المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الْقَذْفُ: وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى الزِّنَى وَاللَّوَاطِ وَالنَّفْيِ عَنِ الأَبِ - التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب - جـ ٨

[خليل بن إسحاق الجندي]

الفصل: ‌ ‌الْقَذْفُ: وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى الزِّنَى وَاللَّوَاطِ وَالنَّفْيِ عَنِ الأَبِ

‌الْقَذْفُ:

وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى الزِّنَى وَاللَّوَاطِ وَالنَّفْيِ عَنِ الأَبِ أَوِ الْجَدِّ لِغَيْرِ الْمَجْهُولِ بخِلافِ نَفْيِهِ عَنِ الأُمِّ

هو بالذال المعجمة وأصله الرمي إلى بعد، فكأنه رماه بما يبعد ولا يصلح، ومنه قيل للمنجنيق القاذف، وقد سماه الله رمياً فقال:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] ويسمى أيضاً فرية؛ لأنه من الافتراء والكذب، وهو من الكبائر بإجماع. ومفهومه في الشرع أخص منه في الفقه، ورسمه المصنف بالرسم المذكور وأتى بما يتناول اللفظ وما يقوم مقامه كالإشارة في حق الأخرس.

وقوله: (مَا يَدُلُّ) يحتمل بالصريح وعليه اقتصر ابن عبد السلام، ويحتمل ما يدل مطلقاص فيشمل التعريض ويكون التشبيه لبيان التعريض إن كان دالاً فكالصريح، وعطف اللواط على الزنى من عطف الخاص على العام لأنه نوع منه.

وقوله: (وَالنَّفْيِ عَنِ الأَبِ أَوِ الْجَدِّ) احترازاً من الأم كما سيأتي، أو لتنويع لا للشك؛ لأن الجد لا يقبل الشك.

وقوله: (لِغَيْرِ [730/أ] الْمَجْهُولِ)، وقع في بعض النسخ بالجيم والهاء، وكذلكقوع في نسخة ابن راشد، واحترز بذلك من المجهول كالمنبوذ، ففي العتبية عن مالك نفي الحد عمن قال لمنبوذ يا ابن الزانيةويؤدب. قال في البيان: لأن أمه لا تعرف، ولا حد على من قذف مجهولاً. قال: وكذلك لو قال له يا ابن الزاني. قال: وكذلك قال في الواضحة: لا حد على من قذف منبوذاً بأمه أو بأبيه، وأام إن قال له ولد زنى، فيجب عليه لاحتمال أن يكون أشده وإن كان قد نبذ. ووقع في بعض النسخ:(المحمول) بالحاء المهملة والميم ليحترز من المستبين، فإنه لا حد على من نفاه من أبيه، وقال: يا ولد زنى. قال أشهب، قال: لأن المجهولين لا يثبت أنسابهم ولا يتوارثون بها، وسئل في العتبية عن الرجل

ص: 257

الغريب يقال له يا ابن الزانية وهو لا يعرف أمه، قال مالك: أرى أن يضرب الحد إذا كان رجلاً مسلماً. وقد يقدم الرجل البلد فيقيم بها سنين من أهل خراسان فيقدمه الرجل ويقال له أقم البينة أن أمك حرة أو مسلمة.

مالك: ما أراد ذلك عليه ولكن أراد أن يضرب على قذفه، والظالم هو الذي يحمل عليه. قال في البيان: وهذا بين لأن أم الحر المسلم محمولة على الإسلام والحرية حتى يعلم خلافه، وإنما يحد إذا قال له: يا ابن الزانية إذا كانت أمه قد ماتت أو غائبة بعيد ةالغيبة، فلا حد عليها إلا بعد الإغرار. انتهى. وهذا أظهر مما قاله أشهب لأنا منعناهم التوارث لجهلنا بأنسابهم لا أنهم أولاد زنى، والمشهور أن توءمي المجهولة يتوارثان أشقاء، وزعم ابن عبد السلام أن النسخة الأولى تصحيف وليس بظاهر، لا يقال التعريف غير مانع لصدقه على المخاطب إذا كان غير عفيف أو عبد أو كافر، وليس بقذف لسقوط الحد؛ لأنا نقول كل هذا قذف وانتفاء الحد لانتفاء الشرط لا لانتفاء ماهية القذف.

بخِلافِ نَفْيِهِ عَنِ الأُمِّ

أي: بخلاف نفي المقذوف عن الأم، نحو لست لأمك، فهذا لا حد عليه، قاله مالك وأصحابه، وعلله بأن الأمومة منتفية فيعلم كذبه في نفيه عنها، فلا غضاضة عليه فيه، والأبوة ثابتة بالحكم وغلبة الظن، فلا يعلم كذبه في نفيه فتلحقه بذلك معرة، وأشار التونسي إلى استشكاله بأن فيه قذف الأب لن معناه أن غيرأمك وإلى ترك محمل أباه على غير أمه.

وَالتَّعْرِيضُ بذَلِكَ إِنْ كَانَ مَفْهُوماً كَالتَّصْرِيحِ مِثْلُ: أَمَّا إّذَا فَلَسْتُ بزَانٍ

(بِذَلِكَ) أي: زَنَّى أو لواطاً أو نفي عن أب أو جد كالتصريح في وجوب الحد، والمثال الذي ذكره خاص ببعض أنواع التعريض، وترك المصنف غير اختصار لأن ذلك

ص: 258

يفهم منه كقوله: أما أنا فلست بلائط وأنا معروف. واحترز المصنف بقوله: (إِنْ كَانَ مَفْهُوماً) ممن لا يفهم منه القذف.

عبد الوهاب: واختلف في اللفظ المحتمل للقذف والشتم إلى أيهما يرد على القولين. وفي اللخمي: إن صرح بالقذف أو عرض به حد، وإن شتم بلفظ القذف أو عرض به عوقب ولم يحد، وإن أِكل الأمر هل يراد بذلك القذف أم لا؟ حلف أنه لم يرد به قذفاً وعوقب، واختلف إذا نكل هل يحد أم لا؟ فأجراه مرة مجرى النكول عن أيمان التهم أنه يغرم ما نكل عنه، فقال هنا يحد، ورأى مرة أنه بخلاف المال ولا يؤخذ منه الحد. قال في المدونة: وإن قال لرجل يا فاسق يا فاجر نكل، وكذلك يا حمار، يا ابن حمار، يا ابن ثور، يا خنزير، فإن قال له يا خبيث، أحلف أنه لم يرد قذفاً ثم ينكل، فإن نكل عن اليمين لم يحد ونكل.

اللخمي: يريد ويزاد في نكاله وإن قال يا ابن الفاسقة ويا ابن الفاجرة نكل وإن قال يا ابن الخبيثة أحلف أنه ما أراد قذفاً، فإن نكل عن اليمين حبس حتى يحلف، فإن طال حبسه نكل ولم يره من التعريض. وقال أشهب في الموازية: إن قال: يا فاجر، يا فاسق، يا خبيث، فإن نكل حد.

محمد: ويحلف أنه لم يرد نفيه من أبيه ولا قذفاً لأبيه فإن نكل حد. وقال ابن الماجشون: يا ابن الفاسقة، يا ابن الفاجرة، يا ابن الخبيثة، ونكل حد. ومضى في ذلك على أصله أن قول ذلك للنساء أشد، إلا أنه عنده من الأمر المتردد ما يراد به القذف أم لا، وروى ابن القاسم أن قوله: يا ابن الخبيثة أشد من قوله: يا ابن الفاسقة؛ لأن الفسق الخروج عن الطاعة جملة ولا يختص بالفاحشة، والخبث يراد به الفاحشةن قال الله تعالى في قوم لوط {الَّتِي كَانَت تَعْمَلُ الْخَبَئِثَ} [الأنبياء: 37] ولم يحمل القائل على أنه أراد ذلك لأن العامة لا تعرفه، فلذلك استظهر عليه باليمين، قال في البيان: أما إن قال: يا خبيث الفرج فلا إشكال أنه يحد.

ص: 259

فرع: ويستثنى من سقوط الحد بالتعريض الأب فإنه لا حد عليه فيه، نص عليه مالك. وفي المدونة: إذا عرض بزوجته ففيه الحد. واختلف في ذلك، وأما الشاعر أعرض في شعره فلمالك في العتبية: لا حد عليه إلا ان يكون بيناً جدًّا. قال في البيان: ورأيت لأبي بكر بن محمد أنه يعتبر شعره فإن كان فيه تعريض حد. وكأنه تأول ما لمالك في العتبية على سقوط الحد مطلقاً، وليس بتأويل صحيح لأنه نص على أنه الحد إذا كان [730/ب] الشيء إليه، وإنما يشترط ألا يحد إلا أن يكون ذلك قولاً بيناً، فليس قول مالك مخالفاً لأصله في إيجاب الحد بالتعريض، وأسقط أبو حنيفة والشافعي الحد في التعريض مطلقاً لجواز التعريض في النكاح، وفيه نظر؛ لأنه كان يلزم عليه جواز التعريض بالقذف، ودليلنا ما روي في الموطأ أن رجلين تسابَّا في زمان عمر رضي الله عنه، فقال أحدهما للآخر: والله ما أنا بزان ولا أمي زانية. واستشار في ذلك عمر، فقال قائل: مدح أباه وأمه. وقال آخرون: وقد كان لأمه وأبهي مدح غير هذا، نرىن نجلده الحد. فجلده عمر الحد ثمانين. وروي أن عمر رضي الله عنه جلد في التعريض وقال رحمه الله: لا تداعى جوانبه. وبه قال ابن مسعود وعمر بن عبد العزيز. ولسنا إنا نحن متعبدون بالمعاني، ولو تسابَّ رجلان فقال أحدهما: ابن الفاعلة الصانعة العفيفة التي لم تزن قط. لفهم منه نطقاً فيهما بالزنى، بل هو أ [لغ من قوله: يا ابن الزانية.

اللخمي: ويجب الحد إذا قال: ما يطعن في فرجي بشيء وإني لعفيف الفرج أو أنك لعفيف الفرج، وإن لم يذكر الفرج، وقال: إني عفيف أو ما أنت عفيف أو عفيفة، افترق الجواب، فإن قال ذلك لرجل أحلف أنه لم يرد قذفاً ولم يحد. وهو قول مالك وعبد الملك، واختلف إذا قال ذلك لامرأة، فقال مالك: يعاقب ولا يحد. وقال عبد الملك: ولو قال ذلك لرجل إلا أن يدعي أنه عفيف في المكسب والمعظم، فيحلف ولا حد عليه وينكل. قال: لأن المرأة لا يعرض عليها بالعقاب إلا بالفرج، والرجل يعرض له في غيره.

ص: 260

يحيى بن عمر: وإن قال لامرأته يا مخبث فعليه الحد.

ابن الماجشون: وإن قال لرجل يا مأبون وهو رجل في كلامه تأنيث ويضرب بالكبر ويلعب في الأعراس ويتهم بما قيل له فيما يخرجه عن الحد، واختلف إذا قال لرجلٍ يا مخنث، قال مالك في المدونة: احلف ما أراد قذفاً وينكل، فإن نكل حد. وفي الموازية: إن كان في المقول له تصنع في يديه أو من عمل النساء شيء أو لين الكلام، أحلف ما أراد غيره إن كان بريئاً من ذلك ولا شيء فيه منه حد القائل. وحمل اللخمي ما في الموازية على الخلاف وحمله غيره على التفسير بما في المدونة. وإن قال: يا ابن منزلة الركبان. ففي الواضحة: يحد. وكذلك إن قال يا ابن ذات الراية، وإن قامت فلانة في أعكانها حد عند ابن القاسم خلافاً لأشهب. وفي الموازية: من قال لرجل: يا ابن زانٍ، جلد لزوجته إن طلبت لأن القرنان عند الناس زوج الفاعلة، وقاله ابن القاسم في غير الموازية، ولم يرمِ فزعم فيه الحد، وقال يجلد عشرين سوطاً.

وَالْكِنَايَةُ كَذَلِكَ مِثْلُ: يَا نَبَطِيُّ، أَوْ مَا أَنْتَ بحُرٍّ، أَوْ يَا رُومِيُّ، أَوْ يَا فَارِسِيُّ لِعَرَبِيِّ بخِلافِ الْعَكْسِ

الجوهري: الكناية أن يتكلم بشيء ويريد به غيره. وفي تلخيص المفتاح: الكناية: لفظ أريد به لازم معناه مع جواز إرادته معه. والمصنف رحمه الله لما رأى أن التعيرض خلاف الكناية عند علماء البيان، ورأى أن أهل المذهب لم يفرقوا بينهما لكونهم لم يقسموا القذف إلا إلى صريح وتعريض، تبع في ذلك علماء البيان، وأِعر ذلك بمعرفة هذا الفن وبعدم ارتضائه قول الفقهاء، وليس ذلك بمجرد مخالفتهم أصحاب علم البيان، فإن هذا يرجع إلى الخلاف في الاصطلاح وطائل تحت، ولكن لأن دلالة التعريض أقوى من الكناية، والوارد عن عمر رضي الله عنه إنما هو في التعريض وهو أصل هذا الباب، فلا يصح قياس الكناية عليه. ومثل المصنف بقوله:(أَنْتَ بحُرَّ، أَوْ يَا رُومِيُّ، أَوْ يَا فَارِسِيُّ لِعَرَبِيٍّ)؛

ص: 261

لأنه قطع نسبه بخلاف العكس- أعني: إذا قال للرومي والفارسي يا عربي- فإن العرب في هذا ليس قطع النسب بل الثناء على المغلظ بصفات العرب مثل الشجاعة والسخاء وغير ذلك.

فرع: ولو قال يا ابن اليهود أو النصراني، فقال ابن القاسم: يحد إلا أن يكون في آبائه أحد كذلك. وقال أِهب: لا حد عليه إذا حلف أنه لم يرَ نفيه.

اللخمي: وحمل قوله أن أباك الذي تنسب إليه الآن يهودي أو نصراني. وكذلك إذا قال: يا ابن الأقطع، يا ابن الأعور، يا ابن الأحمق، يا ابن الأزرق، يا ابن الآدم، وليس أبوه كذلك، فقال ابن القاسم: يحد لأنه حمل أباه على غير أمه. وعلى قول أشهب لا يحد إذا حلف، واختلف إذا قال يا ابن الحجام او يا ابن الخياط أو غير ذلك من الصنائع وليس في آبائه من يعمل ذلك، فلمالك في المدونة من رواية ابن القاسم: إن كان المقول له ذلك من العرب حد، وإن كان من الموالي فلا حد عليه، ويحلف بالله ما أراد قطع نسبه ويعزر. وروى ابن حبيب عنه يحد فيهما. وقال أشهب: لا حد فيهما إذا حلف أنه لم يرد نفيه من آبائه. قال: وإنما ذلك كقوله: أبوك الذي ولدك حجام أو حائك

وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي مِثْلِ: يَا فَارِسِيُّ وَشِبْهِهِ لِرُومِيِّ وَشِبْهِهِ

الضمير في (قَوْلُهُ) عائد على مالك والخلاف في المدونة، لكن إنما حكاه فيمن نسب جنساً من البيض إلى جنس من السودان، واختار ابن القاسم نفي الحد، وزاد: إلا أن يقول يا ابن الأسود وليس في آبائه الأسود. وفي الجواهر: فيمن قال لرومي يا فارسي، ولفارسي يا رومي أن عليه الحد. وفيه نظر؛ فقد حكى في البيان [731/أ] الاتفاق على أنه لا حد على من نسب أحداً من البيض من البربر والفرس والقبط إلى غير جنسه من البيض كلهم، أعني في غير العرب ولذلك إذا نسب جنساً من أجناس السودان إلى غيره

ص: 262

من أجناس السود كالحبس والنوبة باتفاق؛ لأن غير العرب لا يحفظون أنسابهم كالعرب، قال: واختلف إذا نسب أحداً من أجناس البيض إلى جنس من أجناس السودان أو بالعكس على ثلاثة أقوال:

الأول: نفي الحد، وهومذهب مالك الذي أخذ به ابن القاسم في المدونة.

والثاني: أن عليه الحد في ذلك كله إلا أن يكون المقول له أسود أو ابن أسود، وإن كان من جنس البيض فيقول له يا ابن النوبي، أو يا ابن الحبشي، وهذا مذهب ابن الماجشون في الواضحة.

الثالث: أنه لو قال البربري يا فارسي، أو قبطي يا حبشي أو يا نوبي، فعليه إلا أن يكون أسود أو في أقاربه أسود، وإن قال لحبشي أو نوبي يا بربري أو يا فارسي أو قبطي أو يا نبطي فلا حد عليه، وهذا يأتي على أحد قولي مالك في المدونة في وجوب الحد على الذي يقول لبربري أو رومي يا حبشي، أن عليه الحد، قال وأما العرب فإنها تحفظ أنسابها، فمن نسب أحداً من العرب إلى غير العرب، أو نسب أحداً منهمإلى غير قبيلته فعليه الحد قولاً واحداً، أو قريش من العرب والعرب ليست من قريش، فمن قال لقرشي: يا عربي لم يحد، ومن قال لعربي: يا قرشي حد. وكذلك كل قبيلتين يجمعهما أب واحد يحد من نسب أحداً من القبيلة الأعلى إلى القبيلة الأدنى، ولا يحد من نسب أحداً من القبيلة الأدنى إلى القبيلة الأعلى. انتهى.

وَفِي مِثْلِ: زَنَتْ عَيْنُكَ، أَوْ يَدُكَ، أَوْ رِجْلُكَ، الحَدُّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا عِنْدَ أَشْهَبَ

فقول ابن القاسم في المدونة وجوب الحد، والخلاف مبني على أنه هل هو من التعريض أم لا؟ واستحسن اللخمي قول ابن القاسم، قال: إلا أن يكون بإثر ما تكلم بباطل أو يظن بذل أو سعى فيه، وادعى أنه إنما أراد ذلكفإنه يحلف ولا يحد. واختار

ص: 263

جماعة قول أشهب لإضافته عليه الصلاةوالسالم الزنى إلى هذه ثم قال: "والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" فأخبر أن زنا هذه الأعضاء كالزنى، لكن الشاتم لم ينفِ الزنى عن الفرج كما في الحديث، واتفق ابن القاسم وأشهب على الحد إذا قال: زنى فرجك.

وَفِي مَالِكٍ أَصْلٌ وَلا فَصْلٌ ثَالِثُهَا: إِنْ كَانَ مِنَ الْعَرَبِ حُدَّ لَهُ

والحد لأصبغ وهو مقتضى اللفظ؛ لأنه أصله هذا أبوه وقد نفاه عنه ونفيه لمالك، ورأى ان المقصود نفي الشرف فقط، والقول الثالث جنس لأن غير العرب لايحافظ على نسبه. وقال ابن الماجشون: إن قاله في مشاتمة فإن لم يكن من العرب ففيه الأدب الخفيف مع السجن، وإن قال العربي حد إلا أن يعذر بجهالة، فيحلف ما أراد قطع نسبه وعليه ما على من قاله لغير عربي، وإن لم يحلف حد.

وَلَوْ قَالَ ابْنُ عَمِّ أَوْ مَوْلَى لِعَرَبِيٍّ: أَنَا خَيْرٌ مِنْكَ - قَوْلانِ

أي: ولو قال ابن عم لابن عمه أنا خير منك، أو قال ذلك من العرب فقولان، وقد ذكرهما ابن شعبان واختار الوجوب فيهما والأقرب خلافه؛ لأن الأفضلية قد تكون في الدين والخلق أو الجميع إلى غير ذلك، إلا أن يدل البساط على إرادة النسب، وحكى في البيان ثالثاً: إن قال: خير منك نسباً حد، وإن لم يقل نسباً وقال: حسباً عليه الأدب فقط، وهو مذهب أبي حازم، وفيه نظر. وقال مطرف وابن الماجشون: يحد. قالا: وكأنه قال لست من العرب إلا أن يريد: خير منك عند الله، ومثله يشبه فيحلف ولا يحد. وقاله أصبغ، ولمالك في العتبية في مولى قال لعربي أنا خير منك وأقرب نسباً برسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حد في هذا.

وَقَوْلُ: "لا أَبَ لَكَ" مُغْتَفَرٌ إِلا فِي الْمُشَاتَمَةِ فَيَحْلِفُ

نحوه لمالك في العتبية والموازية أنه لا شيء عليه. قال: إلا أن يريد النفي وهو مما يقوله الناس في الرضا. قال في الموازية: وأما في المشاتمة والغضب فذلك شديد ويحلف ما أراد نفيه.

ص: 264

وَلَوْ نَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ فِي الْمُشَاتَمَةِ لَمْ يُحَدَّ إلا ببَيَانِ الْقَذْفِ، بخِلافِ عَمِّهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: يُحَدُّ فِيهِمَا. وقَالَ أَصْبَغُ: لا يُحَدُّ فِيهِمَا، بخِلافِ خَالِهِ وَزَوْجِ أُمَّهِ

(جَدِّهِ) يشمل الجد للأب والأم، ونص في المدونة عليهما.

وقوله: (فِي الْمُشَاتَمَةِ) يؤخذ منه أن الحكم في غيرها من باب أولى.

وقوله: (إِلا ببَيَانِ الْقَذْفِ) هذا، قال في الموازية: قال مثل أن يتهم الجد بأمه.

وقوله: (بخِلافِ عَمِّهِ) أي: فيحد، وهذا في الموازية، والفرق بينهما أن الجد أب، وقال أشهب: يحد في جده وعمه بشرط أن يكون في مشاتمة لا إن لم يكن فيهما. ولا يؤخذ من كلام المصنف تقييد قول أشهب بالمشاتمة، إلا أن يقال هو فرض المسألة في المشاتمة. صاحب النوادر والباجي واللخمي وابن يونس وابن شاس، قاله أصبغ، واحتج بقول الله تعالى:{نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَءَابَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَعِيلَ وَإِسْحَقَ} [البقرة: 133] وأظن أن ما نسبه المصنف لأصبغ وهم.

وقوله: (بخِلافِ خَالِهِ وَزَوْجِ أُمِّهِ) أي: فإنه يحد اتفاقاً وهذا كله إذا نسبه لغير أبيه لا على وجه الاستفهام، وأما إن كان على وجه الاستفهام فلا إشكال في نفي الحد.

فَلَوْ قَالَ: يَا زَانِيَةُ. فَقَالَتْ: [731/ب] بكَ زَنَيْتُ. فَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهَا حَدُّ الزِّنَى وَالْقَذْفِ دُونَهُ لأَنَّهَا صَدَّقَتْهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إِلا أَنْ تَقُولَ: قَصَدْتُ الْمُجَاوَبَةَ فَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ دُونَهَا. وَقَالَ أَصْبَغُ: يُحَدَّانِ حَدِّ الْقَذْفِ، كَمَا لَوْ قَالَتْ: أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي

الأول: مذهب المدونة قال: إلا أن ترجع عن حد الزنى فعليها حد القذف؛ لأنها صدقته. وقال أشهب: عليها حد الزنى وحد القذف إلا أن تقول: قصدت المجاوبة، فيحد الرجل للقذف ولا تحد هي لقذف ولا زنا. وقال أصبغ: يحدان للقذف وليس لأحدهما الرجوع؛ أن قولها ليس بتصديق لكن ذلك رد عليه.

ص: 265

وقوله: (كَمَا لَوْ قَالَتْ: أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي) هي حجة ظاهرة لأصبغ إن وافقوه على الحكم فيها. وقد نقل في الموازية عن مالك مثل قول أصبغ، وقاله ربيعة وخالفهما ابن شهاب، وقال ذلك قذف وإقرار على نفسه بالزنى كالقول المتقدم.

وقول المصنف: (يَا زَانِيَةُ) تقديره قال لامرأة يا زانية وهكذا قال في المدونة، وظاهره أنه لا فرق مع ذلك بين زوجة ولا أجنبية، وفرق بينهما ابن القاسم في رواية يحيى في العتبية، فقال في الأجنبية كما في المدونة، وقال في الزوجة لا أرى عليها شيئاً لأنها تقول أردت إصابته إياي بالنكاح، فيدرأ عنها الحد ولا يد منها إقراراً بالزنى. قال عنه عيسى: أو يجلد الزوج الحد إلا أن يلاعن.

ابن رشد: وهو مبني على أحد القولين في اللعان بمجرد القذف. وقال عيسى: لا حد ولا لعان. واختلف فيمن قال لرجل يا ابن الزانية، فقال الآخر: أخزى الله ابن الزانية. فقال ابن القاسم: يحلف المجاوب ما أراد قذفاً وإن لم يحلف سجن حتى يحلف. وقال أصبغ: تعريض، ويحدان جميعاً. وفي المدونة: إذا قال حر لعبد يا زاني، فقال له العبد بل أنت، نكل الحر وجلد العبد جلد الفرية أربعين. ولابن القاسم في غير المدونة: من قال لنصراني: يا ابن الفاعلة، فقال له النصراني: أخزى الله ابن الفاعلة، فيحلف النصراني ما أردت قذفه، فإن نكل سجن حتى يحلف. وقال أصبغ: يحد النصراني لأنه جواب المشاتمة ويعاقب المسلم. قال: ومن قال لجرل يا حمق فقال له: أحمقنا ابن الزانية، فهو قذف من قائله لأنه جواب الشتم واستتاراً عن القذف بذكر الحمق، وسواء كان المقول له أحمق أو حليماً.

وَلَوْ قَالَ: زَنَيْتِ مُسْتَكْرَهَةً حُدَّ، وَلاعَنَ فِي الزَّوْجَةِ فَإِنْ أَتَى ببَيِّنَةٍ عَلَى الإِكْرَاهِ لَمْ يُحَدَّ

أي: حد في الأجنبية ولاعن في الزوجة، فإن أقام بينة على الإكراه سقط الحد، هذا مذهب المدونة. وفي الموازية: يحد وإن أقامت البينة لأنها ليست بذلك زانية وإنما يقال زنى

ص: 266

بها. ورأى أن ذلك تعريض لها بالزنى طوعاً، والأول أبين لأن ذلك مما لا تميزه العامة، وإن قال لزوجته: زنيت وأنت صبية أو كافرة، أو قال يا زانية، وقال أردت أنها فعلت ذلك قبل البلوغ والإسلام، فقال ابن القاسم في الكتاب: يحد قائل ذلك أثبت ما قاله ببينة أم لا. وقال عبد الملك: إن أثبت ذلك ببينة لم يحد وإلا حد. وقال أشهب مثل ذلك، إذا قال لزوجته يلاعن لأنه قاذف أو معرض. وعلى قول أشهب وعبد الملك كاللعان عليه إذا أثبت ما رماها به وهو أحسن، ولم يذكر ابن القاسم صفة لعانه، ويشبه أن يكون لعانه أن يشهد أربع شهادات أنه لم يرد تعريضاً ولم يرد إلا ما أثبت أنه كان في الصبا أو في الكفر، لا علم لهذه بغير ذلك ثم لا يكون عليها لعان لأنها لم تثبت أنه كان منها وهي في عصمته شيء ولا ادعاه لها إن قال لعبد أو أمة قد عتقا قد زنيتما في حال رقكما، أو قال لهما يا زانيان، ثم أقام بينة أنهما زنيا في الرق لم يحد القاذف، وحدًّا لأن اسم الزنى في الرق لازم لهما ويلزم فاعله الحد، بخلاف قوله زنيت وأنت نصرانية أو صبية.

وَلَوْ قَالَ لِجَمَاعَةٍ: أَحَدُكُمْ زَانٍ لَمْ يُحَدَّ وَلَوْ قَالَ الْجَمِيعُ

هكذا ذكر ابن المواز ولم يعين قائله. بل قال: قيل: واستبعده.

ابن رشد: إذا قام عليه الجميع لأنهيعلم أنه قال لأحدهم ولا حج له، قال وجهه على بعد أن المقذوف لما لم يعلم من هو منهم لم يحد؛ لأن الحد إنما هو إسقاط المعرة عن المقذوف، والمعرة لم تلحق واحداًمنهم فيحد له، ولا بجميعهم إذا لم يقذف واحداً.

وَلَوْ قَالَ: يَا زَوْجَ الزَّانِيَةِ. وَلَهُ امْرَأَتَانِ فَعَفَتْ إِحْدَاهُمَا وَقَامَتِ الأُخَرَى حَلَفَ مَا أَرَادَهَا، فَإِنْ نَكَلَ حُدَّ، فَقِيلَ: اخْتِلافٌ، وَقِيلَ: بالْفَرْقِ بَيْنَ الاثْنَيْنِ وَمَا قَارَبَهُمَا، وَبَيْنَ الْكَثِيرِ

هكذا قال في العتبية والواضحة، قال في البيان: وهكذا لو كانت له امرأة واحدة وقامت لكان القول قوله مع يمينه أنه إنما أراد البينة، وعارض الباجي هذه المسألة بالمسألة

ص: 267

التي قبلها، قال: ويحمل أن تكون الجماعة في المسألة الأولى خرجوا بكثرتهم من ذها التعيين، وأن الاثنين في مسألة العتبية وما قارب من ذلك في حيز العين، ويحتمل أن يكون اختلافاً، وعلى هذا فقول المصنف فقيل ليس بظاهر؛ لأن الباجي إنما ذكر احتمالين، وقد نقل ابن شاس كلام الباجي نقلاً حسناً، والله أعلم.

وَلَوْ قَالَ: أَنَا نَدْلٌ أَوْ نَغِلٌ أَوْ وَلَدُ زِنّى لَقَذَفَ أُمَّهُ

الجوهري: الندالة: [732/أ] السفالة، وقد ندل - بالضم- فهو ندل، ونديل فهو خسيس، وعلى هذا فيكون ندل من باب التعريض، ونغل- بكسر الغين المعجمة-:

الجوهري: وفلان نغل أي فاسد النسب، والعامة تقول نغل. وقال الزبيدي: النغل هو ولد الزانية. وهذهالمسألة نقلها ابن شاس عن القاضي أبي عبد الله بن هارون المالكي البصري وهي ظاهرة.

ابن عبد السلام: وطرد التعليل يقتضي أن من قال لرجل ولد زنا وأنت ولد زنا، ثم عفا المقول له ذلك عن القاذف فإن للأم القيام بحقها.

وَيُحَدُّ الأَبُ لِوَلَدِهِ، وَاسْتَثْقَلَهُ مَالِكٌ، وَقَالَ أَصْبَغُ: لا يُحَدُّ، وَعَلَى الْحَدِّ يُفَسَّقُ

الأول: نقله الباجي عن مالك وأصحابه، ويقول أصبغ قال ابن حبيب، وهو كقول أشهب أن الأب لا يقتل بابنه.

فقال: وقوله: (وَاسْتَثْقَلَهُ مَالِكٌ) ظاهره الكراهة ويحتمل المنع لقوله في تمام الرواية ليس ذلكمن البر، فيكون كقول أصبغ على الحد فيفسق وتسقط عدالته. واستشكل ذلك؛ لأن تفسيقه يقتضي أن يكون معصية، وكيف يحكم له الحاكم بالمعصية. وقيل: بالتحليف أن له أن يحلفه ولا يكون جرحة، فانظر هل يأتي هذا القول هنا.

ص: 268

وَلَوْ قَالَ فِي مُنَازَعَةٍ: لَسْتَ بابْنِي حَلَفَ بخِلافِ غَيْرِهِ

هذه المسألة في المدونة وغيرها ففيها: وإن قال أنه ليس بولدي وقبلت الأم أو غيرها الحد، وقد كان فارقها أبوه، فإن حلف أنه لم يرد قذفاً وأنه أراد قلة طاعته لهم لم يحد، وإن نكل حد، وإن كانت الأم حيث كان القيام لها دون بنيها، وأخذ الباجي منها أن الحد ثابت إن لم تحلف.

خليل: وقد نص عليه في المدونة كما ذكر الباجي، ولو عفا بعضهم لكان لبقيتهم القيام، والمذهب كذلك بخلاف الدم؛ لأن الدم عوضاً وهو المال فلا يبطل حق من لم يعف مطلقاً؛ لأنه وإن بطل في الدم لم يبطل في عوضه، وأما الحد فلا عوض عنه.

قال: وقوله: (بخِلافِ غَيْرِهِ) أي: بخلاف غير الأب إذا قال في منازعة لست بابن فلان سواء كان من الأقارب أم لا كالجد والعم والخال، قال في الموازية: فإنهم يحدون، قال في المدونة والعتبية: وأما إن شتموه فلا شيء عليهم إذا كان على وجه الأدب، وكأنه لم يرى الأخ مثلهم إذا شتمه، قال في البيان: يريد إذا قرب منه في السن، وأما إن كان له عليه من الفضل والسن والعقل والسواد ما يشبه أن يكون شتمه إياه أدباً فهو كالجد والعم والخال.

ابن عبد السلام: ويحتمل أن يعود قوله: (بخِلافِ غَيْرِهِ) على التنازع؛ أي: إنما تقبل منه اليمين وسقط عنه الحد في التنازع لأنه قرينة في عصيان الابن لأبيه، وأما إن لم يكن تنازع فلا يقبل منه ذلك ويحد، وظاهر المدونة سقوط الحد عنه مطلقاً.

وَالْمُلاعَنَةُ وَابْنُهَا كَغَيْرِهِا

أي: لو قال للملاعنة يا زانية حد كغيرها، ولو قال لولدها يا ابن زنى حد له؛ لأن الملاعنة لم يثبت زناها.

ص: 269

وَمُوجَبُهُ ثَمَانُونَ جَلَدَةً عَلَى الْحُرِّ وَنِصْفُهَا عَلَى الرَّقِيقِ

أي: الذي يوجبه القذف ثمانون بنص القرآن ونصفها على الرقيق، يعني كاملة ومبعضة، لقوله تعالى:{فَعلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتٍ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وألحق الذكر بالأنثى بقياس ألا فارق، وفي كتاب ابن شعبان على العبد ثمانون إذا قذف حرَّاً؛ لأن الحد للمفعول له، واختاره اللخمي.

وَشَرْطُهُ فِي الْقَاذِفِ التَّكْلِيفُ، وَفِي الْمَقْذُوفِ الإِحْصَانُ؛ وَهُوَ الْبُلُوغُ، وَالإِسْلامُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْعَفَافُ، وَيُخْتَصُّ الْبُلُوغُ وَالْعَفَافُ بغَيْرِ الْمَنْفِيِّ، وَإِطَاقَةُ الْوَطْءِ فِي الْمَقْذُوفَةِ كَالْبُلُوغِ

قال في التلقين: يراعى في ذلك تسع خصال؛ اثنان في القاذف وخمسة في المقذوف واثنان في الشيء المقذوف به، فما يراعى في المقذوف فالعقل والبلوغ والإسلام والحرية والعفة عما رمي به، ويختلف حكم البلوغ في المقذوف بالذكورة والأنوثة، فيراعى في الذكر بلوغ التكليف، وفي الأنثى إطاقة الوطء، وأما ما يراعى في المقذوف به فشيئان أن يكون القاذف بالوطء يلزمه الحد وهو الزنى واللواط أو نفي نسب للمقذوف عن أبيه فقط. انتهى.

فقوله: (وَشَرْطُهُ فِي الْقَاذِفِ التَّكْلِيفُ) أي: أن يكون بالغاً عاقلاً فلذلكيحد الكافر؛ لأنه وإن لم يكن مكلفاً بالفروع على أحد القولين فهو مكلف بالإيمان إجماعاً، وروي أن الكافر ينكل من غير تحديد.

ابن عبد البر: والأول أصح. واختلف في الحربي، فقال ابن القاسم: يحد. وقال أشهب: لا حد عليه.

(وَفِي الْمَقْذُوفِ الإِحْصَانُ

إلخ) ظاهر التصور، ومنه تعلم أن الإحصان هنا خلاف الإحصان المشترط في الرجم، إذ لا يشترط العقد الصحيح اللازم والوطء المباح.

ص: 270

وقوله: (وَيُخْتَصُّ الْبُلُوغُ وَالْعَفَافُ بغَيْرِ الْمَنْفِيِّ) إذا رمي بزنّى أو لواطن وأما إذا نفي فلا فرق بين أن يكون بالغاً أو لا، عفيفاً أو لا، والظاهر أنه إنما يشترط البلوغ في اللواط إذا كنا فاعلاً، وأما إذا كن مفعولاً به فلا، وهو أولى من الثيب في ذلك. قاله أبو محمد صالح وغيره، وما ذكره [732/ب] المصنف من إطاقة الوطء في المقذوفة كالبلوغ هو المشهور، وقال محمد بن عبد الحكم وابن الجهم: لا حد.

ابن عبد البر: ولا يكلف المقذوف إقامة البينة على حرابة أمه ولا عفافها، فإن أقام القاذف البينة على ما يسقط به الحد من رق المرأة أو كفرها أو أنها زانية وإلا حد حدَّ القذف. ونفي المصنف في المقذوف اشتراط العقل وأن تكون معه آلة الوطء، فلا حد على من قذف مجنوناً إذا كان جنونه من حين بلوغه إلى حين قذفه لا تتخلله إفاقة.

اللخمي: لأنه معرة عليه لو صح فإن ذلك منه. وأما إن بلغ صحيحاً ثم جن أو كان يجن ويفيق، فإن قاذفه يحد، وكذلك المجبوب إذا كان جبه قبل بلوغه لأنه مما يعلم كذب قاذفه فلم تلحقه معرة، وإن كان حبه بعد البلوغ حد، وكذلك الخصي الذي ليس معه آلة النساء.

وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَنْفِيِّ شَرْطُ مَنْ يُحَدُّ قَاذِفُهُ إِلا فِي أَبَوَيْهِ لأَنَّ الْحَدَّ لَهُ؛ وَلِذَلِكَ لَوْ فُرِّقَ بَيْنَ يَا ابْنَ الزَّانِي أَوِ الزَّانِيَةِ وَبَيْنَ يَا ابْنَ زَنْيَةٍ

شرط من يحد قاذفه إنما يشترط فيه الإسلام والحرية، وأما البلوغ والعفاف فقد ذكر أنهم يختصان بغيره، وذكرنا نحن أن العقل مساو لهما، فلذلك إذا قال لحر مسلم وهو ابن كافرين أو رفيقين يا ابن الزاني أو الزانية لا حد عليه لأنه لم ينفه، وإنما قذف عبدين أو كافرين، وحد القائل له يا ابن زنية لأنه نفاه عن نسبه وهو حر مسلم، ويستثنى من هذا الصحابي. قيل: قال ابن شعبان أن من قذف أم أحدهم وهي كافرة حد حد الفرية لأنه سب له، فإن كان أحد من ولد هذا الصحابي حياً قام بما يجب له وإلا ممن قاربه من المسلمين، فعلى الإمام قبول قيامه. قال: لويس هذا لحقوق غير الصحابة لحرمة هؤلاء

ص: 271

بينهم. قال: وإن قال في واحد منهم أنه ابن زانية وأمه مسلمة، حد عند بعض أصحابنا حدين؛ حداً له وحداً لأمه، ولا أجعله كقاذف الجماعة في كلمةٍ لفضل هذا على غيره.

اللخمي: وإن كان الأبوان حرين مسلمين والولد كذلك، فقال رجل للولد لست لأبيك، حد للولد لقطع نسبه، وللأم لأنه قذفها، فإن عفا أحدهما فإن الآخر علىحقه، ويجزئ في ذلك حد واحد على قول مالك، وهو بمنزلة من قذف رجلاً وقطع نسب آخر، وإن كان الابن وحده حد القائل لقطع النسب وحده، وإن كان عفا لم يكن لأحد أبويه قيام ونكل لهما، وإن فات قبل أن يقوم، أو قيل ذلك له بعد موته كان الحق لأبيه يقوم بحده، وإن كانت الأم وحدها حرة كان الحق له خاصة لقذفها، وإن كان الأب وحده حراً لم يكن لواحد منهما قيام؛ لأنه قطع نسباً عنه وقذف ابنه، وإن كان الأب وحده حراً لم يكن لواحد منهما قيام؛ لأنه قطع نسباً عنه وقذف ابنه، وإن كان الابن والأم حرين حد لهما، وإن كان الابن والأب حرين حد لقطع النسب خاصة، وإن كان الأبوان حرينحد لقذف الأم خاصة، وإن عفت لم يكن للأب في ذلك مقال. قال: وهذا هو الصحيح من المذهب. وقداختلف في الوجه الذي يقصده القاطع النسب ما هو، فقيل: ذلك لأن الأم زنت به، وألحقته بهذا الأب. وقيل: لأن الأب زنى به مع غيرها التي يقول أنها ولدته وقيل: إن ذلك من غير زنَّى، ويحتمل أن يكون أتى به ولم تلده. ثم تمادى اللخمي في هذا الكلام واقتصرنا على هذا لئلا نبعد عن كلام المصنف.

وَالْعَفَافُ أَنْ لا يَكُونَ مَعْرُوفاً بمَوَضِعِ الزِّنَى بخِلافِ السَّارِقِ وَالشَّارِبِ وَشِبْهِهِ

هكذا نقل في الجواهر عن الأستاذ، فقال: ومعنى العفاف ألا يكون معروفاً بالعلل ومواضع الفساد والزنى، فلو قذف معروفاً بالظلم والغصب والسرقة وشرب الخمر وأكل الربا والقذف يحد له إذا كان غير معروف بما ذكرنا ولم يثبت عله ما رمي به، فإن ثبت أو كان معروفاً بذلك لم يحد قاذفه.

ابن عبد السلام وغيره: ومقتضى مسائل المذهب خلافه، وأنه لا يخرجه من الحد إلا أن يكون ممن حد في الزنى أو ثبت عليه في الزنى وإن لم يحد له. واختلف إذا أقام شاهدين

ص: 272

على إقراره بالزنى بناء على أنه هل يثبت الإقرار بمعنى هذين أم لا، وهذا في ظاهر الحكم، وأما الباطن في المدونة أن المقذوف إذا كان يعلم من نفسه أنه زنّى جاز أن يقوم بحد القذف. وقال ابن عبد الحكم: لا يجوز له القيام به. وقال ابن القاسم: إن كان المقذوف يعلم أن القاذف اطلع على زنّى وتحققه فقذفه لأجل ذلك، لم يكن للمقذوف أن يقوم بحقه. واختار بعضهم قول ابن عبد الحكم.

وَيَسْقَطُ الإِحْصَانُ بثُبُوتِ كُلِّ وَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ الْقَذْفِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ كَانَ عَدْلاً

قوله: (وَيَسْقُطُ الإِحْصَانُ) أي: المشترط هنا لا في الرجم بثبوت كل وطء يوجب الحد، فيخرج وطء البهيمة ووطء الشبهة، ووطء الشبهة قبل القذف أو بعده، ولا يعود إليه الإحصان. وإمكان الإحصان مركب من أربعة أوصاف، لزم انعدامه بانعدام وصف منها، وإنما خص المصنف- والله أعلم- الكلام بما يضاد. ووصف العفاف لأن ما عداه من الأوصاف وهي الصغر والكبر والرق بفرضية الزوال بخلاف سقوط العفاف بوجود الزنى فإنه لازم، فإنه لا يعود بعده أبداً ولو تاب المقذوف وحسنت حالته، وهو مراد المصنف بقوله:(وَلَوْ كَانَ عَدْلاً) فكان بمعنى صار. ابن عبد السلام: وقوله: (بثُبُوتِ) يقتضي أنه لا يسقط [733/أ] إلا بذلك، وهو خلاف ما فسر به العفاف؛ لقوله:(لا يَكُونَ مَعْرُوفاً) فانظره.

وَلِلْوَارِثِ الْقِيامُ بحَدِّ الْقَذْفِ وَلَوْ قَذَفَ بَعْدَ الْمَوْتِ

يعني: للوارث القيام بحد القذف سواء تقدم القذف على الموت أو تأخر عنه، وهذا مقيد بألا يعفو عنه بعد موته، ولو أوصى بالقيام بذلك يكون للوصي العفو، وإنما لهم القيام والعفو إذا لم يقل شيئاً.

ص: 273

وقوله: (الْوَّارِثِ) مخصوص بغير الزوج والزوجة فإنه لا قيام لهما، واحترز بالوارث ممن لا يرث كابن البنت.

وقوله: (الْوَّارِثِ) يحتمل من يرث في الجملة وإن لم يكن إلا وارثاً، وهو قول ابن القاسم، ويحتمل من يرث في الحال وهو مذهب أشهب، ويتضح لك ذلك بالوقوف على كلام اللخمي، فقال بعضهم: وفي دخول العصبة إذا لم يكن هناك من هو أقرب منهم رجال بنات، كالبنات والأخوات إذا انفردن، فقال ابن القاسم في المدونة: القيام لولده وولد ولده وأبيه وأجداده لأبيه ومن قام منهم أخذه لجده وإن كان ثم من هو أقرب منه لأنه عيب يلزمهم، ولا يقوم عصبة مع هؤلاء ولهم أن يقوموا إذا لم يكن أحد من هؤلاء، وتقوم البنات والأخوات والجدات، ولا يقوم الأخ وثم ولد أو ولد ولد وأب أو جد لأب فهم سواء، من قام لهم فله أن يحده، وإن كان غيره أقرب منه فلها الإخوة أو بنات أو أخوات أو جدات أو غيرهن ممن سميناً، فلا قيام له بحد البنت إلا أن يوصي، فأسقط قيام الإخوة والعصبة وسائر النساء. وقال أشهب: ذلك للأقرب فالأقرب، فلا قيام لابن العم مع الابن، ولا عفو ثم الابن ثم الأب ثم الأخ ثم الجد ثم العم، وكذلك قراباته من النساء الأقرب فالأقرب. وقول ابن القاسم أحسن؛ لأنه عيب يشملهم إلا العصبة فإن قبلهم ضعيف. قال اللخمي: لم يختلف أحد من نسبه يقوم له بذلك ولا أوصى بالقيام لم يقم بذلك. وهذا على القول أنه حق للمقذوف، وعلى القول أنه حق لله سبحانه وتعالى يقوم به الإمام.

فرع: وإن قذف غائباً فإن كان قريب الغيبة لم يكن لولده ولا لغيره قيام ويكتب للمقذوف في ذلك. واختلف في بعيد الغيبة، فلابن القاسم في المدونة: لا يقوم بحده ولده ولا غيره.

ص: 274

محمد: وقيل ذلك لولده. ولابن القاسم في الواضحة: ذلك للولد في أبيه وأمه ولس ذلك لغيره من الأقارب. واختلف على نفي الحد هل يسجن حتى يقوم المقذوف، فقال ابن الماجشون: يسجن حتى يأتي من له عفو أو قيام بالحد.

اللخمي: وظاهر المدونة أنه لا يعرض له بشيء لا من حد ولا من غيره.

وَلَوْ قَذَفَ قَذَفَاتٍ لِوَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ فَحَدٌّ وَاحِدٌ عَلَى الأَصَحِّ. وَثَالِثُهَا: إِنْ كَانَ بكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ

ظاهره أن الخلاف في الصورتين وليس كذلك، فإن الخلاف إنما هو في الثانية، وأما الأولى إذا قذف واحداً مرات فيكتفي بحد واحد من غير خلاف، والأصح مذهب المدونة، قال: وإن قام بها أحد يضرب له كان ذلك للضرب لكل قذف تقدمه، ولا يحد لمن قام به منهم بعد وسواء كان في مجلس أو مجالس. والقول الثاني حكاه ابن شعبان فقال: ومن أصحابنا من قال: يحد بعده من قذف سواء كان مفترقاً أو بكلمة واحدة. وخرجه الأستاذ أبو بكر على الخلاف في حد القذف هل هو حق لله أو للآدمي، ولم أقف على القول الثاثل، ونقل اللخمي عن المغيرة وابن دينار أنهم إن أقاموا جميعاً فحد واحد لهم، وإن افترقوا فلكل واحد منهم حد، واختاره ابن رشد.

وَلَوْ حُدَّ ثُمَّ قَذَفَ ثَانِياً حُدَّ ثَانِياً عَلَى الأَصَحِّ

لاتصوره ظاهر. محمد: ولو قال بعد أن حد له ما كذبت عليه ولقد صدقت حد ثانياً، لأنه حد مؤتَنَف ولأن الأصل قد مضى لسبيله. وذكر أبو عمران أنه لا يحد له ثانياً بل يزجر عن ذلك فقط لأنه قد تبين كذبه بالحد ولم تبدو لذلك معرة.

ص: 275

وَلَوْ حُدِّ بَعْضَهُ ثُمَّ قَذَفَهُ أَوْ غَيْرَهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُسْتَانَفُ حِينَئِذٍ إِلا أَنْ يَبْقَى يَسِيرٌ فَيُكَمَّلُ ثُمَّ يُسْتَْنَفُ، وَقَالَ أَشْهَبُ مِثْلُهُ إِلا أَنْ يَمْضِيَ يَسِيرٌ فَيَتَمَادَى وَيُجْزِئُ لَهُمَا

ما نسب لابن القاسم هو له في الموازية وبه قال ربيعة، وفسر محمد اليسير بمثل العشرة والخمسة عشر.

قوله: (وَقَالَ أَشْهَبُ) والباجي هو عندي على ثلاثة أقسام، إن ذهب منه اليسير تمادى وأجزأ الحد لهما، وإن مضى نصفه أو نحوه استأنف فكان ما بقي من الحد الأول لهما، ثم يتم المقذوف الثاني بقية حده، وإن لم يبق من الحد الأول إلا اليسير أتم الأول واستأنف الثاني، وإليه ذهب ابن الماجشون.

وَحَدُّ الْقَذْفِ مِنْ حُقُوقِ الآدَمِيِّينَ عَلَى الأَصَحِّ، وَلِذَلِكَ يُوَرّثُ وَيَسْقُطُ بالْعَفْوِ

الأصح ومقابله روايتان.

القاضي أبو محمد: والصحيح أنه من حقوق الآدميين بدليل أنه يورث عن المقذوف، وحقوق الله تعالى لا تورث لأنه لا يستحق إلا بمطالبة الآدمي، ولم يرتضِ صاحب المقدمات هذه الطريقة بل قال: لا خلاف أن القذف حق للمقذوف، وإنما اختلف هل يتعلق به حق الله تعالى فلا يجوز العفو عنه بلغ الإمام أم لا وهو مذهب أبي حنيفة وعليه قول رواية أشهب، ويأتي على قياس هذا أن حد القذف يقيمه الإمام إذا انتهى إليه، رفعه صاحبه أم لا أو لا [733/ب] يتعلق به حق الله تعالى، ولصاحبه العفو عنه ولو بلغ الإمام، وهو أحد قولي مالك في المدونة، أو هو حق لصاحبه ما لم يبلغ الإمام فيصير حقاً لله تعالى، ولا يكون لصاحبه العفو عنه إلا أن يريد ستراً وهو أحد قولي مالك.

ص: 276

وَعَلَيْهِمَا لُزُومُ الْعَفْوِ قَبْلَ بُلُوغِ الإِمَامِ وَتَحْلِيفِهِ عَلَيْهِ

فعلى الأًح يسقط العفو لا على مقابله، وقد تقدم هذا من كلامه في المقدمات، واعتراض ابن عبد السلام هنا عليه ليس بظاهر، ويجري أيضاً على القولين لو ادعى على القاذف أنه عفي عنه، فعلى الأًح يتوجه عليه اليمين على المشهور في توجه دعوى المقذوف كدعوى القاتل على الولي العفو على أنه حق لله لا يحلف لأنه ليس له إسقاطه. وقول ابن عبد السلام أما عدم توجيه الدعوى على أنه حق لله فصحيح، وأما توجيهها بتقدير كونه حقاً لآدمي ففيه نظر، إنما يتم أن لو كان حقاً مالياً، وأما البدني فلا ليس بظاهر.

وَأَمَّا بَعْدَهُ فَأَجَازَهُ مَرَّةً ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ إِنْ أَرَادَ سِتْراً عَلَى نَفْسِهِ

أي: بعد بلوغ الإمام، فأجاز مالك عفوه مرة، وكلامه ظاهر التصور. والقول الثاني في كلام المصنف أنه ذكره في المدونة تقييد الثاني ففيها: وكان مالك يجيز العفو بعد أن يبلغ الإمام ثم رجع فلم يجزه عند الإمام إلا أن يريد ستراً. لكن نقل أبو عمران ثلاث روايات على نحو كلام المصنف، وقيد ابن المواز إرادة الستر فقال: وهذا إذا قذفه في نفسه، وأما إن قذف أبويه أو أحدهما- وقد مات المقذوف- فلا يجوز العفو عنه بعد بلوغ الإمام. وقاله ابن القاسم وأشهب.

محمد: ويجوز عفو الولد عن الأب عند الإمام. قاله مالك وأصحابه- رحمهم الله إذا قذفه في نفسه، وأما إن قذف أباه وقد مات، أو قذف أمه وقد ماتت، فلا عفو فيه بعد بلوغ الإمام كأبيه، وأما عن جده لأمه فلا.

ابن عبد السلام: قال في المقدمات: ويعرف إرادة الستر بأن يسأل الإمام خفية عن حال المقذوف، فإن بلغه عنه أن الذي قيل فيه الآن أمر قد سمع وأنه يخشى أن يثبت عليه أجاز عفوه، هذا معنى كلامه، وقاله أصبغ. وقيل: أن يكون ضرب الحد قديماً، فيخاف أن

ص: 277

يظهر عليه الآن. وفسره ابن الماجشون بأن يكون مثهل يفعل ذلك، فيجوز عفوه ولا يكلف أن يقول أردت ستراً، وأما العفيف الفاضل فلا يجوز عفوه.

وَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ قَذَفَهُ بغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَمْ يَحْلِفْ إِلا بشَاهِدٍ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ حُبسَ أَبَداً اتِّفَاقاً حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ

قوله: (يَحْلِفُ) هو الأصل، وحكى في البيان ثلاثة أقوال: الأول: أنه يحلف. والثاني: ليس له تحليفه، وهما لمالك في العتبية. والثالث لابن القاسم في سماع أصبغ: لا يمين عليه إلا أن يكون مشهورا بذلك. فإن حلف على رواية أصبغ أو على قول ابن القاسم إذا كان مشهوراً بذلك. فإن حلف على رواية أصبغ أو على قول ابن القاسم إذا كان مشهوراً بذلك برئ، وإن نكل سجن حتى يحلف ما لم يطل، فإن طال خلي سبيله ولم يؤدب. وقال أصبغ: يؤدب إذا كان معروفاًبالأذى وإن كان مبرزاً فيه خلد في السجن. وإن قام له شاهد فثلاثة أقوال:

الأول: أنه يحلف فإن نكل حبس ما لم يطل، فعلى ما تقدم هل لا يؤدب أو يؤدب إن كان معروفاً بذلك.

والثاني: إن كان معروفاً بالشتم والسفه عذر ولم يحلف، وإن لم يكن معروفاً بذلك استحلف. والقولان لملك في سماع أشهب.

والثالث: أنه يحلف مع شاهده ويحده له. روي ذلك عن مطرف، وهو شذوذ في المذهب أنه يحد في الفرية باليمين مع الشاهد.

ويتخرج في المسألة قول رابع: أنه لا يحلف مع شاهده في الفرية، ويحلف فيما دون الفرية من الشتم الذي يجب فيه الأدب. انتهى بالمعنى.

وهذا يعلم قول المصنف فإن نكل حبس أبداً اتفاقاً ليس بظاهر؛ ولذلك اعترض عليه لأن ابن المواز نقل عن ابن القاسم أنه إذا طال حبسه خلي.

ص: 278

السَّرِقَةُ

الجوهري: سُرق مالٌ يسرق سرقاً بالتحريك، والاسم السرق والسرقة بكسر الراء فيهما، وربما قالوا سرقت مالاً. وحدها اصطلاحاً: أخذ المال خفية من غير أن يؤتمن عليه. ولا خفاء في تحريمها كتاباً وسنة وإجماعاً.

الْمَسْرُوقُ مَالٌ وَغَيْرُهُ. فَشَرْطُ الْمَالِ أَنْ يَكُونَ نِصَاباً بَعْدَ خُرُوجِهِ مَمْلُوكاً لِغَيْرِ السَّارِقِ مِلْكاً مُحْتَرَماً تَامَّاً لا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ مُحْرَزاً مُخْرَجاً مِنْهُ إِلَى مَا لَيْسَ بحِرْزٍ لَهُ اسْتِسْرَاراً

يعني: للسرقة أركان أولها المسروق، وهو ينقسم إلى مال وغيره، فللمال شروط تسعة:

أولها: النصاب، واحترز بما دونه.

والثاني: أن يكون نصاباً بعد خروجه، ولا يعتبر ذلك وهو في حرزه إذ يتلف منه شيء قبل خروجه.

الثالث: أن يكون مملوكاً لغير السارق، واحترز به من سرقة ما ورثه أو ما هو له وهو رهن أو مستأجر.

الرابع: أن يكون محترماً، احترازاً من سرقة ما لا حرمة له كالخمر والخنزير.

الخامس: أن يكون ملكاً تامَّاً، احترز به من سرقة ما له فيه شرك.

السادس: ألا يكون له في المسروق شبهة، احترز من سرقة الأب مال ابنه، ومن سرقةٍ من غريمه المماطل جنس حقه.

السابع: أن يكون محرزاً، اتحرز به من [734/أ] غيره فلا قطع فيه، كالمخلي في السوق على غير وجه العادة.

ص: 279

الثامن: أن يخرجه من حرزه إلى ما ليس بحرزه، وهو ظاهر.

التاسع: أن يكون استسراراً، احترز به من الأخذ اختلاساً أو مكابرة أو غصباً.

ثم أخذ المصنف يتكلم علها أولاً فأول، فقال:

وَالنِّصَابُ ربُعُ دِينَارٍ أَوْ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ أَوْ يُسَاوِي ثَلاثَة دَرَاهِمَ. وقِيلَ: أَوْ يُسَاوِي أَحَدَهُمَا إِنْ كَانَا غَالِيَيْنِ. وَقِيلَ: أَوْ يُسَاوِي مَا يُبَاعُ بهِ غَالِباً مِنْهُمَا

يعني: إن سرق ربع دينار قطع ولا التفات إلى قيمته، وكذلك إن سرق ثلاثة دراهم خالصة ولا التفات إلى كونها تساوي ربع دينار، وأما إن سرق غيرهما فالمشهور أنه يقوم بالدراهم لأنها أعم؛ إذ قد يقوم بالقليل والكثير. وهكذا صرح الباجي وعياض بمشهورية هذا القول. فإن ساوى المسروق ثلاثة دراهم قطع وإن لم يساوِ ربع دينار، وإن ساوى ربع دينار ولم يساوِ ثلاثة دراهم لم يقطع، وسواء كانت المعاملة بالبلد بالدراهم أو بالدنانير أو بالعروض. هكذا قال معظم شيوخ المذهب، وهو نص ما في الوازية. قال في المقدمات: وما حكاه عبد الحق عن بعض شيوخ صقلية أن من سرق عرضاً في بلد لا يتعامل الناس فيه إلا بالعروض أنه يقوم في أقرب البلدان إليه التي يتعامل الناس فيها بالدراهم فخطأ صراح، إذ قد تكون السلعة في البلد المسروق فيه كاسدة وفي البلد الذي فيه الدراهم نافقة.

وقوله: (وَقِيلَ: أَوْ يُسَاوِي

إلخ، غَالِيَيْنِ) وفي الثاني على ما إذا كان أحدهما غالياً، وهو الذي يؤخذ من كلام عياض وغيره؛ لأنه قال: وذهب غير واحد من البغداديين والمغاربة إلى التقويم إنام هو لعامة البلاد من دنانير أو دراهم، وأن معنى قوله في الكتاب: يقوم بالدراهم أنها معاملتهم، وإن كانت المعاملة بهما جميعاً بالتقويم بأكثرهما معاملة به كسائر التقويم في المقومات. وقال ابن عبد الحكم: نصاب السرقة ربع دينار من

ص: 280

الذهب أو قيمته فيما عداه، وأن التقويم بالذهب على كل حال في كل شيء من الفضة والعروض، فإن الثلاثة الدراهم إذا كانت أقل من صرفه ربع دينار لارتفاع الصرف لا قطع فيها. واعلم أنه اختلف العلماء في القطع هل له نصاب أم لا؟ فذهب جماعة إلى عدم اعتباره، وأن السارق يقطع في القليل والكثير لما في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام:"لعن الله السارق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده" لكن تأوله الجمهور كما قال البخاري: قال الأمش: كانوا يرون أنه بيض الحديد، والحبل كانوا يرون أنه يساوي ثلاثة دراهم.

واختلف القائلون بالنصاب، فقال الليثي وغيره: درهم. وقيل: درهما،. وقيل: ثلاثة دراهم. وقال أبو هريرة وأبو سعيد رضي الله عنهما: أربعة. وقال العراقيون: لا قطع في أقل من عشرة. وقيل: لا قطع في أقل من دينار أو عشرة دراهم. ومذهبنا أنه لا يقطع إلا في ثلاثة دراهم أو ربع دينار لما في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قال: "لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً". وفي الموطأ وغيره أنه عليه الصلاة والسلام قطع سارقاً في مجن قيمته ثلاثة دراهم، فجمع أهل المذهب بينهما.

ابن المواز: وما اعتبر فيه النصاب من ذهب أو ورق فإنما ينظر إلى وزنه كان رديئاً أو جيداً نقرة أو تبراً. ابن القاسم في العتبية: وإن لم يجز بجواز العين.

محمد: ولا ينظر إلى قيمته. الباجي: يريد إلى ما يزيد بصياغته، يعني كالزكاة، وأما إن كانت الدراهم تجوز عدداً فإن نقص كل درهم منهما خروية أو ثلاث حبات وهي تجوز، فلا قطع فيها حتى تكون قائمة الوزن. أصبغ: فأما مثل حبتين من كل درهم فيقطع. واختار اللخمي خلافه.

ابن رشد: وإن نقصت يسيراً وجازت بجواز الوازنة قطع بلا إشكال، وإن نقصت كثيراً وجازت كالوازنة فالصواب أن يدرأ الحد للشبهة قياساً على اعتبار النقصان في نصاب الزكاة.

ص: 281

أشهب: إن كانت الدراهم مقطوعة لم يقطع في ثلاثة دراهم منها.

محمد: إذا لم يكن معها نقص.

وَلا فَرْقَ بَيْنَ الْحَطَبِ وَالْمَاءِ وَالْفَاكِهَةِ وَغَيْرِهَا

نبه بذلك على خلاف أبي حنيفة أنه لا قطع فيما أصله مباح كالحطب والماء، ولا في الأشياء الرطبة المأكولة كالفاكهة. فنبه بقوله:(لا فَرْقَ) إلى قياس هذين النوعين على غيرهما بجامع التمول.

وَالْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ باعْتِبَارِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ شَرْعاً فَيُقَوَّمُ حَمَامُ السَّبَقِ وَطَائِرُ الإِجَابَةِ بانْتِفَاعِهِ

يعني: أن المسروق إنما يقوم باعتبار المنفعة الشرعية، فيقوم العود والطنبور باعتبار حسنه وما فيه لا باعتبار صنعته فيقوم السمان والدرة وأبو زريق والغراب الذي يتكلم باعتبار لحمه، ويقوم حمام السبق وطائر الإجابة- أي يجيب إذا دعي كما في بعض البلابل والعصافير- بانتفاعه، على أنه ليس فيه ذلك لأنه ليس فيه غرض شرعي. وفي بعض النسخ: فنتفاعه وهي على حذف الصفة [734/ب] أي بانتفاعه الشرعي. وقيد اللخمي والتونسي حمام السبق بأن يكون للعب، أما لو كان ليأتي بالأخبار فيقوم على ما علم منه من الموضع الذي يبلغه.

وَفِي سِبَاعِ الطَّيْرِ الْمُعَلِّمَةِ قَوْلانِ

أي: وفي تقويم، قال ابن القاسم: تقوم باعتبار ما فيها من التعليم، كما أنه يضمن القيمة لمالكها باعتبار التعليم وإن كان التلف محرماً. وقال أشهب: يقوم كله بغير ما فيه كان بازياً أو غيره. قال: وهو نحو قول مالك في قتل المحرم إياه. واختار التونسي وغيره الأول لأن الصيد مباح، إلا أن يكون لقوم يريدون به اللعب.

ص: 282

وَلَوْ سَرَقَ دَنَانِيرَ ظَنَّهَا فُلُوساً أَوْ ثَوْباً دُونَ النِّصَابِ فِيهِ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ لا يَشْعُرُ بهَا قُطِعَ بخِلافِ خَشَبَةٍ أَوْ حَجَرٍ فِيهِمَا ذَلِكَ

بين بهذا أن المعتبر إخراج النصاب إذا كان معتاداً، ومسألة الفلوس ذكرها ابن شاس وبقية كلام المصنف في المدونة. وقيد اللخمي الثوب فقال: إنما هو في المصرور وشبهه، وأما لو كان قميصاً حلف وقال: لم أعلم بما فيه لكانت شبهة. فحلف ويدرأ عنه القطع، أخذه ليلاً أو نهاراً. ونص في العتبية على أن الفراش والمخدة والمرفقة إذا كان فيهن ذهب يقطع، وحكى في البيان الاتفاق على ذلك.

اللخمي: وأما العصا فإنما يصدق إذا أخذها ليلاً ولا يصدق إذا كان نهاراً؛ لأنه لا يخفى إلا أن يكون أخرجها من مكان مظلم، ولو كان الذهب قد نقر له في خشبة لصدق أخرجها ليلاً. ولأصبغ فيمن سرق ليلاص عصا ما لا يفضض وفيها فضة ظاهرة ثلاثة دراهم فأكثر، فإن رأى أنه لم ينظر الفضة فلا قطع عليه إلا أن يكون ثمنها ثلاثة دراهم من غير فضة. وأقام صاحب البيان قوله في المدونة مثل قول ابن كنانة فيمن آلى لا يأخذ من فلان درهماً، فأخذ منه قميصاً فيه دراهم مصرورة، وهو لا يعلم به، ثم علم ورده أنه إن كان مما سترجع في مثله الدراهم فهو حانث وإلا فلا. وفي نوازل أصبغ: لا شيء عليه. ولابن القاسم في المبسوط أنه حانث على أصله. تدور المدونة فيمن حلف ما له مال، وله مال ورثه لم يعلم به أنه حانث إلا أن يعلم بعلمه ورده.

ابن عبد السلام وغيره: بأن الحنث يقع بأدنى سبب، والحد يدرأ بالشبهة.

وَلَوْ تَكَرَّرَ بمِرَارِ مِنْ بَيْتٍ فِي لَيْلَةٍ سَرَقَ مِنْهُ مِرَاراً فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَقَلَّ مِنَ النِّصَابِ، وَفِي الْجَمِيعِ نِصَابٌ لَمْ يُقْطَعْ، وَقَالَ سُحْنُونَّ: إِلا فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ

أي: النصاب، والأول مذهب ابن القاسم في العتبية وغيرها، قال في السارق عشر مرات وكل ذلك يخرج بقيمة درهم أو درهمين: لا قطع عليه. وقال سحنون: إذا سرق

ص: 283

الطعام في فور واحد فيقطع. وهذا من جهة الحيلة و

إلى أحد أقوال الناس. ونقل اللخمي عن مالك مثل قول سحنون، ونص على أنه خلاف لقول ابن القاسم، ولم يجعل في البيان قول سحنون خلافاً، وحمله على الطعام والمتاع الذي لا يمكنه إخراجه دفعة، قال: لان ذلك سرقة واحدة، وحمل قول ابن القاسم على أنه إنما عاد عشر مرات لينظر ما يسرقه سوى ما سرق.

وَلَوِ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي حَمْلِ نِصَابٍ، فَثَالِثُهَا: إِنْ كَانَ لا يَسْتَقِّلُ أَحَدُهُمَا قُطِعاَ وَلَوْ كَانَ نِصَابَيْنِ قُطِعَا

اثنان فأكثر في إخراج نصاب من حرزه، ولا خلاف في قطع الجميع إذا ناب كل واحد نصاباً، والقول بقطع الجميع سواء كانت السرقة مما يمكن أحدهم الانفراد أم لا، حكاه ابن القصار وابن الجلاب. والقول الثاني: لا أعلم قائله، نعم أشار التونسي واللخمي إلى أنه القياس لأن القطع فرع عما يغرم. والثالث: مذهب المدونة وهو المشهور.

اللخمي: ولو كان المسروق لا يستطيع أن يخرجه اثنان فأخرجه أربعة جرت على الخلاف في الخفيفة، فإن حملوها على أحدهم وهي ثقيلة لا يستطيع أن يحملها جميعهم عليه، قطع الخارج والمعاملون عليه عند ابن القاسم. وقال أبو مصعب: لا يقطع إلا الخارج. ووافق على قطع جميعهم إذا حملوها على دابة، وفي معناها المجنون والصبي.

اللخمي: وقد اختلف في هذا الأصل إذا قربوا المتاع إلى النقب فأدخل الخارج يده فأخذه أو ربطوه له فجره الآخر وأخرجه، فقيل: يقطعون لأنهم السبب لخروجه. وقيل: لا يقطعون لأن معونتهم في داخل الحرز وهو أشبه.

ص: 284

تنبيه:

الخلاف الذي ذكره المصنف إنما هو إذا كانا أجنبيين، أما لو كان أحدهما أباً لرب المسروق فلا قطع؛ لأن الأجنبي دخل بإذن من له في المال شبهة.

وَلَوِ اشْتَرَكَ فِي نِصَابٍ مَعَ صَبيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ قُطِعَ دُونَهُمَا

أي: لو اشترك المكلف قطع؛ لأن درأ الحد لمي كن شبهة في المال فليس كالأب، وإنما كان لعدم التكليف. اللخمي: ويختلف لو سرق مع الأجداد أو الزوجة أو الضيف، فمن أسقط الحد عن هؤلاء أسقط عن الأجنبي من لم يسقطه عنهم لم يسقط عن الأجنبي.

محمد: وإن سرق مع عبد من موضع أذن له السيد في دخوله لم يقطع الأجنبي، وإن كان في موضع لم يؤذن له فيه قطع الأجنبي. يريد: لأن درأ الحد عن العبد لم يكن لشبهة له في المال، وإنما درأ لأن القطع ذب عن الأموال، فإذا قطع [735/أ] عبده كانت زيادة عليه في المصيبة.

وَلَوْ سَرَقَ مِلْكَهُ مِنَ الْمُرْتَهِنِ أَوِ الْمُسْتَاجِرِ، أَوْ مَلَكَهُ بإِرْثٍ قَبْلَ فَصْلِهِ مِنَ الْحِرْزِ فَلا قَطْعَ

هذا راجع إلى القيد الثاني وهو قوله: (مَمْلُوكاً لِغَيْرِ السَّارِقِ) فلا قطع في ملكه سواء تعلق به حق الغير كالمرتهن والمستأجر أو لا كالموروث قبل إخراجه من الحرز، فإن مات رب المتاع وكان السارق وارثه، أما لو ورثه بعد خروجه أو وهب له فإنه يقطع، ولو دخل على السارق فباعه ثوباً فخرج به المشتري ولم يعلم أنه سارق لم يقطع واحد منهما. قاله اللخمي.

محمد: وإن سرق أحدهما ديناراً فقضاه الآخر قبل أن يخرج، أو أودعه إياه كان القطع على الخارج، وكذلك لو باعه ثوباً.

ص: 285

وَلَوْ كَذَّبَهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ قُطِعَ بإِقْرَارِهِ

يعني: إذا أقر أنه سرق من فلان شيئاً وكذبه فلان فإنه يقطع السارق لإقراره؛ يريد: ويبقى ذلك الشيء للسارق إلا أن يدعيه ربه. قال في المدونة: ومن شهدت عليه البينة أنه سرق هذا المتاع من يد هذا، فقال السارق، حلفوه أنه ليس لي فإنه يقطع، ويحلف له الطالب ويأخذه، فإن نكل حلف السارق وأخذه ويقطع. وفي رواية: فإنه يقطع إن حلف مدعي المتاع. وفي رواية: ولم يقطع إذا صدقه على ما ذكره. الثاني: أن يحلف المسروق منه أنه ليس بمتاعه. ففي المدونة: تحليفه كما ذكرنا. وفي المدونة: لا يمين عليه ولم يلزم المسروق منه الحلف أنه ما باع ولا وهب لما قامت له البينة على أن المتاع مسروق، وإنما يحلف تلك اليمين من شهد له بالملك فقط. الثالث: هل يقطع إذا وجبت عليه اليمين، فنكل وحلف السارق واستحق المسروق.

قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أَخَذَ مَالاً فِي جَوْفِ اللَّيْلِ مِنْ مَنْزِلِ غَيْرِه، وَقَالَ: هُوَ أَرْسَلَنِي وَصَدَّقَهُ فَإِنْ أَشْبَهَ مَا قَالَ، وَإِلا قُطِعَ. وَقَالَ أَصْبَغُ: يُرِيدُ غَيْرَ مُسْتَسِرًّ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ الإِرْسَالُ. وَقِيلَ: مَتَى صَدَّقَهُ لا يُقْطَعُ

تفسير أصبغ صحيح على أنك إذا تأملته تجده منتزعاً من قوله في المدونة: وأِبه ما قال إذا أشبه مشروط بأن يدخل من مدخل الناس ويخرج من مخرجهم في وقت يشبه. وزاد في المدونة قيداً آخر وهو أن يعرف ممن وجد معه المتاع انقطاع إلى وبه، ونصها: ولو أخذ في جوف الليل ومعه متاع، فقال: فلان أرسلني إلى داره، فأخذت له من هذا المتاع فإن عرف منه انقطاع إليه، وأشبه ما قال لم يقطع وإلا قطع ولم يصدق. فقوله:(وَإِلا قُطِعَ)؛ يعني: وإن لم يدخل من مدخل الناس ولا خرج من مخرجهم ولا أتى في وقت يشبه قطع.

عياض: وقيل: معناه أنه سرقه وأخذه خفية، وكذلك قال في الموازية.

ص: 286

أبو عمران: وهو تفسير المدونة. وقال غيره: إنما لم قطعه وإن أخذه على وجه الاستسرار وبالليل لأنه لم تقم على ذلك ببينة، ولو قامت عليه بينة لم يصدق، وإن كان له إليه انقطاع كما قال في السألة التي قبلها ولم يفصل فيها.

قوله: (وَقِيلَ

إلخ)؛ لأن تصديقه شبهة. ونسبه في الجواهر لعيسى.

وَلا قَطْعَ فِي خَمْرٍ وَلا خِنْزِيرٍ وَلا طُنْبُورٍ وَشِبْهِهِ إِلا أَنْ يَكُونَ فِيهِ بَعْدَ ذَهَابِ الْمَنْفَعَةِ الْفَاسِدَةٍ نِصَابٌ

هذا راجع إلى قوله: (مِلْكاً مُحْتَرَماً)؛ لأن هذه لا حرمة له، إذ لا يجوز تملكها ولا بيعها. قال في المدونة: ولا قطع في الخمر ولو سرقه للذمي؛ لأن للذمي قيمته وشبهه، كمزمار وعود وصليب وصور محرمة. واختلف قول ابن القاسم في الدف والكبر، فروى أصبغ عنه في الواضحة: يقوم مكسوراً. وفي العتبية: يقوم صحيحاً. وهو أظهر؛ لأنه لا خلاف في جواز الدف في الصهر وهو الغربال، نعم اختلف في الكبر، لعل القولين فيه هما مبنيان على هذا الخلاف.

وقوله: (إِلا أَنْ يَكُونَ) عائد على الطنبور وشبهه. والطنبور: بضم الطاء: الجوهري: وهو فارسي معرب، والطنبار لغة.

وَفِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ ثَالِثُهَا: إِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الصَّنْعَةِ نِصَاباً قُطِعَ

يعني: وأما قبله فلا قطع فيه قاله في المدونة وغيرها، على أنه نص في كتاب الغصب من المدونة على إلزام الغاصب قيمته، وفي غير المدونة لا شيء عليه. والقول بالقطع مبني على أنه يطهر بالدباغ طهارة مطلقة، والقول بعدمه بناء على أن بيعه لا يجوز، وأن ما لا يجوز بيعه لا تقطع فيه. والثالث مذهب المدونة، قيل لأبي مران: كيف يقوم جلد الميتة أن لو كنا يباع للانتفاع وما قيمته مدبوغاً، فما زاد إن كان مقدار ثلاثة دراهم قطع؟ وهو خلاف الظاهر من كلام المصنف قيمة الصنعة، لكن حكى الباجي قولاً كما حكاه

ص: 287

المصنف من تقويم نفس الصنعة وهو ظاهر المدونة، وعلى هذا فهمه صاحب البيان، لكن استشكل تقويم الصنعة، قال: لأنها مستهلكة فيه لا يمكن أن تفصل منه. قال: ولو قيل بعدم القطع على القول بجواز بيعه مراعاة الخلاف ما بعد.

أبو عمران في تعاليقه: وينظر إلى قيمته يوم دبغ، ولا ينظر إلى ما ذهب منه بمرور الأيام؛ لان الدباغ هو الذي أجاز للناس الانتفاع به. واختار اللخمي النظ رإلى قيمته يوم سرق، وهو أظهر.

وَفِي الْكَلْبِ الْمَاذُونِ قَوْلانِ

مذهب المدونة لا يقطع خلافاً لأشهب بناء على أنه لا يقطع إلا فيما [735/ب] يملك ويباع أو فيما يملك فقط، وأقيم من قول ابن القاسم عدم القطع في لحم الأضحية، وقول ابن حبيب أجري على قول ابن القاسم في جلد الميتة، إلا أن الصنعة في الجلد يمكن إفرادها على طريق غير أبي عمران بخلاف الكلب، وفي الزيت النجس قولان كالكلب، أما غير المأذون فلا يقطع فيه اتفاقاً.

وَفِي الأُضْحِيَّةِ بَعْدَ الذَّبْحِ قَوْلانِ

لا خلاف في القطع إن سرقت قبله، وأما إن سرقت بعده أو سرق لحمها، فقال أشهب في الموازية: يقطع. وقال ابن حبيب: لا يقطع لأنها لا تباع في فلس ولا تورث مالاً ولكن تورث لتؤكل، وهو الجاري على مذهب المدونة في الكلب.

ابن عبد السلام: والأول أحسن قياساً على حجارة المسجد، وانظر إذا سرق الهدي قبل نحره.

بخِلافِ لَحْمِهَا مِمَّنْ تُصُدِّقَ بهِ عَلَيْهِ

أي: فيقطع. ابن شاس: قولاً واحداً. ويتخرج فيها قول بعدم القطع على أحد القولين في سرقة ما يملك، ولا يجوز بيعه كالكلب، فإن المشهور عدم جواز البيع للمتصدق عليه.

ص: 288

وَمَنْ سَرَقَ سَبُعاً يُذَكَّى لِجِلْدِهِ قُطِعَ، وَفِي اعْتِبَارِ النِّصَابِ بَعْدَ الذَّبْحِ أَوْ قَبْلَهُ قَوْلانِ لابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ

لأن مالكاً يجيز ذكاة السباع لأخذ جلودها فلذلك قطع سارقها. وقال ابن حبيب: بيع جلود السباع العادية والصلاة عليها حرام، وعلى هذا لا يقطع سارقها.

اللخمي: وعلى الأول فاختلف هل تعتبر قيمة الجلد بعده أو قبله. فقال ابن القاسم: تعتبر قيمته بعده. قال في المدونة: وأما سباع الوحش التي لا تؤكل لحومها إذا سرقها رجل، فإن كان في قيمة جلودها إذا كنات دون أن تدبغ ثلاثة دراهم قطع؛ لأن لصاحبها بيع جلودها ذكى منها والصلاة عليها. وقيده أبو مران بالسباع العادية وهي التي ينتظر إلى جلودها، وأما السباع التي لا تعد كالهر فيقطع سارقها. وقال أصبغ: تعتبر قيمة الجلد قبل الذبح. هذا ظاهر لفظه، وعلى هذا الظاهر مشاه ابن عبد السلام، لكن النص عن أشهب في النوادر وغيرها إنما هو اعتبار قيمة السبع حيَّاً.

وَلَوْ سَرِقَ مِنْ مَالِ شَرِكَةٍ لَمْ يُحْجَبْ عَنْهُ فَلا قَطْعَ، وَلَوْ حُجِبَ عَنْهُ قُطِع إن كَان الزَّائِدُ نِصَاباً

هذا راجع إلى قوله: (تَامًّاً). وتصور كلامه ظاهر، وفسر في المدونة الحجب بأن يودعاه لرجل، قال في الموازية: أو يكون على يد أحدهما.

اللخمي: على وجه الاحتراز لم يكن كذلك فهو كغير المحجوب.

قوله: (وَلَوْ حُجِبَ عَنْهُ قُطِعَ إن كَانَ الزَّائِدُ نِصَاباً) ظاهره إذا زاد فوق حقه من جملة المال بثلاثة دراهم، وهو ظاهر المدونة والمنصوص لمالك. وقال ابن الماجشون وأشهب وأصبغ: إذا سرق من جملة المال ستة دراهم قطع.

ص: 289

اللخمي: وهو أبين لأنه إذا أخذ ستة من اثني عشر إنما يأخذها على أن نصيبه باق في الستة الباقية ولم يأخذها على وجه المقاسمة، قال: وهذا إذا كان المسروق مما يكال أو يوزن، فإن كان من ذوات القيم نظر إلى قدر قيمته خاصة؛ لأنه ليس له قسمه اتفاقاً.

بخِلافِ بَيْتِ الْمَالِ وَالْغَنَائِمِ الْمَحُوزَةِ فَإِنَّهُ كَالأَجْنَبِيِّ عَلَى الْمَشْهُورِ

وقع في بعض النسخ عوض (الْمَحُوزَةِ)(المحجورة) وهما بمعنى، وهما بمعنى، واحترز بذلك من الغنائم قبل الحوز فإنه لا قطع فيها بالاتفاق، ومقابل المشهور خاص بالغنائم، وإن كان ظاهر كلامه أن الخلاف فيها لأنهم لم يذكروا في القطع في حق من سرق من بيت المال خلافاً، ثم الشاذ وهو قول عبد الملك مقيد بألا يسرق فوق نصيبه ربع دينار، وأما إن سرق ذلك فيقطع باتفاق. لكن حكى الحفيد الاتفاق في بيت المال والغنائم، وقيد ابن يونس الخلاف في الجيش العظيم، وأما السرقة فتبقى على قول عبد الملك.

وَلا يُقْطَعُ الأَبَوانِ بخِلافِ الابْنِ، وَفِي الْجَدِّ قَوْلانِ

هذا راجع إلى قوله لا شبهة له فيه، وجعله ابن شاس راجعاً إلى قيد التمام؛ لأن الأبوين لهما الشبهة في مال الابن بخلاف الابن، ولذلك لو وطئ جارية أبيه حد. ونقل ابن خويز منداد عن أشهب وابن وهب عدم القطع إذا سرق من مال أبيه. وفي سماع ابن القاسم أن العبد إذا سرق من مال سيده يقطع. واعترضه القاضي إسماعيل للحديث:"أنت ومالك لأبيك" قال: وأخاف أن تكون المسألة من مال أبي سيده، وصحح أبو إسحاق المسألة ولم يعترضها. وقال يحيى بن يحيى: إن كان في حضانة أبيه لم يقطع وإن أبان عنه قطع. واختلف في الأجداد من قبل الأب والأم، فقال ابن القاسم: أحب إلي ألا يقطع لأنه أب ولأنه ممن تغلظ عليه الدية، وقد ورد:"ادرؤوا الحدود بالشبهات". وقال أشهب: يقطعون لأنهم لا شبهة لهم في ماله ولا نفقة. وتأول بعضهم قول ابن القاسم: أحب على الوجوب، فلا خلاف في قطع باقي القرابات.

ص: 290

وَلا يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ مِنْ غَرِيمٍ مُمَاطِلٍ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، وَلا مَنْ سَرَقَ لِجُوعٍ أَصَابَهُ

لأنه له شبهة. ومفهوم قوله: (مُمَاطِلٍ) أنه لو لم يكن مماطلاص يقطع، وكذلك يفهم من جنس حقه؛ لو سرق من غير جنسه أنه يقطع وفيه نظر. وقد قدم المصنف في باب الدعوى إذا قدر [736/أ] على غيره ثلاثة أقوال، ثالثها إن كان من جنسه جاز. فإن قلت ينبغي قطعه على القول بأنه ليس له ذلك. قيل: يحتمل ذلك ويحتمل أن يقال بعدم القطع مراعاة للخلاف، والله أعلم.

والذي نقله ابن عبد البر عن مالك من رواية ابن القاسم خلاف هذا كله، فقال: وروى ابن القاسم القطع على من سرق من مال غريمه مثل دينه، وخالفه أكثر الفقهاء من أصحاب مالك وغيره، لتجويزهم له أخذ ماله من مال غريمه كيفما أمكنه، وقد روى ذلك ابن وهب وابن دينار عن مالك.

وقوله: (وَلا مَنْ سَرَقَ لِجُوعٍ أَصَابَهُ) أي: جوعاً شديداً يخشى معه التلف؛ لأنه حينئذٍ تجب المواساة فكان مأذوناً له في الأخذ. وروى ابن عمر رضي الله عنه: يقطع عام الزيادة.

وَالْحِرْزُ، مَا لا يُعَدُّ الْوَاضِعُ فِيهِ فِي الْعُرْفِ مُضَيِّعاً لِلْمَالِ

هذا راجع إلى قوله: (مُحْرَزاً). ونسب عدم التضييع لأن التضييع والحفظ أمران سيان لا ينضبطان إلا بالعرف، فقد يكون الشيء محفوظاً في مكان مضيع في غيره، ومحفوظاً بالنسبة إلى شخص دون شخص، وبهذا يندفع إيراد من أورد عليه بعض مسائل الوديعة، كمن أودع دراهم فوضعها في صحن داره فأخذها ولده أو زوجته فإنه يضمن لتضييعها، ولو سرقها سارق من أي موضع كان لقطع. وجواب ما ذكرنا وهو أنه مضيع لها بالنسبة إلى ولده، وممن يدخل عليه بإذن وبغير إذن، وحافظ بالنسبة إلى السارق. فإن قيل: يلزم أن يضمنها إذا أخذها ولده أو خادمه، ولا يضمنها إن سرقها سارق لأنه غير

ص: 291

مضيع بالنسبة إليه. قيل: هذا وإن كان هذا ظاهر إلا أنه عارضه أصل آخر، وهو أن الوديعة تضمن بالتفريط إذا ضاعت بالوجه الذي يتقى عليه منه سواء أخذها من يخشى عليها منه أو غيره، والمشهور على اعتبار الحرز، خلافاً لبعض أهل الحديث وبعض الظاهرية، لمارواه الترمذي وصححه عنه عليه الصلاة والسلام:"وليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع" ورواه النسائي عنه عليه الصلاة والسلام:"لا قطع في كثر ولا تمر" والكثر الجمار.

فَالدُّورُ وَالْحَوَانِيتُ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا وَإِنْ غَابَ أَهْلُهَا، وَأَفْنِيَةُ الْحَوَانِيتِ حِرْزٌ لِمَا يُوضَعُ لِلْبَيْعِ، وَعَرْضَةُ الدَّارِ، وَسَاحَةُ الْخَازِنِ حِرْزٌ لِلأَثْقَالِ وَالأَعْكَامِ مُطْلَقاً، وَحِرْزٌ لِغَيْرِهَا لِلأَجْنَبيِّ ..

إذ لا يعد الواضع في جميعها مضيعاً.

وقوله: (وَإِنْ غَابَ) نحوه في المدنة، زاد فيها: سرقه في ليل أو نهار. وفي الموازية: في مثل يبيعونها في القفاف ولهم حصير يعطونها بالليل وذلك بأفنية حوانيتهم، فقال صاحبها لحاجةوتركها بحالها، فقال: لا قطع على من سرق منه.

اللخمي وغيره: وفرق بين ما ثقل نقله ويخف. ولم يرَ ذلك في تابوت الصيرفي وإن كان مبنياً؛ لأن ما يعمل فيه مما يخف نقله. ونص ابن القاسم على القطع في تابوت الصيرفي يقوم عنه صاحبه لحاجة، وقاله أشهب، قال: ولا فرق بين المبني وغيره إلا أن يكون شانه أن يتصرف به كل ليلة فنسيه فلا قطع على أخذه، ولا إشكال في أن الحوانيت حرز لما فيها إذا كان صاحبها فيها.

اللخمي: والسارق من البزاز إذا أطلعه حانوته على ثلاثة أوجه، إن كان دفع إليه شيئاً ليقبله أو ليختار منه وأباح له أن يقلب صنفاص فسرق منه لم يقطع منه، وإن مد يده إلى غيره من المتاع مما هو إلى جانبه لم يقطع عند مالك، وقطع على قول عبد الملك، والأول أشهر لأنه

ص: 292

كالمرتهن عليه، وإن سرق من تابوت المتاع لم يقطع على أحد القولين في الضيف، والقطع أبين. وإن سرق من الحانوت من لم يؤذن له في طلوعه، ولا أن يتناول منه قطع، وإن أذن له أن يقلب منه شيئاً لم يقطع وإن كان لم يطلعه، وإن غاب على حانوته وترك متاعه على حاله ولا أحد مه قطع سارقه. انتهىز

ابن عبد البر: ون سرق من حانوت تاجر في سوق كبيرة أو صغيرة في ليل أو نهار ما يقطع في مثله قطع، إلا أن تكون فيه سارية لها أبواب وحيطان محدقة بها، فإنها بالليل خاصة حرز واحد، ولا قطع عليه حتى يخرج منها بسرقته.

قوله: (وَعَرْصَةُ الدَّارِ

إلخ) العرصة لغة: كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء. قاله الجوهري. والمراد هنا قاعة المدار. والأعكام: جمع عكن بالكسر.

الجوهري: العدل. وأراد بالإطلاق أنه لا فرق بين الأجنبي والساكن معه.

ابن عبد السلام: ويتعين هنا أن يريد المصنف بعرصة الدار المشتركة المأذون فيها لأهلها ولغيرهم؛ لعطف ساحة الخازن عليها، والمعنى على هذا التقدير أن ما وضع في عرصة هذه الدار وساحة الخازن من الأوعية العظيمة أو مما يثقل، قطع سارقه كان من أهل الدور أو من غيرهم، وإن وضع ما يخف ثقله فموضعه حرز على الأجنبي وحده. انتهى.

ورد بأن ساحة هذه يستوي فيها الأجانب وغيرهم، ولا يقطع من سرق من ساحتها ما يخف ثقله كان أجنبيَّاً أو غيره، نص عليه في المدونة وغيرها. وعلى هذا فيحمل كلام المصنف على الدار المشتركة بين ساكنيها المحجورة من غيرهم، والحكم فيها كما ذكر المصنف. قال في المقدمات: والدور ستة:

الأولى: أن يسكنها وحده ولا يأذن فيها لأحد، فهذه كل من سرق منها فأخرجه من الدار قطع اتفاقاً، [736/ب] وهذه تندرج في قول الشيخ: فالدور والحوانيت حرز.

ص: 293

الثانية: أن يأذن فيها ساكناً أو مالكاً الخاص من الناس كالضيف، أو يبعث رجلاً إلى داره ليأتيه من بعض بيوتها بشيء، فاختلف إذا سرق الضيف أو الرجل المبعوث من بيت مغلق قد حجر عليه دخوله على قولين: أحدهما قوله في المدونة والموازية: أنه لا يقطع وإن خرج بما سرق من جميع الدار؛ لأنه خائن وليس بسارق. الثاني: قول سحنون: أنه يقطع إذا أخرجه إلى الموضع المأذون فيه كالشركاء في الساحة، يخرج به من جميع الدار، وليس ذلك بصحيح؛ لأنه نص في المدونة والموازية أنه خائن وليس بسارق، ولا يقطع خائن على حال.

الثالثة: أن ينفرد الرجل بسكناها مع زوجته عن الناس، واختلف إن سرقت الزوجة أو أمتها من مال الزوج من بيت قد حجر عليهما، أو أخلفه دونها، أو سرق الزوج أو عبده من مال الزوجة من بيت حجرته عليه على قولين: أحدهما: أنه يقطع من سرق منهما إذا أخرجه من البيت المحجور وإن لم يخرج عن جميع الدار، وهو ظاهر المدونة ونص قول سحنون، كالمتجائزين بالسكنى في الدار الواحدة؛ لأنه إذن محكوم به في الموضعين. وحكى عبد الحق أن لمالك في الموازية أنه لا يقطع حتى يخرج به من الدار وليس بصحيح؛ لأنه نص في أول المسألة على أنه لا يقطع وإن خرج به من الدار، فيتأول ما وقع له في آخرها على الأجنبي ولا تناقص.

الرابعة: ذات الإذن العام، كالعام والطبيب يأذن للناس في دخولهم إليه، فيقطع من سرق من بيوتها المحجورة إذا خرج بالسرقة عن جميع الدار؛ لأن بقية الدار من تمام الحرز إذ لا يدخل إلا بإذن، وفارق الضيف خص بالإذن فصار له حكم الخائن بائتمانه، ولا يقطع من سرق منقاعتها وما لم يحجر عليه من بيوتها اتفاقاً.

الخامسة: المشتركة بين ساكنيها المباحة لجميع الناس كالفناديق وقاعاتها كالمحجة، فمن سرق من بيوتها من الساكنين أو غيرهم وأخذ في قاعتها قطع بالاتفاق.

ص: 294

والسادسة: الدار المشتركة بين ساكنيها المحجورة على الناس، فلا خلاف أن الساكن يقطع من سرق منهم من بيت صاحبه إذا أخذ، وقد خرج بسرقة إلى قاعة الدور، وإن لم يخرج بها عن الداخل ولا يدخلها بيته أو خرج به عن الدار، إلا أن يكون الذي سرق من قاعتها دابة من مربطها المعروف لها أو ما أشبه ذلك من الإعظام، فحكم من سرق ذلك حكم من سرق من بيت من البيوت. واختلف إن سرق الأجنبي من بيت من بيوت الدار وأخذ في قاعتها، أو سرق ما قوع في قاعتها كالثوب، فيؤخذ خارجها على أربعة أقوال: فقيل: يقطع فيها. وهو نص الماوزية، وهو ظاهر ما في المدونة في الوجه الأول دون الثاني. وقيل بعكسه، وعليه حمل عبد الحق المدونة.

وَمَوَاقِفُ الْبَيْعِ حِرْزٌ لِمَبيعٍ، وَإِنْ غَابَ أَهْلُهُ مَرْبُوطَةً أَوْ غَيْرَ مَرْبُوطَةٍ

هو ظاهر، ونحوه في المدونة. قال اللخمي: وقال أبو مصعب: من سرق شاة مربوطة من السوق قطع. وحمله اللخمي على الخلاف الأول أحسن؛ إذ لم يذهب صاحبها عنها لأنها حرز لها، وإن لم يكن معها لم يقطع في الشاة الواحدة؛ لأن الغالب أنها لا تثبت في موضعها، وإن كانت كبيرة قطع.

وَمَوَاقِفُ الدَّارِ الْمُتَّخَذَةِ لِذَلِكَ كَذَلِكَ كَفِنَائِهِ وَبَابِ دَارِهِ

أي: لذلك؛ أي: للبيع كذلك؛ أي: حرز لموافقة الأمتعة. قال في الموازية: وإن سرق منها من أذن له في نقلها لم يقطع.

اللخمي: وإن تعامل عليه رجلان فكان أحدهما يسوم ويقلب، والآخر يسرق قطع الذي سرق وحده.

وقوله: (كَفِنَائِهِ وَبَابِ دَارِهِ) تشبيه لإفادة الحكم؛ أي: وكذلك يقطع من سرق الدواب التي في فنائه وباب داره. وظاهر كلامه سواء كانت مربوطة أم لا، وهو خلاف

ص: 295

ظاهر المدونة، ففيها ومن حله من مالكه المعروفة لها فأخذها قطع، وخلاف نص الموازية ففيها: وأما الدابة بفنائه المعروف مربوطة أو على مرودها، والبعير المعقول بمعتاد أو موضع معروف يأكل عليه، فمن سرقه من مثل هذا قطع، وأما إن كان ليس بفناء معروف أو كان مخلى سبيله فلا قطع، ولو شاء قال: وجدته ضالاً.

بخِلافِ بَابِ الْمَسْجِدِ وَالسُّوقِ إِلا أَنْ يَكُونَ مَعَ حَافِظٍ

(السُّوقِ) معطوف على باب؛ أي: خلاف باب السوق، والأول هو الذي في الجواهر لقوله: فإن كانت الدابة بباب المسجد أو بالسوق لم تكن محرزة.

ابن عبد السلام: وما ذكره المصنف ظاهر في باب المسجد، وأشار إلى أنه يخرج الخلاف في السوق من مواق ف الدواب للبيع.

وَظُهُورُ الدَّوَابِّ حِرْزٌ

ظاهره سواء كان معها أهلها أو لا، وهو مقتضى المدونة، يقطع من سرق من الحانوت أو البيوت غاب أهلها أو لا، وكذلك ظهور الدواب. وفي اللخمي: من سرق من المحمل كان فيه صاحبه أو لم يكن قطع، وهو كالخباء الأعلى.

قال محمد بن عبد الحكم: لا يقطع إلا أن يكون معه صاحبه. وفي البيان: المحمل الذي على البعير كالسرج الذي على الدابة، فمن سرقه أو سرق شيئاً منه قطع، إلا أن يكون نخلاً في غير حرز ولا حارس، فلا يكون على صاحبه [737/أ] قطع، كما لو سرق الدابةسرجها وهي مخلاة.

وَخِبَاءُ الْمُسَافِرِ حِرْزٌ لِنَفْسِهِ وَلِمَا فِيهِ وَخَارِجِهِ وَإِنْ غَابَ صَاحِبُهُ

الضمائر في نفسه وفيه وخارجه، كلها عائدة على الخباء.

ص: 296

وقوله: (وَخَارِجِه) الأقرب أنه مجرور بالعطف على ما قبله، ولهذا وقع في بعض النسخ:(وبخارجه)، وجعل ابن عبد السلام خارجه مرفوعاً بالابتداء، والخبر محذوف؛ أي: خارجه حرز لما فيه، ولا حاجة لذلك. قال في البيان: ولا خلاف أنه حرز وإن غاب عنه هله؛ لأنه قد صار الموضع الذي ينزله من الفلاة منزولاً، وحرز المقاعد لا شركة لأحد فيه، وإن كانوا جماعة مسافرين ضربوا أخبيتهم، فسرق بعضهم بعضاً قطع السارق، ويريد ما لم يكونوا من أهل خباء واحد. ونقل اللخمي عن محمد بن عبد الحكم عدم القطع، وإن لم يكونوا من أهل خباء واحد، ويؤخذ من كلام اللخمي في سرقة الخباء قولان، فإنه قال: قال مالك في المدونة: إذا وضع المسافر متاعه في خبائه أو خارجاً عن خبائه، وذهب لاستقاء ماء أو لحاجة وترك متاعه قطع سارقه. قال: ومن ألقى ثوبه في صحراء، وذهب لحاجة وهو يريد الرجعة ليأخذه فسرقه رجل، فإن كان منزلاً نزله قطع سارقه وإلا لم يقطع. وقال أشهب في الموازية: إن طرحه بموضع ضيعةفلاقطع فيه، وإن طرحه بقرب منه أو من خبائه أو خباء أصحابه فإن كان سارقه من أهل الخباء قطع. وقاله يحيى بن جبير. وقال سحنون: إنما الأمر في الخباء، فإن لم يكن في الخباء فلا قطع.

وَالْقِطَارُ كَذَلِكَ سَائِرَةً أَوْ وَاقِفَةً

القطار: الإبل المربوطة بعضها ببعض.

وقوله: (كَذَلِكَ) أن من سرق منها أو ما عليها قطع، وإن غاب أهلها، هذا مقتضى التشبيه، ولا يشترط كذلك مقطورة، فلمالك في الموازية: وإذا سيقت الإبل غير مقطورة فمن سرق منها قطع، والمقطورة أبين، وكذلك الرواحل، قال: وكذلك الإبل إذا سيقت والدواب إلى المرعى.

ص: 297

وَالسَّفِينَةُ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا إِذَا أُرْسِيَتْ أَوْ كَانَ مَعَهَا أَحَدٌ

حاصله: أن السفينة حرز لأحد أمرين، إما بالإرساء سواء كان معها أحد، سواء كانت مرساة أم لا، وليس بجيد لأن هذا إنما هو في سرقتها نفسها، وأما في سرقة ما فيها فلا، وحكمها حكم صحن الدار مشتركة بين السكان فيها قاله في البيان، فإن سرق بعد الرقاب من بعض وهو على متاعه قطع وإن لم يخرج من السفينة، وإن قام نه لم يقطع وإن خرج به عنها، وإن سرق منها أجنبي وصاحب المتاع على متاعه، فأخذ السارق قبل أن يخرج منها قطع على اختلاف، وإن لم يكن على متاعه لم يقطع اتفاقاً، وأما إن خرج بما سرق منها فإنه يقطع كان صاحب المتاع معه أم لا، وأما سرقة السفينة فكما ذكره المصنف إن أرسيت للمرسى، أو على قرية تصلح للمرسى.

اللخمي: واختلف إذا أرسيت في قرية، وقال ابن القاسم: إذا نزلوا منزلاً ربطوها فيها، وذهبوا لحاجتهم ولم يبق منهم أحد قطع، وقال أشهب في الموازية: لم يقطع كالدابة إذا ربطت في موضع لم تعرف فيه.

وَالْمَطَامِيرُ فِي الْجِبَالِ وَغَيْرِهَا

ظاهره سواء اكنت بالحضرة أو لا والمنقول عن مالك في العتبية والموازية خلافه، بقوله: أما ما كان في الفلاة قد أسلمه صاحبه، فلا أرى فيه قطعاً، وأما ما كان بحضرة أهله معروف، فعلى من سرق منها ما قيمته ثلاثة دراهم القطع.

وَالْقَبْرُ حِرْزٌ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ

نحوه في المدونة؛ أي: فيقطع من أخرج منه من الكفن ما قيمته ثلاثة دراهم، وهو قول عائشة رضي الله عنها، قالت: سارق موتانا كسارق أحيائنا، ونقل مالك في الموأ العمل عليه، وبه قال الجمهور خلافاً للحنفيةن وأقام بعضهم من مسألة المطامير قولاً بأنه لا يقطع في القبر إلا أن يكون قريباً من الديار.

ص: 298

وَالْبَحْرُ لِمَنْ رُمِيَ فِيهِ كَالْقَبْرِ

لأنه رمي فيه على وجه الحفظ فأشبه القبر.

وَالْجَيْبُ وَالْكُمُّ حِرْزٌ لِمَا فِيهِمَا

وكذلك الكف وسواء كانت مصرورة أم لا، وهذا مقيد بغير أهل الصنع، فإنه ليس الكم حرزاً مع بعضهم بعضاً، رواه ابن وهب وأشهب عن مالك وقاله ابن الماجشون، ونص على القطع إذا سرق أحد المصلين من كم الآخر؛ لأنه لم يأذن أحدهما للآخر في الكون هنا والأحكام جرت إليه، واختار اللخمي القطع في المنع إذا سرق من كم صاحبه، قال: وإن سرق نعلين من جملة النعال لم يقطع؛ لأنه مأذون له ومؤتمن عليه معها وإن يسيرة من جملتها فيصير خائناً.

وَكُلُّ شَيْءٍ مَعَ صَاحِبِهِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَهُوَ مُحْرَزٌ

هو ظاهر ويقع في بعض النسخ قبل هذه كلية أخرى: (وكل شيء له مكان فمكانه حرز) وهي أيضاً ظاهرة.

اللخمي: والأحرازثلاثة: أحدها: ما حده الغلق وشبهه كالدور والحوانيت، والثاني: الإنسان لما عليه أو معه أو كرسيه وهو يقظان أو نائم، فمن سرق من هذين قطع بلا خلاف، والثالث: ما عداهما كالذي يجعل في الأفنية وعلى الحبل ففيه اضطراب.

فرع:

في المدونة: ومن جر ثوباً منشوراً على حائط بعضه في الدار وبعضه خارج إلى الطريق لم يقطع؛ لدرء الحد بالشبهة، إذ بعضه في موضع الإباحة، وروي عن ابن القاسم وغيره أنه يقطع بمنزلة ما [737/ب] على البعير، واختلف عن مالك فيما على حبل الصباغ

ص: 299

والقصار، وقال في الغاسل: يخرج الثياب إلى البحر يغسلها وينشرها، وهو معها يسرق منها أنه يقطع بمنزلة الغنم في مراحلها.

وَالْحَمَّامُ بالْحَارِسِ حِرْزٌ، وَبِغَيْرِهِ حِرْزٌ عَنِ النَّقْبِ وَالتَّسَوُّورِ

يعني: أن الحمام إما أن يكون بحارس أم لا، فإن كان فهو حرز.

أبو عمران: وسواء أقامه صاحب الثياب أو صاحب الحمام؛ لأنه أقيم للحفظ فيهما، وقيده اللخمي بما إذا لم يأذن له الحارس في تقليب الثياب، فقال: إن سرق من الحارس من ليس له عنده ثياب قطع، إلا أن يوهمه أن له عنده ثياباً فأذن له في النظر في الثياب فلا يقطع، وإن كان له عنده ثياب فناوله إياه الحارس، فمد يده إلى غيرها قطع.

ابن رشد: وحيث قلنا بالقطع فذلك ما لم يدع أنه أخطأ، فإن ادعاه صدق إذا أشبه، قال: وإن كان معها من يحرسها فلا قطع حتى يخرج بها إن كان داخلاً يتحمم لأنه أذن له، وإن دخل للسرقة فأخذ قبل أن يخرج فيجري على الاختلاف في سرقة الأجنبي من بعض بيوت الدار المشتركة، وأما إن لم يكن بحارس، ففي المدونة كما قال المصنف:(وَحِرْزٌ عَنِ النِّقْبِ وَالتَّسَوُّرِ) أي: لأنه لا يؤذن له في الدخول على هذا الوجه، وإنما أذن له في الدخول من الباب.

عياض: وقد تشكل هذا المسألة على كثير ممن لم يذاكر، فيظن أنه إنما يقطع من نقب الحمام، ولم يدخل من بابه وليس كذلك، بل كل من دخل الحمام وسرق من نقب أو غيره ممن لم يدخل مع الناس داخل الحمام، أو اعترف أنه جاء لقصد السرقة فإنه يقطع؛ لأن العلة في سقوط القطع الإذن العرفي بالتصرف في ثياب بعضهم فتنحيها ليسعون لأنفسهم أو ثيابهم، بخلاف من اعترف أنه لم يدخل الحمام إلا للسرقة فإنه أذن له. انتهى. ولهذا قال اللخمي بالقطع بالثياب التي في الطيقان سواء كان ممن دخل الحمام أم لا؛ لأنه لا إذن له فيها، وإنما هي لمن سبق إلا أن تكون لهم عادة في المشاركة التوسع في ذلك طيقاناً كباراً.

ص: 300

وَالْمَسْجِدُ حِرْزٌ لِبَابِهِ وَسَقْفِهِ

لم يذكر في ذلك خلافاً، لكن اختلف في بلاط المسجد هل يقطع سارقه، ويعسر الفرقبينه وبين باب المسجد، وكلامه يقتضي أنه لا يقطع حتى يخرج بذلك من المسجد؛ لجعله المسجد حرزاً، والصواب لو قال: وموضع الباب والسقف حرز؛ لأنه يجب القطع وإن لم يخرج من المسجد، نص عليه صاحب البيان وغيره، ونص عليه مالك في الواضحة في البلاط والحصر والقناديل.

وَفِي الْقَنَادِيلِ ثَالِثُهَا: حِرْزٌ إِنْ كَانَ عَلَيْهَا غَلْقٌ

القول بالقطع كان عليها غلق أم لا لمالك، وسُوِّي بين الليل والنهار، وقاله ابن الماجشون وأصبغ، ومقابله لأشهب نظراً إلى الإذن، ورأى في الأول أن الإذن لي سمن قبيل المالك حتى يكون كالضيف، وإنما هو شيء أوجبه الحكم، فلا يرفع القطع، والقول الثالث: لم أرَهُ هنا منصوصاً، نعم أشار اللخمي إلى تخريج قول ابن القاسم الذي في الحصير: إن سرقها نهاراً لم يقطع وإن تعدى عليه ليلاً يقطع، ولما أخذ يوجب ذكره على نحو ما ذكره المصنف، فجعل الليل عبارة عن الغلق.

وَفِي الْحُصْرِ إِنْ رُبطَ بَعْضُهَا ببَعْضٍ

القطع لمالك، ومقابله لأشهب كما ذكرنا، والثالث لابن القاسم، والرابع لسحنون فرق بين ما يخف نقلها وما لا يخف.

اللخمي: وعلى قوله: لا يقطع في القناديل ويقطع في بلاطه.

وَالْبُسُطُ الْمَتْرُوكَةُ فِيهِ كَالْحُصْرِ بخِلافِ مَا يُحْمَلُ وَيُرَدُّ إِلا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا حَافِظٌ

ظاهره أن الأقوال الأربعة جارية هنا، ولعلها بالتحريم إذ ليست منصوصة هنا، ويحتمل أن يكون مراده بحكايته التشبيه الواقع في رواية ابن الماجشون، قال في الرواية: إذا

ص: 301

كانت الطنافس تترك فيها ليلاً ونهاراً فهو كالحصر، وأما طنافس تحمل ترد وربما نسيها صاحبها فلا يقطع فيها وإن كان على المسجد قفل؛ لأن الغلق لم يكن من أجله ونحوه لابن القاسم.

فرع:

نقل ابن الماجشون عن مالك: القطع في حلي باب الكعبة، مالك: ولا قطع فيما سرقه من حلي الكعبة، قال الشيوخ: معناه إذا سرق في قوت فتحه، وإن سرق منه في وقت لم يؤذن فيه ولم يفتح قطع، مالك: وإن كان في المسجد بيت لحصره أو لزكاة الفطر أو غير ذلك، فلا قطع من دخله بإذن، ويقطع من لم يدخله بإذن إذا أخرجه إلى المسجد، وإن وضعت زكاة الفطر في المسجد؛ يعني: وليس ببيت لا يقطع إلا أن يكون معها حارس، قاله مالك واختاره ابن حبيب، ونقل في البيان قولاً آخر بأنها كالحصر يقطع فيها وإن لم يكن لها حارس، وأشار اللخمي إلى أنه يدخل على هذا الخلاف الذي في الحصر. ابن القاسم: وإن جعل ثوبه قريباً منه، ثم قام يصلي فسرقه رجل قطع إذا أخذ وقد قبضه قبل أن يتوجه به، قال: ولو قلت لا يقطع حتى يتوجه، لقلت لا يقطع حتى يخرج من المسجد.

وَلا يُقْطَعُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إِلا فِيمَا [738/أ] حُجِرَ عَنْهُ فِي مَسْكَنٍ آخَرَ

قد تقدم في هذا خلاف في الدار الثالث من كلام ابن رشد.

عياض: ولا خلاف فيما سرقه أحد الزوجين من صاحبه فيما لم يغلقه دونه ولم يحجره عنه، ولا خلاف في القطع في سرقة أحدهما من الآخر ما هو خارج عن مسكنه ما لم يؤذن له في التصرف فيه.

وَيُقْطَعُ وَلَدُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَعَبْدُهُ فِيمَا حُجِرَ عَنْهُ إِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي دُخُولِهِ

هذا الفرع من بعض النسخ وهو الأظهر؛ لأنه إذا قطع أحد الزوجين فيما حجر عنه، فأن يقطع ولد أحدهما أو عبده من باب أولى.

ص: 302

وَلا يُقْطَعُ الْعَبْدُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ

يعني: وإن سرق من موضع محجور وهذا هو المشهور، وقال أبو مصعب: يقطع إذا سرق من موضع حجب عنه، وفي مختصر الوقار نحوه، والأول مذهب الجمهور، وقاله عمرو ابن مسعود رضي الله عنهما.

ابن عبد البر: ولا أعلم لهما مخالفاً من الصحابة والتابعين، ورجح أيضاً بأن للعبد شبهة في مال سيده بالاتفاق عليه منه، وليس معاوضة كالزوجة، ولأن القطع حفظ المال، فوي القطع هنا زيادة عليه في المال، قال في الموازية: كذلك لا يقطع العبد المشترك إذاسرق من أحد سيديه، والمكاتب كالعبد نص عليه في المدونة.

وَلا يُقْطَعُ الضَّيْفُ، وَلا مَنْ دَخَلَ فِي صَنِيعٍ

هذه هي الدار الرابعة المتقدمة من كلام ابن رشد، الصنيع: الطعام يعمل سواء كانلقوم مخصوصين أم لا.

وَلا قَطْعَ فِي تَمْرٍ مُعَلَّقٍ حَتَّى يُؤْوِيِيهِ الْجَرِينُ

قد تقدم هذا في الحديث، وظاهر كلامه أنه لا فرق بين أن يكون في حائط عليه غلق أم لا، وهو قول ابن الماجشون قال: إذا كان الحائط محصناً مغلقاً على ما فيه، وفيه التمر والودي واللَّقَط، فما سرق من تمر علىلنخل أو دي أو لقط فلا قطع فيه، ويقطع فيما كان من المربد من قبل أن اللَّقط بمنزلة ما في رؤوسها، وقال ابن المواز: إنما يريد بالحديث في التمر الحرز، قال: ولو دخل السارق داراً فسرق من تمرها المعلق في رأس النخلة، أو كان مجدوداً في منزله لقطع، إذا بلغت قيمته على الرجاء والخوف ربع دينار، وألزمه اللخمي إذا كان النخل والكرم وغيرها عليه غلق، وعلم أنه احتيط عليه من السارق أنه يقطع؛ لأنه جعل الوجه وجود الحرز وعدمه، وظاهر قوله:(حَتَّى يُؤْوِيهَا الْجَرِينُ) أنه

ص: 303

لا قطع فيه حتى يؤويه الجرين، واختلف إذا سرق منه بعد حصاده، وهو في موضع لينقل منه إلى الجرين على ثلاثة أقوال، يفرق في الثالث بين أن يضم بعضه إلى بعض فيجب القطع أو لا فلا قطع، لا خلاف في القطع إذا كان عليه حارس، وأيضاً لا خلاف في القطع إذا سرق منه في حال نقله من أجل أنه حامله، وهل لا يقطع في الجرين إلا أن يكون قريباً من البيوت أو يقطع مطلقاً قولان.

وَلا فِيمَا عَلَى صَبيِّ أَوْ مَعَهُ مِنْ حُلِيِّ أَوْ ثِيَابٍ إِلا بحَافِظٍ

هذا مقيد بقيدين:

أولهما: ألا يضبط الصبي ما بيده أو معه، وقال في المدونة: وإذا كان مثله يحرز ما عليه، قطع سارقه مستسراً.

وثانيهما: ألا يكون في حرز كدار أبويه، فإن كان في دارهما قطع، إلا أن يكون السارق أذن له في الدخول.

وقوله: (إِلا بحَافِظٍ) ظاهر، ولا خلاف فيه، ابن القاسم: وإن أخذ ذلك على وجه الخديعة كسرقة الصبي أو كافر، كان فيه الأدب، والمجنون كالصبي، وجعل اللخمي النائم مثله، قال: وليس في حديث صفوان حيث توسد رداءه فسرق أنه كان نائماً.

وَلَوْ نَقَلَهُ وَلَمْ يُخْرِجُهُ لَمْ يُقْطَعْ

هذا راجع إلى قوله: (مُخْرَجاً)؛ يعني: ولو نقل السارق المتاع في الحرز من مكان إلى مكان، أو عقده ليرفعه ثم أخذ لم يقطع، ولا نعلم في ذلك خلافاً.

وَلَوْ نَقَبَ وَأَخْرَجَ غَيْرُهُ فَإِنْ كَاناَ مُتَّفِقَيْنِ قُطِعاَ وَإِلا فَلا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا

إذا تعاونا فإن فعلهما كفعل واحد، ولا يبعد أن يخرج فيها قول بقطع الخارج فقط، كما قيل: إذا ربطها أحدهما وأخرجها الآخر، واما إذا لم يتعاونا فقال ابن شاس وغيره: لا قطع

ص: 304

على واحد منهام كما قال المصنف، ووجهه: أن مجرد النقب لا يوجب القطع، ولما حصل النقب لم تبقَ حرزاً، والظاهر أنه خلاف ما في المدونة، ففيها: ولو قربه أحدهما إلى باب الحرز أو النقب فتناوله الخارج، قطع الخارج وحده؛ إذ هو أخرجه ولا يقطع الداخل.

اللخمي: وقال أشهب في الموازية: يقطعان جميعاً، فإن قيل مسألة المصنف؛ لأنه قال في المدونة: ولو قربه قيل: التقريب وصف طردي لا تأثير له بالنسبة إلى الخارج.

وَلَوِ اتَّفَقَا فِي النَّقْبِ خَاصَّةً فَالْقَطْعُ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ

إن تعاونا في النقب خاصة، وإن تولى أحدهما بعد ذلك الإخراج قطع وحده؛ لأن الإخراج لم يحصل منه إلا النقب.

فَلَوْ نَاوَلَهُ الآخَرُ خَارِجَهُ فَالْقَطْعُ عَلَى الدَّاخِلِ

لا إشكال في قطع الخارج لإخراجه المتاع من حرزه، وفي الداخل قولان، قال ابن القاسم في المدونة وغيرها: لا يقطع لإعانته في الحرز، وقال أشهب: يقطعان، واختلف إذا ناول من هو في أسفل الدار من هو في أعلاها: هل يقطع الأسفل؟ واختار [738/ب] اللخمي: عدم القطع.

كَمَا لَوْ رَبَطَهُ بحَبْلٍ فَجَذَبَهُ

أي: فجذبه الخارج، ومذهب المدونة أنهما يقطعان، وقال اللخمي عن مالك: إنه يقطع الخارج.

اللخمي: والصواب في هذين السؤالين يعني في هذا والذي قبله، والذي حمل على ظهره وما أشبه ذلك من كل معونة كانت داخل الحرز لا قطع عليهن وأن القطع على الخارج وحده.

ص: 305

وَلَوِ الْتَقَيَا وَسَطَ النَّقْبِ قُطِعَا

هكذا قال في المدونة: إذا التقت أيديهما في المناولة وسط النقب، أنهما يقطعان، اللخمي: وكان الأصل على قول ابن القاسم، ألا يقطع الداخل؛ لأن معونته في الحرز، والنقب من الحرز ونحوه للتونسي.

فَلَوْ أُخِذَ دَاخِلَهُ بَعْدَ رَمْيِ الْمَتَاعِ خَارِجَهُ تَوَقَّفَ فِيهِ مَالِكٌ، وَالْمَشْهُورُ: يُقْطَعُ

عبر في المدونة بلفظ الشك لا بلفظ الوقف، ولهذا يقال: إن مالكاً شك في المدونة في مسألتين: الأولى: هذه والثانية: إذا خلف ألا يكلمه الدهر ففيها: وأخذ في الحرز بعد إلقاء المتاع خارجه فقد شك فيه مالك بعد أن قال يقطع، وأنا أرى أن يقطع، وروى عنه أشهب وابن عبد الحكم القطع، وهو الذي في الجلاب، فلذلك شهره المصنف، وهو الأظهر؛ لأنه قد أخرج المال من حرزه.

اللخمي: واختلف إذا رمى المسروق فوقع في نار أو كان زجاجاً فتكسر، هل لا يقطع كما لو هلك في الحرز أو يقطع؟ اللخمي: وهو أحسن، ونقل ابن يونس عن عبد الملك أنهإن قصد إتلافه فلا قطع عليه، وما اكن على غير هذا يرى ليخرج فيأخذه، فإنه يقطع هلك أو بقي في الحرز.

وَلَوِ ابْتَلَعَ دُرَّةً وَخَرَجَ قُطِعَ

وهكذا الدينار ونحوه لأن ابتلاعه ليس استهلاكاً له، بخلاف الطعام يأكله في الحرز قيمته ربع دينار فأكثر، فلاقطع لاستهلاكه في أمرين وكذلك لو دهن رأسه ولحيته بدهن يساوي ربع دينار لا قطع عليه إلا أن يساوي بعد سلته ربع دينار، وكذلك الشاة يذبحها ثم يخرجها مذبوحة.

ص: 306

وَلَوْ أَشَارَ إِلَى شَاةٍ بالْعَلَفِ فَخَرَجتْ مِنَ الْحِرْزِ فَقَوْلانِ

القطع لمالك واختاره اللخمي وابن رشد، وبه قال ابن القاسم وأشهب في العتبية، قال عبد الملك: لأنه في معنى من دخل فأخرجها، ونفى القطع لمالك في العتبية، واختاره ابن المواز وأنكر الأول؛ لأنه لا يتحقق أنه المخرج لها، في معنى هذه المسألة من أشار إلى صبي أو أعجمي.

وَلَوْ حَمَلَ عَبْداً غَيْرَ مُمَيِّزٍ أَوْ خَدَعَهُ فَأَخَذَهُ قُطِعَ بخِلافِ الْمُمَيِّزِ

قال في البيان: لا خلاف في الصبي الصغير الذي لا يعقل إذا دخل إليه فأخرجه من حرز أنه يقطع إذا كان عبداً.

وقوله: (أَوْ خَدَعَهُ) ظاهره أنه عائد على الصغيرِ والأعجميُّ مساوٍ له في ذلك، ففي المدونة أن من سرق عبداً كبيراً فصيحاً لم يقطع وإن كان أعجمياً قطع، وكذلك لو أخدعه؛ أي قال له مثلاً: سيدك أرسلني، وفي الموازية: لا يقطع إذا أخدعه، ابن نافع: وإن راطنه بلسان حتى خرج إليه طوعاً لم يقطع.

اللخمي: يريد إذا دعاه ليخرج إليه ويذهب به فأطاعه، ولو غره فقال له: سيدك بعثني لآتيه بك، لقطع، وكذلك قال أبو مران: إذا راطنه فقال: إني اشتريتك، قطع.

وَلَوْ أَخَذَ اخْتِلاساً أَوْ مُكَابَرَةً عَلَى غَيْرِ حِرَابَةٍ فَلا يُقْطَعُ

هذا راجع إلى القيد الآخر وهو الاستسرار، والمكابرة إذا كانت على غير وجه المحاربة راجعة إلى الغصب والغاصب لا يقطع.

وَلَوْ أُخِذَ فِي الْحِرْزِ فَهَرَبَ بمَا مَعَهُ لَمْ يُقْطَعْ

وسواء علم أهل البيت بما سرقه أم لا، سواء أمسك السارق، وقد كان اتَّزر بإزار ثم هرب وهو عليه؛ لأنه لم يخرج به على وجه السرقة، وإنما خرج به على وجه الاختلاس.

ص: 307

وَلَوْ تَرَكَهُ وَأَحْضَرَ مَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ وَلَوْ شَاءَ لَمَنَعَهُ فَثَالِثُهَا: قَالَ مَالِكٌ: إِنْ شَعَرَ بهِ فَهَرَبَ لَمْ يُقْطَعْ، وَإِلا قُطِِعَ

فقد أخذ المتاع مستسراً لا يعلم أن أحداً أبداه، لكن في نسبته لمالك نظر، ولم أره وإنما نسبه ابن شاس لبعض المتأاخرين لعله ابن يونس، فإنه قال: إن رآهم السارق فهرب فهو مختلس، وإن خرج من الدار وهو لم يرَهم فهو سارق يجب قطعه.

ابن عبد السلام: وهو التحقيق.

وَأَمَّا غَيْرُ الْمَالِ فَسَرِقَةُ الْحُرِّ الصَّغِيرِ إِذَا أَخْرَجَهُ عَنْ حِرْزِ مِثْلِهِ وَقَالَ بهِ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةَ ....

المشهور ما ذكره بشرط ألا يعقل مثل الصغير ما يراد منه، وروى الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل يسرق الصبيان ثم يخرج بهم فيبيعهم في أرض أخرى، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطعت يده، فقال: انفرد به عبد الله بن محمد بن يحيى عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، وهو كثير الخطأ على هشام ضعيف الحديث، وإذا وجب القطع لحفظ المال فحفظ النسب أولى، ورد الأبهري قول من قال أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أوجب القطع في المال، فوجب ألا يقطع إلا فيما له قيمة؛ لأن الحر له بدل وهي الدية، وقال عبد الملك من أصحابنا: لايقطع لأنه ليس بمال، وبه قال أبو حنيفة وأحمد رضي الله عنهما.

الباجي: ومعنى الحرز هنا أن يكون في دار أهله، رواه ابن وهب [739/أ] عن مالك.

محمد: وكذلك إذا كان معه من يخدمه، واستشكل اللخمي كون الدار حرزاً؛ لأنه لا يقصد بها حفظاً إلا أن يكون البلد يخشى فيها سرقة الأطفال، ويقصد بمكانه في الدار حفظه.

ص: 308

وَهُمْ: سَعِيدُ بنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَالْقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبي بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، وَخَارِجَةُ بنُ زَيْدٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُتْبَةَ، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ رضي الله عنهم

هكذا في بعض النسخ.

وَشَرْطُ السَّارِقِ: التَّكْلِيفُ فَيُقْطَعُ الْحُرُّ، وَالْعَبْدُ، وَالذَّمِّيُّ، وَالْمُعَاهَدُ وَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ لِمِثْلِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَتَرَافَعُوا إِلَيْنَا

لما فرغ من الركن الأول وهو المسروق شرع في الثاني وهو السارق، وشرط في مؤاخذته التكليف، والمراد به العقل والبلوغ فلهذا يقطع الحر والعبد والذمي والمعاهد لأنهم مكلفون، وما ذكره في المعاهد هو مذهب ابن القاسم، وقال أشهب: لا قطع عليه إن سرق، ولا على من سرق منه وإن سرق ثم جُنَّ لم يقطع حتى يفيق، وكذلك لو طرأ له سكر، وقال اللخمي: لو قطع في سكره لكان له وجه، وليس القطع كالضرب؛ لأن المقصود في الضرب الألم، والطافح لا يجد الألم بخلاف القطع فإنه يقصد به النكال والعظة لغيره وفيه نظر، فإن الألم أيضاً مقصود فيه.

وقوله: (وَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ لِمِثْلَهِمْ) يعني: أن العبد يقطع وإن سرق العبد، وكذلك الذمي، وكذلك المعاهد، وفي بعض النسخ:(لمثلهما) فيعود على المعاهد والذمي، وفي بعض النسخ: منهما وهي بمعناها، وأما إن كان قطع السارق من باب دفع الفساد لم يشترط في سرقة بعضهم من بعض المرافعة؛ لأن ذلك إنما يشترط في الأحكام.

وَتَثْبُتُ بالإِقْرَارِ وَبالشِّهَادَةِ

أعاد الباء مع الشهادة ليعيد استقلال كل واحد منهما بالثبوت.

ص: 309

فَإِنْ رَجَعَ إِلَى شُبْهَةٍ ثَبَتَ الْغُرْمُ دُونَ الْقَطْعِ، وَفِي غَيْرِ شُبْهَةٍ رِوَايَتَانِ

هذا كما تقدم في الإقرار بالزنى، واختلف فيمن أقر بتهديد على أقوال:

الأول: لا يقطع وهو مذهب المدونة ففيها: ومن أقر بشيء من الحدود بوعيد أو سجن أو قيد أو ضرب، قيل: وذلك كله إكراه، وإن تمادى على إقراره بعد زوال الإكراه حبس حتى يستبرأ أمره، فإن تمادى على إقراره بعد أن أمن أو أتى بما يعرف صدقه، مثل: أن يعين المسروق ونحوه فإنه يحد وإلا لم يحد في قطع ولا غيره كأن الذي كان من إقراره أول مرة قد انقطع، وهذا كأنه إقرار حادث، وإن أخرج السرقة والقتيل في حال التهديد لم أقتله ولم أقطعه حتى يقر بعد ذلك آمناً، زاد اللخمي عن ابنا لقاسم أن يضاف إلى ذلك من أخباره ما يدل على صحة ذلك مثل أن يقول: اشتريت وفعلت كذا على صفة كذا، فيذكر من بساط الأمر كذا وابتدائه كذا وانتهائه ما يعلم أنه خارج عن إقرار المكرَه، وقال مالك في الموازية: يقطع إذا عين السرقة إلا أن يقول دفعها إليَّ فلان، وإنما أقررت لَمِا أصابني من الألم، قال: ولو أخرج دنانير لم يقطع؛ لأنها لا يقر بعينها، وقال أشهب: إذا أخرج السرقة قطع وإن بَعد سجن وقيد ووعيد، وإن نزع لم يقبل نزوعه، وأما إن لم يعين فلا يحد أبداً، وإن ثبت على إقراره؛ لأنه يخاف أن يعاد إلى مثل الأول، وقال سحنون: إذا أقر في السجن أو حبسه السلطان في حق وكان من أهل العدل لزمه إقراره، وقال: وليس من حبس في حق أو باطل سواء، فإن عدد كالزيادة التي زادها.

اللخمي: وعن ابن القاسم وفاقاً له لو لم يكن في المسألة إلا أربعة، وإلا فهي خمسة وإليه ذهب اللخمي وغيره.

وَلَوْ رُدَّ الْيَمِينُ فَحَلَفَ الطَّالِبُ ثَبَتَ الْغُرْمُ

يعني: لو رد المدعى عليه السرقة اليمين التي توجهت عليه بسبب دعوى السرقة، فحلف المدعي لزم المدعى عليه الغرم دون القطع، ولم يبين المصنف الذي تجب فيه اليمين

ص: 310

على المدعى عليه، وفي المدونة: ومن ادعى علىرجل أنه سرقه لم أحلفه إلا أن يكون متهماً متصفاً بذلك، فإنه يحلف ويهدد ويسجن والألم يعرض له، فإن كان من أهل الفضل وممن لا يشار إليه بهذا أدب المدعي، ومتهم معروف بمثل هذا فيحلف ويهدد ويسجن على قدر اجتهاد الحاكم، ومتوسط الحال بين هذين فعليه اليمين فقط، وقال ابن يونس في كتاب الغصب: لا يمين على المتوسط، قيل: وهو أظهر.

وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ يُثْبِتُ الْقَطْعَ دُونَ الْغُرْمِ

لأن الحد لله ولا يتهم العبد فيه بخلاف المال، فإنه حق للسيد، ومتهم البد في إخراجه عن السيد والمكاتب والمدبر وأم الولد كالعبد إذا عينوا السرقة بعض القرويين، وكذلك إذا لم يعينوه وتمادوا على الإقرار، ولعل المصنف أراد بالعبد ما هو أعم من القن، وإن كذبهم وقال: بل ذلك متاع، فالقول قول السيد مع يمينه، إلا في المكاتب والعبد الأذون له، وما ذكره من إعمال قول العبد في القطع.

اللخمي: هو المعروف، ولأشهب في الموازية: إذا أقر العبد بالقتل وعينه، وقال: ها هو ذا وأنا قتلت، أنه لا يقبل قوله، وإن عين إلا أن يكون معه أو يرى يتبعه ونحوه.

وَيَثْبُتُ بشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، فَإِنْ كَانَ برَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ بشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ثَبَتَ الْغُرْمُ دُونَ الْقَطْعِ

يحتمل أن تكون تثبت [739/ب] بالتاء السرقة، أو بالياء القطع، ولا تقبل الشهادة مجملة، بل لابد أن يسأل الشهود عن السرقة وما هي ومن أين أخرجها وإلى أين، وكلامه ظاهر؛ لأن المرأتين أوا لرجل واليمين لا يفيدون في الحدود.

ص: 311

وَمُوجَبُهُ: الْقَطْعُ وَالْغُرْمُ مَعَ قِيَامِهِ، فَإِنْ تَلِفَ وَهُوَ مُوسِرٌ مِنْ حِينِ السِّرِقَةِ إِلَى حِينِ الْقَطْعِ غَرِمَهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ: إِلَى حِينِ الْقِيَامِ وَإِلا لَمْ يَغْرَمْ. وَقِيلَ؛ يَغْرَمُهُ مُطْلَقاً

أي: موجب الثبوت، وفي بعض النسخ:(وموجبها)؛ أي: السرقة القطع بنص الآية، ورد المال مع قيامه بالإجماع، نقله صاحب المقدمات.

قوله: (فَإِنْ تَلِفَ) أي: المال المسروق، والسارق متصل اليسار من حين السرقة إلى حين القطع غرمه، وإن كان عديماً أو عدم في بعض المدة سقط عنه الغرم؛ لأنه لا تجتمع عليه عقوبتان قطع يده وإتباع ذمته، بخلاف اليسار المتصل فإنها كالقائمة وليس ثم عقوبة ثانية، ورأى أشهب أنه لا غرم عليه إلا أن يتساوى يسره بعد القطع إلى يوم يحكم عليه بالقيمة، فإن كان متصل اليسار إلى القطع ثم أعسر بعده وقبل الحكم لم يغرم؛ يعني: وإن لم يتصل اليسار إلى حين القطع على قول ابن القاسم، ولا إلى حين القيام على قول أشهب لم يقطع، وقيل: يغرم مطلقاً؛ أي: اتصل يساره أم لا؛ لأن القطع حق لله تعالى، والغرم حق للآدمي، فلا يسقط أحدهما الآخر، وهو مذهب الشافعي وأحمد وعبد الوهاب، وقال بعض شيوخنا: والقيمة م لاقيمة استحسان، والقياس لا يلزمه شيء؛ لأنه لو لزمه مع اليسر للزمه مع العسر، وإنما استحسن ذلك لجواز أن يكون أخذ لها ثمناً واختلط بماله وهذا القياس، قال أبو حنيفة: وله ما خرجه النسائي عن عبد اله بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"لَا يَغْرَمُ السَّارِقُ إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ".

أبو عمر: إلا أنه حديث ليس بالقوي.

فروع:

الأول: اعتبار اتصال اليسر، لو سرق لجماعة واتصل يسره لتحاصَّ الجميع فيما بيده وإن تخلل ذلك عسر، سقط حق من سرق ماله قبل العسر.

ص: 312

الثاني: لو لم يقم للطالب إلا شاهد واحد، وقال: سرقت من حرز، وقال السارق: بل من غيره، أو ذهبت يمين السارق بأمر من الله تعالى، فقال ابن القاسم: يضمن السارق ضمان الغاصب، وقال أشهب: يضمنها على ما تقدم. اللخمي: وكذلك إن اعترف أنه سرق من حرز ثم رجع وسقط عند الحد، فيها القولان أيضاً، إن كانت السرقة من غير حرز أقل من ربع دينار لأتبع بها في الإعسار باتفاق.

الثالث: لو باع السارق السرقة فاستهلكها المشتري، فإن أجاز بها البيع لم يتبع السارق بالثمن إلا أن يتصل يسره كما تقدم، وإن لم يجزه وأخذ قيمة المبيع من المشتري وكالاستحقاق، فللمشتري أن يرجع على السارق، فإن كان المشتري عديماً رجع بها على السارق؛ لأنه غريم غريمه، ولو كانت القيمة التي لزمت المشتري أقل من لاثمن الذي باع به السارق وأخذ المسروق منه القيمة، وكان الفاضل للمشتري تبيعه هو به، وإن كانت القيمة أكثر من الثمن؛ لأنه الذي لغريمه عنده واتبع المشتري بفاضل القيمة.

وَتُقْطَعُ الْيُمْنَى مِنَ الْكُوعِ وتُحْسَمُ بالنَّارِ ثُمَّ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ يَدُهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ رِجْلُهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ يُغَرَّبُ وَيُحْبَسُ

الإجماع على قطع اليمنى أولاً وحسمت بالنار خوف الهلاك وكلامه ظاهر، وذكر المصنف أنه في الخامسة يعزر ويحبس وهو المشهور، وقال أبو مصعب: يقتل، وروى النسائي حديثاً كقوله إلا أنه ضعيف، وقال: لا أعلم في ذلك حديثاً.

وَلَوْ كَانَتْ شَلاءَ أَوْ نَاقِصَةَ الأَصَابِعِ أَوْ أَكْثَرِهَا فَكَالْعَدَمِ، فَيَنْتَقِلُ، وَقِيلَ: إِنْ سَقَطَ الانْتِفَاعُ

أي: كانت اليمنى شلاء أو ناقصة، وجمع المصنف مسألتين وأجاب بأنها كالعدم، فلا يقطع وينتقل إلى غيرها، وفهم من قوله:(أَوْ أَكْثَرِ) وهو ثلاثة أصابع أنها لو كانت

ص: 313

ناقصة الأقل لقطعت، وهو صادق على صورتين: إذا نقصت أصبعاً أو أصبعين والمنقول في الأصبع القطع، واختلف قول مالك في الأصبعين.

وقوله: (وَقِيلَ: إِنْ سَقَطَ الانْتِفَاعُ) خاص باليد الشلاء وهو لابن وهب؛ لأنه قال في مختصر ما ليس في المختصر: تقطع اليد الشلاء إن كنات ينتفع بها، وعن أبي مصعب: تقطع اليد الشلاء مطلقاً.

وَعَلَى الانْتِقَالِ فَقِيلَ: يَدُهُ الْيُسْرَى، وَقِيلَ: رِجْلُهُ الْيُسْرَى

وإذا فرعنا على الانتقال، وفي معنى ذلك إذا سرق ولا يمين له، والقولان في المدونة قال: تقطع رجله اليسرى ثم أمر بمحوه، وقال: اقطع يده اليسرى.

ابن القاسم: وأراه تأول قوله تعالى: (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)[المائدة: 38] وبالأول أخذ، وعارض اللخمي ما أخذ به ابن القاسم هنا بقوله في الموازية: إذا قطعت اليمنى في قصاص أو غيره أنه يقطع يده اليسرى، والأول أليق؛ لأن اليد الجانية، وهذه إحدى ممحوات الأربع.

وَلَوْ قَطَعَ الْجَلادُ أَوِ الإِمَامُ الْيُسْرَى عَمْداً فَلَهُ الْقِصَاصُ وَالْحَدُّ باقٍ، وَخَطَأً يُجْزِئُهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَهُ عَقْلُهَا وَالْحَدُّ بَاقٍ

يعني: إذا كان [740/أ] قطع اليمنى فأمر الإمام بقطع اليسرى متعمداً مع علمه بأن سنة القطع في اليمنى، أو قطعها الجلاد أيضاً متعمداً، لم يرفع القطع عن السرقة وتقطع اليمنى، ويكون له أن يقتص منهما، وإن كان خطأ فقال: تجزئ ولا تقطع يمينه ولا شيء على الإمام والجلاد، وقال ابن الماجشون: لا تجزئ، قال: وليس خطأ الإمام بالذي يزيل القطع عن العضو الذي أوجب الله فيه القطع، ويكون عقل الشمال في مال السلطان خاصة إن كان هو المخطئ، أو في مال القاطع دون عاقلته إن كان هو المخطئ، قال: وإليه

ص: 314

رجع مالك وهو الأقرب؛ لأن تقديم اليمنى على اليسار إن كان واجباً فقد تم المطلوب، وإن كان مستحبًّاً لزم الإجزاء في مسألة العمد، ولو تعمد ذلك السارق ودلس على الإمام والجلاد، ففي الموازية يجزئ. اللخمي: وعلى ما في الواضحة لا يجزئه.

وَعَلَى الإِجْزَاءِ لَوْ عَادَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْيُسْرَى عِنْدَ ابْنِ نَافِعٍ

أي: وإذا فرعنا على القول الأول فلو سرق ثانياً، فقال ابن القاسم في المدونة: تقطع رجله اليمنى لطلب المخالفة؛ لأن سنة القطع الخلاف، وقال ابن نافع: تقطع رجله اليسرى؛ لأن قطع اليد اليسرى أولاً كان على وجه الخطأ فلا يتعمد موافقته.

وَلَوْ سَقَطَتِ الْيُمْنَى بآفَةٍ سَقَطَ الْحَدُّ

إذا ذهبت اليمنى بأمر من الله تعالى، زاد اللخمي: أو تعمد من إنسان، فقال مالك: لا يقطع منه شيء؛ لأن القطع قد كان وجب فيها.

اللخمي: وعلىقياس قوله أن الشمال تجزئه ألا يسقط عنه القطع وتقطع شماله أو رجله، وكذلك لو أخطأ الإمام فقطع رجله اليسرى مع وجود اليمنى فإنها لا تجزئه.

وَمَا تَكَرَّرَ مِنَ السَّرِقَةِ قَبْلَ الْحَدِّ فَكَمَرَّةٍ، كَتَكَرُّرِ الزِّنَى، وَالشُّرْبِ، وَالْقَذْفِ

واحترز بقوله: (قَبْلَ الْحَدِّ) مما لو تكرر بعده فيجب تكرره كما تقدم، وسواء كان من ملك واحد أو متعدد.

وقوله: (فَكَمَرَّةٍ) أي: فلا يقطع إلا عضو واحد. أبوعمر: ولا أعلم فيه خلافاً ثم قاس ذلك على تكرار الزنى أو الشرب والقذف، وفهم منه أيضاً الحكم في المسائل.

ص: 315

وَتَتَداخَلُ الْحُدُودُ الْمُتِّحِدَةُ وَإِنْ تَعَدَّدَ مُوجِبُهَا كَحَدِّ الشُّرْبِ وَالْقَذْفِ، بخِلافِ الزِّنَى وَالْقَذْفِ أَوِ الشُّرْبِ

وقوله: (وَإِنْ تَعَدَّدَ مُوجِبُهَا) بكسر الجيم أي سببها كحد الشرب والقذف، وحاصله أنه إن اتحد ولا التفات إلى تعدد السبب، وإن اختلف الحد تعدد كحد الزنى م القذف أو مع الشرب، وخرج اللخمي تعدد الحد في القذف والشرب من أحد القولين إذا قذف جماعة.

ابن عبد السلام: وهو تخريج صحيح. ابن عبد السلام: وقد يقال إنما قيل بالتعدد بالقذف لما يلحق كل واحد من المعرة بخلافه هنا، ونقل عن عبد الملك أنه إذا زنى وشرب وقذف يحد مائة، ويدخل القذف والشرب في الزنى.

وَيَاتِي الْقَتْلُ عَلَى حَدِّ الزِّنَى وَالقَطْعِ وَالشُّرْبِ وَلا يَاتِي عَلَى حَدِّ الْقَذفِ

يعني: إذا لزمه قتل وحدود فالقتل يأتي على ذلك كله إلا القذف، فإنه يحد له أولاً ثم يقتل لعار المقذوف إن لم يحد له.

وَلا تَسْقُطُ الْحُدُودُ بالتَّوْبَةِ وَلا بالْعَدَالَةِ وَلا بطُولِ الزَّمَانِ مَعَهَا

هذا مخصوص بما سيذكره في الحرابة حيث قال: تسقط الحرابة بالتوبة قبل الظفر، لا يقال: الحد لم يثبت في الحرابة حتى يسقط فلا يحتاج إلى استتابة؛ لأنا نقول: الحرابة هي سبب وجود الحد وقد وجد، ويدل على ما ذكره المصنف حديث الغامدية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن توبتها وأقام الحد عليها.

ص: 316