الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: الإمام يقول سمع الله لمن حمده هل ينبغي له أنا يقول بعدها: ربنا لك الحمد أم لا
؟
ش: أي هذا باب في بيان أن الإِمام هل يجمع بين سمع الله لمن حمده وبين ربنا لك الحمد، أم يكتفي على قوله: سمع الله لمن حمده؟ ومعنى سمع الله: أجاب، وهذا مجاز عن الإجابة، والهاء فيه للسكتة والاستراحة، لا للكناية حتى لا يجوز فيه إلا الوقف، ونصّ في "فتاوى المناقبي": أنه إذا حرك الهاء تفسد صلاته و"ربنا" منصوب على أنه منادى حذف حرف النداء منه، والواو في "ربنا ولك الحمد" قيل: إنها زائدة، وقيل: عاطفة، تقديره: ربنا حمدناك ولك الحمد، وقال الأصمعي: سألت أبا عمرو بن العلاء عن هذه "الواو" فقال: هي زائدة، ومذهب أبي حنيفة حذف الواو، كما وقع في حديث عبد الله بن أبي أوفى الذي أخرجه مسلم وغيره كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وقال صاحب "المحيط": اللهم ربنا لك الحمد أفضل؛ لزيادة الثناء، وعن أبي حفص: لا فرق بين قوله: "لك، وبين قوله: "ولك" وعند الشافعي يأتي "الواو" ولو أسقطها جاز.
ص: حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال: حدثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا همام وأبو عوانة وأبان، عن قتادة، عن يونس بن جُبير، عن حطان بن عبد الله، عن أي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:"علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فقال: إذا بر الإمام فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد، يسمع الله لكم، فإن الله قال على لسان نبيه: سمع الله لمن حمده".
حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق جميعًا، قالا: ثنا سعيد بن عامر، قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة
…
فذكر بإسناده مثله.
ش: هذان إسنادان صحيحان، ذكرهما الطحاوي بعينهما في باب: الخفض في الصلاة هل فيه تكبير؟ غير أنه اقتصر هناك في متن الإسناد الأول على قوله: "إذا كبر الإِمام وسجد فكبروا واسجدوا" وزاد هنا البقية، مع زيادته في نفس الإسناد: أبا عوانة الوضاح اليشكري وأبان بن يزيد العطار، وكذا زاد ها هنا في نفس الإسناد الثاني: أبا بكرة بكّار القاضي، وقد ذكرنا هناك أن هذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه مطولًا ومختصرًا (1).
قوله: "يسمع الله لكم" أي يستجيب لكم، كما يقال: السلطان سمع كلام فلان، أي أجاب إلى كلامه.
ويستفاد منه أحكام:
الأول: استدل به أبو حنيفة على أن المقتدي يكبر مقارنًا لتكبير الإمام لا يتقدم ولا يتأخر؛ لقوله إذا كبر الإِمام فكبروا؛ لأن "الفاء" للحال، وقال أبو يوسف ومحمد: والأفضل أن يكبر بعد فراغ الإِمام من التكبير؛ لأن "الفاء" للتعقيب، وإن كبر مع الإِمام أجزأه عند محمد -رواية واحدة- وقد أساء، وكذلك في أصح الروايتين عن أبي يوسف، وفي رواية: لا يصير شارعًا، ثم ينبغي أن يكون اقترانهما في التكبير على قوله كاقتران حركة الخاتم والإصبع، والبعدية على قولهما أن يوصل "ألف" الله بـ"راء" أكبر.
وقال شيخ الإسلام جواهر زاده: قول أبي حنيفة أدق وأجود وقولهما أرفق وأحوط.
ثم قيل: الخلاف في الجواز، والفتوى أنه في الأفضلية، وقول الشافعي كقولهما، وقال الماوردي: إن شرع في تكبير الإحرام قبل فراغ الإِمام منها لم تنعقد صلاته،
(1) تقدم.
ويركع بعد شروع الإِمام في الركوع، فإن قارنه أو سابقه فقد أساء، ولا تبطل صلاته، فإن سلم قبل إمامه بطلت صلاته إلا أن ينوي المفارقة ففيه خلاف مشهور.
الثاني: أن "الفاء" في قوله: "فاركعوا" وفي قوله: "فاسجدوا" تدل على التعقيب وتدل على أن المقتدي لا يجوز له أن يسبق الإِمام بالركوع والسجود، حتى إذا سبقه فيهما ولم يلحقه الإِمام فسدت صلاته.
الثالث: فيه فرضية التكبير -أعني تكبيرة الافتتاح- وفرضية الركوع والسجود بقوله: "فكبروا"، "فاركعوا"، "فاسجدوا" لأنها أوامر تدل على الوجوب.
فإن قيل: هلَّا توجب التحميد لقوله: "فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد" وهو أيضًا أمر، وما الفرق بين الأمرين؟
قلت: قامت قرينة على عدم الوجوب ها هنا، وهي أن النبي عليه السلام لما علَّم الأعرابي أركان الصلاة لم يأمره أن يقول: ربنا لك الحمد، ولا سمع الله لمن حمده، فدل ذلك على أنهما من سنن الصلاة.
الرابع: فيه أن الإِمام يكتفي بالتسميع، وبه قال أبو حنيفة على ما يجيء عن قريب إن شاء الله تعالى.
ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء، قال: سمعت أبا علقمة يحدث، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام نحوه، غير أنه لم يذكر قوله: "سمع الله لكم
…
" إلى آخر الحديث.
حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق، قالا: ثنا سعيد بن عامر، قال: ثنا محمَّد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام مثله.
حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا الخصيب بن ناصح، قال: ثنا وهيب بن خالد، عن مصعب بن محمَّد القرشي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام مثله.
حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أن رسول الله عليه السلام قال:"إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد؛ فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه".
ش: هذه أربع طرق صحاح:
الأول: عن أبي بكرة بكار، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن شعبة، عن يعلى بن عطاء العامري الطائفي، عن أبي علقمة المصري مولى بني هاشم، ويقال مولى عبد الله بن عباس، روى له الجماعة البخاري في غير الصحيح.
وأخرجه مسلم (1): ثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: نا شعبة (ح)
ونا عبيد الله بن معاذ -واللفظ له- قال: ثنا أبي، قال: ثنا شعبة، عن يعلى وهو ابن عطاء، سمع أبا علقمة، سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله عليه السلام: "إنما جعل الإِمام جُنَّة فإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، فإذا وافق قول أهل الأرض قول أهل السماء غفر له ما تقدم من ذنبه".
الثاني: عن أبي بكرة أيضًا وإبراهيم بن مرزوق، كلاهما عن سعيد بن عامر الضبعي، عن محمَّد بن عمرو، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام.
وأخرجه الدارمي في "سُننه"(2): أنا يزيد بن هارون، أنا محمَّد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا قال: سمع الله لمن
(1)"صحيح مسلم"(1/ 310 رقم 416).
(2)
"سنن الدارمي"(1/ 343 رقم 1311).
حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون".
الثالث: عن نصر بن مرزوق، عن الخصيب بن ناصح البصري نزيل مصر، عن وهيب بن خالد البصري، عن مصعب بن محمد بن شرحبيل المكي، عن أبي صالح ذكوان الزيات، عن أبي هريرة نحوه.
وأخرجه أبو داود (1): ثنا سليمان بن حرب ومسلم بن إبراهيم -المعنى- عن وهيب، عن مصعب بن محمَّد، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإِمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد -قال مسلم: ولك الحمد- وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعون".
الرابع: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن سمي، عن أبي صالح ذكوان، عن أبي هريرة.
وهؤلاء كلهم رجال "الصحيح".
وأخرجه الجماعة غير ابن ماجه:
فالبخاري (2): عن عبد الله بن يوسف، عن مالك.
ومسلم (3): عن يحيى بن يحيى، عن مالك.
وأبو داود (4): عن عبد الله بن مسلمة، عن مالك.
(1)"سنن أبي داود"(1/ 220 رقم 603).
(2)
"صحيح البخاري"(1/ 274 رقم 763).
(3)
"صحيح مسلم"(1/ 306 رقم 409).
(4)
"سنن أبي داود"(1/ 285 رقم 848).
والترمذي (1): عن إسحاق بن موسى، عن معن، عن مالك، وليس في روايته "اللهم".
والنسائي (2): عن قتيبة، عن مالك نحو رواية الترمذي.
قوله: "فإنه" أي فإن الشأن.
قوله: "من وافق قوله قول الملائكة" يعني في قوله "آمين" في زمن واحد، وقيل: الموافقة بالصفة من الإخلاص والخشوع، وقيل: موافقته إياهم: دعاؤه للمؤمنين كدعاء الملائكة لهم، وقيل: الموافقة: الإجابة، أي فمن استجيب له كما يستجاب لهم، وهو بعيد. وقيل: هي إشارة إلى الحفظة وشهودها الصلاة مع المؤمنين، فنُؤمِّن إذا أمن الإمام، فمن فعل فعلهم وحضر حضورهم الصلاة، وقال قولهم؛ غفر له.
والقول الأول أولى.
وقال الخطابي: وفيه دلالة على أن الملائكة يقولون مع المصلي هذا القول، ويستغفرون ويحضرون بالدعاء والذكر.
ص: فذهب قوم إلى أن هذه الآثار قد دلتهم على ما يقول الإمام والمأموم جميعًا، وأن قول النبي عليه السلام:"سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد" دليل على أن سمع الله لمن حمده يقولها الإمام دون المأموم، وأن "ربنا لك الحمد" يقولها المأموم دون الإمام، وممن ذهب إلى هذا القول أبو حنيفة رضي الله عنه.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: الليث بن سعد ومالكًا وعبد الله بن وهب وأحمد في رواية؛ فإنهم قالوا: إن الإمام يكتفي بالتسميع، والمأموم بالتحميد فقط، وممن ذهب إلى، هذا القول: الإمام أبو حنيفة، وذلك لأن الآثار المذكورة دلت على ذلك، كذلك لأنه عليه السلام قسم، والقسمة تنافي الشركة.
(1)"جامع الترمذي"(2/ 55 رقم 267).
(2)
"المجتبى"(2/ 196 رقم 1063).
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: بل يقول الإمام: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم يقول المأموم: ربنا ولك الحمد خاصة، وقالوا: ليس في قول النبي عليه السلام: "وإذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد" دليل على أن ذلك يقوله الإمام دون غيره، ولو كان ذلك كذلك؛ لاستحال أن يقولها من ليس بمأموم.
فقد رأيناكم تجمعون على أن المصلي وحده يقولها مع قوله: "سمع الله لمن حمده"؛ فكما كان من يصلي وحده يقولها وليس بمأموم، ولم ينف ذلك ما ذكرنا من قول رسول الله عليه السلام؛ كان الإمام أيضًا يقولها كذلك، ولا ينف ذلك ما ذكرنا من قول رسول الله عليه السلام.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الشعبي وابن سيرين وأبا بردة والشافعي وإسحاق وابن المنذر وأبا يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد في المشهور؛ فإنهم قالوا: بل يجمع الإمام بين التسميع والتحميد. وإليه ذهبت الظاهرية أيضًا.
وفي "المغني" لابن قدامة: وهذا قول أكثر أهل العلم، منهم: ابن مسعود وابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم.
قوله: "ثم يقول المأموم: ربنا ولك الحمد خاصةً" يعني لا يجمع بينه وبين "سمع الله لمن حمده"؛ وفيه خلاف الشافعي.
وقال الترمذي في "جامعه": وقال ابن سيرين وغيره: يقول من خلف الإمام: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد" مثل ما يقول الإمام؛ وبه يقول الشافعي وإسحاق.
قلت: وهو قول ابن نافع وعيسى من أصحاب مالك، ويروى عن مالك أيضًا، وإليه ذهبت الظاهرية أيضًا.
وقال صاحب "المغني"(1): قال ابن سيرين وأبو بردة وأبو يوسف ومحمد والشافعي وإسحاق: يقول المأموم ذلك كالإمام. انتهى.
قلت: عَدُّهُ أبايوسف ومحمدًا منهم ليس بصحيح؛ فإن مذهبهما كمذهب الجمهور: أن المأموم يقتصر على التحميد ولا يجمع بينهما.
قوله: "وقالوا" أي قال الآخرون؛ هذا جواب عما استدل به أهل المقالة الأولى بالآثار المذكورة على أن التسميع لا يقوله الإمام دون المأموم وهو ظاهر.
قوله: فقد رأينكم تجمعون على أن المصلي وحده يقولها مع قوله: "سمع الله لمن حمده" أي يقول: "ربنا لك الحمد" مع "سمع الله من حمده" وفيه كلام؛ فقال صاحب "البدائع": وإن كان منفردًا يأتي بالتسميع في ظاهر الرواية، وكذا بالتحميد عندهم، وعن أبي حنيفة روايتان:
روى المعلى، عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة أنه قال: يأتي بالتسميع دون التحميد.
وإليه ذهب الشيخ أبو القاسم الصفار والشيخ أبو بكر الأعمش، وروى الحسن، عن أبي حنيفة: أنه يجمع بينهما. وذكر في بعض النوادر عنه: أنه يأتي بالتحميد لا غير. وفي "الجامع الصغير" ما يدل عليه؛ فإن أبا يوسف قال: سألت أبا حنيفة عن الرجل يرفع رأسه من الركوع في الفريضة يقول: اللهم اغفر لي؟ قال: يقول: ربنا لك الحمد، ويسكت.
وما أراد به الإمام لأنه لا يأتي بالتحميد عنده؛ فكان المراد به المنفرد.
وجه هذه الرواية: أن التسميع ترغيب في التحميد، وليس معه من يرغبه، والإنسان لا يرغِّب نفسه؛ فكانت حاجته إلى التحميد لا غير.
وجه رواية المعلى: أن التحميد يقع في حالة القومة وهي مسنونة، وسنة الذكر تختص بالفرائض والواجبات كالتشهد في القعدة الأولى؛ ولهذا لم يشرع في القعدة بين السجدتين.
(1)"المغني"(1/ 583).
وجه رواية الحسن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بينهما في حديث عائشة رضي الله عنها ولا محمل له سوى حالة الانفراد؛ ولهذا كان عمل الأمة على هذا؛ وما كان الله ليجمع أمة محمد عليه السلام على ضلالة.
ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن عبدالله بن الفضل، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن النبي عليه السلام:"كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد".
ش: أي احتج الآخرون في قولهم: إن الإمام يجمع بين التسميع والتحميد؛ بحديث علي بن أبي طالب هذا.
ولكن الاحتجاج به غير تام؛ لأنه ليس فيه دلالة على أنه عليه السلام كان يقول ذلك وهو إمام، والدعوى لا تقوم إلا بحجة تامة على ما يذكره الطحاوي عن قريب.
وهذا الإسناد بعينه مذكور في أول باب "رفع اليدين في افتتاح الصلاة، ولكن متن الحديث هناك: "كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة ورفع يديه حذو منكبيه".
ثم أعاد هذا الإسناد بعينه في أول باب "التكبير للركوع " وزاد في المتن على ما ذكرنا: "ويصنع مثل ذلك -إذا قضى قراءته- إذا أراد أن يركع، ويصنعه إذا فرغ ورفع من الركوع، ولا يرفع يديه في شيء من الصلاة وهو قاعد، وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك وكبر".
ثم أعاد هذا الإسناد بعينه في أول باب "ما ينبغي أن يقال في الركوع والسجود" ومتن الحديث هناك: "كان رسول الله عليه السلام يقول وهو راكع: اللهم لك ركعت -إلى قوله-: فتبارك الله أحسن الخالقين".
فكل ذلك حديث واحد، وتقطيعه إياه بحسب التبويب.
وقد ذكرنا في باب "رفع اليدين في افتتاح الصلاة" أن أبا داود أخرج هذا الحديث بهذا الإسناد.
وأخرج الترمذي (1): عن محمود بن غيلان، قال: نا أبو داود الطيالسي، قال: ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، قال: حدثني عمي، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:"كان رسول الله عليه السلام إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد".
قال أبو عيسى: حديث علي حديث حسن صحيح.
قوله: "ملء السماوات" بنصب الهمزة ورفعها، والنصب أشهر، وهو الذي اختاره ابن خالويه ورجحه، وأطنب في الاستدلال له، وجوز الرفع على أنه مرجوح. وحكي عن الزجاج: أنه يتعين الرفع، ولا يجوز غيره، وبالغ في إنكار النصب.
قلت: أما انتصابه: فعلى أنه صفة لمصدر محذوف، أي: حمدًا ملء السماوات والأرض، وأما الرفع: فعك أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هو ملء السموات والأرض، ثم المِلء -بكسر الميم-: ما يأخذه الإناء إذا امتلأ، والمَلْء -بالفتح- مصدر ملأت الإناء فهو مملوء، ودلو مَلأَى على فَعْلى، وكوز ملآن ماءً، والعامة تقول: مَلِيء ماءً. وها هنا بكسر الميم.
وفيه: إشارة إلى الاعتراف بالعجز عن أداء حق الحمد بعد استفراغ المجهود؛ فإنه عليه السلام حمده ملء السماوات والأرض وهذه نهاية أقدام السابقين، وهذا تمثيل وتقريب، والكلام لا يقدر بالمكاييل ولا تسعه الأوعية، وإنما المراد منه تكثير العدد حتى لو خمدر أن تكون تلك الكلمات أجسامًا تملأ الأماكن لبلغت من كثرتها ما يملأ السماوات والأرض.
(1)"جامع الترمذي"(2/ 53 رقم 266).
قوله: "وملء ما شئت من شيء بعد" إشارة إلى أن حمد الله أعز من أن يحترزه الحسبان أو يكتنفه الزمان والمكان، فأحال الأمر على المشيئة، وليس وراء ذلك الحمد منتهىً، ولم ينته أحد من خلق الله في الحمد مبلغه ومنتهاه؛ وبهذه الرتبة استحق أن يسمى أحمد؛ لأنه كان أحمد من سواه.
وقوله: "بعدُ" مبني على الضم؛ لأنه قطع عن الإضافة فبني على الضم.
واحتج الشافعي به على أن المصلي يقول هذا سواء كان في المكتوبة أو التطوع.
وقال الترمذي عقيب ذكره هذا الحديث: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وبه يقول الشافعي، قال: يقول هذا في المكتوبة والتطوع، وقال بعض أهل الكوفة: يقول هذا في صلاة التطوع ولا يقولها في صلاة المكتوبة.
قلت: وبه قال أحمد.
ص: حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: أنا هشام بن حسان، عن قيس بن سعد، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي عليه السلام مثله.
ش: إسناده صحيح.
وأخرجه مسلم (1): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا هشيم بن بشير، قال: أنا هشام بن حسان، عن قيس بن سعد، عن عطاء، عن ابن عباس:"أن النبي عليه السلام كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد".
وأخرجه أيضًا (1) مقتصرًا على قوله: "وملء ما شئت من شيء بعد" كرواية الطحاوي.
(1)"صحيح مسلم"(1/ 347 رقم 478).
وكذا أخرجه النسائي (1): عن أبي داود سليمان بن سيف الحراني، عن سعيد بن عامر، عن هشام بن حسان
…
إلى آخره نحوه.
ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا شعبة، قال: حدثني عبيد -هو ابن الحسن- قال: سمعت ابن أبي أوفى يحدث، عن النبي عليه السلام مثله.
ش: هو أيضًا صحيح، وأبو بكرة بكار، وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري وأبي داود، وابن أبي أودنئ هو عبد الله بن أبي أوفى، واسم أبي أوفى علقمة بن خالد الأسلمي، له ولأبيه صحبة.
وأخرجه مسلم (2): ثنا محمد بن المثنى وابن بشار، قالا: نا محمد بن جعفر، قال: نا شعبة، عن عبيد بن الحسن قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى قال: "كان رسول الله عليه السلام يدعو بهذا الدعاء: اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد".
وأخرجه أبو داود (3): ثنا محمَّد بن عيسى، ثنا عبد الله بن نمير وأبو معاوية ووكيع ومحمد بن عبيد، كلهم عن الأعمش، عن عبيد بن الحسن، قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول: "كان النبي عليه السلام إذا رفع رأسه من الركوع يقول: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد".
وأخرجه ابن ماجه (4): عن محمَّد بن عبد الله بن نمير، عن وكيع، عن الأعمش
…
إلى آخره نحو رواية أبي داود.
ص: حدثنا مالك بن عبد الله بن سيف، قال: ثنا عبد الله بن يوسف الدمشقي، قال: أنا سعيد بن عبد العزيز التنوخي، عن عطية بن قيس الكلاعي، عن قزعة بن
(1)"المجتبى"(2/ 198 رقم 1066).
(2)
"صحيح مسلم"(1/ 346 رقم 476).
(3)
"سنن أبي داود"(1/ 284 رقم 878).
(4)
"سنن ابن ماجه"(1/ 284 رقم 878).
يحيى، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي عليه السلام مثله، وزاد:"أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا نازع لما أعطيت ولا ينفع ذا الجد منك الجد".
ش: إسناده صحيح، وعبد الله بن يوسف شيخ البخاري، وسعيد بن عبد العزيز بن أبي يحيى التنوخي أبو عبد العزيز الدمشقي فقيه أهل الشام ومفتيهم بعد الأوزاعي، روى له الجماعة البخاري في غير الصحيح.
وعطية بن قيس الكلاعي أبو يحيى الحمصي، روى له الجماعة؛ البخاري مستشهدًا بحديث واحد.
وقزعة بن يحيى أبو الغادية البصري، روى له الجماعة، وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك.
وأخرجه مسلم (1): ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، قال: أنا مروان بن محمَّد الدمشقي، قال: ثنا سعيد بن عبد العزيز، عن عطية بن قيس، عن قزعة بن يحيى، عن أبي سعيد الخدري قال:"كان رسول الله عليه السلام إذا رفع رأسه من الركوع قال: ربنا لك الحمد ملء السموات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبدٌ، اللهم لا ما نع لما أعطيت، ولا مُعطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد".
وأخرجه أبو داود (2): ثنا مؤمل بن الفضل الحراني، نا الوليد.
وثنا محمود بن خالد، ثنا أبو مسهر، وثنا ابن السرح، نا بشر بن بكر.
ونا محمد بن محمد بن مصعب، نا عبد الله بن يوسف، كلهم عن سعيد بن عبد العزيز، عن عطية، عن قزعة بن يحيى، عن أبي سعيد الخدري: "أن رسول الله عليه السلام كان يقول -حين يقول سمع الله لمن حمده-: اللهم ربنا لك الحمد ملء السماء -قال مؤمل: ملء السموات- وملء الأرض وملء ما شئت من شيء
(1)"صحيح مسلم"(1/ 347 رقم 477).
(2)
"سنن أبي داود"(1/ 285 رقم 847).
بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت -زاد محمود: ولا معطي لما منعت، ثم اتفقا- ولا ينفع ذا الجد منك الجد".
قال بشر: "ربنا لك الحمد". لم يقل محمود: "اللهم" قال: "ربنا ولك الحمد".
وأخرجه النسائي (1): أنا عمرو بن هشام أبو أمية الحراني، قال: ثنا مخلد، عن سعيد بن عبد العزيز، عن عطية بن قيس، عن قزعة بن يحيى، عن أبي سعيد، أن رسول الله عليه السلام كان يقول:"سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، حق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا نازع لما أعطيت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد".
قوله: "أهل الثناء والمجد" وهو منصوب على النداء، والمعنى: يا أهل الثناء والمجد. وهو المشهور، ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي أنت أهل الثناء، و"الثناء" الوصف الجميل والمدح، و"المجد" العظمة ونهاية الشرف.
قال القاضي عياض: ووقع في رواية ابن ماهان: "أهل الثناء والحمد" وله وجه، ولكن المشهور الصحيح هو الأول.
قوله: "أحق ما قال العبد، وكلنا" هكذا هو الراوية المشهورة "أحق" بالألف، "وكلنا" بالواو ولكن وقع في رواية النسائي:"حق" بدون الألف، ووقع في بعض روايات النسائي:"خير ما قال العبد".
وقال بعض الأفاضل: هو الصحيح.
ووقع في كتب الفقه: "حق ما قال العبد كلنا"(2) بحذف "الألف" و"الواو"،
(1)"السنن الكبرى"(1/ 224 رقم 655) بهذا اللفظ، وهو في "المجتبى"(2/ 198 رقم 1068) مع اختلاف في بعض ألفاظه.
(2)
وهكذا رواه النسائي في "السنن الكبرى"(1/ 224 رقم 655).
وقال الحافظ ابن حجر في "تلخيص الحبير"(1/ 244): وقع في كتاب "المهذب" ما وقع هنا بإسقاط الألف من "أحق" وبإسقاط الواو من "وكلنا"، وتعقبه النووي بأن الذي عند المحدثين بإثباتها، كذا قال، وهو في "سنن النسائي" بحذفها أيضًا. انتهى.
فهذا غير معروف من حيث الرواية، وإن كان معناه صحيحًا، والرواية المعروفة المشهورة:"أحق ما قال العبد وكلنا" ومعناه: أحق قول العبد "لا نازع لما أعطيت" فيكون ارتفاع "أحق" على الابتداء وخبره قوله: "لا نازع".
قوله: "وكلنا لك عبد" جملة معترضة بينهما، وتقدير الكلام: أحق قول العبد: لا نازع لما أعطيت، أو"لا مانع لما أعطيت" وكلنا لك عبد فيجب أن نقوله.
وفائدة الاعتراض: الاهتمام به وارتباطه بالكلام السابق، ونظيره في القرآن:{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} (1) الآية فإن قوله: {وَلَهُ الْحَمْدُ} اعتراض بين قوله: {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} و {وَعَشِيًّا} والجملة المعترضة لا محل لها من الأعراب وقد عرف ذلك في موضعه.
فإن قيل: ما وجه كون هذا أحق ما يقوله العبد؟
قلت: لأن فيه التفويض إلى الله تعالى والإذعان له والاعتراف بوحدانيته، والتصريح بأنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وأن الخير والشر منه.
قوله: "لا نازع لما أعطيت" كذا في رواية النسائي أيضًا كما ذكرناها، وفي رواية غيرهما:"لا مانع لما أعطيت" وكلاهما معنى واحد.
قوله: "ولا ينفع ذا الجد منك الجد" أي لا ينفع ذا الغنى، منك غناه، وإنما ينفعه العمل بطاعتك، أو معناه: لا يُسْلِمه من عذابك غناه.
و"الجد" في اللغة: الحظ والسعادة والغنى، ومنه:"تعالى جدُّك". أي: علا جلالك وعظمتك. والمشهور فيه فتح الجيم، هكذا ضبطه العلماء المتقدمون والمتأخرون.
وقال ابن عبد البّر: ومنهم من رواه بالكسر، وقال أبو جعفر الطبري: هو بالفتح. قال: وقاله الشيباني بالكسر. قال: وهذا خلاف ما عرفه أهل النقل. قال: ولا نعلم من قاله غيره، وضَعّف الطبريّ ومن بعده الكسر.
(1) سورة الروم، آية:[17 - 18].
قالوا: ومعناه على ضعفه الاجتهاد، أي: لا ينفع ذا الاجتهاد منك اجتهاده، إنما ينفعه وينجيه رحمتك.
وقيل: المراد: ذا الجد والسعي التام في الحرص على الدنيا.
وقيل: معناه: الإسراع في الهرب، أي: لا ينفع ذا الإسراع في الهرب منك هروبه فإنه في قبضتك وسلطانك.
فإن قيل: بيَّن لي إعراب هذا الكلام؟
قلت: "ذا الجد" منصوب على أنه مفعول "لا ينفع"، وكلمة "من" في قوله:"منك" للبدل كما في قوله تعالى: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} (1) أي: بدل طاعة الله، أو بدل رحمة الله. وكما في قوله تعالى:{أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} (2) أي بدل الآخرة.
وقوله: {لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} (3) أي: بدلكم؛ لأن الملائكة لا تكون من الإنس.
وقال أبو حيان: إثبات البدلية لـ "مِنْ" فيه خلاف، وأصحابنا ينكرونه، وغيرهم قد أثبته، وزعم أنها تأتي لمعنى البدل، واستدل بالآيات التي تَلَوْنَا وبقول الشاعر:
[أخذوا](4) المخاضَ من الفصيل غُلُبَّة
…
ظلما ويكتبُ للأميرِ أفِيلا
أي: بدل الفصيل -وهو ولد الناقة إذا فُصل عن أمّه- والجمع فصلان، والمخاض ما تمت له سنة وطعنت في الثانية، وغُلُبَّةَّ -بضم الغين المعجمة واللام وتشديد الباء الموحدة المفتوحة -وهو مصدر من غلب يغلب وكذلك غُلُبّى وغَلَابِية وغَلْبا وغَلَبَا بتسكين اللام وتحريكها، وغلَبةً ومَغْلبةً، والأفيل -بفتح الهمزة وكسر
(1) سورة آل عمران، آية:[10].
(2)
سورة التوبة، آية:[38].
(3)
سورة الزخرف، آية:[60].
(4)
في "الأصل، ك": "أخذ"، والمثبت من "ديوان الراعي النميري" و"خزانة الأدب".
الفاء- ابن المخاض وابن اللبون، ويجوز أن تكون "من" في الحديث بمعنى "عند" والمعنى: لا ينفع ذا الغنئ عندك غناه.
قلت: يجوز أن تكون "من" على حالها للابتداء، ويكون المعنى: لا ينفع ذا الغنى من ابتداء نقمتك أو من ابتداء عذابك غناه.
ويقال: ضمّن "ينفع" معنى "يمنع" ومتى علقت "من" بالجد انعكس المعنى.
وأما ارتفاع قوله: "الجدُّ" فعلى أنه فاعل قوله: "لا ينفع"
ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا سعيد بن سليمان، قال: ثنا شريك، عن أبي عمر، عن أبي جُحَيفة قال:"ذُكِرت الجدود عند النبي عليه السلام، فقال بعض القوم: جد فلان في الإبل. وقال بعضهم: في الخيل. فسكت النبي عليه السلام، فلما قام يصلي فرفع رأسه من الركوع قال: اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجدُّ".
ش: سعيد بن سليمان الضبّي أبو عثمان الواسطي المعروف بسعدويه شيخ البخاري وأبي داود.
وشريك هو ابن عبد الله النخعي الكوفي ثقة، وأبو عمر المنبهّي النخعي الكوفي، ذكره ابن أبي حاتم في الكنى ولم يُسمّه، وسكت عنه.
وأبو جُحَيفة السوائي الصحابي اسمه وهب بن عبد الله.
وأخرجه ابن ماجه (1): ثنا إسماعيل بن موسى السُدي، ثنا شريك، عن أبي عمر، قال: سمعت أبا جحيفة يقول: "ذكرت الجدود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فقال رجل: جد فلان في الخيل. وقال آخر: جد فلان في الإبل. وقال آخر: جد فلان في الغنم. وقال آخر: جد فلان في الرقيق. فلما قضى رسول الله عليه السلام
(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 284 رقم 879).
صلاته، ورفع رأسه من آخر ركعة قال: اللهم ربنا لك الحمد
…
" إلى آخره نحوه، وفي آخره: "وطوّل رسول الله عليه السلام صوته بالجدّ ليعلموا أنه ليس كما يقولون".
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): عن يحيى بن أبي بكير، عن شريك
…
إلى آخره نحوه.
وهذا الحديث كما قد رأيته أخرجه الطحاوي عن خمسة من الصحابة وهم: علي ابن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن أبي أوفى، وأبي سعيد الخدري، وأبي جحيفة السوائي.
ولما أخرج الترمذي (2) حديث علي رضي الله عنه قال: وفي الباب عن ابن عمر، وابن عباس، وابن أبي أوفى، وأبي جحيفة، وأبي سعيد (3).انتهى.
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما (4).
ص: فليس في هذه الآثار أنه كان يقول ذلك وهو إمامٌ، ولا فيها ما يدل على شيء من ذاك، غير أنه قد ثبتَ بها أن مَنْ صلى وحده يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد.
فاردنا أن ننظر هل روي عن النبي عليه السلام ما يدل على حكم الإمام في ذلك كيف هو؟ وهل يقول في ذلك ما يقول مَنْ يصلي وحده أم لا؟
فإذا يونس قد حدثنا، قال: أنا ابنُ وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة أنهما سمعاه يقولُ: "كان
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 222 رقم 2550).
(2)
"جامع الترمذي"(2/ 53 رقم 266).
(3)
وروي أيضًا من حديث ابن مسعود رضي الله عنه كما في "المعجم الكبير" للطبراني (10/ 168 رقم 10348)، و"الدعاء" للطبراني (1/ 185 رقم 555)، وكذا روي عن عائشة كما في "الدعاء"(1/ 187 رقم 569).
(4)
بيَّض له المؤلف رحمه الله، وانظر "تلخيص الحبير"(1/ 244).
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه من الركوع يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمدُ، اللهم أنج الوليد بن الوليد
…
" ثم ذكر الحديث.
فقد يجوز أن يكون قال ذلك لأنه من القنوت، ثم تركه بعدُ لمّا ترك القنوت، فرجعنا إلى غير هذا الحديث هل فيه دلالة على شيء مما ذكرنا؟
فإذا ربيعٌ المؤذنُ قد حدّثنا قال: ثنا أسد، قال: ثنا ابنُ أبي ذئب، عن المَقْبُري، عن أبي هريرة أنه قال:"أنا أشبهكم صلاة برسول الله عليه السلام؛ كان إذا قال: سمع الله لمن حمده قال: ربنا لك الحمد".
حدثنا يونس، قال: أنا ابن وَهْب، قال: أخبرني يونسُ، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"كُسفت الشمس في حياة رسول الله عليه السلام، فصلى بالناس، فلما رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمدُ".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا إبراهيم بن أبي الوزير، قال: ثنا مالك بن أنس، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه:"أن رسول الله عليه السلام كان إذا قام من الركوع قال: ذلك".
ففي هذه الآثار ما يدلُّ على أن الإمام يقول من ذلك مثل ما يقول مَنْ صلى وحده؛ لأن في حديث عائشة رضي الله عنها رسول الله عليه السلام قال ذلك وهو يصلي بالناس، وفي حديث أبي هريرة:"أنا أشبَهكُم صلاة برسول الله عليه السلام .... " ثم ذكر ذلك، فأخبر أن ما فعل من ذلك هو ما كان رسول الله عليه السلام يفعله في صلاته لا يَفْعل غيرهَ.
وفي حديث ابن عمر ما ذكرنا عنه من ذلك، وهو أيضًا إخبار عن صفة صلاته كيف كانت فلما ثبت عنه أنه كان يقول -وهو إمام- إذا رفع رأسه من الركوع: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد. ثبت أن هكذا ينبغي للإمام أن يفعل ذلك، اتباعًا لما قد ثبت عن رسول الله عليه السلام في ذلك، فهذا حكم هذا الباب من طريق الآثار.
وأما من طريق النظر فإنهم قد أجمعوا فيمن يصلي وحده على أنه يقول ذلك.
فأردنا أن ننظر في الأمام هل حكمه في ذلك حكم من يصلي وحده أم لا؟
فوجدنا الإمام يفعل في كل صلاته من التكبر والقراءة والقيام والقعود والتشهد مثل ما يفعل مَنْ يصلي وحده، ووجدنا أحكامه فيما يطرأ عليه في صلاته كأحكام من يصلي وحده فيما يطرأ عليه في صلاته في الأشياء التي توجب فسادها وما يُوجب سجود السهو فيها وغير ذلك؛ فكان الإمام ومن يصلي وحده في ذلك سواء بخلاف المأموم، فلما ثبت باتفاقهم أن المصلي وحده يقول بعد قول سمع الله لمن حمده: ربنا ولك الحمد. ثبت أيضًا أن الإمام يقولها بعد قوله: سمع الله لمن حمده.
فهذا هو وجه النظر أيضًا في هله الباب، فبهذا نأخذ، وهو قول أبي يوسف ومحمد، وأما أبو حنيفة فكان يذهب في ذلك إلى القول الأول والله أعلم.
ش: قد ذكرنا أن الاستدلال بهذه الأحاديث المذكورة لا يتم؛ لأنه ليس فيها أنه عليه السلام كان يقول ذلك -أي: ربنا لك الحمد- مع قوله: سمع الله لمن حمده. والحال أنه إمام، ولا فيها ما يدل على شيء من ذلك، أي من الجمع بين التسميع والتحميد، غير أن هذه الآثار تُبَيّن أن من صلى وحده منفردًا يجمع بينهما، فإذا كان كذلك يجب الرجوع إلى حديث يتم به الاستدلال، فنظرنا في ذلك فوجدنا أحاديث أبي هريرة وعائشة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم تدل على أن الإمام يقول من ذلك -أي من الجمع بين التحميد والتسميع- مثل ما يقول المنفرد، وهو معنى قوله: "ففي هذه الآثار ما يدل على أن الإمام يقول من ذلك
…
" إلى آخره. وذلك أن في حديث عائشة يصرّحُ بأن رسول الله عليه السلام قال ذلك وهو يصلّي بالناس، وفي حديث ابن عمر كذلك، وفي حديث أبي هريرة أَخْبَر أن ما كان يفعله من الجمع بين التحميد والتسميع هو ما كان يفعله رسول الله عليه السلام، فثبت بهذا أَنْ ما يفعله الإِمام كذلك؛ اتباعًا لما ثبت في الأحاديث المذكورة، وهو معنى قوله: "ثبتَ أَنْ هكذا ينبغي للإمام" و"أنْ" هذه مخففة من المثقلة، وهي في محل الرفع على أنه فاعل "ثبت".
قوله: "فهذا حكم هلما الباب" أي هذا الذي ذكرنا حكم هذا الباب من طريق الأحاديث، "وأما من طريق النظر" والقياس "فإنهم قد أجمعوا
…
" إلى آخره. وهو ظاهر، ولكن في قوله: "قد أجمعوا فيمن يصلي وحده على أنه يقول ذلك" بحثٌ؛ فإن صاحب "المغني" نقل عن أحمد: أنه لا يجمع المنفرد بين التحميد والتسميع.
قال: فإنه قال في رواية إسحاق في الرجل يصلي وحده، فإذا قال: سمع الله لمن حمده. قال: ربنا ولك الحمد.
فقال: إنما هذا للإمام جمعهما وليس هذا لأحد سوى الإمام.
ووجهه أن الخبر لم يرد به في حقه، فلم يشرع له كقول سمع الله لمن حمده في حق المأموم
قوله: "وأما أبو حنيفة فكان يذهب" وفي بعض النسخ: "وأما أبو حنيفة ومالك فكانا يذهبان في ذلك إلى القول الأول" والله أعلم.
ثم إنه أخرج عن أبي هريرة حديثين صحيحين:
أحدهما: لا يتم به الاستدلال أيضًا على ما نقوله عن قريب، وهو الذي أخرجه عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن، كلاهما عن أبي هريرة.
وأخرجه مسلم (1) بهذا الإسناد بعينه: عن أبي الطاهر وحرملة بن يحيى، قالا: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال: أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أنهما سمعا أبا هريرة يقول: "كان رسول الله عليه السلام يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد. ثم يقول وهو قائم:
(1)"صحيح مسلم"(1/ 466 رقم 675).
اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدُدْ وَطأتُك على مضر واجعلها عليهم كسني يوسف، اللهم العن لحيان ورعلًا وذكران، وعُصَيّة عَصت الله ورسوله".
ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} .
وأخرجه البخاري (1) بأطول منه: ثنا أبو اليمان، قال: ثنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وأبو سلمة ابن عبد الرحمن: "أن أبا هريرة كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها، في رمضان وغيره، فيكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده. ثم يقول: ربنا ولك الحمد. قبل أن يسجد، ثم يقول: الله أكبر. حين يهوي ساجدًا، ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود، ثم يكبر [حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود، ثم يكبر، (2) حين يقوم من الجلوس في الاثنتين، ويفعل ذلك في كل ركعة حتى يفرغ من الصلاة، ثم يقول حين ينصرف والذي نفسي بيده إني لأقربكم شبهًا بصلاة رسول الله عليه السلام إن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا".
قالا: وقال أبو هريرة: "وكان رسول الله عليه السلام حين يرفع رأسه يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، يدعو لرجال فيسميهم بأسمائهم فيقول: اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدُدْ وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف. وأهل المشرق يومئذ من مضر مخالفون له".
(1)"صحيح البخاري"(1/ 276 رقم 770).
(2)
سقط من "الأصل، ك"، والمثبت من "صحيح البخاري".
وأما بيان عدم تمام الاستدلال به فهو قوله: "فقد يجوز أن يكون قال ذلك لأنه من القنوت ثم تركه بعد" أي: ثم ترك الجمع بين التسميع والتحميد بعد ذلك لما ترك القنوت، فحينئذ لا يتم به الاستدلال لأجل هذا الاحتمال.
والذي يتم به الاستدلال هو الحديث الثاني لأبي هريرة، وهو الذي خرّجه عن ربيع بن سليمان المؤذن المصري صاحب الشافعي، عن أسد بن موسى أسد السنة، عن محمَّد بن عبد الرحمن بن الحارث بن المغيرة بن أبي ذئب المدني، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة.
وأخرجه البخاري (1): ثنا آدم، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: "كان النبي عليه السلام إذا قال: سمع الله لمن حمده. قال: اللهم ربنا ولك الحمد
…
" الحديث.
فهذا صريح على أنه عليه السلام كان يجمع بين التسميع والتحميد، لا لعلة قنوت ولا لغيره.
ولقائل أن يقول: يمكن أن يكون هذا من النبي عليه السلام وهو منفرد، على أن أبا حنيفة قد حمله على حالة الانفراد.
قلت: يمكن أن يقال: محاكاة أبي هريرة هي الصلاة المطلقة، والمطلق ينصرف إلى الكامل، وهو الصلاة مع الجماعة.
وأما حديث عائشة فأخرجه أيضًا بإسناد صحيح على شرط مسلم جميع رجاله، عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة.
وأخرجه مسلم (2): عن حرملة بن يحيى، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس. وحدثني أبو الطاهر ومحمد بن سلمة المرادي، قالا: ثنا ابن وهب، عن
(1)"صحيح البخاري"(1/ 274 رقم 762).
(2)
"صحيح مسلم"(2/ 618 رقم 901).
يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي عليه السلام قالت: "خسفت الشمس في حياة رسول الله عليه السلام، فخرج رسول الله عليه السلام إلى المسجد، فقام وكبّر وصفّ الناس وراءه، فاقترأ رسول الله عليه السلام قراءة طويلة، ثم كبّر فركع ركوعًا طويلًا، ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد
…
" الحديث.
وأخرجه أبو داود (1) وقال: نا ابن السَرْح، نا ابن وهب.
ونا محمَّد بن سلمة المرادي، نا ابن وهب
…
إلى آخره نحو رواية مسلم.
وأخرجه بقية الجماعة على ما يأتي في بابه إن شاء الله تعالى (2).
وهذا أيضًا فيه الجمع بين التحميد والتسميع، ولكن لأبي حنيفة أن يقول هذا أيضًا يجوز أن يكون كالقنوت، فعله ثم تركه.
وأما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه أيضًا بإسناد صحيح، عن أبي بكرة بكّار القاضي، عن إبراهيم بن أبي الوزير -وهو إبراهيم بن عمر بن مَطرف الهاشمي المكي- أبي إسحاق ابن أبي الوزير.
عن مالك بن أنس، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن أبيه عبد الله: "أن رسول الله عليه السلام
…
" إلى آخره.
وأخرجه مالك في "موطئه"(3) ولفظه: "إن رسول الله عليه السلام كان إذا افتتح الصلاة يَرفع يدَيْه حَذْو منكبَيْه، فإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضًا، وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وكان لا يفعل ذلك في السجود".
وأما معنى الأحاديث:
(1)"سنن أبي داود"(1/ 378 رقم 1180).
(2)
سيأتي.
(3)
"موطأ مالك"(75/ 1 رقم 163).
فقوله: "اللهم أنج الوليد بن الوليد" وفي رواية أبي داود "نجَّ" والوليد هو أخو خالد بن الوليد، أُسِرَ يوم بدر كافرًا ففُدِيَ بأربعة آلاف درهم ولما افتُدِيَ أسلم فحبَسوه بمكة فكان رسول الله عليه السلام يدعو له.
وسلمة بن هشام هو أخو أبي جهل بن هشام، وكان من خيار الصحابة رضي الله عنهم، واحتُبِس بمكة وعُذِّب في الله، وكان رسول الله عليه السلام يدعو له.
وعياش بن أبي ربيعة -واسم أبي ربيعة عمرو- بن المغيرة وهو أخو أبي جهل لأمه وابن عمه، وهو أخو عبد الله بن أبي ربيعة، كان إسلامه قديما قبل أن يدخل رسول الله عليه السلام دار الأرقم، وهاجر إلى أرض الحبشة، وولد بها ابنه عبد الله، ثم عادإ لى مكة، وهاجر إلى المدينة هو وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ولما هاجر إلى المدينة قدم عليه أخواه لأمه: أبو جهل، والحارث، ابنا هشام، فذكرا له أن أمه قد حلفت أن لا تدخل رأسها دهن ولا تستظل حتى تراه، فرجع معهما فأوثقاه وحبساه بمكة، وكان رسول الله عليه السلام يدعو له، وقتل عياش يوم اليرموك. وقيل: مات بمكة. قاله الطبري.
قوله: "وطأتك" الوطأة -بفتح الواو وسكون الطاء بعدها همزة- هي: البأس، والمعنى ها هنا: الإيقاع بهم والعقوبة لهم، وتكون الوطأة بالقدم وبالقوائم وبالخيل.
قوله: "كسني يوسف" أصله سنين، سقطت النون للإضافة، ومعنى سنين يوسف: الجدب والقحط، وهي السبع الشداد التي أصابتهم.
و"لحيان": أبو قبيلة، وهو لحيان بن هذيل بن مُدْركة، ذكره الجوهري في باب لحا، فيدل هذا أن النون فيه زائدة.
و"رعل": و"رعْلة" جميعًا قبيلة باليمن، وقيل: هم من سليم، قاله ابن سيده، وفي الصحاح: رِعل -بالكسر- وذكران قبيلتان من سُليم.
وقال ابن دُريد: رِعل من الرِعْلة، وهي النخلة الطويلة، والجمع رِعال. وهو رد لما قاله ابن التين: ضُبط بفتح الراء، والمعروف أنه بكسرها، وهو في ضبط أهل اللغة بفتحها.
وقال الرُشاطي: هو رعل بن مالك بن عوف بن امرئ القيس بن بُهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن غيلان بن مضر.
وقال ابن دحية في "المولد": ولا أعلم في رِعل وعُصَيّة صاحبًا له رواية صحيحة عن النبي عليه السلام.
و"عُصَيّة" هو ابن خفاف بن امرئ القيس بن بُهثة بن سُلَيم، ذكره أبو علي الهجري في "نوادره" والله أعلم.