الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
85. الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمّد بن عبد الوهَّاب. ت:1233ه
ـ
قال في "الدَّلائل في حكم موالاة أهل الإشراك":
((اعلم رحمك الله: أنَّ الإنسان إِذا أَظهر للمشركين الموافقة على دينهم: خوفاً منهم ومداراةً لهم، ومداهنةً لدفع شرِّهم. فإِنَّه كافرٌ مثلهم وإنْ كان يكره دينَهم ويبغضهم، ويحبُّ الإسلام والمسلمين
…
ولا يستثنى من ذلك إلَاّ المُكرَه،وهو الذي يستولي عليه المشركون فيقولون له: اكْفُرْ أو افْعَلْ كذا وإلَاّ فعلنا بك وقتلناك. أو يأخذونَه فيعذِّبونه حتى يوافقهم. فيجوز له الموافقة باللِّسان، مع طُمأنينة القلب بالإيمان. وقد أجمع العلماء على أَنَّ من تكلَّم بالكفر هازِلاً أَنَّه يكفر. فكيف بمن أظهر الكفرَ خوفاً وطمعاً في الدُّنيا؟
…
! وكثيرٌ من أهلِ الباطلِ إِنَّما يتركون الحقَّ خوفاً من زوال دنياهم. وإلَاّ فيعرفون الحقَّ ويعتقدونه ولم يكونوا بذلك مسلمين.
…
(1) سورة النساء: 140.
فذكر تبارك وتعالى أَنَّه نزَّل على المؤمنين في الكتاب: أَنَّهم إذا سمعوا آياتِ الله يُكْفَر بها، ويُسْتَهْزَأُ بها فلا يقعدوا معهم، حتى يخوضوا في حديثٍ غيره. وأَنَّ من جلس مع الكافرين بآياتِ الله، المستهزئين بها في حالِ كفرهم واستهزائهم فهو مثلُهم ولم يفرِّق بين الخائف وغيره. إلَاّ المٌكْرَه.
هذا وهم في بلد واحدٍ في أوَّل الإسلام. فكيف بمن كان في سَعَة الإسلام وعزِّه وبلاده، فدعا الكافرين بآياتِ الله المستهزئين بها إلى بلادِه، واتَّخذهم أولياءً وأصحاباً وجلساءً وسمع كفرَهم واستهزاءَهم وأقرَّهم. وطرَدَ أهل التوحيد وأبعدَهم؟..!
…
فحكم تعالى حُكماً لا يبدَّل أنَّ من رجع عن دينِه إلى الكفر، فهو كافرٌ. سواءً كان له عذرٌ: خوفٌ على نفسٍ أو مالٍ أو أهلٍ أم لا. وسواءً كفر بباطنه وظاهره، أمْ بظاهره دون باطنه. وسواءً كفر بفعاله ومقاله، أم بأحدِهما دون الآخر.
وسواءً كان طامعاً في دنيا ينالها من المشركين أمْ لا
…
فهو كافرٌ على كلِّ حالٍ، إلا المُكرَه. وهو في لغتنا: المغصوب
…
(1) سورة النحل: 106، 107.
ثمَّ أخبر تعالى أنَّ على هؤلاء المرتدِّين، الشَّارحين صدورَهم بالكفر وإنْ كانوا يقطعون على الحقِّ، ويقولون ما فعلنا هذا إلَاّ خوفاً، فعليهم غضبٌ من الله، ولهم عذابٌ عظيمٌ ثم أخبر تعالى أَنَّ سبب هذا الكفر والعذاب ليس بسبب الاعتقادِ للشِّرك أو الجهل بالتَّوحيد، أو البغض للدِّين أو محبَّة للكفر، وإِنَّما سببه: أنَّ له في ذلك حظَّاً من حظوظ الدُّنيا فآثره على الدِّين وعلى رضى ربِّ العالمين. فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (1) فكفَّرهم تعالى، وأخبر أَنَّه لا يهديهم مع كونهم يعتذرونَ بمحبَّة الدُّنيا. ثم أخبر تعالى أنَّ هؤلاء المرتدِّين لأجل استحباب الدُّنيا على الآخرة هم الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم، وأنَّهم الغافلون. ثم أخبر خبراً مؤكَّداً محقَّقاً أَنَّهم في الآخرة هم الخاسرون.
وهكذا حال هؤلاء المرتدِّين في هذه الفتنة، غرَّهُم الشيطان وأَوهمَهم أَنَّ الخوف عذرٌ لهم في الرِّدَّة، وأَنَّهم بمعرفة الحق ومحبَّته والشَّهادة به لا يضرُّهم ما فعلوه. ونَسَوا أَنَّ كثيراً من المشركين يعرفون الحقَّ، ويحبُّونه ويشهدون به ولكنْ يتركون متابعتَه والعملَ به: محبَّة للدُّنيا وخوفاً على الأنفس والأموال والمأكل والرِّياسات. ثم قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّل اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ (2) } فأخبر تعالى أنَّ سبب ما
(1) سورة النحل: 107.
(2)
سورة محمد: 26.
جرى عليهم من الرِّدَّة وتسويل الشيطان، والإملاء لهم، هو قولهم للذين كرهوا ما نزَّل الله: سنطيعكم في بعض الأمر.
فإذا كان مَنْ وَعَد المشركين الكارهين لما نزَّل الله بطاعتِهم في بعض الأمر كافراً، وإنْ لم يفعل ما وعدَهُم به. فكيف بمن وافق المشركين الكارهين لما نزَّل الله من الأمر: بعبادته وحدَه لا شريك له
…
وقد قال تعالى في موضعٍ آخر: {يَاأَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلى الإيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (1) } .
ففي هاتين الآيتين البيان الواضح: أَنَّه لا عذرَ لأحدٍ في الموافقة على الكفر، خوفاً على الأموال والآباء، والأبناء والأزواجِ والعشائر، ونحو ذلك مما يعتذر به كثيرٌ من النَّاس.
إذا كان لم يرخِّص لأحد في موادَّتهم، واتخاذهم أولياء بأنفسهم: خوفاً منهم وإيثاراً لمرضاتهم. فكيف بمن اتَّخذ الكفار الأباعد أولياء وأصحاباً، وأظهر لهم الموافقة على دينهم، خوفاً على بعض هذه الأمور ومحبَّةً لها؟! ومن العجب استحسانهم لذلك واستحلالهم له. فجمعوا مع الرِّدَّة استحلالَ المحرَّم)) (2) .
(1) سورة التوبة: 23.
(2)
من رسالة "الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك "(ص29-57 مع حذفٍ غير قليل) . مكتبة دار الهداية.
وقال في "تيسير العزيز الحميد":
((من استهزأ بالله، أو بكتابه أو برسوله، أو بدينه، كفرَ ولو هازِلاً لم يقصِد حقيقةَ الاستهزاء؛ إجماعاً.
قال: وقول الله تعالى: {وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} (1) .
الشرح: يقول تعالى مخاطباً لرسوله {? وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ} أي سألت المنافقين الَّذين تكلَّموا بكلمة الكفر استهزاءً {ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} أي: يعتذِرونَ بأَنَّهم لم يقصدوا الاستهزاء والتَّكذيب، إِنَّما قصدوا الخوضَ في الحديث واللَّعِب:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} لم يعبأ باعتذارهم إِمَّا لأَنَّهم كانوا كاذبين فيه، وإِمَّا لأَنَّ الاستهزاء على وجه الخوضِ واللَّعِب لا يكون صاحبُه معذوراً، وعلى التقديرين فهذا عذرٌ باطلٌ، فإِنَّهم أخطئوا موقعَ الاستهزاء. وهل يجتمع الإيمان بالله، وكتابه، ورسوله، والاستهزاءُ بذلك في قلب؟ ! بل ذلك عينُ الكفرِ فلذلك كان الجواب مع ما قبله {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} قال شيخ الإسلام: فقد أمره أنْ يقول: كفرتم بعد إيمانِكم. وقول من يقول: إنَّهم قد كفروا بعد إيمانهم بلسانِهم مع كفرهم أوَّلاً بقلوبهم لا يصحُّ، لأنَّ الإيمان باللِّسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر. فلا يقال: قد كفرتم بعد إيمانِكم فإِنَّهم لم يزالوا كافرين في نفس الأمر، وإنْ أُرِيد: إِنَّكم أظهرتُمُ الكفرَ بعد
(1) سورة التوبة: 65-66.