المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فرع: وهل يبدأ بالجلد قال أشهب: إن شاء بدأ بالجلد أو - التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب - جـ ٨

[خليل بن إسحاق الجندي]

الفصل: فرع: وهل يبدأ بالجلد قال أشهب: إن شاء بدأ بالجلد أو

فرع:

وهل يبدأ بالجلد قال أشهب: إن شاء بدأ بالجلد أو السجن، وظاهر قول ابن القاسم في العتبية الابتداء بالجلد لقوله: يؤتنف حبس سنة من يوم جلد، ولا يحتسب لما مضى، قال ابن القاسم: يكون أول عام الحبس من يوم الجلد، وحمل الباجي ذلك على الخلاف، عبد الملك: ويعتد ما دام اللاطخ الذي سجن فيه، فإذا لزمه جلد مائة ووجه عليه الحكم أزيل عنه الحديد وسجن سنة.

‌الْقَسَامَة:

سَبَبُهَا قَتْلُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فِي مَحَلِّ اللِّوْثِ، فَلا قَسَامَةَ فِي الأَطْرَافِ ولا فِي الْجِرَاحِ ولا فِي الْعَبيدِ والْكُفَّارِ

وقال في "المشارق": القسامة طرح يد الأيمان بين الحالفين.

أشهب: القسامة سنة لا رأي لأحد، وكانت في الجاهلية فأقرها عليه الصلاة والسلام، والأصل فيه ما رواه مالك ومسلم والترمذي وصححه أن عن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم، فأتى محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل، قد قتل وطرح في قفير بئر أوعين، فأتى يهودي فقال: والله أنتم قتلتموه، فقالوا: والله ما قتلناه، فأقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك، ثم قدم هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن، فذهب محيصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كبر كبر" يريد السن، فتكلم حويصة، ثم تكلم محيصة، فقال رسول الله عليه وسلم:"إما أن تودوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب" فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فكتبوا: إنا والله ما قتلناه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن "تحلفون وتستحقون دم صاحبكم"، فقالوا: لا، فقال:"تحلف لكم يهود" فقالوا: ليسوا بمسلمين، [718/أ] فواده رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده،

ص: 186

فبعث إليهم بمائة ناقة. هذا لفظ الموطأ. وفي رواية: أيقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته؟، فقالوا أمر لم نشهده فكيف نحلف؟!

وقوله: (سَبَبُهَا)، جعل السبب مركباً من أربعة أجزاء، فاحترز بالقتل من الجراح، وبالحر من العبد، وبالمسلم من الكافر، وبمحل الموت مما لو قتل لا في محله، واشترط هذه الأجزاء لأن الحديث إنما ورد فيها.

وَاللَّوْثُ مَا يَدَلُّ عَلَى قَتْلِ الْقَاتِلِ بأَمْرٍ بَيِّنٍ مَا لَمْ يَكُنِ الإِقْرَارُ، أَوْ كَمَالُ الْبَيِّنَةِ فِيهِ أَوْ فِي نَفْيهِ

لما ذكر أن القسامة تكون في محل اللَّوث أخذ يبينه، وحاصله أن اللَّوث أمر ينشأ عنه غلبة الظن بصدق المدعي، ولما كان ما يدل على ثبوت الشيء إقرار المدعي عليه وقيام البينة عليه وهما أبين الدلالات احتاج إلى استثنائهما، فإن كل واحد منهما مستقل في إثبات الحكم بدون القسامة.

وقوله: (كَمَالُ الْبَيِّنَةِ) أي: في العدد والعدالة.

وقوله: (أَوْ فِي نَفْيِهِ)، فيعني أن تقوم البينة بنفي ما دل عليه اللوث، كما لو شهد شاهدان بأن زيداص قتل عمراً، وقال عند موته: قتلني بكراً، واعترض بأن البينة إذا قامت بخلاف ما دل عليه اللوث لم يكن دلالة اللوث بينة، إلا أن يقال إن القسامة لما خرجت عن الأصل قد يتهم فيها أن المعارض لا يعتبر.

كَقَوْلِ الْمَقْتُولِ بَالِغاً حُرَّاً مُسْلِماً- عَدْلاً أَوْ مَسْخُوطاً، رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً- قَتَلَنِي فُلانٌ - الْبَالِغُ أَوِ الصَّغِيرُ حُرَّاً أَوْ عَبْداً مُسْلِماً أَوْ ذِمِّيّاً ذَكَراً أَوْ أُنْثَى وَرِعاً أَوْ مَسْخُوطاً- عَمْداً

هذا شروع من المصنف في بيان أمثلته وهي أربعة:

ص: 187

الأول: قول المقتول: دمي عند فلان بشرط أن يكون بالغاً حراً مسلماً، فاحترز بالبالغ من الصبي، والمشهور أن المراهق كالصبي، واحترز بالحر من العبد ونص المذهب نفي القسامة فيه، وإن أقام سيده شاهداً واحداً حلف يميناً واحدة واستحق قيمته، أشهب: ويجلد مائة ويحبس سنة، وإن قال دمي عند فلان، حلف المدعى عليه خمسين يميناً وبرئ، وإن نكل حلف السيد يميناً واحدة واستحق القيمة مع الضرب مائة والسجن سنة، وقال ابن القاسم: يحلف المدعى عليه يميناً واحدة ولاقيمة عليه ولا ضرب ولا سجن، فإن نكل ضرب وسجن وغرم القيمة، وروى أشهب عن مالك مثل قوله إلا ان مالكاً قال: إذا حلف المدعى عليه الأيمان لم يضرب ولم يسجن، وقال أصبغ: يحلف المدعى عليه خمسين يميناً فإن حلف برئ وإن نكل لم يلزمه شيء لا قيمة ولا ضرباً ولا سجناً إلا أن يسجن استبراء، ولابن الماجشون قولان: أحدهما كقول أصبغ هذا إلا أنه قال: ويضرب أدباً ولا يضرب مائة ويسجن سنة إلا من يملك سفك دمه بقسامة أو غيرها، والقول الثاني أنه يضرب مائة ويسجن سنة في قتل المسلم حراً كان أو عبداً، واحترز بالمسلم من الكافر، وحكى ابن زرقون إذا قال المدعي دمي عند فلان المسلم أو أقام أولاً شاهداً أربعة أقوال: ابن القاسم: يحلفون يميناً واحدة ويستحقون الدية، وقال مالكوأشهب وابن عبد الحكم: يحلف المدعى عليه خمسين يميناً ويبرأ، وفي الموازية لابن القاسم: إن لم يكن إلا قوله: دمي فلا قسامة، وإن قام لولاية شاهد بالقتل حلف ولاته يميناً وأخذ الدية وضرب مائة وسجن عاماً، وعن المغيرة أن ولاته يقسمون خمسين يميناً ويستحقون ديته ولو شهد شاهدان على الجرح فبرئ فمات، فإن ولاته يحلفون يميناً واحدة ويستحقون ديته، فإن نكل وليه لمي كن له إلا عقل الجرح إن كان مما فيه عقل، ورواه أصبغ عن ابن القاسم في الواضحة وذكر أنه قول مالك، ولم يوافق المالكية على التدمية إلا الليث، وروى الجمهور أن قبولها يشتمل على قبول قولالمدعي من غير بينة، وقد علم أن الدماء عظيمة

ص: 188

أعظم من الأموال، وهو لو قال عند موته: لي عند فلان كذا لم يقبل، وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عنه عليه الصلاة والسلام:"لو يعطي الناس بدعواهم لادعى الناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه"، ورأى علماؤنا أن هذه الدعوى لا تشابه دعوى المال ولا غيره، لأن هذا أًل قائم بنفسه، ومن تحقق مصيره إلى الآخرة وأشرف على الموت فلا يتهم في إراقة دم مسلم ظلماً، وغلبة الظن في هذا تتنزل منزلة غلبة الظن في الشاهد، وكيف لا والغالب من أحوال الناس عند الموت التوبة والاستغفار والندم على التفريط ورد المظالم، فكيف يتزود من دنياه بقتل النفس، هذا خلاف الظاهر وغير المعتاد، واحتج علماؤنا أياضً ببقرة بني إسرائيل، واعترض عليهم بأن ذلك شرع من قبلنا، أو بأنها معجزة لموسى صلى الله عليه وسلم، وقتيل بني إسرائيل لم يقسم عليه أحد بيمين واحدة ولا خمسين [718/ب] وأجيب بأن المختار أن شريعة من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ، وعن الثاني أن المعجزة إنما هي في إحيائه لا في قبول قول، ولم يحتج في قصة بني إسرائيل لليمين لتيقن الصدق وفيه بحث لا يخفى.

وقوله: (حُرَّاً أَوْ عَبْداً) يعني: أنه لا فرق في المدعى عليه بين أن يكون حراً أو عبداً صبياً أو بالغاً رجلاً أو امرأة عدلاً أو مسخوطاً وهذا هو المشهور، ولو كان المدعى عليه القتل أورع من في زمانه قاله في المدونة، وقال ابن عبد الحكم: لا يقبل قول المسخوط على العدل لبعد دعواه، وظاهر المذهب قبول تدمية المرأة على زوجها، وقال ابن مزين لا يقبل قولها على زوجها؛ لأنه أذن له في ضربها، وقد يتصل بالموت، وظاهر قول المصنف قتلني، أنه لا فرق بين أن يكون فيه جرح أو لا، قيل وهو ظاهر المدونة ورواه ابن وهب عن مالك وقاله أصبغ، وعن ابن القاسم: لاتقبل إلا مع الجرح، المتيطي: ويقول ابن القاسم العمل والحكم، زاد صاحب البيان ثالثاً بالقبول في الشاهد دون التدمية بقوله: وعلى قبول قوله فلا يسجن المدعي عليه ما دام المدعي حياً، لأنه يتهم أن يكون أراد سجنه

ص: 189

بدعواه بخلاف ما إذا ادعى ذلك بجرح ظاهر، وهل يثبت قول المدعي بشاهد واحد في ذلك قولان والأصح عدم القبول.

وَكَذَلِكَ خَطَأً عَلَى الْمَشْهُورِ

أي: وكذلك يقسم الأولياء إذا قال: قتلني فلان خطأٌ، وطرداً للقاعدة، والشاذ أيضاً مروي عن مالك لأنها دعوى في مال.

فَلَوْ قَالَ الْوَرَثَةُ خِلافَ قَوْلِ الْمَيِّتِ فَلا قَسَامَةَ

إذا قال الميت قتلني فلان عمداً، وقال الورثة بل خطأً أو العكس فلا قسامة، لأنه إذا ادعى العمد فقد أبرأ العاقلة وهم قد أبرؤوا القاتل.

وَفِي قَبُولِ رُجُوعِهِمْ إِلَيْهِ قَوْلانِ

الصحيح عدم القبول لأنهم أكذبوا أنسهم وقد تعلق لخصمهم الحق بقولهم أولاً وهو قول أشهب، والقول الآخر لابن القاسم في المجموعة لقوله: إذا ادعوا خلافه فلسي لهم أن يقسموا إلا على قوله.

فَلَوْ قَالَ: قَتَلَنِي وَلَمْ يُبَيِّنْ فَلِلأَوْلِيَاءِ تَبْيِينُهُ

أي: من عمد أو خطأ ويقسمون عليه، فإن أقسموا على العمد قتلوا وإن أقسموا على الخطأ أخذوا الدية وهذا مذهب المدونة، ابن عبد السلام: وهذا هو المشهور، ووقف ابن القاسم في الموازية في العمد وقال: أحب إلي ألا يقسموا إلا على الخطأ، وقال في موضع آخر يكشف عن حاله وعن جراحاته وعن موضعه وعن حال القاتل وعن الحال التي كانت بينهما من العداوة وغيرها فيستدل بذلك حتى يظهر سبب يقسمون عليه حينئذ ويقتلون، فإن لم يظهر من ذلك عمد ولا خطأ لم يقبل قول الأولياء في عمد ولا خطأ

ص: 190

كقول المقتول، لأن السنة إنما جاءت في قول المقتول، واستحسنه اللخمي على أن في عد هذا والذي قبله خلاف نظر، ولهذا نقل ابن راشد فيها الاتفاق على ما ذكره المصنف.

فَإِنِ اخْتَلَفُوا فِيهِمَا حَلَفَ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى مَا ادَّعَى وَوَجَبَتْ دِيَةُ الْخَطَأِ لِلْجَمِيعِ

أي: إذا مات ولم يبين واختلف الورثة، فقال بعضهم: عمداً وقال بعضهم: خطأً، ففي المدونة: إن حلفوا كلهم استحقوا دية الخطأ بينهم أجمعون ولا سبيل إلى القتل، وقال أشهب في الموازية: بل لمن أقسم على الخطأ نصيبهم من الدية على العاقلة، ولمن أقسم على العمد نصيبه من القاتل.

اللخمي: وهو أحسن، ولا شيء لمدعي العمد على العاقلة، وينبغي أن يكون نصيبهم من الدية على العاقلة بمنزلة ما لو قال بعضهم خطأً ونكل بعضهم، قيل له فإن رجع الذين قالوا عمداً إلى دية الخطأ، قال مالك: ذلك لهم، وأباه أشهب.

ابن رشد: والقياس أن يبطل الدم ولا قسامة؛ لأن العاقلة تنازع مدعي الخطأ بأن الميت لم يقله، والقاتل ينازع مدعي الدم لأن الميت أيضاً لم يقله.

اللخمي: وهذا إذا استوت منازلهم فكانوا بنين أو إخوة أو أعماماً، واختلف إذا اختلفت منزلتهم، ففي الموازية: إذا اختلفت ابنة وعصبة فقال: عصبته عمداً أو ابنته خطأً، أن دمه هدر ولا قسامة ولا قود ولا دية؛ لأنه إن كان عمداً فذلك للعصبة ولم يثبت لهم ذلك الميت، وإن كان خطأ ففيه الدية ولم يَثْبِت أنه خطأ، ويقسم المدعي عليه ما قتله عمداً أو يحزر دمه، قال محمد: إن ادعى العصبة كلهم أنه عمد فلينظر إلى قول ورثته من النساء لأنه لا عفو للنساء مع الرجال وإن قال العصبة كلهم خطأ، وقال النساء عمداً أقسم العصبة خمسين يميناً وكان لهم نصيبهم من الدية انتهى.

ص: 191

فَلَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ: عَمْداً، وَالْبَاقُونَ: لا نَعْلَمُ بقَتْلِهِ، أَوْ نَكَلُوا-فَلا قَسَامَةً، بخِلافِ مَا لَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ: خَطَأً-حَلَفُوا وَأَخَذُوا أَنْصِبَاءَهُمْ مِنَ الدِّيَةِ

إذا قال بعضهم قتله عمداً، قوال بعضهم لا نعلم حال القتل من عمد أو خطأ، أو قال جميعهم عمداً ونكلوا أو بعضهم فلا قسامة ويبطل الدم وهذا مذهب المدونة، وفي العتبية لابن القاسم ان لمن قال عمداً أن يحلفوه ويستحقوا نصيبهم من الدية، وجعل ذلك بمنزلة عفو بعضهم بعد ثبوت الدم واختاره [719/أ] اللخمي.

قوله: (بخِلافِ

إلخ) أي: قال بعضهم خطأً ونكل الباقون أو قالوا لا علم لنا، وحذف ذلك لدلالة ما قبله، حلفوا أي مدعو الخطأ وأخذوا نصيبهم من الدية، ولا شيء للناكلين أو غير العالمين؛ لأن دعوى الخطأ مال، فلا يبطل حق بعضهم بنكول بعض، وقال الأبهري: القياس ألا يمكنوا من الحلف ويلزموا لو غاب بعض الورثة في قتل الخطأ، فإن المذهب أن من حضر يحلف خمسين يميناً ويأخذ نصيبه من الدية ولو كان زوجاً.

فَإِنْ نَكَلَ مُدَّعُو الْخَطَأِ فَلا قَسَامَةَ لِمُدَّعِي الْعَمْدِ وَلا دِيَةَ

يعني: إذا قال المقتول قتلني فلان ولمي بين، فقال بعضهم عمداً وبعضهم خطأً ثم نكل مدعو الخطأ فلا قسامة لمدعي العمد ولا دية، لأن الدية إنما وجبت لهم إذا حلف مدعو الخطأ بالتبعية؛ لأنهم إنما يدعون الدم، ابن عبد السلام: وهذا يظهر على مذهب ابن القاسم فيما إذا لم ينكلوا لأنه غلب هناك دية الخطأ، وأما على قول أشهب إن نكل واحد من المدعين يأخذ نصيبه على ما ادعاه من عمد أو خطأ بلا تبعية فينبغي أن يقسم مدعو الدم ويأخذوا نصيبه من الدية.

ص: 192

وَفِي قَتْلِ الأَبِ بالْقَسَامَةِ- إِنْ قَالَ أَضْجَعَنِي وَذَبَحَنِي أَوْ بَقَرَ بَطْنِي-قَوْلانِ لابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَإِلا فَالدِّيَةُ

يعني: إن قال الابن قتلني أي على صفة يجب معها القصاص، فقال ابن القاسم: يفسخ أولياؤه ويقتلون الأب، وقال أشهب: لا قسامة هنا، والأول أحسن لو ذكر هذا فرعاً على قول ابن القاسم، فيقال وكذلك لو قال الابن أضجعني أبي وذبحني، ولا يتعرض لمذهب أشهب، لأن المصنف قد تقدم عنه أن الأب لا يقتل بابنه بحال ولو مع الإقرار.

وقوله: (وَإِلا فَالدِّيَةً) أي: وإن لم يصف الابن القتل بالصفة التي توجب القتل فلا يقتل الأب، هذا أعم من أن يقول قتلني خطأ أو عمداً، ولا يذكر الصفة ولا يذكر الصفة (وأل) في الدية للعهد، فتجب دية الخطأ في دعوى الخطأ، ودية العمد المغلظة في دعواه العمد، وهكذا نص عليه ابن القاسم.

وَكَثُبُوتِ الْجِرَاحِ أَوِ الضَّرْبِ أَوِ الْقَطْعِ مُطْلَقاً، وَالإِقْرَارِ بذَلِكَ عَمْداً بشَاهِدَيْنِ أَوْ بشَاهِدٍ ثُمَّ يَمُوتُ بَعْدَ أَيَّامٍ، وَلَوْ أَكَلَ وَشَرِبَ يُقْسِمُ: لَمِنْ ضَرْبِهِ مَاتَ

هذا هو المثال الثاني للوث، فإذا ثبت الجرح أو الضرب أوالقطع بشاهدين كان ذلك عمداً أو خطأً، وهو مراده بالإطلاق فلأوليائه أن يقسموا ويقتلوا في العمد ويأخذوا مال الدية في الخطأ، ولهم أن يدعوا القسامةويقتصوا من الجراح في العمد ويأخذوا ديته في الخطأ.

وقوله: (وَالإقْرَارِ) أي: إقرار المقتول بأن يقول جرحني عمداً.

وقوله: (بشَاهِدَيْنِ) راجع إلى الجميع؛ أي: إلى الجرح والضرب والإقرار بذلك عمداً، ويحتمل أن يكون قوله:(بشَاهِدٍ أَوْ بشَاهِدَيْنِ) راجعاً إلى الإقرار به فقط، ويرجح هذا أن الثبوت لا يستعمل غالباً إلا مع شاهدين، ويرجح الأول أنه لو حمل على هذا لزم مخالفة المشهور، لأن مذهب المدونة أن الضرب إذا شهد به شاهد يقسم معه، قال فيها:

ص: 193

وإن شهد شاهد أنه ضربه وعاش الرجل وتكلم وأكل وشرب ولم يسألوه أين دمك حتى مات ففيه القسامة، وقال ابن الماجشون وابن القاسم في رواية يحيى: لا تجب القسامة بالشاهد الواحد، وما ذكره المصنف من قبول الشاهد على إقرار المقتول عمداً نص عليه أشهب، ونقل عن ابن القاسم في العتبية والموازية أنه لا يقسم م شاهد على قول الميت.

وقوله: (وَلَوْ أَكَلَ وَشَرِبَ) مبالغة؛ أي: ولو أكل وشرب لَمِن ضربه مات، وهو ظاهر في الشاهدين، واما الشاهد الواحد فلابد أن يحلفوا يميناً واحدة ليثبت الضرب ويقسمون خمسين يميناً، لكن هل تفرد اليمين أو لا؟ ومجمع يمينين من الخمسين قد يجري على الحقوق المالية في الاستحقاق بشاهد واحد، هل يجمع بين فصل يصحح شهادة الشاهد وفصل الاستحقاق، أو يحلف لكل واحدة يميناً مستقلة؟ فانظر.

وَالإِقْرَارُ بذَلِكَ أَوْ بقَتْلِهِ خَطَأً بشَاهِدَيْنِ

يعني: وللأولياء أيضاً القسامة إذا أقر بالقتل خطأً بشاهدين، وحاصله أن الإقرار في الخطأ مخالف للإقرار في العمد، لأنه قدم أن الإقرار في العمد يطلب بشاهد، فإن قيل: فما الفرق، قيل: لأن قول الميت في الخطأ يجري عندهم مجرى الشهادة لأنه شاهد على العاقلة، والشاهد لا ينقل عنه إلا اثنان بخلاف العمد، فإن المقتول إنما يطلب بثبوت الحكم لنفسه وهو القصاص، فإن قيل: فلم لم يحمل الإقرار بذلك على إقرار القاتل، قيل لأنه لو حمل على ذلك لزم التكرار في كلامه لأنه سيقول، ولو شهد على إقراره بذلك شاهد واحد كان كالمقتول، والله أعلم.

وَفِيهَا فِي الْعَدْلَيْنِ يَخْتَلِفَانِ فِي صِفَةِ الْقَتْلِ: كُلُّ ذَلِكَ لا يُقْسِمُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُقْسِمُ عَلَى أَحَدِهِمَا

كما لو شهد أحدهما أنه قتله بالسيف والآخر بالحجر، فلا يقسم على شهادة هذا أو شهادة هذا لتعارض الشهادتين فتسقطان ولا يبقى إلا مجرد الدعوى، وهذه المسألة نص

ص: 194

عليها في المدونة في الديات وفي كتاب القذف، ففي القذف وإن شهد عليه رجل أنه ذبح فلاناً، والثاني أنه أقر عندي أنه حرقه بالنار فالشهادة باطلة، والقول الثاني لسحنون، قال: هذا إذا ادعى شهادتهما جميعاً، وأما إن ادعى شهادة أحدهما أولاً ففيه القسامة.

فقوله: (يُقْسِمُ عَلَى أَحَدِهِمَا)[719/ب] مقيد بأن يقوم أحدهما أولاً، والشيخ أبو محمد صالح: وليس له أن يدعي أحدهما بعدما ادعاهما، وهو ظاهر لأن تركهم القيام بإحدى الشهادتين بصير الأخرى كالعدم.

ابن عبد السلام: واختلف قول سحنون في الشاهد يجرحه شاهدان بأمرين مختلفين كالزنى وشرب الخمر، هل تجمع عليه الشهادتان ويحكم بجرحته أم لا؟ ولا يبعد هنا مثل ذلك إذا ترك الأولياء خصوص الوصفين اللذين يشهد بهما الشاهدان وطلب القصاص بالسيف.

وَكَالْعَدْلِ فِي مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ لا غَيْرِ الْعَدْلِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَكَذَلِكَ إِقْرَارُهُ عَمْداً، وَقِيلَ: وَالنَّفَرُ غَيْرُ جَائِزٍ فِي الشِّهَادَةِ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، وَقِيلَ: وَالْوَاحِدُ غَيْرُ الْعَدْلِ، وَقِيلَ: وَالْمَرْأَتَانِ، وَقِيلَ: وَالْمَرْأَةُ

هذا المثال الثالث من أمثلة اللوث، والمشهور مذهب المدونة أن غير العدل ليس بلوث.

وقوله: (وَكَذَلِكَ إِقْرَارُهُ عَمْداً) يعني: وكذلك لو قام شاهد واحد على إقرار القاتل فإنه لوث إن كان عدلاً وإن لم يكن عدلاً فليس بلوث، هذا مقتضى التشبيه، ولا خلاف أن الشاهد على القتل لوث إذا لم يكن القاتل قتل غيلة، واختلف في الغيلة، فروى ابن القاسم: لا يقسم مع شهادته، ولا يقتل في هذين إلا بشهادتين.

أبو محمد: ورأيت ليحيى بن عمر أنه يقسم معه، واختلف في شهادة الواحد على إقراره، فقال ابن القاسم في الموازية لا يكون الاشهدان على إقراره، وقال أشهب: يقسم الولاة مع الشاهد.

وقوله: (وَقِيلَ

إلخ) تصوره ظاهر.

ص: 195

وَكَالْعَدْلِ يَرَى الْمَقْتُولَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ وَالْمُتَّهَمَ بقُرْبِهُ عَلَيْهِ آثَارُ الْقَتْلِ

هذا المثال الرابع من أمثلة اللوث، ويكون في المتهم الرفع على الابتداء والنصب بالعطف على المقتول من التلطيخ بالدم وشبهه، وحكى ابن سهل أن العمل جرى عندهم بأن هذا ليس بلوث، واشتراط المصنف هنا العدالة ظاهر ولم أرى من صرح بذلك، واختلف في القتيل يوجد بين الصفين وفيمن وجد في محلةقوم أو مسجدهم وسيأتي الكلام عليهما، وليس موت الرجل عندنا في المزاحمة لوثاً يوجب القسامة بل هدر، وخلافاً للشافعي في قوله: بل تجب فيه القسامة وتجب الدية.

وَفِي الْعَدْلِ بالْجُرْحِ أَوِ الضَّرْبِ أَوْ بِمُعَايَنَةِ الْقَتْلِ دُونَ ثُبُوتِ الْمَوْتِ لِلْقَتِيلِ قَوْلانِ

أي: في كون العدل يشهد بالجرح أو الضرب أو بمعاينة القتل دون ثبوت الموت بالقتيل قولان، والقول بنفي القسامة لمحمد، وقال أصبغ: ينبغي ألا يعجل السلطان فيه بالقسامة حتى يكشف فلعل سبباً أثبت من هذا، فإذا بولغ في الاستيناء قضى بالقسامة مع الشاهد بموته، وتعتد زوجته وأم ولده، الابجي: بعد القولين، وقد قيل: يقتل قاتله بالقسامة ولا يحكم بالتوريث في زوجته ورفيقه وهو ضعيف، ابن عبد السلام: والأصح أنه لابد من ثبوت الموت لاحتمال بقائه حيّاً.

وَأَمَّا الْعَبْدُ وَالصَّبيُّ وَالذِّمِّيُّ فَلَيْسَ بلَوْثٍ

نقل ابن المواز اتفاق مالك وأًحابه على ذلك، ونقل عبد الوهاب أن من أصحابنا من يجعل شهادة العبيد والصبيان لوثاً، فإن كان مراده الجميع فترجع إلى القول الذي قدمه المصنف بقوله: والنفر غير جائز في الشهادة، وإن كان مراده الأفراد فيكون خلافاً لكلام المصنف، ولهذا الاحتمال لم يذكر الشيخ خلافاً ولا وفاقاً.

ص: 196

وَإِذَا انْفَرَدَ اللَّوْثُ فَلا بُدَّ مِنَ الْقَسَامَةِ كَمَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى الْمَوْتِ، وَقَالَ الْمَقْتُولُ: قَتَلَنِي فُلانِّ

هكذا في المدونة ولا يعلم فيه خلافاً، ونبه المصنف بذلك على أن قول من يقول من أهل المذهب أن الموت كالشاهد ليس على حقيقته، فلذلك لا يليق ويحكم بالقتل دون قسامة.

وَإِذاَ انْفَصَلَتْ قَبيلَتَانِ عَنْ قَتْلَى لا يُدْرَى الْقَاتِلُ، فَرُوِيَ: الْعَقْلُ عَلَى كُلِّ فَرْقَةٍ لِلْمُصَابِ فِي الأُخْرَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمَا فَالْعَقْلُ عَلَيْهِمَا، وَرُوِيَ: الْقَسَامَةُ، وَرَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِلَى قَوْل مَالِكٍ فِيهِمْ: لا قَسَامَةَ وَلا قَوَدَ؛ يَعْنِي: بِمُجَرَّدِهِ، وَأَمَّا لَوْ ثَبَت لَوْثٌ فَالْقَسَامَةُ

الرواية الأولى مذهبه في الموطأ وعليه جماعة خارج المذهب وهي أظهر، لأن الغالب إن كان من طائفة منهما أن القاتل له من غير طائفته، وإن كان من غيرهما فيحتمل أن تقتله الطائفتان أو إحداهما ولا ترجيح، وعلى كل تقدير فتكون ديته عليهما لأنهما قد تظافرتا عليه.

وقوله: (عَلَى كُلِّ فِرْقَةٍ) أي: في أموالهم، قاله مالك ومحمد، وهي مقيدة بما إذا لم يعرف القاتل بعينه، وأما إن عرف فيقتص منه، قاله مالك في الموازية.

والرواية الثانية في الجلاب.

والرواية الثاثلة التي رجع إليها ابن القاسم هي قوله في المدونة وغيرها، واختلف في فهمها ففسرها ابن القاسم في العتبية والمجموعة بما قاله المصنف، يعني: بمجرده فقال: إنما معنى قول مالك لا قسامة فيمن قتل بين الصفين إذا لم يدعِ الميت دمه عند أحد ولا قام بذلك شاهد، وأما إن ادعى أو شهد شاهد فالقسامة، وهو قول أِهب ومطرف وابن الماجشون وأصبغ. أشهب: لأن كونه بين الصفين لم يزد دعواه إلا قوة، وقيل هي محمولة على ظاهرها من نفي القسامة، ولو ادعى أو شهدله شاهد وهو مروي أيضاً عن ابن القاسم وخطأه ابن المواز؛ لأن المدعي قوله: ولا شاهد يقتضي ذلك ولو كان من غير الطائفتين،

ص: 197

وتأوله صاحب البيان بتأويل لكنه لم يجزم به، بل قال: يحتمل أن يريد إذا كان [720/أ] الشاهد من طائفة المدعي وإلا فبعيد أن تنتفي القسامة مع شاهدين من غير الطائفتين وقيل: معناها لا قسام ةفي التدمية لما يقسم من العداوة بخلاف الشاهد، وهذا كله إذا كان القتال بين الصفين بنائرة أو عصبية من غير تأويل كانتا باغيتين، ولم تكن إحداهما زاحفة والأخرى دافعة، فدم الزاحفة هدر ودم الأخرى قصاص، وإن كانت إحداهما باغية والأخرى متأولة، وقتل من الباغية فهو هدر ودم المتأولة قصاص، وإن كانتا متأولتين فدمهما هدر ولا قود ولا دية قاله ابن القاسم، وروي عن مالك معناه، وذهب أصبغ إلى أنه يقتصر منه مطلقاً سواء تاب أو أخذ قبل أن يتوب.

وَلَوْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَتَلَ وَدَخَلَ فِي جَمَاعَةٍ فَقِيلَ: يُسْتَحْلَفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسِينَ يَمِيناً وَيَغْرَمُونَ الدِّيَةَ بلا قَسَامَةٍ، وَقِيلَ: لا شَيْءَ عَلَيْهِمْ ..

الأول لابن القاسم: وإن نكل بعضهم كانت الدية عليها فقط، وفيه نظر؛ لأن يمين الحالف أنقض عنه الغرم إذا حلف بعضهم ولم تسقطعنه إذا حلف جميعهم، والقول الثاني لسحنون وهو أقرب.

وَلَوْ وُجِد الْقَتِيلُ فِي قَرْيَةِ قَوْمٍ أَوْ دَارِهِمْ فَلَيْسَ بِمُجَرَّدِهِ لَوْثاً

علله مالك في المجموعة بأنه لو أخذ بذلك لم يشأ رجل أن يلطخ قوماً بذلك إلأا فعل؛ لأن الغالب أن من قتله لا يترك بموضع هو به، واختار بعض شيوخنا أن يكون لوثاً في قتل حويصة ومحيصة، هي وجود مسلم ببلد الكفار، وأنه لا ينبغي أن يختلف في ذلك.

وَالْقَسَامَةُ: أَنْ يَحْلِفُ الْوَارِثُونَ الْمُكَلِّفُونَ فِي الْخَطَأِ وَاحِداً كَانَ أَوْ جَمَاعَةً ذَكَراً أَوْ أُنْثَى خَمْسِينَ يَمِيناً مُتَوَالِيَةً عَلَى الْبَتِّ وَلَوْ كَانَ أَعْمَى أَوْ غَائِباً

لما انقضى كلامه على سبب القسامة أتبعه بتفسيرها، وبدأ بالخطأ إما لأنه أعم إذ يحلف فيه الرجال والنساء، وإما لأنه الموافق للأصل إذ لا يحلف فيه إلا المستحق.

ص: 198

وقوله: (الْوَارِثُونَ الْمُكَلِّفُونَ) أي: كل وارث مكلف دل على ذلك قوله: (وَاحِداً كَانَ أَوْ جَمَاعَةً)، واشترط المصنف التوالي كابن شاس لأنه أرهب.

وقوله: (عَلَى الْبَتِّ وَلَوْ كَانَ أَعْمَى) نحوه في المدونة والعمى لا يمنع من تحصيل أسباب العلم مع عشيرة في صاحبه.

وَتُوَزَّعُ الأَيْمَانُ عَلَى الْمِيرَاثِ، وَيُجْبَرُ كَسْرُ الْيَمِينِ عَلَى ذِي الأَكْثَرِ مِنَ الْكَسْرِ، وَقِيلَ: عَلَى الْجَمِيعِ كَمَا لَوْ تَسَاوَى الْكَسْرُ عَلَيْهِمْ ....

أما توزيع الأيمان على الميراث فظاهر؛ لانه سبب لحصوله، فإن انكسرت يمين فإما أن يتساوى الكسر أو يختلف، فإن تساوى حلف واحد يمينان.

ابن الجلاب: ويحتمل أن يحلف واحد فقط، وحكى ابن أبي زمنين قولان بالتساوي بالقرعة، كثلاث بنين فيحلف كل واحد منهم سبع عشرة يميناً، وأشار بقوله: كما لو تساوى الكسر، وإن اختلف فالمشهور أنه يحلفها أكثرهم نصيباً من اليمين المنكسرة، فإذا كان ابن وبنت حلف الابن ثلاثاً وثلاثين، وحلفت البنت سبعة عشرة؛ لأن لها نصيباً من اليمين المنكسرةثلثها، وقيل: يحلف كل واحد كالتساوي، وفي المقدمات ثالث: يحلف صاحب الأكثر من الابنين فيحلفها الأب في المثال المفروض.

ثُمَّ مَنْ نَكَلَ أَوْ غَابَ فَلا يَاخُذُ غَيْرَهُمَا حَتَّى يَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِيناً ثُمَّ مَنْ حَضَرَ حَلَفَ حِصَّتَهُ

لأن الدية لا تلزم العاقلة إلا بعد ثبوت الدم، فإذا حضر الغائب حلف حصته فقط، وحكى في المقدمات إذا نكل مدعوا الخطأ أو بعضهم خمسة أقوال:

الأول: أن الأيمان ترد على العاقلة، يحلفون كلهم لو كانوا عشرة آلاف والقاتل أجل منهم، فمن حلف لم يلزمه شيء، ومن نكل لزمه ما يجب عليه، وهو أحد قولي ابن القاسم، وهذا أبين الأقاويل وأصحها في النظر.

ص: 199

والثاني: أنه يحلف من العاقلة خمسون رجلاً يميناً واحدة فإن حلفوا برؤوا وبرئت العاقلة من جميع الدم، وإن حلف بعضهم برئ من حلف منهم، ولزم من بقية العاقلة الدية كاملة حتى يتموا خمسين يميناً وهذا قول ابن القاسم.

والثالث: أنهم إن نكلوا فلا حق لهم، وإن نكل بعضهم فلا حق لمن نكل ولا يمين على العاقلة؛ لأن الدية لم تجب عليهم بعد وإنام تجب عليهم بالفرض، قاله ابن الماجشون.

والرابع: أن اليمين ترجع على المدعى عليه وحده، فإن حلف برئ، وإن نكل لم يلزم العاقلة بنكوله شيء؛ لأن العاقلة لا تحمل الإقرار، والنكول كالإقرار، وإنما هو بنكوله شاهد على العاقلة، رواه ابن وهب عن مالك.

والخامس: أن الأيمان ترد على العاقلة، فإن حلفت برئت، وإن نكلت عن اليمين غرمت نصف الدية، قاله ربيعة، هو على ما روي عن عمر رضي الله عنه في قضائه على السعدين.

وَلا يَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ عَصَبَةً

أشار ابن القاسم وأشهب وعبد الملك إلى أن ذلك كالشهادة، ولا يقتل بأقل من شاهدين، ألا ترى أنه لا يحلف النساء في العمد إذ لا يشهدون فيه، ويحتمل أن يعلل المنع بظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: أتحلفون، فأتى بصيغة الجمع وأقل الجع اثنان عند مالك، نقله عنه في البيان.

وقوله: (عَصَبَةً) أي: عصبة القتيل وسواء ورثوا أم لا.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمَوَالِي

المولى الأعلى: واحد العصبة لكن هو أبعد العصبة، وعلى هذا فمراده بالعصبة أولاً العصبة من النسب.

ص: 200

فَإِنْ لَمْ [720/ب] تَكُنْ رُدَّتِ الْيَمِينُ، فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِيناً

فإن لم تكن عصبة ولا موالي ردت اليمين على المدعى عليه، فإن حلف برئ من الدعوى وضرب مائة وسجن عاماً، وإن نكل حبس حتى يحلف خمسين يميناً، وظاهره تأبيد حبسه وهو كذلك، ابن عبد السلام: وقد وقع في ذلك خلاف على تفصيل تركناه خوف الإطالة، فمن أراده فلينظر المقدمات.

وَلا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ فِي الْعَمْدِ

أي: في قسامة العمد.

فَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ وُزِّعَتْ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ اجْتُزِئَ بالْخَمْسِينَ عَلَى الأَصَحِّ

كما لو كان له ولدان فيحلف كل واحد خمسة وعشرين.

ابن عبد السلام: فإن طاع أحدهما أن يحلف أكثر من الأيمان لم يجز ذلك، هكذا قالوا، وكذلك إن كانوا ثلاثة حلف كل واحد منهم سبع عشرة، وكذلك يتوزعون الأيمان إلا أن يزيدوا على خمسين فالأصح، وهو قول ابن القاسم والمغيرة وأشهب وابن الماجشون، الاكتفاء بخمسين منهم لأن الزيادة على ذلك زيادة على سنة القسامة، وغير الأصح حكاه ابن رشد عن ابن الماجشون أيضاً إلا أنه قال: رايته في كتاب مجهول أنه لابد أن يحلف كل واحد منهم يميناً وإلا لم يستحقوا الدم، وفي المقدمات: وإن تساوت حظوظهم من الأيمان المنكسرة كثلاثة إخوة أو اثنين وثلاثين أخاً؛ لأنه وجب على كلٍ يمين وثلثان ففيه اختلاف، وذهب ابن القاسم إلى أنه يجبر الكسر كل واحدٍ منهم فيحلف الثلاثون يمينين، ويحلف كل من الثلاثة سبع عشرة يمينان، وخالف أشهب فقال: يحلف الثلاثون أخاً يميناً يميناً، ثم يقال لهم: ائتوا بعشرين رجلاً منكم يحلفون عشرين يميناً، وكذلك إن كان

ص: 201

بعددهم أكثر من خمسين حلفوا على مذهب ابن القاسم، وحلف كل منهم خمسين على مذهب أشهب.

وَفِي الاجْتِزَاءِ باثْنَيْنِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْهُمَا قَوْلانِ لابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ

ضمير (مِنْهُمَا) يعود على الاثنين؛ أي: إذا كان ولاة الدم أكثر من اثنين سواء كانوا خمسين أو أقل أو أكثر فقال ابن القاسم: يتجزئ بحلف اثنين منهم، وقيده الشيخ أبو محمد بأن يطيعا بذلك، ولم يكن ذلك ممن لم يحلف نكولاً، وقال أشهب والمغيرةوابن الماجشون: لابد أن يحلفاو كلهم، ولا يجوز حلف بعضهم.

فَإِنْ كَانَ وَاحِداً اسْتَعَانَ بوَاحِدٍ مِنْ عَصَبَتِهِ

أي: إن كان ولي الدم واحداً استعان بواحد من عصبته؛ أي: بمن يلقاه في أبٍ معروف يوازيه، قال في المقدمات: فإن وجد رجلاً واحداً حلف كل واحد منهما خمس وعشرين يميناً، وإن وجد رجلين أو أكثر قسمت الأيمان بينهم على عددهم، فإن رضوا أن يحلفوا عقد منها أكثر ما يجب عنه زاد ما لم يزد على خمس وعشرين، وإن كان للقتيل وليان فأراد أن يستعينا في القسامة بغيرهما من الأولياء الذين دونهم في المرتبة فذلك جائز، وتقسم بينهم على عددهم، فإن رضي المستعان بهم أن يحلف كل واحد منهم أكثر مماي جب عليه فذلك جائز، ولا يجوز لأحدهما أن يحلف أكثر من خمس وعشرين، وإذا حلف كل واحد من الوليين ما يجب عليه من الأيمان إذا قسمت على عددهم، فلا بأٍ أن يحلف بعض المستعان بهم أكثر من بعض، وإن حلف أحدهم خمساً وعشرين ثم وجد صاحبه من يعينه، فإن الأيمان الذي حلف المستعان به لا تكون محسوبة للمستعين بأن تقسم بين الوليين، وإن لم تقسم بينهما وحسبت كلها للمستعين، يحلف ما بقي من الخمس وعشرين فيزاد عليه حتى يستكمل نصف ما بقي من الخمسين يميناً بعد الأيمان التي حلفها المستعان به محسوبة لا تقسم بينه وبين صاحبه.

ص: 202

وَلا يُنْتَظَرُ الصَّغِيرُ إِلا يُوجَدَ حَالِفٌ فَيَحْلِفُ نِصْفَهَا وَالصَّغِيرُ مَعَهُ فَيُنْتَظَرُ، فَإِنْ عَفَا فَلِلصَّغِيرِ حِصَّتُهُ مِنَ الدِّيَةِ لا أَقَلَّ

يعني: إذا كان للميت وليان خلاف الصغير الصغير إما في درجة واحدة أو بالاستعانة لم ينتظر الصغير وأقسما وقتلا، وإن لم يكن إلا واحد انتظر بلوغه ويحلف الكبير الآن النصف، ولا يؤخره؛ لأنه قد يموت أو يغيب قبل بلوغ الصغير فيبطل الدم.

قوله: (وَالصَّغِيرُ مَعَهُ) أي: حالة اليمين لأنه أرهب والجملة في محل حال، ثم إن عفا الكبير صح عفوه، ووجب للصغير نصيبه من الدية، أي: دية عمد لا أقل منها، وظاهر كلام المصنف انتظار الصغير وإن بعد بلوغه، وهو مذهب المدونة، ابن عبد السلام: وه والمشهور، وكذلك ظاهر المدونة أيضاً انتظار الغائب، وعن سحنون: أن قرب بلوغ الصغير وانتظار الغائب، وإن بعد لم ينتظر، وتأول أبو عمران المدونة على أن الغائب ينتظر بخلاف الصغير، وفيه نظر وعكسه أحسن.

وَنُكُولُ الْمُعَيَّنِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ

لأنه لا حق له في الدم، ولأنه يتهم أن يرشى، وإذا نكل المعين ولم يكن ولي الدم إلا واحد، فإن وجد من يستعين به غير هذا، وإلا فقد بطل الدم.

وَأَمَّا نُكُولُ غَيْرِِ الْمُعَيَّنِ فَإِنْ كَانَ مِنَ الْوَلَدِ أَوِ الإِخْوَةِ سَقَطَ الْقَوَدُ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمْ عَلَى الْمَشْهُورِ

يعني: وأما نكول غير الأولياء الذين هم في القودسواء، فإن كانوا أولاداً أو إخوة سقط القود بالاتفاق، واختلف في غيرهم كالأعمام وبنيهمومن هو أبعد، فالمشهور سقوط القود أيضاً، وهكذا صرح الباجي بمشهوريته والشاذ [721/أ] لا يسقط إلا باجتماعهم، وقال ابن نافع: إن كان على وجه العفو حلف من بقي وكنات له الدية، وإن

ص: 203

كان على وجه التورع حلف من بقي وقتلوا، قال: فمن الشيوخ من يحمله على التقييد ويقول: لا خلاف أن النكول إن كان تورعاً فلا خلاف أن لمن بقي أن يقسم ويقتل، ومنه من يحمله على الخلاف ويقول: إذا نكل أحد الأولياء عن القسامة فلا سبيل إلى القسامة كان نكوله عفواً أو تورعاً وهو الأظهر، وفرق ابن القاسم بين أن يكون العفو قبل القسامة فيبطل القتل والدية، أو بعدها فيبطل القتل ويكون لمن بقي حظهم من الدية، وأبطل ابن الماجشون الدية مطلقاً، والنكلو عن القسامة عند جميعهم كالعفو.

وَالرُّجُوعُ بَعْدَ الْيَمِينِ وَقَبْلَ الْقَتْلِ كَالنُّكُولِ

يعني: إذا أكذب أحد الأولياء نفسه بعد الأيمان فذلك كالنكول، فإن كان الراجع ابنا أو أخا سقط القود، وكذلك العم وابنه على المشهور، هذا مقتضى التشبيه، وفي المقدمات: إن عفا أحد الأولياء بعد ثبوته بالبينة والقسامة أو أكذب نفسه بعد القسامة فثلاثة أقوال:

الأول: لابن الماجشون: أن الدم والدية يبطلان ولا يكون لمن بقي شيء من دية ولا قصاص.

الثاني: لمن بقي من الأولياء حظه من الدية.

الثالث: إن عفا كان لمن بقي حظوظهم وإن أكذب نفسه لم يكن للباقين شيء من الدية، وإن كانوا قبضوها ردوها، وهومذهب ابن القاسم في المدونة وغيرها، قال: فيأتي علىهذا في بطلان الدية بعفو أحد الأولياء عن الدم ثلاثة أقوال:

الأول: لابن الماجشون: أنه يبطل ولا شيء لمن بقي.

الثاني: أن لمن بقي حصته من الدية بغير قسامة إن كان العفو بعد ثبوت الدم أو قسامة إن كان العفو قبلها.

ص: 204

الثالث: تفرقة ابن القاسم بين أن يكون العفو بعد ثبوت الدم او قبله، وساوى ابن القاسم بين العفو والنكول عن اليمين قبل القسامة، وفرق بعد القسامة من عفو أحد الأولياء أو تكذيبه لنفسه، كعفوه عن الدم قبلها لا شيء لمن بقي على ما ذكرناه.

وَعَلَى سُقُوطِ الْقَودِ فَفِي رَدِّ اليَمِينِ إِلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ أَيْمَانِ الْبَاقِي وَاسْتِحْقَاقِهِمُ الدِّيَةَ-رِوَايَتَانِ ....

أي: إذا فرعنا على سقوط القود في النكول والرجوع، فروي عن مالك أن الأيمان ترد على المدعى عليه ويسقط الدم والدية، وروي عنه أن لمن بقي أن يحلف ويأخذ حظه من الدية. ابن عبد السلام: والظاهر الأول.

فَإِنْ نَكَلَ فَثَلاثَةٌ: الْحَبْسُ حَتَّى يَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِيناً وَلَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ، وَالدِّيَةُ، وَالْحَبْسُ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يَطُولَ

أي: فإن نكل المدعى عليه على القول بتوجيه اليمين عليه ففي المسألة ثلاثأقوال، وتصورها من كلامه ظاهر وأظهرها الأول، لأن طلب منه أمر يسجن بسببه فلا يخرج إلا بعد حصول ذلك المطلوب، وقوله في القول الثاني:(وَالدِّيَةُ) أي: في ماله، والقول الثالث: جار علىمسائل الطلاق والعتق.

قوله: (وَلَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ)، اختلف في استعانة المدعى عليه على ثلاثة أقوال:

الأول: نفي الاستعانة. ابن عبد السلام: وهو مذهب المدونة ومطرف.

والثاني: قول ابن القاسم في المجموعة: أن الأيمان ترد على المدعى عليهم ويحلف معهم المتهم، وهذا القول الذي ذكره المصنف بقوله: وله أن يستعين، وحمل أبو الحسن المدونة عليه، وهو ظاهر الرسالة.

ص: 205

والثالث: لابن القاسم في العتبية والماوزية: أن ولاة المدعى عليه بالتخيير بين أن يحلفوا الأيمان كلها أو يحلفها المتهم وحده، وليس لهم أن يحلفوا بعضها ويحلف هو بقيتها، والأول أظهر ولا يخفى وجهه.

وَكَذَلِكَ لَوْ رُدَّتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَنَكَلَ

لما ذكر حكم نكول بعض الولاة ذكر نكول الجميع، وأشار بذلك إلى جريان الأقوال الثلاثة.

فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَمَاعَةً حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسِينَ يَمِيناً

لأن كل واحد منهم على البدل مرتهن بالقتل، وهل لكل منهم الاستعانة؟ يجري على الخلاف المتقدم.

وَحُكْمُهَا: الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ

لما ذكر أسباب القسامة وحقيقتها، أخذ فيما يترتب عليها من الأحكام.

وقوله: (الْقَوَدُ) يعني: في العمد لقوله عليه الصلاة والسلام: "أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم" وكلامه ظاهر.

وَلا يُقْتَلُ بهَا إِلا وَاحِدٌ خِلافاً لِلْمُغِيرَةِ

لأن القسامة فيها ضعف من الإقراروالبينة، ولما في مسلم في بعض طرق الحديث:"يقسم خمسين منكم على رجل منهم"، قال في الموطأ: ولم نعلم قسامة كانت قط إلا علىرجل واحد، وقاس المغيرة ذلك على الشهادة، ابن القاسم في الموازية والمجموعة: وإن وجب لقوم دم رجل بقسامة، فلما تقدم للقتل أقر غيره أنه قتله، إن شاءوا قتلوا المقر بإقراره، وإن شاءوا قتلوا الأول بالقسامة، ولا يقتلوا إلا واحد.

ص: 206

وَعَلَى الْمَشْهُورِ يَكُونُ مُعَيَّناً بالْيَمِينِ، وَإِنْ كَانَ اللَّوْثُ عَلَى الْجَمَاعَةِ بخِلافِ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ لا يُقْسَمُ إِلا عَلَى جَمِيعِهِمْ، وَتُوَزَّعُ الدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ فِي ثَلاثِ سِنينَ، وَقَالَ أَشْهَبُ: أَوْ يَخْتَارُونَهُ بَعْدَ يَمِينِهِمْ عَلَى الْجَمَاعَةِ

أي: إذا بنينا على أنه لا يقتل بها إلا واحد، فالمشهور أن القسامة لا تكون إلا على معين وهو الذي يريدون قتله، [721/ب] ابن القاسم عن مالك في الموازية والمجموعة: وإذا أقسموا عليه قالوا: في القسامة لمات من ضربه، ولا يقولون من ضربهم.

وقوله: (وَإِنْ كَانَ اللَّوْثُ عَلَى الْجَمَاعَةِ) ظاهره أنه مبالغة وليس بظاهر، لأن فرض المسألة أن اللوث على جماعة.

قوله: (بخِلافِ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ لا يُقْسَمُ إِلا عَلَى جَمِيعِهِمْ، وَتُوَزَّعُ الدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ فِي ثَلاثِ سِنِينَ) هكذا في المدونة ففيها: والفرق بين العمد والخطأ يقول: الضرب منا أجمعين، فلا تخصوا عاقلتي بالدية ولا حجة له في العمد انتهى.

ولا فرق على مذهب ابن القاسم بين أن يكون الضرب واحداً أو متعدداً، وقال سحنون: إن كان الضرب واحداً كقوم حملوا صخرة فالقسامة على جميعهم، والخطأ والعمد في ذلك سواء، وإن كان الضرب مفترقاً فلا يقسم إلا على واحد منهم، إذ لا يمكنه أن يقتله اكثر من واحد.

وقوله: (وَقَالَ أَشْهَبُ: أَوْ يَخْتَارُونَهُ) هذا مقابل قوله أول المسألة: (يَكُونُ مُعَيَّناً بالْيَميِنِ)، ودلت (أَوْ) من قول المصنف:(أَوْ يَخْتَارُونَهُ)، على أن أشهب يخير في الأمرين وهو كذلك، وخيره أيضاً في ثالث وهو أن يقسموا على اثنين وأكثر، وفي قول أشهب لأنهم إذا أقسموا على الجميع ثم اختاروا واحداً أيكون من الترجيح فلا رجح؛ إذ ليس أحدهم بأولى من الآخر، وقيد ابن رشد هذا الخلاف بأني حتمل موته أن يكون على أحدهم وإن لم يحتمل ذلك، كما لو رموا عليه صخرة لا يقدر بعضهم على رفعها، فلا اختلفا أنهم يقسمون عليهم كلهم ثم يقتلون من شاءوا منهم.

ص: 207

أصبغ: فإن رمى بدمه نفراً فأخذ واحد وسجن وتغيب من بقي، فأراد الأولياء بقاؤه حتى يجدوا من غاب فيختارون من يقسموا عليه، وقال المسجون: إما أقسمتم علي أو أطلقتموني فذلك له ويستأنى به بقدر ما يطلبون، ويرجى الظفر بهم ويتلوم لهم في ذلك، فإن تم التلوم وحبس سنة، وإن لم يحلفوا حلف خمسين يميناً، فإن نكل سجن حتى يحلف، قالوا: وإن شاءوا صالحوا المسجون على مال ثم لهم القسامة على من شاءوا وسجن الصالح سنة بعد أن يضرب مائة.

وَمَنْ أَقَرَّ بقَتْلٍ خَطَأٍ فَإِنْ كَانَ كَأَخٍ أَوْ صَدِيقٍ مُلاطِفٍ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لأَنَّهُ يُتَّهَمُ بإِغْنَاءِ وَرَثَتِِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيداً وَكَانَ عَدْلاً فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، بقَسَامَةٍ فَإِنْ لَمْ يُقْسِمُوا فَلا شَيْءَ لَهُمْ

تصوره ظاهر والمسألة في المدونة في الديات وفي الصلح، ولا إشكال في عدم قبول قوله: إذا كان يتهم، وأما البعيد فالدية على العاقلة، قال في المدونة: إذا كان ثقة مأموناً ولم يخف أن يرشى، وعبر المصنف عن ذلك بالعدالة، وحكى ابن الجلاب في هذه المسألة أربع روايات: الأولى: مذهب المدونة وهو ما ذكره المصنف أن الدية على العاقلة بقسامة. الاثنية: أنها على المقر له ي ماله بقسامة. الثاثة: أنه لا شيء عليه ولا على العاقلة. الرابعة: يقضي عليه وعلى عاقلته، فما أصابه غرمه وما أصاب العاقلة سقط عنها.

وَلَوْ شَهِدَ عَلَى إِقْرَارِهِ بذَلِكَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ كَانَ كَالْمَقْتُولِ

أي: على إقراره أي: القاتل، ومقتضى التشبيه أنه لا يفيد الشاهد الواحد لأنه قال: والإقرار بذلك أو بقتله خطأ بشاهدين، وقد اختلف في الشاهد الواحد على إقرار القاتل بالتقل عمداً أو خطأ على ثلاثة أقوال: الأول: أنه يقسم في العمد والخطأ، الثاني: لا قسامة فيهما، الثالث: يقسم في العمد دون الخطأ وإليه ذهب سحنون وعليه أصلح المدونة.

ص: 208

ابن رشد: وهو أظهرها إذ قيل أن إقرار القاتل خطأ ليس بلوث يوجب القسامة، فكيف إذا لم يثبت قوله وإنما شهد به واحد.

وَلَوْ شَهِدَ مَعَ إِقْرَارِه شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَالْقَسَامَةُ أَيْضاً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ كَالْمَقْتُولِ

يعني: ولو شهد واحد بالقتل فلابد بالقسامة، ومراده إذا أقر القاتل بالقتل خطأ، وأما في العمد فإنه يقتل بإقراره.

وقوله: (مِنْ غَيْرِ تَفْصيلٍ) بين أن يكون قريباً أو بعيداً كالمقتول؛ أي: كما إذا تعدد اللوث مع قول المقتول.

وَفِيهَا: لا قَسَامَةَ فِي الْجِرَاحِ وَلكِنْ مَنْ أَقَامَ عَدْلاً عَلَى جُرْحِ عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ حَلَفَ يَمِيناً وَاحِدَةً وَاقْتَصَّ أَوْ أَخَذَ الْعَقْلَ، وَقَالَ مَالِكٌ حِينَ اسْتُشْكِلَ الْعَمْدُ: إِنَّهُ لَشَيْءٌ اسْتَحْسَنَّاهُ وَمَا سَمِعْنَا فِيهِ شَيْئاً

قد تقدم الكلام علىهذا ولعل المصنف أتى به هنا لأحد أمرين: أولهما ليتوصل بذلك إلى الفرع الذي بعده، وإما لأنه لمافرغ مما فيه القسامة شرع فيما لا قاسمة فيه من الجراح والكافر والعبد والجنين تصور كلامه ظاهر.

وقوله: (اسْتُشْكِلَ) هو مبني لما لم يسمَّ فاعله؛ لأن المُسْتَشْكِل ابن القاسم، وقال ابن عبد الحكم: لا أرى ذلك في العمد.

قوله: (أَوْ أَخَذَ الْعَقْلَ) راجع إلى الخطأ.

فَإِنْ نَكَلَ قِيلَ لِلْجَارِحِ: احْلِفْ وَابْرَا، فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ

أي: فإن نكل من قام له شاهد بالجرح، قيل للجارح: احلف فإن حلف برئ وإن نكل سجن حتىيحلف، وكان ابن القاسم يقول: يقتص به ثم رجع، وقال ابن القاسم أيضاً: فإن طال حبسه ولم يحلف عوقب وأطلق إلا أن يكون متمرداً فليخلد في السجن.

ص: 209

وَلَوْ أَقَامَ النًّصْرَانِيُّ عَدْلاً أَنَّ وَلِيَّهُ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ أَوْ نَصْرَانِيٌّ حَلَفَ يَمِيناً وَاحِدَةً [722/أ] وَاسْتَحَقَّ الدِّيَةَ

قد تقدم هذا الفرع أول القسامة.

وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ

قد تقدم أيضاً.

وَالْجَنِينُ الرَّقِيقُ وَالْجَنِينُ كَالْجُرْحِ لا كَالنَّفْسِ، وَلِذَلِكَ لَوْ أَلْقَتْ جَنِيناً مَيْتاً، وَقَالَتْ: دَمِي وَجَنِينِي عِنْدَ فُلانٍ وَمَاتَتْ كَانَتِ الْقَسَامَةُ فِي الأُمِّ وَلا شَيْءَ فِي الْجَنِينِ

مراده بـ (الْجَنِينُ) ثانياً: الحر.

قوله: (كَالْجُرْحِ) أي: فيمن أقام شاهداً واحداً حلف واستحق الغرة في الجرح وعشر قيمة الأم في الرقيق، فقوله:(وَالْجَنِينُ الرَّقِيقُ) مبتدأ، وقوله:(وَالْجَنِينُ) عطف عليه، و (كَالْجُرْحِ) الخبر، وإنام بين هذا وإن كان واضحاص لأن بعض الناس لم يتبين له هذا.

وقوله: (وَلِذَلِكَ) أي: ولأجل أن الجنين كالجرح (لَوْ أَلْقَتْ جَنِيناً مَيْتاً، وَقَالَتْ: دَمِي وَجَنِينِ عِنْدَ فُلانٍ كَانَتِ الْقَسَامَةُ فِي الأُمِّ وَلا شَيْءَ فِي الْجَنِينِ)؛ لأنه بمنزلة ما لو قال: جرحني فلان وذلك غير مسموع.

وَلَوْ ثَبَتَ الأمْرَانِ بعَدْلٍ وَاحِدٍ فَالْقَسَامَةُ فِي الأُمِّ وَيَمِينٌ وَاحِدَةٌ فِي الْجَنِينِ

الأمران موتها وخروج الجنين ميتاً بعدل، فالقسامة في الأم لأنها نفس، ويحلف ولي الجنين فيه يميناً واحدة يوستحق ديته لأنه كالجرح، فلو استهل أقسم عليه أيضاً، وقد تركنا كثيراً من الفروع؛ لأن الغرض حل كلام المصنف ولقلة وقوعه، والله أعلم.

ص: 210