المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الْكِتَابَةُ: وَهِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى السَّيِّدِ، فَلا يُجْبَرُ الْعَبْدُ أَيْضاً - التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب - جـ ٨

[خليل بن إسحاق الجندي]

الفصل: ‌ ‌الْكِتَابَةُ: وَهِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى السَّيِّدِ، فَلا يُجْبَرُ الْعَبْدُ أَيْضاً

‌الْكِتَابَةُ:

وَهِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى السَّيِّدِ، فَلا يُجْبَرُ الْعَبْدُ أَيْضاً عَلَى الأَصَحِّ

الكتابة: عتقُ الرجلِ عبدَهُ على مال يؤديه منجماً، وسميت كتابة-مصدر كتب- لأنه يكتب على نفسه لمولاه ثمنه ويكتب له مولاه العتق، ويحتمل أن يكون من الإيجاب واللزوم؛ لالتزام العبد والسيد، وما ذكرناه، قال الله تعالى:{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفسِهِ الرَّحَمَةَ} [الأنعام: 54] ويقال فيها: كتابة، ومكاتبة، وكتاباً، قال الله العظيم:{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَبَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَنُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} [النور: 33] وخص العبد باسم المفعول؛ لأن الأصل الكتابة من السيد، وهو الذي يكاتب عبده. ونبه بقوله:(غَيْرُ وَاجِبَةٍ) على قول الظاهرية لإيجابها للأمر؛ لقوله تعالى: {فكَاتِبُوهُم} .

وروى الجمعي أن الكتابة دائرة بين العبد نفسه وعتقه، وكل منهما غير واجب، واختلف هل هي مستحبة وهو مذهب المدونة، وحكاه ابن القصار عن مالك، وقاله ابن شعبان، أو مباحة وهو الذي حكاه ابن الجلاب عن مالك، وبه قال القاضي إسماعيل والقاضي عبد الوهاب؟ واختلف في الخير المذكور في الآية هل هو المال، أو القدرة على الكسب، أو الصلاح، أو الدين والمال، أو الأمانة إلى غير ذلك من الأقاويل. والمنقول عن مالك في الموازية: أنه القوة على الأداء.

قوله: (فَلا يُجْبَرُ) هو المشهور، وهو قول ابن القاسم وأِهب وعبد الملك، ومقابله روي عن مالك وأصبغ. واختار اللخمي الإجبار إذا رضي السيد بمثل خراجه وأزيد يسيراً والأقل، لأنها منفعة للعبد خالية عن مضرة.

أَرْكَانُهَا: الصِّيغَةُ، مِثْلَ: كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا فِي نَجْمٍ أَوْ نَجْمَيْنِ فَصَاعِداً

يعني: أركان الكتابة أربعة؛ الصيغة، والعوض، والسيد، والعبد المكاتب. وتكلم عليها أولاً فأول. وقوله:(مِثْلَ كَاتَبْتُكَ) يعني: وأنت مكاتب أو معتق على نجم أو نجمين. وظاهر كلامه اشتراط التنجيم.

ص: 415

عياض وغيره: وهو ظاهر المدونة؛ لقوله فيها: وإن كاتبته علىلأف درهم ولم يضرب له أجلاً نجمت عليه- وإن كره السيد- على قدر ما يرى من كتابة مثله وقدر قوته، ولا تكون له حالَّة. والكتابة عند الناس منجمة، وكذلك قال ابن القصار والأستاذ أبو بكر الطرطوشي: إن ظاهر قول مالك لابد من تنجيمها. عياض: وكذلك ظاهر كلام أبي محمد في رسالته: إن التنجيم من شرطها. وحكى عبد الوهاب عن متأخري شيوخنا أنها تكون حالة، وهوالذي ارتضاه هو وغيره من أئمتنا.

وقد يحمل قوله: والكتابة عند الناس منجمة على أنه الغالب والعرف، فكذلك حكم به في الهبة. انتهى. وأِشار في المقدمات إلى أن الصحيح في المذهب جوازها حالة.

وظاهر قول المصنف: (فِي نَجْمِ أَوْ نَجْمَيْنِ) أنه لا فرق بين ما قل من النجوم أو كثر، وهكذا ذكر ابن شعبان. قال: ومن أصحابنا من يختار جعلها في نجم أو نجمين.

وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٍّ عَلَى أَلْفِ عَتَقَ فِي الْحَالِ وَالأَلْفُ فِي ذِمَّتِهِ

ذكر هذه هنا وإن لم تكن من الكتابة؛ لبيان لفظ الكتابة، إذ لو قال: كاتبتك بألف لنجمت. وقوله: (عَتَقَ) يريد إذا قبل العبد، وهذا الكلام راجع إلى قوله: أنت حر على أن عليك كذا. وعلى هذه الصورة حمل كلام المصنف، وقد ذكروا هنا صيغاً؛ الأولى: أنت حر على أن عليك ألفاً، أو على أن تدفع إلي ألفاً، أو على أن تؤدي إلي، أو إن أديت إلي، أو إن أعطيتني، أو جئتني، أو إذا أوتي.

واختلف في المسألة الأولى، وهي: أنت حر على أن عليك ألفاً على أربعة أقوال: الأول لمالك: بإلزامه العتق وإلزام العبد المال، سواء قال: أنت حر الساعة، او لم يقل، وهو الذي اقتصر عليه المصنف. والثاني لابن القاسم: يخبر العبد، فإن رضي كان حُرّاً، وإن كره كان رقيقاً. الثالث لابن القاسم أيضاً على رأي بعضهم: أنه يخير بين القبول ولا يعتق إلا

ص: 416

بأداء، أو رد ويبقى رقيقاً. الرابع لأصبغ: لا خيار للعبد ولا عتق حتى يدفع المال، وأما المسألة الثانية، وهي قوله:[757/ب] أنت حر وعليك الف. ففيها ثلاثة أقوال؛ الأول لمالك وأشهب: أنه حر إلا أن عليه ألفاً معجلة إن كان موسراً، أو إلى اليسار إن كان معسراً. والثاني مشهور قول ابن القاسم وقول ابن وهب: هو حر ولا شيء عليه من المال. والثاثل لابن الماجشون وابن نافع: يخير العبد، فإن رضي كان حرّاً وأتبع بالمال، وإن كره كان رقيقاً كقول ابن القاسم في التي قبلها.

وأما المسألة الثالثة، وهي قوله: أنت حر على أن تدفع إلي، فحكى اللخمي الاتفاق على أن العبد بالخيار بين القبول، أو الرد فيكون رقيقاً، وأنه لم يعتق إلا بعد دفع المال، وحكى عياض وغيره ثلاثة أقوال: الأول من الثاني لابن القاسم في العتبية تخيير العبد في الرضا كالعتق معجلاً ويلزمه المال، أو يرد فيبقى رقيقاً.

الثالث تخريج صاحب المقدمات: أن العبد يكون حرّاً إذا دفع المال، وأن للسيد إجباره على أخذ المال. وأما المسألة الرابعة، وهي: أنت حر على أن تؤدي إلي. فالاتفاق على أن العبد لا يعتق إلا بالأداء. قوله: أن يرد ولا يقبل هكذا حكى غير واحد. قال في المقدمات: وقد فرق ابن القاسم بين قوله: أنت حر على أن عليك كذا، وبين على أن تدفع كذا، وللتفرقة بينهام وجه؛ وهو أنه إذا قال: على أن تدفع فوض الدفع إليه، وإذا قال: على أن عليك، فقد ألزمه ذلكولم يكله إليه، وقد قيل: إن هذين اللفظين سواء، بخلاف قوله: على أن تؤدي إلي كذا وكذا. والصواب: ألا فرق بين أن يقول: على أن تدفع أو تؤدي.

عياض: وقول ابن رشد هو الصحيح للعبد؛ لقوله تدفع وتؤدي. وأما المسألة الخامسة؛ وهي: إن أديت إلي أو أعطيتني أو متى وشبه ذلك؛ فلا يلزم العتق إلا برضا العبد ودفع المال، كقوله: على أن تؤدي أو تدفع، ويدخله من تخريج الإجبار على الأداء ما تقدم، والله أعلم.

ص: 417

وَيَجُوزُ عَلَى مَا جَازَ صَدَاقاً، وَتُكُرَهُ عَلَى آبقٍ أَوْ شَارِدٍ أَوْ جَنِينٍ أَوْ دَيْنٍ عَلَى غَائِبٍ لا تُعْلَمُ حَيَاتُهُ، وَلا يُعْتَقُ حَتَّى يَقْبِضَ السَّيِّدُ مَا شَرِطَ

هذا هو الركن الثاني، وذكر أنه يجوز فيه ما جاز في الصداق من الوصف، كعبد وشورة، ثم ذكر أن هذا الباب أوسع من باب الصداق، فلهذا يجوز هنا الآبق والشارد والجنين، وما ذكره المصنف من الكراهة هو مذهب أشهب على ما نقله اللخمي، والذي نقله ابن يونس عن ابن القاسم جواز التكابة بالغرر، ولهذا قال في المدونة: ولو كاتبه على عبد فلانجاز، بخلاف النكاح.

سحنون ومحمد: فإن لم يصل إليه فعليه قيمته. وقال ابن ميسر: لا يعتق إلا به. ولم يجزه أشهب، وقال: تفسخ الكتابة، إلا أن يشتريه قبل الفسخ، والتحقيق أن ابن القاسم لا يجوز الغرر مطلقاً، ففي المدونة: وإن كاتبه على لؤلؤ غير موصوف لم يجز، لتفاوت الإحاطة بصفته. وفي الموازية عن غير ابن القاسم جواز ذلك وله الوسط، ثم إن ما ذكره المصنف من الجواز في الآبق والشارد مقيد بأن يكون ذلك في ملك العبد، وأما إن كان في غيره فلا يجوز اتفاقاً، نقله في المقدمات. وقوله:(وَلا يُعْتَقُ حَتَّى يَقْبََ السَّيِّدُ مَا شَرَطَ) شرط ظاهر.

وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ تَمَلُّكُهُ كَالْخَمْرِ رَجَعَ بالْقِيمَةِ، وَلا تَفْسُدُ لِفَسَادِ الْعِوَضِ

يعني: إذا كاتبه على عوض لا يصح تملكه كالخمر، فإن الكتابة تمضي، وظاهره سواء فات ذلك بالأداء أم لا، وقد صرح ابن عبد السلام بذلك فقال: وعقد الكتابة هنا فوت، كما لو اشترى العبد شراء فاسداً وكاتبه مشتريه؛ فإنه يحكم بقيمته، ولا يبعد تخريج قول بالفسخ قبل الأداء.

وفي العتبية عن سحنون: في النصراني يكاتب نصرانياً بمائة قسط من خمر، فأسلم المكاتب بعدما أدى النصف، على المكاتب نصف قيمته عبداً قناً وعليه نصف كتابة مثله.

ص: 418

قال في البيان: وليس على التخيير بل هما قولان. قال مرة: يكون عليه نصف كتابة مثله وهو قول ابن الماجشون. ومرة قال: عليه قيمة رقبته. والأول أظهر.

وأجمل المصنف في قوله: (رَجَعَ بالْقِيمَةِ) تبعاً لابن شاس، إذ يحتمل بقيمة الحر لو جاز بيعه، لكن النقل يفع هذا؛ لأنه إذا لم يقل به في مسألة النصراني فأولى إذا كان أولاً مسلماً، ويحتمل بقيمة العبد، وهو أحد القولين في مسألة النصراني، والله أعلم.

وَلَوِ اشْتَرَطَ فِي الْكِتَابَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئاً مَضَتْ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الشِّرَاءُ

يحتمل لو شرط السيد في الكتابة على المكاتب، ويحتمل لو شرط المكاتب على السيد أن يشتري منه، وعلى الثاني اقتصر ابن عبد السلام. وقوله:(مَضَتْ) أي: الكتابة وبطل الشراء، وينبغي ألا يبطل؛ لأنه تعلق به حق لمشترطه، ولو تمما الكتابة على ما شرطناه من شراء من المكاتب أو بيع؛ مضت ولا كراهة.

وفي الجلاب: لا بأس أن يشترط على مكاتبه سفراً أو خدمة مع كتابته، فإن أدى الكتابة معجلة؛ سقط عنه السفر والخدمة. وقد قيل: لا يسقط ذلك عنه، وهو لازم لا يعتق إلا بإذنه. وقد قيل: له أن يعطي قيمة ذلك مع تابته ويتعجل عتقه ولا ينتظر به ما اشترط عليه من السفر أو الخدمة.

المتيطي: والأول [758/أ] المشهور المعمول به. وقيده في النكت بالخدمة اليسيرة؛ لأنها في عين البيعن وأما إن كان معظم الكتابة خدمة وأقلها مالاً؛ فلا يستقيم أن توضع الخدمة عنه. رأى ابن يونس ألا يأتي على ما احتج به ابن المواز؛ لأنه جعله كمن أعتق بعض عبد، فينبغي أن يعجل العتق، ولو كانت الكتابة عشر قيمة الخدمة، والله أعلم.

ص: 419

وَالتَّاجِيلُ فِيهِ حَقٍّ لِلْعَبْدِ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَجَلاً نُجِّمَتْ بقَدْرِ سِعَايَتِهِ، وَقِيلَ: تجُوزُ حَالاًّ

يعني: إذا جعل في الكتابة أجل فذلك من حق العبد، كديون النقد المؤجلة، أجل فيهما من حق المدين، فلذلك لو عجل المكاتب ما عليه من عين أو عرض لزم السيد. قوله: (فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَجَلاً

إلخ). وقد تقدم ما في المدونة، وهو وإن كاتبه على ألف درهم ولم يضرب لها أجلاً نجمت عليه وإن كره السيد، على قدر ما يرى من كتابة مثله وقدر قوته. وفي بعض النسخ: نجمها الحاكم على السيد، ولأجل أن الغالب على الكتابة التأجيل، ولأن الأصل فيها ذلك. قال أهل المذهب: إذا أوصى السيد بالكتابة مجملة نجمت قدراً وتأجيلاً على حسب ما يراه أهل المعرفة. قوله: (وَقِيلَ: تجُوزُ حَالاً) فيه بعض اللبس؛ لأنه يوهم أن الكلام السابق مبني على أن الكتابة لا يجوز أن تكون حالة، وإنما قدم أن التأجيل حق للعبد، وإذا كان حقاص له صح أن يسقطه فلا منافاة، ويحتمل أن يكون أشار هذا إلى ابتداء مثله. وأشار بقوله:(وَقِيلَ) إلى القول الآخر بعدم جوازها حالة، وقد تقدما.

وَلا يُعْتَقُ مِنْهُ شَيْءٌ إِلا بالْجَمِيعِ

لا خلاف في هذا عندنا، وهو مذهب الجمهور، وروى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن جده عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:"المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم".

وَلَوْ وَجَدَ الْعِوَضَ مَعِيباً أَتْبَعَهُ بمِثْلِهِ

يعني: إذا قبض السيد الكتابة أو بعضها، فوجد ما قبض أو بعضه معيباً؛ فله رده والرجوع بمثله، لأن الكتابة إنما تكون بغير معين، والأعواض غير المعينة إذا اطلع فيها على عيب قضي بمثلها.

ص: 420

وَلَوِ اسْتُحِقَّ وَلا مَالَ لَهُ، فَفِي رَدِّ عِتْقِهِ وَعَوْدِهِ مُكَاتَباً قَوْلانِ

ظاهره أن ضمير (وَلَوِ اسْتُحِقَّ) يعود على العوض في الكتابة، وإنما فرضها في المدونة وغيرها؛ ففيها، قال أشهب وابن نافع عن مالك: في مكاتب قاطع سيده فيما بقي عليه على عبد دفعه إليه، فاعترف أنه مسروق فأخذ منه، فليرجع السيد على المكاتب بقيمة العبد.

ابن نافع: وهذا إذا ان له مال، فإن لم يكن له مال؛ رد مكاتباً كما كان قبل القطاعة، وهذا رأيي والذي كنت أسمع. وقال أشهب: لا يرد عتقه؛ لأن حريته قد تمت وجازت شهادته ووارث الأحرار، ولكن يتبع بذلك. لكن يجاب عن المصنف بأنه لا فرق بين الكتابة والقطاعة في هذا المعنى، وقيد في البيان هذا الخلاف بما إذا لم يكن العبد موصوفاً، قال: ولا خلاف إذا قطع سيده على عبد موصوف، فاستحق من يده انه يرجع موصوفاً، قال: ولا خلاف إذا قطع سيده على عبد موصوف، فاستحق من يده أن يرجع عليه بقيمته، ولا يرد في الكتابة، ومفهوم قول المصنف: ولا مال له، أنه لو كان له مال لم يرد عتقه. وذكر ابن رشد فيه الخلاف، وحصل في المسألة ثلاثة أقوال؛

الأول: أنه يرجع في الكتابة حتى يؤدي إلى سيده قيمة ذلك، ملياً كان أو معدماً، وهو الذي يأتي على قول ابن القاسم في المدونة في الذي يؤدي كتابته إلى سيده من أموال غرمائه.

الثاني: أنه لا يرجع في الكتابة إلا أن يكون معدماً، وهو قول ابن نافع في المدونة.

والثالث: أنه لا يرجع في الكتابة ملياً كان أو معدماً، ويتبع بذلك إن كان معدماً في ذمته، وهو حر بالقطاعة، وهو قول أشهب في المدونة.

بمَا لا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ رُدَّ عِتْقُهُ

حكى في البيان على هذا الاتفاق، أما إذا قاطع سيده على شيء بعينه لا شبهة له فيه غرَّ به موليه؛ كالثياب يستودعها وشبهها، فلا خلاف أن ذلك لا يجوز، ويرجع

ص: 421

في الكتابة على ما كان عليه حتى يؤدي قيمة ما قاطع به. فقول المصنف: (رُدَّ عِتْقُهُ) يعني: ويرجع مكاتباً.

وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْطَى مَالَ الْغُرَمَاءِ

أي: ومثل ما إذا غر بما لا شبهة له في رد عتقه ورجوعه مكاتباً، ما إذا دفع مال الغرماء. قال في المدونة: إن ودى كتابته وعليه دين، فأراد غرماؤه أن يأخذوا من السيد ما قبض منه، فإن علم أن ما دفع إليه من أموالهم؛ فلهم أخذه ويرجع رقاً.

ابن يونس وغيره: يريد مكاتباً. واختلف في معنى قوله: فإن علم أن ما دفع من أموالهم، أي: يريد من أموالهم بعينها، أو يريد أنه استغرق الدين ما بيده، ورجحه ابن يونس، فإنه إذا كان مستغرقاً بما دفع وإن لم يكن أموالهم فهو متولد عنها، فلهم منعه من أن يعتق بها، كما لهم منع الحر من الصدقة والهبة إذا كان مسترقاً.

واحتج بقول مالك في المدونة: إن المكاتب إذا كان مدياناً فليس له أن يقاطع سيده، ويبقى لا شيء له؛ لأن غرماءه أخذوا ماله من سيده. وحمل قوله في الرواية: فإن لم يعلم أن ما دفع من أموالهم، لم يرجعوا على السيد بشيء على ما أباده بعمل يده أو أرش لجرحه؛ لأن عمل يده كأجرته وأرش جرحه كرقبته، فلما كان الحر لا يؤاجر ولا يباع في الدين، فكذلك هذا لا تسليط لهم على مل يده وأرش جرحه. قيل: فإن أشكل ما دفعه المكاتب، هل هو من أعيان أموالهم وما توالد منها، أو من أجرته وخراج يده، أو ما وهب له ليعتق به؟ قال بعض علمائنا: يصح عتقه ولا يكون لهم نقضه، ولو اعترف بذلك السيد لكان القياس [758/ب] أن ينفذ العتق ويرجع الغرماء على السيد بما قبض، لإقراره أنهم أولى به منه، إلا على قول سحنون، فإنه زعم أن كل ما كسب المكاتب من عمل يده قبل عجزه فإنه للغرماء؛ لأنه أحرزه عن سيده، إلا أن يوهب له مال بشرط أن يؤديه إلى

ص: 422

سيده، وإنما النظر لو قامت الغرماء اولسيد فيه وقد عجز، أو لم يعجز وأشرف على العجز، والقياس أن يحتاط للغرماء؛ لأن السيد قد عرضه للمداينات كالأحرار، ولا سيما على قول سحنون. قال غيره: وإن كان على المكاتب ما يفترق ما في يديه؛ فهو أموال غرمائه حتى يعلم أن الذي دفع من عمل يده.

ابن يونس: وهذا موافق لظاهر المدونة.

وَيُنْدَبُ إِلَى الإِيتَاءِ بحَطِّ جُزْءٍ آخَرَ

حمل مالك وأبو حنيفة وغيرهما الأمر في قوله تعالى: {وَءَاتُوهُم مِن مَّالِ اللهِ الَّذِيءَاتَكُمْ} [النور: 33] على ندب سيد المكاتب أن يحط عن مكاتبه شيئاً آخر الكتابة، وكان مندوباً لأنه هبة وهي لا تجب، على أن ابن الجهم قال: أما الوضيعة من آخر الكتابة فأكثر أصحابنا يأمرون بذلك من غير قضاء. انتهى.

وقال الشافعي بوجوبه لظاهر الأمر، لكنه وافق على أنه غير محدود، وألزمه أبو عمر وغيره: الكتابة بالمجهول لأنه يوجب إخراج المجهول من المعلوم، وحدده بسدسها وبعضهم بربعها، وقيل: المخاطب بأمر الناس، وقيل: الولاة. وقيل: السادات. ولكن يعطون من غير الكتابة إلى غير ذلك من الأقاويل المذكورة للعلماء خارج المذهب.

أَوْ مَتَى عَجَّلَةُ قَبْلَ الْمَحَلِّ لَزِمَ، وَلَوْ كَانَ غَائِباً قَبَضَهُ الْحَاكِمُ وَنفَّذَهُ

قد تقدم أن الأجل في العوض في الكتابة من حق المكاتب، فلذلك إذا عجله قبل أجله يلزم السيد قبوله، ولو كان عوضاً فن كان السيد غائباً قبضه، يريد إذا لم يكن له وكيل ونفذ الحاكم عتقه، وهذا لأن المكاتب يتضرر ببقائه في الرق، وإلا فالأصل أن القاضي لا يقتضي ديون الغائب، ولأن الكتابة ليست من الديون حقيقة، وأما النظر فيها من النظر في رقيق الغائب ومصالحه، فينظر القاضي اقتضاء الكتابة، ولم يطلب المكاتب

ص: 423

ذلك؛ كي ينظر مخارجة عبيد الغائب، أو لتشوف الشرع إلى الحرية، فإن كانت الكتابة على كسوة أو ضحايا؛ فإنه يقوم ذلك بعض الشيوخ، ولو قال قائل أن عليه تعجيل تلك العين لما ثبت لها من الصفة بوصف أو إطلاق لما بعد.

فرع:

واختلف إذا كانت على خدمة خاصة ولا مال معها فأراد تعجيل قيمتها، فقال أشهب: له ذلك ولزم السيد أخذ القيمة ويعتق مكانه. وقال ابن القاسم: أنه ليس له تعجيل الخدمة، وكأنه رآه معتقاً إلى أجل. فاختار الأول بعض القرويين؛ لأنهم اجتمعوا على أنه كتابة، فيمضي على ما اجتمعا عليه، وهو اختيار ابن يونس وغيره. ابن يونس: وإذا كان له حكم المكاتب فينبغي أن يكون له تعجيل قيمة الخدمة. وقد قال ابن القاسم فيما يشبه هذا: إن له تعجل قيمة الخدمة كقول أشهب، ولم يذكر فيه خلافاً.

وَيَجُوزُ أَنْ يُفْسَخَ مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ دَنَانِيرَ فِي دَرَاهِمَ إِلَى أَجَلٍ، وَأَنْ يُبْرِئَهُ عَلَى التَّعْجِيلِ بالْبَعْضِ وَشِبْهِه؛ لأَنَّهَا لَيْستْ كَالْبَيْعِ وَلا كَالدَّيْنِ؛ وَلِذَلِكَ لا يُحَاصُّ السَّيِّدُ الْغُرَمَاءَ بهَا فِي مَوْتٍ وَلا فَلَسٍ

مثل اذكره المصنف من فسخ الدنانير في الدراهم المؤخرة، وبالعكس ضع وتعجل، وبيع الطعام قبل قبضه، والسلف يجر منفعة، وظاهر كلام المصنف؛ أنه لا فرق في جواز هذه الوجوه بين أن يتعجل العتق أو لا، وهو مذهب مالك وابن القاسم، ووجهه: ما ذكره المصنف أنه ليس كالديون الثابتة. ومنعه ابن مر رضي الله عنهما، وإن تعجل العتق كسائر الديون الثابتة. ومنه سحنون إلا أن يتعجل العتق، واحتج سحنون بمنع ذلك في الربا بين العبد وسيده، واعترضه بعض القرويين بإجازة سحنون غيره قطاعة أحد الشريكين بإذن شركيه أن يأخذ أقل من نصيبه قبل الأجل، وليس في ذلك تعجيل عتق.

ص: 424

وقوله: (لأَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْبَيْعِ وَلا كَالدَّيْنِ) تعليل للجواز، فإن قيل: البيع أعم من الدين، ونفي الأعم يستلزم نفي الأخص، فلا حاجة إلى ني الدين. قيل: البيع ليس أعم مطلقاً؛ لأن الدين قد يكون من قرض. قوله: (وَلِذَلِكَ لا يُحَاصُّ) أي: ولأجل أنها ليست كالدين لا يحاص بالغرماء في الموت والفلس.

وَإِذَا عَجَزَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ رُقَّ وَيَتَلَوَّمُ الْحَاكِمُ لِمَنْ يَرْجُوهُ

يعني: وإذا عجز المكاتب عن شيء من العوض رجع إلى ما كان عليه قبل الكتابة، فلو كان مدبراً ثم كاتبه وعجز رجع مدبراً، وقد يقال: هذا كاتبه وعجز رجع مدبراً، وقد يقال: هذا تكرار مع قوله أولاً: ولا يعتق منه شيء إلا بالجميع. ويجاب عنه بأن المتقدم فيما يخرج به المكاتب من الكتابة إلى الحرية لا، أي: لا يخرج من حال الكتابة إلى الحرية إلا بأداء الجميع، وكلامه هنا فيما ينتقل بسببه من حال الكتابة إلى الحال التي كان عليها قبل الكتابة.

قوله: (وَيَتَلَوَّمُ الْحَاكِمُ لِمَنْ يَرْجُوهُ) ظاهره أنه لا يعجزه إلا الحاكم، سواء اختلفا في التعجيز أو اتفقا فيه، وأما إن اختلفا فطلبه السيد للتعجيز وامتنع العبد أو بالعكس فلابد من الحاكم، وأما إن اتفقا عليه، فالمشهور وهو قول مالك في المدونة: إن كان له مال ظاهر لم يكن له ذلك، وإن لم يكن له مال ظاهر فذلك له، وروي عنه أن ذلك له وإن كان عنده مال ظاهر. وقال سحنون: ليس له ذلك، وإن لم يكن له مال ظاهر إلا عند السلطان. وقال محمد: إن كان صانعاً ولا مال له كان له أن يعجز [759/أ] نفسه. ابن يونس: والأول أصوبها. المتيطي: وبه الحكم وعليه العمل. وإذا فرعنا عليه فلو أعجز نفسه لعدم ظهور المال، ثم ظهر له مال أخفاه أو طرأ له؛ ففي المدونة: هو رقيق ولا يرجع عما رضي به أولاً. وإذا فرعنا على المنع من التعجيز، فلو رضي بذلك ولم ينظر فيه حتى فاتت بالبيع أو بإعتاق المشتري، فقيل: البيع فوت. وقيل: ليس يفوت إلا أن يفوت بعتق. وقد قيل: يرد ولو أعتق.

ص: 425

ابن القاسم: ففي الدمياطية: وإن باع السيد رقيقه برضاه جاز.

وقال في المدونة: يفسخ إلا أن يفوت بالعتق. وقال غيره: وإن دخله العتق.

ابن المواز: وإنما له تعجيز نفسه إذا كان وحده، وأما إذا نا معه ولد فلا تعجيز له، ويؤخذ بالسعي عليهم صانعاً، ولو تبين منه لرد رأيت عقوبته، وإن كان له مال ظاهر فيؤخذ ماله ويعطى لسيده شاء أو أبى.

أبو محمد: يريد بعد محله ويعتق هو وولده.

محمد: إذا كان صانعاً ولا مال له فله أن يعجز نفسه.

اللخمي: وعلى أصل سحنون ليس له ذلك إلا عند السلطان.

قوله: (وَيَتَلَوَّمُ الْحَاكِمُ لِمَنْ يَرْجُوهُ) مفهومه أنه لا يتلوم لمن لا يرجوه. وفي المدونة: لا يعجزه إلا السلطان بعد أن يجتهد له في التلوم بعد الأجل، فمن العبيد من يرجى حاله في التلوم، ومنهم من لا يرجى له، فإن رأى له وجهاً إذا تركه وإلا عجزه.

أبو الحسن: ويحتمل من يرجى له يفسح له في الأجل، ومن لا يرجى له يضيق له في التأجيل، ويحتمل أن من لا يرجى له لا يتلوم له ألبتة، وهذان التأويلان هما اللذان في كتاب النكاح الثاني في المعسر بالنفقة، حيث قال: ويختلف التلوم فيمن يرجى له وفيمن لا يرجى له.

وَلَوْ غَابَ وَقْتَ الْمَحَلِّ بغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ فَسَخَ الْحَاكِمُ

أي: لو غاب المكاتب، و (المَحَلَّ) اسم المصدر؛ أي: وقت الحلول فسخ الحاكم، وليس للسيد فسخه، ولو فعل فهو على كتابته.

ص: 426

وَلَيْسَ لَهُ تَعْجِيزُ نَفْسِهِ وَلَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ عَلَى الأَصَحِّ، وَلا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ إِلا بالْحَاكِمِ

قد تقدم أن هذا هو المشهور. وقوله: لا تنفسخ إلا بالحاكم، من تمام قوله:(وَلَيْسَ لَهُ تَعْجِيزُ نَفْسِهِ وَلَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ) ولا تنفسخ الكتابة إذا كان له مال ظاهر إلا بالحاكم.

وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ وَلَوْ خَلَّفَ وَفَاءً إِلا أَنْ يَقُومَ بهَا وَلَدٌ أَوْ غَيْرُهُ، دَخَلَ مَعَهُ بالشَّرْطِ أَوْ غَيْرِهِ بمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَيُؤَدِّيهَا حَالَّةً

يعني: وتنفسخ الكتابة بسبب موت المكاتب، ولو خلف وفاء؛ لأنه مات قبل حلول الحرية له، فلذلك يرثه سيده بالرق، ثم استثنى من ذلك ما إذا كان معه ولد وغيره. وقوله:(دَخَلَ مَعَهُ بالشَّرْطِ) عائد على الولد و (غَيْرِهِ) -بخفض الراء- عطفها على الشرط، وهو خاص بالولد؛ أي: لا فرق بين أن يدخل الولد معه بالشرط أو بغير الشرط، بل بمقتضى العقد؛ لكونه حدث بعد عقدها، وأما لو كانت أمة حاملاً يوم الكتابة، فلا يدخل إلا بالشرط، قاله في المدونة.

ابن القاسم في العتبية: وأما إن كانت أمته وبها حمل علم به أو لا، فإنه يدخل معها. وقوله:(بمُقْتَضَى الْعَقْدِ) بدل من غير، وما قدمنا هوكذلك في نسخ عديدة، ووقع في بعض النسخ:(إلا أن يقوم بها ولو دخل معه بإسقاط أو غيره) وليست بجيدة؛ لأن غير الولد كالولد فلا يكون لتخصيص الولد معنى. فإن قيل: يُقَرَّا على هذا أو غيره، نعم رأى غير ليدخل غير الولد. قيل، قوله:(بمُقْتَضَى الْعَقْدِ) ينافيه. وقال في المدونة: وإذا هلك المكاتب ومعه في الكتابة أجنبي وترك مالاً فيه وفاء بكتابته، فإن كتابته تحل بموته، ويتعجلها السيد من حاله ويعتق بذلك من معه في الكتابة، وليس لمن معه في الكتابة من ولد أو أجنبي أخذ المال، وأداؤه على النجم إذا كان فيه وفاء يعتقون به؛ لما فيه من الغرر. فإن قلت، قوله:(دَخَلَ مَعَهُ بالشَّرْطِ أَوْ غَيْرِهِ) يقتضي أن غير الولد يدخل بغير الشرط،

ص: 427

وذلك لا يعلم. قيل: قد يدخل غير الولد بغير الشرط، وهو من يشتريه بعد الكتابة إذا كان ممن يعتق عليه. ففي المدونة: ولا ينبغي للكاتب أن يشتري ولده أو أباه إلا بإذن سيده. فمن ابتاعه بإذن سيده ممن يعتق على الحر بالملك؛ دخل معه في الكتابة.

وقوله: (فَيُؤَدِّيهَا حَالَّةً) أي: الولد، ولا يقتضي هذا الكلام أن الولد يخير ي ذلك كما قيل، بل المراد أن ذلك لازم للولد.

وَلا يَرِثُ الْبَاقِيَ إِلا قَرِيبٌ يَعْتِقُ عَلَيْهِ مِنَ الآبَاءِ وَالأَوْلادِ وَالإِخُوَةِ مِمَّنْ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ خَاصَّةً، وَقِيلَ: لَا يَرِثُهُ إِلا وَلَدٌ مَعَهُ خَاصَّةً. وَقِيلَ: يَرِثُهُ إِلا وَلَدٌ مَعَهُ خَاصَّةً. وَقِيلَ: يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الأَحْرَارُ مِمَّنْ مَعَهُ إِلا الزَّوْجَةَ. وَقِيلَ؛ وَالزَّوْجَةُ مِمَّنْ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ خَاصَّةً

فقوله: (مِنَ الآبَاءِ وَالأَوْلادِ وَالإِخُوَةِ) للبيان والإيضاح، ولو ترك لفهم، وهذا هو المشهور، وهو قول ابن القاسم في المدونة، وروايته عن مالك، والثلاثة الأقوال لمالك أيضاً، وعلى القول باستثناء الزوجة فالزوج مثلها، والرابع أقرب، ولا يظْهَرُ لتخصيص بعض الورثة بالإرث دون بعضٍ وجهٌ.

وَلا يَرِثُهُ مَنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْداً

ولا أولادهم المكاتبون كتابة أخرى؛ لأن من شأن الوارثين أن يتساويا حال الوت، فلذلك لم يرث المكاتب ولده ولا غيرهم الأحرار، ولا المكاتبون كتابة أخرى، إذ لا يتحقق مساواتهم؛ لاحتمال أن يكون أصحاب إحدى الكتابتين أقوى على الأدنى من أصحاب كتابة أخرى، ولا إشكال في [759/ب] عدم إرث ولد الأرقاء.

فإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَقَوِيَ وَلَدُهُ عَلَى السَّعْي سَعَوْا

قوله: (فإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً) أعم من أن لا يترك شيئاً، لنه لا يفيء بالكتابة، ففي المدونة: يدفع لولده الذين معه في الكتابة، فإن كان لهم أمانة وقوة على السعاية؛ يؤدون

ص: 428

نجوماً، وإن لم تكن لهم قوة على السعي ولم يكن في المال ما يبلغهم السعي؛ فإن كان مع الولد أم ولد ولها قوة وأمانة دفع لها إن رجي لها قوة على سعي بقية الكتابة، وإن لم تكن في أم الولد قوة بيعت وضم ثمنها إلى التركة، فيؤدي إلى بلوغ السعي، فإن لم يكن شيء من ذلك رقوا كلهم.

وقال أشهب: إلى من معه في الكتابة وإن كان أجنبياً، وحيث آل الحال إلى بيع أم الولد هنا، فقال مالك: للولد بي من فيه نجاتهم من أمهات الأولاد، أمهم كانت أو غيرها. وقال ابن القاسم: أرى ألا يبيع أمه إذا أن في بيع سواها ما يُغنيه.

وقال سحنون: إذا كان له أمهات الأولاد يقرع بينهن. وقال سحنون أيضاً: يباع من كل واحدة بقدرها. قالوا: يريد غير أم الولد الموجود، إلا أن يكون لكل واحدة ولد فيباع من كل واحدة بقدرها.

السَّيِّدُ شَرْطُهُ: التَّكْلِيفُ، وَأَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ

هذا هو الركن الثالث. وقوله: (شَرْطُهُ التَّكْلِيفُ) يخرج الصبي والمجنون. وقوله: (وَأَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ) يخرج المحجور علهيم. ولو استغنى المصنف بأهلية التصرف لكان أحسن؛ إذ غير المكلف ليس أهلاً للتصرف.

فيُكَاتِبُ الْوَلِيُّ رَقِيقَ الطِّفْلِ

(الْوَلِيُّ) يشمل الأب ووصيه ومقدم القاضي. ولو قال: رقيق المحجور عليهم لكان أحسن؛ لأن السفيه البالغ كالطفل، له أن يكاتب رقيقه بالمصلحة.

وَفِي مُكَاتَبِ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَ قَوْلانِ

أي: وفي إمضائها بعد وقوعها قولان، وإلا فلو عثر على ذلك قبل الكتابة لبيع عليه، والقولان لمالك؛ أحدهما: بطلان الكتابة ويباع عليه. والثاني وهو مذهب المدونة: أنه يصح ويباع عليه من مسلم.

ص: 429

وَتُبَاعُ كِتَابَةُ مَنْ أَسْلَمَ لِمُسْلِمٍ

يعني: أن القولني إنما هما إذا كان العبد وقت إنشاء الكتابة مسلماً، وأما إن كاتب الكافر عبده الكافر ثم أسلم العبد؛ فإنه لا تبطل كتابته اتفاقاص، بل تباع لمسلم إن بقي السيد على إلزام نفسه حكم الكتابة، ولو طلب الرجوع عنها، فظاهر المدونة منعه من ذلك، واستقرأ من العتبية تمكينه منها. واختلف أيضاً في النصراني يكاتب عبده النصراني ثم يريد السيد فسخ الكتابة، هل له ذلك ويكون كالعتق، أو لا كعقود المعاوضات؟

وَمُكَاتَبَةُ الْمَرِيضِ، وقِيلَ: كَالْبَيْعِ، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ فِي إِمْضَائِهَا، أَوْ عِتْقِ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ مِنْهُ. وَقِيل: إِنْ كَانَتْ مُحَابَاةٌ

معنى كونها كالبيع أنها إن لم تكن فيها محاباة مضت كالبيع، وإن كانت فيها محاباة؛ فالمحاباة في الثلث، وهذا قول ابن القاسم في المدونة؛ ففيها: وإن كاتب عبده في مرضه وقبض الكتابة ثم مات السيد؛ فإن لم يحابه جاز ذلك كبيعه، ومحاباته في البيع في ثلثه. وظاهر قوله: إن لم تكن فيها محاباة إمضاء الكتابة وإن لم يحملها الثلث، وهو ظاهر. وقول اللخمي: وقيد ذلك في الموازية بأن يحمله الثلث. قوله: (وَقِيلَ: يُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ) ذا القول عزاه اللخمي لابن القاسم، قال: وقال أيضاً أنه كالعتق، فإن كانت قيمته أكثر من الثلث خير الورثة بين أن يمضوا الكتابة أو يعتقوا منه ما حمله الثلث بتلاً.

اللخمي: وواقق الغير على هذا القول، وقال: الكتابة بالمحاباة أو غير محاباة من ناحية العتق وليست من ناحية البيع، وهو موقوف بنجومه، فإن لم يحمله الثلث ولم يجز الورثة؛ أعتق منه ما حمل الثلث لما في يده. وقوله:(إِنْ كَانَتْ مُحَابَاةٌ) أي: فيكون كذلك يخير الورثة. ابن شاس في تمام هذا القول: وإن لم يحابِ سعى، فإن أدى وهو في المرض اعتبرنا خروج الأول من الثلث، فإن كانت قيمة الرقبة أقل اعتبر خروجها من الثلث، وإن كانت النجوم أول فليس لهم اعتبار سواها، وكذلك لو أوصى بإعتاقه أو وضع النجوم.

ص: 430

تنبيهان:

ذكر في النكت عن بعض شيوخه: أنه إذا كاتب عبده في المرض وحابى وقبض الكتابة؛ تجعل في الثلث قيمة الرقبة كلها، بخلاف محاباة المريض في بيعه هاهنا، إنما يجعل في الثلث في المحاباة خاصة؛ لأن الكتابة في المرض عتاقة. قال: وإذا حاباه فكان الثلث يحمل رقبته؛ جاز ذلك ولم يقوم ي النجوم المقبوضة، ولا يضاف إلى مال الميت، فإن كان الثلث لا يحملها؛ ردت النجوم المقبوضة إلى يد العبد، ثم أعتق محمل الثلث من رقبته بماله، لأن الثلث إن كان حاملاً أخذ المال الورثة، فلا يكثر مال الميت به، ولا يدخل فيه العبد إذا لم يحمل الثلث، ووجه رد المال إلى يد العبد فيعتق منه بماله محمل الثلث.

ابن يونس: إنما يفترق الحكم عند ابن القاسم في المحاباة وعدمها، فإن لم يحاب وحمله الثلث؛ عجل عتق العبد في حياة السيد، كما لو لم يحاب في بيعه، وإن حابى وحمله الثلث لم يكن بُدٌّ من وقفه حتىيموت؛ لأن المحاباة وصية، وإن لم يحمله الثلث في الوجهين خير الورثة بين إجازة ما فعل المريض أو يردوا إلى المكاتب [760/أ] ما قبض منه ويعتقوا محمل الثلث بتلاً.

الثاني: اختلف أيضاً في كتابة المديان، هل هي من باب العتق، أو من باب البيع؟ ويتحصل في كتاب المديان والمريض ثلاثة أقوال؛ أن كتابتهما من ناحية العتق، وهو قول سحنون. الثاني أن كتابة المديان من ناحية البيع وكتابة المريض من ناحية العتق، وهو قول أشهب. والثالث أن كتابة المريض من ناحية البيع وكتابة المديان من ناحية العتق، وهو قول ابن القاسم.

وَلَوْ أَقَرَّ فِي الْمَرَضِ بقَبْضِ مِنْ مُكَاتَبِهِ قُبلَ إِنْ كَانَ غَيْرَ كَلالَةٍ، وَإِلا لَمْ يُقْبَلْ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إِلا أنْ يَحْمِلَهُ الثُّلُثُ

هكذا جلب في المدونة هذه المسألة إثر التي قبلها، ومعناها: أن المريض أقر بكتابة المكاتب في الصحة، ونصها في المدونة: قال ابن القاسم: وإن كاتب في صحته وأقر في

ص: 431

مرضه بقبض الكتابة جاز ذلك، ولم يتهم إن ترك ولداً، وإن كان ورثته كلالة والثلث لا يحمله؛ لم يصدق إلا ببينة، وإن حمله الثلث صدق؛ لأنه لو أعتقه جاز عتقه. وقال غيره: إذا اتهم بالميل معه والمحاباة له؛ لم يجز إقراره، حمله الثلث أو لا، ولا يكون في الثلث إلا ما أريد به الثلث، وقاله ابن القاسم أيضاً غير مرة، ولعل المصنف لم ينسب الأول لابن القاسم لأنه لم يختص به، بل قاله هو وغيره كما صرح به في المدونة، وفي كلام المصنف نظر؛ لأن قوله: وقال ابن القاسم: إلا أن يحمله الثلث؛ يقتضي أن ابن القاسم يقول في هذا القول: لا يقبل إقراره إذا كان يورث كلالة، إلا أن يحمله الثلث، وهو في المدونة إنما اعتبر في هذا القول الميل بالمحاباة.

وقيد بعض شيوخ عبد الحق القول الثاني في كلام المصنف بما إذا كان الثلث فارغاً لم يوص فيه بشيء، فأما إن كان قد اشتغل بوصايا فهو أحب أن يستغرق وصاياه ويخرج العبد الذي أقر أنه قبض كتابته من رأس ماله، فهو كالقائل: أعتقت عبدي في صحتي فلا يعتق، والوصايا خارجة من ثلثه. ووافقه بعض القرويين، وقال: لا فرق بين أن يشغل الثلث بوصايا أو لم يشغله، لجواز إقراره إذا كانت الوصايا مما يبدى عليها عتق هذا العب.

الْمُكَاتَبُ؛ وَلا يُكَاتَبُ جُزْءٌ إِلا أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي حُرّاً

أي: العبد المكاتب، وهذا هوالركن الرابع، وله شرطان؛ الأول: أن يكاتب العبد كله، فلا يكاتب جزء. قال: سواء كان الباقي له أو لغيره، وأما إن كان العبد حرّاً صحت الكتابة لحصول الحرية في الجميع، وعلل في المدونة امتناع كتابة الجزء إذا كان الباقي لشريكه مؤدٍ إلى عتق النصيب من غير تقويم.

وابن الماجشون: فإن ذلك مخاطرة، لأن هذا يأخذه بخراج والآخر يأخذه بنجوم. قال في المدونة: ويفسخ إن فعل ويرد ما أخذ، فيكون بينه وبين شريكه مع رقبة العبد، سواء قبض الكتابة كلها أو بعضها. قال غيره: إنما يكون ذلك بينهما إذا اجتمعا على قسمه، ومن دعا إلى رده إلى العبد فذلك له؛ إذ لا ينتزع ماله حتى يجتمعا.

ص: 432

ابن رشد وغيره: وقول الغير خلاف، فنزل ابن القاسم هذا المثال منزلة الخراج، ونزله الغير منزلة مال كان بيد العبد بين الشريكين موقوفاً بيده حتى يجتمعا على انتزاعه، ويحتمل أيضاً أن يكون وفاقاً، ويكون معنى قول ابن القاسم: فيكون بينه وبين شريكه إذا اجتمعا على قسمه. ونقل اللخمي عن المبسوط: أنه إذا كاتب أحد الشريكين يحلف السيد ما كان يعلم أنه يعتق عليه إذا، فإن حلف لم يقوم عليه، وإن نكل قوم بقيمته.

اللخمي: وظاهر قوله أنه لا يرد عتق ذلك النصيب؛ لأنه لم يقل: إذا حلف يرد عتق النصيب الذي أدى، وإنما قال: يقوم عليه، وأما إذا كان العبد كله وكاتب بعضه، ففي المدونة لم يجز ذلك ولم يكن شيء منه مكاتباً، وإن أدى لم يعتق منه شيء، وعلله ابن يونس بأنه يؤدي إلىعتق نصيبه من غير استتمام؛ إذ ليس كتابة بصريح العتق، فيمنع من ذلك لئلا يكنو خلاف السنة.

اللخمي: وعلى ما في المبسوط يحلف السيد، فإن نكل عتق جميعه، إلا أن يكون عليه دين يغترق ما يكاتبه منه، فتمضي كتابته بنصفه ولا يرد، والكتابة مختلف فيها هل هي من ناحية العتق أو البيع، فعلى أنها من ناحية العتق يمضي القدر الذي كاتب منه مع اليسر، وعلى القول أنها من ناحية البيع يمضي ذلك النصيب موسراً كان أو معسراً ولا يقوم عليه.

وَفِي مُكَاتَبَةِ الصَّغِيرِ وَالأَمَةِ اللَّذَيْنِ لا مَالَ لَهُمَا وَلا يَسْعَيَانِ قَوْلانِ

هذا هو الشرط الثاني، وهو أن يكون قوياً على الأداء، فلذلك اختلف في الصغير الضعيف عن الأداء إذا لم يكن له مال، وفي الأمة كذلك، والقول بالجواز لابن القاسم، والقول بالمنع لأشهب، وهما منصوصان على أنه هو الذي اقتصر عليه مالك في المدونة، وعلى القول بأن كتابة الصغير ممنوعة؛ فروى الدمياطي عن أشهب: أن ابن عشر سنين لا تجوز كتابته، ووجه ذلك: أن العشر سنين حدٌّ بين كثير من أحكام الصغير والكبير، ولذلك

ص: 433

كانت حدّاً في الضرب على الصلاة [760/ب] لقوته على العمل، والتفريق في المضاجع لقوته على الانفراد وغير ذلك من المعاني، فمن زاد على العشر سنين زيادة بينة يحتمل أن يريد أشهب كفايته لقوته على السعاية التي هي أكثر عملاً من الصلاة وماجرى مجراها.

ابن عبد السلام: وانظر هل جواز كتابة الصغير مبني على القول بجبر السيد عبده على الكتابة، وجزم أبو الحسن بأن ذلك مبني على الجبر، والله أعلم.

وَلَوْ كَاتَبَ الشَّرِيكَانِ مَعاً عَلَى مَالٍ وَاحِدٍ جَازَ بخِلافِ أَحَدِهِمَا، وَبخِلافِ مَالَيْنِ

(مَعاً) أي: في عقد واحد، واحترز من أن يكون في عقدين. وقوله:(عَلَى مَالٍ وَاحِدٍ) في العقد والأجل، واحترز مما لو اختلف القدر أو الأجل، فإن الكتابة فاسدةن نص عليه اللخمي.

وقوله: (بخِلافِ أَحَدِهِمَا) أي: بخلاف مكاتبة أحد الشيركين فإنها لا تجوز، وقد تقدم ذلك، ونص في المدونة وغيرها على عدم الجواز، ولو أذن له الشريك، ونقل أبو حامد الإسفرائيني عن مالك الجواز بإذن الشريك، واختلف إذا نزل؛ فالمشهور: أنه يكون مقتضاه للسيد المكاتب منهما ولا يعتق من العبد شيء، حتى قال في عبد بين ثلاثة إخوة: كاتب اثنان بإذن الثلث، ثم قاطعه اللذان كاتباه بإذن أخيهما؛ فيعتق نصيبهما، ثم مات المتمسك وله ورثة فخدمهم في نصيب وليهم سنة، ثم قام العبد يطلب القيام على اللذين قاطعاه، قال مالك: العبد رقيق كله ويرد اللذان كاتباه ما أخذاه منه فيكون بينهما وبين ورثة الميت.

وقوله: (وَبخِلافِ مَالَيْنِ) أي: فإنهما أيضاً لا يجوز؛ والعلة في الوجهين: أن يؤدي إلى تق البعض دون تقويم.

ص: 434

ابن يونس: وقيل إن كاتباه هذا بمائة إلى سنتين، وهذا بمائتين إلى سنة، فإن حط صاحب المائتين مائة وأخره بالباقية جازت، فإن أبى قيل للمكاتب: إما أن يزيد صاحب المائة مائة ويجعلها إلى سنة ليتفق الأجل، فإن فعل جاز أيضاً وإلا فسخت الكتابة. ابن اللباد: لم يرَوْهُ يحيى: وهو لابن الماجشون.

فَإِنْ عَقَدَا مُفْتَرَقَيْنِ بمَالٍ وَاحِدٍ؛ فَابْنُ الْقَاسِمِ يَفْسَخُهَا، وَغَيْرُهُ يُسْقِطُ الشَّرْطَ

القولان في المدونة، ونص ابن القاسم فيها على السخ، وإن لم يعلم كل واحد منهما بفعل الآخر، وأطلق غيره الجواز.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ شَرَطَ وَطْءَ مُكَاتَبَتِهِ، أَوِ اسْتَثْنَى حَمْلَهَا سَقَطَ، الشَّرْطُ

قوله: (أَوِ اسْتَثْنَى حَمْلَهَا) يريد بأن قال: ما تلديه فهو رقيق لي، فالشرط باطل والكتابة ماضية على سنتها، من أنه ليس له أن يطأها وما ولدته داخل، وهذا مذهب المدونة. قال في البيان: وفرق بين الشرط الحرام كشرط الوطء فيبطل الشرط وتصح الكتابة، وبين غيره فتبطل الكتابة. وقال أشهب: الكتابة باطلة فيهما للشرط وتفسخ ولو لم يبق منها إلا درهم واحد، إلا أن يسقط السيد شرطه أو يفوته بأداء الجميع، ورواه عن مالك. وقيل: يفسخ ما لم ترد صدراً من كتابتها. وقال محمد: تفسخ ما لم تؤدِّ نجماً، إلا أن يسقط السيد شرطه أو يتراضيا على شيء. وقال عبد الملك: تبطل الكتابة، ولعل المصنف أتى بهذه المسألة ترجيحاً لقول غير ابن القاسم في المسألة السابقة، أشار اللخمي إلى هذا المعنى.

والفرق لابن القاسم: أن الفساد في الأولى راجع إلى نفس العقدة؛ لأنه مودٍّ إلى عتق أحد الشريكين من غير تقويم، والفساد في هذه خارج عن عقد الكتابة؛ لأن الأمة باقية على كتابتها وحالها في الأداء واحد بهذا الشرط، ودونه بعض فقهائنا، وإن شرط على مكاتبه أنك إن شربت خمراً أو نحوه فأنت مردود في الرق ففعل العبد ذلك؛ ليس لسيده

ص: 435

رده في الرق للشرط، كالمعتقة إلى أجل يشترط عليها إن أبِقْتِ فلا حرية لكِ؛ هذا لمشترطه. والفرق بينهما: أن ما يفعله العبد من الإباق ضرر على سيده؛ لأنه يخل بمنافعه، وما أحدث العبد من شرب الخمر لا يخل بنجومه، فإذا لم يعجز عنها لم يقدح شرب الخمر فيها.

وَلَيْسَ لأَحَدِهِمَا قَبْضُ نَصِيبهِ دُونَ الآخَرِ

أي: إذا كاتب الشريكان عبداً في عقد على مال فليس لأحدهما أن ينفرد بقبض نصيبه دون نصيبه؛ لأن كل ما في يد العبد مشترك بينهما، وظاهر قوله ولو شرطه أن العقد يصح اولشرط يبطل، وهو مذهب ابن القاسم في الموازية. وقال أشهب: يفس إلا أن يرضي مشترط التبدئة، وجري فيه الخلاف السابق.

نَعَمْ لَوْ رَضِيَ بتَقْدِيمِهِ جَازَ، ثُمَّ إِنْ عَجَزَ الْعَبْدُ رَجَعَ بحِصَّتِهِ

هو جواب لسؤال مقدر؛ كأنه قيل له لما ذكر أنه ليس لأحدهما القبض دون الآر، فهل يجوز أن يرضى أحدهما بالتبدئة؟ فقال: نعمن وهذه مسألة المدونة، وهي إذا حل نجم، فقال أحدهما للآخر: بدئني به وخذ أنت النجم المستقبل ففعل، ثم عجز العبد عند النجم الثاني.

ابن القاسم: فليرد المقتضي نصف ما قبض على شريكه؛ لأن ذلك سلف، ويبقى العبد بينهما، ولا خيار للمقتضي بخلاف المقاطعة، قالوا: هذا كقول مالك في الدين يكون لهما منجم على رجل، فيبدأ أحدهما صحابه بنجم على أن يأخذ النجم الثاني، ثم فلس الغريم في النجم الثاني؛ أنه يرجع على صاحبه لأنه تسلف منه له. قال في المدونة: إلا أن يعجز المكاتب أو يموت قبل محل النجم، فليس له أخذ حتى يحل النجم الثاني.

ص: 436

ابن المواز: ولو حل النجم الثاني قبل عجزه فتعذر على المكاتب [761/أ] وانتظر بما يرجى حاله؛ كان على الشريك أن يعجل لشريكه سلفه، ثم يتبعان المكاتب جميعاً بالنجم الثاني. وقال ابن القاسم في العتبية: إذا قدمه بنجم ثم حل نجم بعده، فقال له: تقاضى أنت وأنا أقضي ما أٍلفتك، فليس ذلك عليه ولا له قبله شيء، إلا أن يعجز المكاتب.

ابن يونس: وكذلك لو حل المكاتب قبل أن يستوفي، ولو قال الشريك: آثرني به وانظر أنت المكاتب، فرضي على هذا الشرط، أو كان إنما سأله المكاتب أن يدفع ذلك لشريكه وينظر هو بحقه، لكان ذلك منه إنظاراً للمكاتب في الوجهين، ولا يرجع به على الشريك إن مات المكاتب، ولا شيء له وإن عجز ويكون العبد بينهما.

وَكَذَلِكَ لَوْ قَاطَعَهُ بإِذْنِهِ مِنْ عِشْرِينَ عَلَى عَشْرَةٍ

(مِنْ) في قوله: (مِنْ عِشْرِينَ) للبدل؛ أي: لو قاطعه بإذنه على عشرة بدل عشرين، والتشبيه والإشارة راجعان إلى الرضا بتقديمه؛ أي: إذا قاطع أحد الشريكين المكاتب على نصيب من الكتابة كما لو كان نصيبه عشرين فقاطعه منها على عشرة بإذن شريكه جاز، وأما إذا لم يأذن شريكه في المقاطعة فإنها لا تجوز، صرح بذلك في المدونة، فإن قلت: هل يجوز أن يريد المصنف بالتشبيه الحكم في العجز، قيل: لا؛ لأن حكم العجز فيهما مختلف، وقد بيَّن ذلك بقوله:

فَلَوْ عَجَزَ خُيِّرَ الْمُقَاطِعَ بَيْنَ رَدَّ مَا فَضَلَ بهِ شَرِيكُهُ وَبَيْنَ إِسْلامِ حِصَّتِهِ رِقَاً، وَلا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الآخَرِ وَلَوْ كَانَ قَبَضَ تِسْعَةَ عَشَرَ

يعني: فإن عجز العبد المكاتب بعد أخذ الماطع العشرة كما ذكرنا، ولم يكن المتمسك قبض شيئاً، أو قبض دون العشرة؛ خيِّر المقاطع بين رد ما فضل به شريكه ويكون العبد بينهما على ما كان قبل الكتابة، وبين أن يسلم حصته للمتمسك، فيكون العبد له.

ص: 437

قوله: (مَا فَضَلَ) أي: نصف ما فضل به شريكه إن كان العبد بينهما نصفين؛ لأن العشرة إذا قبضها المقاطع ولم يقبض المشترك شيئاً؛ فقد ضله بعشرة، فإذا رد عليه خمسة فقد استويا، ويمكن بقاء كلام المصنف على ظاهره بأن العشرة التي قبضها المقاطع منه خمسة له، والخمسة الباقيةهي التي فضل بها شريكه.

وقوله: (وَلا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الآخَرِ) الذي لم يقاطع، وهكذا قال ابن المواز.

وقوله: (وَلَوْ كَانَ قَبَضَ تِسْعَةَ عَشَرَ) مبالغة؛ أي: ولو كان الذي لم يقاطع قبض تسعة عشر، فإن المقاطع لا يرجع عليه بشيء.

ابن المواز: ولو كان إنما قاطعه من العشرين على عرض أو حيوان نظر إلى قيمة ذلك نقداً يوم قبضه، ثم رد فضلاً إن كان عنده وأخذ حصته من العبد إن شاء، وإن كان قاطعه على شيء له مِثْلٌ من مكيلٍ أو موزونٍ رَدَّ الآخر كل ما قبض، وكان بينهام نصفين مع رقبة العبد، إلا أن يشاءأن يتماسك بما قاطعه به وسلم حصته من العبد لشريكه فذلك له.

اللخمي: وقوله في العرض رد نصف قيمته، يريد إذا فات، ولو كان قديماً كالطعام.

فرع:

ولو لم يقبض المقاطع شيئاً مما قاطعه عليه وقبض المتمسك شيئاً ثم عجز، فقال بعض القرويين: إن كان الذي لم يقاطع إنما قبض عند حلول كل نجم فلا رجوع للمقاطع عليه بشيء؛ لأنه رضي بتأخير المكاتب ورضي صاحبه بما أخذ، وإن كان المكاتب عجل له قبل أجله؛ فله فيه متكلم بعض أصحابنا، فيكون للمقاطع أن يأخذ من صاحبه نصف المقتضىز

ابن يونس: والذي رأى أن اقتضاء المتمسك نجماً بما حل له عليه، فقام عليه المقاطع، فليتحاص فيه المقاطع بقدر ما قطعه عليه المتمسك بقدر النجم الحالِّ؛ لأن ذلك قد حل لهما جميعاً عليه، وأما إن عجل المتمسك قبل أجله؛ فللمقاطع القيام عليه، فيأخذ منه قدر ما قاطعه عليه، فإن فضل شيء كان للمتمسك؛ لأن حق المقاطع حلَّ، وحق الآخر لم

ص: 438

يحل، فتعجيله قبل أجله هبة منه، فللمقاطع رد هبته وأخذ ما في حقه، ولو قبض المقاطع نصف العشرة ثم جز العبد؛ فالمشهور: أنه يخيَّر بين أن يرد نصف ما قبض ويكون العبد بينهما نصفين، أو لا يرد وله من العبد ربعه وثلاثة أرباعه لمن لم يقاطع. وقال الداودي: يكون الربع بينهما أثلاثاً مفضوضاً على ما بقي لكل واحد منهما فيه. اللخمي: وهو أقيس. وفروع هذا الفصل كثيرة وتركناها تبعاً للمصنف.

وَلَوْ مَاتَ الْمُكَاتِبُ وَلَهُ مَالٌ أَخَذَ الآذِنُ مَا بَقِيَ لَهُ بغَيْرِ حَطِيطَةٍ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَمْ يَرْجِعْ بشَيْءٍ

أي: إذا قاطعه أحد الشريكين من عشرين على عشرة بإذن شريكه وقبض منه العشرة ثم مات المكاتب ولم يأخذ منه المكاتب شيئاً، أو أخذ منه وبقي له شيء وترك المكاتب مالاً، فإن الآخر وهو الذي لم يقاطع يأخذ من مال المكاتب جميع الكتابة، أو ما بقي منها بغير حطيطة، وسواء حلت الكتابة أم لا؛ لأنها تحل بالموت، ثم يكون ما بقي بين الذي قاطعه وبين شريكه على قدر حصصهما في الكاتب، ولو مات المكاتب وليس له مال- والتقدير: أن المقاطع قبض قطاعاته ولم يستوفِ الآخر- فإنه لا يرجع على المقاطع بشيء، وإن لم يقبض المقاطِعُ ولا المكاتِبُ شيئاً واكن المتروك لا يفي بما لهما على المكاتَبِ؛ تحاصا في المتروك، المقاطع بما قاطع والمتمسك بجميع نصيبه. ورأى اللخمي أن القياس أن يحاص المقاطع بأقل حقه؛ لأنه لم يرضَ بالإسقاط [761/ب] إلا علىن يبدأ، فإذا لم يتم له مراده بقي على أصل حقه.

وَلَوْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ وَضَعَ الْمَالَ عَنْهُ، إِلا أَنْ يُفْهَمَ قَصْدُ الْعِتْقِ

إذا كان مكاتب بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه حمل على أنه وضع عنه المال، وأنه أسقط عنه حق نصف كل نجم، إلا أن يصرح أنه قصد العتق، أو يفهم ذلك عنه فيكون إعتاقاً ويقوم عليه.

ص: 439

اللخمي: إن عجز؛ يعني: أنَّا إذا قومناه، إلا أن يكون فيه نقل الولاء. قال: لو كان له كله وأراد العتق؛ لنجز عليه عتقه، وهذا قول مالك وابن القاسم. وقال المغيرة: إنَّ وضع أحد الشريكين نصيبه من الكتابة كعتقه ويقوَّم عليه، وهو أظهر؛ لأن حقيقة العتق غير وضع المال، ورأى في الأول أن الإعتاق الإخراج من الملك والمملوك، إلا أن المكاتب إنما هو المال لا الرقبة.

ابن يونس عن بعض شيوخه: ولو أعتق عضواً من مكاتبه؛ كقوله: يدك حرة. لعتق جميعه عليه؛ لأنه قاصد للعتق بها لا لوضع المال، بخلاف إذا أعتق منه جزءاً كالنصف والثلث، ولعل المصنف احترز بهذا بقوله:(نَصِيبَهُ) ثم إن ما ذكره المصنف مقيد بما إذا كان في الصحة، فقد قال في المدونة: لو أعتق قسطاً من مكاتب له عند الموت، أو أوصى بذلك، أووضع له من كتابته؛ فذلك عتاقة، لأنه ينفذ من ثلثه على كل حال؛ أي: يريد أنه لوجعل ذلك وضع مال ثم عجز فَرَقَّ للورثة؛ صاروا لم ينفذواوصية الميت، والميت أراد إبتالها وألا يعود إليهم شيء منها، وما الصحيح فإنما أراد التخفيف على المكاتب وأنه إن عجز كان رِقًّا.

فرع:

ابن سحنون: ومن قال لعبده اخدم فلاناً سنة وأنت حرٌّ، فوضع عنه المخدَمِ نصف الخدمة، فإن أراد أنه يترك له خدمته ستة أشهر؛ فهو كذلك، وإن أراد أنها ملك لك تشاركني في الخدمة ويصير لك ملكاً، كان حرّاً مكانه كله، كمن وهب لعبده نصف خدمته. قلت لسحنون: فلم قلت في هذا المخدم إذا وهب نصف خدمته أنه يعتق عليه، وإن أعتق نصف مكاتب لم يعتق عليه وكان وضع مال؟ قال: هو مفترق ولا أقول فيه شيئاً.

ابن سحنون: الخدمة مقام الرقبة.

ابن يونس: فهبة بعضها كهبة بعض الرقبة؛ لأن من عجل عتق عبده على خدمة سنة تعجل عتقه ولا خدمة عليه؛ لأن ذلك بقيةرقبته، فهو كمن أعتق بعض عبده، والمكاتب إنما يملك منه مالاً فعتقه نصفه وضع لنصفها عليه، إلا أن يقصد عتق الرقبةكما ذكرنا.

ص: 440

فَلَوْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتَ فُلاناً فَنِصْفُكَ حُرٌّ، فَكَاتَبَهُ ثُمَّ كَلَّمَ فُلاناً وُضِعَ النِّصْفُ، فَلَوْ عَجَزَ رُقَّ كُلُّهُ

هكذا في المدونة، وشبهه أشهب بمن أعتق نصف مكاتبه، ولو حنث أحد الشريكين بعد أن كاتبهما وضعت عنه حصته، قال: ولو كان عتقاً لقوم عليه. اللخمي: وأجراه على مثل المسألة الأولى، لما كانت يمينه على بر، فقال: إن كلمتك، ولو كان على حنث، فقال: لأفعلن؛ لكان عتقاً. وعلى قول المغيرة في المسألة السابقة يكون بها عتقاً، وهو الظاهر هنا، وما في الموازية مشكل، وكذلك قول أشهب، فإن اللزوم في الحنث في اليمين إنما هو ما ألزمه الحالف حين الحلف، والفرض أن اليمين سبقت الكتابة، فإذاً الحالف لم يقصد المال وإنما قصد العتق، فينبغي أن يلزمه ذلك، وقد تقدم في المسألة السابقة أنه يلزمه العتق متى صرح به وفهم أنه أراد.

وَإِذَا كُوتِبَتْ جَمَاعَةٌ لِوَاحِدٍ وُزِّعَتْ عَلَى قُدْرَتِهِمْ عَلَى الأَدَاءِ وَكَانُوا كُفَلاءَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ بخِلافِ حَمَالَةِ الدِّيُونِ، وَلا يُعْتَقُ أَحَدُ إِلا بالْجَميعِ، وَيُؤْخَذُ الْمَلِيءُ بالْجَمِيعِ، وَلا يُوضَعُ شَيْءٌ لِمَوْتِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَيَرْجِعُ مَنْ أَدَّى عَلَى غَيْرِهِ عَلَى حُكْمِ ذَلِكَ التَّوْزِيعِ مَا لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِمْ

(لِوَاحِدٍ) أي: لمالك واحد، واحترز مما لو تعدد المالك؛ فإنه لا يجوز عقد الكتابة حينئذٍ كما سيأتي. (وُزِّعَتْ) أي: الكتابة على قدرة قوة المكاتبين على الأداء يوم عقدها، هذا مذهب المدونة ونحوه في الموازية. قال: يقضي عليهم على قدر عنائهم كذا يوم عقدت، فقد يكون من لا يملك اليوم شيئاً أرجى بعد اليوم ممن عنده اليوم، فليجعل على كل واحد منهم بقدرما يكون يطيق.

ابن القاسم: على قدر قوته وخدمته واجتهاده يوم عقدت الكتابة.

ص: 441

اللخمي: وفي الموازية قول آخر؛ أنها تقسم على العدد، وذكره ابن يونس وغيره عن عبد الملك، ونقل اللخمي عنه غير هذا، وهو أنها تقسم على قدر القوة وقيمة الرقاب، واختار هو أن تقسم على قدر القوة، وقيم الرقاب على حسب ما يرى أنه يكاتب به كل واحد منهم بانفراده، فقد يتساوون في القوة على الأداء وثمن أحدهم عشرة دنانير والآخر مائة، فمعلوم أن السيد لو كاتبهم على الانفراد لم يسوِّ بينهم؛ لأن الغالب منا لسيد أنه يطلب الفضل. وحكى عن أشهب أنه تقسم بينهم على قدر قيمة رقابهم يوم الكتابة.

ابن عبد السلام: وهكذا كان ينبغي أن يكون حكم الصغير الموجود يوم الكتابة وهو قادر على السعي، وإن كان اللخمي اعتبر ذلك مع النظر إلى تجرد حاله، ولم يحك فيه خلاف، كما أنه لم يختلف في الصغير الذي لا يقدر على الكسب حتى أدى الكتابة أنه لا شيء عليه، واختلف إذا قوي على السعي بعد مضي بعض النجوم، فقال أشهب: يكون بقدر ما يطيق يوم وقعت الكتابة؛ لأنه حينئذٍ وقعت عليه حمالة الكتابة.

قوله: (وَكَانُوا كُفَلاءَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ) أي: كونهم كفلاء. مالك: وهي سنة الكتابة، وذكر [762/أ] في الموطأ أنه الأمر المجتمع عليه.

وقوله: (بخِلافِ حَمَالَةِ الدِّيُونِ) فلا تلزم الكفالة فيها إلا بالشرط.

وقوله: (َلا يُعْتَقُ أَحَدُ) أي: أحد منهم إلا بالجميع، وهو من ثمرة كونهم حملاء

وقوله: (وَيُؤْخَذُ الْمَلِيءُ بالْجَمِيعِ) مفهومه: أنه لو كانوا أملياء لا يؤخذ منهم واحد بالجميع، وهو المشهور في حمالة الديون، وهو أيضاً منصوص عليه هنا، إلا أن في الموازية: ليس للسيد أخذ أحد المكاتبين بجميع ما على جملتهم مع قوتهم على الأداء.

الباجي: فإن تعذر القبض من أحدهم فإن عجز، قال في الموازية: أو تغيب فله الأخذ من غيره.

ص: 442

قوله: (وَلا يُوضَعُ شَيْءٌ لِمَوْتِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ) ذكر في الموطأ أنه مجمع عليه. اللخمي: والقياس أنه يحط عنه ما ينوبه؛ لأن كل واحد منهم اشترى نفسه بما ينوبه من تلك الكتابة، فمن مات مات في الرق وسقطت الحمالة عنه.

قوله: (وَيَرْجِعُ مَنْ أَدَّى عَلَى غَيْرِهِ عَلَى حُكْمِ ذَلِكَ التَّوْزِيعِ) هو مذهب المدونة، ونسب فيها: وإن أدى أحدهم عن بقيتهم؛ رجع من أدى علىبقيتهم بحصتهم من الكتابة بعد أن تقسم الكتابة عليهم بقدر قوة كل واحد منهم على الأداء يوم الكتابة لا على قيمة رقبته. وقول ابن عبد السلام: أن ما ذكره المصنف ما ذكره أحد، إلا أن اللخمي قال: إنه القياس، ليس بظاهر. وقال أشهب: يرجع عليهم على قدر قيمتهم يوم كوتبوا. وقال مطرف وابن الماجشون: على قدر قيمتهم يوم عتقوا لا يوم كوتبوا. وقال أصبغ: يرجع على قدر قيمتهم يوم كوتبوا أو حالهم يوم عتقوا، أن لو كانت حالهم يوم كوتبوا. وقيل: يرجع على قدر عددهم.

وقوله: (مَا لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِمْ) هذا شرط في الرجوع؛ يعني: إذا أدى أحد المكاتبين عن بعض فإن المؤدي يرجع على من أدى عنه، إلا أن يكون ممن يعتق عليه فلا يرجع حينئذٍ عليه، وهذا خلاف مذهب المدونة، فإن الزوجة لا يرجع عليها وهوي صح ملكه لها، وإنما الذي ذكره المصنف مذهب ابن القاسم وعبد الملك وابن عبد الحكم خارج المدونة، وروى ابن وهب عن مالك: أنه لا يتبع إخوانه وكل ذي رحم منه.

ابن المواز: ثم سئل بعد ذلك، فقال: كل من كانت لهم رحم يتوارثون بها، فإنه لا يرجع بعضهم على بعض. ثم سئل أيضاً، فقال: أما الإخوة والولد؛ فإنه لا يرجع بعضهم على بعض، وأما الباعد فنعم. وقال أشهب: لا يرجع كل ذي رحم منه وإن كان ممن لا يعتق عليه بالملك ولا بينه وبينه ميراث، لا خالته ولا عمته ولا أحد بينهم رحم، وقد دار الفقه فيها الفروع بين أصلين؛ العتق على القريب، وهبة الثواب له، فيرد إلى أيِّ الأصلين هو أقوى به شبهاً.

ص: 443

وَلَوْ أَعَتَقَ السَّيِّدُ مَنْ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى الْكَسْبِ؛ لَمْ يَتِمَّ إِلا بإِجَازَةِ الْبَاقِينَ وَقُوَّتِهِمْ عَلَى السَّعْيِ، فَتُوضَعُ حِينَئِذٍ حِصَّتُهُ عَنِ الْبَاقِي ..

احترز بقوله: (لَهُ قُوَّةٌ عَلَى الْكَسْبِ) ممن أعتق صغيراً لا أداء فيه، أو صغيراً لا يبلغ السعي في الكتابة، فإن عتقه يتم ولايتوقف على إجازة الباقين؛ إذ لا منفعة لهم فيهما، ورد عتقهما من الضرر.

وقوله: (لَهُ قُوَّةٌ عَلَى الْكَسْبِ) ظاهره سواء اكنت قوته مساوية للباقين أو أقوى أو أضعف، وهو مذهب ابن القاسم.

اللخمي: وقيل لا يجوز إذا كان المعتق أقواهام وكانا متساويين؛ لأنا لا ندري ما يصير إليه حال الباقين من الضعف. وحكى ابن الجلاب قولاً: بأنه لا يجوز له عتق من له قوة على السعي، ولو أذن لهما لبقيت، وظاهره لو كان أضعف من الباقين في السعي.

ابن يونس: وينبغي أن ينظر في أي ذلك أنفع لهم؛ من إجازة عتقه لضعفه عن السعي؛ أو رده لقوته فيه.

وقوله: (لَمْ يَتِمَّ إِلا بإِجَازَةِ الْبَاقِينَ) وقوله: (عَلَى السَّعْيِ) يعني: أنه إنما يوز عتق من له قوة على السعي بشرطين؛ الأول: أن يجيزه الباقون؛ لأن كل واحد منهم حميل بما على الآخر، فلو أجزنا عتق السيد أحدهم بغير رضا الباقين كان فيه إسقاط حقهم في الحمالة. والثاني: أن يكون في الباقين قوة على الكسب؛ لأن الباقين إذالم يكونوا قويين على الكسب كان ذلك مؤدياً إلى إرقاقهم، فأجرى اللخمي قولاً في المسألة آخر بإمضاء إجازتهم من أحد القولين، فإن رضي المكاتب بالتعجيز- وحيث أجزنا من له قوة على السعي- فإنه يسقط عنه قدر نصيبه من الكتابة.

ص: 444

وَأَمَّا عَبْدٌ لَكَ وَعَبْدٌ لِغَيْرِكَ فَلا يجْتَمِعَانِ

هذا هو الذي احترز منه بقوله لواحد، وعلته أنه لو هلك أو عجز أحدهما؛ أخذ سيد الهالك مال الآخر باطلاً.

سحنون: فإن نزلت فالكتابة صحيحة؛ لأن الحمالة لا تبطل الكتابة، ولم يتكلم في المدونة على حكم النزول، فيحتمل أن يكون قول سحنون خلافاً ووفاقاً. وأشار اللخمي إلى تخريج الخلاف فيها: هل يفسد، أو يبطل الشرط فقط؟ وعلى البطلان هل يفوت بالاقتضاء، أو باقتضاء نجم أوصدر منها لى ما تقدم في الشرط؟ وهذا كله إن دخلا على الحمالة، وإن كان السيدان عقداً الكتابة على الحمالة، فقال الباجي: إنها جائزة، ويجعل على كل واحد من العبدين ما ينوبه من جملة الكتابة، وأشار إلى أنه لا يختلف فيه كما اختلف في جمع الرجلين سلعتيهما في البيع.

فرع:

واختلف إذا كان العبدان شركة بين رجلين؛ فلم يجز أشهب جمعهما في كتابة واحدة، قال: لأن كل عبد تحمل لغير سيده، إلا أن يسقط حمالة [762/ب] بعضهم عن بعض فيجوز. وقال ابن ميسر: ليس كما احتج؛ لأن كل واحد نصف عبد، فإنما يقبض كل واحد عن نصفه نصف الكتابة، فلم يقبض أحدهما عن غير ملكه شيئاً.

وَلا يُبَاعُ مُكَاتَبٌ، وَلا يُنْزَعُ مَالُهُ

هذا مذهبنا، لا يجوز بيع المكاتب. قال في المدونة: ولو رضي؛ لأن الولاء قد ثبت لعاقد الكتابة، والولاء لا يجوز نقله، ويتخرج على قول من قال من أصحابنا إن للمكاتب أن يعجز نفسه جواز البيع إذا رضي، قاله ابن القاسم في الدمياطية، فقال: إذا باع السيد رقبته برضاه جاز، فإن بيع على المشهور فسخ، إلا أن يفوت بإعتاق المشتري له؛ فيمضي

ص: 445

العتق ويكون ولاؤه للمشتري على المشهور، وقيل: ينتقض العتق ولا ينتزع ماله؛ أي: سواء اكتسبه قبل الكتابة أو بعدها، ونص في المدونة على أن ماله يتبعه، وإن كتب: إلا أن يشترطه سيده حين كتابته؛ فذلك المال للسيد، وهو أحسن إذا كان يرى أنه لو علم به السيد لا ينتزعه ويكاتبه، وإن كان يرى أنه يقره ويزيده في الكتابة؛ كان للسيد ألا يزيد ذلك القدر في الكتابة.

نَعَمْ تُبَاعُ الْكِتَابَةُ لا نَجْمٌ مِنْهَا، وَفِي بَيْعِ جُزْءٍ مِنْهَا قَوْلانِ

لما ذكر أنه لا يجوز بيع المكاتب ذكر أنه يجوز بيع الكتابة، ومنع من بيعها وبيعه عبد العزيز بن أبي سلمة.

اللخمي: وهو أقيس للغرر؛ لأنه إذا كان للمشتري الكتابة فقط، وإن عجز عند أول نجم كان له الرقبة فقط، وإن عجز عند آخر نجم كانت له الكتابة والرقبة.

اللخمي: وأصل سحنون في مثل هذا أنه يمنع البيع مع الاختيار، ويجوز عند الضرورة لفقر أو فلس، كما قال في بيع العبد بعد الإحرام، والأمة يعتق ولدها وهو رضيع، فيباع ويشترط على المشتري كونه معها ومؤنته.

ابن عبد السلام: وظاهر كلام سحنون أنه يجوز بيع الكتابة اختياراً، ولا يجوز بيع نجم منها لأنه غرر؛ إن عجز بعد اقتضاء ذلك النجم أخذ ما ينوبه من الرقبة إلى غير ذلك، وهذا إذا كان النجم معيناً، وأما غير المعين كنجم من ثلاثة أو أربعة؛ فالمنصوص الجواز، وهو يرجع إلى بيع جزء منها، وقد حكى المصنف في الجزء قولين، وكذلك اختلف في الكاتب بين الشريكين يبيع أحدهما حصته من الكتابة، وحصل ابن رشد في هذا الفرع والذي قبله ثلاثة أقوال؛ الأول لابن القاسم: لا يجوز فيهما. الثاني: مقابله لأصبغ وسحنون. والثالث لمالك في الموطأ: يجوز لأحد الشريكين بيع نصيبه منها، ولا يجوز إذا كان العبد لواحد بيع

ص: 446

جزء منها، واخترا جماعة الجواز فيهما؛ إذ لا فرق بين الكل والجزء، وهو أيضاً منقول عن ابن القاسم وأشهب، وإنما يجوز لأحد الشريكين بيع حصته منها على مذهب من أجازه، وإذا باعها من أجنبي دون المكاتب؛ لأن ذلك كقطاعة، ولا يجوز مقاطعته على نصيب دون إذن شريكه.

فَإِنْ وَفَّى فَالْوَلاءُ لِلأَوَّلِ، وَإِنْ عَجَزَ اسْتَرَقَّهُ مُشْتَرِيهَا

أي: إذا بيعت كتابة المكاتب، فإن أدى عتق والولاء للبائع؛ لأن الولاء قد انعقد له، وإن عجز، زاد في الموطأ: أو هلك قبل أن يؤدي الكتابة ملكه المشتري. وكذلك الحكم في بيع الجزء، اختلف فيمن وهب كتابة مكاتب لرجل فعجز المكاتب، هل تكون رقبته للواهب أو للموهوب، واختلف إذا اطلع مشتري الكتابة على عيب بالمكاتب، فقال أبو بكر بن عبد الرحمن: ينظر، فإن أدى كتابته فلا رجوع للمشتري بشيء؛ لأنه قد حصل له ما اشترى، وإن عجز فله رده ويرد معه جميع ما أخذ من كتابته، ولم يكن ذلك كالغلة؛ لأنه إنما اشترى الكتابة. وقال غيره: ليس عليه أن يرد شيئاً مما قبض من الكتابة؛ لأن ذلك كالغلة، قال: وله رده وإن لم يعجز، فحجته أنه بالعجز يرق، ثم لا يرد معه ما قبض من كتابته؛ لأن الأمر كان فيه مترقباً ما يدري ما يحصل له الرقبة بالعجز أو الكتابة، فلما عجز فكأنه إنما اشترى الكتابة، فكان ما قبض غلة.

وَيُشْتَرَطُ فِي بَيْعِهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ

يعني: يشترط في بيع الكتابة من أجنبي ما يشترط في بيع الدين، فتشترط السلامة من الربا وبيع الدين بالدين، ومن بيع الطعام قبل قبضه، فلو كاتبه بطعام إلى أجل؛ لم يجز أن يباع بعرض أو غيره، لبيع الطعام قبل قبضه ونحو ذلك، ولا يريد المصنف- والله أعلم- أنه مثل الدين من أجنبي في كل الوجوه حتى يشترط حضور المكاتب وإقراره كما يشترط في المديان، فإن الغرر من هذا الوجه ومن غير وجه مغتفر في بيع الكتابة.

ص: 447

بخِلافِ بَيْعِ السَّيِّدِ لهَا مِنَ الْعَبْدِ

قد تقدم ذلك.

وَتَصَرُّفَاتُ الْمُكَاتَبِ كَالْحُرِّ إِلا فِي التَّبَرُّعِ وَالْمُحَابَاةِ ويُرَدُّ عِتْقُهُ، وَلا يُعْتَقُ قَرِيبُهُ

عطف (الْمُحَابَاةِ) على (التَّبَرُّعِ) لتباينهما في العرف. فالتبرع: ما خرج من غير معاوضة. والمحاباة: ما كان من زيادة في البيع أو الثمن، وأخر المحاباة لأنه قد يتوهم من خروجه لتشوش الشرع له، وأيضاً: فإن الكلام الأول في المنع ابتداء، وهذا في الرد، وإذا رد العتق مع حرمته فأحرى غيره، وإذا رد السيد عتقه فلا يلزم ذلك المكاتب إن أعتق، نص عليه في المدونة، واستحسن اللخمي أن يوقف فلا يمضي ولا يرد ولا يباع، فإن أدى المكاتب ما عليه مضى عتقه، وإن عجز رد عتقه، إلا أن يكون المكاتب قليل المال، ويرى أنه يضر به إيقافه فيرد، إلا إن قال: وعتقه بإذن سيده جائز إذا [763/أ] كان كثير المال لا يخاف عليه أن يؤدي إلى عجزه، ويختلف فيه إذا خيف عليه لأجل العجز قياساً على قوله: إذا رضي بالعجز وله مال ظاهر.

قوله: (وَلا يُعْتَقُ قَرِيبُهُ) ظاهر؛ لأنه من جملة التبرعات.

وَيُكَاتَبُ بالنَّظَرِ

أي: على وجه ابتغاء الفضل، ففي المدونة: وكتابة المكاتب عبده على ابتغاء الفضل جائزة، وإلا لم يجز، وكذلك قوله للعبد: إن جئتني بكذا فأنت حر، ويشترط في المال ألا يكون مملوكاً للعبد حين عقد ذلك؛ إذ لا نظر في ذلك لهم، وجاز هذا للمكاتب؛ لأنه عقد معاوضة، والله أعلم.

ص: 448

وَيَتَسَرَّى مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِ

لأن ذلك لا يعيبه إذا عجز بخلاف النكاح، وينبغي أن يقيد هذا بالتسري الذي لا يؤدي لعجزه غالباً، وإلا ففي السراري من العلي من يقارب الأحرار في النفقة وغيرها وتزيد، لكن النكاح عندهم عيب عجزه، ويرجع إلى السيد معيباً بخلاف التسري.

وَلا يَتَزَوَّجُ إِلا بإِذْنِهِ

أي: لا يجوز له بغير إذنه؛ لأن ذلك يعيبه إذا عجز. وقوله: (إِلا بإِذْنِهِ) ظاهره أنه لا يفتقر إلى إذن غيره، وهو مقيد بما إذا لم يكن معه غيره.

أشهب: وإن كان معه في الكتابة غيره؛ فليس لسيده إجازة نكاحه إلا بإجازة من معه، إلا أن يكونوا صغاراً فيفسخ على كل حال، ويترك لها إن دخل ثلاثة دراهم، ولا يتبع إن عتق بما بقي.

وَلا يُكَفَّرُ إِلا بالصِّيَامِ

يعني: لا يكفر بعتق ولا إطعام، أما العتق فلعدم الولاية، وأما الإطعام فقد تقدم الخلاف فيه في باب الظهار.

وَلا يُسَافِرُ سَفَراً بَعِيداً بغَيْرِ إِذْنِهِ

احترز بالبعيد من القريب؛ فإنه جائز، قاله ابن القاسم. ونقل اللخمي أنه منع السفر مطلقاً، ورأى اللخمي المنع إذا كان صانعاً ونحوه؛ لأن القصد سعايته في الحاضرة، والجواز إن كان شأنه السفر قبل ذلك.

وَإِذَا اشْتَرى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِه صَحَّ، فَإِنْ عَجَزَ عَتَقَ

(صَحَّ) أي: الشراء، ولم يعتق على السيد؛ لأن المكاتب قد أحرز نفسه وماله، وإذا صح الشراء فللمكاتب بيعه ووطؤها إن كانت أمة، وقاله ابن القاسم في الموازية، فإن

ص: 449

عجز المكاتب عتق العبد على السيد، فإن قيل: لا يعتق على سيد مأذون له إلا ما اشتراه المأذون له غير عالم، وها هنا المكاتب قد يشتري وهو غير عالم بأن ذلك العبد يعتق على سيده. قيل: لما أبيح للمكاتب اشتراؤهم أولاً صار أقل أموره كالمأذون يشتري وهو عالم.

وَوَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَوَلَدُ الْمُكَاتَبِ مِنْ أَمَتِهِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ فِي حُكْمِهَا، بخِلافِ مَا قَبْلَهَا إِلا أَنْ يَشْتَرِطَهُمْ

أي: ما ولد للمكاتبة بعد عقد الكتابة، سواء حملت به بعد العقد أو قبله، وكذلك ولد المكاتب من أمته يشترط أن يحدث بعد الكتابة، وأما لو حملت به قبلها فلا يدخل؛ لأنه ملك للسيد.

وقوله: (فِي حُكْمِهَا) أي: في حكم الكتابة. واحترز بقوله: (مِنْ أَمَتِهِ) مما لو كان من زوجته فإنه لا يتبع؛ لأنها إن كانت حرة فالولد حر، وإن كانت أمة فالولد رقيق لسيدها.

وقوله: (بخِلافِ مَا قَبْلَهَا) أي: فلا يدخل إلا أن يشترطاهم؛ أي: المكاتب والمكاتبة.

وَلَوْ وَطِئَ السَّيِّدُ مُكَاتَبَتَهُ أُدِّبَ وَلا مَهْرَ، فَإِنْ نَقَصَهَا فَعَلَيْهِ الأَرْشُ إِنْ أَكْرَهَهَا

يعني: ولا حد للشبهة. قال في المدونة: ويعاقب، إلا ان يعذر بجهل، والمذهب سقوط المهر خلافاً للحسن، نعم إن نقصها فعليه الأرش، هكذا في المدونة، وقيده ابن يونس، فقال: يريد إذا كانت بكراً. وقال اللخمي: لا شيء لها إن كانت ثيباً؛ لأن ذلك لا ينقص من ثمنها، وعلى هذا فالتقييد مأخوذ من المدونة، واحترز المصنف بالإكراه لو طاوعته فإنه لا شيء عليه، لا صداق ولا ما نقصها، قاله في المدونة.

ابن يونس: ولو كانت بكراً.

ص: 450

وَلَوْ حَمَلَتْ خُيِّرَتْ فِي بَقَاءِ الْكِتَابَةِ وَأُمَومَةِ الْوَلَدِ مَا لَمْ يَكُنْ ضُعَفَاءُ أَوْ أَقْوِيَاءُ إِنْ لَمْ يَرْضَوْا، فَإِنِ اخْتَارَتِ الأُمُومَةَ وَرَضَوْا؛ حُطَّتَ حِصَّتُهَا

ظاهره: أنها تخير في التعجيز ولو كانت قوية على السعي، وقاله محمد وسحنون، وعلله ابن يونس بمراعاة الخلاف، فابن القاسم قال: إذا حملت بطلت كتابته وصارت أم ولد، فلذلك كان لها تعجيز نفسها.

اللخمي: تعجيزها نفسها ليس بالبين؛ لأنه انتقل عن عتق ناجز إلى عتق بعد موت، وقد تموت قبله رقيقاً، واختلف إذا مضت على كتابتها في نفقتها، فقال سحنون وابن حبيب، ونقله عن أصحاب مالك: لها النفقة ما دامت حاملاً قياساً على المبتوتة الحامل. وقال أصبغ: لا نفقة لاختيارها حكم الكتابة، أما إن عجزت بعد اختيارها الكتابة فهي على حكم أمومة الولد.

وقوله: (مَا لَمْ يَكُنْ) هو شرط في التخيير، وقد تقدم معناه إذا أعتق السيد بعض المكاتبين، وكذلك تقدم أنه يحط عنهم حصة المعتق، ولو اختارت الكتابة ثم عجزت؛ فإنها لا ترق، بل ترجع إلى حكم أمومة الولد، وتعتق بموت سيدها، قاله في الجلاب.

وَإِذَا جَنَى وَلَوْ عَلَى سَيِّدِهِ فَالأَرْشُن فَإِنْ عَجَزَ رُقَّ، ثُمَّ يُخَيَّرُ سَيِّدُهُ بَيْنَ إِسْلامِهِ وَفِكَاكِهِ

يعني: إذا جنى المكاتب على غيره، وجنايته على سيده كجنايته على الأجنبي؛ لأنه أحرز نفسه وماله، ووجب عليه الأرش، فإن أدى بقي على كتابته، وإن عجز فهو عجز عن الكتابة ويرجع رقيقاً، فيخير سيده في إسلامه فيكون رقيقاً للمجني عليه، وفي فكاكه فيكون رقيقاً له.

مالك: ولا ينجم على المكاتب الأرش [763/ب] كما ينجم على العاقلة.

ابن وهب: قال عطاء وابن شهاب: بذلك مضت السنة.

ص: 451

محمد: وإذا قال المكاتب لما طولب بالأرش: ما عندي شيء، فقد عجز ويخير سيده، وإن قال: عندي ولكن أؤدي إلى أيام، فلا يرد، ويقول له السلطان: إن تؤديه وشبهه وإلا فأنت رقيق، فإن أداه وإلا عُجِّزَ.

اللخمي: وإن أدى عنه سيده الأرش على أن يرجع عليه بما أدى؛ بقي على حاله مكاتباً؛ لأن الجناية سقطت، وإن أدى عنه ليتبعه؛ فعلى مذهب من يرى أنه يجبره على الكتابة، يجوز ذلك وتكون كتابة من السيد مبتدأة، وعلى مذهب من يرى أنه لا يجبره على الكتابة يرجع؛ لأنه من عجز الأرش فيجب إرقاقه، وقد دفع السيد ذلك عنه فداء له.

وَلَوْ جَنَى عَبْدٌ مِنْ عَبيدِ الْمُكَاتِبِ فَدَاهُ بالنَّظَرِ

في كلامه حذف معطوف تقديره: فداه أو أسلمه بانلظر.

وَلَوْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ مُكَاتَباً بَعْدَ الْجِنَايَةِ لَزِمَهُ الْفِدَاءُ

نحوه في الجواهر، وظاهره أنه لا يقبل قول السيد: لم يرد حملها، وينبغي أن يقيد بذلك كما نص عليه في المدونة في المدبر إذا أعتقه سيد، فإن أراد حمل الجناية فذلك له، وإن قال: ظننت أنها تلزم ذمته وإن كان حرّاً يتبع؛ حلف على ذلك ثم رد عتقه، فإن كان للعبد مالٌ قدر الجناية، أو وجد معيناً على أدائها مضى عتقه، ولعل ما ذكره المصنف وابن شاس إنما يجري على مذهب المغيرة: أنه إذا أعتق عالماً بالجناية أنه ضامن، كما لو أولد أمته.

وَلَوْ قُتِلَ فَلِلسَّيِّدِ الْقِيمَةُ عَلَى أَنَّهُ مُكَاتَبٌ

هذه إحدى الروايتين عن مالك، وهو مذهب المدونة عند أبي عمران وغيره، قال فيها: وعلى قاتل المكاتب قيمته عبداً مكاتباً في قوة مثله على الأداء وضعفه. قيل لأبي عمران: لِمَ قال: يقوم مكاتباً على قدر أدائه، ولم يقل: يقوم عبداً؟ قال: من أجل أن للمكاتب زيادة فيه؛ لأنه يراد فيه من أجل اجتهاده في خروجه من الرق. وروي عن

ص: 452

مالك، وهو مذهب المدونة عند جماعة: أنه يقوم عبداً؛ لأن الكتابة بطلت بقتله، بخلاف الجناية عليه فيما دون النفس، فإنه يلزمه فيه الأرش على أنه مكاتب؛ لأن حكم الكتابة باقٍ لم يبطل لبقاء ذاته.

وَإِذَا تَنَازَعَا فِي الْكِتَابَةِ أَوِ الأَدَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ

يعني: إن ادعى العبد أن السيد كاتبه وأنكر السيد، أو ادعى المكاتب دفع الكتابة وأنكر السيد، فالقول قول السيد فيهما؛ لأنه مدعىعليه، إذ الأصل عدم الكتابة والأداء، ولا يمين على السيد في الأولى، وينبغي أن يحلف في الثانية، فإن نكل حلف المكاتب وعتق.

وَيَثْبُتُ الأَدَاءُ بشَاهِدٍ وَيَمِينٍ بخِلافِ الْكِتَابَةِ

هذا نحو ما قدمه المصنف في باب الشهادات، حيث قال: ونجوم الكتابة وإن عتق بها فتجوز برجل وامرأتين، بخلاف الكتابة فإنها لا تثبت إلا بعدلين.

فرع:

واختلف هل يرد العتق بدين ثبت بشاهد ويمين، أو بامرأتين ويمين، أو شاهد وامرأتين، فظاهر المذهب أنه لا يرد بذلك، وقال القاضي إسماعيل: لا يرد العتق بذلك، وإنما يرد بذلك ماي ثبت من العتق بعد الحكم بالمال، إلا أن يثبت أن شهادة الرجل والمرأتين وشهادة الشهاد الذي حلف معه كانت قبل العتق، وكذلك فسره عبد الملك ومحمد بن سلمة، إلا أن يكون معتقاً ي وصيته فيشهد على الميت رجل وامرأتان، فقد علمنا بغير شهادتهما أن الحق كان قبل العتق. وقال مالك في الموطأ: يرد العتق بنكول السيد عن اليمين ويكون صاحب الحق، ومثله في العتبية والمجموعة.

وَإِذَا تَنَازَعَا فِي قَدْرِهَا أَوْ جِنْسِهَا أَوْ جِنْسِهَا أَوْ أَجَلِهَا فَفِي قَبُولِ قَوْلِ الْمُكَاتَبِ وَالسَّيِّدِ قَوْلانِ لابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ.

تصوره ظاهر، وهو يقتضي بصريحه أن الخلاف في الثلاث مسائل:

ص: 453

أما الأولى: وهي اختلافهما في المقدار. كما لو قال السيد: بألف، وقال المكاتب: بل تسعمائة. وقال ابن القاسم في المدونة: القول قول المكاتب إن كان قوله يشبه؛ لأن المكاتب فوت، كما لو اشترى عبداً فكاتبه ثم اختلفا في الثمن أن المبتاع مصدق، وشبه ذلك بما رجع إليه مالك إذا اختلف البائع والمبتاع أنهما يتحالفان ما لم تفت السلعة في يد المشتري، فيكون القول قوله. وقال أشهب: ما ذكر عنه المصنف القول قول السيد.

محمد: وحجته أن يقول للمكاتب: أنت مملوكي، فلا تخرج الكتابة إلا بما أقر لك به. واعلم أن أشهب إنما قال هنا: القول قول السيد، فقال اللخمي: الرواية ناقصة. وإنما معنى ذلك أن يحلف السيد، ثم يقال للعبد: ترضى بما عليه السيد وإلا فاحلف وتفسخ الكتابة، كما في البيع سواء.

المازري: وقد لا يحتاج إلى هذا التأويل، ويكون أِهب رأى أن القول قول السيد مطلقاً، بناء على القول أن للسيد أن يجبر عبده على الكتابة؛ لأن السيد يقول: لا فائدة في يمين العبد، لأنه بعد أن يحلف تفسخ الكتابة؛ أجبره عليها بذلك.

وخرج اللخمي على قول أشهب: تفسخ الكتابة. اشتراط السيد وطء مكاتبته أو على أن ولدها له ما لم يؤدِّ نجماً، أنهما هنا يتحالفان ويتفاسخان ما لم يؤدِّ نجماً، فإن أداه تحالفاً ورجع إلى كتابة المثل ما لم يكن أكثر مما ادعاه السيد فلا يزاد، أو أقل مما قاله المشتري، وكل هذا إذا أتيا جميعاً بما يشبه، وإن أتى أحدهما [764/أ] بما لا يشبه؛ فالقول قول الآخر مع يمينه، سواء اختلفا قبل أداء نجم أو بعده.

وفي تخريج اللخمي نظر؛ لأن شرط الكتابة لا يحل اتفاقاً، وإنما رأى من ال ببطلان الكتابة أنها فاسدة، فكانت كالبيع الفاسد، بخلاف اختلاف السيد ومكاتبه، فإن ذلك لا يوجب فساداً كاختلاف المتبايعين.

ص: 454

وأما الثانية: فهي اختلافهما في الجنس. كما لو قال أحدهما بثياب، وقال الآخر بخلافها، فلم أر قول ابن القاسم وأشهب فيها كما يوهم كلام المصنف، ولهذا أجرى اللخمي على قول ابن القاسم: أن الكتابة فوت ويتحالفان ويكون على كتابة مثله من العين، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر؛ فالقول قول الحالف، وإن قال أحدهما عيناً والآخر عرضاً؛ فالقول لمدعي العين، إلا أن يأتي بما لا يشبه. وسكت عن قول أشهب فيه.

وقال المازري: إذا اختلفا في الجنس؛ جرى على اختلاف المتبايعين في الجنس يتحالفان ويتفاسخان، ولا خلاف منصوص في البيع فيهما. وتذاكرت مع ابن عبد الصمد بسفاقص في هذه المسألة، فقال لي: فيها قول آخر؛ أن القول للبائع فاستغربته، فقال لي: هو منصصو لمالك في كتاب أبي إسحاق، فأخرج لي الكتاب فوجدته فيه.

وأما الثالثة: وهي اختلافهما في الأجل. فكلامه محتمل لأن يكون اختلافهام في وجوده وعدمه، أو في قدره، أو في حلوله. فأما الأول، فقال اللخمي: القول قول المكاتب أنها منجمة ما لم يأت من كثرة النجوم ما لا يشبه. قيل: المذهب كله عليه. وأخرج بعضهم فيها خلافاً من اختلاف قول مالك: إذا باع من رجل سلعة، فقال المشتري: بعتها مني إلى أجل، وقال هو: بل نقداً. ورده المازري: بأن العادة في الكتابة لا تكون إلا على التنجيم بخلاف البيع وافترقا، وأما الاختلاف في قدره. وفي المدونة: إن قال المكاتب منجمة على عشرة أنجم، وقال السيد على خمسة؛ صدق المكاتب مع يمينه، وإن أتى ببينة قضى بأعدلهما، وإن تكافآ صدق المكاتب وكان كمن لا بينة له. قال غيره: يقضي ببينة السيد لأنها زادت، ونقل ابن يونس عن أِهب مثل قول ابن القاسم، وبه لا يتم أن يريد المصنف هذا الوجه؛ لأن أشهب لا يقول قول السيد، وإنما اختلافهما بحلول الأجل، ففي المدونة: القول قول المكاتب، قال: كمن أكرى داره سنة أو باع سلعة بدينار إلى سنة وادعى حلولها؛ فالمكتري أو المبتاع مصدق، ولم ينقلوا هنا قول أشهب، وبالجملة في كلام المصنف نظر، والله أعلم.

ص: 455