الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَرَائِضُ
قوله: (الْفَرَائِضُ) هو جمع فريضة؛ وهي منقوله تعالى: (فَنِصْف مَا فَرَضْتُمْ)[البقرة: 237] أي: قَدَّرْتُم وَأوْجَبْتُم.
وعلم الفرائض علم شريف، وهو وإن كان جزءاً من علم الفقه، لكنه لامتزاج نَظَرِ الناظر فيه من الفقه والحساب صار كأنه عِلْمٌ مُسْتَقِلٌّ، فلذلك أفرد له العلماء التوالي، ولم يُخْلِ الفقهاء تواليفهم منه.
وروى الترمي عنه عليه الصلاة والسلام قال: "تعلموا الفرائض وعلموها الناس؛ فإني مقبوض". وروى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العلم ثلاثة، وما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة، أو سن ةماضية، أو فريضة عادلة". وروي من حديث أبي هريرة قال: "تعلموا الفرائض، وعلموها الناس، فإنها نصف العلم، وإنها تنسى، وإنها أول ما يرفع". ومعنى "تنسى" أي: تترك.
الْوَارِثُ مِنَ الرِّجَالِ عَشَرَةٌ: الابْنُ، وَابْنُ الابْنِ وَإِنْ سَفَلَ، وَالأَبُ، وَالْجَدُّ لِلأَبِ وَإِنْ عَلا، وَالأَخُ مُطْلَقاً، وَابْنُ الأَخِ الشَّقِيقِ أَوْ لأَبٍ وَإِنْ سَفَل، وَالْعَمُّ لَهُمَا وَإِنْ عَلا، وَابْنُ الْعَمِّ لَهُمَا وَإِنْ سَفَل، وَالزَّوْجُ وَمَوْلَى النِّعْمَةِ
…
مِنْ الْفُرَّاضِ من لم يتعرض لِعَدِّ الوارث، وإنما يقول: الفروض ستة، ثم يقول: وأصحاب النصف كذا إلى آخره، ومنهم مَنْ يَعُدُّهُم كالمصنف. ثم إِنَّ أكثر هؤلاء يحصرهم في عشرة، وزاد بعضهم نوعاً حادي عشر فقال: ومولى النعمة، وكذلك ذَكَرَ في النساء. ومنهم من جعل الوارثين خمسة عشر، وهي كطريقة المصنف سواء؛ لأن قوله:(مُطْلَقاً) يشمل ثلاثة: الأخ الشقيق، والأخ للأب، والأخ للأم، وقوله:(وَابْنُ الأَخِ الشَّقِيقِ أَوْ لأَبٍ) يدخل فيه اثنان، وكذلك:(الْعَمُّ لَهُمَا) وكذلك (ابْنُ الْعَمِّ).
وقوله: (سَفَلَ) بضم الفاء وفتحها، حكاهما صاحب المحكم وغيره.
النووي: والفتح أشهر.
واحترز بابن الأخ الشقيق أو للأب من ابن الأخ للأم، فإنه من ذوي الأرحام، وكذلك احترز بالعم لهما من العم للأم، فإنه أيضاً من ذوي الأرحام.
وَمِنَ النِّسَاءِ سَبْعٌ؛ الْبِنْتُ، وَبِنْتُ الابْنِ وَإِنْ سَفَلَتْ، وَالأُمُّ، وَالْجَدَّةُ وَإِنْ عَلَتْ- غَيْرَ أُمِّ جَدِّ-وَالأُخْتُ مُطْلَقاً، وَالزَّوْجَةُ، وَمَوْلاةُ النِّعْمَةِ ..
هذا أيضاً على طريق الاختصار، وأما على طريق البسط فتعد النساء عشرة. والاختصار وقع في الجدة؛ لأنها تشمل الجدة للأم والجدة للأب، وفي الأخت؛ لأنها تشمل الشقيقة والأخت للأب والأخت للأم.
وَهُوَ: بتَعْصِيبٍ، وَفَرْضٍ، وَوَلاءٍ
أي: والإرث، وقوله:(بتَعْصِيبٍ) أي: بنسب، ولا يلزمه التداخل؛ لأن الميراث بالولاء أحد قسمي التعصيب، وكأنه قال: بِتَعْصِيْبِ نَسَبٍ وَتَعْصِيْبِ وَلاءٍ.
فَالتَّعْصِيبُ فِيمَنْ يَسْتَغْرِقُ الْمَالَ إِذَا انْفَرَدَ، وَالْبَاقِي عَنِ الْفُرُوضِ بقَرَابَةٍ، وَلا يَكُونُ إِلا فِي ذَكَرٍ يُدْلِي بنَفْسِهِ أَوْ بذَكَرٍ
…
عَرَّفَ التعصيب بمحله؛ وهو أنه يكون فيمن يأخذ المال إذا انفرد، والباقي عن ذوي الفروض. وبهذا يعلم أن حَدَّ العاصب هو: من يرث المال إذا انفرد، والباقي عن ذوي الفروض.
ابن راشد: احترز بقوله: (بقَرَابَةٍ) من الولاء.
فإن قيل: فقد قالوا: إن الأخوات عصبة البنات، قيل: التحقيق أنهن لسن عصبة، وإنما هن كالعصبة بدليل أن الأخوات لا يَحُزْنَ جميع الميراث في حالة الانفراد، ولئن سُلِّم
أنهن عصبة فيجعل قوله: (أَوْ بذَكَرٍ) معطوفاً على: (فِي ذَكَرٍ) أي: إلا في ذكر، أو بسبب ذكر، والأخوات بسبب ذكر، لكن رد هذا أن المصنف قد ذكر أولاً أن العاصب من يحوز المال إذا انفرد، والأخت ليست كذلك.
وَالْفَرْضُ فِيمَنْ يَرِثُ بالتَّقْدِيرِ
عَرَّفَ أيضاً الفرض بمحله، ومنه يعلم أن الفرض: التقدير.
والوارثون بالفرض ثلاثة أصناف:
- صنف لايرث إلا بالفرض؛ وهو: الأم، والجدة، والزوج والزوجة، والواحد من ولد الأم.
- وصنف يرث بالفرض والتعصيب، وقد يَجْمَعُ بينهما؛ وهو: الأب، والجد يفرض له السدس مع الولد وولد الولد، ثم إن فضل شيء أخذه بالتعصيب.
- وصنف يرث تارة بالفرض وتارة بالتعصيب، ولا يجمع بينهما؛ وهو: البنات، وبنات الابن، والأخوات الشقائق أو لأب.
وَهُوَ النِّصْفُ، وَنِصْفُهُ، وَرُبُعُهُ، وَالثُّلُثَانِ، وَنِصْفُهُمَا، وَرُبُعُهُمَا
يعني: أن الفروض ستة: النصف، ونصفه؛ وهو الربع، ونصفه؛ وهو الثمن، والثثلان، ونصفهما؛ وهو الثلث، ونصفه؛ وهو السدس.
فالنصف لخمسة: للبنت، وبنت الابن، والأخت الشقيقة، والأخت للأب، والزوج مع عدم الولد وولد الابن.
والربع لاثنين: للزوج مع الولد أو ولد الابن، وللزوجة مع عدم الولد ولد الابن أيضاً.
والثنم لصنف واحد؛ وهو الزوجة، أو الزوجات مع الولد أو ولد الابن.
والثلثان لأربعة: وضابطه أنه: إذا تعدد من له النصف وأمكن تعدده فله الثلثان.
واحترزنا بقولنا: "وأمكن تعدده" من الزوج؛ فإنه لا يمكن شرعاً.
والثلث لثلاثة: للأم مع عدم الحاجب، وللاثنين فصاعداً من ولد الأم، وأحد فروض الجد.
والسدس لسبعة: للأب مع الولد أو ولد الابن، والأم كذلك، أو مع اثنين من الإخوة، والجد مع الولد أولد الابن، وللجدة، ولابنة الابن مع البنت، وللأخت للأب مع الشقيقة، ولواحد من الإخوة للأم- ذكراً كان أو أنثى- وأحد فروض الجد.
تنبيه:
زاد بعضهم في الفروض ثلث ماب قي، وذلك في ثلاثة مسائل؛ وهي: زوج وأبوان، وزوجة وأبوان، وفي مسائل الجد مع الإخوة، إذا كان ثلث ما بقي أحظى له.
وَالْوَلاءُ فِيمَنْ يُدْلِي بعِتْقٍ
أي: وتعصيب الولاء.
وقوله: (فِيمَنْ يُدْلِي) يشمل الرجل والمرأة، والمراد بمن يدلي: المعتق، لا معتق المعتق؛ لقوله بعد:(ثم معتق المعتق).
وَيَخْلُفُهُ أَولَى عِصَابَتِهِ يَوْمَ مَوْتِ الْعَتِيقِ، فَيُقَدَّرُ مَوْتُ الْمُعْتِقِ حِينَئِذٍ، فَمَنِ اسْتَحَقَّ مِيرَاثَهُ بأَوْلَى عُصُوبَةٍ وَرِثَ عَتِيقَهُ
…
أي: ويخلف المعتق أولى عصباته يوم موت العتيق؛ فلذلك لو مات رجل وترك ولدين وولاء موالي، ثم مات أحدهما وترك ولداً، فأخذ ولد الولد مال أبيه، ثم مات أحد المعتقين، فأراد ابن الابن ان يأخذ نصف ولائه، وقال: كما أخذت مال أبي فكذلك آخذ نصف الولاء فإن عمه أولى؛ لأنه يقول: أنا وأبوك لم نعتق، وإنما أعتق أبونا، ولو مات أبونا الآن من كان يرثه، أنا أو أنت؟
ثُمَّ مُعْتِقُ الْمُعْتِقِ، ثُمَّ عَصَبَتُهُ، وَيُتَعَرَّفُ الأَقْرَبُ عِنْدَ تَعَدُّدِ مَنْ يُدْلِي بالاشْتِرَاكِ فِي الأَبِ الأَدْنَى؛ فَلِذَلِكَ كَانَ الأَخُ فِي بَابِ الْوَلاءِ أَوْلَى مِنَ الْجَدِّ، وَكَانَ ابْنُ الْعَمِّ مُطْلَقاً أَوْلَى مِنْ عَمِّ الأَبِ مُطْلَقاً
…
يعني: ثم من بعد المعتق وعصباته معتق المعتق وعصباته، فلذلك كان الأخ وابنه أولى من الجد؛ أي لأن الأخ وابنه يجتمعان مع الميت في أبيه، والجد إنما يجتمع معه في أب الجد، وكان ابن العم مطلقاً-أي: سواء كان شقيقاً أو لأب- أولى من عم الأب؛ لأن ابن الم يجتمع مع الميت في جده، وعم الأب إنما يجتمع مع الميت في جد الجد.
أَمَّا الابْنُ فَعَصَبَةٌ
لما انقضى كلام المصنف على أسباب التوارث ابتدأ بالكلام على الوارثين بطريق التفصيل.
وقوله: (عَصَبَةٌ) أي: يأخذ المال إذا انفرد، والباقي بعد ذوي الفروض، ولا إشكال في تعصيب الابن.
وإخباره عن الابن بالعصبة؛ إما بناءً على أن العصبة تطلق على المفرد، وإما على أن المراد بالابن الجنس.
الجوهري: وعصبة الرجل: بنوه وقرابته لأبيه، وإنما سموا عصبة؛ لأنهم عصبوا به؛ أي: أحاطوا به.
وَأَمَّا ابْنُ الابْنِ فَيَحْجُبُهُ الابْنُ، وَالأَقْرَبُ يَحْجِبُ الأَبْعَدَ، وَإِلا فَعَصَبَةٌ
أي: ابن الابن؛ واحداً كان أو جماعة فيحجبه الابن، والأقرب من ولد الابن يحجب الأبعد، فالابن يحجب ابن الابن، وهكذا.
وَأَمَّا الأَبِ فَالسُّدُسُ مَعَ الابْنِ وَابْنِهِ، وَمَعَ الْفَرْضِ الْمُسْتَغْرِقِ أَوِ الْعَائِلِ كَزَوْجٍ وَابْنَتَيْنِ وَأُمٍّ وَأَبٍ، وَإِلا فَمَا بَقِيَ، وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُهُ فَرْضاً
…
للأب ثلاث حالات: الأولى: أن يرث بالفرض فقط، والثانية: بالتعصيب فقط، والثالثة: أن يرث بهما:
أما الحالة الأولى: فإذا كان مع الابن، أو ابنه، أو الفرض المستغرق كابنتين وأبوين، أو العائل، ومثاله ما ذكره المصنف: زوج وابنتان وأم وأب، أصل الفريضة من اثني عشر؛ لحصول الربع والسدس: للزوج ثلاثة، ولكل واحد من البنتين أربعة، ولكل من الأب والأم سهمان؛ فتعول إلى خمسة عشر.
الحالة الثانية: أن يرث بالتعصيب فقط، وذلك إذا لم يكن في المسألة ولد؛ لا ذكر ولا أنثى، فإن انفرد أخذ جميع المال، وإلا أخذ الباقي بعد ذوي الفروض، وإليه أشار بقوله:(وَإِلا فَمَا بَقِيَ).
والثالثة: وإليها أشار بقوله: (وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُهُ فَرْضاً) وذلك مع البنت، أو بنت الابن، أو الاثنين من ذلك فصاعداً، فيفرض له أولاً السدس، ثم يأخذ الباقي بالتعصيب إن بقي شيء.
وَأَمَّا الْجَدُّ فَكَالأَبِ، وَيَحْجُبُهُ الأَبُ
أي: في الأحوال الثلاثة، ولا خلاف أن الأب يحجب الجد، ولا أن الأقرب من الأجداد يحجب من فوقه.
وَيَاخُذُ مَعَ الإِخْوَةِ الذُّكُورِ أَوْ الإِنَاثِ الأَشِقَّاءِ أَوْ لأَبٍ الأَفْضَلُ مِنَ الثُّلُثِ أَو الْمُقَاسَمَةِ، فَيُقَدَّرُ أَخاً ثُمَّ يَرْجِعُ الشَّقِيقُ أَوِ الشَّقِيقَةُ عَلَى غَيْرِهِمَا بمَا كَانَ لَهُمَا لَهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ جَدٌّ
…
هذا مما يفترق فيه الأب والجد، فإن الأب يُسْقِطُ الإخوة مطلقاً، والجد لا يُسْقِطُهُم، وله معهم حالتان: الأولى: ألا يكون معهم ذو فرض، والثانية: أن يكون معهم ذو فرض.
فإن لم يكن معهم ذو فرض فللجد مع الإخوة والأخوات- سواء اكنوا شقائق أو لأب، وسواء اجتمع الذكور والإناث، أو انفرد أحدهما- أَخْذُ الأفضل مِنْ ثلث جميع المال أو المقاسمة؛ فيقاسم أخاً واحداً أو أختين أو ثلاث أخوات.
وإن كان أخوان أو أربع أخوات، استوت المقاسمة والثلث، فإن زاد الإخوة على اثنين، أو الأخوات على أربع، لم ينقص من الثلث.
وقوله: (فَيُقَدَّرُ أَخاً) أي: في مقاسمة الإخوة.
وقوله: (ثُمَّ يَرْجِعُ الشَّقِيقُ أَوِ الشَّقِيقَةُ) يعني: إذا اجتمع مع الجد الأشقاء وللأب عَادَّ الأشقاء الجد بالإخوة للأب؛ ليمنعوه بذلك كثرة الميراث، فإذا أخذ الجد حصته رجع الأشقاء على الذين للأب بماكان لهم لو لم يكن جدن فإن كان شقيق أو أكثر، فلا شيء للأخوة للأب. وإن لم يكن في الأشقاء ذكر أخذت الواحدة النصف، والاثنتان الثلثين، ثم إذا فضل شيء فهو للإخوة للأب.
وما ذهب إليه مالك من المْعَادَّة هو قول زيد بن ثابت، قالوا: وانفرد بها من غير الصحابة، لكن تبعه غير واحد. ووجهها: أن من حجة الشقيق أن يقول للجد: (أنا لو لم أكن لم تَمْنَع أنت الأخ للأب، فأستحق أنا ما يستحقه؛ لأني أنا الذي منعته) ولأن الجد يحجبه الأخ للأب عن كثرة الميراث؛ فيحجبه وارثاً، وغير وارث كالأم والإخوة للأم.
وقوله: (ثُمَّ يَرْجِعُ الشَّقِيقُ) فيه استعارة؛ إذ ليس هنا دفع حتى يتعقبه استرجاع، وإنما هو تقدير؛ أي: على ما جعل للإخوة للأب يحوَّل للأشقاء.
فَلِذَلِكَ لَوْ كَانَتْ شَقِيقَةٌ، وَإِخْوَةٌ لأَبٍ، وَجَدٍّ؛ أَخَذَتِ الشَّقِيقَةُ النِّصْفَ
أي: فلأجل رجوع الشقيقة بما لها لو توفي وترك أختاً شقيقة وجداً وثلاثة إخوة لأب-لأن أقل الجمع ثلاثة- فللجد الثلث، وهو خير له من المقاسمة، وللشقيقة النصف، والباقي للإخوة للأب؛ فتصح من ثمانية عشر.
فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ ذُو سَهْمٍ فَلِلْجَدِّ الأَفْضَلُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ أَوْ الْمُقَاسَمَةِ أَوْ السُّدُسِ
هذه هي الحالة الثانية؛ أي: فإن كان مع الجد والإخوة ذو فرض، فإن له بعد أخذ صاحب الفرض فرضه-الأفضل من ثلاثة أشياء؛ ثلث ما بقي، أو المقاسمة فيكون كأحد الإخوة، أو السدس من رأس المال.
فإذا توفي وترك جدة، وجداً، وأختاً، أو أختين أو ثلاثاً أو أربعاً، أو أخاً، أو أخوين، أو أخاً مع أخت، أو أخاً مع أختين- كانت المقاسمة خيراً للجد.
وفي مسائل غير هذه؛ وهي: إذا خرج الربع، أو الربع مع السدس، فإن زاد الإخوة على أخوين، أو أربع أخوات- كان ثلث ما بقي خيراً له من المقاسمة، ومن السدس.
فإن كان مع الزوج، ومثله البنت، وقد زاد الإخوة على اثنين او عِدلهما، وذلك أربع أخوات أو أخ وأختان- استوى ثلث ما بقي والسدس من رأس المال.
فإن كان الجد مع البنت والزوجة- قاسم أخاً وأختين.
فإن زاد عدد الإخوة - كان السدس خيراً.
أما لو ترك أماً وجداً وأختاً فأخذت الأم ثلثها لكانت المقاسمة خيراص للجد، فيكون له ثلثا ما بقي وللأخت ثلثه؛ فتصح المسألة من تسعة.
وتسمى هذه المسألة الخرقاء؛ لأنه اختلف فيها خمسة من الصحابة رضي الله عنهم، ولذلك تسمى الخمسة؛ وهم: أبو بكر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد بنثابت وبيان مذاهبهم في المطولات، وذكرناها للتنبيه على المعمول به من الخلاف.
ثُمَّ يَتَرَاجَعُ الإِخُوَةُ
أي: الأشقاء على الإخوة للأب بعد معادتهم بهم كما تقدم.
إِلا فِي مَسْأَلَةٍ تُسَمَّى الأَكْدَرِيَّةَ وَالْغَرَّاءَ؛ وَهِيَ: زَوْجٌ، وَأُمٌّ، وَجَدُّ، وَأُخْتٌ شَقِيقَةٌ أَوْ لأَبٍ، فَيُفْرَضُ لِلأُخْتِ وَلَهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ مَعَهَا إِلَى الْمُقَاسَمَةِ لِمَا لَزِمَ مِنْ نُقْصَانِهِ، أَوْ حِرْمَانِهَا مَعَ إِمْكَانِ الْفَرْضِ
…
هذا راج إلى قوله: (فيقدر أخاً) أي: أنه يقدر أخاً، إلا في هذه المسألة، فإنه لا يقاسم الأخت، ولا يقدر أخاً، بل يفرض له ولها، ثم يرجع معها إلى المقاسمة.
واختلف في سبب تسميتها الأكدرية: فقيل: لتكدر أصل زيد فيها؛ لأن من أصله عدم الفرض للأخت مع الجد، وعدم العول لها معه. وقيل: لأن رجلاً فرضياً يقال له الأكدر. ويقال: إنه من بني الأكدر سأل عنها عبد الملك بن مروان وهو يومئذٍ خليفة، فأخطأ فيها، ثم استدرك خطأه وقال: إليك عني يا أكدر. وقيل: إن عبد الملك هو الذي سأله عنها. وقيل: لتكدر أقوال الصحابة، وكثرة أقوالهم فيها. وقيل: لأن امرأة من الأكدر ماتت وخلفتهم؛ فنسبت إليها.
وسماها مالك رحمه الله الغراء، واختلف في سبب تلك التسمية؛ فقيل: إنها من غرة الفرس؛ لأنها لاشبيه لها في مسائل الجد؛ فهي كغرة الفرس. وقيل: من الغرور؛ لأن الجد غَرَّ الأخت بسكوته عنها حتى فرض لها النصف، ثم عاد فقاسمها.
وهي من ستة: للزوج النصف، وللأم الثلث، وللجد السدس، ثم أعيل للأخت بالنصف فصارت من تسعة؛ لأنه لو لم يفرض لها لكانت إما أن تشارك الجد في السدس
فيلزم نقصه منه، وهو لا ينقص منه، أو لا تشاركه فيلزم حرمانها مع عدم الحاجب؛ فلذلك فرض لها، هذا معنى قوله:(لِمَا لَزِمَ مِنْ نُقْصَانِهِ، أَوْ حِرْمَانِهَا مَعَ إِمْكَانِ الْفَرْضِ) أي: لو لم يفرض لها لزم أحد الأمرين، كل منهما لا يجوز.
ثم يقول الجد للأخت: (لا ينبغي لك أن تزيدي عَليَّ في الميراث؛ لأني معك كالأخ فردي ما بيدك وبيدي ليقسم بيننا للذكر مثل حظ الأنثيين) والذي بيده سهم، والذي بيدها ثلاثة، فأربعة لا تصح على ثلاثة، فنضرب ثلاثة- عدد الرءوس المنكسرة- في الفريضة بعولها؛ تكون سبعة وعشرين، فيأخذ الزوج ثلثها؛ وهو تسعة، ثم تأخذ الأم ثلث الباقي؛ وهو ستة، ثم تأخذ الأخت ثلث الباقي؛ وهو أربعة، ثم يأخذ الجد ما بقي؛ وهو ثمانية.
وربما ألفيت في المعايات، فيقال: أربعة ورثوا هالكاً، فأخذ أحدهم ثلث المال وانصرف، وأخذ الثاني ثلث ما بقي وانصرف، وأخذ الثالث ثلث ما بقي، وأخذ الرابع ما بقي.
فَلَوْ كَانَتْ مَعَ أَخٍ أَوْ أُخْتٍ أَوْ بنْتٍ أَوْ مَعَ غَيْرِهِمْ فَلَيْسَتْ بالأَكْدَرِيَّةِ
لأنها إن كانت مع أخ لا يمكن أن يفرض لها، وإن كنات مع أخت لا يلزم حرمانها؛ لأن الأم ترجع إلى السدس، وإن كانت مع ابنة تصير المسألة من اثني عشر؛ لأن للزوج حينئذٍ الربع وللأم السدس- وذلك خمسة- وللبنت النصف- وهو ستة- وللجد سهمان؛ فتعول إلى ثلاثة عشر، ولا يمكن أن يفرض للأخت مع البنت فتسقط.
واستشكل بعض الفرضيين ما قلناه، إذا كان الأخوات اثنتين فأكثر، ورأى أن قياس قولهم في الأكدرية يوجب أن يفرض لهن؛ لأن نص الكتاب العزيز يوجب الفرض إذا لم يكن للميت ولد.
وقوله: (أَوْ مَعَ غَيْرهِمْ) أي: كما لو كانت مع زوجة بدل الزوج، والله أعلم.
فَلَوْ كَانَ مَوْضِعُهَا أَخٌ لأَبٍ وَمَعَهُ إِخْوَةٌ لأُمٌ فَقِيلَ: لِلأَخِ السُّدُسُ، وَقِيلَ: يَسْقُطُ
أي: موضع الأخت، والمعروف من المذهب هو القول الثاني؛ ولهذا تسمى هذه الفريضة بالمالكية؛ قالوا: لأن مالكاً يوافق زيد بن ثابت في الفرائض إلا في هذه المسألة فإنه خالفه فيها فنسبت إليه، ووجه قول مالك رحمه الله تعالى أن الجد يقول للأخ للأب أو للإخوة للأب: أرأيت لو لم أكن معكم، أكان يكون لكم شيء؟ فيقولون: لا، فيقولك فليس حضوري بالذي يوجب لكم شيئاً لم يكن.
والقول الأول قول زيد رضي الله نه، ووجهه أن للإخوة للأب أن يقولوا للجد: أنت لا تستحق شيئاً من الميراث إلا شاركناك فيه، فلا تحاسبنا بأنك لو لم تكن؛ لأنك كائن، ولو لزم ما قلته للزم في ابنتين وبنت ابن وابن ابن ألا ترث بنت الابن مابن الابن شيئاً، ولم يذهب إلى هذا إلا ابن مسعود رضي الله عنه.
وَأَمَّا الأَخُ الشَّقِيقُ فَيَحْجُبُهُ الابْنُ وَابْنُ الابْنِ وَإِنْ سَفَلَ وَالأَبُ، وَإِلا فَعَصَبَةٌ، إِلا فِي الْحِمَارِيَّةِ، وَتُسَمَّى الْمُشْتَرَكَةَ؛ وَهِيَ: زَوْجٌ، وَأُمٌّ أَوْ جُدَّةٌ، وَأَخَوَانِ فَصَاعِداً لأُمٍّ، وَأَخٌ شَقِيقٌ ذَكَرٌ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ فَيُشَرِكُونَ الإِخْوَةَ لِلأُمِّ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى
…
لا لاف أن الأخ الشقيقي حجبه الابن، وابنه، والأب، وإن لم يكن أحدهم فهو عصبة، إن لم يفضل له شيء فلا شيء له؛ لأن العاصب كذلك، إلا في الحمارية؛ وهي التي ذكر المصنف صورتها.
وسميت الحمارية؛ لأنها نزلت بعمر رضي الله عنه فقضي فيها بإسقاط الأشقاء، ثم نزلت به مرة أخرى، فأراد إسقاطهم أيضاً، فقال له الأخ الشقيق: هؤلاء استحقوا الثلث بأمهم، وأمهم هي أمنا، فهب أبانا كان حماراً أليس الأم تجمعنا؟ فقضى رضي الله عنه
بالاشتراك بينهم، فقيل له: يا أمير الممنين إنك قضيت فيها عَامَ أَوَّلٍ بخلاف هذا، فقال: تلك على ما قضينا وهذه على ما قضينا.
ولتشريكهم تسمى أيضاً المشتركة، وإنما شارك الأشقاء الإخوة للأم إذا كان في الأخوة الأشقاء ذكر، سواء كنا معه إناث أو لم يكن. وإذا لم يكن فهين ذكر لم تكن مشتركة وتصير من مسائل العول، فإن كانت الأخوات واحدة فقد عالت بنصفها، وإن كن أكثر أعيل لهن بالثلثين. قال ابن يونس: فتصح من عشرة، وتسمى البلخاء. ولو كان موضع الأشقاء إخوة لأب لسقطوا؛ لعدم احتجاجهم بمثل ما احتجت به الأشقاء، فإن كان فيها جد:
ابن عبد السلام: فلا نص عن مالك رحمه الله تعالى فيها، ومذهب زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه: أن للزوج النصف، وللأم أو الجدة السدس، وللإخوة الأشقاء كذلك.
واختلف أصحاب مالك فيها: فمنهم من قال بقول زيد وقال: إن للأشقاء قرابتين، فإذا حجب الجد بني الأم بقي للأشقاء سهمهم من قبل الأب؛ فيرثون مع الجد. ومنهم من جعل الثلث كله للجد، وحجتهم ما تقدم. انتهى.
الجعدي: وذكر أبو النجا الفارض عن مالك السقوط؛ لأنالجد يقول للإخوة للأب: أرأيتم لو لم أكن أنا، أكان يجب لكم شيء ترثونه بأبيكم؟ فيقولون: لا، فيقول: فليس حضوري بالذي يوجب لك شيئاً لم يكن.
الجعدي: وتأول مسألة الموطأ على ذلك، وتأول ذلك غيره أيضاً، وهو قول مالك رحمه الله. وقول المصنف:(الذَّكَرُ كَالأُنْثَى) لأنهم إنما ورثوا بأمهم.
وَأمَّا الأَخُ لِلأََبِ فَيَحْجُبُهُ الشَّقِيقُ وَمَنْ حَجَبَهُ، وَالشَّقِيقَةُ الْعَصَبَةُ، وَإِلا فَعَصَبَةٌ
يعني: يحجب الأخ للأب الأخ الشقيق، والابن، وابنه، والأب، والشقيقة العصبة؛ كبنت، وأخت شقيقة، وأخ لأب، وإذا عدم الحاجب كان الأخ للأب عصبة.
وَأَمَّا الأَخُ لِلأُمِّ فَالسُّدُسُ ذَكَراً كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَلِلإثْنَيْنِ فَصَاعِداً الثُّلُثُ، وَيَحْجُبُهُمْ مَنْ حَجَبَ الشَّقِيقَ، وَالْبنْتُ وَإِنْ سَفَلَتْ، وَالْجَدُّ
…
لا خلاف في ذلك، ولا يرث الإخوة للأم مع الأب مع الأب والجد وإن علا، ولا مع الولد- ذكراً كان أو أنثى- ولا مع بنت الابن، وإلى ذلك أشار بقوله:(وَإِنْ سَفَلَتْ).
وهذا لقوله تعالى: {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَلَة أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِ وَحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12].
والمراد: أخ أو أخت من الأم إجماعاً، وصرح بذلك في قراءة ابن مسعود رضي الله عنه. والكلالة: الفريضة التي لا ولد فيها ولا والد، قاله الأزهري وغيره.
وَأَمَّا ابْنُ الأَخِ فَيَحْجُبُهُ الأَخُ الْعَصَبَةُ مُطْلَقاً وَمَنْ حَجَبَهُ، وَالْجَدُّ، وَإِلا فَعَصَبَةٌ
(مُطْلَقاً) أي: شقيقاً أو لا، فاحترز بـ (العصبة) من الأخ للأم فإنه لا يحجبها، وإنما حجبه الجد لأنه كأخ. ويدخل في قوله:(الأخ ومن حجبه) الأخت الشقيقة. (الْعَصَبَةُ) يريد: وكذلك التي للأب؛ لأنها في عدمها بمنزلتها، والله أعلم.
وَالأَقْرَبُ يَحْجُبُ الأَبْعَدَ، فَإِنِ اسْتَوَوْا فَالشَّقِيقُ يَحْجُبُ غَيْرَ الشَّقِيقِ
هذا ضابط كلي في العصبات؛ وهو أن الأقرب يحجب الأبعد، فإن استووا في القرب وأحدهما يدلي بالشقاقة قدم، فلذلك قدم الأخ للأب على ابن الأخ الشقيق، والأخ الشقيق على الأخ للأب، وابن العم على عم الأب، والله أعلم.
وَالْبَاقِي كَمَا فِي الْوَلاءِ
هو ظاهر.
فَالْعَمُّ يَحْجُبُهُ ابْنُ الأخِ وَمَنْ حَجَبَهُ، وَابْنُ الْعَمِّ يَحْجُبُهُ الْعَمُّ الأَدْنَى وَمَنْ حَجَبَهُ، وَعَمُّ الأَبِ يَحْجُبُهُ ابْنُ الْعَمِّ مُطْلَقاً وَمَنْ حَجَبَهُ
…
هذا مبني على الضابط المتقدم؛ لأن ابن الأخ أقرب منا لعم إذ هو يدلي بالبنوة، فإنه يجتمع مع الميت في أبيه، والعم إنما يجتمع معه في جده، وكلامه ظاهر.
وَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ مَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وَإِنْ سَفَلَ فَالرُّبُعُ
لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} [النساء: 12] ولا خلاف أن ولد الابن وإن سفل كالابن.
وَالْمَوْلَى الْمُعْتَقُ يَحْجُبُهُ عَصَبَةُ النَّسَبِ، وَإِلا فَمَا بَقِيَ
احترز بالمعتق من المولى الأسفل فإنه لا يرث، ثم بَيَّنَ أن عاصب النسب يحجب المولى الأعلى، وإن لم يكن عاصب من النسب فهو كعصبة.
وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِلاثْنَتَيْنِ فَصَاعِداً الثُّلُثَانِ مَا لَمْ يَكُنِ ابْنٌ فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظُ الأُنْثَيَيْنِ
…
لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ الأُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] وللابنتين الثلثان، وهو مذهب الجمهور.
وروى عن ابن عباس رضي الله عنه أن لهما النصف، وتمسك بمفهوم الشرط في قوله تعالى:(فَوْقَ اثْنَتَيْنِ).
بعض المحدثين: وهي رواية ضعيفة، والصحيح مثل قول الجمهور.
واحتج الجمهور بوجوه:
أولها: أن النبي صلى الله عليه وسلم وَرَّثَ البنت وبنت الابن الثلثين على ما رواه البخاري؛ فالبنتان أولى.
وثانيها: أن للبنت مع الابن الثلث؛ فيكون لها مع البنت.
ثالثها: أن مفهوم قوله تعالى: (وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا الْنِصْفُ)[النساء: 11] يعارضه.
ورابعها: أنه عليه الصلاة والسلام أعطى البنتين الثلثين. قال الترمذي: وهو حديث صحيح.
وَلِبنْتِ الابْنِ النِّصْفُ، وَللإثْنَتَيْنِ فَصَاعِداً الثُّلُثَانِ
للإجماع على قيام ولد الابن مقام الولد.
مَا لَمْ تَكُنْ وَاحِدَةٌ فَوْقَهَا أَوْ فَوْقَهُمَا أَوْ فَوْقَهُنَّ- فَالسُّدُسُ
هذا شرط في استحقاق بنت الابن النصف وبنتي الابن الثلثين؛ أي: أن بنت الابن أو بنت ابن الابن إنما تأخذ النصف، والاثنتين فصاعداً إنما تأخذان الثلثين إذا لم تكن واحدة فوقها.
وعمم بقوله: (وَاحِدَةً) البنت وبنت الابن؛ لأن بنت الابن فوق بنت ابن الابن، (أَوْ فَوْقَهُمَا) إن كانت بنات الابن اثنتين، (أَوْ فَوْقَهُنَّ) إن كن ثلاثاً، فحينئذٍ إنما للسفلى-سواء كانت واحدة أو أكثر- السدس.
والأصل في هذا ما في البخاري عن هزيل- بالزاي- بن شرحبيل قال: ٍئل أبو موسى رضي الله عنه عن بنت وبنت ابن وأخت، فقال: للبنت النصف، وللأخت النصف، وائت ابن مسعود فسيتابعني، فَسُئِلَ ابن مسعود وَأُخْبِرَ بقول أبي موسى، فقال: لقد ضللت إذن وما أنا من المهتدين، أقضي يها بما قضى النبي صلى الله عليه وسلم؛ للبنت النصف، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت. فأتينا أبا موسى فأخبرناه، فقال: لا تسألوني مادام هذا الحبر فيكم.
وَيَحْجُبُهَا الابْنُ فَوْقَهَا، وَالْبِنْتَانِ فَوْقَهَا
قوله: (وَالْبِنْتَانِ) يريد: أو بنتي الابن فوقها، إلا أن يكون في درجتها أو أسفل منها ذكر فيعصبها، ويرث الباقي؛ للذكر مثل حظ الأنثيين. وإلى ذلك أشار بقوله:
فَإِنْ كَانَ ابْنٌ فِي دَرَجَتِهَا- مُطْلَقاً-أَوْ أَسْفَلَ مِنْهَا مَحْجُوبَةً لَوْلا هُوَ بالْبنْتَيْنِ فَوْقَهَا؛ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ مَعَه وَفَوْقَهُ
…
قوله: (مُطْلَقاً) أي: سواء كان أخاها أو ابن عمها، ويحتمل أن يريد بقوله:(مُطْلَقاً) أن ابن الابن إذا كان في درجتها فسواء حجبت بالبنتين أو لم تحجب؛ لأن فوقها بنتاً واحدة، فإنه يعصبها كما يعصب الابن البنات، والأخ والأخوات.
وقوله: (أَوْ أَسْفَلَ) يعني: أنه يعصبها سواء كان في درجتها أو أسفل منها.
وقوله: (مَحْجُوبَةٌ) حال من ضمير (مِنْهَا) يعني: أنه إنما يعصبها حالة كونها محجوبة عن الدخول في الثلثين، وإذا عصبها فللذكر مثل حظ الأنثيين سواء كان الذكر في درجتها أو أسفل منها.
ولا تكرار في كلام المصنف؛ لأنه ذكر قوله أولاً: (في درجتها أو أسفل) لأجل أنه يعصبها مطلقاً، وذكره ثانياً، لبيان قدر الإرث.
وَلِلأُمِّ الثُّلُثُ مَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وَإِنْ سَفَلَ، أَوْ أَخَوَانِ، أَوْ أُخْتَانِ مُطْلَقاً-فَالسُّدُسُ
لقوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11].
وقوله: (مَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ) ظاهر، وقال المصنف رحمه الله:(وَإِنْ سَفَلَ) ليدخل ولد الابن. وكذلك يحجبها إلى السدس الأخوان، أو الأختان، يريد: أو الأخ والأخت، واستغنى عن ذلك بالأختين، وهذا مذهب الجمهور.
وأخذ عن ابن عباس رضي الله عنه بظاهر الآية الكريمة؛ أعني: قوله تعالى: {فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] فلم يحجبها الاثنين، وقد احتج رضي الله تعالى عنه على عثمان رضي الله عنه بأن الأخوين ليسا إخوة، فقال عثمان رضي الله عنه: حجبها قومك يا غلام.
وأراد بقوله: (مُطْلَقاً) سواء كانوا أشقاء أو لأب أو لأم أو مختلفين، حتى قال في العتبية في مجوسي تزوج ابنته فولد له منها ولدان، فأسلمت الأم والولدان، ثم مات أحد الولدين: أن للأم السدس؛ لأنالميت ترك أمه- وهي أخته - وترك أخاه؛ فتحجب الأم نفسها بنفسها من الثثل إلى السدس.
ووافق ابن عباس رضي الله عنهما في زوج وأم وأخ وأخت لأم: أن للزوج النصف، وللأم السدس، وَلِكُلِّ من الأخ والأخت للأم السدس، ولو كان للأم الثلث لعالت المسألة. قيل: والإجماع على أن هذه الفريضة لا تعول.
وفي الاحتجاج عليه بهذه المسألة نظر؛ لاحتمال أن يقول ابن عباس بسقوط الأخوين للأم على أصله في العول إذا أدى الأمر إليه.
وَلَهَا فِي مَسْأَلَتَيْنِ ثُلُثُ مَا بَقِي زَوْجٍ وَأَبَوَانِ، وَزَوْجَةٍ وَأَبَوَانِ
تسميان الغراوين لشهرتهما، وهذا مذهب الجمهور. ورأى بان عباس أن لها الثلث من رأس المال؛ لعموم قوله تعالى:{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلإُمِهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11].
وحملها الجمهور على ما إذا انفردا بميراثه، وإلا فإذا أعطيت في هاتين المسألتين الثلث يؤدي إلى مخالفة القواعد؛ لأنها إذا أعطيت في مسألة الزوج الثثل تكون قد أعطيت ضعفي الذكر، وليس لذلك نظير؛ أعني: أن ذكراً وأنثى يدليان بجهة واحدة، ولها مثلاً ما للذكر.
وَلِلْجَدَّةِ فَصَاعِداً السُّدُسُ
(أل) في (الجدة) للعهد، والمعهود ما قدمه أول الباب، حيث قال:(والجدة وإن علت غير أم جد).
واعترض عليه قوله: (فَصَاعِداً) لأن هذه اللفظة إنما تستعمل غالباً إذا كان الزائد غير مغيًّي بغاية، أو مغيًّى ولكن ما بين المبدأ وتلك الغاية يتجزأ، وليس هنا كذلك؛ لأنه لا يرث عند مالك رحمه الله إلا جدتان.
ولهذا اعترض على من ألف الفرائض على مذهب مالك وذكر عدداً كثيراً من الجدات. وإن كان قد أجيب عن ذلك بأن ذلك يتصور إذا كانت الأَمّةُ مشتركة بين رجال كثيرين ووطئها كل منهم في طهر واحد، وألحقت القَافَّة الولد بكل واحد منهم.
لكن هذا الجواب إنما يتأتى على قول شاذ؛ وهو أنه يصح الاشتراك في الولد، لا على المشهور، أنه لا يصح الاشتراك فيه، وأنه يصير إلى أن يكبر، فيوالي من شاء.
وأجيب عن قوله: (فَصَاعِداً) هنا بأنه لم يرد بقوله: (فَصَاعِداً) الجدتين: أم الأم وأم الأب فقط حتى يرد عليه السؤال، وإنما أراد: فصاعداً في أمهاتهما، وهو معنى قوله أول الباب:(وإن علت) وهذا لا يتغيًّي.
وكون الجدة لها السدس هو مذهب الجمهور، وذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى أن لها الثلث عند عدم الأم.
ودليل الجمهور ما رواه مالك وأبو داود، والسند له عن قبيصة بن ذؤيب قال: جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه تسأله عن ميراثها، فقال لها: مالك في كتاب الهل من شيء، ولا علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، فارجعي حتى أسأل الناس، فسأل الناس، فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله
صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس، فقال أبو بكر رضي الله عنه: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة فقال ما قال المغيرة، فأنفذه لها أبو بكر رضي الله عنه، ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه تسأله فقال: مالك في كتاب الله شيء، وما كان القضاء الذي قضي به إلا لغيرك، وما أنا بزائد في الفرائض شيئاً، لكن هو ذلك السدس، فإن اجتمعتما فيه فهو بينكما، وأيتكما خلت به فهو لها.
عب الحق: وهذا الحديث مشهور، إلا أنه غير متصل السماع.
وَتَحْجُبُهَا الأُمُّ مُطْلَقاً، وَيَحْجُبُ الأَبُ الْجَدَّةَ مِنْ جِهَتِهِ
قوله: (مُطْلَقاً) أي: سواء كانت الجدة للأب أو للأم، قريبة أو بعيدة، ويحجب الأب الجدة من جهته؛ لأن كل من توصل بشخص لا يرث معه، إلا الإخوة للأم.
وَتَحْجُبُ الْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الأُمِّ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الأَبِ
يعني: وأما إن كانتا متساويتين، أو كانت التي للأب أقرب، فلا حجحب، والسدس بينهما. وإنما حجبت القربى من جهة الأم؛ لأنها التي ورد فيها النص، وهي التي وَرَّثَهَا أبو بكر رضي الله عنه، والجدة للأب إنما ألحقها عمر رضي الله عنه، فصارت الجدة للأم أولى بشيئين: لقربها، ولورد النص فيها.
وَالْقُرْبَى مِنْ كُلِّ جِهَةٍ تَحْجُبُ بُعْدَاهَا
هو ظاهر.
وَالأُخْتُ الشَّقِيقَةُ فَمَا فَوْقَهَا كَالْبَنْتِ فَمَا فَوْقَهَا مَا لَمْ تَكُنْ بنْتٌ فَمَا فَوْقَهَا، وَإِنْ سَفَلَتْ فَعَصَبَةٌ، فَإِنْ كَانَ ذَكَرٌ مِثْلُهَا فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ
…
(كاَلْبنْتِ) أي: فللواحدة النصف، وللاثنتين فأكثر الثلثان، ما لم تكن بنت واحدة أو أكثر.
وبالغ بقوله: (وَإِنْ سَفَلَتْ) لتدخل بنت الابن وإن سفلت؛ فحينئذٍ لا يفرض لها، وإنما تكون عصبة تأخذ ما فضل.
وقوله: (فَإِنْ كَانَ ذَكَرٌ) إلى آخره؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176]
وَيَحْجُبُهَا مَنْ حَجَبَ الشَّقِيقَ
أي: الابن وابنه والأب.
وَالأُخْتُ لِلأَبِ كَالشَّقِيقَةِ فِيمَا ذُكِرَ، مَا لَمْ تَكُنْ شَقِيقَةٌ غَيْرَ عَصَبَةٍ فَلَهَا وَلما زَادَ عَلَيْهَا السُّدُسُ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ
…
أي: فللواحدة النصف، وللاثنتين فصاعداً الثلثان، وكذلك الأخت للأب فصاعداً عصبة البنات في عدم الشقيقة، فإن كان ذكر فللذكر مثل حظ الأنثيين.
قوله: (مَا لَمْ تَكُنْ
…
) إلخ. هو شرط في كون الأخت للأب كالشقيقة؛ أي: وإن كانت شقيقة واحدة غير عصبة فللأخت للأب فصاعداً السدس تكملة الثلثين كحكم بنت الابن مع البنت.
واعترض ابن عبد السلام عليه بأن في قوله: (فما زاد) عموم يتناول الذكر، فيكون للأخت للأب مع الأخ للأب السدس، وهذا لا يقوله أحد.
وأجيب بأن المتبادر للذهن في الزيادة أن تكون من جنس المزيد، فإن المراد بـ (ما زَادَ) أنثى فما فوقها، وأما إذا كان ذكراً فإنه يعصب الإناث، ويكون للذكر مثل حظ الأنثيين كما يعصب ابن الابن بنات الابن إذا كانوا مع بنت الصلب، إلا أن بنات الابن يعصبن من في درجتهن ومن هو أسفل منهن، والأخت للأب لا يعصبها إلا من في درجتها، ولا يعصبها ابن أخيها؛ لأن ابن الأخ لا يعصب من في درجته، فلا يعصب من فوقه.
ويَحْجُبُهَا أَيْضاً الشَّقِيقُ وَمَنْ حَجَبَهُ، وَالشَّقِيقَةُ الْعَصَبَةُ، وَالشَّقِيقَتَانِ مُطْلَقاً
أي: ويحجب الأخت للأب أيضاً الشقيق ومن حجبه، والشقيقة العصبة، كما لو خلف بنتاً فأكثر وأختاً شقيقة وأختاً لأب.
وقوله: (وَالشَّقِيقَتَانِ مُطْلَقاً) أي: سواء كانتا عصبة أم لا.
وَلِلزَّوْجَةِ الرُّبْعُ مَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ- وَإِنْ سَفَلَ - فَالثُّمُنُ
هكذا قال الله في كتابه العزيز.
وقوله: (وَلَدٌ) سواء كان منها أو من غيرها، وسواء كان ولد أو ولد ابن وإن سفل. ولا يحجبها ولد الزنى؛ لعدم لحاقه بالأب؛ نعم ولد الزنى يحجب الزوج من النصف إلى الربع للحاقه بأمه، والله تعالى أعلم.
وَالْمَوْلاةُ كَالْمَوْلَى إِلا أَنَّهَا لا تَرِثُ إِلا مَنْ بَاشَرَتْ عِتْقَهَا أَوْ جَرَّةُ وَلاؤُهُ أَوْ عِتْقُهُ
أي: والمولاة كالمولى؛ فترث من أعتقته كالمولى، وقد تقدم ما ذكره المصنف في باب الولاء.
وَإِذَا اجْتَمَعَ سَبَبَا فَرْضٍ مُقَدَّرٍ وَرِثَ بأقْوَاهُمَا اتَّفَقَ فِي الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي الْمَجُوسِ كَالأُمِّ، أَوِ الْبِنْتِ تَكُونُ أُخْتاً
…
أي: إذا اجتمع في شخص واحد قرابتنا، يرث بكل منهما فرضاً.
وقوله: (مُقَدَّرٍ) تأكيد، وإلا فكل فرض مقدر.
(وَرِثَ بأقْوَاهُمَا) وهذا يتفق في المسلمين خَطَأً، وفي المجوس عمداً وخطأً.
مِثَلُ كون الأم أختاً: أن يتزوج المجوسي أو المسلم جهلاً منه بعين المتزوجة بنتهن فتلد منه بنتاً، فهذه البنت اخت أمها لأبيها، وهي أيضاً بنت لها، فإذا ماتت الكبرى بعد موت
الرجل ورثتها الصغرى بأقوى السببين وهو البنوة: لأن البنوة لا تسقط، والأخوة قد تسقط. وأما ميراثها من هذا الرجل فليس من هذا الفصل، فهو أب لهما، فيرثان منه الثلثين، ولا أثر للزوجية؛ لأن النكاح مفسوخ، وسواء كان النكاح بين مسلمين، أو مجوسيين ثم أسلما.
وأما إذا ماتت الصغرى فالكبرى أموأخت لأب، فترث بالأمومة لتوجه الذي ذكر في إرث البنوة.
ولو تزوج أُمَّهُ فولدت منه بنتاً، فإذا مات ورثت الأم السدس بالأمومة؛ لأنه توفي عن ابنة، وورثت البنت النصف بالبنوة، ولا ترث بالأخوة للأم؛ لأن البنوة لا تسقط، والأخوة للأم قد تسقط.
ولو تزوج أخته لأمه فولدت منه بنتاً وتوفي؛ فللبنت النصف، وللعاصب ما بقي، وليس للأخت للأم وهي الزوجة شيء؛ لأنها محجوبة بالبنت.
وَأَمَّا نَحْوُ ابْنِ الْعَمَّ يَكُونُ أَخاً لأُمَّ فَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ
فصلها بـ (أَمَّا) لأنها ليست مما تقدم، وعنها احترز بقوله أولاً:(سبباً فرض) يعني: وأما لو اجتمع في شخص واحد سببان أحدهما الفرض والآخر التعصيب فإنه يرث بهما كابن العم يكون أخاً لأم فيأخذ السدس بالأخوة، والباقي بالعصوبة، وكذلك إذا كان ابن العم زوجاً، فكذلك إذا كان المولى زوجاً.
ولا خلاف في هذا؛ أعني: أنه يأخذ فرضه والباقي بالتعصيب إذا لم يكن معه من يشاركه في التعصيب، فأما إن كان معه من يشاركه في التعصيب وفي منزلته كابني عم يكون أحدهما أخاً لأم فقال ابن القاسم: يرث الأخ للأم السدس، ويقسم مع ابن عمه ما بقي بالسواء.
وقال أشهب: يترجح الأخ للأم؛ لأنه زاد بولادة أم كالأخ الشقيق مع الأخ للأب.
وأجيب للأول بأن زيادة ولد الأم ليست في محل التعارض فلا توجب الترجيح، بخلاف مسألة الأخ الشقيق والأخ للأب ونحوهما.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ فَبَيْتُ الْمَالِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: لِذَوي الأَرْحَامِ، وَعَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ يُتَصَدَّق بهِ، إِلا أََنْ يَكُونَ الْوَالِي كَعُمَرَ بَنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه
أي: وإن لم يكن وارث عاصب بنسب ولا ولاء فبيت المال وارث على المشهور، وهو عاصب؛ فيتسغرق المال إن لم يكن غيره، ويرث الباقي بعد ذوي الفروض. والقولان المتأخران مقابلان للمشهور، والأول مقيد بما إذا لم يكن عدلاً.
قال في الجواهر: ولا يرث ذوو الأرحام، ولا يُرَدُّ على ذوي السهام.
قال الأستاذ أبو بكر: قال أصحابنا: هذا في زمان يكون الإمام عدلاً، فأما إن كان غير عدل فينبغي أن يُوَرِّثَ ذوو الأرحام، وأن يَرُدَّ ما فضل عن ذوي السهام عليهم.
وقال أيضاً: رأيت لابن القاسم في كتاب محمد قال: من مات ولاوارث له، قال: يتصدق بما ترك، إلا أن يكون الوالي يخرجه في جهته مثل عمر بن عبد العزيز مستحيل في زماننا عادة.
وَمَالُ الْكِتَابيِّ الْحُرِّ الْمُؤَدِّي لِلْجِزْيَةِ-لأَهْلِ دِينِهِ مِنْ كَوْرَتِهِ، وَعَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ
…
احترز بـ (الْحُرِّ) من العبد؛ فماله لسيده ولو كان السيد مسلماً.
واحترز بـ (الْمُؤَدِّي لِلْجِزْيَةِ) مِنْ المُصَالَحِ.
وقوله: (لأَهْلِ دِينِهِ) أي: إذا لم يكن له وارث حائز لجميع ماله.
قوله: (مِنْ كَوْرَتِهِ) لبيان الجنس؛ أي: يختص به أهل كورته.
ابن شعبان: فإن كان مُصَالَحَاً فماله لمن جمعه وإياهم ذلك الصلح.
وقوله: (وَعَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ) بهذا قال محمد بن مسلمة وغيره، والأول أيضاً لابن القاسم.
ونقل في البيان في باب العتق: والأول عن مالك في المبسوط والمخزومي، والثاني عن ابن حبيب.
ونقل ثالثاً بالفرق بين أن تكون الجزية مجملة عليهم؛ يريد: فكالقول الأول، أو على جماجمهم؛ يريد: فكقول ابن حبيب، قال: وهو قول ابن القاسم.
وَأُصُولُ مَسَائِلِ الْفَرَائِضِ سَبْعَةٌ: اثْنَانِ، وَضِعْفُهُ؛ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ، وَضِعْفُهُمَا؛ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ، وَثَلاثَةٌ، وَضِعْفُهَا؛ وَهُوَ سِتَّةٌ، وَضِعْفُهَا؛ وَهُوَ اثْنَا عَشْرَةَ، وَضِعْفُهَا؛ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ
…
(أُصُولُ): جمع أصل، وأصل المسألة هو العدد الذي يخرج منه سهامها.
و (أل) في (الْفَرَائِضِ) للعهد، وهي الستة المتقدمة، كان ينبغي على هذا أن تكون الأصول خمسة؛ لأن الستة راجعة إلى خمسة؛ إذ مخرج الثلث والثلثين واحد، لكن قد يتركب فرض مع آخر لا يتحد مخرجهما فيحتاج إلى أن يقام لهما عدد يوجدان فيه، كما لو اجتمع الثلث والربع، أو السدس والربع- فيحتاج إلى اثني عشر؛ لأن الثلث من ثلاثة، والربع من أربعة، فلا يجتمع الجزءان إلا بضرب أحدهما في الآخر. وكذلك السدس والربع يتوافقان بالأنصاف، ولا يجتمعان إلا بضرب نصف أحدهما في كامل الآخر. وكذلك أيضاً قد يجتمع الثلث والثمن، أو السدس والثمن، فيحتاج إلى أربعة وعشرين.
وَمَا لَيْسَ فِيهَا فَرْضٌ فَأَصْلُهَا عَدَدُ عَصَبَتِهَا، وَيُضَعَّفُ الذُّكُورُ إِنْ كَانَ إِنَاثٌ يَرِثْنَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ
…
يعني: أن الفريضة إن كان فيها فرض، فمخرجها من الأصول السبعة كما تقدم، وإن لم يكن فيها فرض بل كان الورثة كلهم عصبة ذكوراً كانوا أو إناثاً كما لو أعتق جماعةُ نسوة واحداً - فأصل المسألة من عدد الوارثين.
وإن كان في المسألة ذكوراً وإناثاً كبنين وبنات (وَيُضَعَّفُ الذُّكُورُ) أي: فَيُقّدَّرُ كل ذكر بابنتين؛ فتصح المسألة من عدد الإناث وضعف الذكور.
وَالْغَرَضُ أَنْ تَكُونَ السِّهَامُ صَحِيحَةً
أي: الغرض بوضع الأًول السبعة أن تكون سهام المسألة صحيحة.
فَالنِّصْفُ مِنِ اثْنَيْنِ وَالرُّبُعُ مِنْ أَرْبَعَةٍ والثُّمُنُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ
أي: كل مسألة فيها نصف وما بقي كزوج وأخ، أو نصفان كزوج وأخت- فهي من اثنين.
قوله: (وَالرُّبُعُ مِنْ أَرْبَعَةٍ) أي: وكل مسألة فيها ربع وما بقي كزوج وابن، أو زوجة وأب، أو فيها ربع نونصف وما بقي كزوج وبنت وأخ فهي من أربعة، أو فيها ربع وثلث وما بقي كزوجة وأب وأم.
قوله: (والثُّمُنُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ) أي: كل مسألة فيها ثمن وما بقي كزوجة وابن، أو ثمن ونصف كزوجة وبنت، أو ثمن ونصف وما بقي كزوجة وبنت وعاصب- فهي من ثمانية.
وَالثُّلُثُ مِنْ ثَلاثَةٍ
أي: وكل مسألة فيها ثلث وما بقي كأم وعم، أو ثلثان وما بقي كأختين وعاصب، أو ثلثان وثلث كأختين شقيقتين وأختين لأم- فهي من ثلاثة.
وَالسُّدُسُ مِنْ سِتَّةٍ
أي: وكل مسألة فيها سدس وما بقي كأم وابن، أو سدس ونصف وما بقي كأم وبنت وعم، أو سدس وثلث وما بقي كأم وولدي أم وعم، أو نصف وثلثان كزوج وأختين، أو نصف وثلث وما بقي كأم وزوج وعم- فهي من ستة.
وَالرُّبُعُ وَالثُّلُثُ أَوِ السُّدُسُ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ
يعني: أن الاثني عشر مَخْرَجُ فريضتين وهما: إما الربع مع الثلث، أو الربع مع السدس كزوجة وأم وأخ، أو زوج وأم وابن.
أو ربع وثلثان وما بقي كزوج وبنتين وعم.
أو ربع وثلثان وسدس وما بقي كزوجة وأخوين لأم وأم وأخ.
أو ربع وثلثان وسدس كزوج وبنتين وأم.
أو ربع وثلثان وثلث وسدس كزوجة وأختين شقيقتين أو لأب وأخوين لأم وأم.
وَالثُّلُثُ أَوْ السُّدُسُ وَالثُّمُنُ مِنْ أَرْبَعَةِ وَعِشْرِينَ
يعني: والأربعة والعشرون تكون إذا اجتمع الثمن والثلث، أو السدس والثمن.
إلا أن ما ذكره رحمه الله من اجتماع الثلث مع الثمن لا يصح؛ لأن الثمن لا يكون إلا للزوجة أو الزوجات عند وجود الولد، فإذا وجد الولد لا يكون ثلث؛ لأن الثلث إنما هو للإخوة للأم أو للأم. والإخوة للأم لا يرثون مع الولد، والأم إنما لها مع الولد السدس.
إلا أن يقال: إنما تكلم على اجتماعهما على طريق الفرضوالتقدير، ولئن سُلِّمَ نفي فرضها في الفرائض فقد يجتمعان في الوصية.
وقد يريد بالثلث جنس الثلث، لا بقيد الوحدة؛ لأن الثلثين يجتمعان مع الثمن كزوجة وابنتين وأخ. ولا خفاء في اجتماع السدس مع الثمن كزوجة وأم وابن.
وَهِيَ عَائِلَةٌ وَغَيْرُ عَائِلَةٍ؛ فَالْعَائِلَةُ السَّتِّةُ وَأُخْتَاهَا، فَالسِّتَّةُ إِلَى سَبْعَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَتِسْعَةٍ وَعَشَرَةٍ
…
يعني: أن المسائل منها عائل وغير عائل.
والعول في الاصطلاح: زيادة سهام الورثة على سهام المسألة؛ لذلك لا يتوصل وارث إلى حقه إلا بنقص يلحقه.
ابن يونس: وأول من نزل به العول عمر بن الخطاب رضي الله نه فقال: لا أدري مَنْ قَدَّمَهُ الكتاب فأقدمه، ولا مَنْ أَخَّرَهُ فأؤخره، ولكن قد رأيت رأياً، فإن يكن صواباً فمن الله وإن يكن خطأً فمن عمر؛ وهو أن يدخل الضرر على جميعهم، وينقصكل واحد من سهمه. ويقال: إن الذي أشار عليه بذلك العباس رضي الله عنه، ولم يخالفه أحد من الصحابة إلا ابن عباس، لكنه لم يظهر الخلاف إلا بعد موته، وعلل ذلك بأن عمر رضي الله عنه كان رجلاً مهيباً، وقال: لو أن مر نظر فيمن قَدَّمَهُ الكتاب فقدمه، ومن أخر فأخره، ما عالت مسألة، قيل له: وكيف يصنع؟! قال: ينظر أسوأ الورثة حالاً وأكثرهم تغييراً فيدخل عليه الضرر؛ يريد: فيسقط حظه أو من حظه ما زاد على المسألة.
ابن يونس: وهو على قوله البنات والأخوات.
والصواب ما ذهب إليه الجماعة كالمحاصة في الديون. انتهى.
ثم ذكر أن العائل: (السِّتَّةُ وَأُخْتَاهَا) أي: الاثنا عشر، والأربعة والعشرون، فالستة تعول إلى سبعة وثمانية وتسعة وعشرة، مثال عولها إلى سبعة: زوج وأختان، فينقص كل واحد سبع ماله.
ومثال عولها إلى ثمانية: زوج وأختان وأم، فينقص كل واحد ربع ما بيده.
ومثال عولها إلى تسعة: زوج وأختان شقيقتان أو لأب وأخت لأم وأم، فينقص كل واحد ثلث ما بيده.
ومثال عولها إلى عشرة: زوج وأختان شقيقتان أو لأب وأختان لأم وأم، فينقص كل واحد خمسا ماله. وتسمى هذه المسألة: أم الفروج؛ لكثرة السهام العائلة فيها، والشريحية؛ لوقوعها في زمن شريح وقضائه فيها.
ولا يمكن عولها إلى ثمانية أو تسعة أوعشرة إلا والميت امرأة.
وَالاثْنَا عَشَرَ إِلَى ثَلاثَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ وَسَبْعَةَ عَشَرَ
يعني: أن الاثنا عشر تعول بالإفراد فقط، ومثال عولها إلى ثلاثة عشر: زوجة وأم وأختان لأب. عالت بمثل نصف سدسها.
ومثال عولها إلى خمسة عشر: زوجة وأختان شقيقتان أو لأب وأختان لأم، عالت بمثل ربعها.
ومثال عولها إلى سبعة عشر: زوجة وأختان شقيقتان أو لأب وأختان لأم وأم أو جدة، عالت بمثل ربعها وسدسها.
ومنه مسألة أم الأرامل؛ وهي: ثلاث زوجات، وجدتان، وأربع أخوات لأم، وثماني أخوات شقائق أو لأب، فذلك سبع عشرة امرأة. فلذلك تلقى في المعاياة، فيقال: سبع عشرة امرأة ورثن سبعة عشر ديناراً، لكل واحدة ديناراً بفروض مختلفة.
وَالأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ إِلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَهِي زَوْجَةً وَابْنَتَانِ وَأَبَوَانِ، وَتُسَمَّى الْمِنْبَرِيَّةَ؛ لِقَوْلِ عَلِي رضي الله عنه فِيهَا عَلَى الْمِنْبَرِ: صَارَ ثُمُنُهَا تُسْعَاً
…
لعله إنما مثلها لإفادة تسميتها، والفُرَّاض يعتنون بذلك، وعلل تسميتها بالنمبرية؛ لجواب عليِّ فيها على النمبر بأن ثمنها صار تسعاً، ثم مضى في خطبته بلا توقف، ولهذا قال الشعبي: ما رأيت أحسب من عليِّ رضي الله عنه.
وَإِذَا انكَسَرَتِ السِّهَامُ عَلَى صِنْفٍ فَوَفَّقْ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ اضْرِبْ وَفْقَ الصَّنْفِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَعَولِهَا إِنْ كَانَتْ عَائِلَةً فَإِنْ لَمْ يَتَوافَقَا فَاضْرِبْ عَدَدَهُمْ
…
لما قَدَّمَ الكلام على أصول مسائل الفرائض انتقل إلى بيان الكيفية بها.
ولا إشكال في المسألة إذا انقسمت على الورثة كزوج وثلاثة بنين، ولهذا لم يتعرض المصنف رحمه الله له.
وإن لم تنقسم فانظر بين السهام وعدد الرءوس؛ فإما أن يتوافقا، وإما أن يتباينا:
فإن توافقا فاضرب وفق الصنف؛ أي: الجزء الذي وافق به الصنف سهامه في أصل المسألة وعولها إن كانت عائلة، ولو ضربنا عدد رءوسهم في أصل المسألة لحصل المقصود، لكن المطلوب الاختصار؛ فلهذا كان إخراج المسألة من العدد الكثير مع إمكان إخراجها مع العدد اليسير ليس بجيد عند الفُرَّاضَ، وإن كان عبد الغافر ربما خالف في هذا، وفعله ابن الجلاب في كتاب الزكاة في تراجع الخلطاء.
وإن تباين السهام وعدد الرءوس فاضرب عدد رءوسهم في أصل المسألة، ثم تقول: من كان له شيء أخذه مضروباً فيما ضربت فيه المسألة:
مثال انكسارها على صنف والمسألة غير عائلة: أربع بنات وأخت، المسألة من ثلاثة؛ للبنات سهمان لا ينقسمان على أربعة- عدد رءوس البنات- لكنهما يتوافقان بالنصف،
فاضرب وفق الرءوس-وهو اثنان- في الفريضة؛ وهي ثلاثة- تخرج لك ستة، ثم تقول: من كان له شيء من ثلاثة أخذه مضروباً في اثنين.
ومثال انكسارها وهي عائلة: أربع أخوات شقائق وأختان لأم وأم، المسألة من ستة وتعول إلى سبعة؛ فانكسرت على عدد الشقائق ووافقتها؛ فاضرب وفق رءوس الأخوات- وهو اثنان- في الفريضة بعولها تكون أربعة عشر، وتقول: من له شيء من سبعة أخذه مضروباً في اثنين.
ومثال انكسارها على صنف مع تباين الرءوس والسهام وهي غير عائلة: بنت وثلاث أخوات شقائق: المسألة من اثنين؛ للبنت النصف، والنصف الآخر للأخوات، مباين لهن، فتضرب ثلاثة في اثنين.
ومثال التباين وهي عائلة: زوج وثلاث أخوات شقائق أو لأب: أصلها من ستة وتعول إلى سبعة؛ للأخوات أ {بع منكسرة على ثلاثة مباينة، فتضرب ثلاثة في سبعة بإحدى وعشرين، ثم تقول: من له شيء من سبعة أخذه مضروباً في ثلاثة.
وَإِنِ انْكَسَرَتْ عَلَى صِنْفَيْنِ فَوَفَّقْ بَيْنَ كُلِّ صِنْفٍ وَبَيْنَ سَهِامِهِ فَقَدْ يَتَوَافَقَانِ، وَقَدْ يَتَبَايَنَانِ، وَقَدْ يُوَافِقُ أَحَدُهُمَا وَيُبَايِنُ الآخَرُ، ثُمَّ كُلُّ قِسْمٍ مِنَ الأَقْسَامِ الثَّلاثَةِ يَدْخُلُ صِنْفَيْهِ التَّمَاثُلُ وَالتَّدَاخُلُ، وَالتَّوَافُقُ وَالتَّبَايُنُ
…
لما قَدَّمَ الكلام على كيفية العمل إذا انكسرت السهام على صنف شرع فيما إذا انكسرت على صنفين، وضمير (انْكَسَرَتْ) عائد على السهام، وذكر رحمه الله أنه يُوَفَّقُ بين كل صنف وسهامه، ولذلك ثلاث حالات:
الأولى: أن يوافق كل صنف سهامه فَيُرَدُّ عدد كل صنف إلى وفقه.
الثانية: أن يباين كل صنف سهامه.
الثالثة: أن يوافق أحدهما ويباين الآخر.
ثم ما حصل بعد الموافقة فيهما، أو المباينة فيهما، أو الموافقة في أحدهما والمباينة في الآخر يُنْظَرُ فيه نظراً ثانياً؛ إما أن يتماثل ما حصل من كل واحد من الصنفين، أو يدخل أحدهما في الآخر، أو يوافقه، أو يباينه.
فإذا ضربت ما يمكن إنتاجه بالنظر الأول في ما يمكن إنتاجه بالنظر الثاني كان الخارج اثنتي عشرة صورة، وسيذكر المصنف هذا.
فَالتَّدَاخُلُ أَنْ يُفْنِيَ أَحَدُهُمَا الآخَر أَوَّلاً
المراد بالإفناء: أن يخرج الأقل من الكثير مرتين أو ثلاثاً أو أكثر إلى ألا يبقى من الأكثر شيء؛ فيكون آخر ما يخرج من الأكثر مساوياً للباقي من الأكثر، مثاله الاثنان مع الأربعة أو الستة أو الثمانية، ولا يشترط ألا يكون الأقل أصغر من العشر بل يصح أن يكون نصف عشر كالاثنين معاً مع العشرين، وربما عرف بالتداخل بأن يكون الكثير كضعفي القليل، أو أضعافه، أو يكون القليل جزءاً من الكثير.
وَالتَّوَافُقُ أَنْ يُفْنِيَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ غَيْرَ الأَوَّلِ
كالثمانية مع العشرة، فإنك بعد إسقاط الأربعة من العشرة مرتين لا تبقى أربعة حتى يسقط، بل تبقى منها اثنان تعود بهما على الثمانية فتفنيها في أربع مرات، فقد حصل الإنفاء باثنين، ونسبة المفرد إليهما النصف، فتكون الموافقة بينهما بالنصف، وهكذا على عدد وقع به الإفناء، فإنك تنظر النسبة إلى العدد المفني فيكون جزء الموافقة، فإذا سئلنا عن التسعة والخمسة عشر أسقطنا التسعة منها فتبقى ستة لا يمكن إسقاط التسعة منها، فتعود على التسعة بستة تبقى ثلاثة، فتعود بها على الستة فتفنيها فتعلم أن الموافقة بين التسعة والخمسة عشر بنسبة واحد إلى ثلاثة، وهو الثلث.
ولا فرق في ما وقع به الإفناء بين أن يكون الواحد بالنسبة إليه جزءاً أصم، أو لا. وإلى هذا أشار بقوله:
فَيُوَافِقُهُ بنِسْبَةِ الْمُفْرَدِ إِلَى الْعَدَدِ الْمُفْنِي، وَتَكُونُ الْمُوَافَقَةُ بجْزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ وَغَيْرِه حَسَبَ مَا يَقَعُ بهِ الإِفْنَاءُ ..
أما لو وقع الإفناء ثانياً بمفرد، فإن ذلك تباين؛ كالأربعة مع الخمسة، والستة مع السبعة، والله أعلم.
فَإِنَّ تَمَاثَلا ضَرَبْتَ أَحَدَهُمَا فِي الْمَسْأَلَةِ كَامِّ وَأَرْبَعُ أَخَوَاتٍ لأُمِّ وَسِتَّةِ أَخَوَاتٍ لأَبٍ
يعني: فإن تماثل الصنفان المنكسر عليهما سهماهما فتستغني بأحدهما عن الآخر، وتضربه في أًل المسألة، وتصير المسألة كأنها انكسرت على صنف واحد.
كالمسألة التي ذكرها المصنف، وهي من ستة؛ للأم السدس؛ سهم، وللأخوات للأم الثلث سهمان غير منقسمين عليهم، لكن يوافقان عددهم بالنصف، وللأخوات للأب ما بقي، وذلك ثلاثة أسهم غير منقسمة عليهم، لكن توافق عددهم بالثلث؛ فنصف الأخوات للأم اثنان، وثلث الإخوات للأب اثنان، فتستغني بأحدهما، وتضرب اثنين في أصل المسألة باثني عشر. من كان له شيء من ستة أخذه مضروباً في اثنين؛ للأم سهم في اثنين باثنين، وللأخوات للأم سهمان في اثنين بأربعة، لكل واحد منهم سهم، وللأخوات للأب ثلاثة في اثنين بستة، لكل واحد سهم.
وَإِنْ تَدَاخَلا ضَرَبْتَ الأَكْثَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ كَأمَّ وَثَمانِيَةِ إِخْوَةٍ لأُمَّ وَسِتَّةٍ لأَبٍ
وهذا أيضاً من ستة؛ للأم سهم، وللثمانية للأم الثلث سهمان لا ينقسم عليهم، لكن يوافق عدتهم بالنصف وهو أربعة، وللإخوة للأب ثلاثة أسهم لا ينقسم عليهم، ولكن يوافق عدتهم بالثلث، وثلثهم اثنان، وهما داخلان في أربعة؛ فتستغني بالأكثر عن الأصغر، وتضرب المسألة في أربعة بأربعة وعشين؛ للأم أربعة، وللإخوة للأم ثمانية، لكل واحد سهم، وللإخوة للأب اثنا عشر، لكل واحد سهمان.
فَإِنْ تَوَافَقَ ضَرَبْتَ وَفْقَ أحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الآخَرِ، ثُمَّ في الْمَسْأَلَةٍ؛ كَامَّ، وَثَمَانِيَةٍ لأُمِّ، وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَخاً لأَبٍ
…
هي أيضاً من ستة؛ فللإخوة للأم سهمان غير منقسمين عليهم، وهما موافقان لعدتهم بالنصف، وللإلخوة للأب ما بقي ثلاثة، وهي لا تنقسم عليهم، وتوافق عدتهم بالثلث، وثلثهم ستة، وهي مواققة للأربعة وفق الإخوة للأم بالنصف؛ فتضرب وفق أحدهما في كامل الآخر- اثنان في ستة، أو ثلاثة في أربعة-باثني عشر، ثم تضرب الاثني عشر في ستة التي هي المسألة باثنين وسبعين. من كان له شيء من أصل المسألة أخذه مضروباً في اثني عشر.
وَإِنْ تَبَايَناً ضَرَبْتَ كَامِلَ أَحْدِهِمَا في كَامِلِ الآخَرِ، ثُمَّ فِي الْمَسأَلَةِ كَأُمِّ وَأَرْبَعَةٍ لأُمِّ وَسِتَّةِ أَخَوَاتٍ شَقَائِقَ
…
أصل المسألة من ستة، وتعول إلى سبعة؛ للأم سهم، وللإخوة للأم سهمان يوافقان عدد الإخوة بالنصف، وللأخوات الست أربعة، يتفق مع رءوسهن بالنصف. ووفق الإخوة للأم اثنان، ووفق الأخوات ثلاثة، والوفقان متباينان؛ فتضرب كامل أحدهما في كامل الآخر، فالخارج ستة تضربها في أصل المسألة بعولها، فتبلغ اثنين وأربعين. من له شيء من سبعة أخذه مضروباً في ستة.
وَبَقِيَة الاثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةَ أَوْضَحَ
قد تقدم من كلامنا كيفية بلوغ هذه المسائل اثنتي عشرة صورة، ولما ذكر المصنف رحمه الله منها أربعة، قال: بقيتها أوضح؛ لقلة العمل وذلك لأن المصنف رحمه الله تكلم على ما إذا وافق كل صنف سهامه، والنظر فيه من وجهين: الأول النظر بين السهام والصنف، والثاني فيما بين الصنفين.
أما إذا باين كل صنف سهامه، فلا عمل إلا بين الصنفين، لا بين السهام والصنفين. وكذلك إذا وافقت السهام أحد الصنفين وباينت الآخر أسهل مما إذا وافق كل صنف سهامه.
وأما إذا باين كل صنف سهامه فأربع صور:
إن تباين الصنفان كثلاث زوجات وشقيقتين ضربت ثلاثة في اثنين بستة، ثم في أصلها بأربعة وعشرين، وتسمى مباينة المباينة.
وإن توافقا كتسع بنات وستة أشقاء ضربت وفق أحدهما في الآخر بستة، ثم في ثلاثة الأصل بثمانية عشر، فهذه موافقة المباينة.
وإن تداخلا كزوجتين وبنت وأربعة أشقاء، ضربت الأكثر- وهو أربعة- في ثمانية الأصل باثنين وثلاثين، فهذه مداخلة المباينة.
وإن تماثلا كزوجتين وشقيقتين، ضربت أحدهما في ثمانية الأصل بستة عشر، فهذه مماثلة المباينة.
وإن وافق أحد الصنفين سهامه وباين الآخر، فأربع صور أيضاً، وانظرها في الجواهر.
وَإِنِ انْكَسَرَتْ عَلَى ثَلاثَةِ أَصْنَافٍ فَاعْمَلْ فِيهَا كَالصِّنْفَيْنِ، فَإِنْ حَصَلَ تَمَاثُلٌ أَوْ تَدَاخُلٌ رَجَعْتَ إِلَى صِنْفٍ أَوْ صِنْفَيْنِ
…
يعني: فإن انكسرت الفريضة على ثلاثة أصناف- وهذا غاية ما تنكسر فيه الفرائض على المذهب- فاعمل فيها كالصنفين؛ بأن تنظر بين كل صنف وسهامه بالموافقة والمباينة، فما حصل بيدك من تلك الأصناف فانظر فيها بالوجوه الأربعة؛ وهي: المماثلة، والمداخلة، والموافقة، والمباينة، فإن تماثلت كلها رجعت إلىصنف واحد، وكذلك إن دخل اثنان في واحد. وإن تماثلا اثنان، أو دخل أحدهما في الآخر رجعت إلى صنفين.
وَإِلا فَالْكُوفِيُّونَ يَقِفُونَ عَدَداً ثُمَّ يَضْرِبُونَ وَفْقَ أَحَدِ الْبَاقِينَ فِي كَامِلِ الآخَرِ، ثُمَّ يُوَفَّقُونَ بَيْنَ مَا حَصَلَ وَبَيْنَ الْمَوْقُوفِ، ثُمَّ يَضْرِبُونَ الْوَفْقَ فِي الْكَامِلِ-مَا لَمْ يَكُنْ تَدَاخُلٌ فَيَسْقُطُ-ثُمَّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ..
قوله: (وَإِلا) أي: وإن توافقت الأعداد. وترك التباين لوضوحه؛ إذ حكمه ضرب أحدهما في الآخر، ثم ضرب الحاصل في الآخر، ثم في أصل المسألة؛ يعني: واختلف طرق الفرضيين في كيفية العمل حتى تصير الأعداد الثلاثة إلى عدد واحد. والخلاف راجع إلى كيفية العمل، وإلا فالجميع موصل إلى معنى واحد، وطريق الكوفيين أسهل، وطريق البصريين أكثر تعنتاً.
فالكوفيون- كما قال المصنف- ينظرون إلى عددين من الثلاثة- أَيَّ عددين كانا - فيضربون وفق أحدهما في كامل الآخر، فما خرج من الضرب وفقوا بينه وبين الثالث، إلا أن يكون بين الحاصل والثاثل تداخل فيسقط القليل، ثم ما حصل مع الضرب أو التداخل ضربوه في أصل المسألأة.
وَالْبَصْرِيُّونَ يُوقِفُونَ عَدَداً وَيُوَفَّقُونَ بَيْنَة وَبَيْنَ كُلِّ مِنَ الْعَدَدَيْنِ، فَإِنْ كَانَ تَدَاخُلٌ سَقَطَ، ثُمَّ يُوفَّقُونَ بَيْنَ وَفْقِهِ، ثُمَّ يَضْرِبُونَ الْوَفْقَ فِي الْوَفْقِ، ثُمَّ فِي كَامِلِ الْمَوْقُوفِ، ثُمَّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ
…
الأحسن عند البصريين وقف العدد الأكبر، ويصح وقف كل منها، فإذا وقف عدد يوفقون بينه وبين كل واحد من العددين، وينظرون فيما بين وفقي كل واحد من هذين العددين؛ فقد يكون بينهما تداخل، أو تماثل، أو تباين، أو توافق، فيفعلون كما تقدم في الصنفين، فما حصل من ذلك ضربوه في الموقوف، ثم في أصل المسألة، وسيتضح لك هذا بالمثال إن شاء الله تعالى.
مِثْلَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ بنْتاً وَثَمَانٍ وَعِشْرِينَ أُخْتاً وَثَلاثِينَ جَدَّةً، فَعَلَى طَرِيقَةِ الْكُوفِيِّينَ إِنْ وَقَفْتَ الإِحْدَى وَالعِشْرِينَ سَقَطَ؛ لِدُخُولِهَا فِي أَرْبَعِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَإِنْ وَقَفْتَ الثَّمَانِيَةَ وَالْعِشْرِينَ كَانَ الْحَاصِلُ مِنَ الْبَاقِيَيْنِ مِئَاتَيْنِ وَعَشَرَةً فَتُوَافِقُ الْمَوْقُوفَ بجُزْءٍ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَهُوَ اثْنَانِ فَتَكُونُ أَرْبَعَمِائِةٍ وَعِشْرِينَ، وَإِنْ وَقَفْتَ الثَّلاثِينَ فَوَاضِحٌ ..
أصل المسألة من ستة؛ للبنات أربعة مباينة لعددهن، وللجدات سهم مباين أيضاً، وللأخوات أيضاً سهم مباين، فيحتاج إلى أن ينظر في الموافقة فيما بينها.
فإن وقفت الإحدى والعشرين نظرت فيما بين الثمانية والعشرين، والثلاثين فتجدهما متفقين بالنصف؛ فتضرب نصف أحدهما في كامل الآخر، فيخرج لك أربعامئة وعشرون، فتسقط الإحدى والعشرين لدخولها في أربعمائة وعشين؛ لأنها نصف عشر.
وإن وقفت الثمانية والعشرين نظرت فيما بين الإحدى والعشرين، والثلاثين فتجدهما متفقين بالثلث؛ فتضرب ثلث أحدهما في كامل الآخر، يكون الخارج مائتين وعشرة، ثم تنظر ما بين هذا الخارج وبين الثمانية والعشرين فتجدهما متفقين بنصف السبع، وهو معنى قوله:(بجُزْءٍ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ) فوفق الثمانية والعشرين اثنان، فتضربهما في المائتين والعشرة، يكون الخارج أربعمائة وعشرين.
قوله: (وَإِنْ وَقَفْتَ الثَّلاثِينَ فَوَاضِحٌ) يعني: أنك تنظر بين الإحدى والعشرين والثمانية والعشيرن فتجدهما متفقين بالسبع؛ فتضرب سبع الثمانية والعشرين- وهو أربعة- في الإحدى والعشرين يكون الخارج أربعة وثمانين، فتنظر فيما بينها وبين الثلاثين فتجدهما متفقين بالسدس، فتضرب الأربعة والثمانين في خمسة- سدس الثلاثين- يكون الحاصل أربعمائة وعشرين. وإنما كان هذا واضحاً؛ لأنه أتى بعد عمل الوجهين المتقدمين.
وَعَلَى طَرِيقَةِ الْبَصْرِيِّينَ إِنْ وَقَفْتَ الإِحْدَى وَعِشْرِينَ وَافَقَتْهَا الثَّمَانِيَةَ وَالْعِشْرُونَ بالأَسْبَاعِ-وَهُوَ أَرْبَعَةٌ- وَوَافَقَتْهَا الثَّلاثُونَ بالأَثْلاثِ-وَهُوَ عَشَرَةٌ-فَتَضْرِبُهُمَا فَتَكُونُ أَرْبَعَمِائِةٍ وَعِشْرِينَ
…
قوله: (وَهُوَ أَرْبَعَةٌ) راجع إلى سبع الثمانية والعشرين، وهو وفقها.
وكذلك الضمير في قوله: (وَهُوَ عَشَرَةٌ) يرجع إلى وفق الثلاثين، ولا شك أن هذين الوفقين يتفقان بالنصف؛ فتضرب نصف أحدهما في كامل الآخر، فيكون الخارج عشرين تضربها في الإحدى والعشرين تحصل أربعمائة وعشرون.
وقوله: (فَتَضْرِبُهُمَا) راجع إلى ما يخرج من ضرب أحد الوفقين في الآخر.
فَإِنْ وَقَفْتَ الثَّمَانِيَةَ وَالْعِشْرِينَ وَافَقَتْهَا الثَّلاثُونَ بالأَنْصَافِ- وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ-وَوَافَقَتْهَا الإِحْدَى وَالْعِشْرُونَ بالأَسْبَاعِ-وَهُوَ ثَلاثَةٌ-فَتَسْقُطُ الثَّلاثَةُ لِدُخُولِهَا؛ فَتَضْرِبُ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ بأَرْبَعِمِائَةِ وَعِشْرِينَ
…
تصوره واضح.
وَإِنْ وَقَفْتَ الثَّلاثِينَ وَافَقَتْهَا الثَّمَانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ بالأَنْصَافِ-وَهُوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ- وَوَافَقَتْهَا الإِحْدَى وَالْعِشْرُونَ بالأَثْلاثِ-وَهُوَ سَبْعَةٌ-فَتَسْقُطُ السَّبْعَةُ لِدُخُولِهَا؛ فَتَضْرِبُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فِي ثَلاثِينَ بأَرْبَعِمِائِةٍ وَعِشْرِينَ، وَهُوَ جُزْءُ السَّهْمِ
…
هو أيضاً ظاهر، ومراده بـ (جُزْءُ السَّهْمِ) السهم الذي تضرب فيه الفريضة، وأصلها من ستة، فتضرب ستة في أربعمائة وعشرين بألفين وخمسمائة وعشرين. فتقول: من كان له شيء من أصل المسألة أخذه مضروباً في أربعمائة وعشرين.
تنبيه:
تبع المصنف غيره في كثرة الجدات، وقد قدمنا ما فيه.
مِثْلُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ بنْتاً، وَسِتَّ وَثَلاثِينَ جَدَّةً، وَخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ أُخْتَاً
سقط واو العطف من قوله: (مِثْلُ) والأحسن أن يعرب بدلاً مما قبله، لا على حذف حرف العطف كما قاله ابن راشد رحمه الله تعالى: لقلة حذف الحرف.
ولم يستوفِ المصنف العمل في هذا المثال؛ اكتفاء بالعمل في المسألة السابقة؛ لا سيما والمسألة أيضاً من ستة، والاتفاق بين الأعداد الثلاثة بالتسع.
فعلى طريقة الكوفيين إذا وفقت بين السبع والعشرين، والست والثلاثين وجدتهما يتفقان بالأتساع؛ فتضرب تسع أحدهما في كامل الآخر تبلغ مائة وثمانية، فتوفق بينها وبين الخمسة والأربعين، فتجدهما متفقين بالأتساع، فتضرب تسع أحدهما في كامل الآخر يبلغ خمسمائة وأربعين، وهو جزء السهم، ثم في أصل المسألة تحصل ثلاثة آلا ومائتان وأربعون، ولا يخفى عليك بقية العمل.
وَالأَرْبَعَةُ كَذَلِكَ إِلا أَنَّكَ تُوقِفُ عَدَدَيْنِ، ثُمَّ تُوَفِّقُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلا زِيَادَةَ إِلا وَالزَّائِدُ يَصِحُّ
…
يعني: وإن انكسرت الفريضة على أربعة أصناف فإنك توفق بين عددين.
ابن عبد السلام: وانكسارها على أربعة أصناف لا يتصور إلا على غير مذهب مالك، ولم يختر أحد من الشيوخ مذهب المخالف: فلذلك ترك المصنف بيان العمل، وكذلك نفعل نحن.
خليل: إن أراد رحمه الله أنها لا تنكسر على أربعة أصناف بشرط أن تكون الأعداد متوافقة فقريب، وإن أراد أنها لا تنكسر على أربعة أصناف مطلقاً فليس بظاهر. ومثاله: زوجتان وجدتان وخمس لأم وسبع شقائق أو لأب؛ أصلها من اثني عشر، وتعول إلى سبعة عشر.
قوله: (وَلا زِيَادَةَ) أي: ولا تمكن زيادة الأحياز المنكسر عليها على أربعة، إلا والزائد على أربعة يصح. وحاصله أنه لا يمكن انكسارها على خمسة أحياز فأكثر.
الْمُنَاسَخَاتُ، وَمَعْنَاهَا: أَنْ يَمُوتَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ
أي: جنس المناسخات؛ لأن هذه اللفظة يستعملونها في الفريضة التي فيها ميتان فأكثر. ألا ترى إلى قوله: (وَمَعْنَاهَا أَنْ يَمُوتَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ).
فَقَصَدَ الْفَرْضِيُّونَ تَصْحِيحَ مَسْأَلَةِ الأَوَّلِ مِنْ عَدَدٍ تَصِحُّ مِنْهُ مَسْأَلَةُ مَنْ بَعْدَهُ
يعني: أنهم قصدوا تصحيح مسألة الميت الأول من عدد تصح منه فريضة مَنْ بعده من ثانٍ وثالث وأكثر؛ حتى تكون كأنها مسألة واحدة، ووقع فيها انكسار؛ تقليلاً للعمل.
فَانْظُرْ أَوَّلاً فَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ ثَانِياً- بَقِيَّةُ الأَوَّلِينَ-عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَقَدِّرِ الْمَيِّتَ الثَّانِيَ عَدَماً، كَثَلاثَةِ بَنِينَ مَاتَ أَحَدُهُمْ
…
قدم هذا النوع من المناسخات لقرب عمله.
وقوله: (عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ) أي: ورثوا الثاني على وجه ما ورثوا به الأول.
وقوله: (كَثَلاثَةِ بَنِينَ) ظاهر التصور.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعَهُمْ وَارِثٌ مِنَ الأَوَّلِ خَاصَّةً كَزَوْجٍ مَعَهُمْ لَيْسَ بأَبيهِمْ
هذا الوجه مشارك للذي قبله؛ لأنه إذا أخذ هذا الوارث الذي يختص بالمشاركة في الميت نصيبه كان الباقي لبقية الورثة على الوجه الأول، كما لو ماتت امرأة عن ثلاثة بنين وزوج فمات أحد البنين فإنه يعد كالعدم؛ لأن الزوج يأخذ الربع كما كان يأخذه لو كان الثالث حياً.
وَإِلا فَصَحِّحِ الأَوَّلَ ثُمَّ الثَّانِيَةَ، فَإِنِ انْقَسَمَ نَصِيبُ الثَّانِي عَلَى وَرَثَتِهِ صَحَّتَا مَعاً كَابْنٍ وَبنْتٍ مَاتَ وَتَرَكَ أُخْتَهُ وَعَاصِباً
…
يعني: وإن لم يكن شيء من الوجهين فصحح المسألة الأولى ثم الثانية؛ فإن كان ما حصل للميت الثاني من المسألة الأولى منقسماً على فريضته فقد تم العمل، وصحت الفريضتان، كمن توفي وترك ابناً وبنتاً، ثم توفي الابن وترك أختاً وعاصباً فإن المسألة الأولى من ثلاثة؛ للابن سهمان مات عنهما، وهما منقسمان على فيرضته.
وَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ نَصِيبُهُ وَفَّقْتَ بَيْنَ نَصِيبهِ وَمَا صَحَّتْ مِنْهُ مَسْأَلَتُهُ، وَضَرَبْتَ وَفْقَهُ- لا وَفْقَ نَصِيبهِ-فِيمَا صَحَّتْ مِنْهُ الأُولَى كَابْنَيْنِ وَابْنَتَيْنِ مَاتَ أَحَدُ الابْنَيْنِ وَتَرَكَ امْرَأَةً وَبنْتاً وَثَلاثَةُ بَنِي ابْنٍ فَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الأُولَى يَاخُذُهُ مَضْرُوباً فِي وَفْقِ الثَّانِيَةِ، وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الثَّانِيَةِ يَاخُذُهُ مَضْرُوباً فِي وَفْقِ سِهَامِ الْمَيِّتِ الثَّانِي
…
يعني: وإن لم ينقسم نصيب الميت الثاني على فريضته؛ فإما أن توافق سهامه من الفريضة الأولى ما صحت منه المسألة الثانية، وإما أن تباينه.
ومراده بالموافقة هنا: مايذكرونه في موافقة السهام للصنف الذي انكسرت عليه؛ لأن الفيرضة الثانية كصنف انكسرت عليه سهامه، وذلك أعم من الموافقة المذكورة فيما بين الصنفين، ولذلك تصدق الوافقة هنا على المداخلة فيما بين الصنفين فإذا كانت بين سهام الميت الثاني وفريضته موافقة أَخَذْتَ وفق الفريضة الثانية وضربته في الفريضة الأولى، ومن الخارج تصح.
فقوله: (وَضَرَبْتَ وَفْقَهُ) أي: وفق الذي صحت منه مسألته (لا وَفْقَ نَصِيبه) فيما صحت منه الأولى.
مثاله المسألة التي ذكرها المصنف: رجل توفي وترك ابنين وابنتين، المسألة من ستة، لِكُلِّ ذَكَرٍ سهمان، ثم مات أحد الابنين وترك امرأة وابنة وثلاثة بني ابن، ففريضته من ثمانية، ومنها تصح؛ للزوج سهم، وللابنة أربعة، ولكل ابن ابن سهم، وسهام الميت الثاني اثنان يوافقان فريضته بالنصف، ووفقها أربعة تضربها في الفريضة الأولى بأربعة وعشرين، ومنها تصح، فمن له شيء من الأولى أخذه مضروباً في أربعة وفق الثانية، ومن له شيء من الثانية أخذه مضروباً في وفق سهام الميت الثاني، وهو واحد؛ لأن نصف السهمين اللذين له واحد.
فَإنْ لَمْ يَتَوَافَقَا ضَرَبْتَ مَا صَحَّتْ مِنْهُ مَسْأَلَتُهُ فِيمَا صَحَّتْ مِنْهُ الأُولَى، كَابْنَيْنِ وَابْنَتَيْنِ مَاتَ أَحَدُ الابْنَيْنِ وَتَرَكَ ابْنَاً وَبنْتاً
…
يعني: وإن لم يوافق سهام الميت الثاني فريضته، ضربت جميع سهام الفريضة الثانية في الأولى، مثاله ما ذكره المصنف، فالفريضة الأولى من ستة؛ لكل ابن سهمان، وفريضته من ثلاثة، فتضرب ثلاثة في ستة بثمانية عشر، ومنها تصح، فمن له من الأولى شيء أخذه مضروباً في الثانية، وهو ثلاثة، ومن له شيء من الثانية أخذه مضروباً في سهام الميت الثاني، وهو اثنان.
تنبيه:
وهذا كله إنما هو إذا كانت التركة عقاراً، أو عرضاً مقوماً، وأما إن كانت عيناً أو عرضاً مثلاً فلا عمل، ويقسم ما حصل للميت الثاني على فريضته.
وَكَذَلِكَ ثَالِثٌ وَرَابِعٌ وَخَامِسٌ
يعني: وأكثر من ذلك، والأمثلة كثيرة في المطولات.
وَفِي قِسْمَةِ التَّرِكَةِ عَلَى السِّهَامِ طُرُقٌ أَقْرَبُهَا أَنْ تَنْظُرَ نِسْبَةَ سِهَامِ كُلِّ وَارِثٍ مِنَ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ تَاخُذَ نِسْبَتَهَا مِنَ التَّرِكَةِ
…
قيد القسمة على السهام؛ لأن القسمة قد تكون على الأجزاء كإعطاء الربع لصاحب الربع والنصف لصاحبه.
وذكر المصنف أن أقرب الطرق أن تنظر سهام كل وارث، ثم تأخذ تلك النسبة من التركة، وإنما تكون الأقرب إذا قلت سهام الفريضة، وأما إذا كثرت فهي أصعب الطرق؛ لأنها مبنية على النسب التي هي قسمة القليل على الكثير.
وأسهل الطرق أن تقسم عدد التركة إن كانت مثلياً أو قيمتها إن كانت مقومة على العدد الذي صحت منه الفريضة، فتعلم نسبة ما يخرج لكل سهم، ثم تضرب هذا الخارج فيما بيد كل وارث.
كَزَوْجٍ وَأُمِّ وَأُخْتٍ لأَبيهِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ؛ لِلزَّوْجِ ثَلاثَةٌ، وَالتَّرِكَةُ عِشْرُونَ، فَنِسْبَةُ الثَّلاثَةِ مِنَ الثَّمَانِيَةِ رُبُعٌ وَثُمُنٌ، فَتَاخُذُ رُبُعَ وَثُمُنَ الْعِشْرِينَ وَهُوَ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ
…
أصل المسألة من ستة وعالت لثمانية، وكلامه ظاهر التصور، والأخت كالزوج.
فَإِنْ كَانَ مَعَ التَّرِكَةِ عَرْضٌ فَأَخَذَهُ وَارِثٌ بحِصَّتِهِ - فَاجْعَلِ الْمَسْأَلَةَ سِهَامَ غَيْرِ الآخِذِ، ثُمَّ اجْعَلْ لِسِهَامِهِ مِنْ تِلْكَ النِّسْبَةِ، فَمَا حَصَلَ فَهُوَ ثَمَنُ الْعَرْضِ، فَإِذَا أَخَذَ الْعَرْضَ بحِصَّتِهِ فَاجْعَلِ الْمَسْأَلَةَ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ لِكُلِّ سَهْمٍ أَرْبَعَةً ثُمَّ اجْعَلْ لِلزَّوْجِ أَرْبَعَةً فِي ثَلاثَةٍ تَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ، وَهُوَ ثُمُنُهُ؛ فَتَكُونُ التَّرِكَةُ اثْنَيْنِ وَثَلاثِينَ
…
يعني: فإن كان في التركة عرض وتسامح بلفظ (مَعَ)
ومراده بـ (ثَمَنِ الْعَرْضِ) ما أنفق عليه الورثة، لا ما يساويه في السوق، وكلامه ظاهر.
فَإِنْ زَادَ مَعَ الْعَرْضِ خَمْسَةٌ فَزِدْهَا عَلَى الْعِشْرِينَ، ثُمَّ اقْسِمْهَا كَذَلِكَ؛ فَيَكُونُ لِكُلِّ سَهْمٍ خَمْسَةٌ، ثُمَّ اجْعَلْ لِلزَّوْجِ خَمْسَةً فِي ثَلاثَةٍ، ثُمَّ زِدْ عَلَيْهَا خَمْسَةً؛ فَتَكُونُ عِشْرِينَ، فَيَكُونُ ثُمُنَ الْعَرْضِ
…
قوله: (اقْسِمَهَا) أي: الخمسة الزائدة، والعشرين كذلك؛ أي: على خمسة وهو ظاهر.
فَإِذَا أخَذَ الزَّوْجُ مَعَ الْعَرْضِ خَمْسَةً فَأَنْقِصْهَا، ثُمَّ اقْسِمْ كَذَلِكَ؛ فَتَكُونَ لَكَ سَهْمُ ثَلاثَةٍ، ثُمَّ اجْعَلْ لِلزَّوْجِ ثَلاثَةً فِي ثَلاثَةٍ بتِسْعَةٍ، وَهُوَ نَصِيبُهُ، ثُمَّ انْقُصْ مِنْهَا خَمْسَةً تَبْقَى أَرْبَعَةٌ، وَهُوَا ثَمَنُ الْعَرْضِ
…
يعني: فإن أخذ الزوج من التركة مع العروض خمسة، بقيت خمسة عشر، تنقسم على خمسة؛ لكل سهم ثلاثة، وكلامه ظاهر.
وَإِذَا أَقَرَّ وَارِثٌ بوَارِثٍ وَأَنْكَرَهُ آخَرُ وَلَمْ يَثْبُتْ لَمْ يُعْطَ الْمُقَرُّ بهِ إِلا مَا أَوْجَبَهُ الإِقْرَارُ مِنَ النَّقْصِ عَلَى حِصَّتِهِ
…
يعني: أن الوارث إذا كان أكثر من واحد، فأقر بعض الورثة بواحد، ولم يثبت ما أقر به؛ لعدم العدالة، أو لعدم بلوغ النصاب- لم يُعْطَ المقر به إلا من المُقِرِّ، على ما أوجبه الإقرار.
وَطَرِيقُهُ أَنْ تُعْمَلَ فَرِيضَةَ الإِنْكَارِوَفَرِيضَةَ الإِقْرَارِ ثُمَّ تَنْظُرَ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّمَاثُلِ وَالتَّدَاخُلِ وَالتَّوَافُقِ وَالتَّبَايُنِ، ثُمَّ اقْسِمْ عَلَى الإِنْكَارِ، فَمَا زَادَ عَلَى فَرِيضَةِ الإِقْرَارِ فَهُوَ لِلْمُقَرِّ بهِ
…
ضمير (طَرِيقُهُ) عائد على العمل، فتعمل فريضة الإنكار وفريضة الإقرار؛ فإن تماثلت الفريضتان أجزأتك واحدة، وإن دخلت إحداهما في الأخرى أجزأتك الأخرى. وإن اتفقتا ضربت الوفق في الوفق. وإن تباينتا ضربت الكامل في الكامل. ثم مثل المصنف للأقسام فقال:
التَّمَاثُلُ أُمٍّ وَأُخْتٌ لأَبٍ وَعَمٍّ، أَقَرَّتِ الأُخْتُ بأُخْتٍ شَقِيقَةٍ
الإنكار من ستة؛ للأم الثثل، وللأخت النصف، والباقي للعم. وكذلك فريضة الإقرار؛ للأم سهم، وللأخت الشقيقة ثلاثة، وللأخت للأب سهم، وللعم سهم، فينقص نصيب المقر على الإنكار بسبب الإقرار سهمان، فتدفعهما للشقيقة.
التَّدَاخُلُ: أُخْتَانِ شَقِيقَتَانِ وَعَاصِبٌ، أَقَرَّتْ إِحْدَاهُمَا بأُخْتٍ شَقِيقَةٍ فَتَسْتَغْنِي بالتِّسْعَةِ
…
لأن فريضة الإنكار من ثلاثة، وتصح منها. وفريضة الإقرار من ثلاثة، وتصح من تسعة؛ لانكسارها على الأخوات، والثلاثة داخلة في التسعة؛ لأنها ثلثها، فتستغني بها، وتقسم على الإنكار يكون لكل أخت ثلاثة، وعلى الإقرار لكل أخت سهمان، فتدفع المقرة سهماً للمقر بها.
التَّوَافُقُ: ابْنٌ وَابْنَتَانِ، أَقَرَّ الابْنُ بابْنٍ آخَرَ- فَتَضْرِبُ اثْنَيْنِ فِي سِتَّةٍ
لأن الإنكار من أربعة والإقرار من ستة؛ فيتوافقان بالأنصاف، فتضرب نصف أحدهما في الآخر باثني عشر، ثم تقسم على الإنكار؛ فللابن ستة، ولكل بنت ثلاثة، وعلى الإقرار؛ للابن أربعة، فيدفع السهمين للمقر به.
التَّبَايُنُ: أُخْتَانِ شَقِقَتَانِ وَعَاصِبٌ، أَقَرَّتْ إِحْدَاهُمَا بأَخٍ شَقِيقٍ؛ فَتَضْرِبُ ثَلاثَةً فِي أَرْبَعَةٍ؛ لِلْمُقِرَّةِ فِي الإِنْكَارِ أَرْبَعَةٌ، وَفِي الإِقْرَارِ ثَلاثَةٌ فَالزَّائِدُ سَهْمٌ لِلْمُقَرِّ بهِ.
لأن فريضة الإنكار من ثلاثة، ومنها تصح. وفريضة الإقرار من أربعة وهما متباينان فتضرب إحداهما في الأخرى باثني عشر، وتقسم على الإنكار، لكل أخت أربعة. وعلى الإقرار للمقرة ثلاثة، فتدفع السهم للمقر به.
وَكِذَلِكَ لَوْ تَعَدَّدَ الْمُقِرُّ أَوِ الْمُقَرُّ بهِ أَوِ الْقَبيلانِ كَابْنٍ وَبنْتٍ أَقَرَّ الابْنُ ببنْتٍ وَأَقَرَّتِ الْبنْتُ بابْنٍ فالإِنْكَارِ مِنْ ثَلاثَةٍ، وَإِقْرَارُ الابْنِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَإِقْرَارُ الْبنْتِ مِنْ خَمْسَةٍ تُضْرَبُ أَرْبَعَةٌ فِي خَمْسَةٍ بعِشْرِينَ، ثُمَّ فِي ثَلاثَةٍ بسِتِّينَ؛ فَيَرُدُّ الابْنُ عَشَرَةً لِلْمُقَرَّةِ بهَا، وَالْبنْتُ ثَمَانِيَةٌ لِلْمُقَرِّ بهِ
…
تصوره ظاهر؛ لأنا إذا قسمنا الستين على الإنكار، يكون للابن أربعون، ولها عشرون، ثم على إقرار الابن يكون له ثلاثون، فيعطي عشرة للمقر بها، ثم على إقرارها يكون لها اثنا عشر، فتعطي ثمانية للمقر به.
وَسُئِلَ أَصْبَغُ عَنْ أَخَوَيْنِ وامْرَأَةٍ حَامِلٍ، أَقَرَّتْ هِي وَأَحَدُهُمَا أَنَّهَا وَلَدَتِ ابْناً حَيّاً -فَقَالَ: مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ. الإِنْكَارُ يَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَالإِقْرَارُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ فَتَسْتَغْنِي بأَحَدِهِمَا وَفَرِيضَةُ الابْنِ عَلَى الإِقْرَارِ مِنْ ثَلاثِةٍ فَتَضْرِبُهَا فِي ثَمَانِيَةٍ؛ لِلْمُنْكِرِ تِسْعَةٌ، وَلِلْمُقِرِّ فِي الإِنْكَارِ تِسْعَةٌ، وَفِي الإِقْرَارِ سَبْعَةٌ، فَيَرُدُّ اثْنَيْنِ، وَلِلأُمِّ ثَمَانِيَةٌ ..
لأن فريضة الإنكار تصح من ثمانية، وأصلها من أربعة؛ للزوجة الربع وللأخيون ما بقي، وهو لا ينقسم عليهما؛ فتضرب اثنين في أربعة، وفريضة الإقرار من ثمانية، ومنها تصح.
ثم توفي الابن وترك أمه وعميه؛ للأم الثلث، وللعمين ما بقي، المسألة من ثلاثة، وسهام الميت لا تنقسم عليها ولا توافقها؛ فتضرب ثلاثة في ثمانية بأربعة وعشرين، فتقسمها على الإنكار؛ للزوجة ستة، ولكل من الأخوين تسعة، وعلى الإقرار؛ للزوجة من الأولى ثلاثة، ولا شيء للأخوين، وللابن أحد وعشرون توفي عنها؛ للأم سبعة، ولكل عم سبعة، فقد نقص المقر من الأخوين سهمان، فيدفعهما للأم مع الستة الواجبة لها في الإنكار.
وَإِذَا أَوْصَى بجُزْءٍ شَائِعٍ كَنِصْفٍ أو ثُلُثٍ أَوْ جُزْءٍ مِنْ أَحْدَ عَشَرَ-فَصَحِّحْ الْمِيرَاثِ ثُمَّ خُذْ عَدَدَ مَخْرَجِ الْوَصِيَّةِ وَأَخْرِجِ الْوَصِيَّةَ، فَإِنْ كَانَ مَا بَقِيَ مُنْقَسِماً وَإِلا فَوَفَّقْ بَيْنَ مَا بَقِيَ وَبَيْنَ مَا صَحَّ مِنْهُ، ثُمَّ اضْرِبِ الْوَفْقَ فِي مَخْرَجِ الْوَصِيَّةِ كَابْنَيْنِ وَأَوْصِي بالثُّلُثِ؛ فَيَصِحّ فِي الْمِيرَاثِ مِنِ اثْنَيْنِ، وَمَخْرَجُ الْوَصِيَّةِ مِنْ ثَلاثَةٍ فَتَسْتَغْنِي
…
احترز بالشائع مما لو أوصى بمعين؛ فإنه لا عمل حينئذٍ، وقال:(أَوْ جُزْءٍ مِنْ أَحْدَ عَشَرَ) لينبه على أنه لا فرق بين الأجزاء الصم وغيرها، فتُعْمِل الفريضة ثم تنظر مقام جزء الوصية؛ الثلث من ثلاثة، والربع من أربعة كذلك فتخرج الوصية. وانظر ما بقي، فإن انقسم على المسألة فقد خرجت الفريضة والوصية من مخرج الوصية كالمثال الذي ذكره المصنف. وإن لم تنقسم بقية الأجزاء على المسألة كانت كسهام انكسرت على صنف فإن وافقتها ضربت وفق المسألة في مخرج الوصية، وإن لم توافقها ضربت المسألة في مخرج الوصية ومن الخارج تصح، ثم تقول: من كان له شيء من الوصية أخذه مضروباً في وفقها إن وافقت وفي كاملها إن لم توافق، ومن له شيء من الفريضة أخذه مضروباً في وفق السهام إن وافقت، وفي كاملها إن لم توافق.
فَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً ضَرَبْتَ اثْنَيْنِ فِي ثَلاثَةٍ
هذا مثال لقوله: (وإلا فَوَفِّقْ) أي: إذا أوصى بالثلث وخلف أربعة فمخرج الوصية من ثلاثة؛ للموصى له سهم، والباقي سهمان لا ينقسمان على الورثة، لكن يتوافقان بالنصف، فتضرب وفق المسألة؛ وهو اثنان، في مخرج الوصية بستة، ومن له شيء من الوصية أخذه مضروباً في وفق المسألة، ومن له شيء من الفريضة أخذه مضروباً في وفقها.
فَإِنْ أَوْصَى بسُدُسٍ وَسُبُعٍ فَاضْرِبْ سِتَّةً فِي سَبْعَةٍ باثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ؛ فَالْبَاقِي تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ لا تَصِحُّ عَلَى أَرْبَعَةٍ، وَلا تُوَافِقُ؛ فَتَضْرِبِ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ فِي أَرْبَعَةٍ بمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَسِتِّينَ
…
يعني: فلو كانت المسألة؛ وهي أن الأولاد أربعة، فأوصى بالسدس والسبع ضربت مقام السدس في مقام السبع لتباينها، باثنين وأربعين فتأخذ سدسها وسبعها، وذلك ثلاثة عشر، تبقى تسعة وعشرون وهي لاتنقسم على أربعة؛ سهام الفريضة، ولا توافقها؛ فتضرب أربعة في اثنين وأربعين بمائة وثمانية وستين، من له شيء من اثنين وأربعين أخذه مضروباً في أربعة، ومن له شيء من أربعة أخذه مضروباً في تسعة وعشرين.
واقتصرنا على حل كلام المصنف هنا؛ لأنه الأهم هنا، وغيره يُعْلَمُ مِنْ كُتُبِ هذا الفن.
الْمَوَانِعُ مِنْهَا اخْتِلافُ الدِّينِ كَالْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ، وَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إِنْ تَحَاكَمُوا إِلَيْنَا
…
للحديث: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم". وفي الصحيح: "لا يتوارث أهل ملتين".
وقوله: (كَالْمُسْلِمِ) على حذف مضاف؛ أي: كدين المسلم؛ ليوافق قوله: (اخْتِلافُ الدِّينِ).
وقوله: (وَالْيَهُودِيِّ
…
) إلى آخره. يعني: وكذلك اختلافا لدين بين اليهودي والنصراني مانع من الإرث إن تحاكموا إلينا، وإن لم يتحاكموا فلا نعرض لهم، وهكذا قال مالك: إن اليهودية ملة، والنصرانية ملة، وما عداهما من الكفر ملة.
وَأَمَّا مَنْ يُظْهِرُ الإِسْلامَ ثُمَّ اطَّلِعَ عَلَى إِسْرَارِهِ زَنْدَقَةً أَوْ كُفْراً أَوْ غَيْرَهُمَا فَقُتِلَ بهَا أَوْ مَاتَ-فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ، وَرَوَى ابْنُ نَافِع أنَّهُ كَالْمُرْتَدِّ، وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُونَ ..
في كلامه نظر؛ لأن قوله: (إِسْرَارِهِ زَنْدَقَةً أَوْ كُفْراً) يقتضي أن الزندقة إسرار غير الكفر، وليس كذلك. ومراده بـ (غَيْرِهِمَا) السحر.
والأظهر رواية ابن نافع؛ لأنا نقتله لأجل الكفر، واختار رواية ابن القاسم أصبغ، والشيخ أبو إسحاق؛ اعتبار بما كان يظهره.
قال القاضي أبو الوليد: ورواية ابن القاسم تقتضي أنه يقتلحداً، ورواية ابن نافع تقتضي: أنه يقتل كفراً.
وَإِذَا تَحَاكَمَ إِلَيْنَا وَرَثَةُ كَافِرٍ وَتَرَاضَوْا كُلُّهُمْ- حَكَمْنَا بحُكْمِ الإِسْلامِ، فَإِنْ أَبَى بَعْضُهُمْ لَمْ يُعْرَضْ لَهُمْ إِلا أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ أَسْلَمَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ؛ يُحْكَمُ لَهُمْ بحْكْمِهِمْ عَلَى مَوَارِيثِهِمْ إِذَا كَانُوا كِتَابيِّينَ، وَإِلا فَبحُكْمِ الإِسْلامِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: بحُكْمِ الإِسْلامِ
…
يعني: أنَّ ورثة الكافر إما أن يبقوا على دينهم، أو يسلم بعضهم بعد موت موروثهم؛ والأول يحكم بينهم إذا ترافعوا إلينا بحكم الإسلام بشرط رضا جميعهم. وهل يشترط رضا أساقفتهم؟ قولان.
وأما الثاني فيحكم بينهم؛ لأجل وجود المسلم. ثم هل يقسم بينهم على حكم الإسلام مطلقاص، وهو قول سحنون، أو بشرط أن يكونوا غير كتابيين، وأما الكتابيون فعلى مواريثهم؟
وَالتَّظَالُمُ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَحْكُمُ السُّلْطَانُ بَيْنَهُمْ فِيهِ
أي: وإن لم يتراضوا، وكما يجب عليه منع المسلمين من ظلمهم كذلك بعضهم من بعض.
وَمِنْهَا الرِّقُّ؛ فَلا يَرِثُ رَقِيقٌ، وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ كَالْقِنِّ لا يَرِثُ وَلا يُورَثَ، وَمَالُهُ لِمَنْ يَمْلِكُ الرِّقَّ مِنْهُ ..
لا خلاف في هذه الجملة عندنا.
وَمِنْهَا الْقَتْلُ؛ فَلا يَرِثُ قَاتِلُ عَمْدٍ مِنْ مَالٍ وَلا دِيَةٍ، فَإِنْ كَانَ خَطَأَ وَرِثَ مِنَ الْمَالِ دُونَ الدِّيَةِ
…
يريد: إلا الولاء فإن المذهب أن قاتل العمد وقاتل الخطأ يرثان الولاء، ويرثه عنهما من يرثهما، وحيث لا يرث فلا يحجحب، وإن ورث من المال حجب فيه.
وهكذا روى الدارقطني؛ لكنه حديث ضعيف؛ وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم فتح مكة فقال: "لا يتوارث أهل ملتين، وترث المرأة من دية زوجها وماله، وهو يرث من ديتها ومالها، ما لم يقتل أحدهما صاحبه عمداً؛ فلا يرث من ماله ومن ديته شيئاً، وإن قتل صاحبه خطأً ورث من ماله، ولم يرث من ديته" رواه محمد بن سعيد عن عمرو بن شعيب، قال: أخبرني أبي عن جدي: قال عبد الحق: ومحمد بن سعيد أظنه المصلوب، وهو متروك عند الجميع.
وفي مراسيل أبي داود: "ولا يرث قاتل عمد ولا خطأ شيئاً من الدية".
وَمِنْهَا اللِّعَانُ؛ فَيَبْقَى الإِرْثُ بَيْنَ الْوَلَدِ وَبَيْنَ أُمِّهِ، وَالتَّوْءَمَانِ شَقِيقَانِ بخِلافِ تَوْءَمَي الزِّنَى فَإِنَّهُمَا لأُمِّ، وَفِي تَوْءَمَي الْمُغْتَصَبَةِ قَوْلانِ
…
لعله ذكر اللعان ليرتب عليه ما بعده؛ لأن المانع إنما يكون إذا كان السبب موجوداً، وأما مع عدمه فلا.
والأظهر في توءمي المغتصبة أنهما كالزنى؛ إذ لا أب لهما شرعاً، ولا يترقب ثبوت نسبتهما منه في المستقبل كما يترقب في توءمي الملاعنة، وكذلك اختلف في توءمي المسبية والمستأمنة.
وَمِنْهَا اسْتِبْهَامُ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ كَالْمَوْتَى فِي سَفَرٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ؛ فَيُقَدَّرُ كُلُّ مِنْهُمْ كَأَنَّهُ غَيْرُ وَارِثٍ، وَلَوْ عُلِمَ الْمُتَقَدِّمُ وَجُهِلَ التَّعْييْنُ كَانَ كَذَلِكَ
يعني: إذا مات قرائب ولم يعلم المتقدم من المتأخر، فذلك يمنع الميراث، وكذلك لو علم المتقدم ولكن جهل تعيينه؛ لأن الميراث لا يكون بالشك.
وهكذا نقل مالك عن غير واحد من علماء المدينة أنه لم يتوارث مَنْ قُتِلَ يوم الجمل ويوم صفين ويوم الحرة ويوم قديد إلا مَنْ عُلِمَ أنه مات قبل الآخر. وقد تقدم في الجنائز أن أم كلثوم رضي الله عنها مات وابنها زيد في فور واحد، وأنهما لم يتوارثا.
وَمِنْهَا مَا يُمْنَعُ مِنَ التَّصَرُّفِ عَاجِلاً؛ وَهُوَ الإِشْكَالُ فِي الْوُجُودِ أَوْ فِي الذُّكُورِيَّةِ أَوْ فِيهِمَا. الأَوَّلُ: الْمُنْقَطِعُ خَبَرُهُ؛ فَيُعَمَّرُ مُدَّةً لا يَعِيشُ إِلَيْهَا غَالِباً، قِيلَ؛ سَبْعُونَ، وَثَمَانُونَ، وَتِسْعُونَ، وَمِائَةً وَيُقَدَّرُ حِينَئِذٍ مَيَّتاً
…
في إدخاله الإشكال في الذكورية هنا نظر؛ لأن مراده بذلك: الخنثى المشكل، وهو لا يمنع من الصرف عاجلاً، بل يوجب نقص الميراث، إلا أن يريد: أنه يتأخر النظر فيه لينظر في أمره.
قوله: (الأوَّلُ) قد تقدم ما في هذه المسألة من الخلاف بأوسع مما ذكره المصنف في باب العِدَّد.
فَلَوْ مَاتَ مَوْرُوثٌ لَهُ-قُدِّرَ حَيّاً وَمَيِّتَاً، وَوُقِفَ الْمَشْكُوكُ فِيهِ، فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةُ التَّعْمِيرِ وَلَمْ يَسْتَبنْ فَكَالْمَوْتَى فِي الْهَدْمِ، فَإِذَا تَرَكَتْ زَوْجاً وَأَمّاً وَأُخْتاً وَأَباً مَفْقُوداً فعَلَى أَنَّهُ حَيٍّ مِنْ سِتَّةٍ، وَعَلَى أَنَّهُ مَيِّتٌ مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إِلَى ثَمَانِيَةٍ، وَتَضْرِبُ الْوَفْقَ فِي الْكَامِلِ بأَرْبعَةٍ وَعِشْرِينَ؛ لِلزَّوْجِ تِسْعَةٌ، وَلِلأُمِّ أَرْبَعَةٌ، وَتُوْقِفُ أَحَدَ عَشَرَ، فَإِنْ ثَبَتَ حَيَاتُهُ أَخَذَ الزَّوْجُ ثَلاثَةٌ، وَالأَبُ ثَمَانِيَةٌ، وَإِنْ تَبَيَّنَ مَوْتُهُ أَوْ مَضَى التَّعْمِيرُ أَخَذَتِ الأُخْتُ تِسْعَةً، وَالأُمُّ اثْنَيْنِ
…
قوله: (فَكَالْمَوْتَى فِي الْهَدْم) أي: فيرث الميت أحياء ورثته، وبَيَّنَ المصنف العمل بقوله: (فَإِذَا تَرَكَتْ
…
) إلى آخره. يريد: أن بتقدير حياة الأب تكون الفريضة إحدى الغراوين؛ للزوج النصف، وللأم ثلث ما بقي. وبتقدير موت الأب؛ يكون للزوج النصف، وللأخت النصف، وللأم الثلث، الفريضة من ستة وتعول إلى ثمانية، والثمانية موافقة للستة بالنصف؛ فتضرب نصف أحدهما في كامل الآخر، بأربعة وعشرين.
فبالضرورة للزوج في حياة الأب أكثر من موته؛ لأن له في الحياة النصف من فريضة غير عائلة؛ فيعطى الحق، وهو ثلاثة أثمان الأربعة والعشرين، وهو تسعة. والأم لها في الفريضة غير العائلة أقل، وذلك سدس؛ وهو أربعة فتبقى أحد عشر، ولا يخفى عليك ما ذكره المصنف.
الثَّانِي: الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ. فَإِنْ بَالَ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ كَانَ أَكْثَرَ أَوْ أَسْبَقَ، أَوْ نَبَتَتْ لِحْيَةٌ، أَوْ خَرَجَ ثَدْيٌ، أَوْ حَيْضٌ، أَوْ مَنِيٍّ-فَلَيْسَ بمُشْكِلٍ إِلا أَنْ يَجْتَمِعَ
هذا هو القسم الثاني من أقسام النوع الأخير، ومذهبنا وهو مذهب الأكثر ثبوت خنثى مشكل، وكلام المصنف ظاهر التصور.
وأنكر بعضهم سبقية البول وكثرته. قيل: ولم يصح عن مالك فيه شيء. وروي عنه أنه قال: ذَكَرٌ زاده الله فرجاً. وروي عن قاسم بن أصبغ عن أبيه: أنه رأى بالعراق خنثى ولد له من صلبه وبطنه.
أبو عبد الله بن قاسم: ورأيت لمالك في بعض التعاليق: إن مثل هذين لا يتوارثان؛ لأنهما لم يجتمعا في ظهر ولا بطن؛ فليسا أخوين لأب ولا لأم.
ابن القاسم: ويمنع النكاح من الجهتين، واختلف في جواز النظر للفرج وعدمه.
وَحَيْثُ حُكِمَ بالإِشْكَالِ فَمِيرَاثُهُ نِصْفُ نَصِيبَيْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى فَتُصَحِّحُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى التَّقْدِيرَاتِ، ثُمَّ اضْربِ الْوَفْقَ أَوِ الْكُلِّ إِنْ تَبَايَنَتْ، ثُمَّ فِي حَالَتَي الْخُنْثَى، ثُمَّ خُذْ مِنْ كُلِّ نَصِيبٍ جْزْءاً يُسَمَّى مُفْرَدُ التَّقْدِيرَاتِ
…
وقوله: (عَلَى التَّقْدِيرَاتِ) أي: تقدير كونه ذكراً ثم كونه أنثى، ثم خذ جزءاً (يُسَمَّى مُفْرَدُ التَّقْدِيرَاتِ) من الاثنين النصف، ومن الأربعة الربع فما اجتمع فهو نصيب كل وارث، وطريقه أن تعمل المسألة على أنه ذكر، ثم تعملها على أنه أنثى، ثم تنظر بين المسألتين بالتوافق والتباين كما تقدم، ثم ما حصل تضربه في حال الخنثى، ثم تقسم لى حال التذكير، ثم التأنيث، ثم تجمع ما حصل لكل وارث، وتنسب واحداً إلى الأحوال الحاصلة، فتعطى لكل وارث.
فلو ترك خنثى وذكراً عاصباً فعلى التذكير من اثنين، وعلى التأنيث من ثلاثة، فتضرب ثلاثة في اثنين بستة، فللخنثى في التذكير ثلاثة، وفي التأنيث اثنان، فيعطى نصفها وهو اثنان ونصف، وكذلك الآخر.
فَلَوْ تَرَكَ خُنْثَيَيينِ وَعَاصِباً فَأَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ تَنْتَهِي إِلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَحَدَ عَشَرَ وَلِلْعَاصِبِ سَهْمَانِ
…
فريضة التذكير من اثنين، وفريضة التأنيث من ثلاثة؛ لهما الثلثان وللعاصب سهم، وكذا إذا قُدِّرَ أحدهما ذكراً والآخر أنثى وبالعكس فتتماثل ثلاث فرائض، فتستغني بأحدها فتضربها في الأخرى بستة، ثم في الأحوال؛ وهي أربعة، بأربعة وعشرين، ثم تقسم؛ فلكل خنثى في التذكير اثني عشر، ولكل منهما في التأنيث ثمانية. وله في تذكيره دون صاحبه ستة.
عشر، وفي العكس ثمانية، تحصل له في الأربعة أربعة وأربعون، فيأخذ ربعها؛ وهو أحد عشر، وكذلك العاصب إنما يصح له في حال واحدة ثمانية، فيأخذ ربعها؛ وهو اثنان.
الثَّالِثُ؛ فِي حَمْلِ الزَّوْجَةِ، فَقِيلَ: يُوقَفُ الْجَمِيعُ وَوَصَايَاهُ حَتَّى تَضَعَ، وَقِيلَ؛ يُتَعَجَّلُ بتَعْجِيلِ الْمُتَحَقَّقِ. قَالَ أَشْهَبُ؛ وَهُوَ الَّذِي لا شَكَّ فِيهِ، وَعَلَيْهِ يُوقَفُ مِيرَاثُ أَرْبَعَةِ ذُكُورٍ؛ لأَنَّهُ غَايَةُ مَا وَقَعَ وَلَدَتْ أُمُّ وَلَدِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ مُحْمَّداً، وَعَمْرَ، وَعَلِيّاً، وَإِسْمَاعِيلَ، بَلَغَ الأَوَّلُونَ الثَّمَانِينَ
…
هذا هو النوع الثالث؛ وهو الشك في الوجود والذكورية، والقول الأول هو المشهور، والثاني أظهر كما قال أشهب.
وليس لقوله: (حَمْلِ الزَّوْجَةِ) مفهوم، بل وكذلك الأمة، وعلى ما اختاره أشهب "يوقف لأربعة ذكور" كما ذكرها المصنف؛ لأنه أكثر ما وقع، والقصة التي ذكرها المصنف هي في الزاهي.
الخاتمة:
وهذا آخر ما قصدنا والله أعلم، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ودعاء لا يسمع، ونفس لا تشبع، أعوذ بك من شر هؤلاء الأربع.
اللهم تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي. أسألك بجاه النبي صلى الله عليه وسلم عيشة سوية، وميتة نقية، وأن تذهب عني الشكوك والاعتراضات، وتعافي قلبي من الوساوس والنزغات، وأن تسلك بنا مناهج أهل السنة.
أسألك التأييد بروح من عندك فيما نريد، كما أيدت أنبيائك ورسلك، واكسنا جلابيب العصمة في الأنفاس واللحظات، واقلع من قلبي حب الدنيا، وأمتني على الإسلام والشهادة، وكذلك كل من كتبه، أو قرأه، أو شيئاً منه، أو سعى فيه. آمين آمين آمين يا رب العالمين.
والله أسأل أن ينفع به، وهو حسبي ونعم الوكيل، والحمد لله رب العالمين.