الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى الإسلام بأمر يعرف أنه عقله، وهذا إذا كان كبيراً [725/ب] يعرف ما أجاب إليه، وفي البيان في باب المرتدين: وأما إن سُبِيَ وقد عقل دينه فلا أذكر نص خلافه أنه لا يجبر، قال: ويدخل فيه الاختلاف بالمعنى على بعد وهو لا يعتبر بكونه ممن يعقل دينهم، على قياس القول بأنه لو أسلم حينئذٍ لم يعتبر إسلامهم، فيكون لسيده أن يجبره على الإسلام، وحصل فيه إذا لم يعقل ستة أقوال: الأول: أن يجبر مطلقاً، الثاني: لا يجبر مطلقاً، الثالث: أنه يخير إن لم يسب معه أحد أبويه، الرابع: إذا لم يكن معه في ملك واحد، الخامس: يجبر إن لم يُسْبَ معه أبوه ولا يلتفت إلى أمه، السادس: أن يسب معه أبوه إّا لم يكن معه في ملك واحد.
وَتَبَعاً لِلدَّارِ فَيُحْكَمُ بإِسْلامِ اللَّقِيطِ كَمَا تَقَدَّمَ
أي: في باب اللقيط وحاصل كلام المصنف للتبعية ثلاثة أسباب: إسلام الأب وإسلام السَّابِي وإسلام الراد.
الزِّنَى:
وَهُوَ أَنْ يَطَأَ فَرْجَ آدَمِيٍّ لا مِلْكَ لَهُ فِيهِ باتِّفَاقٍ مُتَعَمِّداً
الزنى مقصور عند أهل الحجاز، قال الله العظيم:(وَلا تَقْرَبُوا الزِنَى)[الإسراء: 32] ونقل الجوهري عن أهل الحجاز أنهم يمدونه.
عياض: فمن ذهب إلى أنه من فعل اثنين كالمقابلة، ومن قصره جعله اسم الشيء نفسه، ولا خفاء في تحريمه كتاباً وسنة وإجماعاً بل في كل ملة.
وعرفه المصنف بقوله: (وَهُوَ أَنْ يَطَأَ
…
إلخ)، فـ (أَنْ يَطَأَ) كالجنس، واحترز بالفرج من الوطء في الفخذين ونحوذلك، وبالآدميين من البهيمة كما سيأتي، وسيتكلم المصنف على ما احترز عنه بالتفصيل، وأورد أن قوله:(أَنْ يَطَأَ) لا يصدق إلا على الرجل فلا يناول الزانية، وأجيب بأن (الوطء) مصدر لا يمكن وقوعه إلا بين اثنين فذكر إحداهما
مستلزم للآخر، وأورد أنه غير مانع لأنه لا يدخل تحته شيء من أفراد المحدود؛ إذ قوله:(آدَمِيٍّ) حقيقة في الذكر وذلك إنما يسمى لواطاً، وأجيب بأن المراد بالآدمي الجنس، والزنى يعم اللواط وغيره، ولا يمتنع أن يكون لبعض أنواع الماهية اسم يخصه، وأورد أيضاً أنه لا يناول ما إذا وطء الإنسان مملوكه الذكر؛ لأنه لا يصدق عليه قوله:(لا مِلْكَ لَهُ)؛ لأن له فيه ملكاً، وأجيب بأن الملك لاسليط الشرعي أو شبهه، ولأن قوله (فِيهِ) عائد على الفرج، وفرج الذكر لا ملك له فيه باعتبار هذا الفعل، وأورد أيضاً أنه غير مانع لدخول وطء الأب جارية ابنه؛ إذ لا ملك للأب فيها، وأجيب بالمنع لأن الملك كما ذكرناه هو التسليط أو شبهه، والأب له شبهة الملك ولذلك لا يحد.
فَيَتَنَاوَلُ اللِّوَاطَ وَإِتْيَانَ الأَجْنَبيِّةِ فِي دُبُرِهَا، وَفِي كَوْنِهِ زِنّى أَوْ لِوَاطاً قَوْلانِ
أي: فيتناول الترعيف اللواط وإتيان الأجنبية في دبرها؛ لأنه وطء فرج آدمي، ويكون إتيان الأجنبية في دبرها زنى فيجلد البكر ويرجم المحصن، وهو مذهب المدونة والموازية والواضحة، أو لواطاً فيرجمان وهو قول ابن القصار، ومنشأ الخلاف النظر إلى كونه دبراً.
وَلا يَتَنَاوَلُ الْمُسَاحَقَةَ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ذَلِكَ إِلَى اجْتِهَادِ الإِمَامِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: خَمْسِينَ خَمْسِينَ ....
لأن اللواط عبارة عن إيلاج ولا إيلاج هنا، واختلف في حكمه، والأظهر قول ابن القاسم أن ذلكموكول إلى اتجهاد الإمام لعدم الدليل على التحديد، ووجه قول أصبغ- والله أعلم- أنه فعل كملت به لذتها فكان في منى الزنى الحقيقي، وهو بالنسبة إليها سواء إليها بقيمة المائة بينهما.
وَيَتَنَاوَلُ إِتْيَانَ الْمَيْتَةِ فَيُحَدُّ وَاطِئُهَا
ابن عبد السلام: لانطباق رسم الزنى عليه، وقال ابن شعبان: لا حد عليه يريد وعليه الأدب إذ لا يحصل به من اللذة كما يحصل بالحية، وهذا إنما هو في الأجنبي، وأما الزوج ففي التنبيهات: الأكثرون من محققي أصحابنا: لا يحد الزوج لتقدم الإباحة فكان ذلك شبهة.
وَالصَّغِيرَةِ يُوطَأُ مِثْلُهَا
أي: ويتناول التعريف واطئ الصغيرة التي يوطأ مثلها، وقيدها بأن يوطأ مثلها كما في المدونة.
اللخمي: يريد إن عبث بصغيرة لا يوطأ مثلها لا يحد، وفي مدونة أشهب مثل ذلك: أنه لا يحد إذا زنى بصغيرة لا يجامع مثلها.
ابن عبد الحكم: لا يكون محصناً حتى يزوج من يطيق الوطء، وإن كان مثلها ممن يطيق الوطء فعليه الرجم، وقال ابن القاسم: يحد وإن كانت بنت خمس سنين.
بخِلافِ الْمُرَاهِقِ وَالْمَجْنُونَةِ وَالْمَجْنُونِ فَيُحَدُّ الْمُكَلَّفُ مِنْهُمَا
ظاهره أن التعريف لا يتناولهم وفيه نظر؛ لأنه يصدق على المراهق والمجنون أنهما وطئا فرج آدمي، لكن هذا الكلام يبين أن فاعل يطأ بالتعري عائد على (الْمُكَلِّفُ)، ما ذكره من عدم المراهق هو المشهور.
ابن عبد السلام: وضمير (مِنْهُمَا) راجع إلى كل اثنين تقدم ذكرهام كالكبير مع الصغيرة والعكس والمجنون مع العاقلة والعكس.
خليل: وفيه نظر؛ لأن قوله الصغيرة يطأها الكبير وعكسها ليس بظاهر، لأنه يلزم على كلامه إذا وطء الكبيرة صغير أن الكبيرة تحد وليس كذلك، بل ضمير (مِنْهُمَا) عائد على المجنون والمجنونة؛ أي: يحد المكلف إذا وطء مجنونة والمكلفة إذا مكنت من نفسها مجنوناً.
وَلا يَتَنَاوَلُ الْبَهِيمَةَ، فَلا يُحَدُّ عَلَى الأَصَحِّ وَيُعَزَّرُ، وَالْبَهِيمَةُ كَغَيْرِهَا فِي الذَّبْحِ وَالأَكْلِ باتِّفَاقٍ.
لأنه لا يصدق عليه أنه وطء فرج آدمي ولا شك في تعزيره، ومقابل الأصح في كتاب ابن شعبان، ورأى [726/أ] أنه أتى فرج مشتهى، وفي الترمذي أنه عليه الصلاة والسالم قال:"من أتى بهيمة فلا حد عليه" وهو أصح من الحديث الأول، والعمل على هذا عند أهل العلم، وأشار بالحديث الأول إلى ما رواه ابن عباس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:"من وجدتموه وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة"، فقيل لابن عباس ما شأن البهيمة؟ قال: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئاً ولكن أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم كره أن يؤكل من لحمها أو ينتفع بها، فالاتفاق الذي حكاه المصنف على أن البهيمة كغيرها في الذبح والأكل نقله الطرطوشي.
"لا مِلْكَ لَهُ فِيهِ" يُخْرِجُ الْحَلالَ وَالْحَائِضَ وَالْمُحْرِمَةَ وَالصَّائِمَةَ وَالْمَمُلُوكَةَ الْمُحَرَّمَةَ بنَسَبٍ لا يُعْتِقُ، أَوْ صِهْرٍ، أَوْ رَضَاعٍ، أَوْ شِرْكَةٍ، أَوْ عِدَّةٍ، أَوْ تَزْوِيجٍ
…
لما تكلم على قوله في التعريف: (أَنْ يَطَأَ فَرْجَ آدَمِيٍّ) أتبعه بالكلام على قوله: (لا مِلْكَ لَهُ فِيهِ)، وذكر أنه خرج بهذا من وطؤها له حلال من زوجة أو أمة، ولكن عارض فيها عارض كالحيض والإحرام والصيام، ويخرج أيضاً من وطئ مملوكته المحرمة عليه وذلك التحريم إما لنسب لا يعتق كالخالة والعمة، وإما بصهر أو رضاع أو شركة فإنه لا حد عليه في ذلك كله ولو كان عالماً بالتحريم، نعم يؤدب وإن حملت وهي محرمة
عليه عتقت عليه، ومن سماع عيسى: لا تعتق عليه وتستخدم بالمعروف، أما إن لم تحمل وروي عن ابن القاسم، أنها تباع خوفاً أن يعاود.
قوله: (لا يُعْتِقُ)، وهو بضم الياء وكسر التاء في محل صفة لنسب، واحترز من النسب الذي يوجب العتق فإن فيه الحد كما سيأتي، ورأى ابن راشد: أن قوله: (لا يُعْتِقُ) كالصفة التأكيدية ولو حد فيها لاستغنى عنها؛ لأن البنت مثلاً تعتق بنفس الملك، ولا يصدق على واطئها أنه وطء مملوك، وقد يجاب عنه بأنه إنما يمتنع من دوام الملك لأنه أًله بدليل ثبوت أولاً، لأنها لا تعتق عليه إلا بالحكم على أحد القولين، وسيأتي.
وقوله: (بعِدَّةٍ) أي: ملكها وهي في عدة من زوج.
وقوله: (أَوْ تَزْويجٍ) يعني: إذا تزوج أمته حرمت عليه؛ لأنه إن وطئها لم يجد.
وَالْمُتَزَوَّجَ بهَا هُوَ فِي عِدِّتِهَا عَلَى الأَصَحَّ
أي: ويخرج فرج المرأة التي تزوجها، فحذف الموصوف وأبرز الضمير لجريان الصفة على غير من هي له؛ لأنها أجريت على المرأة وهي في المعنى الرجل للرجل والأصح هو المشهور: لا حد على من تزوج معتدة ويلحق به الولد، ومقابل المشهور رواية وجوب الحد ونفي الولد ورآه زنى، وناقض اللخمي المشهور هنا بأن المذهب حد متزوج الخامسة وكل منهما محرمة في وقت دون وقت وربما قيل: إن تحريم المعتدة أشد؛ لأن تمنعها من نكاح كل أحد وتحريم الخامسة مقصور على من في عصمته أربع، وأجيب بأن نكاح المعتدة ينشر التحريم، فلاتحل لآبائه ولا لأبنائه لشبهة النكاح بخلاف المطلقة ثلاثاً والخامسة لا ينشر فيها تحريم.
خليل: وفيه نظر؛ لأن نشر التحريم مبني على ثبوت الشبهة المسلطة للحد فلا يحسن التفريق بذلك.
أَوْ عَلَى أُمِّهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ أُخْتِهَا أَوْ عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا
هذا أيضاً معطوف؛ يعني: ويتزوج التي تزوجها على أمها قبل الدخول بالأم، وأما لو دخل بالأم فإنه يحد، وكذلك أيضاً يخرج ما إذا تزوج المرأة على أختها أو عمتها أو خالتها، وما ذكره في الأخت إن أراد به الأخت من الرضاع فصحيح، لكن المبادر إلى الذهن خلافه، وإن أراد به من النسب فهو مذهب أصبغ وخلاف ما في الموازية وما نقله صاحب النكت عن بعض شيوخه، قال في النكاح الثالث: تحريم الأختين من الرضاع بالسنة وتحريمها بالنسب بالقرآن، قال: وأما في تزويجه المرأة على عمتها أو على خالتها فلا يحد؛ لأنه تحريم بالسنة، وهذا أًل كل ما كان من تحريم السنة فلا حد فيه، وما اكن محرماً بالكتاب ففيه الحد إذا لم يعذر بجهل. انتهى، وذهب التونسي إلى ما ذكره المصنف، فقال: لا فرق عندنا بين تزويج أخت على أخت سواء كانت الأخت بالنسب أو الرضاع؛ لأن الآية قد عمت تحريم الأخت بالنسب والرضاع.
وَيُخْرِجُ الأَمَةَ يُحَلِّلُهَا سَيِّدُهَا وَتُقَوَّمُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَبَيَا
ويخرج قولنا في التعريف: (لا مِلْكَ لَهُ فِيهِ) الأمة المحللة فلا يحد واطئها؛ لأن له شبهة ملك بالتحليل عالماً كان أو جاهلاً، وهذا هو المشهرو مراعاة لقول عطاء فإنه التحليل ابتداء، وقال الأبهري: إن كان عالماً حد ولا يلحق به الولد لأن وطئه من ليست له زوجة ولا ملك يمين ولا هو جاهل بتحريم الوطء.
وقوله: (وَتُقَوِّمُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَبَيَا) ليس هذا من هذا الباب ولكن ذكره تكميلاً للفائدة، وإنما قومت لتتم له الشبهة، ويعذر لأنه إنما وطئ بملكه، زاد في القذف من المدونة: وتلزم قيمتها حملت أو لم تحمل وليس لربها التمسك بها بعد الوطء.
أبو عمران: ويعد القيمة عليها لأنه لا يصدق مع القيمة أنه لم يطأ، قال في المدونة: بخلاف الشريك.
ابن يونس: لأن وطء الشريك وطء عدوان وهذا قد أذن له، فإذا تماسك بها صح ما قصداه من عارية الفروج، وقيل: وحكم الذي ينكح ابنته رجلاً [726/ب] ويدخل عليها أمته على أنها ابنته حكم من أجل جارية لرجل في جميع وجوهها، بخلاف من تزوج أمته رجلاً وقال: هي ابنتي فالولد حر وعليه قيمته يوم الحكم.
بخِلافِ تَزْوِيجِهَا عَلَى أُمِّهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، أَوِ الْبِنْتِ مُطْلَقاً
هذا مقابل قوله: (أَوْ عَلَى أُمِّهَا قَبْلَ الدُّخُولِ) يعني: وأما لو تزوج البنت بعد الدخول بالأم فإنه يجبر، وكذلك لو تزوج الأم على البنت سواء دخل بالبنت أو لا، وهو معنى قوله:(مُطْلَقاً)؛ لأن العقد على البنت يحرم الأم، وما ذكره من الإطلاق، فهو ظاهر المدونة في النكاح الثالث لأنه نص على الحد وأطلق، وفصل اللخمي في باب القذف فقال: وكذلك إن تزوج أم امرأته فإن كان دخل بالأمة حد، وإن لم يدخل بها لم يحد، لاختلاف الناس في عقد الابنة هل يحرم أم لا؟
بخِلافِ الْمُسْتَاجَرَةِ لِلْوَطْءِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ
يعني: ولا يكون عقد الإجارة شبهة.
وقوله: (أَوْ لِغَيْرِه) أي: لو استؤجرت لخدمة وشبهها والأمة المودعة، والرهن عندنا كالمستأجرة.
وَفِي ذَاتِ نَصِيبهِ مِنَ الْمَغْنَمِ قَوْلانِ
المشهرو وجوب الحد، والشاذ لعبد الملك سقوطه؛ لأن له فيها نصيباً، وقيد ابن يونس هذا الخلاف بالجيش العظيم، وأما السرية فلا يحد واطئها اتفاقاً، وكهذه المسألة سرقته من المغنم، والمشهور القطع خلافاً لعبد الملك في أنه لا يقطع إلا أن يسرق فوق نصيبه بربع دينار.
وَفِي الْحَرْبِيَّةِ قَوْلانِ
قيد اللخمي الخلاف بما إذا زنى بها في دار الحرب لأنه قال: وإذا زنا مسلم بحربية في أرض الإسلام حد، واختلف إذا زنا بها في دار الحرب فقال ابن القاسم: يحد، وقال عبد الملك في الموازية: لا حد عليه، وهو أقيس لأن له أن يأخذ الرقبة ويتملكها، فإذا لم يقدر إلا على المنافع فله أخذها. انتهى. قال بعضهم: ولا خلاف أنه لو خرج بها إلى أرض الإسلام ووطئها في سقوط الحد، وهو ظاهر لأنه حينئذ ملكها، وعلى هذا فيكون معنى كلام اللخمي: إذا وطئها في أرض الإسلام حد، معناه إذا دخلت بنفسها.
وَفِي الْمُكْرَهِ ثَالِثُهَا: إِنِ انْتَشَرَ حُدَّ، بخِلافِ الْمُكْرَهَةِ فَإِنَّهَا لا تُحَدَّ
ذكر عياض أن على القول بحده أكثر أهل المذهب، وأن على القول بسقوطه المحققون كاللخمي وابن رشد وابن العربي؛ لأنه وإن انتشر فذلك أمر تقتضيه الطبيعة، والقول الثاني لابن القصار.
وقوله: (بخِلافِ الْمُكْرَهَةِ) يعني: فإنها لا تحد اتفاقاً.
وَأَمَّا لَوْ وَطِئَ بالْمِلْكِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، أَوْ نَكَحَ الْمُحَرَّمَةَ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرٍ مُؤَبَّدٍ وَوَطِئَهَا، أَوْ طَلِّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثاً ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ وَوَطِئَهَا، أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَاحِدَةً ثُمَّ وَطِئَهَا بغَيْرِ تَزُوِيجٍ أَوْ أَعْتَقَ أَمَةً ثُمَّ وَطِئَهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ
…
قوله: (فإنه يحد) هو جواب (أما) يعني: لو ملك من يعتق عليه وهم الآباء وإن علوا والأبناء وإن سفلوا أو الإخوة والأخوات ووطئها بحد إذا أتى ذلك عالماً.
اللخمي: يريد وهو من أهل الاجتهاد ورأيه أنها حرة بنفس الشراء، وإن كان رأيه ألا تعتق، أو كان مقلداً لمن يرى العتق لم يحد.
محمد: ولو وطئ المرأة من تملكه هي حدت، واستشكل شيخنا وجوب الحد هنا وقال: ينبغي سقوطه للاختلاف الذي عندنا في أن العتق إنما يكون بالحكم.
وقوله: (أَوْ نَكَحَ الْمُحَرَّمَةَ بنَسَبٍ
…
إلخ) كمال ونكح أخته من النسب، قال في المدونة: إذا كان عالماص بالتحريم كذلك قيده في المحرمة بالرضاع.
وقوله: (أَوْ صِهْرٍ مُؤَبَّدٍ) كما لو نكح البنت بعد الدخول بالأم.
ابن عبد السلام: وليس لوصف تحريم إلى الأب، والكلام إنما هو إذا حصل التحريم. انتهى بمعناه، وقد يقال أنا لا نسلم أن التحريم لا يحصل بالعقد على الأم لأنه لا يجوز له حال عقده على الأم نكاح البنت، نعم التأبيد لم يحصل. وقوله:(وَوَطِئَهَا) زيادة بيان.
وقوله: (أَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثاً) ظاهره سواء كان بلفظة البتة أو الثلاث، وسواء كانت الثلاثة مجتمعات أو مفترقات وهو ظاهر المدونة، قوال أصبغ في البتة: لا يحد عالماً كان أو جاهلاً لقوة الخلاف في البتة هل هي واحدة أم لا، وقال في املطلقة ثلاثاً مثل ما في المدونة، إلا أ، هـ قال في الجاهل أنه لا يحد استحساناً، وتأوله صاحب تهذيب الطالب.
قوله في الثلاث على أنها مفترقات أو مجتمعات أضعف قول من قال بإلزامه الواحدة بالثلاث، وهذه المسائل كلها مقيدة بما إذا كانعالماً بالتحريم، وأما الجاهل بالحكم فلا كما سيأتي من كلام المصنف.
وَكَذَلِكَ الْخَامِسَةُ عَلَى الأَشْهَرِ
أي: يحد فيها والأشهر مذهب المدونة بشرط أن يكون عالماً بالتحريم، ومقابل الأشهر لم أره منصوصاً وهو ضعيف لشهرة التحريم الثابت بالكتاب.
"باتِّفَاقٍ" يُخْرِجُ النِّكَاحَ بغَيْرِ وَلِيِّ بغَيْرِ شُهُودٍ، وَمِثْلُهُ الْمُتْعَةُ عَلَى الأَصَحِّ
أي: قولنا في التعريف (باتِّفَاقٍ) يخرج النكاح بلا ولي فلا حد فيه؛ لأن أبا حنيفة يجيزه، وبهذا يعلم أن مراده بالاتفاق، العلماء، لا اتفاق [727/أ] المذهب.
وقوله: (أَوْ بغَيْرِ شُهُودٍ) يعني: إذا دخل فيه ولم يشهد؛ لأن العقد عندنا صحيح، و (مَمِثْلُهُ) أي: في سقوط الحد، والأصح مذهب المدونة وغيرها، قال في المدونة: ويعاقب، قال في الواضحة: والعالم أعظم عقوبة من الجاهل ومقابله لابن نافع، ولعل منشأ الخلاف في المحرم بالسنة.
ابن عبد السلام: وهذا الخلاف- إما وجد الولي والشهود والصداق على نحو ما كذر - معتبر في غير نكاح المتعة، هكذا قال بعض كبار الشيوخ.
"مُتَعَمِّداً" يُخْرِجُ الْمَعْذُورَ بجَهْلِ الْعَيْنِ مُطْلَقاً أَوْ بجَهْلِ الْحُكْمِ فِي مِثْلِ مَا ذَكَرَ إِذَا كَانَ يُظَنُّ بهِ ذَلِكَ
…
يعني: وقولنا في التعريف: (مُتَعَمِّداً) يخرج المعذور بجهل العين؛ أي: ظن أنها زوجته أو أمته، (مُطْلَقاً) أي: سواء كانت من المحرمات المذكورة فيما تقدم أو من غيرها، وهذا إذا قدم معتقداً لذلك.
ابن عبد السلام: وأما إن قدم عليها وهو شاك ثم تبين له بعد الفراغ أنها أجنبية، فظاهر كلامهم وإن لم يكن صريحاً سقوط الحد، ولعل مراد المؤلف مفهوم مطلقاً انتهى.
وقوله: (فِيمَا ذَكَرَ) أي: في الصور المتقدمة، يعني أن ما ذكرنا من وجوب الحد إنما ذلك إذا كان عالماً بالتحريم، وأما إذا جهل التحريم فلا حد ويقبل قوله بشرط أن يظن به ذلك الجهل كما قاله أصبغ بعد أن ذكر كثيراً من مسائل هذا الفصل إذا كان مثل الأعمى وشبهه.
فَلَوْ كَانَ زِنَّى وَاضِحاً، فَفِي قَبُولِ عُذْرِهِ قَوْلانِ لابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ
لو قال في نفي عذره لكان أحسن؛ لأن الذي نقله اللخمي عن ابن القاسم وغيره وجوب الحد، وعن أصبغ ثبوته لأنه قال: واختلف إذا كان أعجمياً أو حديث عهد بالإسالم ولا يعرف تحريم الزنى، فقال في الكتاب: يحد، وقال أصبغ: لا يحد، والأول أشهر والثاني أقيس؛ لأن الحدود إنما تقام على من قصد مخالفة النهي، وقد اختلف فيمن أسلم بدار الحرب ثم خرج إلى أرض الإسلام، فقال سحنون: لا قضاء في ما ترك من الصلاة قبل خروجه إذا كان غير عالم بفرض الصلاة، وإذا سقط عند الخطاب بالصلاة سقط عند الخطاب بموجب الزنى انتهى، ورأى ابن القاسم أن الزنى اشتهر تحريمه في جميع الأديان فلا يعذر بجهل التحريم.
وَيُخْرِجُ الْمَبيعَةَ فِي الْغَلَاءِ تُقِرُّ بالرِّقِّ عَلَى الأَصَحِّ
أي: ويخرج قيد التعمد الحرة المبيعة في الغلاء في حال كونها مقرة بالرق؛ لأنها معذورة بالجوع، وهذا قول مالك رواه ابن القاسم فيمن باع زوجته للغلاء وبه قال ابن القاسم، ومقابل الأصح لأصبغ ولا تعذر بجوع وغيره.
أصبغ: وقد بانت من الزوج بثلاث وطئها المشتري أم لا، وقال أصبغ: لا يكون طلاقاً ولكن إن طاوعته على البيع وأقرت أن مشتريها أصابها طائعة رجمت، وإن قالت: استكرهت فلا حد عليها، والخلاف هنا كالخلاف في حد السارق إذا سرق لجوع.
ابن عبد السلام: وذكر هذا الفرغ في الإكراه أحسن.
وَيَثْبُتُ الزِّنَى بالإِقْرَارِ وَلَوْ مَرَّةً وَبالْبَيِّنَةِ وَبظُهُورِ الْحَمْلِ
شرع رحمه الله فيما يثبت به الزنى، ولثبوته أسباب: الأول: الإقرار ولو مرة خلافاً لأبي حنيفة وأحمد في اشتراطهما أربع مرات لحديث ماعز حيث رده حتى أقر أربع مرات،
وأجيب أنه إنما رده؛ لأنه إنما استنكر عقله، مع أن في بعضها مرتين وفي بعضها ثلاثاً قاله أبو عمران، وعمدتنا حديث العسيف الذي في الصحيح:"اغْدُ يا أنيسُ على امرأةِ هذا فإن اعترفتْ فارجمها"، ولم يذكر عدداً. والثاني: البينة. والثالث: ظهور الحمل خلافاً لأبي حنيفة والشافعي، ولما في الموطأ عن عمر رضي الله عنه: الرجم في كتاب الهل حق على من جنى من الرجال والنساء، إذا أحصن، إذا قامت البينة، أو كان الحمل أو الاعتراف.
فَإِنْ رَجَعَ إِلَى مَا يُعْذَرُ بهِ قُبلَ، وَفِي إِكْذَابِ نَفْسِهِ فِي حَدِّهِ قَوْلانِ لابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ
…
يعني: أنرجوع المقر بالزنى إلى ما يعذر به كما لو قال: أصبت امرأتي أو جاريتي حائضاً فظننت ذلك زنَّى أو جاريتي وهي أختي من الرضاعة.
ابن المواز: ولم يختلف فيه أصحاب مالك، وحكى الخطابي عن مالك قولاً بعدم قبول رجوع المقر واستغربه ابن زرقون.
قوله: (وَفِي إِكْذَابِ نَفْسِهِ) يعني: لو قال: كذبت ولم يبد عذراً، فقال ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم لا يحد، وروي عن أبي بكر وعمر وعلي وأبي هريرة وابن مسعود رضي الله عنهم، ورأوا أن ذلك شبهة لاحتمال صدقه ثانياً، وقال أشهب: لا يعذر إلا بما يعذر به، وروي عن مالك وبه قال عبد الملك.
فرع:
اختلف قول مالك في المقر بالزنى وشرب الخمر يقام عليه بعض الحد فيرجع تحت الجلد قبل التمام، فقال مرة، إن أقيم عليه أكثر الحد أتم عليه؛ لأن رجوعه ندم، ومرة قال: لا يقتل ولا يضرب بعد رجوعه، وهو قول ابن القاسم، قيل: وهو قول جماعة العلماء، وقد هرب ماعز لما رجم فاتبعوه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه.
وَفِي ثُبُوتِ الإِقْرَارِ باثْنَيْنِ قَوْلانِ
هذا الفرع مرتب على قول أشهب الذي لا يقبل رجوع المقر بالزنى إذا كان لغير شبهة، وأما على قول ابن القاسم فإنكاره كتكذيب نفسه، ومنشأ الخلاف هل هو معنى يرتب عليه [727/ب] حد الزنى فلا يكون إلا بأربعة كالشهادة، أو معنى يثبت به سبب الحد، فيثبت باثنين كالإحصان.
وَلَوْ أَقَرَّ بالْوَطْءِ وَادَّعَى النِّكَاحَ وَلَيْسَا غَرِيبَيْنِ حُدًّا
الصواب تثنية فاعل (أَقَرَّ) لقوله: (حُداًّ) وشرط في الحد ألا يكونا غريبين، يعني وأما الغريبان فلا لأنهما لم يدعيا ما يكذبهما للعرف بخلاف الحضريين.
قوله: ولا بينة: في معناها الفشو قاله ابن القاسم، قالوا: ويأتنفان حينئذ نكاحاً جديداً بعد الاستبراء.
ابن القاسم: ولا تقبل في البينة شهادة أبيهما وأخيهما وفرض المصن المسألة في إقرارهما بالوطء يريد وكذلك إذا قامت بينة به.
وقوله: (حُدَّا) هو مذهب المدونة. ابن القاسم: وسواء وجدا في بيت أو طريق، وأٍقط عبد الملك الحد عنهما وإن كان غريبين، فيقال فيمن قال عند قوم: وطئت فلانة بنكاح، واشتريت أمة فلان ووطئتها، فلا يكلف بينة بالنكاح ولا بالشراء ولا يحد لأنه لم يوجد مع امرأة يطأها، ولو وجد كذلك كلف بالبينة إن لم يكن طارئ، قال: وقاله علماؤنا، وقد غلط فيها بعض من يشار إليه وقاله مطرف وأصبغ وابن الماجشون، ولو شهدت بينة عليه أنهم رأوا فرجه في فرج المرأة غائبة عنا لا ندري من هي، فقال هو: كانت زوجتي وطلقها أو أمتي وقد بعتها وهو معروف وهو غير ذي زوجة أو أمة فهو مصدق لا يكلف ببينة، ولو وجد معها كلف بالبينة إن لم يكن طارئاً.
وَالْبَيِّنَةُ تَقَدَّمَتْ
لما تكلم على الإقرار وكان حقه أن يتكلم على السبب الثاني وهو البينة، فبين أن الكلام على ذلك تقدم في كتاب الشهادات.
وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ ببَكَارَتِهَا لَمْ يَسْقُطِ الْحَدُّ
هذا فرع من فروع البينة، تكلم عليه هنا لأنه لم يتقدم، ومعناه: إذا شهد أربعة عدول بزناها فقالت هي: أنا عذراء أو رتقاء أو نظر إليها النساء فصدقنها لم ينظر إلى قولهن وحدّت، وهذا مذهب المدونة. ورأى اللخمي سقوط الحد؛ لأن شهادة النساء بذلك شبهة، ولأنه يمكن صدقها بأن ينظر إليها جماعة من النساء ويقع بقولهن العلم، ولو قالت: أنا أكشف لأربع رجال فينظرون إلي ولا أجلد، لكان ذلك لها، وإذا جاز نظر الرجال أولاً لإقامة الحد جاز
…
أولاً، وفي العتبية ما يشبه هذا ففيها: فالذي يحلف بالعتق أو بالطلاق أن بفلانة عيب بموضع كذا مما لا يراه إلا النساء وهي حرة أو أمة، فنظرت امرأة فقالت: ليس بها ما قال- إنَّ نَظَر النساء ليس بشيء. يريد ولا حنث عليه.
وَأَمَّا الْحَمْلُ فَيُعْتَبَرُ فِي الأمَةِ لا يُعْلَمُ لَهَا زَوْجٌ وَسَيِّدُهَا مُنْكِرٌ لِلْوَطْءِ، وَفِي الْحُرَّةِ لَيْسَتْ غَرِيبَةً
…
هذا هو السبب الثاني، يعني: إذا ظهر حمل الأمة وليس لها زوج وسيدها منكر للوطء حدت، ورأى اللخمي سقوط الحد إذا ادعت على سيدها، ويحلف ما أصابها إن أنكر الإصابة أو لقد استبرأتها، إن ادعى ذلك ثم لا حد عليها؛ لأن دعواها على السيد شبهة ويمينه مظنونة، وله أن يجبرها على القول بأن له ذلك بعلمه، ويعتبر في الحرة إذا لم تكن غريبة، يعني ولم يعلم لها زوج، وحذف ذلك للدلالة عليه بذكره في الأمة.
وَلَوْ قَالَتْ: غُصِبْتُ لَمْ يُقْبَلْ إِلا بأَمَارَةٍ مِنْ صُرَاخٍ أَوْ أَثَرِ دَمٍ بمَا يَظْهَرُ بهِ صِدْقُهُا، وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ قَبُولَهُ
…
يعني: لو قالت الأمة أو الحرة المتقدمتان غصبت لميصدقا إلا أن تظهر أمارة تدل على صدقهما كما لو جاءت إحداهما تدمي أو مستغيثة عند النازلة، واختار بعض الشيوخ قبوله وإن لم تظهر أمارة، لاحتمال أن تكون غصبت وكتمت رجاء ألا يكون عنه حمل، ولعل المصنف يريد ببعضهم اللخمي فإنه قال ذلك، لكن شرط في المرأة أن تكون معروفة الخير ولا يطعن عليها شيء، وكذلك الباجي: سقوط الحد عنها إلزاماً على قول مالك أن الوطء بين الفخذين يكون عنه بسيلان الماء إلى الفرج.
وَشَرْطُ مُوجَبِهِ الإِسْلامُ وَالتَّكْلِيفُ
لما عرف الزنى وذكر ما يثبت به، شرع فيما يرتب عليه بقوله:(مُوجَبِ) بفتح الجيم اسم مفعول؛ أي: الذي يوجبه الزنى وفي بعض النسخ: وشرط موجب الحد الإسلام بكسر الجيم، وشرط الزنى هو الذي سبب الحد: الإسلام، فلا يقال على الكافر إذا زنى بمسلمة طائعة وهذا هو المشهور.
مالك وابن القاسم: ويرد إلى أهل ملته ويعاقب على ذلك العقوبة الشديدة.
أشهب: ويجب أن يتجاوز بذلك الحد، وقد أخبرني مالك عن ربيعة أنه يقتل ورآه ناقضاً للعهد، وقال لغيره في المبسوط: يحد حد الكفر وإن كانت ثيباً.
اللخمي: والأول أحسن، وإنما تقام الحدود في فروع الإسلام لمن تقدم منهم إسلام، وإنما حكم صلى الله عليه وسلم بين اليهود بما في التوراة لأنهم رضوا بذلك.
واعلم أن الجنايات السبع تقام على الكافر إلا الزنى والشرب والردة، أما الزنى فكما ذكرنا، وأما الشرب فإنهم يعتقدون حله، أو لأنا أخذنا منهم الجزية على ذلك، وأما الردة
فهو المشهور أن الكافر إذا انتقل من كفر إلى [728/أ] كفر أنه يعذر ولا يقتل وعلى الشاذ أنه يقتل هو كالمسلم.
وقوله: (وَالتَّكْلِيفُ) أي فلا حد على مجنون ولا صبي وإن كان مراهقاً على المشهور.
وَهُوَ ثَلاثَةٌ: رَجْمٌ، وَجَلْدٌ مَعَ تَغْرِيبٍ، وَجَلْدٌ مُفْرَدٌ، فَالرَّجْمُ عَلَى الْمُحْصَنِ مِنْهُمَا
يعني: والموجَب ثلاثة أنواع والرجم على المحصن، ولا يجمع معه الجلد وهذا مذهب كافة الفقهاء بخلاف الظاهرية لحديث ماعز وحديث العسيف.
وقوله: (مِنْهُمَا) أي: الزاني والزانية.
وَيَحْصُلُ لِكُلِّ مِنْهُمَا بالتَّزْويجِ الصَّحِيحِ اللَّازِمِ وَالْوَطْءِ الْمُبَاحِ المُحِلِّ الْمَبْتُوتَةِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَالإِسْلامِ وَالْبُلُوغِ، وَفِي التَّكْلِيفِ خِلافٌ
…
ويحصل لكل واحد من الزاني والزانية (بالتَّزْوِيجِ) فلا يحصل بالملك.
وقوله: (الصَّحِيحِ) يخرج النكاح الفاسد إن كان مما يفسخ قبل البناء وبعده، وإن كان مما يمضي بعده فهو كالإحلال، وقد قدمنا الكلام على ذلك في النكاح.
وقوله: (اللازِمِ) فلا يحصل بالنكاح الذي فيه خلاف حكم، كنكاح العبد وذي العيب، واحترز بالوطء المباح من الوطء في حيض أو في عدة فلا يحصل به الإحصان.
وقوله: (المُحِلِّ الْمَبْتُوتَةِ) نعت الوطء، ولو استغنى به عن جميع ما تقدم كفى؛ أي: لأنه قال في الإحلال: لا تحلحتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً صحيحاً لازماً ويطأها وطئاً مباحاً على المشهور، والمشهور مذهب ابن القاسم، مقابله لعبد الملك وزاد اللخمي ثالثاً للمغيرة وابن دينار: أن الوطء الفاسد يحصن ولا يحل.
اللخمي: وهو ضعيف ولو قيل بعكسه لكان أشبه.
وقوله: (بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ) لقوله: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المُحْصَنَاتِ مِنَ العَذَابِ)[النساء: 25] وقوله: (وَالإِسْلامِ وَالْبُلُوغِ) ظاهر.
وقوله: (وَفِي التَّكْلِيفِ خِلافٌ) سلامة العقل من الجنون؛ لأنه قد ذكر أن البلوغ شرط، وكأنه اعتمدعلى ما قدمه من الخلاف في فصل الإحلال وقد ذكر ثلاثة أقوال، واختلف إن تزوج عبد حرة بغير إذن سيدها ووطئها ثم زنت، فقال ابن القاسم: ليس بإحصان مطلقاً، وقال أشهب: إن أجاز سيده النكاح كان ذلك الوطء إحصاناً ورجمت لا إن رده، ولعل المصنف إنما قال:(وَفِي التَّكْلِيفِ) ولم يقل وفي الجنون ليشمل غير الجنون من موانع العقل، وقد نظم بعضهم شروط الإحصان فقال:
شروط الإحصان ستة أتت فخذها على النظر مستفهماً
بلوغ وعقل وحرية ورابعها كونه مسلماً
وعقد صحيح ووطء مباح متى اختل شرط فلن يرجما
فَلِذَلِكَ يُحْصِنُ مَنْ عَتَقَ مِنَ الْعَبيدِ مِنَ الزَّوْجَيْنِ بالْوَطْءِ بَعْدَهُ دُونَ الآخَرِ
أي: فلأجل اعتبار الحرية لو أعتق أحد الزوجين ونكاحهما صحيح ثم وطئ بعد العتق منهما دون الآخر.
وَوَطْءُ الرَّجُلِ بَعْدَ إِسْلامِهِ الْكِتَابِيَّةَ تُحْصِنُهُ وَلا يُحْصِنُهَا
هذا راجع إلى الإسلام وهو ظاهر ولم يشبهه بمن أعتق من العبيد؛ لأنه لا يحصل في الإسلام من الطرد
…
والعكس والعتق وإنما يحصل بإسلام الزوجة خاصة.
وَوَطْءُ الصَّغِيرِةِ يُحْصِنُ الرَّجُلَ ولا يُحْصِنُهَا
هذا راجع إلى البلوغ، ويشترط في الصغيرة أن تطيق الوطء لأنه الذي يحصل من البالغة، فإن كانت الصغيرة لا تطيق الوطء لم تحصن، قاله ابن عبد الحكم، وقال ابن القاسم: إذا وطئها وإن كانت بنت خمس سنين.
وَوَطْءُ الصَّغِيرِ لَغْوٌ وَإِنْ قَوِيَ عَلَيْهِ
يعني: إذا وطء الكبيرة، ومعنى (لَغْوٌ) أنه لا يثبت الإحصان لواحد منهما، أما هو فلعدم بلوغه، وقد تقدم في الراهن خلاف، وأما هي فلأن وطأه لا يحصل لها كمال اللذة فكان كالأصبع.
وَفِي وَطْءِ الْمَجْنُونَةِ خِلافٌ تَقَدَّمَ
أشار به والله أعلم إلى ما قدمه في فصل الإحلال حيث قال: ويشترط علم الزوجة خاصةب الوطء، وقال أشهب: علم الزوج، وقال ابن الماجشون: لو كان مجنونين حلت.
ابن عبد السلام وغيره: يدل على أنه أراد الخلاف المتقدم في الإحلال قبل هذا.
وَكُلُّ وَطْءٍ يُحْصِنُ أَحَدُهمَا يُحِلُّ، وَلَيْسَ كُلُّ وَطْءٍ يُحِلُّ يُحْصِنُ
وإلا فأي فائدة في ذكر هذه الكلية، فإن قيل: فكيف يفهم من الكلية أنه أراد الإحلال؟ قيل: لأنها أشعرت بأن الإحصان أخص لكثرة شروطه؛ إذ يشترط فيه الحرية وأن الإحلال أعم، وعلى هذا التقدير فكل ما يمنع من الإحلال يمنع قطعاً من الإحصان لاستلزام نفي الأعم نفي الأخص، ويصدق حينئذٍ: كل ما أحصن أحل؛ لأنه يلزم من وجودالتقدير، فكل ما يمنع من الإحلال يمنع قطعاً من الإحصان لاستلزام نفي الأعم، واختلف الشيوخ في نقل الخلاف في المجنون باعتبار الإحصان، والصواب- والله أعلم- ما نقله اللخمي وغيره أنه إن كان أحدهما مجنوناً كان إحصاناً للعاقل منهما خاصة عند مالك وابن القاسم، وقال أشهب: المراعي الزوج فإن كان عاقلاً كان إحصاناً لها وله، وإن لم يكن عاقلاً لم يكن إحصاناً لها ولا له، وقال عبد الملك: إذا صح العقد منهما أو ممن يلي عليهما كان إحصاناً لهما ولو كانا مجنونين في حين البناء إذا كان الزنى في حين الصحة، وعلى هذه الطريقة في النقل لاتتم الإحالة على الإحلال لمخالفة ما بينهما فتأمله. انتهى.
والمخالفة [728/ب] إنما هي في القول الأول وإلا فقول أشهب وعبد الملك فيهام متحد، وقد يقال إنما اشترط ابن القاسم علم الزوجة لأن الإحلال قائم بها، فها هنا الإحصان قائم بكل منهما، فيلزم عليه أن يشترط في حقها لكن في أخذ هذا من لفظه نظر.
فَفِيهَا: وَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ غَيْرُ مُحْصَنٍ بوَطْءِ سَقَطَ
يعني: أن الزاني إذا أنكر الإحصان قبل قوله وسقط عنه الرجم؛ لأن الوطء لا يعلم إلا من جهته.
وَلَوْ أَنْكَرَتِ الوَطْءَ بَعْدَ أَنْ أَقَامَتْ عِشْرِينَ سَنَةً، وَالزَّوْجُ مُقِرٍّ بِالْوَطْءِ لَمْ يَسْقُطِ الْحَدُّ، وَعَنْهُ فِي الرَّجُلِ: يَسْقُطُ مَا لَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِوَلَدٍ، وَقِيلَ؛ لا مُخَرَّجاً
…
جلب مسألتي المدونة لتعارضهما ولينبه على بعض ما فيها، فالأولى: في الزوجة ذكرها في النكاح، فقال: وإن أقامت مع زوجها عشرين سنة فزنت فقالت: لم يكن الزوج جامعني، والزوج مقر بالجماع فهي محصنة والحد واجب ولا يزيله إنكارها، وقال غيره لدفعه حداً قد وجبولم يكن منهما قبل ذلك دعوى.
والثانية: في الزوج ذكرها في الرجم، فقال: ومن تزوج امرأة وطال مكثه معها بعد الدخول فشهد عليه بالزنى، فقال: ما جامعتها قد دخلت بها فإن لم يعلم
…
يظهر، أو بإقرار بالوطء ولم يرجع درء الحد بالشبهة، وإن علم منه إقرار بالوطء قبل ذلك رجم، واختلف فيهما، فقال يحيى بن مر وسحنون وأبو عمران وغيرهم هما متعارضتان، لكونه قبل قول الزوج دون الزوجة، وذهب جماعة إلى التفريق بينهما، واختلف الأولون هل تقيد مسألة النكاح بما في الرجم ويطرح ما في النكاح وهو قول يحيى بن عمر لقوله أن مسألة الرجم خير مما في النكاح، أو بالعكس وإليه ذهب سحنون، واختلف الآخرون في كيفية الجمع على أوجه:
أحدها: أن الطول الذي قبل فيه قول الزوج لم يبلغ عشرين سنة ونحوها ولو بلغ ذلك لم يقبل قوله كالزوجة.
ثانيها: أن الزوج إذا عرض له ما يمنعه من الوطء الغالب عليه إخفاؤه بخلافها، فإن العادة الإظهار من جهتها، ورد بأنه لو لم يكن وطئها لم تسكت.
ثالثها: أنه قبل قول الزوج؛ لأن الزوجة لمتدع عليه أنه وطئها ولم يقبل قول الزوجة؛ لأن الزوج مقر بجماعها، ذكر هذه الثلاثة صاحب النكت واختار ابن يونس الثالث، واختار اللخمي وابن يونس حملها على الخلاف، وذكر ابن رشد في مقدماته أن الفروق التي ذكرها عبد الحق وغيره لا تصح لأنه قال: إن تزوج الرجل امرأة فأقر بالوطء قبل الزنى أو بعده فذلك منهما الإحصان، وأما إن أنكراه بعد الزنى ولم يعلم منهما إقرار قبله، فهل يصدقان في إنكاره ثلاثة أقوال: الأول: لا يصدقان وإن كان ذلك بقرب البناء، الثاني: مذهب جمهور أصحاب مالك أنهما يصدقان ولا يرجمان، وذهب بعضهم إلى أن ما في الرجم ليس بخلاف لما في النكاح، وفرق بينهما بتفاريق ذكرها عبد الحق وغيره لا تصح، وأما إن ادعاه أحدهما لى صاحبه وأنكره الآخر قبل الزنى فلا يلزم المنكر الإحصان باتفاق ولا المقر به على سبيل الدعوى بالاتفاق أيضاً، وله أن يرجع عن إقراره قبل أن يؤخذ في زنا أو بعد أن يؤخذ فيه كالرجل والمرأة، وأما إن أقر أحدهما بالوطء في غير سبيل الدعوى والآخر منكر، فأما المنكر فلا يكون محصناً باتفاق، واما المقر فقال ابن القاسم: يكون محصناً لإقراره على نفسه، وقال ابن عبد الحكم: لا يكون محصناً لأن الحدود تدرأ بالشبهات، وأما إن كان اختلافهما في الوطء بعد الزنى، فأما المقر فيلزمه الإحصان بإقراره بالوطء، ويجب عليه الرجم باتفاق، وأما المنكر فاختلف هل يصدق أم لا؟ علىلثلاثة التي تقدمت في إنكارهما جميعاً الوطء بعد الزنى، وذهب بعضهم إلى أن هذا الاختلاف غير داخل في هذه المسألة، وأنه يحد ولا يصدق في إنكاره الوطء بعد الزنى
لإقرار صاحبه عليه، وليس هذا بشيء لأن إقرار أحدهما على صاحبه شهادة منه عليه بالإحصان، ولا تجوز شهادة واحد بالإحصان. انتهى باختصار، ومراده على سبيل الدعوى أي ادعت الوطء ليكمل لها الصداق، وادعى الرجل ذلك استثبت له الرجعة في العدة والله أعلم. وقول المصنف:(وَقِيلَ: لا) أي: لا يخرج مسقط؛ أي: من المسألة السابقة بناء علىقول من حملها على الخالف.
وَاللائِطَانِ مُطْلَقاً كَالْمُحْصَنِ فَالرَّجْمُ، وَقَالَ أَشْهَبُ: إِلا الْعَبْدَيْنِ وَالْكَافِرَيْنِ فَيُجْلَدُ الْعَبْدُ خَمْسِينَ، وَيُؤَدَّبُ الْكَافِرُ
…
قوله: (مُطْلَقاً) يعني: ولا يستثنى من استثناء أشهب، وروى أبو داود والترمذي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به"، قال مالك: ولم أزل أسمع أنهما يرجمان أحصنا أو لميحصنا، وقول أشهب ضعيف؛ لأنه لو كان من باب الزنى لاعتبر الإحصان ولا يأدب الكافر إلابشرط أن يظهره.
وَالْجَلْدُ مَعَ التَّغْرِيبِ عَلَى الْحُرِّ الذَّكَرِ غَيْرِ الْمُحْصَنِ
هذا هو النوع الاثني، ولا خلاف في الجلد والتغريب ثابت عندنا وعند جمهور أهل العلم لما في الصحيحين من حديث العسيف:"وعلى ابنك مائة وتغريب سنة"، ونفاه أبو حنيفة رحمه الله؛ لأن الزيادة عنده [729/أ] على الآية نسخ، ولا ينسخ القرآن بخبر الواحد لكون الزيادة على النص متنازع فيها.
وقوله: (الْحُرِّ) يعني: ولا تغريب على العبد لما علىسيده من الضرر خلافاً للشافعي في أحد قوليه لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: "والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب"، وأجيب بعد تسليم العموم، فإن عطفه عليه الصلاة والسلام الثيب عليه مع دخول الرقيق فيه قرينة دالة على أن المراد بالبكر من هو حر، ولأن العبد إنما يجلد
خمسين لا مائة. وقول المصنف: (الذَّكَرِ) يعني: ولا تغريب على الأنثى لما يخشى عليها في التغريب من الزنى.
وَالْجَلْدُ وَحْدَهُ عَلَى الْحُرَّةِ غَيْرِ الْمُحْصَنَةِ وَالْعَبْدِ
هذا هو النوع الثالث: وأراد بالعبد الجنس فيشمل الذكر والأنثى، أو أراد بالعبد الذكر والأنثى ليشمل الحرة والأمة وهذا أقرب.
وقوله: (غَيْرِ الْمُحْصَنَةِ) يعني: وأما المحصنة فترجم.
وَيُتَشَطَّرُ الْجَلْدُ بالرِّقِّ وَإِنْ كَانَ جُزْءاً أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ
قوله: (بالرِّقِّ) علم متناول الذكور والإناث لقوله تعالى: (فَعَليْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ)[النساء: 25] والعبد مقيس عليها من باب لا فارق وإن كان جزءاً؛ أي: وجزءاً بأن يكون معتق البعض وما في معناه أي في معنى الرق وهو ما فيه شائبة من شوائب الحرية من أم ولد ومكاتب ومدبر ومعتق لأجل.
وَالتَّغْرِيبُ: نَفْيُهُ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ كَفَدَكَ وخَيْبَرَ مِنَ الْمَدِينَةِ
تصوره ظاهر وفدك بالدال المهملة. الجوهري: اسمقرية بخيبر، وقال عياض في المشارق: مدينة بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة مراحل.
أبو عمران: وروي أنه عليه الصلاة والسلامنفى إلى خيبر، ونفى عمر إلى فدك، ونفي من المدينة إلى البصرة وإلى خيبر، ونفى علي من الكوفة إلى البصرة، وقال الشافعي: من عمله إلى عمل غيره، وقال مالك في الموازية: من مصر إلى الحجاز، وقال ابن القاسم: من مصر إلى أسوان وأدن منها ولا يبعد كل البعد، وربما ضاع وبعد عن أن تدكره منفعة أهله وماله.
وَكِرَاؤُهُ فِي مَالِهِ، وَإِلا فَبَيْتُ الْمَالِ
أي: في مسيره وهكذا قال أصبغ وابن المواز وكذلك المحارب.
وَيُسْجَنُ فِيهِ سَنَةً مِنْ حِينِ سَجْنِهِ
قال ابن القاسم: يكتب إلى ولي البلد أن يقبضه ويسجنه سنة عنده وتحسب السنة من يوم سجن، وروى نحوه ابن حبيب عن مطرف.
فَلَوْ عَادَ أُخْرِجَ ثَانِياً
الظاهر أن المراد لو عاد المغرب إلى بلده أخرج ثانياً قبل تمام السنة، وهو الذي يؤخذ من كلامه في الجواهر، وقال:(أُخْرِجَ) ولم يقل أعيد لأن الإعادة تقتضي تغيير الموضع الذي كان به أولاً، و (أخرج) لا يقتضي ذلك وهو أولى إذا قوى الإمام سجنه في غيره أولاً، والظاهر يبنى على ما تقدم أو يستأنف، والظاهر البناء، ويحتمل أن يريد فلو عاد على الزنى، فإنه أيضاً يجلدويغرب وعليه اقتصر ابن راشد، وإنام قلنا الأول أولى لاقتصاره على الإخراج فقط وأنه لا كبير فائدة في الحل الثاني، وانظر لو زنا في المكان الذي نفي فيه أو زنا المغرب بغير بلده، هل يكون سجنه في الكان الذي زنا فيه تقريباً؟
وَلا يُقْتَلُ بصَخْرَةٍ وَلا بِحَصَاةٍ خَفِيفَةٍ بَلْ بمَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَيُتِّقَى الْوَجْهُ، وَلا يُؤَخَّرُ لِمَرَضٍ بخِلافِ الْجَلْدِ
…
لأن العظام تشوِّه والصغار تعذب وهذا هو المشهور، قال ابن شعبان يرجم بأكبر حجر يقدر الرامي على رفعه ويتقي الوجه، لما رواه أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه"، ونص مالك على اتقاء الفرج، والمشهور أنه لا يحفر له، وفي الموازية يحفر له، ووقع في الحديث ما يدل على كلا الأمرين، وقيل: يحفر للمرأة فقط، وقيل: للمشهود عليه دون المقر به؛ لأنه إن رجع ترك.
اللخمي: ولا يضرب رجليه إذا لم يحفر له ولا ساقيه؛ لأنه تعذيب، وليس بقتل ويجرد على الرجل ولا تجرد المرأة، وإنما لم يؤخر لمرض لأن الغرض قتله بخلاف الجلد وهو واضح.
ويُنْتَظَرُ بهَا وَضْعُ الْحَمْلِ مُطْلَقاً، وَالاسْتِبْرَاءُ فِي ذَاتِ الزَّوْجِ
(مُطْلَقاً) أي: سواء كان رجماً أو جلداً لئلا يقتل ما في بطنها، فإذا وضعت أخرت في الجلد لنفاسها؛ لأنها مريضة، ولا تؤخر في الرجم إلا ألا يوجد من يرضع الطفل كما قدمه المصنف آخر كتاب الجراح، ولا تؤخر بدعواها الحمل بل ينظرها النساء، فإن صدقتها لم يعجل بذلك وإلا حدت، وهذا ظاهر إذا كان بعد الأربعة أشهر ونحوها، وأما في الشهرين فلا، فإن ابن القاسم قد أجاز في المدونة إذا مر لها منذ زنت شهران ترجم إذا قال النساء لا حمل بها.
اللخمي: وليس بالبين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه يكون نطفة أربعين يوماً وأربعين علقة وأربعين مضغة ثم ينفخ فيه الروح في الشهر الخامس، وأما إذا كان كذلك يمكن أن يكون في الشهور علقة، ولا يجوز أن يعمل حينئذ عملاً يوصل إلى إسقاطه ولا إلى فساد، كما لا يجوز للمرأة أن تشرب ماء يطرح به حينئذ، وأجاز اللخمي العمل على قول مالك.
ابن القاسم: بعد ثلاثة أشهر، قال: وإن لم يمض لها أربعين يوماً جاز إقامة الحد عليها الجلد أو الرجم إلا أن تكون ذات زوج، فإنه يسئل الزوج فإن قال: كنت استبرأتها أقيم عليها الحد ورجمت إن كانت ثيباً، [729/ب] وإن قال لم تستبرأ كان بالخيار بين أن يقيم بحقه في الماء الذي له فيها، فتؤخر حتى ينظر هل تحمل منه أم لا؟ أو يسقط حقه فتحد انتهى.
وقوله: (وَالاسْتِبْرَاءُ فِي ذَاتِ الزَّوْجِ) قد قدمنا كلام اللخمي الآن فيه.
ابن عبد السلام: انظر هل هي حيضة وهو الأقرب أو ثلاثة.
خليل: بل القاعدة أن الحرة لا تستبرأ إلا بثلاثة.
وَيُنْتَظَرُ بالْجَلْدِ اعْتِدَالُ الْهَوَاءِ، وَرُوِيَ: لا يُؤَخَّرُ فِي الْحَرِّ
أي: يؤخر في الجلد دون الرجم للحر والبرد المفرطين اللذين يخشى فيهما الهلاك، ونص مالك على البرد، وألحق به ابن القاسم في المدونة الحرَّ إذا كان يعرف خوفه، والرواية أنه لا يؤخر في الحَرَّ للموازية ورآه ليس بمتلف، وعلى هذا فالخلاف مبني على تخفيف العلة.
وَلا يُقِيمُ الْحَدَّ إِلا الْحَاكِمُ، وَالسَّيِّدُ فِي رَقِيقِهِ فِي حَدِّ الزِّنَى وَالْخَمْرِ وَالْقَذْفِ بالإِقْرَاِرِ، وَبالْبَيِّنَةِ، وَبظُهُورِ الْحَمْلِ
قوله: (إِلا الْحَاكِمُ) أي: في الأحرار والعبيد، قال في المدونة آخر كتاب الرجم: ولا ينبغي أن يقيم الحد ولاة المياه ليجلب ذلك إلى قضاة الأمصار ومصر كلها لا تقام فيها الحدود إلا بالفسطاط، أو يكتب إلى الفسطاط فيكتب إليه بأمره بإقامة ذلك. وقوله:(ولا ينبغي) الظاهر أنه على المنع، وقد عبر بعضهم بلا يجوز ولاة المياه السعاة لأنهم يسألون عن المياه، ويستثني في ذلك عبد للإنسان فإن لسيده أن يقيم عليه الحد لعدم التهمة في حقه؛ لما في الصحيحين سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمة إذا زنت ولم تحصن، قال:"إن زنت فاجلدوها ثم إ زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير"، ابن شهاب: لا أدري بعد الثالثةأوا لرابعة، والضفير الحبل، وروى أبو داود ع علي رضي الله عنه في جارية لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجرت، فقال له:"أقم عليها الحد وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم"، قوله:(فِي حَدِّ الزِّنَى وَالْقَذْفِ وَالْخَمْرِ) عائد على (السَّيِّدُ)، ويجلده في الخمر والفرية رجلين، وفي الزنى أربعة عدول، واحترز من السرقة وغيرها بألايقيمها إلا الوالي، قال في المدونة: لأن ذلك ذريعة إلى أن يمثل بعبده ويدعي أنه سرق.
وقوله: (بالإِقْرَارِ
…
إلخ) يعني: أن السيد يقيم على عبده بالطرق المذكروة في الحر.
وَفِي حَدِّهِ برُؤْيَةٍ قَوْلانِ
وفي حد السيد لعبده والقولان روايتان، مذهب المدونة أنه لا يقيمه بعلمه،
ومنشأ الخلاف هل هو حكم فلا يجوز بعلمه أو لا تهمة هنا، ولا خلاف ان له تأديبه في الجنايات بعلمه.
فَإِنْ كَانَ مُتَزَوِّجاً بِمَا لَيْسَ مِلْكاً لَهُ فَالإِمَامُ
يعني: فإن كان الرقيق متزوجاً بما ليس لسيده سواء كان متزوجاً بحرة أو بملك غير سيده، فليس حينئذ الإقامة لحق الآخر من الزوجين، وحق لسيده إن كان رقيقاً، ولا فرق بين أمته متزوجة بعبد الغير أو بالعكس، نص على الأولى في المدونة، ونص على الثانية التونسي، وفهم من كلامه أنه لو زوج أمته بعبده لكان له أن يقيم الحدودوهو كذلك.
وَيُقْتَلُ الْكَافِرُ يُكْرِهُ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ لِنَقْضِ العَهْدِ، وَفِي الأَمَةِ قَوْلانِ
المشهور أنه لا يقتل في الأمة، نعم يؤدب الأدب الشديد لأنه جنى على مال، والشاذ أظهر لأن الأمة تستغيث بالإسلام وهو منتهك لحرمته، ومقتضى تعليل المصنف بنقض العهد أن قتله مباح.
ابن عبد السلام: والذي يقول أهل المذهب ظاهره تحتم قتله، وهو ظاهر ما روي عن عمر رضي الله عنه، واختلف قول ابن القاسم هل يثبت هنا بشاهدين كغيره لما ينقض به العهد أو بأربعة؟ وإليه رجع ابن القاسم، قال: لا يقتل حتى يشهد عليه بالفعل أربعة شهود أنهم رأوه كالمرود في المكحلة لأنه لا يستوجب القتل إلا بالوطء وهو إنما يثبت بأربعة.
فائدة: لنقض العهد أسباب:
أولها إكراه النساء على الزنى. ثانيها: القتل. ثالثها: منع الجزية. رابعها: التمرد على الأحكام. خامسها: التطلع على عورات المسلمين، فإن أسلملم يقتل إذ قتله لنقض العهد لا للجلد، أما قطعهم الطريق أو القتل الموجب للقصاص فحكمهم فيه كالمسلمين.
وَأَمَّا فِي الطَّوْعِ فَالْعُقُوبَةُ
أي: في طوعها ولا إشكال في حدها وقد تقدم فيه ثلاثة أقوال.