهره إذا عطفه، ويقال جَنَأَ بفتح الجيم والنون وبالهمزة في آخره، من جَنَأَ الرجل على الشيء إذا أكب عليه، وهما متقاربان.

قال ابن الأثير: والذي قرأناه في كتاب مسلم: بالجيم، وفي كتاب الحميدي: بالحاء.

قلت: أراد بالذي في مسلم هو قوله: "وليحن وليطبق" وقد مر آنفًا.

قال عياض: "وليحن"، كذا رواية أكثر شيوخنا بالحاء المهملة وكسر النون، وعند الطبري:"فليجنأ" بالجيم وفتح النون وبهمز آخره، وكلاهما صحيح المعنى، وهو من الانعطاف والانحناء في الركوع، وهو تعقف الصلب يقال: جَنَأَ على الشيء يجنؤ جنوءًا وجَنَأَ يجنئ إجناء، ووقع هذا الحرف عند العذري "وليجنُ" بضم النون، وهو بمعناه، يقال: جنوت العود وجنيته إذا عطفته.

قوله: "ويخنقونها" أي يضيقون وقتها ويتركون أذانها إلى اصفرار الشمس، يقال: هم في خناق من كذا أي في ضيق.

قوله: "إلى شرق الموتى" أراد به اصفرار الشمس عند غروبها؛ لأن الشمس في هذا الوقت إنما تلبث قليلًا ثم تغيب، فشبه ما بقي من وقت تلك الصلاة التي يؤخروخها ببقاء من شرق بريقه إلى أن يخرج نفسه، من قولهم: شرق الميت بريقه إذا غُصَّ به.

قوله: "سبحة" أي نافلة وتطوعًا.

ومما يستفاد منها: أن الإمام إذا كان معه اثنان يقيم أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، وهو مذهب ابن مسعود، وبه قال: علقمة والأسود، وخالفهم في ذلك

ص: 204

جميع العلماء من الصحابة فمن بعدهم إلى الآن، فقالوا: إذا كان مع الإمام رجلان وقفا وراءه صفًّا، وأجمعوا إذا كان ثلاثة أنهم يقفون وراءه. وأما الواحد فإنه يقف عن يمين الإمام عند العلماء كافة، ونقل جماعة الإجماع فيه، ونقل عياض عن ابن المسيب أنه يقف عن يساره، ولا أظن أنه يصح عنه، وإن صح فلعله لم يبلغه حديث ابن عباس، وكيف كان، فَهُم اليوم مجمعون على أنه يقف عن يمينه.

ص: فذهب قوم إلى هذا واحتجوا بهذا الحديث.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: الأسود وعلقمة وإبراهيم النخعيين وأبا عُبيدة، فإنهم ذهبوا إلى التطبيق، واحتجوا بهذا الحديث، أي حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وهو مذهبه أيضًا.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: بل ينبغي له إذا ركع أن يضع يديه على ركبتيه شبه القابض عليهما، ويفرق بين أصابعه.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الثوري والأوزاعي وابن سيرين والحسن البصري وأبا حنيفة ومالكًا والشافعي وأحمد وأصحابهم؛ فإنهم قالوا: بل ينبغي للمصلي

إلى آخره، وهو المحكي عن عمر وابن عمر وعلى وسعد رضي الله عنهم.

وقال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي عليه السلام والتابعين ومن بعدهم، لا اختلاف بينهم في ذلك إلا ما روي عن ابن مسعود وبعض أصحابه أنهم كانوا يطبقون، والتطبيق منسوخ عند أهل العلم.

ص: واحتجوا في ذلك بما قد حدثنا يزيد بن سنان، قال: أنا بشر بن عمر وحبان بن هلال، قالا: ثنا شعبة، قال: أخبرني أبو حصين عثمان بن عاصم الأسدي، عن أبي عبد الرحمن قال: قال عمر رضي الله عنه: "أمسوا فقد سنت لكم الركب".

ص: 205

ش: أي أحتج الآخرون فيما ذهبوا إليه -من وضع اليدين على الركبتين شبه القابض وتفريق الأصابع- بحديث عمر رضي الله عنه.

وأخرجه بإسناد صحيح، وحبّان: بفتح الحاء، وتشديد الباء الموحدة.

وأبو حَصين: بفتح الحاء وكسر الصاد.

وأبو عبد الرحمن السلمى اسمه عبد الله بن حبيب بن ربيّعة -بالتصغير- الكوفي القارئ ولأبيه صحبة روى له الجماعة.

وأخرجه الترمذي (1): ثنا أحمد بن منيع، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، قال: أنا أبو حصين، عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: قال لنا عمر بن الخطاب: "إن الركب سُنَّت لكم، فخذوا بالركب".

قال أبو عيسى: حديث عمر حديث حسن صحيح.

وأحْرجه النسائي (2): أنا سويد بن نصر، قال: أبنا عبد الله، عن سفيان، عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: قال عمر رضي الله عنه: "إنما السنة الأخذ بالركب".

وفي رواية له (3): سُنّت لكم الركب، فأمسكوا بالركب".

قوله: "أمسّوا" أمر من الإمساس، والمعنى: أمسّوا أيديكم ركبكم.

"فقد سُنت لكم الركب" يعني سُنّ إمساسها والأخذ بها، وصورة الأخذ ما ذكره الطحاوي.

وفي "المغني" لابن قدامة: قال أحمد: ينبغي له إذا ركع أن يلقم راحتيه ركبتيه، ويفرق بين أصابعه، ويعتمد على ضبعيه وساعديه ويسوي ظهره ولا يرفع رأسه ولا ينكسه.

(1)"جامع الترمذي"(2/ 42 رقم 258).

(2)

"المجتبى"(2/ 185 رقم 1035).

(3)

"المجتبى"(2/ 185 رقم 1034).

ص: 206

ص: حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا همام، قال: ثنا عطاء بن السائب، قال: ثنا سالم البراّد -قال: وكان عندي أوثق من نفسي- قال: "قال لنا أبو مسعود البدري: ألا أريكم صلاة رسول الله عليه السلام؟ -فذكر حديثًا طويلًا- قال: ثم ركع فوضع كفيه على ركبتيه، وفضلت أصابعه على ساقيه".

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر العقدي، قال: ثنا فليح بن سليمان، عن عباس بن سهل قال:"اجتمع أبو حميد وأبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة -فيما يظن ابن مرزوق- فذكروا صلاة رسول الله عليه السلام فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة النبي عليه السلام، كان إذا ركع وضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عبد الحميد بن جعفر، قال: ثنا محمَّد بن عمرو بن عطاء، قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النعي عليه السلام أحدهم أبو قتادة

فذكر مثله.

قال: "فقالوا جميعًا: صدقت".

حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا يوسف بن عديّ، قال: ثنا أبو الأحوص، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وأئل بن حجر قال:"رأيت رسول الله عليه السلام إذا ركع وضع يديه على ركبتيه".

ش: هذه الأسانيد بعينها قد مرت الإسناد الأول في باب: الخفض في الصلاة هل فيه تكبير. والبقية في باب: التكبير للركوع. غير أنه زاد في الأول: "فوضع كفيه على ركبتيه

" إلى آخره.

وفي الثاني: قوله "ومحمد بن مسلمة فيما يظن ابن مرزوق".

وقوله: "كان إذا ركع وضع يديه

" إلى آخره.

وفي الرابع: قوله: "إذا ركع وضع يديه على ركبتيه".

ص: 207

وأبو عامر العقدي اسمه عبد الملك بن عمرو، ونسبته إلى عَقَد -بفتحتين- صنف من الأزد، ومحمد بن مسلمة -بالميمن في مسلمة- بن سلمة -بالميم الواحدة- بن خالد أبو عبد الله الأنصاري، شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله عليه السلام، وقيل: إنه هو الذي استخلفه عليه السلام على المدينة عام تبوك.

وأبو عاصم النبيل اسمه الضحاك بن مخلد، وأبو الأحوص اسمه سلام بن سليم الكوفي.

قوله: "وفضلة أصابعه" أي وضع فضلة أصابعه أراد أنه عليه السلام ألقم بكفيه ركبتيه، ووضع ما زاد من أصابعه.

"على ساقيه"، والمراد منه طرف الساق الفوقاني؛ لأن ما بعد عين الركبة من حد الساق؛ فافهم.

ص: حدثنا ربيع الجيزي، قال: ثنا أبو زرعة، قال: أنا حيوة، قال: سمعت ابن عجلان يحدث، عن سُمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:"اشتكى الناس إلى النبي عليه السلام التفرج في الصلاة، فقال عليه السلام: استعينوا بالركب".

ش: إسناده صحيح، وأبو زرعة وهب الله بن راشد الحجري المصري المؤذن، وحيوة بن شريح بن صفوان بن مالك التجيبي المصري، وابن عجلان هو محمَّد بن عجلان المدني، وسُمَيّ القرشي المدني روى له الجماعة، وأبو صالح ذكوان الزيات.

وأخرجه أبو داود (1) في باب: رخصة افتراش اليدين في السجدة: ثنا قتيبة بن سعيد، نا الليث، عن ابن عجلان، عن سُمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال:"اشتكي أصحاب النبي عليه السلام مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا، فقال: استعينوا بالركب".

(1)"سنن أبي داود"(1/ 300 رقم 902).

ص: 208

وأخرجه الترمذي (1) في الاعتماد في السجود: ثنا قتيبة

إلى آخره نحوه. غير أن لفظه: "اشتكى بعض أصحاب النبي عليه السلام إلى النبي عليه السلام مشقة السجود عليهم إذا تفرجوا، فقال: استعينوا بالركب". قال أبو عيسى: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام إلا من هذا الوجه من حديث الليث عن ابن عجلان، وقد رواه سفيان بن عيينة وغير واحد عن سمي، عن النعمان بن أبي عياش، عن النبي عليه السلام نحو هذا وكأن رواية هؤلاء أصح من رواية الليث. انتهى.

قلت: هذا مرسل وقال البخاري: هذا بإرساله أصح.

وأخرجه البيهقي في "سننه الكبير"(2): من حديث ابن عُيينة، عن سُمي، عن النعمان بن أبي عياش قال:"شكوا إلى رسول الله عليه السلام الاعتماد والادعام في الصلاة، فرخص لهم أن يستعين الرجل بمرفقيه على ركبتيه أو فخذيه". انتهى.

قلت: النعمان بن أبي عياش الزرقي الأنصاري من التابعين، روى عن عبد الله بن عمرو وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله، وعن يحيى: أنه ثقة.

فإن قلت: لم يستدل أحد غير الطحاوي بهذا الحديث على وضع الأيدي على الركب في الركوع، فهذا أبو داود والترمذي بوباه لما ذكرنا، ومحمد بن عجلان فسر قوله:"استعينوا بالركب" وقال: معناه أن يضع مرفقيه على ركبتيه إذا طال السجود وأعيى.

قلت: قوله عليه السلام: "استعينوا بالركب" أعم من أن يكون في الركوع أو في السجود، أي استعينوا بأخذ الركب، والمعنى بوضع الأيدي على الركب.

قوله: "اشتكى الناس" من شَكى يَشْكُو يقال: شَكَوْتُ فلانًا اشْكُوه شكوًا وشِكاية وشَكِيَّة وشَكَاة.

(1)"جامع الترمذي"(2/ 77 رقم 286).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 117 رقم 2554).

ص: 209

وقوله: "التفرج" مفعوله؛ وأراد به الانفراج.

فإن قلت: قد سكت الترمذي عن هذا، فكيف قلت: إنه صحيح؟

قلت: الحديث أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"، والحكم في "مستدركه"، (1) وقال: صحيح على شرط مسلم.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فكانت هذه الآثار معارضة للأثر الأول ومعها من التواتر ما ليس معه، فأردنا أن ننظر هل في شيء من الآثار ما يدل على نسخ أحد الأمرين بصاحبه؟ فاعتبرنا ذلك فإذا أبو بكرة قد حدثنا، قال: ثنا أبو الوليد الطيالسي، قال: ثنا شعبة، عن أبي يعفور، قال: سمعت مصعب بن سعد يقول: "صليت إلى جنب أبي، فجعلت يديّ بين ركبتي فضرب يدي وقال: يا بنيّ، إنا كنا نفعل هذا فأُمرنا أن نضرب بالأكف على الركبة".

حدثنا الربيع بن سليمان المرادي، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا أبو عوانة، عن أبي يعفور

فذكر بإسناده مثله.

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا زهير بن معاوية، قال: ثنا أبو إسحاق، عن مصعب بن سعد، قال:"صليت مع سعد، فلما أردت الركوع طبقت، فنهاني عنه وقال: كنا نفعله حتى نهينا عنه".

فقد ثبت بما ذكرنا نسخ التطبيق، وأنه كان متقدمًا لما فعله رسول الله عليه السلام من وضع اليدين على الركبتين.

ش: أي كانت الأحاديث التي فيها وضع اليدين على الركبتين في الركوع معارضة للحديث الأول، وهو الذي فيه التطبيق، و"معها" أي مع تلك الأحاديث "من التواتر" أي من كثرة الرواية وتلقي الأئمة بالقبول والأخذ بها "ما ليس معه" أي مع حديث التطبيق، فإذا كان الأمر كذلك يتعين طلب المخلص وهو على وجوه كما عرف في موضعه منها: طلب المخلص من حيث التاريخ، وهو أن يعلم بالدليل

(1)"مستدرك الحاكم"(1/ 352 رقم 834).

ص: 210

التاريخ بين النصين المتعارضين، فيكون المتأخر منهما ناسخًا للمتقدم، فنظرنا ها هنا، فوجدنا قول سعد بن أبي وقاص يدل على أن حديث التطبيق منسوخ؛ لأنه صرح بقوله:"إنا كنا نفعل هذا، فأمرنا أن نضرب بالأكف على الركب" وفي لفظة: "كنا نفعله حتى نهينا عنه" وهذا صريح في النسخ، وأما ابن مسعود رضي الله عنه فلعله لم يبلغه خبر النسخ، فلذلك لم يترك التطبيق، وأما من عمل به من أصحابه فأنهم اتبعوه في ذلك وتقلدوه.

ثم أنه أخرج حديث سعد من ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن أبي بكرة بكّار القاضي، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري وأبي داود، عن شعبة، عن أبي يعفور واسمه واقد ولقبه وقدان العبدي الكوفي وهو أبو يعفور الكبير روى له الجماعة، عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص القرشي الزهري أبي زرارة المدني روى له الجماعة، عن أبيه سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة بالجنة.

وأخرجه الجماعة، فالبخاري (1): عن أبي الوليد، عن شعبة

إلى آخره نحوه، غير أن لفظه:"صليت إلى جنب أبي، فطبقت بين كفى ثم وضعتهما بين فخذيَّ، فنهاني أبي وقال: كنا نفعله فنهينا عنه وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب".

ومسلم (2): عن ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الزبير بن عدي، عن مصعب بن سعد قال:"ركعت فقلت بيدي هكذا يعني طبق بههما ووضعهما بين فخذيه فقال أبي: قد كنا نفعل هذا، ثم أمرنا بالركب".

وأبو داود (3): عن حفص بن عمر، عن شعبة، عن أبي يعفور، عن مصعب بن سعد قال: "صليت إلى جنب أبي فجعلت يديّ بين ركبتيّ، فنهاني عن ذلك، فعدت

(1)"صحيح البخاري"(1/ 273 رقم 757).

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 380 رقم 535).

(3)

"سنن أبي داود"(1/ 291 رقم 867).

ص: 211

فقال: لا تصنع هذا؛ فإنا كنا نفعله فنهينا عن ذلك، وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب".

والترمذي (1): عن قتيبة، عن أبي عوانة، عن أبي يعفور، عن مصعب بن سعد، عن أبيه سعد:"كنا نفعل ذلك فنهينا عنه، وأمرنا أن نضع الأكف على الركب".

والنسائي (2): عن عمرو بن علي، عن يحيى بن سعيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الزبير بن عدي، عن مصعب بن سعد قال:"ركعت فطبقت، فقال أبي: إن هذا شيء كنا نفعله ثم ارتفعنا إلى الركب".

وابن ماجه (3): عن محمَّد بن عبد الله بن نمير، عن محمَّد بن بشر، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن الزبير بن عدي، عن مصعب بن سعد قال:"ركعت إلى جنب أبي فطبقت فضرب يدي وقال: قد كنا نفعل هذا، ثم أمرنا أن نرفع إلى الركب" انتهى.

وقد علم أن قول الصحابي: كنا نفعل، وأمرنا، ونهينا محمول على أنه أمر لله ولرسوله، ونهي عن الله ورسوله؛ لأن الصحابي إنما يقصد الاحتجاج به لإثبات شرع وتحليل وتحريم، وحكم يجب كونه مشروعًا.

الثاني: عن الربيع بن سليمان المرادي صاحب الشافعي، عن أسد بن موسى أسد السنة، عن أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري

إلى آخره.

وأخرجه مسلم (4) أيضًا: ثنا قتيبة بن سعيد وأبو كامل الجحدري -واللفظ لقتيبة- قالا: نا أبو عوانة، عن أبي يعفور، عن مصعب بن سعد قال: "صليت إلى جنب أبي، قال: فجعلت يديَّ بين ركبتيَّ، فقال لي أبي: اضرب

(1)"جامع الترمذي"(2/ 44 رقم 259).

(2)

"المجتبى"(2/ 185 رقم 1033).

(3)

"سنن ابن ماجه"(1/ 283 رقم 873).

(4)

"صحيح مسلم"(1/ 380 رقم 535).

ص: 212

يكفيك على ركبيتك، قال: ثم فعلت ذلك مرة أخرى، فضرب يدي وقال: إنا نهينا عن هذا، وأمرنا أن نضرب بالأكف على الركب".

وأخرجه النسائي في (1) أيضًا: عن قتيبة، عن أبي عوانة .. إلى آخوه نحوه.

الثالث: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي

إلى آخره.

وأخرجه البزار في "مسنده"(2): عن أحمد بن عثمان بن حكيم، عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الزبير بن عندي، عن مصعب، عن أبيه نحوه.

ص: ثم التمسنا حكم ذلك من طريق النظر كيف هو، فرأينا التطبيق فيه التقاء اليدين، ورأينا وضع اليدين على الركبتين فيه تفريقهما فأردنا أن ننظر في أحكام أشكال ذلك في الصلاة كيف هو، فرأينا السنة جاءت عن النبي عليه السلام بالتجافي في الركوع والسجود، وأجمع المسلمون على ذلك، فكان ذلك من تفريق الأعضاء، وكان من قام في الصلاة أُمر أن يراوح بين قدميه، وقد روي ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه وهو الذي روى التطبيق، فلما رأينا تفريق الأعضاء في هذا بعضها من بعض أولى من إلصاق بعضها ببعض، واختلفوا في إلصاقها وتفريقها في الركوع؛ كان النظر على ذلك: أن يكون ما اختلفوا فيه من ذلك معطوفًا على ما أجمعوا عليه منه، فيكون كما كان التفريق فيما ذكرنا أفضل، يكون في سائر الأعضاء كذلك.

ش: أي ثم طلبنا حكم وضع اليدين على الركبتين من طريق النظر والقياس، وهو ظاهر.

(1)"المجتبى"(2/ 185 رقم 1032).

(2)

"مسند البزار"(3/ 365 رقم 1165).

ص: 213

قوله: "في أحكام أشكال ذلك" أي: أمثال ذلك، والأشكال -بفتح الهمزة- جمع شكل، وشكل الشيء: ما يشاكله، أي يماثله.

قوله: "بالتجافي في الركوع" أي تباعد العضدين عن الجنبين، وأصله من الجفاء: وهو البعد عن الشيء، يقال: جفاه إذا بعد عنه، وأجفاه إذا أبعده.

قوله: "أن يراوح بين قدميه" يعني أن يعتمد على إحداهما مرة، وعلى الآخرى مرة، ليوُصل الراحة إلى كل منهما، وأصله من الروْح بمعنى الراحة، ثم الأمر بالمراوحة بين القدمين.

هو ما رواه النسائي (1) بإسناده: عن ابن مسعود: "رأى رجلًا يصلي قد صفّ بين قدميه، فقال: خالفت السنة، لو راوحت بينهما كان أفضل".

وفي رواية أخرى (2): "أخطأ السُنَّه لو راوح بينهما كان أعجب إليّ".

وقال ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): ثنا شريك، عن أبي إسحاق، قال:"رأيت عمرو بن ميمون يراوح بين قدميه في الصلاة".

ثنا (4) وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، قال:"رأيت عمرو بن ميمون يراوح بين قدميه، يضع هذه على هذه وهذه على هذه".

ثنا (5) يزيد بن هارون، عن هشام قال:"كان ابن سيرين يراوح بين قدميه في الصلاة".

قوله: "وقد روي ذلك" أي الأمر بالمراوحة بين القدمين قد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه وقد ذكرناه الآن.

(1)"المجتبى"(2/ 128 رقم 892).

(2)

"المجتبى"(2/ 128 رقم 893).

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 109 رقم 7064).

(4)

"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 109 رقم 7065).

(5)

"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 110 رقم 7067).

ص: 214

قوله: "وهو روى ذلك" أي والحال أن ابن مسعود هو الذي روى التطبيق.

قوله: "معطوفًا" أي مصروفًا وموجهًا "على ما أجمعوا عليها".

قوله: "أفضلَ" بالنصب، خبر لقوله:"كما كان التفريق فيما ذكرنا".

وقوله: "يكون في سائر الأعضاء" أي يكون التقدير في سائر الأعضاء أفضلَ كذلك، وفي بعض النسخ:"في سائر الأشياء" والأول أصح.

ص: وقد روي في التجافي في السجود: ما حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس رضي الله عنهما:"أن رسول الله عليه السلام كان إذا سجد يُرى بياض إبطيه".

ش: أي قد روي في إبعاد العضدين عن الجنبين في حالة السجدة حديث ابن عباس.

أخرجه عن إبراهيم بن مرزوق، عن عفان بن مسلم، عن شعبة، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن التميمي الذي يحدث عن ابن عباس بالتفسير واسمه أربد، وقيل: أربده -بالهاء- وكان يجالس ابن عباس، لم يرو عنه غير أبي إسحاق، روى له أبو داود، وذكره ابن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل" وسكت عنه.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا عبد الله بن محمَّد النفيلي، ثنا زهير، نا أبو إسحاق، عن التميمي الذي يحدث بالتفسير عن ابن عباس قال:"أتيت النبي عليه السلام من خلفه فرأيت بياض إبطيه وهو مجخّ قد فرج يديه".

قوله: "مُجخّ" بضم الميم وبعدها جيم مفتوحة وخاء معجمة مشددة، وروي:"كان إذا صلى جَخّ" بفتح الجيم وبعدها خاء معجمة مشددة، أي فتح عضديه عن جانبيه وجافاهما عنهما، ويروى جخَّى بالياء وهو مثل جخ، وقال بعضهم:"كان إذا صلى جخّ" أي تحول من مكان إلى مكان.

(1)"سنن أبي داود"(1/ 299 رقم 899).

ص: 215

وروى البزار: "كان النبي عليه السلام إذا صلى جخى" قال: وقال النضر بن شميل: جخى: لا يتمدد في ركوعه ولا سجود.

وقال الحاكم (1): صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وهو معدود في أفراد النضر بن شميل.

ص: حدثنا أبو أمية، قال: ثنا كثير بن هشام وأبو نعيم، قالا: ثنا جعفر بن برقان، قال: حدثني يزيد بن الأصم، عن ميمونة زوج النبي عليه السلام قالت:"كان النبي عليه السلام إذا سجد جافى حتى يرى من خلفه وضح إبطيه".

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا محمَّد بن الصباح، قال: ثنا إسماعيل بن زكرياء، عن جعفر بن برقان وعبد الله بن عبد الله بن الأصم، عن يزيد بن الأصم، عن ميمونة بنحوه.

ش: هذان طريقان صحيحان:

الأول: عن أبي أمية محمَّد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي، عن كثير بن هشام الكلابي أبي سهل الرقي نزيل بغداد شيخ أحمد وروى له الجماعة البخاري في غير "الصحيح"، وعن أبي نعيم الفضل بن دكين الملائي الكوفي شيخ البخاري، كلاهما عن جعفر بن برقان الكلابي أبي عبد الله الجزري الرقي روى له الجماعة البخاري في "الأدب"، عن يزيد بن الأصم -واسم الأصم عمرو- الكوفي نزيل الرقة قال ابن أبي حاتم: ابن أخت ميمونة رضي الله عنها روى له الجماعة البخاري في "الأدب"، عن ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها.

وأخرجه مسلم (2): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم -واللفظ لعمرو، قال إسحاق: أنا، وقال الآخرون: ثنا وكيع، قال: أنا جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم، عن ميمونة بنت الحارث

(1)"مستدرك الحاكم"(1/ 351 رقم 828).

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 357 رقم 497).

ص: 216

قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد جافى حتى يرى من خلفه وضح إبطيه". قال وكيع: يعني بياضهما.

قوله: "حتى يرى" على صيغة المعلوم، وفاعله قوله:"مَنْ خلفه" و"وضح إبطيه" بالنصب مفعوله، ويجوز أن يكون "يُرى" على صيغة المجهول ويكون "وضح إبطيه" مرفوعًا بالاستناد إليه، ويكون "مِنْ" من قوله:"مِنْ خلفه" حرف جر. فافهم.

والوضح: البياض من كل شيء وقد فسره وكيع في رواية مسلم، وقال ابن الأثير: أي البياض الذي تحتهما وذلك للمبالغة في رفعهما وتجافيهما عن الجنبين.

الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن محمَّد بن الصباح الدولابي أبي جعفر البغدادي البزاز صاحب السنن، شيخ الشيخين وأبي داود وأحمد وأبي يعلى.

عن إسماعيل بن زكرياء الخلقاني أبي زياد الكوفي، عن جعفر بن برقان الرقي، وعن عبد الله بن عبد الله بن الأصم أبي سليمان البكائي، كلاهما عن يزيد بن الأصم، عن ميمونة رضي الله عنها.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا سفيان، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عمه يزيد بن الأصم، عن ميمونة:"أن النبي عليه السلام كان إذا سجد جافى بين يديه حتى لو أن بهمة أرادت أن تمر تحت يديه مرت".

وأخرجه مسلم (2) أيضًا: ثنا يحيى بن يحيى وابن أبي عمر، قالا جميعًا: عن سفيان، قال يحيى: أنا سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن عبد الله بن الأصم، عن عمه يزيد بن الأصم، عن ميمونة قالت:"كان النبي عليه السلام إذا سجد لو شاءت بهمة أن تمر بين يديه لمرت".

(1)"سنن أبي داود"(1/ 299 رقم 898).

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 357 رقم 496)

ص: 217

واعلم أنه قد وقع في إسناد أبي داود ومسلم جميعًا: عبيد الله بن عبد الله بن الأصم -بتصغير الابن وتكبير الأب- ووقع في رواية الطحاوي كلاهما بالتكبير، وقال النووي: هكذا وقع في بعض الأصول عبيد الله بن عبد الله بن الأصم -بتصغير الأول- في روايتي مسلم، وفي بعض الروايات عبد الله مكبر في الموضعين، وفي أكثرها بالتكبير في الرواية الأولى والتصغير في الثانية، وكله صحيح؛ فعبد الله وعبيد الله أخوان، وهما ابنا عبد الله بن الأصم، وكلاهما روى عن عمه يزيد بن الأصم.

ووقع في سنن النسائي (1) اختلاف في الرواة عن النسائي، بعضهم رواه بالتكبير وبعضهم بالتصغير.

ورواه البيهقي في "سننه"(2) من رواية ابن عيينة بالتصغير، ومن رواية الفزاري (3) بالتكبير.

وكذا رواه أبو داود، (4) وابن ماجه (5) في سننيهما" من رواية ابن عيينة بالتكبير، ولم يذكرا رواية الفزاري.

قلت: النسخ المضبوطة لأبي داود: عبيد الله بن عبد الله بالتصغير من رواية سفيان بن عُيينة، ولكن الذي ذكره محيي الدين النووي أنه بالتكبير من رواية سفيان، وأما الذي بالتصغير فهو من رواية مروان الفزاري وأبو داود لم يخرج من روايته.

قوله: "بهمة" واحد البهم، وهي أولاد الغنم من الذكور والإناث، وجمع البهم: بهام بكسر الباء، وقال الجوهري: البهمة من أولاد الضأن خاصة، ويطلق على الذكر والأنثى قال: والسخال أولاد المعزى.

(1)"المجتبى"(2/ 213 رقم 1109).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 114 رقم 2536).

(3)

"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 114 رقم 2537) عن عبيد الله بالتصغير.

(4)

تقدم.

(5)

"سنن ابن ماجه"(1/ 285 رقم 880) بالتصغير.

ص: 218

والحديث أخرجه الحكم في "مستدركه"، (1) والطبراني في "معجمه" (2): وقالا فيه: "بهمية" بتصغير بهمة.

ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا علي بن بحر، قال: ثنا هشام بن يوسف، عن معمر، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد الله:"أن رسول الله عليه السلام كان إذا سجد جافى حتى يُرى بياض إبطيه أو حتى أرى بياض إبطيه".

ش: إسناده صحيح، عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن علي بن بحر بن بَرِّيّ القطان أبي الحسن البغدادي شيخ أبي داود والبخاري في التعليقات، عن هشام بن يوسف الصنعاني قاضي صنعاء روى له الجماعة سوى مسلم، عن معمر بن راشد الأزدي روى له الجماعة، عن منصور بن المعتمر روى له الجماعة، عن سالم بن أبي الجعد واسمه رافع الأشجعي الكوفي روى له الجماعة، عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه.

وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا عباس بن عبد العظيم العنبري، ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر:"أن النبي عليه السلام كان إذا سجد جافى يعني جافى يديه عن جنبيه". وهذا الحديث لا نعلم أحد رواه عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن جابر إلا معمر.

قوله: "أو حتى أرى" شك من الرواي.

ص: حدثنا أبو أمية، قال: ثنا يحيى بن إسحاق، قال: ثنا ابن لهيعة، عن عبيد الله بن المغيرة، قال: حدثني أبو الهيثم، قال: سمعت أبا سعيد يقول: "كأني انظر إلى بياض كشحي رسول الله عليه السلام وهو ساجد".

ش: أبو أمية محمَّد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي ويحيى بن إسحاق البجلي أبو زكرياء السيلحيني روى له الجماعة سوى البخاري، وعبد الله بن لهيعة فيه مقال،

(1)"مستدرك الحاكم"(1/ 352 رقم 831).

(2)

"المعجم الكبير"(23/ 436 رقم 1055).

ص: 219

وعبيد الله بن المغيرة بن معيقيب السبائي أبو المغيرة المصري روى له الترمذي وابن ماجه، قال أبو حاتم: صدوق.

وأبو الهيثم سليمان بن عمرو بن عبد المصري روى له الأربعة ووثقه ابن معين وابن حبان.

وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك.

و"الكَشح" بفتح الكاف الخصر، وقال الجوهري: الكشح ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف، والكَشَح بالتحريك: دإء يصيب الإنسان في كشحه، فيكون قوله "وهو ساجد" جملة اسمية حالية.

ص: حدثنا أبو أمية، قال: ثنا يحيى الحماني، قال: ثنا شريك، عن أبي إسحاق قال:"رأيت البراء إذا سجد خَوَّى ورفع عجيزته، وقال: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل".

ش: أبو أمية محمَّد بن مسلم، ويحيى بن عبد الحميد الحماني وثقه ابن معين، وعنه: صدوق مشهور ما بالكوفة مثله، ما يقال فيه إلا من حسد. ونسبته إلى حِمَّان -بكسر الحاء المهملة وتشديد الميم- قبيلة من تميم.

وشريك هو ابن عبد الله النخعي، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، والبراء هو ابن عازب الصحابي.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا الربيع بن نافع أبو توبة، ثنا شريك، عن أبي إسحاق قال:"وصف لنا البراء بن عازب فوضع يديه واعتمد على ركبتيه، ورفع عجيزته وقال: هكذا كان رسول الله عليه السلام يسجد".

وأخرجه النسائي (2): أنا علي بن حجر المروزي، قال: أنا شريك، عن أبي إسحاق مال:"وصف لنا البراء السجود، فوضع يديه بالأرض ورفع عجيزته، وقال: هكذا رأيت النبي عليه السلام يفعل".

(1)"سنن أبي داود"(1/ 299 رقم 896).

(2)

"المجتبى"(2/ 212 رقم 1104).

ص: 220

قوله: "خوَّى" بالخاء المعجمة وتشديد الواو، أي جافى بطنه عن الأرض، ورفعها وجافى عضديه عن جنبيه حتى يخوي ما بين ذلك، قال الجوهري: خَوَّى البعير تخوية إذا جافى بطنه عن الأرض في بروكه وكذلك الرجل في سجوده، والطائر إذا أرسل جناحيه.

وجاء في رواية أخرى رواها النسائي (1): عن عبدة بن عبد الرحيم المروزي، عن النضر بن شميل، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن البراء:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى جخى". انتهى.

قلت: يقال: جخى وجخ أيضًا: إذا فتح عضديه في السجود ورفع بطنه عن الأرض، قاله المطرزي.

قوله: "ورفع عجيزته" العجيزة العجز، وهي للمرأة خاصة، فاستعارها للرجل، والعجز مؤخر الشيء.

ص: حدثنا على بن شيبة، قال: ثنا أبو صالح، قال: حدثني يحيى بن أيوب، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن عبد الله بن بحينة أنه حدثه:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد فرج بين ذراعيه وبين جنبيه حتى يُرى بياض إبطيه".

ش: إسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح ما خلا ابن شيبة.

وأبو صالح عبد الله بن صالح، ويحيى بن أيوب الغافقي المصري، وجعفر بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة الكندي أبو شرحبيل المصري، وعبد الله بن بحينة هو عبد الله بن مالك بن القشيب الأزدي الصحابي وبحينة أمه وهي بنت الأرت وهو الحارث بن المطلب بن عبد مناف.

(1)"المجتبى"(2/ 212 رقم 1105).

ص: 221

وأخرجه البخاري (1): ثنا يحيى بن بكير، قال: حدثني بكر بن مضر، عن جعفر، عن ابن هرمز، عن عبد الله بن مالك بن بحينة:"أن النبي عليه السلام كان إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه". وقال الليث: حدثني جعفر بن ربيعة نحوه.

وأخرجه مسلم (2): ثنا قتيبة بن سعيد، قال: ثنا بكر هو ابن مضر

إلى آخره نحوه.

وأخرجه النسائي (3): عن قتيبة أيضًا نحوه.

قوله: "ابن بحينة" في رواية البخاري ومسلم صفة لعبد الله أو بدل منه لا صفة لمالك، ولا له تعلق منه، فافهم؛ لأنا قلنا: إن بحينة اسم أمه، وشهرته باسم أمه

ص: حدثنا يونس، قال: أخبرني عبد الله بن نافع، عن داود بن قيس، عن عبيد الله بن عبد الله بن أقرم الكعبي، عن أبيه قال:"رأيت رسول الله عليه السلام وهو يصلي، فنظرت إلى عفرة إبطيه -يعني بياض إبطيه- وهو ساجد".

ش: إسناده حسن، ويونس هو ابن عبد الأعلى، وعبد الله بن نافع الصائغ القرشي أبو محمَّد الكوفي روى له الجماعة البخاري في "الأدب" وداود بن قيس الفراء الدباغ أبو سليمان المدني روى له الجماعة البخاري مستشهدًا، وعبيد الله بن عبد الله بن أقرم بن زيد الخزاعي وثقه النسائي وروى له والترمذي وابن ماجه، وأبوه عبد الله بن أقرم الخزاعي الصحابي يكنى أبا معبد روى عن النبي عليه السلام هذا الحديث فقط روى عنه ابنه عبيد الله المذكور.

وأخرجه الترمذي (4): ثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو خالد الأحمر، عن داود بن قيس، عن عبيد الله بن عبد الله بن أقرم الخزاعي، عن أبيه قال: "كنت مع أبي بالقاع

(1)"صحيح البخاري"(1/ 152 رقم 383).

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 356 رقم 495).

(3)

"المجتبى"(2/ 212 رقم 1106).

(4)

"جامع الترمذي"(2/ 62 رقم 274).

ص: 222

من نمرة فمرت ركبة فإذا رسول الله عليه السلام قام يصلي، قال: فكنت أنظر إلي عفرتي إبطيه إذا سجد وأرى بياضه". وقال أبو عيسى: حديث عبد الله بن أقرم حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث داود بن قيس، ولا يعرف لعبد الله بن أقرم عن النبي عليه السلام غير هذا الحديث.

وأخرجه النسائي (1): أنا علي بن حجر، قال: أبنا إسماعيل، قال: ثنا داود بن قيس، عن عبيد الله بن عبد الله بن أقرم، عن أبيه قال:"صليت مع رسول الله عليه السلام فكنت أرى عفرة إبطيه إذا سجد".

وأخرجه ابن ماجه (2): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا وكيع، عن داود بن قيس، عن عبيد الله بن عبد الله بن أقرم الخزاعي، عن أبيه قال:"كنت مع أبي بالقاع من نمرة، فمر بنا ركب فأناخوا في ناحية الطريق فقال لي أبي: كن في بهمك حتى آتي هؤلاء القوم وأُسائلهم، قال: فخرج وجئت يعني دنوت، فإذا رسول الله عليه السلام، فحضرت الصلاة فصليت معهم، فكنت انظر إلى عفرتي إبطي رسول الله عليه السلام كلما سجد".

قوله: "إلى عفرة إبطيه العفرة بياض ليس بالناصع ولكن كلون عفر الأرض وهو وجهها، ومنه "يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء" (3).

قوله: "بالقاع" وهو مكان مستو واسع في وطأة من الأرض، يطؤه ماء السماء فيمسكه ويستوي نباته.

قوله: "من نَمِرة" بفتح النون وكسر الميم، وهو الجبل الذي عليه أنصاب الحرم بعرفات.

(1)"المجتبى"(2/ 213 رقم 1108).

(2)

"سنن ابن ماجه"(1/ 285 رقم 881).

(3)

متفق عليه من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، البخاري (5/ 2390 رقم 6156)، ومسلم (4/ 2150 رقم 2790).

ص: 223

قوله: "فمرت رَكَبة" بفتح الكاف وهم أقل من الركب، والركب اسم من أسماء الجمع كنفر ورهط، وقيل: هو جمع راكب كصاحب وصَحْب، والراكب في الأصل هو راكب الإبل خاصة، ثم اتسع فيه فأطلق على كل من ركب دابة، وجمع الرَّكَبَة -بالتحريك-: الرَّكَبَات.

قوله: "في بهمك" البهم بفتح الباء الموحدة جمع بَهْمة وهي ولد الضأن الذكر والأنثى، وجمع البهم بِهَام -بالكسر- وأولاد المعزى السخال فإذا اجتمعا أطلق عليها البهم والبهام.

ص: حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرني نافع بن يزيد، قال: أخبرني خالد بن يزيد، عن عبيد الله بن المغيرة، عن أبي الهيثم، عن أبي هريرة أنه قال:"كأني انظر إلى بياض كشحي رسول الله عليه السلام وهو ساجد".

ش: إسناده حسن، وابن أبي مريم هو سعيد بن الحكم بن سالم المعروف بابن أبي مريم أبو محمَّد المصري شيخ البخاري، ونافع بن يزيد أبو يزيد المصري روى له الجماعة إلا الترمذي، وخالد بن يزيد ويقال: ابن أبي يزيد وهو الصواب، قال يحيى: لا بأس به. روى له ابن ماجه.

وعبيد الله بن المغيرة بن معيقيب السبائي المصري، قال أبو حاتم: صدوق. وروى له الترمذي وابن ماجه.

وأبو الهيثم اسمه سليمان بن عمرو بن عبد المصري، وثقه ابن معين، وروى له الأربعة.

وقد مر تفسير "الكشح".

قوله: "وهو ساجد" جملة حالية.

ص: حدثنا محمَّد بن علي بن داود، قال: ثنا أبو نعيم وصفان، قالا: ثنا عباد بن راشد، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثني أحمر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن كنا لنأوي لرسول الله عليه السلام مما يجافي يديه عن جنبيه إذا سجد".

ص: 224

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم وأبو عامر، عن عباد بن ميسرة، عن الحسن قال: أخبرني أحمر صاحب النبي عليه السلام مثله.

ش: هذان طريقان:

الأول: عن محمَّد بن علي بن داود أبي بكر البغدادي المعروف بابن أخت غزال، وثقه ابن يونس، عن أبي نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري، وصفان بن مسلم الصفار شيخ أحمد، كلاهما عن عباد بن راشد التميمي البصري البزاز، فيه مقال؛ فعن أحمد: شيخ ثقة صدوق صالح. وعن يحيى: ضعيف. وعنه: صالح. وعن أبي داود: ضعيف. وقال النسائي: ليس بالقوي. روى له البخاري مقرونًا بغيره وأبو داود والنسائي وابن ماجه.

عن الحسن هو البصري، عن أحمر بن جري -بفتح الجيم وكسر الراء- وقيل: بالتصغير، وقيل: حَرِي بالحاء المهملة، وقيل: جَزْء -بفتح الجيم وسكون الزاي وفي آخره همزة- وأحمر هذا له صحبة ولم يرو عنه غير الحسن البصري، روى عن النبي عليه السلام هذا الحديث لا غير.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا مسلم بن إبراهيم، نا عباد بن راشد، ثنا الحسن، نا أحمر بن جزء صاحب رسول الله عليه السلام:"أن رسول الله عليه السلام كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه حتى نأوي له".

وأخرجه ابن ماجه (2): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، نا عباد بن راشد

إلى آخره نحو رواية الطحاوي.

وأخرجه البيهقي في "سننه"(3): وقال الذهبي في "مختصره": هذا التجافي منه عليه السلام كان لأنه كان إمامًا لا يزحمه أحد، فأما إذا كان الصف قصيًّا فهو أولى بهم من تحللهم فمع التراص لا يمكنهم التجافي.

(1)"سنن أبي داود"(1/ 300 رقم 900).

(2)

"سنن ابن ماجه"(1/ 287 رقم 886).

(3)

"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 115 رقم 2543).

ص: 225

قوله: "إن كنا""إن " هذه مخففة من المثقلة.

قوله: "لنأوي" اللام فيه للتأكيد، ومعناه نرقّ له ونرثى يقال أويت للرجل آوي له إذا أصابه شيء فرثيت له.

الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد وأبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، كلاهما عن عباد بن ميسرة المنقري البصري، وعن أحمد: ضعيف، وعن يحيى: لا بأس به، عن الحسن البصري.

وأخرجه أبو يعلى في "مسنده"(1): أنا أبو موسى، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا عباد بن راشد، قال: سمعت الحسن يقول: حدثنا أحمر صاحب رسول الله عليه السلام قال: "إن كنا لنأوي لرسول الله عليه السلام مما يجافي يديه عن جنبيه إذا سجد".

وأخرجه الطبراني (2) نحوه.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فلما كانت السنة فيما ذكرنا تفريق الأعضاء لا إلصاقها؛ كانت فيما ذكرنا أيضًا كذلك؛ فثبت بثبوت النسخ الذي ذكرنا، وبالنسخ الذي وصفنا انتقاء التطبيق، ووجوب وضع اليدين على الركبتين. وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: أراد من قوله فيما ذكره: ما ذكره من أحاديث ابن عباس وميمونة وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري والبراء بن عازب وعبد الله بن بحينة وعبد الله بن أقرم وأبي هريرة وأحمر بن جَرِي رضي الله عنهم في التجافي في السجود، وأراد بقوله:"كانت فيما ذكرنا أيضًا" ما ذكره من وضع اليدين على الركبتين؛ لأن فيه أيضًا تفريق الأعضاء بخلاف التطبيق؛ لأن فيه إلصاق اليدين.

(1)"مسند أبي يعلى"(3/ 123 رقم 1552).

(2)

"المعجم الكبير"(1/ 279 رقم 813).

ص: 226

وإيرادُه أحاديث هؤلاء الصحابة في هذا الباب؛ لأجل المعنى الذي ذكره.

قوله: "وهذا" أي وضع اليدين على الركبتين هو قول أبي حنيفة وصاحبيه أبي يوسف ومحمد، وهو قول مالك والشافعي وأحمد أيضًا وأصحابهم، وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، كما ذكرناه مستقصى والله أعلم.

ص: 227