المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْجِنَايَاتُ الْمُوجِبَةُ لِلْعُقُوبِةِ سَبْعَةٌ:‌ ‌ الْبَغْيُ ، وَالرِّدَةُ، وَالزِّنَى، وَالْقَذْفُ، وَالسِّرِقَةُ، وَالْحِرَابَةُ، - التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب - جـ ٨

[خليل بن إسحاق الجندي]

الفصل: الْجِنَايَاتُ الْمُوجِبَةُ لِلْعُقُوبِةِ سَبْعَةٌ:‌ ‌ الْبَغْيُ ، وَالرِّدَةُ، وَالزِّنَى، وَالْقَذْفُ، وَالسِّرِقَةُ، وَالْحِرَابَةُ،

الْجِنَايَاتُ الْمُوجِبَةُ لِلْعُقُوبِةِ سَبْعَةٌ:‌

‌ الْبَغْيُ

، وَالرِّدَةُ، وَالزِّنَى، وَالْقَذْفُ، وَالسِّرِقَةُ، وَالْحِرَابَةُ، وَالشُّرْبُ

لما تكلم على القتل والجراح اللذين يكون عنهما إذهاب النفس الذي هو من أعظم الذنوب في حق الآدميين، اتبع ذلك بالجنايات الموجبة إما لسفك الدماء ولما دونه، والجناية هي ما يحدثه الرجل على نفسه أو غيره مما يضر حالاً أو مآلاً، ثم هي منحصرة في الاصطلاح في هذه السبعة، وبدأ فيها بالبغي لأنها أعظمها مفسدة، إذ فيه إذهاب الأموال غالباً، وعقبه بالردة لأنها وإن كانت في الدين إلا ان مفسدها، وعقبه بالزنى؛ لأن مفسدته تقضي إلى إتلاف النفوس بواسطة عدم معرفة الأب الذي يقوم بمصالحه، وأعقبه بالقذف لتعلقه بالأنساب، وأما السرقةوالحرابة فالمفسد فيهما إنما هو إتلاف الأموال وهو أضعف، وكان ينبغي على هذا تقديم الشرب؛ لأن مفسدته ذهاب العقل، إلا أن يقول لم يكن الحد فيه منصوصاً عن الشارع، وقيساً على القذف أخره لذلك.

الْبَغْيُ: الْخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ الإِمَامِ مُغَالَبَةً

الجوهري: البغي: التعدي، وقال عياض وابن العربي: هو الطلب إلا أنه مقصور على طلب خاص، وهو أن يبتغي ما لا ينبغي ما ابتغاؤه، وهذا معنى كلامهما، وفي اصطلاح الفقهاء: الخروج عن طاعة الإمام يبتغي خلعه، أو يمتنع من الدخول في طاعته، أو يمنع حقاً وجب عليه بتأويل، وأخرج المصنف الخروج عن طاعة غير افمام من غير مغالبة فإن ذلك لا يسمى بغياً، فإن قيل قوله:(الْخُرُوجُ) لا يصدق إلا على من دخل وذلك غير شرط؛ إذ لا يشترط في انعقاد الولاية كل واح، قيل: قد يجاب عنه بأنه أراد الخروج عما وجب عليه شرعاً، وهو أعم من أن يكون دخل فيه أم لا.

ص: 211

وَالْبُغَاةُ قِسْمَانِ: أَهْلُ تَاوِيلٍ وَأَهْلُ عِنَادٍ

يعني: ويقاتلان، وقد أجمع في ذلك في زمان أبي بكر رضي الله عنه حيث قاتل مانع الزكاة، وكان بعضهم متأولاً أن وجوبها قد انقضى بموته صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى:(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِيهِم بِهَا)[التوبة: 103] وبعضهم معانداً شحَّاً بماله.

وَلِلإِمَامِ الْعَدْلِ فِي قِتَالِهِمْ خَاصَّةً جَمِيعُ مَا لَهُ فِي الْكُفَّارِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمُ النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ بَعْدَ أَنْ يَدْعُوَهُمْ

(خَاصَّةً) يرجع إلى قتالهم دون الاسترقاق وقتل أسيرهم والتذفيف على جريحهم، وأعاد ابن عبد السلام: خاصة للإمام العدل؛ أي: للعدل القتال دون غيره جميعاً؛ أي: الطائفتين أهل التأويل وأهل العناد ماله في قتال الكفار من ضيف سف ورمي نبل أو منجنيق وتغريق وتحريق، ولا يمنعه من ذلك وجود النساء والذرية فيهم.

وقوله: (بَعْدَ أَنْ يَدْعُوَهُمْ) إلى الحق، هكذانص عليه سحنون في كتاب ابنه، وإذا كان الكفار يدعون على أحد الأقوال، فهنا أولى لأنهم مسلمون.

وَلا يَقْتُلُ أَسِيرَهُمْ، وَإِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ وَأَمِنُوا فَلا يُذَفِّفُ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلا مُنْهَزِمِهِمْ

هكذا قال أصبغ: إذا أٍر منهم أسير فلا يقتل بل يؤدب ويسجن حتى يتوب، وإن ثبت عليه أنه قتل أحداً قتل به، وظاهر كلام أصبغ، وهو ظاهر كلام المصنف عدم القتل ولو كانت الحرب قائمة، وقال عبد الملك: إن كانت الحرب قائمة فللإلمام قتل أسيهرم أو جماعة في قبضته إذا خاف أن تكون عليه دائرة أو حس ضعفا، سحنون: وإذا ظهر الإمام عليهم ظهوراً بيناً وأيس من عودتهم، فلا يقتل منهزمهم ولا يذفف علىجريحهم، وإن لم يتحقق الهزيمة ولا يؤمن رجوعهم فلا بأس أن يقتل منهزمهم، وجريحهم.

ص: 212

ابن حبيب: ونادى منادي علي بن أبي طالب رضي الله عنه في بعض من حاربه ألا يتبع مدبر ولا يجهز على جريح ولا يقتل أسير، ثم كان موطن آخر في غيرهم فأمر باتباع المدبر وقتل الأسير والإجهاز على الجريح، فعوتب في ذلك، فقال: هؤلاء لهم فئة ينحازون إليها، الأولون لم تكن لهم فئة، ومعنى (أَلَاّ يُذَفَّفَ): لا يجهز، ونقل في النوادر [722/ب] عن سحنون أنه قال: سمعت اصحابنا يقولون لا يقتل منهزم العصبية ويقتل منهزم الخوارج على كل حال، ولعله إذا كان لهم إمام وفئة يوافق الأول.

وَفِي قَتْلِ الرَّجُلِ أَبَاهُ قَوْلانِ

ظاهره أنه من منع ذلك منعه على وجه التحريم، وهذا القول إنما هو منقول عن سحنون، وقال: لا أحب وظاهره الكراهة، وقد صرح سحنون في موضع آخر بالكراهة، وقال: من غيرتحريم، سحنون: وله قتل أبيه وأخيه وجده لأبيه وأمه، والقول بأن له أن يقتل أباه لأصبغ، وسكت عن الأم؛ لأن الغالب عدم قتالها ولا فهي أزيد من الأب برَّاً.

وَأَمَّا أَمْوَالُهُمْ فَإِنْ كَانَتْ سِلاحاً أَوْ كُرَاعاً وَاحْتِيجَ إِلَيْهَا اسْتُعِينَ بهَا عَلَيْهِمْ، وَيُرِدُّ بَعْدَ ذَلِكَ هَوَ وَغَيْرُهُ

ويرد إلى المال المستعان به وغيره من سائر أموالهم لأنهم مسلمون، لم يزل ملكهم عن أموالهم، فُهِمَ من كلامه أن غير السلاح والكراع لا يستعان به عليهم، وأن السلاح والكراع إذا لم يحتج إليها لا يجوز أخذها، وهكذا نقل عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه جواز الاستعانة وإلا فالأصل عدم الجواز لقوله عليه الصلاة والسلام: <لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس".

وَمَا أَتْلَفَهُ أَهْلُ التَّاوِيلِ مِنْ نَفْسِ وَمَالٍ فَلا ضَمَانَ

يعني: أنهم إن خرجوا متأولين فلاضمان فيما أتلفوه في الفتنة من نفس ومال، واحترز بقوله:(أَتْلَفَهُ) مما لو كان بأيديهم بعينه فإن ربه يأخذه.

ص: 213

وَإِنْ وَلَّوْا قَاضِياً أَوْ أَخَذُوا زَكَاةً أَوْ أَقَامُوا حَدَّاً، فَفِي نُفُوذِهِ قَوْلانِ

القول بالنفوذ لمطرف وابن الماجشون، وعدمه لابن القاسم، وعن أصبغ القولان، والأول أقيس؛ لأن التأويل إذا نفعهم في درأ القصاص والحدود وأخذ المال انبغى أن ينفعهم في هذه الأمور.

وَمَا أَتْلَفَهُ أَهْلُ الْعِنَادِ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ فَالْقِصَاصُ وَالضَّمَانُ

لأنهم غير معذورين.

وَحُكْمُ النِّسَاءِ الْمُقَاتِلَةِ مِنْهُمَا حُكْمُ الرِّجَالِ

(مِنْهُمَا) أي: من أهل التأويل وأهل العناد من القتل، وعدم قتل الأسير والتذفيف على الجريح، وفي الجواهر: وإذا قاتل النساء مع البغاة بالسلاح فلأهل العدل قتلهن في القتال، فإن لم يكن قتالهن إلا بالتحريض ورمي الحجارة فلا يقتلن إلا أن يكن قتلن فيقتلن، الشيخ أبو محمد: يريد غير أهل التأويل، وقد تقدم ي قتل النساء من أهل الحرب.

وَإِذَا سَأَلَ أَهْلُ الْبَغْيِ الإِمَامَ التَّاخِيرَ أَيْاماً أَوْ أَشْهُراً حَتَّى يَنْظُرُوا فِي أَمْرِهِم، وَتَأَوَّلُوا شَيْئاً لَمْ يَجُزْ أَخْذُهُمْ، وَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُم مَا سَأَلُوا مَا لَمْ يُقَاتِلُوا فِيهَا أَحَداً أَوْ يُفْسِدُوا

هذه الجملة وقعت في بعض النسخ، ووقعت في نسختي ونحوها في الجواهر وهو ظاهر التصور.

وَأَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ- فَإِنْ كَانُوا مَعَ أَهْلِ التَّاوِيلِ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُهُمْ، وَيُرَدُّونَ إِلَى ذِمَّتِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا مَعَ أَهْلِ الْعِنَادِ فَقَدْ نَقَضُوا عَهْدَهُمْ

لأن التأويل صيرهم كاهل الفتنة وكلامه ظاهر.

ص: 214