المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الرِّدَّةُ: الْكُفْرُ بَعْدَ الإِسْلامِ، وَتَكُونُ بصَرِيحٍ، وَبِلَفْظٍ يَقْتَضِيهِ، وَبفِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ   حد - التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب - جـ ٨

[خليل بن إسحاق الجندي]

الفصل: ‌ ‌الرِّدَّةُ: الْكُفْرُ بَعْدَ الإِسْلامِ، وَتَكُونُ بصَرِيحٍ، وَبِلَفْظٍ يَقْتَضِيهِ، وَبفِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ   حد

‌الرِّدَّةُ:

الْكُفْرُ بَعْدَ الإِسْلامِ، وَتَكُونُ بصَرِيحٍ، وَبِلَفْظٍ يَقْتَضِيهِ، وَبفِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ

حد المصنف الردة ظاهر التصور، ونسأل الله العظيم بجاه النبي الكريم أن يعصمنا منها، وأن يميتنا على الإسلام وهو راض عنا، وأن يقلع من قلوبنا رعونات البشرية.

قوله: (وَتَكُونُ) أي: الردة، ويجوز أن تقرأ بالياء المثناة من تحت، تعود حينئذٍ على الكفر الصريح كالكفر بالله وبرسوله، واللفظ الذي يقتضيه كجحد الصلاة والصوم وما علم من الدين ضرورة، أو ادعى أن للنجوم تأثيراً، والفعل المضمن قالوا: كإلقاء المصحف في القاذورات، وتلطيخ الكعبة بها وشد الزنار ببلاد الإسلام، والسجود للصنم، ونقل ابن عبد السلام، وابن راشد عن القرافي، أن الخطيب إذا جاءه من يريد النطق بكلمة الإسلام، فقال: اصبر حتى أقرأ خطبتي أنه يحكم بكفر الخطيب، لأن ذلك يقتضي أنه أراد بقاءه على الكفر، ولم أرَ ذلك، ووقعت في أيام القرافي مسألة وهي: أن رجلاً قال لآخر أمات الله البعيد كافرا، فأفتى الكركي بكفره، قال: لأنه أراد أن يكفر بالله، وقال القرافي: إرادة الكفر لم تكن مقصودة، وإنما أراد التغليظ في الشتم، والكفر شيء يتول إليه الأمر. ابن راشد: وما قاله هو الصواب.

وَتُفَصَّلُ الشَّهَادَةُ فِيهِ لاخْتِلافِ النَّاسِ فِي التَّكْفِيرِ

يعني: لا يقبل من الشاهد أن يقول فلان كفر وارتد عن الإسلام حتى يبين الذي كَفَر به، لأن من الناس من كفَّرَ بلازم المذهب ومنهم من لم يكفر به، ولا يقال يجري هنا الاختلاف الذي في التعديل والتجريح، لأن المفسدة هنا أشد، وظاهر كلام المصنف وجوب التفصيل، ولفظ الجواهر: ينبغي ولعل مراده أيضاً الوجوب.

ص: 215

وَمَنْ تَنَصَّرَ مِنْ أَسِيرٍ حُمِلَ عَلَى الاخْتِيَارِ حَتَّى يَثْبُتَ إِكْرَاهً فَكَالْمُسْلِمِ

هذا هو المشهور، ووجهه أن الغالب في أحوال المكلف الاختيار وهذا صحيح، إلا أن يشتهر عن جهة من جهات الكفار أنهم يكرهون الأسير على الدخول في دينهم، ويكثرون من الإساءة إليه، فإذا تنصر خفف عنه، فينبغي عندي أن يتوقف في إجراء حكم المرتد عليه في ماله وزوجاته حتىي يثبت ذلك، وقيل: بل يحمل على الإكراه لأنه الغالب من حال المسلم.

وقوله: (فَكَالْمُسْلِمِ) أي: فكما أن الكافر إذا أسلم ثم زعم أن إسلامه كان عن [723/أ] إكراه، فإنه يحمل على الاختيار ولا يقبل منه دعوى الاضطرار، هكذا قال ابن عبد السلام، قال: ولم يثبت.

قوله: (فكَالْمُسْلِمِ)، أنه إذا ثبت إكراهه فكالمسلم في جميع أحكامه، ويكون أعاد بذلك إلى قوله في المدونة: وإن ثبت إكراهه فكالمسلم في جميع أحكامه، ويكون أعان بذلك ببينة لم يطلق عليه في نسائه وماله، ويرث ويورث.

وَمَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ قُرْبٍ، فَقَالَ: أَسْلَمْتُ عَنْ ضِيقٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ غُرْمٍ، فَفِي قَبُولِ عُذْرِهِ بَعْدَ ظُهُورِهِ قَوْلانِ لابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، إِلا أَنْ يُقِيمَ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ

يعني: إذا أسلم كافر ثم ارتد وقيد المصنف ذلك بالقرب كما في الرواية لأنه الغالب، ومفهوم قوله بعد ظهوره أنه لو لم يظهر ما ادعاه ما سمع منه، وحكم فيه بحكم المرتد وهو صحيح، وقول ابن القاسم بعد ظهور عذره، وروي عن مالك، أصبغ: وهو أحب إليَّ إلا أن يقيم على الإسلام بعد ذهاب الخوف فهذا لا يقبل، وقاله ابن وهب وابن القاسم، وإلى هذا التقييد أشار بقوله:(إِلا أَنْ يُقِيمَ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ)، والخلاف مبني على أنه هل يجوز إكراه الكافر على الإسلام أو لا؟ فروى أشهب وغيره أنه إكراه بحق، وإنما لا يعتبر المكره

ص: 216

عليه إذا كان باطلاً، وروي في القول الأول أن الإكراه لا يجوز لأن الشرع قد أقر الذمي على دينه فلا يكره على الخروج منه، وإذا لم يجز إكراهه بإكراه لم يلزمه والله أعلم.

فرع:

المتيطي: إذا أجاب إلى الإسلام جملة، وتشهد وأقر بالرسالة ووقف على شرائع الإسلام من وضوء وصلاة وزكاة وحج البيت إن استطاع إليه سبيلا، فإن أجاب إلى ذلك تم إسلامه وقبل إيمانه، وإن ابى من التزام ذلك لم يقبل منه إسلام ولا يكره على التزامها، ولم يجبر على الإسلام وترك دينه ولا يعد مرتداً برجوعه، وكان الله غنياً عنه، وكان ينبغي عند دخوله في الإسلام أن يوقف على دعائم الإسلام المبني عليها المذكورة أولاً، قال وإن لم يوقف على شرائع الإسلام، فالمشهور من المذهب أنه يشد ويؤدب، فإن تمادى على ارتداده ترك في لعنة الله تعالى ولم يقتل؛ لأن الإسلام قول وعمل، وقاله مالك وابن القاسم وغيرهما، وبه أخذ ابن عبد الحكم وعليه العمل والقضاء، وقال أصبغ في الواضحة: سواء رجع عن إسلامه عن قرب أو بعد ولو طرفة عين إذا تلفظ بالشهادتين ثم رجع قتل بعد استتباة. انتهى. وقد تقدم في كتاب الجهاد من كلام اللخمي أنه إذا أقر بالشهادتين ثم رجع أن حكمه كالمرتد.

وَمِثْلُهُ مَنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَمَّهُمْ ثُمَّ اعْتَذَرَ

أي: ومثل من أسلم، وظاهره دخول الخلاف المتقدم، ويحتمل أن يكون مثله في أصل الحكم وهو قبول عذره مع ظهوره وعدم قبوله مع نفي العذر.

ابن عبد السلام: وهو أظهر ويعزى الخلاف لأشهب، وحكى إسحاق بن راهويه، الإجماع على أن الصلاة دليل على الإسلام، وجعل هذا الإجماع حجة في محل الخلاف وهو كفر تارك الصلاة ويستظهر لهذا الخلاف، ففي الموازية: إذا صحب النصراني قوماً وأظهر

ص: 217

الإسلام وتوضأ وصلى وراءه القوم فلما أمن أخبرهم وقال: صنعت ذلك تحصناً بالإسلام لئلا يؤخذ ما معي أو ثيابي، فله ذلك إذا أشبه، قال: وفي البيان: قالمالك: لا يقبل ما أظهر من الصلاة وإن كان في موضع هو فيه آمن على نفسه، ووجهه انه رأى صلاته بهم مجوناً وعبثاً، ويجب عليه بذلك الأدب المؤلم، وفي الواضحة لمطرف وابن الماجشون أن ذلك منه إسلام، ولا حجة إن قال: لم أرد به الإسلام، وسواء على قولهما كان في موضع هو فيه آمن على نفسه أو لا، مثل قول أشهب أي في المسألة السابقة، وفَرقٌ لسحنون بين أن يكون في موضع هو فيه آمن فيعرض عليه الإسلام فإن لم يسلم قتل، أوخائف فلا سبيل إليه وهو أظهر الأقوال.

خليل: وعلى هذا فالأظهر بقاء كلام المصنف على ظاهره من التشبيه في ظهور الخلاف ولا يلزم أن يكون القائل واحداً.

ابن عطاء الله: فإن أذن الكافر كان أذانه إسلاماً، وإن أذن مسلم ثم ارتد بعد فراغه جرى على الخلاف المتقدم في الردة هل يبطل العمل بمجردها أوحتى يموت عليها. انتهى. فانظر هل يأتي على ما قاله اللخمي دون ما ذكره المتيطي أو عليها.

وَعَلَى قَبُولِ عُذْرِهِ يُعِيدُ مَامُومُهُ، وَعَلَى رِدَّةٍ فِي إِعَادَتِهِمْ قَوْلانِ: أَسْلَمَ أَوْ قُتِلَ

على القول بقبول عذره يعيد من صلى خلفه لأنه صلى خلف كافر، وعلى القول بعدم قبول عذره وأن حكمه كالمرتد، فقال مطرف وابن الماجشون: يعيدون أيضاً أبداً، وظاهر كلامه أنه لا فرق بين أن يسلم أو يقتل والقول بعدم إعادته سواء أسلم أو قتل لم أقف عليه، نعم قال صاحب البيان: أنه القياس إذا حكمنا بإسلامه، والظاهر هو الأول لأنا وإن حكمنا بإسلامه فهو غير موثوق به في شروط الصلاة، والصلاة لابد فيها من نية جازمة، وإسلامه إنما حكم به في الظاهر، وقال سحنون: إن كان في موضع يخاف فيه على

ص: 218

نفسه فلا يقبل ويعيد القوم صلاتهم، وإن كان آمناً فإنه يعرض عليه الإسلام فإن أسلم فصلاتهم تامة، وإن [723/ب] لم يسلم قتل وأعادوا.

وَحُكْمُ الْمُرْتَدِّ إِنْ لَمْ تَظْهَرْ تَوْبَتُهُ الْقَتْلُ

لما في البخاري وغيره عنه عليه الصلاة والسلام: "من بدل دينه فاقتلوه"، وقال في المرتد للجنس يشمل الذكر والأنثى خلافاً للحنفية في إخراج الأنثى، ولنا العموم المتقدمز

فرع: فإن كانت متزوجة لم تقبل حتى تستبرأ، قال في الموازية: بحيضة.

فَلِذَلِكَ لا يُقْتَلُ الزِّنْدِيقُ إِذَا جَاءَ تَائِباً وَظَهَرَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى الأَصَحِّ، بخِلافِ مَنْ ظُهِرَ عَلَيْهِ، قَالَ مَالِكٌ: لأَنَّ تَوْبَتَهُ لا تُعْرَفُ؛ يَعْنِي أَنَّ التَّّقِيَّةَ مِنَ الزَّنْدَقَةِ

أي: لأجل أنَّا لا نقتل المرتد إلا إذا لم يظهر توبته، لأنه إنما قتل على ما أسر، وما أظهره لا يدل على ذلك وهذا هو المعهود، وذهب ابن لبابة إلى استنابته كالمرتد، وأما إذا جاء تائباص فظاهر الحال ان توبته صحيحة لاعترافه قبل أن يطلع عليه، ومقابل الأصح ذكره ابن شاس، فقال: ومن أصحابنا من قال لا تقبل توبته إذا جاء تائباً وصلى قبل الظهور عليه، وقوله: شاذ بعيد عن المذهب.

وَيَجِبُ عَرْضُ التَّوْبَةِ عَلَى مَنْ تُقْبَلُ مِنْهُ، وَفِي وُجُوبِ إِمْهَالِهِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ رِوَايَتَانِ، وَلا يُجَوَّعُ وَلا يُعَطَّشُ وَلا يُعَاقَبُ

لعله قال قوله: (مَنْ تُقْبَلُ مِنْهُ) على الأمر ليشمل كلامه المرتد والزنديق على الشك، وإلا فالمشهور أن التوبة إنما تعرض على المرتد، وظاهر المذهب وجوب إمهاله ثلاثة أيام، ففي الرسالة: ويؤخر للتوبة ثلاثاً، وحكى ابن القصار إجماع الصحابة عليه لتصويبهم قول عمر رضي الله عنه بالاستنابة من غير إنكار، ففي الموطأ لما بلغه أنهم قتلوه من غير استنابة أنه قال رضي الله عنه: أفلا حبستموه ثلاثاً وأطعمتموه كل يوم رغيفاً

ص: 219

واستنبتموه ولعله يتوب، ثم قال عمر: اللهم إني لم أحضر ولم أرضَ إذ بلغني، ويعرض عليه الإسلام كل يوم.

ابن راشد: والنص أنه يمهل، وإنما الخلاف في كونه واجباص أو استحباباً في ذلك روايتان، وعلى هذا فكلام المصنف ليس بظاهر؛ لأنه لا يؤخذ منه الاستحباب، لكن حكى ابن القصار عن مالك ما ظاهره عدم استحباب التأخير ثلاثاً؛ لأنه روي عنه أنه يستناب فإن تاب وإلا قتل.

قوله: (وَلا يُجَوَّعُ وَلا يُعَطَّشُ) نحوه لمالك لكلام عمر رضي الله عنه السابق.

قوله: (وَلا يُعَاقَبُ) ظاهره في الثلاثة، وهكذا نقل الباجي عن مالك، ونقل عن أصبغ أنه يخوف أيام استنابته بالضرب ويذكر بالإسلام، ويحتمل أن يردي لا يعاقبه إذا تاب وكذلك ذكره في الجواهر، قاله أشهب عن مالك.

وَالسَّاحِرُ كَالزِّنْدِيقِ حُرَّاً أَوْ عَبْداً ذَكَراً أَوْ أُنْثَى، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ مُسْتَسِرَّاً بسِحْرِهِ وُرِّثَ

حد ابن العربي السحر بأنه كلام مؤلف يعظم به غير الله عز وجل وتنسب إليه المقادير والكائنات، وفي الترمذي عنه عليه الصلاة والسلام:"حد الساحر ضربه بالسيف"، وفي الموطأ:"أن حفصة رضي الله عنها أمرت بقتل جارية لها أسحرتها".

ولأنه كفر فيجب قتله، أما أنه كفر فلقوله تعالى:(وَمَا يُعَلِمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ)[البقرة: 102]، وأما الكافر يقتل لقوله عليه الصلاة والسلام:"من بدل دينه فاقتلوه"، ولقوله عليه الصلاة والسلام:"لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير نفس"، ولا يقال هذا الحديث مخصص؛ لأن المسلم يقتل بغير هذا كالحرابة، وإذا كان مخصاصً فلا يحتج به؛ لأن الصحيح عند علماء الأصول خلافه، ولهذا قال مالك إن لم تعلم كفر وإن لم يعمل به، وإذا

ص: 220

ثبت أن حده القتل، فقال أصبغ: فلا يقتل حتى يثبت أن ما فعله من السحر الذي وصفه الله تعالى بأنه كفر، قال ويكشف عن ذلك من يعلم حقيقته، وحكاه الطرطوشي عن قدماء الأصحاب. الباجي: يريد ويثبت ذلك عند الإمام.

وقوله: (كَالزِّنْدِيقِ) أي: فإن ظهر عليه قتل ولم يستتب، وإن جاء تائباً ترك على الأصح، هذا مقتضى التشبيه، ونحوه في الجواهر لأنه قال في الساحر: إذا اطلع عليه فقيل: لا يقبل منه ما يدعيه من التوبة التي لا يعرف صدقه في دعواها إلا أن يأتي تائباً منه قبل أن يطلع عليه، وهو اختيار القاضي أبي محمد، وقال ابن عبد الحكم وأصبغ: وهو كالزنديق إن ظهر سحره، قبلت توبته وإن كان مستتراً به قتل ولم يستتب، فظاهره أن المستسر بسحره لا تقبل منه التوبة باتفاق، وإنما الخلاف إذا ظُهر على سحره كالزنديق، وظاهر ما في الموازية موافق لاختيار القاضي؛ لأن فيها لمالك أن الساحر يقتل ولا يستتاب وأن السحر كفر، وعلى هذا فلا يورث، وقال ابن عبد الحكم وأصبغ يورث إن كان مستسراً بسحره، ولا يردي إذا كان مضمراص له وقتل، وماله لبيت المال وإلى هذا أشار بقوله: وقيل إن كان مستسراً بسحره ورث وفهم منه أنه لا يورث على الأول مطلقاً.

وقوله: (حُرَّاً أَوْ عَبْداً ذَكَراّ أَوْ أُنْثَى) يعني: لا فرق في الساحر بين أن يكون حرَّاً أو عبداً، ولا فرق بين أن يكون ذكراً أو أنثى والمعروف من المذهب قتل الساحر، ورو ابن نافع عن [724/أ] مالك في المبسوط في المرأة تقر أنها عقدت زوجها عن نفسها أو غيرها أنها تقتل، قال ولو سحر نفسه لم يقتل بذلك وهذا كله إنما هو فيمن يباشر السحر، وأما من ذهب إلى من يعهد به، ففي الموازية: يِؤدب إذا باشر يداً ولا يقتل.

فرع:

وإذا كان الساحر ذميَّاً، فقال الباجي عن مالك أنه لا يقتل إلا أن يدخل بسحره ضرراً على المسلمين، فيكون ناقضاً للعهد، فيقتل لنقض عهده، ولا تقبل منه توبة غير

ص: 221

الإسلام، وأما إن سحر أهل ملته، فليؤدب إلا أن يقتل أحداً فيقتل به، وقال سحنون في العتبية: في الساحر من أهل الذمة يقتل إلا أن يسلم فليترك، كمن سب النبي صلى الله عليه وسلم.

الباجي: فظاهر قول سحنون أنه يقتل على كل حال إلا أن يسلم، بخلاف قول مالك أنه لا يقتل إلا أن يؤذي مسلماً، ونقل في البيان قولاً بأن الذمي إذا تزندق أو سحر يقتل وإن أسلم.

وَوَلَدُ الْمُسْلِمِ الْمُرْتَدِّ يَرْتَدُّ - كَالْمُرْتَدِّ يُجْبَرُ عَلَى الإِسْلامِ

يعني: أن المسلم إذا ارتد وكان له ولد فارتد أيضاً، فإن الولد حكمه كحكم المرتد، لكن لا يقتل إلا أن يبلغ، فقوله:(الْمُرْتَدِّ) صفة للوالد، وكلام المصنف يتناول المولود قبل الردة، وقد تكلم في الجواهر على المولود قبلها أو بعدها، فقال: وأما ولد المرتد فلا يلحق به في الردة إذا كان صغيراً، إذ تبعية الولد لأبيه في الدين إنما تكون في دين يقر عليه، فإن قتل الأب على الكفر بقي الولد مسلماً فإن أظهر خلاف الإسلام أجبر على الإسلام، فإن غفل حتى بلغ ففي إجباره على الإسلام خلاف إذا ولد قبل الردة، ثم في كونه بالسيف أو بالسوط خلاف أيضاً وإن ولد بعدها أجبر وإن بلغ، وقيل: إن بلغ ترك كمن ارتد، وفهم من قول المصنف:(يَرْتَدُّ) أن الولد لو لم يرتد لم يتبع أباه كما صرح به في الجواهر، ومفهوم قوله إلى أن يبلغ، أنه إذا بلغ يقتل، وهو أحد القولين اللذين حكاهما ابن شاس، وحكاهما ابن حبيب عمن كاتب من أصحاب مالك، وذكر في الباين عن ابن القاسم أنه لا يجبر بالقتل مطلقاً سواء ولد قبل الردة أو بعدها، وعن ابن كنانة: أنه إ لم يرجع الذي ولد له بعد الردة يقتل، ووقع في نسخة ابن عبد السلام: وولد المسلم المرتد كالمرتد، وجعل المرتد صفة للولد، قال: وهو خلاف ما تكلم عليه في الجواهر، وهذا لأنه لم يقع في نسخة يرتد وهي ثابتة عندنا في النسخ، فليس كلامه خلافاً لابن شاس.

ص: 222

وَلَا يُقْتَلُ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ وَلا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَلا يُصَلِّى عَلَيْهِ

أي: إذا جعلنا حكم المرتد لم تؤكل ذبيحته ولا يصلي عليه، ووقع في بعض النسخ:(فلا تؤكل) بالفاء وهي أحسن لأنها لم تشعر بالعلة.

وَلَوْ غُفِلَ عَنْهُ حَتَّى بَلَغَ اسْتُتِيبَ عَلَى الأَصَحِّ

الظاهر أن هذا مرتب على كلام هالسابق فيكون في الولد إذا ارتد لارتداد أبيه وكان قد ولد قبل الردة، وقد تقدم فيه من كلام صاحب الجواهر خلاف، ومقابل الأصح لابن القاسم أيضاً في العتبية فيمن ارتد وله ولد صغار أو أبوا أن يسلموا وقد كبروا، فليجبروا بالضرب ولا يبلغ بهم القتل.

وَأَمَّ مَالُُهُ فَيُوقَفُ فَإِنْ تَابَ فَلَهُ عَلَى الأَصَحِّ، وَإِلا كَانَ فَيْئاً

قوله: (وَإِلا) أي: وإن لم يثبت بل قتل على ردته فماله فيء بالاتفاق، وأما إن تاب فالأصح مذهب المدونة أنه له، ومقابله أنه أيضاص فيء وتعقبه.

ابن عبد السلام: فإن ظاهره أنه يتفق على الإيقاف، قال: ولا فائدة في إيقافه على القول بأنه لا يرجع إليه.

خليل: والنقل كما قال المصنف، فقد قال ابن شعبان: ومن أصحابنا من يقول إذا وقف مال المرتد بارتداده ثم مات أنه لا يرد إليه لأنه شيء وجب لغيره بردته، وكلام ابن شاس ككلام المصنف، وفائدة الإيقاف على هذا القول لما قد يطرأ عليه من دين سابق والتأليف على الإسلام؛ لأنا إذا أوقفنا المال يتوهم هأنا إنما وقفناه له فيسلم لذلك.

وَمَالُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ

أي: إذا قتل؛ لأنه يأخذه بالملك لا بالميراث.

ص: 223

وَحُكْمُ الزَّوْجَةِ تَقَدَّمَ

يعني: في النكاح.

وَأَمَّا جِنَايَتُهُ عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ عَمْداً فَإِنْ لَمْ يَتُبْ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ إِلَاّ الْفِرْيَةُ وَيُقْتَلُ

لأن القتل يأتي على ذلك كله، وحكى صاحب البيان الاتفاق على ذلك كله، قال في المدونة: إلا القذف وإليه أشار المصنف بالفرية، واستثنى لما يلحق المقذوف من الفرية وقيد هذا في الموازية بأن يقذفه في بلاد الإسلام، وأما في دار الحرب فإنه إذا أسر يسقط عنه حد القذف.

وَإِنْ تَابَ قُدِّرَ جَانِياً مُسْلِماً فِي الْقَوَدِ وَالْعَقْلِ، وَقِيلَ: قُدِّرَ جَانِياً مِمَّنِ ارْتَدَّ إِلَيْهِمْ

القولان لابن القاسم بناء على اعتبار النظر في الجناية يوم الحكم ويوم الوقوع، والقياس عند اعتبار يوم الجناية، وزاد في البيان ثالثاً: اعتبار العقل يوم الحكم والقود يوم العقل، وقد تقدمف ي موجبات الجراح هذا المعنى.

وَلَوْ قَتَلَ حُرَّاً مُسْلِماً وَهَرَبَ إِلَى بَلَدِ الْحَرْبِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لا شَيْءَ لَهُمْ مِنْ مَالِهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَهُمْ-إِنْ عَفَوْاً- الدِّيَةُ

خلافهما مبني على أن الواجب في العمد هل هو القود فقط أو التخيير؛ لأنه قد يعترض على أشهب بأن الخيار إنما هو حيث لا مانع، والقاتل هنا لو حضر كان محبوساً بحكم الارتداد ولم يكن لأولياء [724/ب] الدم معه كلام.

أَمَّا لَوْ جَنَى عَلَى عَبْدٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أُخِذَ مِنْ مَالِهِ

هذا قسيم قوله أو لا حراً مسلماً، وإنما أخذ من ماله لأنه ترتب علهي فلا يسط عنه، وهذا مذهب ابن القاسم في الموازية وبه أخذ محمد وقاله أصبغ، قال في البيان: وعلى

ص: 224

قياس قول سحنون الذي يرى أنه محجور عليه في ماله بنفس الارتداد، لا يكون ذلك في ماله وإليه ذهب الفضل.

وَلَوْ قَتَلَ حُرَّاً مُسْلِماً خَطَأً فَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ تَابَ فَالدِّيَةُ عَلَى تَفْصِيلِهَا كَالْمُسْلِمِ

لأنه إذا لم يتب يرثه بيت المال فكذا يعقل عنه، لكن تقييده بالمسلم ليس بظاهر لأنه لو قتل ذمياً لكان كذلك نص أصبغ.

قوله: (وَإِنْ تَابَ فَالدِّيَةُ عَلَى تَفْصيلِهَا) يحتمل أن يريد بالتفصيل دية المسلم واليهودي والمجوسي، ويحتمل أن يريد في النفس والجراح ويكون إشارة إلى أن ما دون الثلث في ماله والثلث فما زاد على العاقلة، ولا يقال يرد هذا أن المسألة مفروضة في القتل، ودية الحر المسلم لا تقبل النقصعن الثلث، لأنا نقول يجوز الكلام على أعم من فرض المسألة، لقوله عليه الصلاة والسلام: لما سئل عن ماء البحر "الطهور ماؤه الحل ميتته"، وفي البيان يتحصل ف يدية من قتل المرتد خطأً إذا أسلم ثلاثة أقوال: الأول: أن ذلك على عاقلته، والثاني: أن ذلك على جماعة المسلمين، والثالث: أن ذلك في ماله، وفي المسألة قول رابع، وروى أشهب أن ديته على أهل الدين الذي ارتد إليه.

وَالْجَنَايَةُ عَلَيْهِ تَقَدَّمَتْ

أي: أول الديات في قوله: (وَفِي الْمُرْتَدِّ ثَلاثَةٌ).

وَعَقْلُهَا إِنْ لَمْ يَتُبْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ تَابَ فَلَهُ، وَعَمْدُهَا كَالْخَطَأِ، وَلَوْ كَانَ الْجَانِي عَبْداً أَوْ ذِمِّيَّاً

عقل الجناية إذا لم يتب للمسلمين كما يرثوا سائرها، وإن تاب فله كمالِهِ وهذا على المشهور في رجوعه ماله له إذا تاب، وجرحه عمداً كالخطأ إلا ما ذكرناه من عدم القصاص؛ لأن العاقلة تحمل ذلك وغير ذلك.

ص: 225

وَتُسْقِطُ عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْعِبَادَاتِ حَقًّا للهِ تَعَالَى مِنْ صَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَنَذْرٍ وَيَمِينٍ وَظِهَارٍ كَالْكَافِرِ الأَصْلِيِّ بخِلافِ حَقِّ الآدَمِيِّ

يعني: أن الردة تُسقِط ما فرَّط فيه من صلاة وصيام وغير ذلك من حقوق الله تعالى حال الردة أو قبلها، فلذلك إذا تاب لا يؤمر بقضاء ذلك وهو في ذلك كالكافر الأصلي.

وقوله: (وَظِهَارٍ) ينجز وأما اليمين بالظهار فسيأتي من كلام المصنف أنه يسقط، وكذلك اختصر ابن أبي زيد المدونة على سقوطها، عياض: واختلف قول ابن القاسم في يمين الظهار عند محمد، قال: وقال بعض شيوخنا وكذلك لفظ الكتاب: لوكان الظهار حنث فيه فوجب عليه الكفارة لا يسقطها ارتداده، وتأول على ذلك مسألة الكتاب بخلاف ما لو كان لزمه مجرد الضمان ولم يحنث فيه فلا يسقطه ارتداده، قال: ومثله في الموازية.

قوله: (بخِلافِ حَقِّ الآدَمِيِّ) فإنه لا يسقطه بل يؤخذ بما كان الناس من قذف أو سرقة أو قتال أو قصاص أو غير ذلك.

وَتُزِلُ الإِحْصَانَ فَيَاتَنِفَانِهِ إِذَا أَسْلَمَا

أي: تزيل الردة إحصان الرجل والمرأة فيأتنفانه إذا أسلما، ولذلك إذا زنيا بعد الردة لجواز حد البكر وإن تقدم منهما تزويج صحيح.

وَرِدَّةُ الْمَرْأَةِ تُبْطِلُ إِحْلالَهَا

يعني: إذاطلق الرجل امرأته البتة فتزوجت غيره فحلت للأول، ثم ارتدت لسقط ذلك الإحلال كما يسقط الإحصان. ابن يونس: لأنها بطلت فعلها في نفسها وهو نكاحها الذي أحلها، كما أبطلت نكاحها الذي أحصنها.

ص: 226

بخِلافِ الْمُحَلَّلِ لأَنَّهُ أَثَرُهُ فِي غَيْرِهِ

أي: بخلاف ارتداد المحلل فإن ردته لا يبطل إحلالها مطلقاً (لأَنَّهُ أَثَرَهُ) أي: الإحلال في غيره إلى المطلق وهو المرأة.

كَالْيَمِينِ باللهِ وَبالْعِتْقِ وَالظِّهَارِ

هذا تشبيه لأصل المسألة وهو قوله (وَتُزِيلُ الإِحْصَانَ)، وكأنه والله أعلم قصد الاستدلال أن ردة المرأة تزيل الإحصان والإحلال كي تبطبل اليمين بالله وبالعتق وبالظهار، وهكذا في المدونة وقيده ابن الكاتب بالعتق غير المعين، قال: وأما المعين فقد انعقد في ماله حق لمعين فلا يسقط كالمدبر.

سحنون: ولا تسقط الردة حد الزنى لو يشاء من وجب عليه حد أن يسقطه إلا أسقطه بالردة.

ابن يونس: وظاهر هذا خلاف المدونة، قال: وإنما استحب أنه إن علم منه انه إنما ارتد ليسقط الحد قاصداً لذلك فإنه لا سقط عنه ذلك، وإن ارتد لغير ذلك سقط عنه، علي بن زياد عن مالك: وإن ارتدت امرأة تريد بذلك فسخ النكاح لايكون ذلك طلاقاً وتبقى على عصمته.

ابن يونس: وأخذ به بعض شيوخنا، قال: وهو كاشترائها زوجها بقصد فسخ نكاحها.

وَقِلَ: لا تُزِيلُ الإِحْصَانَ وَلا الإِحْلالَ كَطَلاقِهِ إِذْ لا يَتَزَوَّجُ مَبْتُوتَةً قَبْلَهَا إِلا بَعْدَ زَوْجِ، وَأُجِيبَ بأَنَّ أَثَرَهُ فِي غَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ لَوِ ارْتَدَّتِ الْمَبْتُوتَةُ مَعَهُ حَلَّتْ

هذا مقابل قوله أولاً: وتزيل الإحصان، وقوله:(وَرِدَّةُ الْمَرْأَةِ تُبْطِلُ إِحْلالَهَا) يعني: أن ما تقدم هو المشهور، وقيل: لا تزيلها كما لا تزيل حكم الطلاق الثلاث، وبين ذلك بقوله [725/أ]:(إِذْ لا يَتَزَوَّجُ مَبْتُوتَةً قَبْلَ الرِّدَّةِ إِلا بَعْدَ زَوْجٍ)، وأجيب عن هذا القياس بأن أثر الطلاق في الزوجة وهي غير المطلق كالإحصان والإحلال لأنهما قائمان بها خلاف

ص: 227

أثر الطلاق فنه قائم بالزوجة، ولأجل أن أثر الطلاق فيها لو ارتدت المبتوتة ومطلقها معاً ثم رجعا إلى الإسلام لحلت لمطلقها، لأن أثر الطلاق قد بطل بالردة، وما ذكره من عدم إزالة أثر الطلاق الثلاث.

عياض: ذهب أكثرهم إلى حمل قول ابن القاسم عليه وذهب ابن زرب إلى أن مذهب ابن القاسم أن الردة تسقط الثلاث، ويجوز للمطلق ثلاثاً قبل ارتداده تزويجها دون زوج، وحكى إسماعيل عن ابن القاسم نحوه.

أبو عمران: وهو الأشهر عنه، وحكى الدمياطي عنه خلافه.

وَتَبْطُلُ وَصَايَاهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَبَعْدَهَا

هكذا قال في النكاح الثالث من المدونة، وقال في أمهات الأولاد: وإن قتل على ردته عتقت أم ولده من رأس ماله وعتق مدبره في الثلث وسقطت وصاياه، ابن يونس: وعلى قول أشهب لا تبطل وصاياه إذا رجع إلى الإسلام إلا أن يرجع عنها، أصبغ: وإن ارتد سقطت وصاياه فإن رجع إلى الإسلام ثم مات فإن كانت هذه الوصايا مكتوبة جازت وإلا لم يجز، ووقع في بعض النسخ زيادة:(يعتق بعد موته قبل الردة وبعدها)، وليس للتقييد بالعتق معنى.

وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَإِنْ تَقَدَّمَ

لأنه لما ارتد حبط عمله وهذا هو المشهور لقوله تعالى: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ)[الزمر: 35] وقيل: لا تجب عليه إن كان قد حج بناء على أن الردة إنما تبطل العمل بشرط الوفاة على الكفر، لقوله تعالى:{وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِيِنِه، فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الْدُّنْيَا وَالأَخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217] والأول أظهر لأن هذه الآية رتبت شيئان على شيئين، والإحباط مرتب على

ص: 228

الردة، والخلود مرتب على الموت على الكفر، وأيضاً فإن قوله تعالى:(لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ)[الزمر: 35] نص على البطلان لمجرد الردةن والآية الأخرى نص في الإحباط بالموت على الكفر، وهي إنما تنعي الإحباط بمجرد الردة بطريق المفهوم، والمفهوم إنما يعمل به إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه.

وَمَنِ انْتَقَلَ مِنْ كُفْرٍ إِلَى كُفْرٍ أُقِرَّ عَلَيْهِ

هو المشهور وروي أنه يقتل لخروجه عن العهد الذي عقد إلا أن يسلم، وذكر صاحب البيان في الذمي يتزندق ثلاثة أقوال: الأول: أنه يترك، الثاني: يقتل، الثالث: يقتل إلا أن يسلم.

وَيُحْكَمُ بإِسْلامِ الْمُمَيِّزِ عَلَى الأَصَحِّ

تكلم على إسلامه وليس من باب الردة ليرتب على ذلك ردته، ولما كان الإسلام تارة يكون بالاستقلال وتارة يكون بالتبعية، تكلم أولاً بالاستقلال والأصح، ذكر ابن شاس في اللقيط أنه ظاهر المذهب، وذكر في البيان في باب الجنائز أنه مشهور وقول ابن القاسم؛ لأن المعرفة بالله تعالى تصح من المميز، ومقابل الأصح لابن القاسم أيضاً وسحنونأنه لا يحكم له بحكم الإسلام وإن عقله وأجاب إليه ما لم يبلغ.

وَيُجْبَرُ إِنْ رَجَعَ

هذا مفرع على الأصح؛ أي: إذا حكمنا بإسلامه.

وَيُحْكَمُ بإِسْلامِهِ تَبَعاً كَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَكَالْمَجْنُونِ للإِسْلامِ الأَبِ دُونَ الأُمِّ، وَقِيلَ: وَالأأُمُّ، وَقِيلَ: إِلا أَنْ يَكُونَ مُرَاهِقاً كَاثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً فَيُتْرَكُ

يعني: أن الأب إذا أسلم حكم بإسلام ولده مميزاً كان أو غيره تبعاً له، وكذلك يحكم على ولي المجنون بالتبعية، والظاهر أن مراده بالمجنون البالغ، وتقييد ابن عبد السلام له بأن

ص: 229

يكون قبل البلوغ ليس بظاهر؛ لأنه يلزم منه التكرار؛ إذ هو صبي غير مميز ولا تبعية للأم، وقال ابن وهب: يتبع من كان من الأبوين أحسن ديناً وإليه أشار بقوله: والأم فالواو بمعنى أو. ابن عبد السلام: وقيل الأم كالردة.

وقوله: (إِلا أَنْ يَكُونَ مُرَاهِقاً) هو استثناء من قوله: (وَيُحْكَمُ بإِسْلامِهِ) تبعاً أو أدبه، قول مالك: ومن أسلم وله ولد مراهق من أبناء ثلاثة عشر عاماً وشبه ذلك، ثم مات الأب وقف ماله إلى بلوغ الولد، فإن أسلم ورث وإلا لم يرث وكان المال للمسلمين، ولو أسلم الولد قبل احتلامه لم يتعجل أخذ ذلك حتى يحتلم لأن ذلكليس بإسلام، ألا ترى أنه لو أسلم ثم رجع إلى النصرانية أكره على الإسلام ولم يقتل، ولو قال الولد لا أسلم إذا بلغت لم ينظر إلى ذلك، ولابد من إيقاف المال إلى احتلامه. انتهى.

خليل: انظر قوله في المدونة: ولو أسلم الولد قبل احتلامه لم يتعجل

إلخ. خلافُ ما صححه المصنف من الحكم بإسلام المميز، لكن قد أخذ غير واحد القولين من المدونة، وعلى الحكم بإسلامه له الميراث لأنه لو رجع إلى النصرانية أجبر بالضرب حتى يسلم أو يموت.

وَلِذَلِكَ يُوقَفُ مِيرَاثُهُ مِنْهُ، وَلَوْ أَسْلَمَ حَتَّى يَبْلُغَ لأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ لَمْ يُقْتَلْ

قد تقدم هذا في نص المدونة.

وَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَ إِسْلامِهِ حَتَّى رَاهَقَ فَقَوْلانِ

هما في المدونة ونصها: ومن أسلم وله ولد صغار فأخرهم حتى بلغوا اثنتي عشرة سنة وشبه ذلك فأبوا الإسلام فلا يجبرون وهومسلمون، وهو أكثر مذاهب المدنيين.

وَتَبَعاً لِلسَّابِي الْمُسْلِمِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبُوهُ

نحوه في الجواهر وهو خلاف المدونة لقوله: ومن اشترىصغيراً من العدو أو وقع في سهمه من المغنم فمات صغيراً لم يُصلَّ عليه، وإن نوى به سيده الإصلاح إلا أن يجيب

ص: 230