الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
112. الشيخ صالح بن فوزان الفوزان
(1) :
جاء في "المنتقى":
((فضيلة الشيخ صالح الفوزان وفَّقه الله لما يحبُّه ويرضاه السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..
فقد كثُر الكلام في الآونة الأخيرة بين طَلَبَة العلم حول مسألةٍ مهمَّةٍ تتعلَّق بأصل الدِّين، وسأذكر بعض الأقوال الَّتي أرجو من الشيخ أنْ يبيِّن هل هي موافقة لعقيدة أهل السُّنَّة والجماعة، أم أنَّ فيها شيئاً من الخلل:
1 -
قول بعض النَّاس: (إنَّ عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة أنَّ العمل شرط في كمال الإيمان وليس شرطاً في صِحَّة الإيمان) ، مع أَنَّه من المعلوم أنَّ الإيمان عند أهلِ السُّنَّة قولٌ وعملٌ، وأنَّه لا إيمانَ إلَاّ بعملٍ كما صرَّح بذلك بعضٌ أئمَّة السَّلف.
2 -
قول بعض النَّاس: (إنَّ الكفر المخرِجَ من المِلَّة هو الكفر الاعتقاديُّ فقط، أمَّا العمل فلا يخرج من المِلَّة إلَاّ إذا كان يدلُّ على اعتقادٍ كالسجود لصنمٍ مثلاً، فإنَّه يعتبر كفراً لأنَّه يدلُّ على عقيدةٍ في الباطن لا لمجرَّد السُّجود فقط، ومثله سبُّ الله أو الاستهزاء بالدِّين أو نحوِ ذلك.. فلا يكفر الإنسان بعملٍ مهما كان) .
أرجو من الشيخ - وفَّقه الله - أنْ يتفضَّل ببيان ما في هاتين
(1) وُلد الشيخ عام: 1354هـ.
المقالَتين من الحقِّ أو الباطل؟
سائلاً الله تعالى أنْ يوفِّقَه للصَّواب، وأنْ ينفَعَ به الإسلام والمسلمين.
وصلى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه.
الجواب:
1-
القول الأول: هو قول مرجئةِ أهلِ السُّنَّة وهو خطأٌ، والصَّواب أنَّ الأعمال داخلةٌ في حقيقة الإيمان فهو اعتقادٌ وقولٌ وعملٌ يزيد بالطَّاعة، وينقص بالمعصية، وهذا قول جمهور أهل السُّنَّة لأنَّ الله سمَّى الأعمال إيماناً كما في قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَليْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً (1) } الآيتين. وقال النبي ?: (الإيمانُ بضعٌ وسبعونَ شعبة) الحديث (2) .
…
2- هذا في الغالب وهناك أعمال تخرج من الملَّة كترك الصَّلاة تكاسُلاً وكالسِّحر تعلُّمه وتعليمَه، ومن نطق بكلمة الكفر مختاراً، وكلُّ عملٍ لابدَّ أنْ يصاحبه قصدٌ، فلا يعتدُّ بعمل النَّاسي والنَّائم والصغير والمجنون والمكره لعدم القصد. هذا وأنصحُ لهؤلاء أنْ يتعلَّموا قبل أنْ يتكلَّموا لأنَّ الكلام في مثل هذه المسائل خطيرٌ، ويحتاج إلى علمٍ)) (3) .
(1) سورة الأنفال: 2.
(2)
رواه مسلم (1/63) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
"المنتقى"(2/9-10) . مكتبة الغرباء الأثرية ط2 - 1417هـ.
وقال أيضاً إجابةً على سؤالٍ:
"وما فعلتَه فيما ذكرته في السُّؤال من أنَّك ذهبت وغيَّرت من مسمَّى الديانة إلى ديانة غير الإسلام لتحصل على عملٍ، فهذا شيءٌ خطيرٌ، ويعتبر رِدَّة عن دين الإسلام؛ لأنَّك فعلت هذا، وتظاهرت بغيرِ دين الإسلام، وانتسبت إلى غير دين الإسلام، والمسلم لا يجوز له ذلك، ويجب عليه أنْ يتمسَّك بدينه، وأنْ يعتزَّ بدينه، وأنْ لا يتنازل عنه لطمعٍ من أطماع الدُّنيا، فالله سبحانه وتعالى لم يستَثْنِ في أنْ يتلفَّظ الإنسان بشيءٍ من ألفاظ الكفر؛ إلَاّ في حالة الإكراه الملجئ؛ كما في قوله تعالى:{مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَليْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللهِ وَلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ (1) } .
فأنت تظاهرْتَ بغير دين الإسلام وانتسبْتَ لغير دين الإسلام لأجل الدُّنيا وطمع الدُّنيا، لم تصل إلى حدِّ الإكراه الذي تُعْذَر به؛ فالواجب عليك التَّوبة إلى الله سبحانه وتعالى، والمبادرة إلى تغيير هذا الانتساب، والمبادرة إلى كتابة الدِّيانة الإسلامية في ورقةِ عملِك، مع التَّوبة إلى الله سبحانه وتعالى، والنَّدم على ما فات، والعزم على أنْ لا تعودَ لمثل هذا الشَّيء؛ لعلَّ الله أنْ يتوبَ علينا
(1) سورة النحل: 106.
وعليك)) (1) .
وقال في "الإرشاد":
((ففي هاتين الآيتين الكريمتين مع بيان سببِ نزولهما دليلٌ واضحٌ على كفر من استهزأ بالله، أو رسولِه، أو آيات الله، أو سنَّة رسوله، أو بصحابة رسولِ الله، لأنَّ من فعل ذلك فهو مستخفٌّ بالرُّبوبيَّة والرِّسالة وذلك منافٍ للتَّوحيد والعقيدة، ولو لم يقصِد حقيقة الاستهزاء، ومن هذا الباب الاستهزاءُ بالعلم وأهله وعدمُ احترامهم أو الوقيعةُ فيهم من أجل العلم الذي يحملونه، وكون ذلك كفرٌ ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء؛ لأنَّ هؤلاء الِّذين نزلت فيهم الآيات جاءوا معترفين بما صدَر منهم ومعتذرين بقولهم: {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} أي لم نقصد الاستهزاء والتَّكذيب وإنَّما قصدنا اللَّعِب، واللَّعِب ضد الجدِّ فأخبرهم الله على لسان رسوله ? أنَّ عذرَهم هذا لا يغني من الله شيئاً، وأنَّهم كفروا بعد إيمانِهم بهذه المقالة الَّتي استهزءوا بها، ولم يقبل اعتذارَهم بأنَّهم لم يكونوا جادِّين في قولهم، وإنَّما قصدوا اللَّعِب ولم يزِدْ ? في إجابتهم على تلاوةِ قول الله تعالى: {أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (2) ؛ لأنَّ هذا لا يدخله المزح واللَّعِبُ، وإنَّما الواجب
(1) المصدر السابق (1/93-94) . تعليق: واضح من سؤال السَّائل أنَّه انتسب إلى ديانة غير الإسلام ليحصل على عملٍ لطمع من أطماع الدُّنيا، ومع ذلك أفتى الشيخ بأنَّ ذلك ردَّة لأنَّه لا يستثنى من ذلك إلَاّ المكره.
(2)
سورة التوبة: 65-66.
أنْ تُحْتَرم هذه الأشياءُ وتُعظَّم، وليخشع عند آياتِ الله إيماناً بالله ورسوله وتعظيماً لآياته.
والخائض الَّلاعب منتقصٌ لها
…
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله: فقد أخبر أنَّهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم: إنَّما تكلَّمْنا بالكفر من غيرِ اعتقادٍ له، بل إنَّما كنَّا نخوضُ ونلعب، وبيَّن أنَّ الاستهزاء بآياتِ الله كفرٌ ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدراً بهذا الكلام، ولو كان الإيمان في قلبه لمنعَه أنْ يتكلَّم بهذا الكلام، والقرآن يبيِّن أنَّ إيمانَ القلب يستلزم العملَ الظَّاهر بحسبه)) (1) .
وقال أيضاً:
((
…
وأمَّا الكفر فهو الامتناعُ من الدُّخول في الإسلام أو الخروج منه واختيارُ دينٍ غير دين الله إمَّا تكبُّراً وعناداً، وإمَّا حميَّةً لدين الآباء والأجداد وإمَّا طمعاً في عرَضٍ عاجل من مالٍ أو جاهٍ أو منصبٍ
…
ويكون الكفر بالعمل كالذَّبح لغير الله والسُّجود لغير الله وعمل السِّحر وتعلُّمه وتعليمِه كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلهِ رَبِّ الْعَالمِينَ (162) لا شَرِيكَ لهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) { (2) } يَاأَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لعَلكُمْ تُفْلِحُونَ} (3) فمن صرف شيئاً من هذه الأعمال لغير الله فإنَّه يكون مشركاً
(1)"الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد"(ص 80-81) . دار الذخائر ط 1414هـ.
(2)
سورة الأنعام: 162.
(3)
سورة الحج: 77.
كافراً يعامَل معاملةَ الكفَّار إلَاّ أنْ يتوبَ إلى الله. وقال في السِّحر: {وَمَا كَفَرَ سُليْمَانُ وَلكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} (1) إلى غير ذلك من أنواع الكفر الَّذي يكون بالقول والفعل كما يكون بالاعتقادِ والشكِّ والتردُّدِ كما قال تعالى: {وَدَخَل جَنَّتَهُ}
…
الآية. فلا يكون الكفر بالتَّكذيب فقط. ثمَّ إنَّه قد يكون الكافر كافراً أصليَّاً لم يدخل في الإسلام أصلاً.
وقد يكون كافراً كفر رِدَّة إذا دخل في الإسلامِ ثمَّ ارتكب ناقضاً من نواقضِه الَّتي هي من أنواع الكفرِ، سواءً كان جادَّاً أو هازلاً أو قاصداً الطَّمع من مطامع الدنيا من الحصول على مالٍ أو جاهٍ أو منصِبٍ إلَاّ من فعل شيئاً من ذلك أو قالَه مكرهاً بقصد دفع الإكراه مع بقاء قلبه على الإيمان كما قال تعالى:{مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَليْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللهِ وَلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُوْلئِكَ الذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُوْلئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (108) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الْخَاسِرُونَ (109) } (2)) (3) .
وقال في شرحه لـ "كشف الشبهات":
((فالحاصل أنَّ الَّذي يتكلَّم بكلمة الكفر لا يخلو من أربع
(1) سورة البقرة: 102.
(2)
سورة النحل: 106- 109.
(3)
صحيفة المسلمون. العدد699 بتاريخ 3/3/1419هـ.
حالاتٍ:
الحالة الأولى: أنْ يكون معتقداً ذلك بقلبه فهذا لا شكَّ في كفره.
الحالة الثانية: أنْ لا يكون معتقداً بذلك بقلبه ولم يُكره على ذلك، ولكن فعله من أجل طمع الدُّنيا أو مداراة النَّاس وموافقتهم، فهذا كافر بنصّ الآية:{ذَلِكَ بِأَنَّهُم اسْتَحَبُّوا الحَيَاةَ الدُّنْيا عَلَى الآخِرَةِ} ، وكذلك في فعل الكفر والشِّرك موافقة أهله وهو لا يحبُّه ولا يعتقدُه بقلبه وإنَّما فعله شحّاً ببلده أو ماله أو عشيرته.
الحالة الثالثة: أنْ يفعل ذلك مازحاً ولاعباً كما حصل من النَّفر المذكورين.
الحالة الرابعة: أَنْ يقولَ ذلك مُكْرهاً لا مختاراً وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان فهذا مرخَّصٌ له في ذلك دفعاً للإكراه، وأمَّا الأحوال الثلاثة الماضية فإنَّ صاحبها يكفر كما صرَّحت به الآيات، وفي هذا ردٌّ على من يقول إنَّ الإنسان لا يُحْكَم عليه بالكفر ولو قال كلمة الكفر أو فعل أفعال الكفر حتّى يُعلَم ما في قلبه، وهذا قولٌ باطلٌ مخالفٌ للنُّصوص)) (1) .
(1)"شرح كتاب كشف الشبهات"(ص 163 ـ 164) . دار النّجاح للنشر والتوزيع ط1 ـ 1419هـ.
113.
الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (1)[[ت: 1429 هـ]] :
قال في "درء الفتنة":
((
…
وأنَّ الكفر يكونُ بالاعتقاد وبالقول وبالفعل وبالشكِّ وبالتَّرك، وليس محصوراً بالتَّكذيب بالقلب كما تقوله المرجئة، ولا يلزم من زوالِ بعض الإيمان زوالِ كلِّه كما تقوله الخوارج)) (2) .
وقال:
((للحكم بالرِّدَّة والكفر موجباتٌ وأسبابٌ هي نواقض الإيمان والإسلام، من اعتقادٍ، أو قولٍ، أو فعلٍ، أو شكٍّ، أو ترك، ممَّا قام على اعتباره ناقضاً الدليلُ الواضحُ، والبرهانُ السَّاطع من الكتاب أو السُّنَّة أو الإجماع)) (3) .
…
وقال بعد أن ضرب أمثلةً لكفرِ الأقوال والأعمال:
((فكلُّ هؤلاء قد كفرَّهم الله ورسوله بعد إيمانهم بأقوالٍ وأعمالٍ صدرت منهم ولو لم يعتقدوها بقلوبِهم؛ لا كما تقول المرجئة المنحرفون، نعوذ بالله من ذلك)) (4) .
(1)
…
وُلد الشيخ عام: 1364هـ. [[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: توفي الشيخ رحمه الله في 1429 هـ]]
(2)
"درء الفتنة عن أهل السُّنَّة". (ص27) دار العاصمة ط1 - 1419هـ.
(3)
المصدر السابق. (ص 30) .
(4)
المصدر السابق. (ص49) .