المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌85. الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب. ت:1233ه - التوسط والاقتصاد - جـ ١

[علوي السقاف]

فهرس الكتاب

- ‌خطاب مكتب المفتي العام

- ‌مقدمة

- ‌1. التَّابعيُّ الجليل نافع مولى ابن عمر رضي الله عنه. ت:117ه

- ‌2. الإمام سفيان بن عيينة. ت:198ه

- ‌3. الإمام محمّد بن إدريس الشافعيّ. ت: 204ه

- ‌4. الإمام عبد الله بن الزّبير الحميديّ. ت:219ه

- ‌5. الإمام إسحاق بن راهويه المروزيّ. ت:238ه

- ‌6. الإمام أبو ثور إبراهيم بن خالد. ت:240ه

- ‌7. إمام أهل السُّنَّة أحمد بن حنبل. ت:241ه

- ‌8. فقيه المغرب محمد بن سحنون المالكي. ت:265ه

- ‌9. إمام المفسرين أبو جعفر محمد بن جرير الطبري. ت:310ه

- ‌10. الشيخ أبو الحسن عليُّ بن إسماعيل الأشعريّ. ت:324ه

- ‌11. شيخ الحنابلة الحسن بن علي البربهاري. ت:329ه

- ‌12. أبو بكر أحمد بن عليٍّ الجصَّاص (الحنفيّ) . ت:370ه

- ‌13- الإمام أبو القاسم هبةُ الله بن الحسن اللالكائيّ. ت: 418ه

- ‌14. محمد بن الوليد السمرقنديّ (الحنفيّ) : كان حيَّاً سنة450ه

- ‌16. الحافظ يوسف بن عبد الله بن عبد البر (المالكي) . ت:463ه

- ‌17. إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجوَينيّ (الشافعيّ) ت:478ه

- ‌18. عليُّ بن محمَّد البزدَويّ (الحنفيّ) . ت:482ه

- ‌19. عمادُ الدِّين عليُّ بن محمَّد الكِيا الهرَّاسي (الشافعيّ) . ت:504ه

- ‌20. القاضي أبو بكرٍ بن العربيّ (المالكيّ) . ت:543ه

- ‌21. القاضي عياض بن موسى (المالكيّ) . ت:544ه

- ‌22. فخر الدِّين محمَّد بن عمر الرَّازيّ. ت:544ه

- ‌23. علاء الدِّين مسعود بن أحمد الكاسانيّ (الحنفيّ) . ت:587ه

- ‌24. فخر الدِّين حسن بن منصور الفرغان (الحنفيّ) . ت:592ه

- ‌25. أبو الفرج عبد الرحمن بن عليٍّ ابن الجوزيّ. ت:597ه

- ‌26. جلال الدِّين عبد الله بن نجم بن شاس (المالكيّ) . ت:616ه

- ‌27. برهان الدِّين محمود بن أحمد بن مازه (الحنفيّ) . ت:616ه

- ‌28. عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسيّ (الحنبليّ) . ت:620ه

- ‌29. عثمان بن أبي بكرٍ المعروف بابن الحاجب (المالكيّ) . ت:646ه

- ‌30. أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي. ت:671ه

- ‌31. محيي الدين يحيى بن شرف النوويّ (الشافعيّ) . ت:676ه

- ‌32. شهاب الدِّين أحمد بن إدريسٍ القرافيّ (المالكيّ) . ت:684ه

- ‌شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيميَّة. ت: 728ه

- ‌34. علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري (الحنفي) . ت:730ه

- ‌35. عبيد الله بن مسعود المحبوبي البخاريّ (الحنفيّ) . ت:747ه

- ‌36. زين الدين عمر بن مظفر الوردي (الشافعي) . ت:749ه

- ‌37. الحافظ محمد بن أبي بكر ابن قيِّم الجوزيَّة. ت:751ه

- ‌38. تقيّ الدِّين عليُّ بن عبد الكافي السبكيّ (الشافعيّ) . ت:756ه

- ‌محمَّد بن مفلح المقدسيّ (الحنبليّ) .ت:763ه

- ‌39. الحافظ إسماعيل بن عمر بن كثير. ت:774ه

- ‌40. الشيخ خليل بن إسحاق (المالكيّ) . ت:776ه

- ‌41. محمَّد بن عبد الرحمن العثمانيّ (الشافعيّ) . ت: بعد 780ه

- ‌42. عالم بن العلاء الأندربتي الدهلويّ (الحنفيّ) . ت:786ه

- ‌43. سعد الدِّين مسعود بن عمر التفتازانيّ (الشافعيّ) . ت:792ه

- ‌44. بدر الدين بن محمَّد بهادر الزَّركشيّ (الشافعيّ) . ت:794ه

- ‌45. الحافظ عبد الرَّحمن بن أحمد ابن رجب (الحنبليّ) . ت:795ه

- ‌46. برهان الدِّين إبراهيم بن فرحون اليعمري (المالكيّ) . ت:799ه

- ‌47. محمَّد بن شهاب البزَّاز (الحنفيّ) . ت:827ه

- ‌48. العلَاّمة محمّد بن المرتضى ابن الوزير الصنعانيّ. ت:840ه

- ‌49. علاء الدِّين عليُّ بن خليل الطرابلسيّ (الحنفيّ) . ت:844ه

- ‌50. الحافظ أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني. ت:852ه

- ‌51. كمال الدين ابن عبد الواحد ابن الهمام (الحنفيّ) . ت:861ه

- ‌52. جلال الدِّين محمَّد بن أحمد المحليّ (الشافعيّ) . ت:864ه

- ‌53. محمَّد بن أحمد بن عماد الأقفهسي (الشافعيّ) . ت:867ه

- ‌54. محمّد بن محمّد بن محمّد (ابن أمير الحاج) (الحنفيّ) . ت: 879ه

- ‌55. محمَّد بن أحمد المنهاجيّ الأسيوطيّ (الشافعيّ) . ت:880ه

- ‌56. عليُّ بن سليمان المرداويّ (الحنبليّ) . ت:885ه

- ‌57. محمد بن فراموز (مُنلَاّ خِسرو) (الحنفي) . ت:885ه

- ‌58. أبو عبد الله محمّد بن قاسم الرصَّاع (المالكيّ) . ت:894ه

- ‌59. محمَّد بن قاسم الغزِّي (الشافعيّ) . ت:918ه

- ‌60. زكريَّا بن محمَّد الأنصاريّ (الشافعيّ) . ت:926ه

- ‌61. محمَّد بن عبد الرَّحمن المغربيّ (المالكيّ) . ت:954ه

- ‌62. شهاب الدِّين أحمد البرلُّسي (عميرة) (الشافعيّ) . ت:957ه

- ‌63. زين الدِّين بن إبراهيم الشهير بابن نجيم (الحنفيّ) . ت:970ه

- ‌64. محمَّد بن أحمد الفتوحي (ابن النجار) (الحنبليّ) . ت:972ه

- ‌65. أحمد بن محمَّد بن حجر الهيتميّ (الشافعيّ) . ت:973ه

- ‌66. محمَّد بن أحمد الخطيب الشربينيّ (الشافعيّ) . ت:977ه

- ‌67. زين الدِّين بن عبد العزيز المليباري (الشافعيّ) . ت:987ه

- ‌68. محمَّد عبد الرؤوف المناويّ (الشافعيّ) . ت:1031ه

- ‌69. مَرْعيّ بن يوسفٍ الكرميّ المقدسيّ (الحنبليّ) . ت:1033ه

- ‌70. منصور بن يونس البَهْوَتيّ (الحنبليّ) . ت:1051ه

- ‌71. أحمدُ بن أحمدَ شهاب الدِّين القليوبيّ (الشافعيّ) . ت:1070ه

- ‌72. عبد الرَّحمن بن شيخي زاده داماد (الحنفيّ) . ت:1078ه

- ‌73. أبو البقاء أيوب بن موسى الكفويّ (الحنفيّ) . 1095ه

- ‌74. أحمد بن محمَّد الحسينيّ الحمَويّ (الحنفيّ) . ت:1098ه

- ‌75. العلَاّمة صالح بن مَهْديّ المقبليّ. ت:1108ه

- ‌76. مجموعةٌ من علماء الهند الأحناف

- ‌77. العلَاّمة محمَّد بن إسماعيل الأمير الصَّنعانيّ. ت:1182ه

- ‌78. أحمد العَدَويّ أبو البركات (الدَّردير) (المالكيّ) . ت:1201ه

- ‌79. سليمان بن عمر العُجيليّ (الجمل) (الشافعيّ) . ت:1204ه

- ‌80. الإمام المجدِّد محمَّد بن عبد الوهاب التميميّ. ت:1206ه

- ‌82. سليمان بن محمَّد بن عمر البجيرميّ (الشافعيّ) . ت:1221ه

- ‌83. عبد الله بن حجازي (الشرقاويّ) (الشافعيّ) . ت:1227ه

- ‌84. محمد بن بدر الدين بن بلبان. (الحنبلي) ت:1083ه

- ‌85. الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمّد بن عبد الوهَّاب. ت:1233ه

- ‌86. مصطفى بن سعد بن عبدَة الرُّحيبانيّ (الحنبليّ) . ت:1243ه

- ‌87. الإمام عبدُ الله بن محمَّد بن عبد الوهَّاب. ت:1244ه

- ‌88. العلَاّمة محمَّد بن عليٍّ الشَّوكانيّ. ت:1250ه

- ‌89. محمَّد أمين ابن عابدين (الحنفيّ) . ت:1252ه

- ‌90. شهاب الدِّين محمود بن عبد الله الآلوسي. ت:1270ه

- ‌91. إبراهيم بن محمَّد بن أحمد البيجوريّ (الشافعيّ) . ت:1277ه

- ‌92. الشيخ عبد الله بن عبد الرَّحمن أبابطين. ت:1282ه

- ‌الشيخ عبد الرَّحمن بن حسن بن محمَّد بن عبد الوهّاب. ت:1285ه

- ‌94. محمَّد بن أحمد المعروف بالشيخ عليش (المالكيّ) . ت: 1299ه

- ‌95. الشيخ حمد بن عليٍّ بن عتيق. ت:1301ه

- ‌96. أحد علماء الدعوة النجديَّة:

- ‌97. عثمان بن محمد شطا البكريّ (الشافعيّ) . ت:1302ه

- ‌98. العلَاّمة صدِّيق حسن خان القنوجي. ت:1307ه

- ‌99. الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى السديريّ. ت:1329ه

- ‌100. علامة الشَّام محمَّد جمال الدِّين القاسميّ. ت:1332ه

- ‌101. محمَّد أنور شاه الكشميريّ.ت: 1352ه

- ‌102. إبراهيم بن محمَّد بن ضويان (الحنبليّ) . ت:1353ه

- ‌103. السيد محمَّد رشيد رضا. ت:1354ه

- ‌104. العلَاّمة عبد الرَّحمن بن ناصر بن سعديّ. ت:1376ه

- ‌105. الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي. ت:1377ه

- ‌106. الشيخ محمّد بن إبراهيم آل الشيخ. ت:1389ه

- ‌107. العلَاّمة محمَّد الأمين الشنقيطي. ت:1393ه

- ‌108. اللجنة الدائمة للبحوث العلميَّة والإفتاء (بالسعودية) :

- ‌109. الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز ت 1420 ه

- ‌110. الشيخ محمَّد بن صالح بن عثيمين [[ت 1421 ه

- ‌111. الشيخ عبد الله بن عبد الرَّحمن الجبرين

- ‌112. الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

- ‌114. "الموسوعة الفقهيَّة الكويتيَّة

الفصل: ‌85. الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب. ت:1233ه

85. الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمّد بن عبد الوهَّاب. ت:1233ه

ـ

قال في "الدَّلائل في حكم موالاة أهل الإشراك":

((اعلم رحمك الله: أنَّ الإنسان إِذا أَظهر للمشركين الموافقة على دينهم: خوفاً منهم ومداراةً لهم، ومداهنةً لدفع شرِّهم. فإِنَّه كافرٌ مثلهم وإنْ كان يكره دينَهم ويبغضهم، ويحبُّ الإسلام والمسلمين

ولا يستثنى من ذلك إلَاّ المُكرَه،وهو الذي يستولي عليه المشركون فيقولون له: اكْفُرْ أو افْعَلْ كذا وإلَاّ فعلنا بك وقتلناك. أو يأخذونَه فيعذِّبونه حتى يوافقهم. فيجوز له الموافقة باللِّسان، مع طُمأنينة القلب بالإيمان. وقد أجمع العلماء على أَنَّ من تكلَّم بالكفر هازِلاً أَنَّه يكفر. فكيف بمن أظهر الكفرَ خوفاً وطمعاً في الدُّنيا؟

! وكثيرٌ من أهلِ الباطلِ إِنَّما يتركون الحقَّ خوفاً من زوال دنياهم. وإلَاّ فيعرفون الحقَّ ويعتقدونه ولم يكونوا بذلك مسلمين.

قوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّل عَليْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُم (1) } .

(1) سورة النساء: 140.

ص: 100

فذكر تبارك وتعالى أَنَّه نزَّل على المؤمنين في الكتاب: أَنَّهم إذا سمعوا آياتِ الله يُكْفَر بها، ويُسْتَهْزَأُ بها فلا يقعدوا معهم، حتى يخوضوا في حديثٍ غيره. وأَنَّ من جلس مع الكافرين بآياتِ الله، المستهزئين بها في حالِ كفرهم واستهزائهم فهو مثلُهم ولم يفرِّق بين الخائف وغيره. إلَاّ المٌكْرَه.

هذا وهم في بلد واحدٍ في أوَّل الإسلام. فكيف بمن كان في سَعَة الإسلام وعزِّه وبلاده، فدعا الكافرين بآياتِ الله المستهزئين بها إلى بلادِه، واتَّخذهم أولياءً وأصحاباً وجلساءً وسمع كفرَهم واستهزاءَهم وأقرَّهم. وطرَدَ أهل التوحيد وأبعدَهم؟..!

قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَليْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللهِ وَلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (1) } .

فحكم تعالى حُكماً لا يبدَّل أنَّ من رجع عن دينِه إلى الكفر، فهو كافرٌ. سواءً كان له عذرٌ: خوفٌ على نفسٍ أو مالٍ أو أهلٍ أم لا. وسواءً كفر بباطنه وظاهره، أمْ بظاهره دون باطنه. وسواءً كفر بفعاله ومقاله، أم بأحدِهما دون الآخر.

وسواءً كان طامعاً في دنيا ينالها من المشركين أمْ لا

فهو كافرٌ على كلِّ حالٍ، إلا المُكرَه. وهو في لغتنا: المغصوب

(1) سورة النحل: 106، 107.

ص: 101

ثمَّ أخبر تعالى أنَّ على هؤلاء المرتدِّين، الشَّارحين صدورَهم بالكفر وإنْ كانوا يقطعون على الحقِّ، ويقولون ما فعلنا هذا إلَاّ خوفاً، فعليهم غضبٌ من الله، ولهم عذابٌ عظيمٌ ثم أخبر تعالى أَنَّ سبب هذا الكفر والعذاب ليس بسبب الاعتقادِ للشِّرك أو الجهل بالتَّوحيد، أو البغض للدِّين أو محبَّة للكفر، وإِنَّما سببه: أنَّ له في ذلك حظَّاً من حظوظ الدُّنيا فآثره على الدِّين وعلى رضى ربِّ العالمين. فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (1) فكفَّرهم تعالى، وأخبر أَنَّه لا يهديهم مع كونهم يعتذرونَ بمحبَّة الدُّنيا. ثم أخبر تعالى أنَّ هؤلاء المرتدِّين لأجل استحباب الدُّنيا على الآخرة هم الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم، وأنَّهم الغافلون. ثم أخبر خبراً مؤكَّداً محقَّقاً أَنَّهم في الآخرة هم الخاسرون.

وهكذا حال هؤلاء المرتدِّين في هذه الفتنة، غرَّهُم الشيطان وأَوهمَهم أَنَّ الخوف عذرٌ لهم في الرِّدَّة، وأَنَّهم بمعرفة الحق ومحبَّته والشَّهادة به لا يضرُّهم ما فعلوه. ونَسَوا أَنَّ كثيراً من المشركين يعرفون الحقَّ، ويحبُّونه ويشهدون به ولكنْ يتركون متابعتَه والعملَ به: محبَّة للدُّنيا وخوفاً على الأنفس والأموال والمأكل والرِّياسات. ثم قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّل اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ (2) } فأخبر تعالى أنَّ سبب ما

(1) سورة النحل: 107.

(2)

سورة محمد: 26.

ص: 102

جرى عليهم من الرِّدَّة وتسويل الشيطان، والإملاء لهم، هو قولهم للذين كرهوا ما نزَّل الله: سنطيعكم في بعض الأمر.

فإذا كان مَنْ وَعَد المشركين الكارهين لما نزَّل الله بطاعتِهم في بعض الأمر كافراً، وإنْ لم يفعل ما وعدَهُم به. فكيف بمن وافق المشركين الكارهين لما نزَّل الله من الأمر: بعبادته وحدَه لا شريك له

وقد قال تعالى في موضعٍ آخر: {يَاأَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلى الإيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (1) } .

ففي هاتين الآيتين البيان الواضح: أَنَّه لا عذرَ لأحدٍ في الموافقة على الكفر، خوفاً على الأموال والآباء، والأبناء والأزواجِ والعشائر، ونحو ذلك مما يعتذر به كثيرٌ من النَّاس.

إذا كان لم يرخِّص لأحد في موادَّتهم، واتخاذهم أولياء بأنفسهم: خوفاً منهم وإيثاراً لمرضاتهم. فكيف بمن اتَّخذ الكفار الأباعد أولياء وأصحاباً، وأظهر لهم الموافقة على دينهم، خوفاً على بعض هذه الأمور ومحبَّةً لها؟! ومن العجب استحسانهم لذلك واستحلالهم له. فجمعوا مع الرِّدَّة استحلالَ المحرَّم)) (2) .

(1) سورة التوبة: 23.

(2)

من رسالة "الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك "(ص29-57 مع حذفٍ غير قليل) . مكتبة دار الهداية.

ص: 103

وقال في "تيسير العزيز الحميد":

((من استهزأ بالله، أو بكتابه أو برسوله، أو بدينه، كفرَ ولو هازِلاً لم يقصِد حقيقةَ الاستهزاء؛ إجماعاً.

قال: وقول الله تعالى: {وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} (1) .

الشرح: يقول تعالى مخاطباً لرسوله {? وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ} أي سألت المنافقين الَّذين تكلَّموا بكلمة الكفر استهزاءً {ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} أي: يعتذِرونَ بأَنَّهم لم يقصدوا الاستهزاء والتَّكذيب، إِنَّما قصدوا الخوضَ في الحديث واللَّعِب:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} لم يعبأ باعتذارهم إِمَّا لأَنَّهم كانوا كاذبين فيه، وإِمَّا لأَنَّ الاستهزاء على وجه الخوضِ واللَّعِب لا يكون صاحبُه معذوراً، وعلى التقديرين فهذا عذرٌ باطلٌ، فإِنَّهم أخطئوا موقعَ الاستهزاء. وهل يجتمع الإيمان بالله، وكتابه، ورسوله، والاستهزاءُ بذلك في قلب؟ ! بل ذلك عينُ الكفرِ فلذلك كان الجواب مع ما قبله {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} قال شيخ الإسلام: فقد أمره أنْ يقول: كفرتم بعد إيمانِكم. وقول من يقول: إنَّهم قد كفروا بعد إيمانهم بلسانِهم مع كفرهم أوَّلاً بقلوبهم لا يصحُّ، لأنَّ الإيمان باللِّسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر. فلا يقال: قد كفرتم بعد إيمانِكم فإِنَّهم لم يزالوا كافرين في نفس الأمر، وإنْ أُرِيد: إِنَّكم أظهرتُمُ الكفرَ بعد

(1) سورة التوبة: 65-66.

ص: 104