الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعِتْقُ
هو انقطاع الملك عن العبد. الجوهري: العتق: الحرية، وكذلك العتاق بالفتح، والعتاقة، تقول: منه عتق العبد يعتق بالكسر عتقاص وعتاقاً وعتاقة فهو عتيق وعاتق، وأعتقته أنا، وفلان مولى عتاقة. والعتق أفضل الأعمال وأعظم القربات، فقد روى مسلمفي صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عنه عليه الصلاة والسلام قال:"أيما امرئ مسلم أعتق امرأً مسلماً كان فكاكه من النار، يجزئ كل عضو عضواً منه من العاتق، وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار، يجزئ كل عضو منها عضواص منه، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار، يجزئ كل عضو منها". قيل: ولعل هذا لأن دية المرأة على النصف من دية الرجل. ويدل على عظيم ما في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يجزئ ولدُ والدٍ إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه". وكأن الوالد لما كان سبباً لوجود الولد، وذلك من أعظم النعم، والذي يشبع ذلك إخراج الولد لوالده من عدم الرق إلى وجود الحرية؛ لأن الرقيق كالمعدوم، وربما كان العدم خيراً منه [745/ب].
وفي مسلم: أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن أي الرقاب أفضل؟ قال: "أنفسها عند أهلها، وأكثرها ثمناً". واختلف إذا كان الكافر أغلى ثمناً، فقال مالك: الكافر أفضل للحديث المذكور. وقال أصبغ: بل المسلم أفضل. قيل: وهو الأقرب، فإن الذي يضمن أن السيد لا يعتق من النار إلا بعتق عبدين نصرانيين، فإنه لما كانت ديته نصف دية المسلم كان كالمرأة، أما إن تساويا فالمسلم أفضل بلا خلاف.
أَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ
هكذا في بعض النسخ وهي ظاهرة، وفي بعضها إسقاط ثلاثة وهي أيضاً ظاهرة، وفي بعضها أربعة. واستشكلت إذا لم يذكر إلا ثلاثة. وأجيب بأنه أراد بالرابع خواص
العتق، ورد بأن الخواص خارجة عن الماهية والأركان داخلة، وقد يجاب بأنه أطلق عليها ركناً مجازاً باعتبار اختصاصها كاختصاص أركانه، وقيل: أراد بالرابع أحد قسمي الصيغة وهو غير الصريح، وكأنه جعل قسمي الصيغة ركنين.
الْمُعْتِقُ: كُلُّ مُكَلَّفٍ لا حَجْرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُحِطِ الدَّيْنُ بمَالِهِ
احترز بالمكلف من الصبي والمجنون، فلا يمنع السكر منه على المشهور، بخلاف الهبة فإنها لا تلزمه، وقوله:(لا حَجْرَ عَلَيْهِ) أي: لا يجوز بالنسبة إلى ما حجر عليه فيه، فالزوجة والميرض يصح عتقهما في الثلث، بخلاف ما زاد. واعتمد المصنف على ما قدمه في كتاب الحجر، وليس مراده بقوله لا حجر عليه نفي الحجر من كل وجه؛ لئلا يلزم الحشو في قوله:(وَلَمْ يُحِطِ الدَّيْنُ) ولما ذكرناه من أنه أراد بقوله: (لا حَجْرَ) ما تقدم في باب الحجر. قال: ولم يحط الدين بماله؛ لأن الذي قدم المصنف الكلام عليه هو المفلس حقيقة، من فلسه الحاكم وهو متأخر عن إحاطة الدين، فلهذا احتاج إلى قوله ولم يحط الدين بماله لأنه يقدمه. وكما لا يلزم الصغير العتق فكذلك لا يلزمه اليمين به إذا حنث بعد البلوغ، وكذلك من فعل على شيء ثم فعله ثم في حال جنونه لا يلزمه، واختلف إذا حنث السفيه بعد خروجه ولم يرد وليه عتقه، هل يلزمه أم لا؟ أما لو أعتق ولم يرد الولي عتقه حتى يخرج من الولاية؛ فله الرد.
فَلَوْ أَعْتََ ثُمَّ قَامَ الْغَرِيمُ رُدَّ عِتْقُهُ أَوْ بَعْضُهُ
عطفه بالفاء ليرتبه على الجزء الأخير؛ أي: فلو أعتق من أحاط الدين بماله ثم قام غرماؤه رد عت جميعه إن استغرقته الديون، او بعضه إن لم يستغرقه الدين، كما لو أعتق عبداً يساوي مائتين وللدين مائة، فإنه نصفه، وإن لم يوجد من يشتريه إلا كاملاً بيع جميعه، واختلف فيما بقي، فقال ابن حبيب: يصنع به ما شاء. وقيل: يستحب أن يجعله في عتق،
وإليه ذهب اللخمي. أما لو أعتق عبدين ولا مال له غيرهما وقيمتهما أكثر من الدين، ونحن إن بعنا منهما بالحصص لم يكفِ بالدين. فقال ابن عبد الحكم: يقرع بينهما على أنه يباع الدين، وهو ظاهر، و (أَوْ) من قوله:(أَوْ بَعْضُهُ) للتقسيم.
فرعان:
الأول: لو سكت الغرماء عن عتق السيد وطال ذلك لم يكن قام، وإن قالوا لم نعلم بإعتاقه، فقال ابن عبد الحكم: لهم ذلك في أربع سنين لا في أكثر، وقاله مالك، وفسر الطول الذي يدل على الرضا أن يشتهر بالحرية، ويثبت له أحكامه بالمواريث وقبول الشهادة، ولم يمنع ذلك الغرماء.
أصبغ: وكذلك التطاول الذي على السيد فيه أوقات، فإذا فيها وفاء الدين ولم يتيقن شهادة قاطعة أنه لم يزل عديماً متصل العدم مع غيبة الغرماء وعدم علمهم لرد عتقه، ولو ولد له سبعون ولداً ولو أيسر للعتق، ثم قام عليه الغرماء وقد أعسر، فقال مالك: لا يرد عتقه.
الثاني: اختلف إذا رد العتق بحكم، ثم أفاد مالاً قبل البيع أو بعد بيع السلطان وقبل إنفاذه؛ كانوا أحراراً، لأن بيعه بالخيار ثلاثة أيام. وقال ابن نافع: لا أعرف هذا، والذي لم أزل أعرفه أن رد السلطان رد وإن لم يبعه في دين ولا يعتق بعد ذلك، وإن أفاد مالاً بقرب رد الحاكم أعتقوا، وإن طال ذلك الزمان كانوا رقيقاً. وفي الموازية: إن أيسر بعد إنفاذ السلطان البيع بالقرب رد البيع.
قال بعض الشيوخ: هكذا نقل اللخمي. والذي في الموازية: إن أيسر بعد بيع السلطان وقبل قسم الثمن رد البيع، وإن قسم الثمن وطال لم يرد البيع.
اللخمي: وقول ابن نافع أقيسها؛ لأن العتق رد من أصله لحق تقدمه، فلا يعتق إلا بعتق محدث.
وَالْوَصِيَّةُ بالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ عِدَةٌ، وَيَرْجِعُ إِنْ شَاءَ
هكذا في بعض النسخ، وعليها فقوله:(وَيَرْجِعُ إِنْ شَاءَ) زيادة بيان؛ لأن ذلك استفيد من قوله: (وَغَيْرِهِ) إذ سائر الوصايا له فيها الرجوع. وفي بعض النسخ: (والوصية بالعتق عدة، ويرجع فيه إن شاء) وهي كالأولى، ولعله يتبع في ذلك لفظه في المدونة: والوصية بالعتق إن شاء رجع فيها. وفي بعض النسخ: (والوصية بعتق كغيره) وهي أخص. وفي بعضها: (الوصية بالعتق وغيره حق لازم، ويرجع إن شاء) ويؤخذ من قوله في المدونة: والوصية بالعتق عدة. أن العتق لا تلزم كانت على سبب أو لا.
وَيَجِبُ بالنَّذْرِ وَلا يُقْضَى إِلا بالْبَيِّنَِةِ وَالْحِنْثِ
يعني: ويجب العتق بالنذر، سواء كان معلقاً؛ كقوله [746/أ]: إن فعلت كذا فعلي عتق رقبة. أو لا؛ كقوله: علي لله عتق رقبة، لقوله تعالى:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه". ولا يقضي إلا بالبت؛ أي: إذا أبت للعتق، وفي بعض النسخ:(وَلا يُقْضَى إِلا بالْبَيِّنَةِ وَالْحِنْثِ) فيقيد كلامه لمعين. وقوله: بقيام البينة؛ أي: في النذر المعلق، لأنه الذي يتصور فيه الحنث. وهذه المسألة في أول عتق المدونة؛ ففيها على اختصار ابن يونس: ومن قال لله علي عتق رقيقي هؤلاء؛ فليوف بما وعده، وإن شاء حبسهم ولا يجبر على عتقهم؛ لأن هذه عدة جعلها الله من عمل البر، فيؤمر بها ولا يجبر عليها، وإنما يعتقهم علهي السلطان أن لو حلف بعتقهم، فحلف أو أبت عتقهم بغير يمين، وأما إن كان نذراً أو موعداً؛ فإنه يؤمر أن يفي ولا يجبر عليه.
ابن اللواز: قال أشهب: إذا قال لله علي عتق رقيقي فأمر بعتقهم، فقال: لا أفعل، قضي عليه بعتقهم. وإن قال: أنا أفعل ترك، وإن مات قبل أن يفعل لم يعتقوا عليه في ثلث ولا غيره.
ابن عبد السلام: وهو الأقرب لتعلق حق الآدمي بذلك وهو معين، ولا سيما وذلك الحق عتق والشرع متشوف إليه. وقوله على النسخة الأولى بالبت؛ أي: وقامت عليه بينة أو أقر بذلك. وقوله على الثانية بالبينة، وكذلك الإقرار.
الْمُعْتَقُ: كُلُّ رَقِيقٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِهِ حَقٍّ لازِمٌ
أطلق الرقيق على القن ومن فيه شائبة، واحترز بقوله:(لَمْ يَتَعَلَّقْ بعَيْنِهِ حَقٌّ) من العبد الجاني، وعبد المديان، والمرهون، والمستأجر، وأحد المكاتبين وإن كان يتوقف صحة عتقه على إذن من له الحق، وبعضهم يلزم فيه العتق، لكن لا يظهر فيه آثارالحرية إلا بعد سقوط الحق، والذي يلزم رقبته بغير السيد؛ لذلك أخرج هؤلاء، لأن العتق لا يتصور فيهم بوجه.
وأورد المدبر والمكاتب والمقاطع بأنه تعلق بعينهم حق لازم مع أن عتقهم يصح وجوابه: أن المعنى حق لازم؛ أي: لآدمي غيره.
وأورد أن العبد المرهون لم يتعلق الحق بعينه؛ لأن الدين متعلق بالذمة، ألا ترى أنه لو مات تعلق الدين بالذمة، فينبغي أن يصح عتقه على هذه الكلية مع أنه لا يصح، قيل: لا نسلم أولاً أن الحق لميتعلق بعينه، وإنما الدين لم ينحصر فيه سلمنا، ولا نسلم عدم صحة عتقه، فإنه يصح ويتوقف على الإتيان برهن مكانه كما تقدم.
الصِّيغَةُ: الصَّرِيحُ: كَالتَّحْرِيرِ، وَالإِعْتَاقِ، وَفَكِّ الرَّقَبَةِ
هذا هو الركن الثالث، وقسم الصيغة قسمين، صريح، وغيره. ومثل الصريح بالتحرير والإعتاق وفك الرقبة. وأشار بقوله:(كَالتَّحْرِيرِ) إلى أن كل مشتق من هذه هو كالمصادر، وكذلك هو منصوص عليه؛ ففي المدونة: ومن قال لعبده ابتداء ولا سبيل لي عليك عتق، وأن على هذا الكلام جواب الكلام قبله؛ صدق في أنه لم يرد عتقه ولم
يلزمه، فإن قال: أنت حرة، وقال: لم أرد الإعتاق وإنما أردت الكذب؛ ففي المدونة: لا يقبل ذلك ظاهره ولا فيما بينه وبين الله عز وجل. وقال أشهب: يقبل.
اللخمي: وقوله أحسن إن صدقته الأمة وإلا لزمه.
فرع:
وعلى هذا ما لم تكن هناك قرينة تصرف اللفظ عن إرادة العتق؛ ففي المدونة: ومن عجب من عمل عبده أو من شيء رآه منه، فقال: ما أنت إلا حر. أو قال له: تعالَ يا حر، ولم يرد شيئاً من هذه الحرية، وإنما أراد أنك تعصيني فأنت في معصيتك إياي كالحر؛ فلا شيء عليه في الفتيا ولا في القضاء. وفي المدونة: في عبد طبخ لسيده طبخاً فأعجبه طبخه، فقال: أنت حر. فقامت عليه بذلك بينة أنه لا شيء عليه، لأن معنى قوله: أنت حر الأفعال، ولو مر به على عاشر، فقال: إنه حر ولم يرد بذلك الحرية؛ فلا عتق له فيما بينه وبين الله عز وجل، وإن قامت بينة لم يعتق أيضاً إذا علم أن السيد دفع بذلك القول عن نفسه ظلماً.
اللخمي: ولو قال العاشر: لا أدعك إلا أن تقول إن كانت أمة فهي حرة، فإن كان ذلك بغير نية العتق لم يلزمه شيء، وإن نوى العتق وهو ذاكر أن له أن ينويه؛ كانت حرة، لأنه لم يكره على النية.
قال في المدونة: وإن قال له أنت حر اليوم عتق للأبد، وإن قال: أنت حر اليوم من هذا العمل، وقال: إنما أردت عتقه من العمل ولم أرد الحرية؛ صدق في ذلك مع يمينه، ويلزمه ألا يستعمله في ذلك اليوم. سحنون، وإن قال له: تصدقت عليك بعملك، أو خراجك، أو خدمتك حياتك؛ كان حراً. وخرج اللخمي خلافاً في مسألة سحنون هذه من الخلاف في أم الوليد إذا حرم وطؤها، هل يلزمه بتعجيل عتق، أو الولد لبقاء أرش الجناية عليها لسيدها، وفيه نظر؛ لأن موبجها العتق في مسألة سحنون إنما جاء من لفظه الظاهر في إخراج الملك، فادعاؤه بعد ذلك أنه أراد بقاء الأرش وشبهه مخالف لما دل
عليه، بخلاف أم الولد إذا حرم وطؤها فإن السيد لم يلزم فيها حرية، وإنما التزم ذلك بفعله، والفعل لا يدل بنفسه كما هو مقرر في محله فكان أضعف.
سحنون: ولو قال تصدقت عليك بخراجك وأنت حر بعد موتي فهو كأم الولد.
اللخمي: يريد يعتق من رأس ماله. قال: وقد اختلف في هذا الأصل هل يكون من الثلث؟
ابن القاسم في الموازية: وإن قيل له في عبده من رب هذا العبد؟ [746/ب] فقال: لا رب له إلا الله. أو قي لله: أمملوكك هو؟ قال: لا. أو قيل له: ألك هو؟ فقال: ما هو لي. فلا شيء عليه، فذلك كمن قيل له: ألك امرأة، أو هذه امرأتك؟ فقال: لا. فلا شيء عليه إن لم يرد طلاقاً ولا يمين عليه. وقال عيسى: يحلف فيه وفي العتق. وفي الموازية: فيمن سئل عن أم ولده، فقال: ما هي إلا حرة. فلا شيء عليه إن لم يرد العتق.
ابن القاسم: وإن شتم عبداً حراً فاستعدى عليه الحر سيده، فقال: هو حر مثلك. قال: أراه حراً.
وفي المدونة: وإن قال لأمته هي أختي او لعبده هو أخي، فإن لم يرد به الحرية فلا عتق عليه. ولنقتصر على هذا لئلا نبعد عن كلام المصنف.
وَالْكِنَايَةُ: كَوَهَبْتُ لَكَ نَفْسَكَ، وَاذْهَبْ، وَاغْرُبْ وَنَحْوِهِ، وَشَرْطُ الْكِنَايَةِ: النِّيَّةُ
أما ما ذكره في (اذْهَبْ وَاغْرُبْ) فظاهر. وأما (وَهَبْتُ لَكَ نَفْسَكَ) فبعيد، ولا يكاد يوجد ما ذكره المصنف فيه من اشتراط النية. قال في المدونة: ومن قال لعبدك قد وهبت لك نفسك، أو عتقتك، أو تصدقت عليك بعتقك؛ فهو حر، قبل ذلك العبد أو لم يقبل. قال غيره: إذا وهب فقد وجب العتق ولا ينظر في هذا منه قبول، مثل الطلاق إذا وهبها إياه فظاهره عدم الاحتياج إليه. وقال الغير: تفسير لا خلاف.
مالك: فإن وهب لعبده نصفه فهو حر كله.
ابن القاسم: وولاؤه كله لسيده، وكذلك إذا أخذ منه دنانير على عتق نصفه أو على بيع نصفه.
وَأَلْحَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ نَحْوَ: اسْقِنِي الْمَاءَ بالنِّيَّةِ
هذا كالطلاق سواء، ولإلحاقهم هذا بالطلاق قالوا: ولو قال يدك حرة ونحو ذلك لزمه عتق جميعها، فلذلك ألحقوا تمليك المملوك بتملكي الزوجة باشتراط جوابه في المجلس وغير ذلك من أحكام التمليك.
اللخمي: والطلاق ما اجتمع فيه نية ولفظ، وأن يكون اللفظ لفظ الطلاق. واختلف إذا انفرد أحد هذه الأوجه الثلاثة، وفي كل وجه قولان وهي أربعة أوجه، وفي كلام المصنف حذف تقديره: وألحق ابن القاسم بالكناية نحو اسقني، والباء في (الكناية) للإلصاق، والباء في (بالنِّيَّةِ) للمصاحبة؛ أي: مصحوباً مع النية، أو للسببية أو للاثنين مجازاً.
وَلَوْ قَالَ فِي الْمُسَاوَمَةِ: عَبْدِي حُرٌّ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ
يعني: أن ما قدمه من صريح ألفاظ العتق قد يقترن به ما يخرجه عن ألفاظ العتق، كمن قال في حال المبايعة: عبدي حر يمدحه، أي: حر الأفعال.
وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ: إِنْ بعْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: إِنِ اشْتَرَيْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ؛ فَبَاعَهُ عَتَقَ عَلَى الْبَائِعِ وَيُرَدُّ ثَمَنُهُ
…
استغنى المصنف ببيان الحكم في هذه المسألةعن باين حمك ما لو قال البائع: إن بعته فهو حر. أو قال المشتري: فهو حر فقط. لأن معرفة المركب تستدعي معرفة أجزائه، وقد تقدم في باب الطلاق الكلام على هذه المسألة. وقد اختلف إن قال البائع: إن بعتك فأنت حر، فمذهب المدونة كما ذكره المصنف أنه يعتق على البائع، ونقل عن عبد الملك: أنه لا يعتق وهو القياس، لأن العتق إنما يقع بتمام البيع وهو حينئذ قد انتقل إلى ملك المشتري، فيكون البائع قد أعتق ملك غيره، للمشهور ثلاثة اعتذارات:
الأول سحنون: أنه يعتق على البائع بنفس قوله: بعت، قبل أن يقول المشتري، اشتريت؛ لأنه إنما علق علىفعل نفسه. قال: كما أجمعوا في الوصي يعتق بعد موته، وإن كان الميت إنما أوصى أنه يعتق بعد خروجه عن ملكه فكذلك هنا، ويمثل هذا احتج ابن شبرمة في المدونة، وضعف بأن حقيقة البيع عرفاً الإيجاب والقبول.
والاعتذار الثاني لابن المواز: البي والعتق وقعا معاً فلزم أقواهما وهو العتق، واستدل على قوته بتبديته في الوصية واستكماله على الشريك، وضعف لأن البيع علة العتق إنما هو بالحمل، وذلك إنما يكون إذا لم يناف قاعدة شرعية. القاعدة الشرعية: هو أن البيع علة لنقل الملك بالشروع بحيث لا ينفك أحدهما عن صاحبه.
والاعتذار الثالث للقاضي إسماعيل: إن بعتك فأنت حر قبل بيعي إياك، وفيه نظر. ابن عبد السلام: ورأيت في بعض تآليف المتأخرين قولاً في مسألة المصنف أن العتق يلزم المتري، ولو انفرد المشتري بالعتق لعتق عليه، ويجري فيه الخلاف الذي في التزام الطلاق، ويحمل في مسألة المصنف بالتحريم ثلاثة أقوال، واختلف إذا عتق على البائع هل يفتقر إلى علم أم لا؟ وإذا انتقض البيع وعتق عليه نفى المال للبائع إن انتزعه، أو وقع البيع وأتبع منهما قبل العتق، وإن استثناه المشتري كان للعبد لانتقاض بيعه، ولو أهلك البائع الثمن قبل نقض البيع لم يرد عتق البائع وأتبع السيد بالثمن.
وأما على قول ابن الماجشون وإسماعيل، فالمال للسيد لأن العتق يتبع البيع، وفيه نظر. وفي العتبية عن ابن القاسم، من قال: أول عبد أبتاعه فهو حر، واشترى رقيقاً صفقة واحدة؛ فإنه يحنث في جميعهم، بمنزلة الذي يقول أول عبد أبتاعه فابتاع شقصاً من عبد؛ فإنه يقوم عليه باقي العبد، ونظير هذه المسألة إذا قال: إن خالعتك فأنت طالق ألبتة فخالعها؛ أنها ترجع عليه بالمال وتلزمه ألبتة. ويعارضها قوله في كتاب الأيمان [747/أ] بالطلاق من المدونة: إذا مت أنا أو مت أنت فأنت طالق؛ فإنه قال: لا شيء عليه.
وَإِنْ قَالَ: إِنْ فَعَلْتَ كَذَا فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٍّ؛ عَتَقَ كُلُّ مَنْ فِي مِلْكِهُ، وَالْمُدَبَّرُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَأَوْلادُ عَبيدِهِ مِنْ إِمَائِهِمْ وَإِنْ وُلِدُوا بَعْدَ يَمِينِهِ، بخِلافِ عَبيدِ عَبيدِهِ؛ فَإِنَّهُمْ تَبَعٌ كَمَالِهِمْ، وَبخِلافِ "كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا"
…
حذف المصنف (فحنث) لدلالة قوله (عتق) وفرضها المصنف في العتق المعلق، واستغنى بها عن غير المعلق وجمعهما في المدونة.
وقوله: (مَنْ فِي مِلْكَهُ) أي: حين اليمين لا في المستقبل، وأطلق على الذكور والإناث، وقد نص المصنف في الأصول على أنه مذهب الأكثر، واختلف قول سحنون في (مماليكي) والذي رجع إليه وهو مذهب المدونة أنه يشمل الإناث أيضاً.
سحنون: ولو قال رقيقي؛ عتق عليه الذكور والإناث. وحكى عياض الاتفاق على ذلك، ولو قال: عبيدي، لم يعتق إلا الذكور. وذهب فضل إلى دخول الإناث في لفظ العبيد، وكذلك قال اللخمي: الصواب دخولهن في عبيده؛ لقوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّمٍ لَلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] لأنه من الجمع المكسر. قال في الباين: ونقل ابن سحنون عن أبيه أنه رجع إلى دخولهن، وكلام المصنف ككلامه في المدونة؛ ففيها: وإن قال كل مملوك لي حر في غير يمين حنث بها؛ عتق عليه عبيده ومدبروه ومكاتبوه وأمهات الأولاد وكل شقصفي مملوك ويقوم عليه بقيته إن كان ملياً، ويعتق عليه بقيمته إن كان ملياً، ويعتق عليه أولاد عبيده من إيمائهم ولدوا بعد يمينه أو قبل؛ لأن الأولاد ليسوابملك لآبائهم، إنما هم ملك للسيد، وأما عبيد عبيده وأمهات أولادهم فلا يعتقون ويكون لهم تبعاً.
وقول المصنف: (وَأَوْلادُ عَبيدِهِ) مع كونه فرض السألة في صيغة بر يقتضي أن يكون ذلك في الحنث لا في البر، وإلى هذا رجع ابن القاسم. وعلى هذا فلا خلاف في دخول الأولاد في الحنث كن حوامل يوم اليمين أو لا؛ لأن الأمهات مرتهنات باليمين لا
يستطيع وَطْأَهُنَّ وَلا بَيْعَهُنَّ. واختلف في دخولهم في البر؛ أعني: إذا حملن بعد اليمين، وأما إن كن حوامل يوم اليمين فدخول الأولاد اتفاقاً.
ابن القاسم: وعدم دخولهم أصوب.
وقوله: (بخِلافِ عَبيدِ عَبيدِهِ؛ فَإِنَّهُمْ تَبَعٌ) أي: للعبيد المعتقين، وعورضت هذه المسألة في نذور المدونة فيمن حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة عبده أنه حانث. ورأى بعضهم أن ذلك اختلاف قول، وفرق اللخمي بأن الأعمال تراعى فيها النيات، والقصد في هذا اليمين عرفاً رفع المنة، والمؤنة تحصل بركوب دابة العبد، ولأن الحنث يقع بأدنى سبب.
اللخمي وغيره: وظاهر المدون ةأنه يعتق علىلخلاف إذا حنث جميع العبيد الذين له فيهم شرك. وذهب ابن المواز وابن القابس إلى أن معنى ما فيها ان يكون له شريك في كل عبد، وأما لو كانوا عبيداً بينه وبين رجل؛ فإنهم يقسمون، فما صار للحالف عتق.
وقوله: (بخِلافِ "كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا") أي: فلا يلزمه به طلاق من هي في عصتمه، ولا فيمن يتزوجها في المستقبل؛ لأن قوله:(كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي) مخصص، بخلاف قوله:(أتزوجها) فإنه مستقبل، فهو عام، فاللزوم فيه خرج، ولهذا ما كان يحتاج المصنف إلى ذكر هذه المخالفة.
وَإِنْ قَالَ: فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَكَذَلِكَ، بخِلافِ "كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ أَبَداً" فَإِنَّهُ لا يَعْتِقُ مَنْ فِي مِلْكِهِ
…
يعني: أن المضارع يتنزل منزلة قوله: كل مملوك لي. وأِار بذلك إلى لزوم العتق فيمن ملكه، وهذا ظاهر؛ بناءً علىلقول بأن المضارع ظاهر في الحال. وذكر اللخمي ي هذا خلافاً، هل يحمل على الماضي، أوعلى الاستقبال؟ لكنه قال: المعروف عند الناس ما ذكره المصنف أنه يحمل على الحال، قال: ولولا العادة لرأيت أن يسأل الناس هل أراد ما في ملكه أو ما يملكه.
وأما قوله: (بخِلافِ "كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ أَبَداً") فهو محمول على الاستقبال بلا شك؛ لما صحبه من لفظ الأبد الدالة على الاستقبال، فلذلك لم يلزمه من في ملكه لتعميمه، فهو كقوله: كل امرأة أتزوجها طالق: ولهذا لو قال: أملكه إلى عشرين سنة أو ثلاثين للزمه اليمين. ووقع في المدونة في هذه المسألة اضطراب في الرواية، والمدونة أولى بذلك، فلذلك تركته.
خَوَاصٌّ الْعِتْقِ: السِّرَايَةُ، وَالْعِتْقُ بالْقَرَابَةِ وَبالْمُثْلَةِ، وَالْحَجْرُ عَلَى الْمَرِيضِ فِي الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ، وَالْقُرْعَةُ وَالْوَلاءُ
…
الخاصة: الوصف المختص بالماهية، فالسراية إلى ملك الغير لا توجد إلا في العتق، وقد يعترض على إتيانه بالسراية والعتق بالقرابة، فإن عدمهما هنا إنما يحسن لو كان يتوهم دخولهما في غير العتق، وقد يقال لا نسلم أن من شرط الخاصة أن يتوهم وجودها في غير تلك الماهية. وهذا الكلام أيضاً يأتي في العتق بالثثلث، ثم إنه يعترض على مذهب سحنون أن المرأة تطلق بالمثلة، إلا أن يقال بناء على المشهور، وليس الحجر على المريض في الزائد على الثلث خاصاً بالعتق بل فيه وفي غيره، وكذلك القرعة تأتي في قسمة المشترك والقسمة بين الزوجات.
السَّرَايَةُ: وَمَنْ أَعْتَقَ جثزْءاً أَوْ عُضْواً مِنْ عَبْدِهِ سَرَى، وَفِي وُقُوفِ الْعِتْقِ عَلَى الْحُكْمِ رِوَايَتَانِ
…
[747/ب] هذا شروع منه في الكلام على الخاصة الأولى.
قوله: (جُزْءاً) أي: كالثلث والربع والسدس. (أَوْ عُضْواً) كاليد والرجل. (سَرَى) أي: عتق عليه جميعه. والرواية: بوقف السراية على الحكم.
اللخمي: وهو المعروف من المذهب في كتاب الجنايات.
والرواية الأخرى نقلها عبد الوهاب وهو ظاهر ما في عتق المدونة. ومن قال لعبده: يدك حرة، أو رجلك حرة؛ عتق عليه جميعه. وحكى اللخمي في هذه المسألة وفيها إذا كانت البية لغيره ثلاثة أقوال؛
فقال: واختلف قول مالك هل تكون بقية العبد عتقاص كله بنفس العتق الأول أو بعد الحكم؟ فقالمرة: بعد الحكم، وفرق مرة فقال: إن كان ميعه له فأعتقَ بعضَه؛ كان عتيقاً كله بنفس العتق، وإن كان له شرك؛ فحتى يحكم، واختاره اللخمي.
وقوله: (عَلَى الْحُكْمِ) فكيف جعل المصنف السراية من خواص العتق قبل السراية حاصلة على قول، أو يقال السراية حاصلة وإنما اختلف في كونها مشروطة بالحكم أم لا، وفي هذا الثاني نظر؛ لأنهم جعلوا الرواية بالسراية قسيمة للحكم.
وَمَنْ أَعْتَقَ شِرْكاً قُوِّمَ عَلَيْهِ الْبَاقِي بشُرُوطٍ: الأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مُوسِراً
لما في الموطأ، والصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من أعتق شِرْكَاً له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد؛ قوم عليه قيمة عدل وأعطى شركاءه حصصهم وأعتق عليه العبد". وإلا فق دعتق منه ما عتق، يدل على أن العبد لا يستسعى في بقيته، وهو مذهبنا خلافاً للحنفية.
وقوله: (الأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مُوسِراً) دل على اعتبار هذا الشرط؛ لقوله: (قُوِّمَ). ويعلم عسره بأن لا يكون له مال ظاهر، وسأل عنه جيرانه ومن يعرفه، فإن لم يعلموا له مالاً حلف ولم يسجن، قاله عبد الملك.
سحنون: وقاله جميع أصحابنا، إلا اليمين فلا يستحلف.
اللخمي: وهذه المسألة أصل في كل ما لم يكن أصله معاوضة أنه لا يضيق فيه كالمداينة. ثم فسر المصنف اليسار بقوله:
بأَنْ يَفْضُلَ عَنْ قُوتِهِ الأَيَّامَ وَكِسْوَةِ ظَهْرِهِ كَالدَّيْنِ، وَيُبَاعُ مَنْزِلُهُ وَشَوَارُ بَيْتِهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: بأَنْ يَفْضُلَ عَنْ مَا يَوَارِيهِ لِصَلاتِهِ
…
هكذا في المدونة في العتق: أنه يباع عليه شوار بيته والكسوة ذات المال، فلا يترك له إلا كسوته التي لابد منها وعيشه الأيام اليسيرة. وفسر في الواضحة الأيام بالشهر ونحوه، ولم يذكر في المدونة هنا الزوجة. وفي سماع ابن القاسم: وشك في كسوة زوجته ل تسلم. وقال سحنون: لا تترك له كسوة زوجته. عياض: والشوار- بفتح الشين - المتاع، واما بضمها فالجمال، قاله في النكاح. وفي قول أشهب بعد.
وقال ابن الماجشون: لا يترك له إلا مثل الثوب والشيء الخفيف، وما لا يباع على المفلس، وهو قريب من قول ابن القاسم. قال في كتاب ابن سحنون: وإن كان له بعير شارد أو عبد آبق أو ثمرة موصوفة ما لم تطب، فإن كان قريباً انتظر، وإن كان بعيداص لم ينتظر. قال: وهو قول أصحابنا.
الباجي: وإن كان له مدبرون أو معتقون إلى أجل؛ فلا حكم للقيمة في مثل هذا. وأما ديونه، فقال ابن الماجشون: إن كانت على أملياء حضور وأحدها قريب؛ قوم ذلك وتتبع ذمته، وإن كان نسيئة أو أهلها غيب؛ فليس عليه أن يخرج عبده.
وفي الموازية: ينتظر دينه ويمنع شريكه من البيع ويتلوم له تلوماً لا ضرر فيه.
وَالْمَرِيضُ فَقِيرلإ إِلا فِي الثُّلُثِ
يعني: أن المريض إذا عتق شقصاً له في عبد فهو كالفقير إلا أن يحمله الثلث؛ لأن له أن يتصرف فيه، وظاهر قوله:(إِلا فِي الثُّلُثِ) أنه فيه كالصحيح يقوم فيه ويعجل عتقه، وهذا القول حكاه هكذا في المقدمات، ورجع مالك في المدونة إلى أنه لا يقوم عليه إلا إذا كان له مال مأمون؛ ففيها: وإذا أعتق المريض شقصاً له أو نصف عبد، فإن كان ماله
مأموناً؛ عتق عليه الآن جميعه وغرم قيمة نصيبه، وإن كان ماله غير مأمون؛ لم يعتق نصيبه ولا نصيب شريكه، إلا بعد موته فيعتق جميعه في ثلثه. وحمل غير واحد كلامه في المدونة على أنه إذا كان له مال مأمون أنه يقوم عليه الآن ولا يعتق عليه إلا بعد الموت، وكذلك نص عليه في الموازية، وقيل: لا يقوم إلا بعد الموت، كان له مال مأمون أم لا.
عياض: وفيها قول رابع: أنه لا يقوم في نصيب الشريك في مرضه، وإنما يعتق عليه في الثلث شقصه فقط، إلا أن يصح فيقوم عليه، إلا أن تكون له أموال مأمونة فيقوم عليه، وهو قول عبد الملك وابن حبيب. وفيها قول خامس حكاه ابن سحنون: يخير الشريك بين التقويم وقبض الثمن ويبقى كله للمعتق موقوفاً، فإن قلت: عتق عليه أو ما حمل الثلث وما بي رقيق لورثته، وإن شاء تماسك بنصيبه إلى أن يموت شريكه فيقوم في ثلثه.
وَالْمَيِّتُ مُعْسِرٌ لا كَالْمَرِيضِ، فَلَوْ قَالَ: إِذَا مِتُّ فَنَصِيبِي حُرٌّ لَمْ يَسْرِ عَلَيْهِ
الميت لا يقوم عليه كالمعسر، ولو كان أعتق في صحته ولم يعلم بذلك حتى مات، نص عليه في المدونة وإن معسر؛ لأن المال قد انتقل إلى ورثته، ولا تقويم على الورثة لأنهم لم يعتقوا، وشبه المصنف المريض بالفقير والميت بالمعسر، إما لأنه غاير بينهما باللفظ، وإما لأن المريض [748/أ] لما كان له تصرف في ماله فالنفقة والمبايعة حسن تشبيه بالفقير الذي له تمكن في الغالب من المعاملات، والميت لما لم يكن له تصرف أصلاً شبه بالمعسر.
مالك وغيره: وإن لم يعلم الشركاء بعتق الشريك إلا بعد موت المعتق أو فلسه؛ لم يعتق من العبد إلا ما كان أعتق. أشهب عن مالك: وإن أعتق حصته ولم يقم عليه حتى مات، فإن مات بحدثان ذلك قوم عليه في رأس ماله؛ لأنه حق ثبت لشريكه لم يفرط فيه، فإن فرط في ذلك لم يعتق في رأس مال ولا ثلث.
سحنون: وأنا أقول في المعسر لا تقوم عليه وإن مات بحدثانه.
أشهب عن مالك: ولو أعتق بعض عبده في صحته فلم يقم عليه حتى مات مكانه أو فلَّس؛ لم يعتق عليه إلا ما أعتق.
سحنون: وهذا قول أصحابنا جميعاً. وذكر ابن حبيب عن مطرف عن مالك: إن غاصبه الموت عتق عليه باقيه، وإلا لم يعتق عليه إلا ما عتق.
وقوله: (فَلَوْ قَالَ) عطفه بالفاء ليرتب عل ىما قبله، ولو قال عوض قوله:(لَمْ يَسْرِ)(لم يعتق) لكان أحسن؛ لأن السراية لا تلزم نفي الحكم. ومقابل الأصح حكاه ابن الجلاب، فقال: وقد قيل أنه لم يكمل علهي في ثلثه. ثم في قول المصنف: لم يسرِ على الأصح نظر من وجه آخر؛ لأن مقتضاه أنه يسري على مقابله، وظاهر الجلاب خلافه. أما لو أوصى بالتكميل لكان وصية تكمل عليه في ثلثه، قاله في الموازية والعتبية، وقاله أصبغ.
فَلَوْ كَانَ مُوسِراً بالْبَعْضِ سَرَى فِيهِ
أي: لو كان المعتق موسراً ببعض نصيب شريكه سرى في ذلك البعض.
وقوله: (سَرَى) أي: يريد بالحكم على أصح الروايتين. وعبارته في المدونة: قوم عليه بقدر ما معه، وهي أحسن.
وَلَوْ رَضِيَ الشَّرِيكُ باتِّبَاعِ ذِمَّةِ الْمُعْسِرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الأَصَحِّ
لأن الموجب للتقويم اليسر، فليس للشريك أن يرتب ديناً في ذمته، ولأن الأصل ألا يلزمه إلا ما تقرضه، خالفنا ذلك في الموسر لنص الحديث، يبقى ما عداه على الأصل، ومقابل الأصح لابن المواز، وجعل الحديث في ترك الاستكمال لحق الشريك خاصة، والأصح لابن القاسم في الواضحة وهو قول ابن القاسم في كتاب أمهات الأولاد.
ابن يونس: وهو ظاهر قول مالك، وابن القاسم في المدونة، وهو أشبه بالحديث.
وَلا يَلْزَمُ اسْتِسْعَاءُ الْعَبْدِ، وَلا أَنْ يَقْبَلَ مَالَ الْغَيْرِ وَيُعْتَقُ بهِ
تقدم أن مذهبنا عدم استسعاء العبد، ونقل لمالك في الواضحة إلا أن العمل عليه، ودليله الحديث المتقدمن وإلا فقد عتق منه ما عتق، وإن كان اختلف في هذه الزيادة هل من كلامه عليه الصلاة والسلام أو من قول نافع. والأصل التمسك بأنها من قوله عليه الصلاة اوسلام. وأما قوله عليه الصلاة والسلام من حديث قتادة:"من أعتق شقصاً له في عبد فخلاصه في ماله إن كان له مال، وإن لم يكن له مال استسعى العبد". غير متفق عليه. فقال أبو عمر: روى هذا الحديث شعبة بن الحجاج وهشام الدستوائي وهمام بن يحيى عن قتادة بسنده، ولم يذكروا فيه السعاية وهي أثبت من الذين ذكروها.
وقوله: (وَلا أَنْ يَقْبَل مَالَ الْغَيْرِ) أي: ولا يلزم المعتق قبول مال الغير ليكمل العتق، ويحتمل: ولا يلزم العبد أن يقبل مال الغير ليعتق به، قاله ابن راشد.
واقتصر ابن عبد السلام على الأول، وفي بعض النسخ: العبد بالدال وهي ظاهرة.
وَإِذَا حُكِمَ بسُقُوطِ التَّقْوِيمِ لإِعْسَارِهِ فَلا تَقْوِيمَ بَعْدُ
أي: لإعسار المعتق. (فَلا تَقْوِيمَ بَعْدُ) أي: إذا أيسر لأنه حكم مضى، ويدخل في قوله:(لإِعْسَارِهِ) ما إذا أنشأ العتق في حال العسر، وأما إذا أنشأ في حال اليسر ولم يرفع إلى الحاكم إلا بعد العسر على القول بأن العتق يتوقف على الحكم.
وَلَوْ لَمْ يُحْكَمْ فَأَيْسَرَ فَفِي إِثْبَاتِهِ رِوَايَتَانِ
ولو لم يحكم بسقوط التقويم للإعسار، وكلامه يعم إذا كان حال العتق معسراً أو موسراً ثم أعسر، لكنَّ الروايتين إنما وقعتا في المدونة وغيرها فيما إذا أعتق وهو معسر. والضمير في قوله:(ابتاعه) عائد على التقويم وهو موسر. فقال شريكه: أنا أقوم عليه ولا
أعتق. فلما قوم عليه وجده معدماً فإن العبد عتق على الأول، وأتبعوه هذا بالقيمة في ذمته؛ لأنه ضمنه في وقت له تضمينه فيه، كمن أعتق وعليه دين وعنده وفاء به.
وقال ابن القاسم: له أن يجرع إلى نصف العبد فيأخذه. والرواية الأولى لمالك في المدونة، والرواية الأخرى وهي التي رجع إليها لكنها مقيدة بقيدين أهملهما المصنف: الأول: أن يكون عسره بيناً. والثاني: أن يكون العبد حاضراً. قال فيها، ثم قال: إن كان يوم عتق يعلم الناس والعبد. والتمسك بالرواية إنما ترك القيام، لأنه إن خوصم لم يقوم عليه لعدمه، فلا يعتق عليه وإن أيسر بعد ذلك، وأما إن كان العبد غائباً ولم يعلم حتى أيسر المعتق لقوم بخلاف الحاضر.
ابن الكاتب: ولا يجوز أن يقوم العبد الغائب وإن علم موضعه وصفته؛ لأنه لابد من انتقاد قيمته، والنقد في بيع الغائب لا يجوز. قال: وكذا العبد المفقود لا يقوم.
ابن القاسم: وإن كان العبد قريب الغيبة مما يجوز في مثله اشتراط النقد في بيعه لزم تقويمه إذا عرف موضعه وصفته، وتنتقد القيمة لجواز بيعه.
مالك في الموازية: وإن أعتق في يسره ثم قيم عليه في عسره، فلا شك أنه [748/ب] لا يقوم.
الثَّانِي: أَنْ يَحْصُلَ عِتْقُ الْجُزْءِ باخْتِيَارِه أَوْ بسَبَبِهِ، فَلَوْ وَرِثَ جُزْءاً مِنْ قَرِيبهِ لَمْ يَسْرِ، وَلَوْ اتَّهَبَهُ أَوِ اشْتَرَاهُ سَرَى
…
الشرط الثاني في التكميل: حصولعتق الجزء باختياره أو بسببه، احترازاً من الميراث لأنه جبري، فلذلك لا يعتق عليه إلا ما ورث ولو كان ملياً؛ لأنه لم يعتق وإنما أعتق عليه، فلم يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم:"من أعتق".
وقوله: (وَلَوِ اتَّهَبَهُ أَوِ اشْتَرَاهُ) بياناً لما ذكره من التسبب. ومعنى (اتَّهَبَهُ): طاوع على قبوله من الهبة، وخالف عبد الملك في الهبة والوصية، فقال: لا يقوم عليه وإن اتهبه؛ أي:
قبله: لأن ما وهب له منه أو أوصى لم يعتق عليه على كل حال قبله أو لا، وولاؤه للموهوب له، وهذا مبني على أن الموهوب ونحوه إذا لم يقبل الهبة يعتق ذلك الشقص وحده وهو مذهب الموازية. قال فيها: وولاؤه للميت؛ أي: في الوصية، ثم رجع فقال: للموصى له. ومذهب المدونة خلافه؛ لأنه قال في كتاب الولاء: إذا أوصى له ببعض أبيه فإن قبله قوم عليه باقيه، وإن رده فروي عن مالك أن الوصية تبطل.
ابن يونس: وقاله أشهب وابن دينار: ووافق أصبغ ما في الموازية في الوصية: أنه إذا لم يقبل يعتق عليه ذلك ويكون ولاؤه للموصى له، قال: وأما في الصدقة عليه كله وإن لم يقبله فهو حر كله على سيده. وقال ابن الماجشون: الوصية والهبة سواء قبلهما أو ردهما لا تقويم عليه لباقيه؛ لأن ذلك الشقص يعتق عليه بكل حال وولاؤه للموصى؛ لأنه عتق. وتحصيل هذا الفصل: أنه لا خلاف في التكميل إذا اشترط بعضه، ولا في عدمه إن ورثه.
اللخمي: واختلف في الهبة والصدقة والوصية في ثلاثة مواضع في الاستكمال إذا قبل ذلك النصيب، وفي عتق النصيب إذا لم يقبل الهبة والصدقة والوصية، وفي ولاء ذلك النصيب على القول بعتقه. وقال سحنون عن مالك وجميع أصحابه إلا ابن نافع في مسألة الميراث: إذا اشترى بعضه بعد ذلك أو وهب له لم يعتق عليه. وقال ابن نافع: يقوم عليه.
سحنون: ولا أعلم من يقول غيره. قال في المدونة: وإن وهب الصغير أباه أو من يعتق عليه أو ورثه فقبل ذلك أبوه أو وصيه؛ فإنه يعتق عليه ذلك الشقص فقط، ولا يقوم على الصبي ولا على أبيه أو وصيه، فإن لم يقبل ذلك الأب أو الوصي فهو حر على الصبي لا على أبيه أو وصيه، وهذا الذي يؤخذ من قوله:(اتَّهَبَهُ) فإن مفهومه لو اتهبه عنه غيره أنه لا يكون كذلك.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُبْتَدِئَ لِتَبْعِيضِ الْعِتْقِ، فَلَوْ كَانَ بَعْضُهُ حُرّاً لَمْ يُقَوَّمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا جَمَاعَةً فَالتَّقْوِيمُ عَلَى الأَوَّلِ
…
الشرط الثالث للتقويم: أن يكون المعتق هو المبتدئ لتبعيض العتق، فلو كان لإفساد الرقبة فأحدث العتق فيهما؛ كما لو كان ثلثه حرّاً، أو ثلثاه لرجلين فأعتق أحدهما نصيبه فلا تقويم عليه، وكذلك لو كانوا جماعة فالتقويم على الأول؛ أي: ولأجل اشتراطنا في التقويم أن يبتدئ بالعتق لو كان الشركاء في العبد جماعة فأعتق أحدهم نصيبه ثم أعتق الثاني بعده وهما مليان؛ قوم نصيب الثالث على الأول فقط لأنه المبتدئ.
اللخمي: إلا أن يرضى الثالث أن يقوم عليه، فإن رضي بذلك قوم على الثاني، ولا مقال للأول في ذلك لئلا يستحق الاستكمال، وإنما الاستكمال حق صعب، فإن كان الأول معسراً والثاني موسراً فلا تقويم على الثاني. قال ابن نافع: يقوم عليه.
سحنون: وبالأول قال جميع أصحابنا.
فَلَوْ أُعْتِقَ اثْنَانِ مَعاً قُوِّمَ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا، وَقِيلَ: عَلَى عَدَدِهِمَا
فلو كان لأحدهم نصف وللآخر ثلثه وللآخر سدسه فأعتق صاحب النصف وصاحب السدس؛ لقوِّم على المشهور على كل واحد على قدر نصيبه، والربع على قول عبد الملك، ووجهه ظاهر؛ لأن التقويم يترتب على فضل الأجزاء لو انفرد، وقد تقدمت نظائر هذه المسألة.
فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُعْسِراً فَفِي تَقْوِيمِ الْبَاقِي عَلَى الْمُوسِرِ قَوْلانِ
يعني: ولو كان أحد المعتقين معسراً، فهل يقوم الجميع على الموسر، أو إلا ما كان يلزمه في ملاء صاحبه وهو قول عبد الملك، ونقله ابن حبيب عن المصريين، وروي أيضاً عن مالك.
وَلا يُعْتَقُ إِلا بَعْدَ التَّقْوِيمِ وَدَفْعِ الْقِيمَةِ عَلَى أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ
مقابل الأظهر القول بالسراية، ومقتضى كلامه رحمه الله أنه لا يعتق على الأظهر إلا بعد شيئين؛ التقويم، ودفع القيمة. واستغنى المصنف بالتقويم عن الحكم؛ لأنه غالباً لا يكون إلا بعد الحكم، وكانت أظهر- والله تعالى أعلم- لظاهر الحديث؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:"قوم عليهما قيمة عدل وأعطى شركاءه حصصهم وأعتق عليه العبد". فذكر صلى الله عليه وسلم العتق بعد إعطائه القيمة. فإن قيل: إن الواو لا ترتب؛ قيل: جاء في بعض رواية النسائي بثم عن سفيان عن عمر عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان عبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه، فإن كان موسراً فإنه يقوم عليه ولا شطط ثم يعتق". وجاء في رواية بالفاء، ويدل على اعتبار الحكم ما رواه النسائي [749/أ] من قوله صلى الله عليه وسلم:"من أعتق نصيباً له في اثنين كلف عتق ما بقي".
وقوله: (وَالثَّالِثُ) أي: وفي السألة قول ثالث إن عم المعتق بأن قال: نصيبي ونصيب غيري حر ونحوه، فالسراية وإن لم يعم فكالثاني. وجعل المصنف هذا القول في المسألة ابتداء، وإنما جعله ابن شاس مفرعاً، فقال، قال القاضي أبو محمد: أظهر الروايتين أن السراية تحصل بالتقويم ودفع القيمة للشريك.
ويتفرع على الروايتين مسائل؛ إحداها: زمان اعتبار القيمة، فعلى أظهر الروايتين يوم الحكم إذا نص المعتق على نصيبه، وإن عمم في جملة العبد فيوم العتق، وقال مطرف وعبد الملك: بل يوم الحكم كالمقتصر على نصيبه. وروي عن أشهب وأصبغ وابن عبد الحكم: وأما على الرواية الأخرى فيوم العتق على كل حال. لكن قال ابن عبد السلام: والقول الثاثل تقييد. وفي المدونة دليل عليه؛ ففي كتاب العتق: إذا أعتق أحد الشريكين في الأمة حصته وهو ملي ثم وطئها المتمسك بالرق قبل التقويم لم يحد؛ لأن حصته في ضمانه قبل التقويم. ثم قال: وإن أعتق أحدهما جميعها وهو ملي لزم ذلك شريكه.
ابن القاسم: ثم ليس لشريكه عتق حصته، ولو وطئها الآخر بعد علمه بعتق الملي لجميعها لَحُدَّ إن لم يعذر بجهالة، انتهى بمعناه.
الثَّالِثُ: إِنْ عَمَّمَ فَقَبْلَهُمَا
إذا أعتق حصته، وأما إن عمم فيوم الحكم كما ذكرناه من كلامه في الجواهر.
وَعَلَى الأَظْهَرِ يُقَوَّمُ يَوْمَ الْحُكْمِ لا يَوْمَ الْعِتْقِ
هذا تفريع على الأظهر، وعلى الثاني فالقيمة قد وجبت على المعتق فلا يضر موته.
فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ التَّقْوِيمِ لَمْ يُقَوَّمْ
تفريع أيضاً على الأشهر، ولا ينفذ على القول بالسراية.
وَلَوْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ حِصَّتَهُ نَفَذَ، وَقَالَ الأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ: وَمُقْتَضَاهُ إِذَا بَاعَهُ قَبْلَ التَّقْوِيمِ أَنْ يُقَوَّمَ لِلْمُشْتَرِي. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: يُرَدُّ الْبَيْعُ لِلتَّقْوِيمِ
…
يعني: أن الأستاذ أبا بكر الطرطوشي رأى أن مقتضى أظهر الروايتين يمضي بيع الشريك الذي لم يعتق نصيبه ويقوم للمشتري كما يقوم للبائع. وفي المدونة: إذا أعتق أحدهما ثم باع الآخر يرد بيعه للتقويم على المعتق.
ابن حبيب: ورواه المصريون والمدنيون من أصحاب مالك عنه.
وأورد على الأستاذ: أنه لا يلزم من بقائه على ملك الشريك نفوذ البيع؛ لأن البيع يرد لعلة أخرى وهي هنا الغرر؛ لأن التقويم قد وجب قبل البيع فدخل المشتري على قيمة مجهولة وعلى شراء ما فيه خصومة. ويجاب عن ذلك: بأن مذهب ابن القاسم جواز شراء ما فيه خصومة. وينتقض ما قلتم من التعليل بالغرر بقوله في المدونة آخر كتاب العتق الأول: وإن بعت أنت. وأجاب بعض شيوخ صاحب النكت: بأن المشتري في المسألة
الأولى دخل على الفساد بوجوب القيمة قبل الشراء، بخلاف المشتري هو وأجنبي إياه فلم يجب التقويم قبل الشراء، ولا يثبتفي ذلك عتق إلا بعد حصول الشراء، على أن سحنوناً جَوَّزَ مسألة شراء الأب، وقال: لم يجوِّز هذا الشراء والأجنبي لا يدري مااشترى. وقيد أشهب ما في المدونة من نقض البيع، فقال: إلا أن يكون المعتِقُ موسراً فلا يرد بيعه؛ إذ لا يرد إلى تقويم. قال: ولو لم يرد حتى أعسر ثم أيسر؛ فلا يرد إلا أن يكون عدمه الذي كان ليس بالمنكشف، ولا يرفع إلى الإمام يرد بيعه ويقوم عليه بقيمته. لكن قال ابن المواز: لا يعجبنا قوله في إجازة البيع إذا عدم المعتق بعد البيع؛ لأن المبتاع اشترى نصفاً وجب فيه التقويم، فكأنه أعطى عيناً أو عرضاً في قيمة مجهول إذا اشترى وهو يعلم بوجوب القيمة.
ابن المواز: وإن دخل العبدَ عيبٌ أو نقص في بدن أو سوق أو زيادة في مال أو ولد من أمة؛ فقد فات فسخ البيع ولزم مشتريه قيمة النصف المبيع يوم قبضه. وأطال ابن المواز الكلام على هذه المسألة وانظر كلامه في ابن يونس على هذه المسألة، وانظر كلامه في ابن يونس.
قَالَ: وَكَذَلِكَ حُكْمُ شَهَادَتِهِ وَجِنَايَتِهِ وَحدِّهِ وَغَلَّتِهِ
الضمير في (قَالَ) يعود على الأستاذ؛ يعني أن الأستاذ قال: يجب أن يكون سائر أحكامه في شهادته وجنايته وحدوده إلى غير ذلك على هاتين الروايتين، فعلى المشهور عليه في ذلك أحكام العبيد، وعلى الأخرى أحكامه في ذلك أحكام الحر من يوم العتق، (وَجِنَايَتِهِ) مصدر يحتمل أن يكون مضافاً إلى فاعل أو إلى مفعول، كقولهم: ذكاء العلماء، ويحتمل أن يريد به الحدوث، وحينئذٍ يجوز أن يكون مضافاً إلى الفاعل وإلى المفعول، والله سبحانه أعلم.
قَالَ مَالِكٌ: لا يُقَوَّمُ إِلا بَعْدَ تَخْييرِ الشَّرِيكِ فِي الْعِتْقِ وَالتَّقْوِيمِ
ويتفرع على أظهر الروايتين ما قال مالك في الواضحة: لا يقوم نصيب الشريك على المعتق إلا بعد تخيير ربه بين العتق والتقويم، فإن أعتق فذلك له، وإن أبى قوِّم، وقد يقال في هذا البناء نظر؛ لأنا إن قلنا: إن العبد باق على ملك غير المعتق؛ فلا يلزم عليه تخيير الشريك، بل يكون الواجب حينئذ التقويم على المعتق كما ذهب إليه بعضهم، وعلى مقابله لا تخيير لنفوذ عتقه، وعلى هذا يأتي ما في قذف المدونة في الأمة: يعتق الشريك جميعها وهو موسر أن الشريك ليس له أن يعتق نصيبه، ولهذا قال مالك في النكت: إن مسألة القذف خلاف أصلهم أن من أعتق [749/ب] شقصاً أن للشريك أن يعتق أو يقوم، ولا يفترق ذلك في القياس يعتق الشريك جميعها؛ لأن عتقه إنما هو مسلط على ما يملك منها.
فَلَوِ اخْتَارَ أَحَدَهُمَا فَفِي قَبُولِ رُجُوعِهِ قَوْلانِ
إذا خيرناه فاختار العتق ثم أراد التقويم أو بالعكس، فهل له الرجوع أم لا؟ والخلاف إنما هو منصوص فيما إذا أ {اد التقويم؛ فمذهب ابن القاسم في المدونة والعتبية: أنه ليس له بعد ذلك أن يعتق؛ لأنه لما ترك حقه في العبد وجب التقويم على الأول، فصار حقاً له لا يخرج عن يده إلا برضاه، والقول الآخر لابن الماجشون وأصبغ، ورواه ابن وهب عن مالك؛ لأن قوله: أنا أقوم على شريكي عِدَةٌ لم تجب، وأما الصورة الأخرى وهي اختيار العتق فلميذكر اللخمي فيها إلا انه ليس له الرجوع إلى التقويم، وأجرى صاحب البيا فيها القولين اسابقين.
ابن عبد السلام: وظاهر كلام المصنف أنه لا فرق بني أن يكون الشريك اختار ذلك من نفسه، أو بتخيير المعتق، أو بتخيير الحاكم، وليس فيما وقفت عليه من كلامهم في ذلك بيان، ولكن قوة كلامهم أن المسألة مفروضة فيما إذا اختار الشريك من غير تخيير القاضي له.
أشهب: وإن أعتق الشريك وهو موسر، فقال شريكه: أنا أقوم عليه ولا أعتق، فلما قوم عليه وجده معدماً؛ فإن العبد عتيق على الأول ويتبعه هذا بالقيمة في ذمته، لأنه ضمنه في وقت له تضمينه فيه؛ كمن أعتق وعليه دين وعنده وفاء به. وقال ابن القاسم: له أن يرجع إلى نصف العبد فيأخذه.
وَلَوِ اشْتَرَى الْحِصَّةَ شِرَاءً فَاسِداً عَتَقَ عَلَيْهِ وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ وَرَدُّ ثَمَنٍ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ فَاسْتُحِقَّ الثَّمَنُ
…
يعني: لو كان المعتق اشترى الحصة التي أعتقها شراء فاسداً؛ فإن العبد يكمل عتقه عليه وتلزمه قيمته، أما النصف المشترى فلأنه قد أفاته بعتقه فلزمته قيمته، وإذا انتقل هذا النصف إلى ملكه لزمته قيمة النصف الآرخ على ما تقدم. وشبه ذلك بما لو اشترى عبداً شراء صحيحاً فأعتقه ثم استحق الثمن؛ فإن العتق ينفذ وعليه مثل الثمن المستحق أو قيمته.
ووجه التشبيه: أن رد الثمن سبب الاستحقاق لا يبطل العتق، فكذا رده للفساد ليأخذ القيمة. وحمله ابن راشد على ما إذا قال الرجل لعبد غيره: إن اشتريتك فأنت حر، ثم اشترى حصة منه شراء فاسداً. وحمله غيره على ما إذا اشترى الشريك حصته شراء فاسداً، والتشبيه الأول أقرب إلى لفظه، ولم أرَ نقلاً يوافقها ولا الثالثة، وتمشية ابن راشد هي التي في المدونة، قال في أول العتق: ومن قال لعبد إن اشتريتك أو ملكتك فأنت حر، فاشتراه أو بعضه؛ أعتق عليه جميعه وقوم عليه نصيب شريكه، وإن اشتراه بيعاً فاسداً؛ أعتق عليه ولزمته يمتها ورد الثمن، كمن ابتاع عبداً بثوب فأعتقه ثم استحق الثوب فعليه قيمة العبد. هذا لفظه.
وأقام بعض الشيوخ منه: أن البيع الفاسد ينقل الملك بنفس الشراء؛ لأن الحرية تفتقر إلى محل وهو الملك، فلو لم يصادف الحرية العبد في ملك المشتري ما عتق عليه.
وَمَتَى كَانَ السَّيِّدَانِ مُسْلِمَيْنِ فَالتَّقْوِيمُ
هذا شروع فيما يتعلق بالسيدين والعبدين باختلاف الدين.
وقوله: (السَّيِّدَانِ مُسْلِمَيْنِ) يعني: والعبد ليس بمسلم، وحذفه لدلالة المفهوم (فالتقويم) أي: على المعتقِ منهما بلا خلاف؛ للحديث.
وَالذِّمِّيَّانِ إِنْ كَانَ الْعَبْدُ ذِمِّيَّا فَلا تَقْوِيمَ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِماً فَرِوَايَتَانِ
أما إذا كان الثلاثة كفاراً؛ فإنا لا نعرض لهم، اللهم إلا أن يعتق الكافرَ كافرٌ أو يبينه عنه.
ابن المواز: إلا أن يرضوا بحكمنا. والأصح من الروايتين: إذا كان العبد مسلماً؛ التقويم تغليباً للإسلام، وهو مذهب الموازية.
فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُسْلِماً دُونَ شَرِيكِهِ فَالتَّقْوِيمُ، وَبالْعَكْسِ ثَالِثُهَا لابْنِ الْقَاسِمِ: إِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِماً قُوِّمَ
…
يعني: ولو كان المعتق ذميَّاً وشريكه مسلماً، ولا فرق بين أن يكون العبد مسلماً أو لا، فثلاثة أقوال؛ الأول: التقويم على الذمي، سواء كان العبد مسلماً أو ذمياً، وهو قول غير ابن القاسم في المدونة.
مطرف، وابن الماجشون: وأحد قولي ابن المواز، وحكاه عن أشهب وهو الجاري على المختار في المسألة السابقة؛ لأنه حكم بين مسلم غيره، ومقابله لمالك في المختصر، واستحسنه اللخمي وبناه على عدم الخلاف.
والثالث لابن القاسم في المدونة: الفرق؛ فإن كان العبد مسلماً قوم على الذمي لأنه حكم بين مسلم وذمي، وإن كان العبد كافراً فلا تقويم عليه؛ لأنه لو كان جميعه للكافر فأعتق بعضه لم يحمك عليه بعتقه. ولبعض القرويين قول رابع: إن أبان النصراني العبد عن نفسه حتى لو أراد رده في الرق لم يكن له ذلك، فيجبر المسلم على أن يقومه عليه ولو لم يبن
العبد عن نفسه، ولو أراد رَدَّهُ في الرق كان له فلا تقويم عليه إلا أن يشاء المسلم. أشهب ولو اشترى نصراني ابنه المسلم عتق عليه. قال: فإن كان نصرانياً لم يعتق.
اللخمي: وعلى قول مالك - يعني في المختصر-: لا يعتق وإن كان مسلماً؛ لأنه غير مخاطب بالشرع. وعورض قوله في المدونة: من عدم [750/أ] التقويم في المسألة إذا كان العبد كافراً بماله، بما له في كتاب الشفعة: ووجه المعارضة أن هذه المسألة اجتمع ذميان وبينهما مسلم، ولم يقل يحكم فيها بحكم الإسلام في التقويم، ومسألة الشفعة اجتمع فيها ذميان وبينهما مسلم، وقال: يحكم بحكم الإسلام لإيجابه الشفعة للذمي.
وَإِذَا أَذِنَ السَّيِّدُ أَوْ أَجَازَ عِتْقَ عَبْدٍ جُزْءاً قُوِّمَ فِي مَالِ السَّيِّدِ وَإِنِ احْتِيجَ إِلَى بَيْعِ الْمُعْتِقِ
يعني: إذا كان العبد مشتركاً بين حرٍّ وعبد، فإن أعتق الحر نصيبه فواضح، وإن أعتق العبد نصيبه بغير إذن سيده فأجازه أو أذن له في ذلك ابتداء؛ فيقوم عليه حينئذٍ على السيد الأعلى حتى لو لم يكن ما يكمل به إلا العبد المعتق بيع؛ لأن المعتق في الحقيقة هو السيد الأعلى، ألا ترى أن الولاء له، وهذا معنى قوله:(قُوِّمَ فِي مَالِ السَّيِّدِ) أي: الأعلى، وإن احتيج إلى بيع المعتِق بكسر التاء، وهكذا قال سحنون، ويمكن أن تلقن هذه المسألة بأن يقال: متى يباع السيد في قيمة عبده.
ابن القاسم وسحنون: ولو قال السيد قدموه على العبد فيما بيده من مال لم يقوم عليه.
وَمَنْ أَعْتَقَ حِصَّتَهُ إِلَى أَجَلٍ، فَقَالَ مَالِكٌ: يُقَوِّمُ الآنَ وَيُعْتَقُ إِلَى الأَجَلِ. وَقَالَ سُحْنُونٌ: لِلشَّرِيكِ أَنْ يَتَمَاسَكَ إِلَى الأَجَلِ فَيُقَوَّمُ حِينَئِذٍ وَلا يَبيعُهُ قَبْلَهُ إِلا مِنَ الْمُعْتِقِ
…
يعني: وإن أعتق أحد الشريكين نصيبه إلى أجل. وما نسبه المصنف لمالك هو مذهب المدونة، وبه قال المغيرة وابن القاسم. سحنون: وبه أقول.
ابن القاسم في العتبية: إلا أن يعتق شريكه نصيبه إلى ذلك الأجل ويقوم عليه الآن. أي: لأن المقصود تساوي الشقصين.
أصبغ عن ابن القاسم وأشهب: إلا أن يكون الأجل بعيداً فيؤخر التقويم إلى حلوله. ولو قال قائل: يؤخر التقويم في الوجهين لم أعبه، وقاله أصبغ. فيحتمل ما في المدونة التقييد بما نقله أصبغ عن ابن القاسم وأشهب، ويحتمل الإطلاق.
وقوله: (وَقَالَ سُحْنُونٌ) عن غيره، وفسره ابنه بأنه عبد الملك.
وقوله: (لِلشَّرِيكِ) دلت الواو على أن هذا القائل يخيره، فإن شاء التمسك؛ قوم عليه الآن وكان جميعه حرًّا إلى الأجل، وإن شاء تماسك، ثم ليس له بيعه قبل السنة مثلاً إلا من شريكه؛ لدخول المشترى منه علىقيتمه مجهولة، فإذا تمت السنة قومت عليه بقيته يوم تمت إن كان ملياً أو فيما هو ملي به منهما ما لم يكن تافهاً.
وفي البيان قول ثالث: أنه لا يقوم عليه حتى يحل الأجل، وهو قول مالك في رواية مطرف عند العدم أخذت منه القيمة وواقفت إلى الأجل؛ لأنه إذا قلنا بالتقويم الآن يؤدي إلى أن من أراد الاستبداد بمنفعة عبد يعتقه إلى أجل لا سيما إن كان الأجل بعيداً. عبد الملك: ولو شاء التقويم عليه يوم العتق فألفاه عديماً؛ فلايكون ذلك قاطعاً للتقويم عليه عند الأجل إن كان يومئذ ملياً، ولا مبيحاً للشريك بيع حصته من غيره قبل تمامها.
وقال المغيرة وسحنون: إن عدمه اليوم قاطع للتقويم عليه إن أيسر ومبيح للشريك بيع حصته.
فَلَوْ عَجَّلَ الثَّانِي الْعِتْقَ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تُقَوّمُ خِدْمَتُهُ إِلَى أَجَلٍ فَيَاخُذُهَا الأَوَّلُ. ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: يُعْتَقُ بَعْضُهُ مُعَجَّلاً وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلاً.
أي: لو أعتق الأول نصيبه إلى الأجل ثم أعتق الآخر نصيبه بتلاً، فقال ابن القاسم أولاً: تقوم الخدمة إلى ذلك الأجل ويؤخذ من المبتل ويدفع إلى الآخر ويعتق كله الآن. ثم
رجع فقال: يعتق نصفه الآن ونصفه إلى سنة ولا تؤخذ قيمة خدمته وولاؤه لغيره، وإليه ذهب أشهب، وحكاه سحنون وجميع الأصحاب، ويعرض على الأول بأن قيمة الخدمة قد تكون مساوية لقيمة نصيبه من الرقبة، وفي ذلك إتلاف المال المعجل، إلا أن يقال: إن ذلك كالممتنع عادة، والبحث هنا قريب مما إذا رجع من يشهد بتنجيز عتق معتق إلى أجل ثم رجع الشهود.
مطرف: ولو أعتقاه معاً إلى أجل واحد بعد واحد ثم بتل أحدهما؛ فلا يقوم عليه لأنه وضع خدمته. زاد مطرف: وإن مات العبد قبل السنة فماله فيمن بقيت له فيه الخدمة. سحنون: وإن أعتق الأول إلى سنة ثم الثاني لنصفها؛ فلا تقويم، فإذا مضى نصفها عتق نصفه، ولا تقويم للمعتق إلى سنة، وهو عندها حر كله. ابن حبيب: وهو كما لو نجز الأول وأعتق الثاني إلى سنة.
ابن القاسم: ولو كان كله لرجل فأعتقه إلى سنة فخدمه بعضها، ثم قال: نصفك حر الساعة عتق عليه جميعه.
ابن المواز: وإن أعتق أحدهما لسنة ثم الثاني بعد موت فلان، فإن مات فلان قبل السنة عتق نصيب الثاني ولا تقويم عليه، وإن أبت قبل موته عتق عليه مصابه وقوم عليه نصيب شريكه، وإن كان الأول صحيحاً فمن رأس المال، أو مريضاً فمن الثلث، وأما نصيبه فمن رأس المال.
فَلَوْ بَتَلَ الأَوَّلُ وَهُوَ مُوسِرٌ وَأَجَّلَ الثَّانِي أَوْ دَبَّرَ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُفْسَخُ وَيُقَوَّمُ وَيُعَجَّلُ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: يَقَعُ مُنَجَّزاً
…
هذه عكس التي قبلها وهو موسر في محل الحال، واحترز مما إذا كان الأول معسراً، [750/ب] ولا اعتراض على الثاني، وفي معنى تأجيل الثاني وتدبيره كتابته، نص على ذلك في المدونة وغيرها.
وقوله: (فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِي الْمُدَوَّنَةِ يُفْسَخُ) فعلى الثاني ويقوم ويؤجل عتقه لحق العبد في العتق. ويقول عبد الملك قال المغيرة وابن نافع، ووجهه: أنه قد ترك التقويم فيعجل عليه العتق الذي ألزمه نفسه، واستثنى من الرق ما ليس له.
ابن عبد السلام: والظاهر في حق الجاهل قول ابن القاسم، وفي حق العالم قول عبد الملك.
وَمَنْ دَبَّرَ حِصَّتَهُ لَمْ يَسْرِ وَيَتَقَاوَيَانِهِ فَيَكُونُ رَقِيقاً كُلُّهُ أَوْ مُدَبِّراً كُلُّهُ. وَرُوِيَ: إِنْ شَاءَ الشَّرِيكُ قَوِّمَ أَوْ قَاوَى أَوْ تَرَكَ الْجُزْءَ مُدَبَّراً ..
اعلم أن من دبر بعض عبده لزمه تدبيره كله، ولم يتكلم المصنف على هذه، وإنما تكلم على ما إذا دبر أحد الشريكين؛ لقوله:(حِصَّتَهُ).
وقوله: (لَمْ يَسْرِ) أي: لم يكمل عليه التدبير. ولو قال المصنف لم يكمل لكان أحسن؛ إذ لا يلزم من نفي السريان نفي الحكم، وهذا هو المشهور. وروي عن مالك: أنه يقوم على المدبر، فيكون تنزيلاً - لا تدبيراً- منزلة العتق، وعلى المشهور فيتقاوى المدبر وشريكه العبد. وفسر مطرف المقاواة: بأن يقوم قيمته عدل، ثم يقال للمتمسك: أتسلمه بهذا القيمة أم تزيد، فإن زاد قيل للمدبر: أتسلمه بهذا القيمة أم تزيد، هكذا حتى يقفا، فإن أخذه المدبر؛ بقي كله مدبراً، وإن أخذه غيره؛ بقي كله رقيقاً.
قال في المدونة: وكانت المقاوة عند مالك ضعيفة، ولكنه شيء جرى في كتابه.
اللخمي: وفيه جنوح لمذهب من أجاز بيع المدبر، وفيه نظر. وروي: إن شاء الشريك قوم أو قاوى، وهذه رواية مطرف وابن الماجشون، وروي: إنه بالخيار في هذين وفي تركه الجزء المدبر.
فهذا كله مقيد بقيدين؛
أولهما: أن يدبر بغير إذن شريكه؛ فإنه جائز.
الثاني: هذه الأقاويل إنما هي إذا كان المدبر موسراً، فإن كان معسراً؛ فحكى في البيان أربعة أقوال:
الأول لابن الماجشون وسحنون: أن الشريك بالخيار إن شاء أجاز له ما صنع وإن شاء فسخ تدبيره.
الثاني: أنه بالخيار إن شاء أجاز وتمسك بنصيبه، وإن شاء أتبعه بقيمة نصيبه، وإن شاء مقاواة على أن وقع عن المدبر أتبعه بما وقع به، وهو أحد قولي ابن القاسم.
الثالث لمطرف: إن شاء تمسك بنصيبه وإن شاء قاواه، فإن صار للمدبر بيع منه بنصف ما وقع به عليه-أقل من نصيبه أو أكثر- وبقي الباقي مدبراً، وإن صار لغير المدبر كان رقيقاً كله. أصبغ: وهو القياس، والاستحسان إن صار للمدبر لم يبع منه إلا نصفه فأقل، فإن لم يفِ نصفه بما وقع في المقاواة أتبعه بالباقي في ذمته، وهو القول الرابع.
وَيُقَوِّمُ الْعَبْدُ كَامِلاً بغَيْرِ عِتْقٍ عَلَى الأَصَحِّ لا مَا بَقِيَ
أي: إذا قلناأن العبد يقوم على المعتق؛ فإنه يقوم جميعه على أنه رقيق كله، وأكد ذلك بقوله:(بغَيْرِ عِتْقٍ) وحكى أبو عمران اتفاق الأصحاب، وحكى عن أحمد بن خالد أنه يقوم نصفه الآخر، وهو ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام؛ فكان يبلغ له ثمن العبد. وفصِّلَ؛ فإن أعتق بإذن شريكه فكقول أحمد، وإن لم يعتق بإذن شريكه فكالمشهور، وينبغي على الأول أن يكون للشريك الرجوع على العتق بقيمة عيب نقص العتق إذا منع الإعسار من التقويم، وقاله بعضهم.
وَيُقَوَّمُ بمَالِهِ
لأن المال يتبعه ولا يقدر على نزعه من يده لعتق بعضه، وسواء كان ذلك المال قبل العتق أوبعده. وقال في الموازية: ويقوم بقدر ما يساوي في مخبرته وصنعته وبماله وبما
حدث له بعد العتق من ولد، وكذلك الأمة تقوم بمالها وبما ولدت، وكذلك إن دخله عيب فإنما عليه قيمته يوم الحكم. ورواه ابن القاسم وابن وهب وأشهب عن مالك.
وفي الموازية والواضحة اولعتبية: في العبد الزارع إن قوم بالفسطاط كان أقل لقيمته؛ فليقوم بموضعه ولا يجلب للفسطاط.
وَلَوِ ادَّعَى الْمُعْتِقُ عَيْبَهُ وَلا بَيِّنَةَ تَوَجَّهَتِ الْيَمِينُ، وَرَجَعَ إِلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ
أي: لو ادعى من أعتق حصته عيب العبد، أي: عبداً خفيفاً كالسرقة والإباق، وقال: شريكي يعلم ذلك، وأنكر شريكه ولا بينة؛ ففي الواضحة عن ابن القاسم: أنه يقوم سالماً ولا يحلف له لدعواه إلا أن يقيم شاهداً، ثم رجع فقال: بل يحلف له. واختاره أصبغ وابن حبيب، وهو الظاهر؛ لأنه دعوى بمال. أشهب وابن عبد الحكم: ويحلف إذا شهد به غير عدل. وقال محمد: لا يمين عليه.
وَيَعْتِقُ عَلَى مَنْ مَلَكَ بإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ أَحَدُ عَمُودَيْهِ، الآبَاءُ وَإِنْ عَلَوْا وَأُمَّهَاتُهُمْ، وَالأُمَّهَاتُ وَإِنْ عَلَوْنَ وَآبَاؤُهُنَّ، وَالأَوْلادُ وَإِنْ سَفَلُوا، وَوَلَدُ الأُنْثَى وَالذَّكَرِ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ الإِخْوَةُ وَالأَخَوَاتُ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانُوا عَلَى الأَصَحِّ، وَزَادَ ابْنُ وَهْبٍ الْعَمِّ. وَكُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وهُوَ: كُلُّ مَنْ لَوْ كَانَ امْرَأَةً لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا
هذه هي الخاصية الثانية، ونص على الإرث لئلا يقال انه ملك جبري فلا يعتق عليه. وعم بقوله:(أَوْ غَيْرِهِ)[751/أ] أنواعَ الملك الاختياري، واستدل على هذا بآيات الوصية بالوالدين، وبمنافاة الملك للولد في قوله:(أَن دَعَوْا لِلرَّحَمَنِ وَلَداً)[مريم: 91] قال: (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَوَتِ وَالأَرْضِ إِلاءَأتِي الرَّحْمنِ عَبْداً)[مريم: 93].
وقوله: (وَإِنْ عَلَوْا) يتناول الأم دنية وجميع الجدات من قبل الأم.
وقوله: (وَآبَاؤُهُنَّ) أي: آباء الأمهات، ويمكن أن يستغنى عن هذا بقوله: الآباء وإن علوا. ولفظة الجلاب هنا أحسن، فإنه قال: ويعتق على الإنسان من أقاربه إذا ملكهم
الوالدان وإن علوا، والأولاد وإن سفلوا، والإخوة والأخوات من جميع الجهات، ولا يعتق الأعمام والعمات، ولا الخالات والأخوال، ولاولد الإخوة، ولا ولد الأخوات، ولا أحد سوى من ذكرنا من القرابات. وهذا هوالذي قاله المصنف أنه الأصح هو المشهور؟ ومقابل الأصح رواه ابن خويز منداد عن مالك: لا تعتق الإخوة ولا يعتق عليه إلا والده وولده.
وتبع في قوله: (وَزَادَ ابْنُ وَهْبٍ) ابن شاس فإنه قال: وزاد ابن وهب العم خاصة. والذي نقله صاحب النوادر واللخمي وصاحب البيان عنه مثل الرواية الأخيرة: أنه يعتق عليه كل ذي رحم محرم. نعم نقل أبو الحسن أنه تعتق العمة والخالة.
وقوله: (وَهُوَ
…
إلخ). تفسير لذي رحم، وهو ظاهر، ودليله ما رواه النسائي عن ضمرة عن سفيان ن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما-قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ مَلَكَ ذا رحمٍ مَحَرَم عَتَقَ". إلا النسائي قال: لا نعلم أحداً روى هذا الحديث عن سفيان عن ضمرة، وهو حديث منكر رواه أيضاً عن الحسن عن سمرة مرفوعاً، إلا أن سماع الحسن عن سمرة لا يصح إلا في العقيقة.
وَالْمَرِيضُ يَشْتَرِي قَرِيبَهُ يَعْتِقُ إِنْ وَفَّى بهِ الثُّلُثُ
لأن عتقه إنما هو في الثلث.
فإَنْ أَوْصَى بقَرِيبٍ عَتَقَ قَبلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ. وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ، وَفِي وَلائِهِ إِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ قَوْلانِ
…
(وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ) أي: يعتق فيهما وإن لم يقبل. وهذا قول ابن القاسم في العتبية، وقد تقدم الكلام على هذه والتي بعدها، وإن أصبغ فرق بين الوصية والصدقة بجعله في الوصية عتيقاً وإن لم يقبله، بخلاف الصدقة لا يعتق حتى يقبله. والقولان في ولائه إن لم يقبله لابن القاسم، والذي رجع إليه أنه للموهوب له.
وَلَوْ كَانَ جُزْءاً وَلَمْ يَقْبَلْ فَقِيلَ: يَعْتِقُ الْجُزْءُ وَلا يُقَوِّمُ. وَقِيلَ: لا يَعْتِقُ
أي: لو كان الموصى به أو الموهوبأو المتصدق به جزءاً من قريبه، فإن قبل كمل عليه، وإلا فقولان وقد تقدما.
خليل: وينبغي على القول بأنه لا يعتق الجزء هنا ألا يعتق عليه العبد إذا لم يقبله في المسألة السابقة.
وَلَوْ وَرِثَ قَرِيبَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُبَاعُ فِي دَيْنِهِ، بخِلافِ الْهِبَةِ لِغَيْرِ الثَّوَابِ وَالْوَصِيَّةِ؛ لأَنَّهُ إِنَّمَا وُهِبَ لِيَعْتِقَ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يَعْتِقُ فِي الْجَمِيعِ
حاصله: أنه اتفق على العتق في الهبة والوصية واختلف في الإرث، فقال ابن القاسم: لا يعتق. وقال أشهب: بل يعتق. وقد تقدمت هذه المسألة من كلام المصنف في باب الفلس وتقدم عليه الكلام.
وقوله: (لأَنَّهُ إِنَّمَا وُهِبَ لِيَعْتِقَ) فكأن الواهب إنما قصد عتقه عنه، فكذلك لا سبيل لأهل دينه عليه، والوصية تشارك الهبة في هذا. وكان ينبغي أن يقال: لأنه وهبه وأوصى به ليعتق، ولكنه نقل في الرواية، فإنه إنام وقع التعليل فيها للهبة. وأخذ بعض القرويين وابن يونس من قوله: وهب له ليعتق، أن الواهب لو لم يعلم أنه قريبه أنه يباع. وتردد ابن رشد وقد تقدم ذلك. ومفهوم قوله: أن الهبة لو كنات لثواب لم يعتق وهو ظاهر لأنها كالبيع، فيكون كمن اشترى قريبه وعليه دين.
وفي المدونة: ومن ابتاع أباه أو عليه دين يقترفه لم يعتق عليه ويباع في دينه، وإن اشتراه وليس عنده إلا بعض ثمنه، فقال مالك: يرد البيع. وقال ابن القاسم: بل يباع منه ببقية الثمن ويعتق ما بقي. وقال غيره: لا يجوز في السنة أن يملك أباه إلا إلى عتق ناجز.
ابن المواز: وقول ابن القاسم هو القياس على أصل مذهب مالك. واختلف الشيوخ هل الحكم عند مالك مساو وهو نقض البيع وهو طريق القابسي، أو ينقض في الثانية، وعليه
فالأولى على ما هو ظاهر الكلام وهي طريقة الشيخ أبي محمد. واختار عياض طريق القابسي؛ لأن المسألة مبنية كذلك في المبسوط، واختار ابن يونس طريق الشيخ أبي محمد، وذكر أن المسألة وقعت لمالك كذلك، وفرق بين المسألتين بأن الأولى اشتراط ودفع جميع ثمنه، فلا حجة للبائع إذا قبض جميع ثمنه بخلاف الأخرى.
فرع: المشهور أنه يعتق بالقرابة بنفس الملك، وقيل: يتوقف على الحكم، وفرق اللخمي وقال في الأب والأولاد كالأول، وفي غيرهم كالثاني.
الْمُثْلَةُ: وَمَنْ مَثَّلَ برَقِيقِهِ عَمْداً مُثْلَةَ شَيْنٍ عَتَقَ عَلَيْهِ وَعُزِّرَ
(برَقِيقِهِ) أي: القِنَّ ومن فيه شائبة حرية، لكن ظاهره إخراج عبد عبيده وعبد أولاده الصغار وليس بجيد، وقد نص في المدونة على أنهما كرقيقه، ويقوم عليه رقيق ولده الصغار إن كان موسراً، وإلا لم يقوم عليه.
ابن القاسم: وهو كما لو أعتقه، ولم يرتضه [751/ب] اللخمي. وأما عبد ولده الكبير فكعبد الأجنبي لا يعتق عليه إلا أن يبطل منافعه.
وقوله: (عَمْداً) ابن عبد السلام: ظاهره أنه يكتفي في العمد قصده إلى الضرب، وهو ظاهر كلام غيره. وقال عيسى في شرح ابن مزين: لاتكون مثلة بضربة أو رمية وإن كان عاماً لذلك، إلا أن يكون عامداً للمثلة يضجعه فيمثل به في مثل ما يستفاد للابن من أبيه.
وفي اللخمي: الوجه الذي تكون عنه المثلة أربعة يعتق بوجه واحد وهو أن يكون عمده على وجه العتق، ولا يعتق في ثلاث وهو أن يكون خطأ أو عمداً على وجه المداواة والعلاج، أو تشبيهاً للعمد وليس بصريحه؛ مثل أن يخذفه بسيف أو سكين فيبين منه عند ذلك عضو. وقال عيسى: يذكر عنه ما تقدم. ثم قال: وهو صحيح؛ لأن الغالب شفقة الإنسان على ماله، وقد يريد تبديره بالرمي ولا يريد خروجه عن ملكه بالعتق، وقد يريد المثلة حقيقة، وإن احتمل فِعْلُها الوجهين؛ يحلف أنه لم يقصد ذلك وترك.
سحنون: وإن ضرب برأسه فنزل الماء في عينه لم يعتق عليه؛ لأنه يحتمل أن يكون قصد ضرب الرأس دون ما حدث عن الضرب.
عياض: والمثلة- بضم الميم وسكون الثاء، وفتح الميم ضم الثاء، وقيل: بضمهما معاً - هي العقوبة.
وقوله: (مُثْلَةَ شَيْنٍ) سيأتي تفسير ذلك (عَتَقَ عَلَيْهِ) الأصل فيه ما رواه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: جاء رجل مستصرخ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال جارية له يا رسول الله، فقال:"ويحك مالك". قال شراً أبصر لسيده جاريةله فغار فجب مذاكيره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"علي بالرجل". فطلب فلم يقدر عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اذهب فأنت حر". فقال: يا رسول الله على من نصرتي؟ قال: "على كل مؤمن، أو قال كل مسلم". قال أبو داود: والذي أعتق اسمه روح بن دينار والذي جباه زنباع. ورواه ابن ماجه وذكر أن اسم العبد سندرا أو ابن سند. وزاد: وقطع أذنيه. قيل: وزنباع يومئذ كافر.
وَفِي مُثْلَةِ السَّفِيهِ قَوْلانِ
قال في الجواهر: عتق عليه عند ابن وهب وأشهب وأصبغ ولم يعتق عليه عند ابن القاسم، ووقع في بعض وعنه في مثلة العبد، وضمير عنه عائدع لى ابن القاسم؛ لأنه أشهر أًحاب مالك عند المغاربة وعند المتأخرين. ولم يرد مالك وإن كان الغالب إنما هو إضماره، وإلا لقال روايتان بدل القولان، ولعله إنما ألجأه إلى هذا عدم وجود الروايتين لمالك. والقولان لابن القاسم في الموازية، والذي رجع إليه عدم العفو.
ابن عبد السلام: والعتق أصح؛ لأن العتق بها شبيه بالحدود والعقوبات. وعلى هذا القول فنص ابن القاسم على أنه لا يتبع ماله، واستقرأ أشهب أنه يتبعه، على أنه
اختلف في الرشيد يمثل بعبده مثل ذلك، ولا يعتق على الصغير والمجنون بالمثلة، ولم يكن في ذلك خلاف.
وَفِي مُثْلَةِ الذِّمِّيِّ بعَبْدِه الذِّمِّيِّ قَوْلانِ، بخِلافِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ
احترز بالذمي من المعاهد، فإنه لا يعتق عليه، قاله أشهب. قال: ويعتق على الذمي إلا أن يمثل به بعد إسلام، واختاره أصبغ. واختار الأول ابن حبيب واللخمي، ولعل منشأ الخلاف هل هو من أحكام المسلمين أو من باب التظالم؟
وَفِي مُثْلَةِ الزَّوْجَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إِذَا كَرِهَ الزَّوْجُ قَوْلانِ
قال فيما زاد؛ لأنه لا خلاف أنها إن مثلت بعبد قيمته الثلث أنه يعتق عليها من غير توقف على رضى الزوج، وإنما الخلاف إذا رده. والقول بأنه يتوقف على رضاه لسحنون وابن القاسم ومقابله لأشهب، ومنشأ الخلاف هل العتق حد من الحدود يوجب العتق مطلقاً، أو ليس كذلك؟ وينظر إلى من يجوز عتقه ابتداء فيعتق عليه، ولهذا اختلف في العبد والمديان وقد نبه المصنف على ذلك بقوله:
وَفِي مُثْلَةِ الْعَبْدِ بعَبْدِهِ وَالْمِدْيَانِ قَوْلانِ
القول بعدم العتق عليهما لابن القاسم والآخر لأشهب، ولو جمع المصنف هذه الفروع وذكر فيها قولين لكان أخصر، لا سيما والقائل متحد؛ لأن ابن القاسم يرى أنه لا يعتق إلا على من يجوز له عتقه ابتداء، وأشهب يعتق عليهم، اللهم إلا أن يقال: إنما فرقها لاختلاف مداركها، إلا العبد والمديان؛ فإن مدركهما متقارب وهوا لحجر عليهام لحق غيرهما، ولا يقال: كان ينبغي على هذا أيضاً جمع الزوجة معهما؛ لأن المنع في حقها يتعلق ببعض مالها بخلافهما.
ابن القاسم: وإن مثل المريض عتق في ثلثه، وإن صح ففي رأس ماله.
وَقَطْعُ الأُنْمُلَةِ والظُّفُرِ وَشَقُّ الأّذُنِ شَيْنٌ
حكى عياض الاتفاق على العتق عليه بإزالة الظفر، وعورض بأنه جعل قطع الأنملة في كتاب العيوب عيباً خفيفاً إذا كان في الوخش، يريد المشتري ولا شيء عليه.
وفي قوله: (وَشَقٌّ الأُذُنِ) وإن كان تبع فيه الجواهر نظر؛ لأن الذي في الموازية: إن قطع طرف أذنه أو بعض جسده عتق عليه. وكذلك قالمطرف: إن خرم أنفه أو قطع أشراف أذنيه عتق عليه.
اللخمي: يريد إذا قطع ما يقع فيه شين بيِّن فليس طرف الأنف كطرف الأذن وبضعة من جسده، فالقليل في الوجه شين، وليس كذلك إذا كان تحت الثياب. فلعل ابن شاس والمصنف قاسا الشق على القطع وأطلقاه على القطع [752/أ].
سحنون في كتاب ابنه: وليس شيء من الجوارح التي تعود لهيئتها مثلة، وإنما المثلة ما زال من الأعضاء، وظاهر هذا يخالف كلام المصنف.
وَوَسْمُ وَجْهِهِ بالنَّارِ شَيْنٌ، وَفِي ذِرَاعِهِ وَشِبْهِهِ لَيْسَ بشَيْنٍ
ظاهر كلامه: أنه يكفي في كونه شيئاً مجرد العلامة بالنار في الوجه ولو كان غير كتابة، والذي قال ابن وهب وأصبغ: إذا وسم جبهته وكتب فيها آبق يعتق. ومعلوم أن كتابة هذه الكلمة شنيعة.
أصبغ: وإن كتب ذلك في ذراه لم يعتق، وكذا روى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب في العبد يعرف بالإباق يسم سيده على وجهه عبد فلان.
وَفِي وَسْمِ وَجْهِهِ بغَيْرِ النَّارِ قَوْلانِ
ظاهر كلامه: أن مجرد الوسم يختلف فيه، والذي في اللخمي: اختلف إذا وسم جبهته بمداد وإبرة وكتب فيه آبق، فقال ابن وهب: يعتق. وقال أشهب: لا يعتق، ورآه خفيفاً، وذكر ربما عمل له ما يزيله.
وَقَلْعُ الأَسْنَانِ وَسَحْلُهَا شَيْنٌ
هذا مما لا خلاف فيه، وسحلها بردها بالمبرد حتى تدفع منفعتها.
وَفِي السِّنِّ الْوَاحِدَةِ قَوْلانِ
ليس تخصيصه السن بالبين. فقد قال اللخمي: واختلف إذا قلع سناً أو سنين، فقال مالك في الموازية، وقال أصبغ: لا يعتق إلا في جل الأسنان. واختار اللخمي: إن قلع سنين من الثنايا أو الرباعيات شين بخلاف الأَرْحَاءِ. قال: وإن زال ما أفسد عليه استعجال الأكل وطحنه عتق. وقال عياض: يختلف فيما إذا أزال عضواً وإن قل، وإن كان ظفراً أو سنّاً كما نص عليه في الواضحة أنه يعتق عليه، إلا ما ذهب إليه أصبغ في السن الواحدة أنه لا يعتق.
وَحَلْقُ رَاسِ الأَمَةِ وَلِحْيَةِ الْعَبْدِ لَيْسَ بشَيْنٍ، إِلا فِي التَّاجِرِ الْمُحْتَرَمِ وَالأَمَةِ الرَّفِيعَةِ
أما غير التاجر والرفيعة؛ فليس بشين بالاتفاق، واختلف فيهما، فقال ابن الماجشون: يعتقان. وقال مطرف: لا يعتقان. ونقله في التنبيهات عن مالك، فقال: استخف مالك حلق الرأس واللحية؛ لأنه يعود سريعاً لهيئته ويستر الرأس بالعمامة والوكاية، وفي الوجه بالتلتم إلى أن يعود سريعاً. ونقل الأول عن المدنيين واختاره اللخمي إذا كان لا يعود لهيئة، والثاني إن عاد، قال: ويمنع السيد من إخراج يتصرف حتى يعود حاله.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لا يَعْتَقُ بالْمُثْلَةِ إِلا بالْحُكْمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: بالْمُثْلَةِ. وَفَرَّقَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ بَيْنَ الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ ..
تصور الأقوال من كلامه ظاهر، وهذه إحدى الطريقتين في نقل المذهب، وذهب اللخمي وغيره إلى أنه لا يعتق بغير البينة إلا بالحكم، وبالبينة قولان، واختار اللخمي أن العبد يخير إذا مثل في العتق؛ إذ قد يضره العتق إذا أزمنته المثلة ونحو ذلك.
وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي أَنَّهُ عَمْدٌ: فَقَوْلُ السِّيِّدِ عَلَى الأَصَحِّ
أي: قال السيد هو خطأ. وقال العبد: بل هو عمد والقولان هنا، وفي تمثيل الزوج لسحنون، والذي رجع إليه ما صححه المصنف واستحسنه اللخمي، قال: لأنه مأذون له في الأدب، فيكون القول قول السيد إذا حلف، ولو كان قطع يد ونحو ذلكم ما يكون بالحديد ومما يقوم الدليل أنه عمد لم يصدق واقتص للزوجة وأعتق العبد، ورأى في القول الآخر أن السيد معترف بموجب العتق مدع للخطأ؛ فلذلك لا يصدق.
سحنون: في هذا القول بعد قوله: فالقول قول المرأة والعبد، بخلاف الطبيب يتجاوز ويقول: اخطأت، ويدعي المفعول العمد؛ لأنه مأذون له في الفعل.
وَرَوَى سَحْنُونٌ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُطَلَّقُ بمُثْلَةِ الْعِتْقِ
هذه الرواية ذكرها سحنون في العتبية أنها تطلق عليه مخافة أن يعود، قال في المبسوط: بطلقة بائنة. وساوى ابن رشد بين مثلة الزوج بزوجته وبيعه لها وإنكاحه إياها. وخرج الخلاف من بعضها في بعض، وحصل في كل منها ثلاثة أقوال:
الأول: تطلق عليه ثلاثاً. والثاني: طلقة بائنة. والثالث: عدم الطلاق. فذكر المصنف هذه المسألة هنا وإن كانت ليست من مسائل العتق، إما استطراداً في أحكام المثلة، وإما تنبيهاً على أنها لا ترد نقضاً ي عدة المثلة من خواص العتق للخلاف فيها.
الْقُرْعَةُ: وَهِيَ فِيمَا إِذَا أَعْتَقَ عَبيداً دَفْعَةً فِي مَرَضِهِ، أَوْ أَوْصَى بعِتْقِهِمْ وَلَمْ يَحْمِلْهُمُ الثُّلُثُ، أَوْ أَوْصَى بعِتْقِ ثُلُثِهِمْ، أَوْ أَوْصَى بعِتْقِ عَدَدٍ مُسَمَّاهُ وَعَبيدُهُ أَكْثَرُ
هذه هي الخاصة الخامسة، وأسقط الكلام على الرابعة وهي الحجر على المريض لأنه قدم الكلام عليها. والأصل في القرعة ما رواه مسلم من حديث عمران بن حصين: أن رجلاً أعتق ستة مملوكين لم يكن له غيرهم، فدعاهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم فجزأهم فأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة، قوال له قولاً شديداً. وفي رواية: أنه أوصى بعتقهم.
عبد الحق: والقول الشديد -والله أعلم- ما ذكره النسائي من حديث عمران بن حصين أيضاً أنه عليه الصلاة والسلام قال فيه وفي هذه القصة: "لقد هممت ألا أصلي عليه". ويحتمل أن يريد ما رواه أبو داود أنه عليه الصلاة والسلام قال: "لو شَهِدْتُ قبل أن تدفن في مقابر المسلمين". ويحتمل أن يحتمل مجموع الأمرين. وقوله يعني أنها تكون في أربعة أوجه:
الأول: أن يشمل في مرضه عتقهم ولم يحملهم الثلث.
الثاني: إذا أوصى [752/ب] بعتقهم ولم يحملهم الثلث. وقوله: (وَلَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ) راجع إلى الوجهين.
الثالث: أن يوصي بعتق ثلثهم، وكذلك لو بتل عتق الثلث.
الرابع: أن يذكر عدداً ماه وعبيده اكثر، كما لو قال: عشرة من عبيدي أحرار وعبيده خمسون. وما ذكره من جريان القرعة في الوجوه الأربعة نص عليه ابن القاسم في الموازية، وقال أشهب وأصبغ وأبو زيد والحارث: إنما يسهم في الوصية، وأما في المبتلين في المرض فيعتق من كل واحد بغير سهم.
قال في الاستذكار: وهو خلاف السنة. وقال المغيرة: إنما القرعة فيمن أعتق عبيده بعد موته ولا مال له غيرهم للحديث، وليس فيما يقاس عليه عكس مذهب أبي زيد.
وروى عن ابن نافع: أنه لا يسهم في الرقيق إلا في العتق إذا كان للمالك شيء من المال، وإنما السهمان إذا لم يكن للمالك شيء من المال إلا اولئك الرقيق فقط. ونقله ابن مزين عن مطرف، ومطرف عن مالك، وابن المواز عن ابن القاسم، والمشهور خلافه، وأنه لو كان
له مالٌ غيرهم إذا لم يحملهم الثلث، وإليه أشار المصنف بقوله:(وَلَمْ يَحْمِلْهُمُ الثُّلُثُ) فإنه يقتضي أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون له مال غيرهم أم لا. واتفقت هذه الأقوال على أنه لا يدخل السهم في عتق الصحة.
سحنون: وقال بعض أصحابنا عن مالك أنه يكون السهم فيمن أعتق في صحته رأساً من رقيقه فلم يبينه حتى مات وهم أربعة؛ أنه يعتق ربعهم بالسهم. وقيل: يكون الخيار للورثة كما كان له. وحكى اللخمي في الوجه الرابع- أعني إذا أوصى بعدد سماه وعبيده أكثر- خمسة أقوال. فقال: إن قال في صحته عشرة من عبيدي أحرار وهم خمسون؛ هو بالخيار في عتق عشرة أيهم شاءوا. واختلف إذا أوصى بذلك في مرضه على خمسة أقوال:
الأول لمالك في المدونة: يعتق خمسهم بالسهم، خرج في ذلك خمسة أو خمسة عشر.
الثاني لمالك أيضاً في المدونة والواضحة: إن خرج في الخمس أظهر من عشرة عتقوا، وإن خرج أقل ضرب سهم على الباقي حتى يستكمل عشرة ما لم يجاوز ثلث الميت.
الثالث لأشهب في كتاب محمد قال: واسع أن يعتق نمهم بالسهم أو بالحصص.
الرابع للمغيرة: ويعتق جميعهم بالحصص إذا كان العتق من الميت، وإن أوصى ورثته أن يعتقوا كانوا بالخيار يعتقون من شاءوا.
والخامس: يأتي على قول مالك في الواضحة؛ لأنه قال فيمن قال: رأس من رقيقي حرٌّ وهم ثلاثة؛ يعتق ثلثهم بالسهم. ثم رجع وقال: ما هذا الذي أراد الميت وإنما أراد أن يُعتق واحد؛ فأرى أن يسهم بينهم فإن خرج واحد وهو أدنى من ثلث قيمتهم أعتق كله إذا حمله الثلث.
مطرف: وبه أقول. فعلى هذا إذا قال: عشرة وهم خمسون؛ أعتق منهم تلك التسمية، وسواء كانت قيمتهم أقل من الخمس أو أكثر إذا حملهم الثلث، هذا معنى كلامه.
وَلَوْ نَصَّ عَلَى أَسْمَائِهِمْ فَكَذَلِكَ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: يَعْتِقُ مِنْهُمْ بالْحِصَصِ
أي: لو قال في مرضه فلان وفلان أحرار وأوصى بعتقهم فكذلك؛ أي: يسهم بينهم. ورأى سحنون أن التسمية قرينة في إرادة العتق من واحد بالحصص لو قال ثلث كل رأس.
وَلَوْ أَعْتَقَ عَلَى التَّرْتِيبِ قُدِّمَ السَّابقُ.
الترتيب بأحد وجهين: إما في الزمان، وإما بذات من ذوات الترتيب، قدم السابق.
وَلَوْ قَالَ: الثُّلُثُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ؛ اتُّبِعَ وَلا قُرْعَةَ
وكذلك لو قال أيضاً: سهم من كل واحد منهم، ما ذكر إن حمل ذلك ثلثه، ولا يبدي بعضهم على بعض، أو ما حمل ثلثه مما سمي بالحصص من كل واحد بغير سهم، وقد تقدم أن المبتلين في المرض يعتق منهم مجمل الثلث بالسهم على المشهرو لا بالحصص، ولو حلف بيمين هو فيها على بر ثم حنث فيها في المرض وانعقدت اليمين في الصحة فكذلك، وإن كان فيا على حنث فمات؛ عتق عنهم محمل الثلث بالحصص، هذا معنى ما في المدونة.
واختلف القرويون: إنهم كالمدبرين يعتق بالحصص. وقال الصقليون: هم كالمبتلين يعتقون بالسهم.
وَطَرِيقُ الْقُرْعَةِ: أَنْ يُقَوَّمَ الْعَبيدُ وَتُكْتَبَ أَسْمَاؤُهُمْ كَالْقِسْمَةِ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ عُتِقَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى كَمَالِ الثُّلُثِ بوَاحِدٍ أَوْ ببَعْضِهِ
…
تصوره لا يخفى عليكن لا سيما إذا عرفت ما تقدمت في القسمة.
الْوَلاءُ: سَبَبُهُ زَوَالُ المِلْكِ بحُرِّيَّةٍ بعِوَضٍ أَوْ بغَيْرِ عِوَضٍ، أَوْ تَدْبيرٌ، أَوِ اسْتِيلادٌ، أَوْ كِتَابَةٌ، أَوْ بَيْعٌ مِنْ نَفسِهِ، أَوْ تَدْبيرُ الْغَيْرِ عَنْهُ، أَوْ أَعْتَقَ عَنْهُ بإِذْنِهِ أَوْ بغَيْرِ إِذْنِهِ
…
الولاء بفتح الواو ممدود من الولاية وهو من السب وأصله من الولي وهو القرب، وأما من الولاية والتقديم فبالكسر، وقيل: يقال فيهما بالوجهين، والأصل حديث بريرة الذي في الصحيحين، وفيه:"إنما الولاء لمن أعتق".
وسببه: زوال الملك بالحرية، واحترز بـ (زَوَالُ) بالبيع والهبة ونحو ذلكن ثم بين أنه لا فرق في ذلك بين أن تكون الحرية بعوض أو لا بين المعلق وغيرهن ولا بين أن يكون عن كتابة أو تدبير أو استيلاد أو بيع من نفسه؛ أي: من نفس العبد، كقوله: إن أعطيتني كذا فأنت حر. وعلى هذا فالمراد بقوله: (أو) لا أن يكون بعوض من غير العبد؛ لئلا يلزم التكرار.
وقوله: (أَوْ تَدْبيرُ الْغَيْرِ عَنْهُ) هو معطوف على (زَوَالُ المِلْكِ)[753/أ] أو تدبير غيره، وفي إدخال المصنف (أل) على لفظة (غير) بالنسبة إلى العربية، وقوله:(أَوْ أَعْتَقَ عَنْهُ بإِذْنِهِ) لا إِكال في ذلك إذا كان بإذنه، وأما بغير إذنه فهو المشهور، ونقل ابن عبد البر عن أشهب أن ولاءه للمعتق، وخرج اللخمي فيه الخلاف الذي في السائبة، وتقدم للمصنف ثلاثة أقوال إذا أعتق عن غيره وبلغه ورضي، ثالثها: إن أذن له أجزأه.
فَإِنْ كَانَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ فَقَوْلانِ، وجَعْلُهُ سَائِبَةً كَذَلِكَ
ظاهره أن الخلاف فيهما وهو مقتضى كلام اللخمي. وفي المقدمات: إن قال لعبده أنت حر عن المسلمين ولاؤك لي؛ لم يختلف في المذهب أن ذلك جائز، وأن الولاء يكون للمسلمين، ولا إشكال في وجود القولين في السائبة، والمشهور أنه للمسلمين. ولم يذكر المصنف حكم عتق السائبة ابتداء، وفيه ثلاثة أقوال: أجازه أصبغ، وكرهه مالك وابن
القاسم ابتداء، وإن وقع كان الولاء للمسلمين. وقال عبد الملك وابن نافع: ذلك ممنوع وإن وقع فالولاء للمعتق. وقال عياض: لا خلاف في جواز العتق عن المسلمين ولزومه وإن اختلف لمن ولاؤه، وإنما كره لفظ السائبة في الأولى؛ لاستعمال الجاهلية لها في الأنعام وتحريم الله ذلك، ولأنه كما قاله مالك أمر تركه الناس وتركوا العمل به.
وإِعْتَاقُ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَ لَيْسَ بسَبَبٍ أَبَداً وَوَلاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ
هذا كالتخصيص لقوله أولاً: (سَبَبُهُ زَوَالُ المِلْكِ) وقوله: (أبداً) يعني: لو أسلم، وهذا هو المعروف. المتيطي: وحكى ابن حارث عن ابن عبد الحكم أن الولاء يرجع إليه إن أسلم، وعلى الأول فلا يجرِ ولاء ولده، وقاله مالك.
اللخمي: والقياس أن يرجع إليه ولاؤه بإسلامه، ذكر الولاء لأن العتق كالنسب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الولاء لمن أعتق" وهو معتق. وقال ابن المواز في مسلم له نصراني، وللعبد عبد مسلم لو أعتقه بغير علم من سيده ولم يعلم حتى أعتق العبد المسلم عبده النصراني ثم مات العبد المسلم عن مال فقال: ميراثه للمسلم الأعلى، وإذا صح أن يجر به إلى السيد الأعلى دون جميع أن يجر إلى ولده المسلم ويرجع إليه إذا أسلم.
فَلَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ بَعْدَ عِتْقِهِ عَادَ الْوَلاءُ بإِسْلامِ السَّيِّدِ
يعني: إذا أعتق الكافر عبده الكافر ثم أسلم العبد فلا يرثه سيده؛ إذ لا يرث الكافر المسلم، فإن أسلم السيد عاد ولاؤه، وتجوز المصنف في قوله:(عَادَ) كما في المدونة والموطأ؛ لقوله: رجع؛ لأن كلا اللفظين يقتضي انتقال الولاء حتى تأوله سحنون، فقال: رجوع الولاء في هذا الباب إنما هو في الميراث، وأما الولاء فهو قائم ولا ينتقل.
وإِعْتَاقُ الْعَبْدِ فِي حَالٍ يَجُوزُ انْتِزَاعُ مَالِهِ؛ ولَوْ بإِذْنِ سَيِّدِهِ لَيْسَ بسَبَبِ أَبَداً بخِلافِ الْمُكَاتَبِ ولَمْ يَرُدَّهُ السَّيِّدُ ..
وهذا أيضاً مخصص لقوله أولاً: (سَبَبُهُ زَوَالُ المِلْكِ) وقوله: (أَبَداً) أي: ولو أعتق فالولاء لسيده، ومراده بـ (الْعَبْدِ) مقابل الحر، فيدخل من فيه عقد حرية، ومن ليس يه عقد البتة؛ فلذلك حسن تقييدهم بقوله:(حَالٍ يَجُوزُ انْتِزَاعُ مَالِهِ) ويدخل القن والمدبر وأم الولد ما لم يمرض السيد، والمعتق إلى أجل ما لم يقرب الأجل، وأتى بقوله:(ولَوْ بإِذْنِ سَيِّدِهِ) دفعاً لتوهم أنه بلا إذن أعتقه عنه، أما لو علم السيد؛ أي: فإن الولاء له، وهذا مأخوذ من مفهوم قوله:(يَجُوزُ انْتِزَاعُ مَالِهِ) ولهذا استغنى المصنف بالمكاتب عما يشاركه في المعنى، والمدبر وأم الولد إذا مرض السيد من المعتق إلى أجل إذا قرب الأجل، والمعتق بعضه، وهو الذي أشار إليه المصنف من التفرقة بين من ينزع ماله ومن لا ينزع.
ابن المواز: هو أصل مالك وابن القاسم، وفي بعضهاخلاف، فقد قال ابن المواز فيما إذا أعتق المدبر وأم الولد في مرض السيد بإذنه، فقال أصبغ: الولاء لهما وإن صح السيد؛ لأنه يوم أعتق لم يكن للسيد نزع ماله، وإنما ينظر إلى ساعة وقع العتق، وليس كذلك المكاتب إذا عجز بعد أن عتق عبده؛ فالولاء في هذا للسيد، ولايرجع إن أعتق، وذكر أيضاً عن عبد الله بن عبد الحكم هذا الخلاف، قال: أحب إليَّ أن يكون للسيد وإن مات في مرضه، ولا يرجع إليهما وإن أعتقا؛ لأنه كان له أخذ مالهما لو صح، وكذلك المعتق بعضه يعتق بإذن سيده، قيل: له، ولا تراه مثل المكاتب؛ لأنه ممن لا ينتزع ماله فقال: لا، للمكاتب سنة وللعبد سنة وهو الصواب، وما روي عن ابن القاسم غير هذا فغلط عليه وإنما هو عن أشهب.
ابن المواز: والمدبر وأم الولد لا ينتزع أموالهما ي مرض السيد، فإن انتزعهما ثم مات؛ فذلك رد له، وإن عاش بقي ذلك له، فالولاء لهما، وإن صح علمنا ممن له أن ينتزع مالهما فصار له الولاء، ثم يرجع إليهما وإن عتقا.
وَبخِلافِ مَا لَمْ يَعْلَمِ السَّيِّدُ بهِ حَتَّى عَتَقَ
هو معطوف على قوله: (بخِلافِ الْمُكَاتَبِ) أي: وبخلاف ما لو أعتق العبد فلم يعلم سيده بعتقه حتى أعتقه، فإن الولاء للعبد؛ لأنه لما أعتقه سيده تبعه ماله فجاز عتقه وأن له الولاء، إلا أن يكون السيد استثنى ماله حين أعتقه فيرد عتق العبد ويكون العبد الأسفل رقاً، نقله ابن يونس وغيره، وعلى هذا فيقيد كلام المصنف بما إذا لم يستثن السيد مال العبد.
اللخمي: وقيل في هذا الأصل أنه يكون عتيقاً من يوم كان أعتق فيكون الولاء للسيد الأعلى.
وَلَوْ شَرَطَ [753/ب] نَفْيَ الْوَلاءِ أَوْ ثُبُوتَهُ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ أَلْغَى
وفي بعض النسخ: (لغا) أي: الشرط؛ أي: لأن الولاء لا يقبل النقلن لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الولاء لمن أعتق". ولما في الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته.
وَيَسْتَرْسِلُ عَلَى أَوْلادِ مَنْ أَعْتَقَ مُطْلَقاً
أي: يسترسل الولاء على أولاد العبد المعتق وأولاد أولاده الذكور ما لم يكن ولد الولد قد مسه رق في بطن أمه؛ لأن القاعدة: أن الولاء لا حجر مع وجود عتق أو رق لغيره، وأن المباشر أولى، ومراده بالإطلاق: عدم ما استثناه في المسألة المعطوفة، فلا فرق هنا بين أن يكون للولد نسب من حرة أم لا، ويحتمل كون المعتِق بكسر التاء رجلاً أو امرأة، ثم الحر مقيد بما إذا لم يكن العبد في الأصل، ففي المدونة في الذمي يعتق عبيداً له نصارىثم أسلموا، ثم هرب السيد ناقضاً للعهد فسبي ثم أسلم؛ رجع إليه ولاؤهم، ولا يرثهم لما فيهم من الرق ويكون ميراثهم للمسلمين، إلا أن يعتق، ولا يرثهم سيده
الذي استرقه مادام هو في الرق، ولا يشبه هذا المكاتب الأسفل يؤدي قبل الأعلى ثم يموت على مال؛ هذا يرثه السيد الأعلى أنه أعتقه مكاتب هو في ملكه بعد، وهذا إذا أعتق مولى فهوى حر قبل أن يملكه هذا السيد، فإن أعتق كان ولاؤهم لمولى يجره إلى معتقه الآن، وإنام يجر إليه ولاء ما يعتق أو يولد له من ذي قبل، فأما ما تقدم من عتق أو ولد فأسلموا قبل أن يوسر؛ لا يجر ولاءهم إلى معتقه؛ لأن ولاءهم قد ثبت للمسلمين.
وفي الموازية: إذا أعتق النصراني عبيد النصراى ثم هرب السيد إلى دار الحرب ناقضاً للعهد ثم سبي فبيع وأعتق؛ أنه يجر إلى من أعتقه ولاء ما كان أعتق قبل لحوقه بدار الحرب، وهو خلاف مذهب المدونة، ورجح لأنه نص فيها على أن الحربية إذا قدمت بأمان فأسلمت وكان لها أولاد مسلمون ثم سبي أبوها بعد ذلك وعتق أنه يجر ولاؤها لمعتقه، وفرق بينهما بأن تسلط الرق على أبي الحربية أقوى فلذلك جر بالاتفاق على رقه، بخلاف الذمي الناقض للعهد، فإن أشهب يرى أنه لا يرق بذلك.
وَعَلَى أَوْلادِ مَنْ أَعْتَقَتْ وَلَيْسَ لهُمْ نَسَبٌ مِنْ حُرِّ
يعني: أن من أعتق أمة فحملت بعد العتق؛ فإن ولاء ولدها لمعتق أمهم إذا لم يكن لهم نسب من حر، ويتبين لك ذلك بكلامه في الحربية، فإنه قال: ولا يكون ولاء ولد المرأة لمواليها إلا في أربعة مواضع: أن يكون أبوهم عبداً، ويكونون من زنى، أو من أب لاعن فيهم ونفاهم عن نفسه، أو يكون الأب حربياً بدار الحرب.
وقال المصنف: (وَلِيْسَ لهُمْ نَسَبٌ مِنْ حُرِّ) ولم يقل: وليس لهم أب حر؛ لأنه يلزم على العبارة الثانية أنه لو كان أبوهم عبداً وجدُّهم حراً؛ أن يكون الولاء لموالي الأم، وليس كذلك بل موالي جدهم أولى، وذلك يؤخذ من العبارة الأولى، وهي قولهم:(وَلَيْسَ لهُمْ نَسَبٌ مِنْ حُرِّ) فلذلك عدل إليها.
مَا لَمْ يَكُنْ رِقٌّ أَوْ عِتْقٌ لآخَرَ
هذا شرط في استرسال الولاء على أولاد المعتق والمعتقة؛ أي: أنها يسترسل الولاء على أولادهما ما لم تكن أولادهما أرقاء أو معتقين لآخر، كمن زُوِّج أمة ثم أعتقها سيدها وولدت لأقل من ستة أشهر، فإن الأب لا يجر ولاء الولد؛ لأنه قد مسه في بطن أمه رق لآخر، وكذلك إذاأعتق رجل رجلاً فأعتق آخر ابنه، فإن الأب لا يجر ولاء ولده؛ لأنه قد مسه عتق لآخر.
وَعَلَى مَنْ أَعْتقُوا جمع الضمير يتناول المعتَق والمعتقة وأولادهم.
وحُكْمُهُ كَالْعًصُوبَةِ، فَيُفِيدُ عِنْدَ عَدَمِهَا الْمِيرَاثَ، ووِلايَةَ النِّكَاحِ وحَمْلَ الْعَقْلِ
أي: لما في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام: "الولاء لحمة كلحمة النسب". وقصر المصنف فائدة الولاء على الإرث، والولاية في النكاح وحمل العقل ليس بظاهر، وقد نص المصنف على أن للمولى الأعلى الحضانة، وكذلك الأسفل على المشهور، وظاهر كل منهم أنه يفيد كل ما تفيده العصبة من الصلاة على الجنازة وغسل الميت، فلو قال المصنف: فيفيد عند عدمها حكمها لأجزأ.
ومُعْتِقُ الأَبِ أَوْلَى مِنْ مُعْتِقِ الأُمِّ وَالْجَدِّ
الولاية بمعنى التقدم، وفي الموطأ: أن الزبير بن العوام رضي الله عنه اشترى عبداً فأعتقه. ولذلك بنون من امرأة، فلما أعتقه الزبير، قال: هم موالي أمهم بل هو موالينا، فاختصمه إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ فقضى للزبير بولائهم.
وكان ينبغي للمصنف أن يعين أن معتق الجد أولى من معتق الأم، إلا أن يقال: إنه اكتفى عن ذلك بقوله: (وَلَيْسَ لهُمْ نَسَبٌ مِنْ حُرِّ).
فَلَوْ كَانَ الأَبُ رَقِيقاً فَعَتَقَ رَجَعَ عَنْهُمَا إِلَى مُعْتِقِهِ
أي: إذا كانت الأم معتقة والجد والأب رقيقين فالولاء لمعتق الأم، فإن أعتق الجد رجع الولاء لمعتقه، فإن أعتق الأب رجع إلى مواليه.
وَلَوْ لاعَنَ الزَّوْجُ؛ فَوَلاءُ الْوَلَدِ لِمُعْتِقِ الأُمِّ، فَلَوِ اسْتَلْحَقَهُ رَجَعَ إِلَى مُعْتِقِ أَبيهِ
لأنه إذا لاعن انقطع نسبه من أبيه، فلذلك كان ولاء الولد لمعتق الأم، فإذا استلحقه عاد الولاء لمعتق الأب، لما تقدم أن معتق الأب أولى من معتق الأم.
وَلَوِ اخْتَلَفَ مُعْتِقُ الأَبِ وَمُعْتِقُ الأَمِّ فِي الْحَمْلِ وَلا [754/أ] بَيِّنَةَ؛ فَالْقُوْلُ قَوْلُ مُعْتِقِ الأَبِ، إِلا أَنْ تَضَعَهُ لأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ عِتْقِهَا
…
يعني: إذا ادعى معتق الأب أنها حملت به بعد العتق ليكون الولاء بالجر، وادعى معتق الأم أنها كانت حاملاً به يوم العتق ليكون الولاء له لأنه قد مس الولد رق في بطن أمه؛ فالقول قول معتق الأب، لأن الأصل عدم الحمل يوم العتق، إلا أن تضعه لأقل من ستة أشهر من يوم العتق فيكون ولاؤه لمعتق الأم؛ لأن عتقه قد باشره في بطن أمه، وأما إن ولدته لستة أشهر فأكثر؛ فإنه لمعتق الأب لما ذكرنا.
وقيد الشيخ أبو محمد ذلكبما إذا لم تكن ظاهرة الحمل؛ يعني: وأما الظاهرة فكما لو ولدته لأقل من ستة أشهر، وبنوا هنا على الستة على قاعدتهم، ولو بني الأمر على التسعة لكونها الغالب لكان حسناً.
اللخمي: واختلف هل يوقف الزوج عنها عندما تعتق حتى يعرف أنها حامل، أم لا؟ فقال في الموازية: لايوقف عنها. وقال في المختصر: يكف عنها حتى يتبين هل فيها حمل أم لا؛
لمكان الولاء. وقال أيضاً في التي لها ولد من غير زوجها فهلك هذا الولد، يوقف عنها الزوج لمكان الميراث.
اللخمي: وعلى القول الأول لا يوقف ويعمل على ما تبين من الأصل، وهو ظاهر ما في كتاب العتق الثاني. اللخمي: والوقف فيه أحسن.
وَإِذَا شَهِدَ وَاحِدٌ بالْوَلاءِ لَمْ يَثْبُتْ، لَكِنْ يُسْتَانَى بالْمَالِ وَيَحْلِفُ وَيُدْفَعُ إِلَيْهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لا يُدْفَعُ
…
أي: لم يثبت الولاء، واستؤني بالمال خوف أن يأتي لهطالب، وخلاف ابن القاسم وأشهب مبني على القاعدة المختلف فيها بينهما؛ وهي الشهادة على ما ليس بمال إذا أدى إليه، كما لو أقامت بعد الموت شاهداً على الزوجية، واحتج أشهب بقول مالك في أخوين يقر أحدهما بأخ وينكر الأخ؛ لا يحلف ويثبت إرثه من جميع المال بل يعطيه ثلث ما في يده.
فرع:
سئل أبو بكر بن عبد الرحمن عن الذي أقام شاهداً أنه أعتق هذا الميت فحلف واستحق ماله- على قول ابن القاسم- ثم مات لهذا الميت مولى، فقال: الرواية إن أتى بشاهد آخر استوفى الحكم وحلف أنه مولى موليه وأخذ المال خاصة.
ابن يونس: وأن ينبغي أن الشاهد يشهد أن الثاني مولى للأول، ولو شهد شاهد بما شهد به الشاهد الأول فلفق إليه وتمت الشهادة ولا يحلف، قال: ورأيت في بعض التعاليق أن في كتاب ابن المواز لأصبغ إذا شهد له شاهد انه وارث فلان الميت فحلف واستحق، ثم طرأ له مال آخر لا يستحقه إلا بيمين أخرى، فجعله يكرر اليمين مع الشاهد وانظر هذا، ابن الكاتب: وقال: لا يمين عليه، والمال الثاني كالأول، ولو حلف له فهو يستحق مال الميت.
وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُمَا لَمْ يَزَالا يَسْمَعَانِ أَنَّ فُلاناً ابْنُ عَمِّهِ أَوْ مَوْلاهُ؛ كَانَا كَشَاهِدٍ وَاحِدٍ. وَرَوَى أَشْهَبُ: يَثْبُتُ بهِ الْوَلاءُ، وَلَكِنْ لا يُعْجَلُ وَلَعَلَّ غَيْرَهُ أَوْلَى
تصوره ظاهر (كَانَا) أي ما تشهد به من السماع كشهادة شاهد بالعتق، فيعطى له بعد الاستيناء بيمين ولا يجر بذلك الولاء؛ لاحتمال أن يكون الأصل واحداً والولاء لا يثبت بواحد، وهذا مذهب المدونة وبه أخذ أصبغ.
ابن المواز: ولا يعجبني، وأكثر قول مالك وابن القاسم وأشهب: أنه يقضى له بالسماع بالولاء والنسب، وكذلك في الأحباس والصدقات.
ابن القاسم: إن مات في غير بلده وشهد هناك على السماع، فإن الولاء لا يثبت، وإن مات ببلده وشهد فيه على السماع، فإن الولاء لا يثبت؛ لأنه إن كان ببلده فالغالب أن الأصل السماع.
بعض القرويين: ينبغي أن يكون تفسيراً لقول ابن القاسم هنا في المدونة: ولو شهد شاهد على السماع لم يحلف معه، فإن قيل: ما ذكره في الشهادة، والمشهور: جريها في النكاح والولاء والنسب؛ لأن قوله جريها يقتضي أن الولاء يثبت بها، وتشبيهه هنا بالشاهد يدل على أنه لا يثبت بهما، ألا ترى أنه قد نص أنه لا يثبت الشاهد إلا أن يقال أنه لا يلزم من الجري الثبوت، بل يصدق وأخذ المال ويكون ما قدمه ليس هو المشهور؛ لقول ابن المواز: أكثر قول مالك وابن القاسم وأشهب أنه يقضى له بالسماع في الولاء والنسب، أو يقيد قوله جريها في النكاح والولاء بما إذا مات في غير بلده، كما أشار إليه بعض القرويين، أو يقال: قوله في الشهادات المشهور جريها في النسب، معناه إذا كان السماع فاشياً، وليس هو هنا كذلك؛ لأنه إنما هو عن الولاء أو ابن العم.
فرع: ولا خلاف في ثبوت الولاء بالشاهدين، وكذلك أيضاً يثبت بالإقرار، ففي المدونة: ومن أقر أن فلاناً أعتقه وفلاناً يصدقه؛ فإنه يستحق بذلك ولاءه وإن كذبه قومه،
إلا أن تقوم بينة بخلاف ذلك فيؤخذ بها، وكذلك إن أقر بذلك عند الموت؛ فإنه يصدق. واختلف إذا قال: فلان أعتقني، فكذبه فلان، فقال ابن القاسم: لا يثبت له الولاء إلا أن تقوم بينة.
اللخمي: وهو المعروف. وقال أصبغ في الواضحة: يكون مولاه وإن أنكره. ونقل سحنون إجماع العلماء على أن الإقرار بالولاء ثابت. وقال أيوب: لا يثبت الولاء [754/ب] بالإقرار إلا عند البصريين. وذكر ابن رشد أن في المذهب ما يدل على خلاف ذلك.
وَعَصَبَةُ الْمُعْتِقِ أَوْلَى مِنْ مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ
لأن عصبة المعتق تدلي بالنسب، ومعتق المعتق بالولاء، والنسب مقدم على الولاء.
فَيُقَدَّرُ مَوْتُ الْمُعْتِقِ حِيْنَئذٍ، فَمَنْ أَخَذَ مِيرَاثَهُ بالْعُصُوبَةِ أَخَذَ مِيرَاثَ الْعَتِيقِ، فَلا شَيْءَ لِلأَبِ مَعَ الابْنِ وَلا لِلْبِنْتِ وَلَوْ مَعَ الابْنِ
…
هذا بيان لما هو الأحق-العصبة-وضابط ذلك إن تقدر موت المعتق، وحذف المصنف ظرفاً تقديره: يوم موت المعتق، فمن كان أحق بميراثه بالعصوبة فالولاء له، فإذا ترك رجلأخا شقيقاً وأخاً لأب؛ فالولاء للشقيق، فإن مات الشقيق وترك ولداً ثم مات المولى؛ فميراثه للأخ لأب، لأنه لو قدر موت المعتق الآن لكان أولى من ابن الشقيق، فلذلك لا شيء للأب مع الابن فأحرى الجد، ويحتمل أني ريد المصنف بالأب الجنس فيتناول الجد وغيه، ولا شيء للبنت لأنها لا ترث بالعصوبة، وبالغ بقوله:(وَلَوْ مَعَ الابْنِ) لأنها لا ترث مع الابن بالعصوبة، فإذا كانت مع كونها ترث بالعصوبة ليس لها شيء من الولاء، فأحرى إذا لم يرث بها.
وَالأَخُ وَابْنُ الأَخِ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ فِي بَابِ الْوَلاءِ
عمم الأخ وابنه ليتناول الأخ للأب وابنه، وكان الأولى؛ لأن القاعدة: أن كل من شارك الميت في أدنى فهو أقرب. فالأخ وابنه يلتقيان مع الميت في أبيه، والجد إنام يلتقي معه في أب الجد، ولهذا قال ابن اللباد: الفارض العلم أولى من باب الجد. وقوله: في الأم يريد: في الناكح وما في معناه مما يستحق بالعصوبة، ولعل المصنف اعتمد على ما قدمه في باب النكاح.
وَلَوِ اجْتَمَعَ أَبُ الْمُعْتِقِ ومُعْتِقُ الأَبِ فَلا وَلاءَ لِمُعْتِقِ الأَبِ
إنما كان أبو المعتق أولى لأن العصوبة مقدمة، ولا يجر الأب الولاء إلا إذا لم يكن المعتق المباشر ولا عصبة. وفي بعض النسخ:(ولو اجتمع ابن المعتِق وابن المعتَق) وهي كالأولى، وهذه المسألة جزء من قوله:(وَعَصَبَةُ الْمُعْتِقِ أَوْلَى مِنْ مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ) ولا يقال الكلام السابق أفاد الأولوية لأحد الجانبين على الآخر، وهذا أفاد بيانها لأحد الجانبين ونفاها عن الثاني كما قال ابن عبد السلام؛ لأن الأولوية في الأصل المَعْنِي وجوب التقدم فلا فرق.
وَلَوِ اجْتَمَعَ مُعْتِقُ أَبِ الْمُعْتِقِ وَمُعْتِقُ الْمُعْتِقِ كَانَ مُعْتِقُ الْمُعْتِقِ أَوْلَى
لأن معتق المعتق يدلي بنفسه، ومعتق أبيه يدلي بواسطة.
وَلا وَلاءَ لِلأُنْثَى أَصْلاً إِلا عَلَى مَنْ بَاشَرَتْ عِتْقَهُ، أَوْ عَلَى مَنْ جَرَّهُ وَلاؤُهُ لَهَا بوِلادَةٍ أَوْ عِتْقٍ
…
حكى سحنون على هذا الإجماع أنه لا ولاء للمرأة إلا على من باشرت عتقه، أو يكون ولداً لمن أعتقته وإن سفل من ولد الذكور خاصة، ولم يبين
المصنف هنا أنه لا يجر إلا أولاد الذكور؛ لأنه قال: أو على من جره ولاؤه لها، وقد بين أولاً أن المرأة إنما تجر ولاء أولادها إذا لم يكن لهم نسب من حر.
وَلَوِ اشْتَرَى ابْنٌ وَبنْتٌ أَبَاهُمَا، ثُمَّ اشْتَرَى الأَبُ عَبْداً فَأَعْتَقَهُ فَمَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَ الأَبِ وَرِثَهُ الابْنُ دُونَ الْبنْتِ لأَنَّهُ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ
…
أي: إذا اشترياه فقد عتق عليهما. إذا أعتق الأب عبداً ثم مات الأب؛ ورثه ابنه وابنته للذكر مثل حظ الأنثيين. ثم إذا مات المعتِقُ فالابن عاصب الأب بالنسب والبنت معتقة الأب، وقد تقدم أن العاصب المعتق أولى من معتق المعتق.
وَلَوْ مَاتَ الابْنُ قَبْلَ الْعَبْدِ كَانَ لِلْبِنْتِ مِنَ الْعَبْدِ النِّصْفُ لأَنَّهَا مُعْتِقَةُ نِصْفِ الْمُعْتِقِ، والرُّبُعُ لأَنَّهَا مُعْتِقَةُ نِصْفِ أَبي مُعْتِقِ النِّصْفِ
…
يعني: ولو مات الأب، ثم الابن بعده، ثم العبد؛ فلها نصف ميراث العبد المعتق لأنها معتقة نصف المعتق، ونصف النصف الباقي وهو الربع؛ لأن النصف الباقي لموالي أبيها، وموالي أبيها هو أخوها فله نصفه، فيصير لها ثلاثة أرباع المال.
ابن يونس: ويكون لموالي أخيها الربع إن كانت أمة معتقة، وإن كانت عربية فلبيت المال.
وَلَوْ مَاتَ الابْنُ ثُمَّ الأَبُ؛ كَانَ لِلْبنْتِ النِّصْفُ بالرَّحِمِ، والرُّبُعُ بالْوَلاءِ، والثُّمُنُ بمَا جَرَّ الْوَلاءُ
…
يعني: لو مات الابن ثم الأب؛ كان للبنت سبعة أثمان المال، لأن لها النصف بالرحم، والربع بالولاء الذي لها في أبيها؛ لأنها أعتقت نصفها، ونصف الربع الباقي؛ لأن الربع الباقي لأخيها فيكون لموالي أبيه، وموالي ابنه هي أخته فلها نصف ذلك الربع، والنصف الباقي لموالي الأم إن كانت معتقة، أو لبيت المال إن كانت حرة.