الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع أنواع التفسير
روي ابن جرير الطبري رحمه الله عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:
«التفسير أربعة أنواع:
الأول: تفسير يعرف من كلام العرب.
الثاني: تفسير لا يعذر أحد بجهالته.
الثالث: تفسير لا يعلمه إلا العلماء.
الرابع: تفسير لا يعلمه إلا الله تعالى».
فأما الذي يعرف من كلام العرب فهو الذي يحتاج إلي رجوع إلي لغة العرب والنظر إلي مدلول الألفاظ التي يراد تفسيرها في استعمال العرب، مثل قوله تعالى: والْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة 228](فلفظ القرء هنا من الألفاظ المشتركة بين الحيض والطهر، ولا يحسم الأمر فيه إلا الرجوع إلي الاستعمال الأكثر ولا يعرف هذا إلا من لغة العرب الذين نزل القرآن بلغتهم).
وأما الذي لا يعذر أحد بجهالته فمثاله معظم آيات الأمر والنهي والحلال والحرام وآيات العقيدة .. وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ [البقرة: 83]، ولا تَقْرَبُوا الزِّني [الإسراء: 22]، ولا تَنْكحُوا ما نَكحَ آباؤُكمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ [النساء: 22]، ولا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الأنعام: 151]، لا تَأْكلُوا الرِّبَوا [آل عمران: 130] (.. فهذه الآيات لا يعذر أحد بجهالتها إذ واضح أن الأمر فيها يوجب القيام بمقتضاه، والنهي يوجب الانتهاء.
وكذلك قوله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد: 19]،
واضح في الدلالة على وحدانية الله عز وجل والأمر باعتقادها.
وأما الذي لا يعلمه إلا العلماء: فهو المتشابه أي الذي يحمل أكثر من معني، مثل قوله تعالى: نِساؤُكمْ حَرْثٌ لَكمْ فَأْتُوا حَرْثَكمْ أَنَّي شِئْتُمْ [البقرة: 222].
والذَّارِياتِ ذَرْوًا (1) فَالْحامِلاتِ وِقْرًا (2)[الذاريات: 1 - 2].
والْمُرْسَلاتِ عُرْفًا (1)[المرسلات: 1].
فلفظ (أني) هنا معناه متشابه، هل هو «كيف» أم «حيث» أم «متي»
…
والذاريات، والحاملات، والمرسلات، والعاصفات، أيضا معانيها متشابهة هل هي الرياح أم الملائكة، ولا يستطيع ترجيح معنى هنا إلا العلماء العارفين بالقرائن، وبالسياق وغير ذلك من أصول الترجيح.
وأما الذي لا يعلمه إلا الله فهو المتشابه من الآيات التي اشتملت على غيبيات استأثر الله بعلم تفاصيلها لنفسه، كموعد قيام الساعة ونزول المطر وتحديد الآجال.
يَسْئَلُونَك عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكراها (43)[النازعات: 42 - 44].
وهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكمْ بِاللَّيْلِ ويَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكمْ فِيهِ لِيُقْضي أَجَلٌ مُسَمًّي ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكمْ بِما كنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60)[الأنعام: 60].
وهذه الأنواع الأربعة للتفسير تدور كل الآيات القرآنية في فلكها وفائدة ذكرها: أن يعلم المتعرض لتفسير القرآن أنه لا يستطيع تفسير جميع الألفاظ القرآنية فمنها ما استأثر الله بتفسيره، ومنها ما لا يعلمه إلا العلماء، ومنها ما يحتاج إلي رجوع لكلام العرب
…
فإن أحسن واحدا من تلك الأنواع خاض فيه، وإلا فالكف والتورع يكون له أهدي سبيلا.