الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اُمَّهَاتُ الأَوْلادِ
الأم في اللغة: أصل الشيء، والجمع أمات. وأصل أم: أمهة، ولذلك يجمع على أمهات. وقيل: الأمهات للناس، والأمات للنعم، وأم الولد عبارة في اللغة عن كل من ولد لها ولد، وهي خاصة في استعمال الفقهاء بالأمة التي ولدت من سيدها، وجرت عادة الفقهاء بترجمة هذا الباب بالجمع، ولعل سبب ذلك تنويع الولد الذي تحصل به الحرية للأم، فقد يكون تام الخلقة، وقد لا يكون كذلك من مضغة وعلقة وغيرهما.
عياض: ولأم الولد حكم الحرائر في ستة أوجه وحكم العبد في أربعة. أما الستة: فلا خلاف عندنا أنهن لا يبعن في دين ولا غيره، ولا يرهن، ولا يؤجرن، ولا يسلمن في جناية، ولا يستسعين. وأما الأربعة: فانتزاع أموالهن ما لم يمرض السيد، وإجبارهن على النكاح على أحد القولين واستخدامهن، لكن في خفيف الخدمة فيما لا يلزم الحرة، وكونهن لسيدهن له فيهن من الاستمتاع ما في الإماء.
وَتَصِيرُ الأَمَةُ أُمِّ وَلَدٍ بثُبُوتِ إِقْرَارِ السَّيِّدِ بالْوَطْءِ، وَثُبُوتِ الإِتْيَانِ بوَلَدٍ حَيِّ أَوْ مَيِّتٍ عَلَقَةٌ فَمَا فَوْقَهَا مِمَّا يَقُولُ النِّسَاءُ: إِنَّهُ مُنْتَقِلٌ
…
أي: وتصير الأمة أم ولد بمجموع شيئين؛ الأول: أن يقر السيد بوطئها. والثاني: أن يثبت الإتيان بولد، واحترز بالأول مما لو أنكر السيد الوطء، فإن الولد لا يلحقه، والمذهب أن اليمين لا تتوجه عليه؛ لأن ذلك من دعوى العتق. وقال عبد الملك: إذا ادعى الاستبراء يحلف وهو خلاف قول مالك، فعلى قوله ينبغي أن يحلف هنا، واختار اللخمي توجهها في العليا مطلقاً، وفي الوخش إن علم منه ميل لذلك الجنس. قال: وقد قيل: إنه لا يصدق في العليا إذا طال مقامها لكان له وجه، واحترز بالثاني مما لو أقر بالوطء وأنكر الولادة، فإن لم يكن مع الأمة ولد؛ فإن اليمين تتوجه عليه إذا ادعت عليه العلم،
وإن كان غائباً في الوقت الذي يقول أنها ولدت فيه ولم يحلف. واختلف إذا أتت بامرأتين على الولادة كلٌّ تكون أم ولد؟ فقال ابن القاسم: تكون بذلك أم ولد. وقال سحنون: إذا لم يكن معها ولد فلا تكون بذلك أم ولد. واختلف إذا كان معها ولد؛ ففي المدونة: يقبل قولها. وقيل: لابد من امرأتين على الولادة. وقال محمد: يقبل قولها إذا صدقها جيرانها لواحد حضرها، وليس يحضر هذا الثقات. واختار اللخمي الرجوع إلى دلائل الأحوال في ذلك، وظاهر قول المصنف: وثبوت الإتيان بولد أنه لابد من امرأتين.
وقوله: (عَلَقَةٌ فَمَا فَوْقَهَا) ظاهره أنها لا تكون بما دون ذلك وهو مذهب أشهب، ومذهب ابن القاسم: أنها لا تكون بالدم المجتمع. قيل: وعلامة [764/ب] كونه ولداً إذا كب عليه الماء الساخن لا يذوب. وقوله: (مُنْتَقِلٌ) أي: يبين حملاً بعد ذلك.
وَلَوِ ادَّعَتْ سَقْطاً مِنْ ذَلِكَ وَرَأَى النِّسَاءُ أَثَرَ ذَلِكَ اعْتُبِرَ
يعني: إذا أقر بالوطء وادعت سقطاً بولد حي أو ميت علقة فما فوقها، وهو قوله:(مِنْ ذَلِكَ وَرَأَى النِّسَاءُ أَثَرَ ذَلِكَ اعْتُبِرَ) هذا معنى ما في أمهات أولاد. المدونة، قيل: فإن أقرت بولد فأنكر السيد أن تكون ولدته: قال: سئل مالك عن المطلقة تدعي أنها قد أسقطت وانقضت عدتها ولا يعلم ذلك إلا من قولها؟ قال: لا يكاد يخفى عن الجيران الولادة والسقط وأنها لوجوه تصدق النساء فيها وهو الشأن، ولكن لا يكاد يخفى عن الجيران، فكذا مسألتك في ولادة الأمة، فظاهر هذا مثل ما ذكره المصنف في السقوط، وصرح في المدونة في كتاب القذف بما لم يصرح به في كتاب أمهات الأولاد في مسألة إنكار السيد الولادة، فقال: ومن أقر بوطء أمته فأتت بولد، فقال لها: لم تلديه ولم يدع الاستبراء، وقالت الأمة: بل لقد ولدته منك؛ فهي مصدقة والولد لاحق، فإذا قبل قولها في الولد مع احتمال بعد الزمان، فأحرى في السقط التي آثاره ظاهرة.
وَلَوِ ادَّعَى اسْتِبْرَاءً لَمْ يَطَا بَعْدَهُ لَمْ يَلْحَقْهُ وَلا يَحْلِفُ
هذا ظاهر المدونة كما ذكر سقوط اليمين، وهو قول مالك ونص الموازية، وألزمه عبد الملك ومطرف وعيسى اليمين، ورواه أشهب عن مالك.
وقال ابن مسلمة: يحلف إن اتهم، وإن نكل لحق به الولد ولم ترد اليمين. وقال المغيرة في أول قوله: لا ينبغي بالاستبراء جملة ولا يبرأ منه إلى خمس سنين، ومال إليه اللخمي مستدلاً بأن النفي بالاستبراء ضعيف؛ لأن الحامل تحيض عندنا، إلا أن تكون الأمة ممن يظن بها الفساد فيترجح القول بالفساد بالاستقراء، وإن كانت معروفة بالعفاف والصيانة لم ينتف به.
وَاسْتِبْرَاؤُهَا حَيْضَةٌ وَانْفَرَدَ الْمُغِيرَةُ بثَلاثِ حِيَضٍ وَيَحَلِفُ
يعني: إذا قلنا أن له أن ينفي الولد بالاستبراء، فهل يكتفي بحيضة وهو المشهور، أو لابد من ثلاث؟ ولم ينفرد المغيرة كما قال المصنف، فقد نقل ابن يونس عن مالك من رواية عبد الملك مثل قول المغيرة: أنه لا ينبغي إلا بثلاث حيض مع اليمين. قال سحنون: والذي ثبت عليهمالك حيضة ولا يمين عليه.
وعن المغيرة أيضاً: أنها حيضة، ثم رجع لثلاث.
بعض الشيوخ: وإذا أوجبنا عليه اليمين فنكل عنها؛ كان ذلك كدعوى العتق مع شاهد، وَجَبَتْ اليمينُ على السيد فنكل عنها، فعلى القول أنه يعتق بالنكول لزمه هنا الولد، وعلى القول الثاني سجن أبداً.
وَلا يَنْدَفِعُ بدَعْوَى الْعَزْلِ، وَلا بالإِتْيَانِ فِي الدُّبُرِ، وَلا بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ مَعَ الإِنْزَالِ
يعني: لا يندفع الولد عنه بقوله كنت أعزل؛ لأن الماء قد يسبقه ولو اليسير منه.
اللخمي: إلا أن يكون العزل البين، ولا بالإتيان في الدبر أو بين الفخذين، نحوه في المدونة، ونقل اللخمي قولاً آخر: أنه لا يلحقه الولد؛ لأن الماء إذا باشر الهوى فسد، واستحسن اللخمي القول الأول؛ لأن فساد الماء مظنون فلا يسقط به النسب، واستبعد الباجي حصول الولد عن الوطء في غير الفرج، قال: ولو صح لما حدت المرأة إذا ظهر بها حمل ولا زوج لها، لجواز أن تكون إنما وطئت في غير فرج.
اللخمي: وإن كان الإنزال بين شفري الفرج لحق الولد اتفاقاً. قال ابن القاسم: ولو قال وطئت ولم أنزل؛ لزمه الولد.
وَلَوْ أُنكحَ أَمَةً أَوْ وَطِئَهَا بشُبْهَةٍ فَوَلَدَتْ ثُمَّ اشْتَراهَا لَمْ تَكُنْ لَهُ بذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ
يعني: لو تزوج أمة ووطئها بشبهة فولدت منه، ثم بعد ذلك اشتراها؛ فإنها لا تكون بذلك الولد المتقدم على الشراء أم ولد، وهذا متفق عليه عندنا.
وَلَوِ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ حَامِلاً مِنْهُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ عَلَى الْمَشْهُورِ
هما روايتان، وبالمشهور قال ابن القاسم وأكثر الأصحاب، وبالشاذ قال أشهب؛ لأن الولد قد مسه الرق وإنما عتق بالملك، ورأى في المشهور أنه لما عتق عليه بالشراء صار كما لو حملت ابتداء وهي في ملك أبيه، ولهذا لو لم يعتق عليه بالشراء لم تكن أم ولد عند الجميع، كما لو كانت الأمة لأبيه واشتراها منه؛ لأنه قد عتق على جده ولم يملكه أبوه، أما لو اشتراها من أعتق ما في بطنها؛ ففي المدونة: شراؤه جائز وتكون بما وضعت أم ولد؛ لأنه على الذي عتق بالشراء ولم يصبه عتق السيد؛ إذ لا يتم تقه إلا بالوضع، لأنه يباع عليه في فلسه ويبيعها ورثته قبل الوضع إن شاءوا، وإن لم يكن عليه دين والثلث يحملها، ولو ضربها رجل فألقته؛ فإن فيه ما في جنين الأمة، ولو كان بعدما اشتراها الزوج؛ ففيه ما في جنين الحرة. قال: وقد تزوج أمة والده فمات الأب فورثها وهي حامل، فإن كان حملاً
ظاهراً أو لم يكن ظاهراً ولكنها وضعته لأقل من ستة أشهر؛ لم تكن أم ولد، لأنه قد عتق على جده في بطنها قبل أن يرثه أبوه فلم يملكه أبوه، ولا تكون أم ولد أبداً إلا عن ملك رقبتها بماف ي بطنها حتى يعتق الجنين عليه لا على غيره، قال: وإن وضعته لستة أشهر فأكثر فهي له أم ولد، ونحوه لابن الماجشون في كتاب ابن سحنون.
وَمَنْ قَالَ فِي مَرَضِهِ: هَذِهِ وَلَدَتْ مِنِّي وَلا وَلَدَ مَعَهَا، فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ وَلَوْ مِنْ غَيْرِهَا عَلَى الأَصَحِّ صُدِّقَ وَعتَقَتْ مِنْ رَأَسِ مَالِهِ، وَإِلا لَمْ يُصَدَّقْ وَرَقَّتْ
…
قد يقال في كلامه تناقض [765/أ] لأن قوله: (وَلَوْ مِنْ غَيْرِهَا) يقتضي تسوية الحكم منها ومن غيرها وهو ناف لقوله: (وَلا وَلَدَ مَعَهَا) ووقع في بعض النسخ إسقاط (لو) وهي أحسن، والقولان في المدونة؛ ففيها: وأما إن قال: هذه ولدت مني. ولا يعلم ذلك إلا بقوله: (وَلا وَلَدَ مَعَهَا) فإن كان ورثته ولده؛ صدق وعتقت من رأس المال، وإن لم يترك ولداً؛ لم يصدق ولا تعتق الأمة في الثلث وتبقى رِقّاً، إلا أن يكون معها ولد السيد أو بينة تثبت فتعتق من رأس المال. وقد قال مالك أيضاً: لا تعتق إذا لم يكن معها ولد من ثلث ولا من رأٍ مال كان ورثته ولده أو كلالة؛ كقوله: أعتقت عبدي في صحتي. فلا يعتق في ثلث ولا في رأس مال، وقاله أكثر الرواة.
اللخمي: وعلى قوله في المريض يقر بقبض كتابة مكاتبه؛ ورثته كلالة إذا كان الثلث يحملها ولم يشغل الثلث بوصية. ويجري فيها قول رابع: إن كان اعترف بوطئها قبل قوله الآن وإن لم يحملها الثلث، وهو قول ابن الماجشون في الواضحة: إذا باعها، ثم قال: ولدت مني، نعم اختار اللخمي أنه يصدق في قوله وتكون على حكم أم الولد، وإن كان إقراره في مرضه ورثته كلالة من لم يحملها الثلث، أو في صحته وعليه دين؛ لما جرى من كثير من الناس كتمان مثل هذا، ثم يعترف به عند الموت ويكون معها الولد ولا سيما إن كانت دنية أو سوداء فيكتمه لمعرة ذلك، فإذا كان عند الموت أقر به لخوف الإثم.
فَإِنْ قَالَ: أَعْتَقْتُهَا فِي صِحَّتِي؛ لَمْ تُعْتَقْ مِنْ رَاسِ مَالٍ وَلا ثُلُثِ عَلَى الأَكْثَرِ فِيهِمَا
يحتمل أن يعود فيهما على هذه المسألة والتي قبلها، لكن يبقى فيه نظر؛ لأنه قد تقدم من كلامه في المدونة أن الأكثر على مقابل الأصح، وعلى هذا فيعود الضمير على رأٍ المال والثلث، ويكون مقابل الأصح أنها تعتق من رأس المال على قول، ومن الثلث على قول، وقد سوىبن زرقون بين العتق والاستيلاد، فقال: اختلف فيمن أقر في مرضه أنه كان فعل شيئاً في صحته مثل عتق أوإيلاد على ستة أقوال؛ أحدها من كتاب أمهات الأولاد أيضاً: إن ورث بولد فمن رأس المال، وإن ورث بكلالة لم ينفذ من الثلث ولا من رأس المال. والرابع ظاهر قول ابن القاسم في كتاب الكتابة، ونص ما في المدونة: إن ورث بولد نفذ من رأس المال، فإن ورث بكلالة نفذ من الثلث. والخامس في الموازية: ينفذ من الثلث ورث بولد أو كلالة. والسادس حكاه التونسي: إن حمله الثلث جاز، وإن لم يحمله بطل جميعه، ونحوه لابن رشد وحكاه قولاً سابعاً: إن ورث بولد هذا من الثلث، وإن ورث بكلالة لم ينفذ من رأس مال ولا ثلث. ويأتي في أم الولد قول ثامن وهو ما خرجه اللخمي: إن كان اعترف بوطئها قبل قوله الآن، وإلا فلا كما تقدم.
وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ فِيهَا إِجَارَةٌ وَلا غَيْرِهَا سِوَىَ الاسْتِمْتَاعِ وَما قَرُبَ مِنَ الْخِدْمَةِ
في المختصر: لا تؤاجر إلا برضاها؛ لأن الحر لو رضي أن يؤاجر نفسه جاز. ابن الجلاب: وإن أجرها فسخت الإجارة، فإن لم تفسخ حتى انقضت لم يرجع المستأجر على سيدها بشيء.
وقوله: (وَلا غَيْرِهَا) أي: من البيع، وهذا مذهبنا، ومذهب الجمهور: أنها لا تباع في دين ولا غيره ونقل سحنون على ذلك، ويعضده ما رواه الدارقطني وغيره من منع بيعهن، لكن الأحاديث فيها ضعف، ومنع في املدونة كتابتها، لكن ذلك محمول عند
الشيوخ على ما إذا لم ترض بذلك، وأما لو رضيت فتجوز الإجارة، ثم استثنى من ذلك الاستمتاع منها وما قرب من الخدمة، وهو قريب مما لعبد الوهاب في المعونة، فإنه قال: وله استخدامها فيما قرب ولا يشق، لكنه مخالف لما في الموازية عن ابن القاسم من التفصيل بين الرفيعة والدنية؛ لأنه قال: ليس له أن يعنت أم الولد في الخدمة، وإن كانت دنية وتبتذل في الحوائج الخفيفة ما لا تبتذل في الرفيعة. وقال الباجي: للسيد استخدام المدبرة دون أم الولد على المشهور من قول مالك، وظاهره أن مقابل المشهور له فيها الخدم ةالكثيرة، والأظهر عنده أن له فيها الخدمة؛ أي: الكثيرة، لأنها فيه على حكم الملك، وإنما منع من تملكها غيره، وقياساً على استخدام أم ولده؛ لأن حرمتهما واحدة، إذ كل ذات رحم فولدها بمنزلتها.
وَلَوْ بيعَتْ وَأَعْتَقَهَا الْمُشْتَرِي فَسَخَ وَمُصيبَتُهَا مِنَ الْبَائِعِ
(فَسخَ) أي: البيع والعتق وعادت أم الولد، وإذا فسخ العتق فأحرى الكتابة والتدبير، وكذلك أيضاً لا يفيتها إياه المشتري عالماً أنها أم ولد للبائع غرم قيمة الولد، اختلف إذا غره وكتمه أنها أم ولد، فقال ابن الماجشون: عليه قيمة الولد. وقال مطرف: لا شيء عليه لأنه أباحه إياها. اللخمي: وهو أحسن.
قوله: (وَمُصيبَتُهَا مِنَ الْبَائِعِ) يعني: أن هذا مخالف للبيع الفاسد؛ لأن الملك لا ينتقل هنا، وإذا فسخ البيع؛ ظاهر المذهب لا شيء على البائع مما أنفقه المشتري عليها ولا من قيمة خدمتها. وقال سحنون: يرجع بالنفقة، يريد ويرجع هو بالخدمة، قاله اللخمي، قال: وإذا انقضى البيع تحفظ من البائع لئلا يعود إلى بيعها ولا يؤمن من السفر بها، وإن خيف عليها ولم يمكن التحفظ منه عتقت عليه قياساً على قول مالك في المبسوط في الذي يبيع زوجته أنه لا يكون بيعها طلاق، قال: وتطلق عليه إذا خيف أن يعود، وإن غاب المشتري ولم يعلم مكانه تصدق بالثمن. انتهى.
وهذا [765/ب] إذا باعها لا شرط الحرية والعتق، وإن باعها على أنها حرة ساعتئذ، فهذه ترد ما لم تفت للعتق، فيمضي عتقها والولاء للبائع ويسوغ له الثمن، لأن المبتاع علم أنها أم ولد وشرط فيها العتق فكأنه فكاك، ولو لم يعلم أنها أم ولد لرجع بالثمن.
وَإِذَا جَنَتْ وَجَبَ فِدَاؤُهَا بالأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ
لأن الشرع لما منع من إسلامها نزلت قيمتها منزلتها، فلذلك كان عليه في الجناية الأقل من قيمتها أمة وأرش الجناية، وأطلق في قوله:(قِيمَتِهَا) والمشهور: اعتبار القيمة يوم الحكم. وقال المغيرة: يوم جنت. قال محمد بن عبد الحكم: لا شيء على سيدها من جنايتها وذلك في ذمتها. وقال ابن الجهم: السيد بالخيار إن شاء أسلم أرش الجناية أو أسلم ما بقي له فيها من الخدمة فيستخدمها أو يؤاجرها، قال: ولا يلحقه من الجناية أكثر مما يملك منها، فإن وفت رجعت إلى سيدها، وإن لم توف حتى مات عتقت وأتبعت بالباقي ذمتها.
خليل: وانظر هل يتخرج فيها قول ثالث بعدم الرجوع عليها بما بقي من الدين، وإذا تعددت الجنايات وقام أهلها في وقت واحد اسلمت القيمة إليهم وتحاصوا فيها علىقدر أرش تلك الجناية، قيل: إلا أن تكون قيمتها مثل أقل الجناية؛ فيتحاصوا على السواء، واختلف إذا لزمت السيد قيمتها وبقي أقل من الأرش هل تقوم بمالها.
وَلَوْ سُبِيَتْ وَغُنِمَتْ وَقُسِمَتِ افْتَكَّهَا بجَمِيعِ مَا قُسِمَتْ بهِ وَيُتَّبَعُ بهِه إِنْ كَانَ مُعْسِراً. وَقِيلَ: بالأَقَلِّ مِنْهُ وَمِنْ قِيمَتِهَا
…
قد تقدمت هذه المسألة في الجهاد، وتقدم الخلاف فيها أكثر من هذا.
وَتُعْتَقُ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ رَاسِ مَالِهِ وَلا يَرُدُّهَا دَيْنٌ
هذا مذهبنا، ولا يردها الدين سابقاً أو لاحقاً.
وَوَلَدُهَا مِنْ غَيْرِهِ بَعْدَ الاسْتِيلادِ يُعْتَقُونَ بمَوْتِهِ وَلَهُ خِدْمَتُهُمْ، وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِمْ كَأُمِّهِمْ
…
قوله: (وَوَلَدُهَا) أي: أولاد أم الولد الكائنين قبل الإيلاد أرقاء، للسيد بيعهم وغيرذلك من حكم الأرقاء، ولا إشكال أن ولدها من سيدها أحرار، وأن أولادها بعد الولادة من سيدها وهم الذين تكلم عليهم المصنف الآن فحكمهم كأمهم، لأن كل ذات رحم فولدها بمنلزتها، ومعنى كلامهم أنهم يعتقون بموت سيد أمهم من رأس ماله.
قوله: (وَلَهُ خِدْمَتُهُمْ) أي: يؤاجرهم صاحب الخدمات وغيره وهم في ذلك بخلاف أمهم، وينبغي على قاعدة المذهب أن يستوي حكمهم وحكم أمهم؛ لأن كل ذات رحم فولدها بمنزلتها.
قوله: (وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِمْ كَأُمِّهِمْ) التشبيه في الجناية فقط؛ لأنهم في الخدمة يخالفونها كما ذكر، وعلى هذا فـ (الْجِنَايَةُ) مبتدأ وخبره (كَأُمِّهِمْ) يعني: أن أرش جنايتهم تكون لسيدهم لا لهم، وذلك هو الحكم في الجناية على أمهم، ولم يقدم المصنف الكلام على الجناية على أمهم، يفهم من قوله إثر هذا.
وَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ أَخْذِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا؛ فَفِي كَمَالِهَا فَيَتَّبِعُهَا قَوْلانِ
لأنه يلزم منه أن السيد يأخذ أرش الجناية عليها في حياته والقولان لمالك.
ابن المواز: والقياس قوله الأول أنه لورثته، واستحسن ما رجع إليه مالك من أن ذلك يتبعها، وكذلك لو أعتقها قبل أن تؤخذ دية الجناية فإنها لها، وقال أشهب: للسيد.
وَفِي إِجْبَارِهَا عَلَى التَّزْويجِ قَوْلانِ، وَكَرِهَهُ وَلَوْ برِضَاهَا
أما القولان في الإجبار قد تقدما في النكاح (وَكَرِهَهُ وَلَوْ برِضَاهَا) أي: في تزويجها وهو ظاهر المدونة؛ ففيها: وكره مالك أن يزوج الرجل أم ولده، وعلى هذا حملها أكثر
المفسرين، وقيدها فضل بغير رضاها، وعللت الكراهة بأنه ليس من مكارم الأخلاق، ونحوه في العتبية، وبأن ذلك لا يخلو غالباً من إكراه.
وَلَوْ وَطِئََ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَمَةً فَحَمَلَتْ غَرُمَ قِيمَةَ نَصِيبِ الآخَرِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِراً خُيِّرَ الآخَرُ فِي اتِّبَاعِهِ، أَوْ بَيْعِ الْجُزْءِ الْمُقَوِّمِ وَيَتَّبِعُهُ بمَا بَقِيَ وَبِنِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ
…
لا شك أن أحد الشريكين لا يجوز له الوطء ابتداء، وأنه إن وطئ لا حد عليه للشبهة ويؤدب، إلا أن يعذر بجهالة على المشهور. وقال ابن حبيب: لا يعذر هنا بجهل، غير أن عقوبته أخف من العالم.
وقوله: (فَحَمَلَتْ) احترز به مما لو لم تحمل؛ فلا يجبران على التقويم، بل يخير الشريك بين التقويم على شريكه أو المتمسك. وقيل: لا شيء له. وقيل: لابد من التقويم لتتم له الشبهة. وفي الموازية: لا تقوم عليه ويلزمه نصف ما نقصها الوطء، وهو ظاهر؛ لأنه نقص يسيرٌ في الغالب.
وقوله: (غَرُمَ قِيمَةَ نَصِيبِ الآخَرِ) يعني: إذا كان موسراً؛ لمقابلته له بما إذا كان معسراً ولاتخيير لواحد منهما، واختلف في وقت التقويم؛ ففي المدونة: يوم الوطء وهي له أم ولد. وقيل: يوم الحكم. وقيل: إن شاء يوم الوطء وإن شاء يوم الحكم، واختاره محمد.
وقوله: (وَإِنْ كَانَ مُعْسِراً خُيِّرَ) أي: الشريك في اتِّباع الواطئ بنصف قيمة الأمة ونصف قيمة الولد، وفي بيع ذلك النصف المقوم عليه بعد الوضع، فإن نقص ثمن ذلك الجزء عما لزمه من القيمة أتبعه بما بقي، وهذا هو المشهور. وكان مالك يقول: الأمة أم ولد للواطئ ويتبع بالقيمة ديناً كالموسر. وقيل: الشريك مخير أن يتماسك بنصفه ويتبع الواطئ بنصف قيمة الولد ديناً، أو يضمنه ويتبعه ديناً في ذمته. وفي المسألة قول رابع لابن القاسم في الموازية أن الشريك إذا تمسك بنصيبه ولم [766/أ] تقوم اتبع بنصف قيمة الولد ونصف ما نقصها الولادة.
وخامسها لمطرف وابن الماجشون: إن أحب تمسك، وإن أحب قومها عليه في الذمة، وإن أحب بيع له نصفها ولا شيء له من نصف قيمة الولد قوِّمَ أو أمسك.
وسادس لأشهب: أنها تباع عليه بما يوفي من الدين وإن كان أكثر من النصف؛ لأنه يقول: لا تكون بعض أم الولد، وللواطئ أن يتبع الباقي إن أحب.
وَلَوْ وَطِأَهَا فَحَمَلَتْ؛ فَالْقَافَةُ وَإِنْ كَانَ ذِمِّيَّاً أَوْ عَبْداً
يعني: وإن وطئ الشريكان معاً في طهر واحد فأتت بولد لستة أشهر فأكثر من وطء الثاني فإنه تدعى له القافة، وإن كان أحد الشريكين ذميا أو عبداً فإن ألحقوه بالذمي بقي على دين أبيه، وإن مات أحدهما قبل دعاء القافة فإن كانت القافة تعرف الميت فالحكم كما لو كان حياً، وإن كانت لا تعرفه إن قالت: هو للحي؛ يلحق به، واختلف إذا قالت: لا شيء له فيه، أو ماتا جميعاً قبل أن تدعى القافة، فقال أصبغ: إذا قالت: لا شيء فيه لهذا الحي لحق بالميت، إن مات قبل النظر فهو ابن لهما. وقال ابن الماجشون: يبقى لا أب له في الوجهين.
فَلَوْ أَشْرَكَتْهُمَا الْقَافَةُ حُكِمَ بإِسْلامِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِم: يُوَالِي مَنْ شَاءَ إِذَا كَبُرَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُلْحَقُ بأَقْوَى شَبَهٍ. وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمُةَ؛ بالْوَاطِئِ الأَوَّلِ، وَإِلا فَبأَقْوَى شَبَهٍ. وَقَالَ سَحْنُونٌ: يَكُونُ ابْناً لَهُمَا
…
يعني: لو قالت القافة هو ابن لهما؛ فالولد محكوم له بالإسلام ولو كان أحد الواطئين كافراً، ثم اختلف في المشهور وهو قول ابن القاسم، وروايته أن الاشتراك ي الولد لا يصح خلافاً لسحنون، وعلى قول سحنون: يكون على كل واحد نصف نفقته، ونصف من كل واحد نصف ميراث، وعلى الأول فثلاثة أقوال:
الأول لمالك وابن القاسم: أنه يوالي إذا كبر من شاء منهما، فيكون له أباً فقط، واختلف في حد الموالاة، فروى ابن القاسم: إذا بلغ. قال أصبغ: إذا أثغر.
والقول الثاني لابن الماجشون، وبه قال مطرف وابن نافع: لايترك يوالي من شاء، ويقال للقافة: ألحقوه بأقواهما شبهاً.
والثاثل لابن مسلمة: إن عرف الأول لحق به؛ لإمكان أن تكون حاملاً قبل أن يصيبها الآخر، وإن جهل الأول لحق بأكثرهما شبهاً فيما يرى من الرأس والصدر؛ لأنه الغالبن هكذا نقل اللخمي، وعلى قول ابن القاسم فاختلف في نفقته وكسوته قبل الولادة، فقال ابن القاسم وعيسى ومحمد بن عبد الحكم: ينفقان عليه جميعاً؛ إذ لا قرابة لأحدهما، وإن مات أحدهما أنفق على الصبي مما وقف له منميراثه منه نصف نفقته.
ابن راشد: وقال أصبغ: النفقة على الآخر منهما إلى أن يبلغ حد الموالاة، ثم لا رجوع إذا والى على رواية علي. وقال أصبغ: يرجع من انفق على من والاه.
فروع:
الأول: لو لم توجد القافة، فإن الولد يترك إلى أن يكبر فيوالي من شاء منهما. قيل: وهذا هو المشهور. وقيل: يصبر إلى أن يوجد قائفٌ.
الثاني: لو مات الولد عن مال قبل الموالاة. فقال ابن القاسم: هو بين الأبوين نصفينن حرين كانا أو عبدين، أو مختلفين، أو أحدهما مسلم والآخر ذمي، كمال تنازعه اثنان.
الثالث: إن ولدت توءمين فإن ألحقتهما القافة بأحدهما صح اتفاقاً، وإن أشركتهما فيهما فكما لواحد، وإن قالت: هذا ابن لهذا وهذا لهذا، فقال عبد الملك: لا يقبل قولهما ولا يلحقان إلا بأحدهما. وقال سحنون: يقبل قولهما، فإن كان أولهما مليّاً موسراً كانت أم ولد له وعليه نصف قيمتها لو حملت، وله على الثاني مثل ذلك، وقيل: لا شيء عليه وعتقت الأمة عليهما جميعاً.
وفروع القافة كثيرة ولنقتصر على هذا المطلب محاذاة لكلام المصنف.