الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس مصادر علم التفسير
إن لكل نهر نبعه وروافده التي يستمد منها ماءه فيجري، ولما كان القرآن الكريم هو كلام الله عز وجل الذي تنفد الأقلام ولو كانت كل ما في الأرض من شجر، والمحابر ولو كانت بحارا يمد بعضها بعضا قال تعالى: ولَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ والْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكيمٌ (27)[لقمان: 27].
لهذا كان التفسير بحرا عظيما ولا بد له من مصادر يستمد منها مادته، وقد تكلم العلماء عن مصادره، ويعنون بها العلوم اللازمة للمفسر عند تفسير القرآن الكريم ومن كلامهم نستطيع أن نقول إن مصادر التفسير كالآتي:
[1]
اللغة والاشتقاق: ونعني بذلك معرفة الألفاظ القرآنية واستعمالاتها في لغة العرب وهذا ما يسمي بعلم أصول اللغة، فها هو ابن عباس رضي الله عنهما برغم فصاحته إلا أنه يقرر أنه توقف في تفسير بعض الآيات حتى عرفها من كلام العرب، يقول:(ما كنت أعرف معنى فاطر حتى سمعت رجلين يختصمان في بئر وكل منهما يقول أنا فطرتها أي أنشأتها)(1)، ويقول - أيضا -: ما كنت اعرف معنى قوله تعالى: مَتاعُ الْغُرُورِ حتى سمعت فتاة تقول لأمها غررت يا أماه فقالت لها أمها: تمتعي تمتعي، فعلمت أن الدنيا لا تساوي عند الله تعالى الخرقة التي تنظف المرأة بها فرجها من دم الحيض).
ومما يتصل بمعرفة الألفاظ ومد لولاتها في الاستعمال: معرفة المترادف والمشترك وغير ذلك فهذا مهم جدا للوصول إلي الفهم الدقيق.
(1) انظر: الإتقان في علوم القرآن 1/ 113 وتأويل مختلف الحديث ص 20.
[2]
النحو والصرف: لأن فهم المعنى يتوقف في كثير من الأحيان على معرفة الإعراب ويقع الذين يجهلون هذين العلمين في أغلاط شنيعة إذا تصدوا للتفسير، كما حدث لبعضهم في تفسير قوله تعالى: يَوْمَ نَدْعُوا كلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فقد فهم أن (إمام) جمع (أمّ) وأن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم دون آبائهم، قال الزمخشري:(وهذا غلط أوجبه جهله بالتصريف فإن (أما) لا تجمع على (إمام)(1).
[3]
الأدب وعلوم البلاغة: وهذه العلوم تعين المفسر وتغذي التفسير بأوجه الإعجاز البيانية، والجمال الفني في التعبيرات القرآنية، وذوق هذه الأشياء لا يتأني إلا من الاشتغال بالأدب وعلوم البلاغة (بيانها وبديعها ومعانيها)(2).
قال صاحب الكشاف رحمه الله: «من حق مفسر كتاب الله الباهر، وكلامه المعجز، أن يتعاهد بقاء النظم على حسنه والبلاغة على كمالها، وما وقع به التحدي سليما من القادح» (3).
[4]
علم الآثار: ونعني به المأثور من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ومن كلام الصحابة والتابعين وأئمة التفسير في القرآن وهذا المأثور أحق ما يستمد منه تفسير القرآن بعد تفسير القرآن بالقرآن.
[5]
علم القراءات: ونعني تنوع القراءات لأنه يفيد معان متجددة في الغالب، فيستمد التفسير من اختلاف القراءات مادة ثرية كلما قلب المفسر في أوجهها المختلفة، مع مراعاة ثبوتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[6]
علم أصول الفقه: لأن المفسر لا يخلو من التعرض لتفسير الآيات القرآنية التي ذكر فيها بعض الأحكام الشرعية، فكان لا بدّ من رجوعه إلي أصول
(1) انظر: الزمخشري: الكشاف 2/ 459.
(2)
انظر: المرجع السابق 1/ 15.
(3)
انظر: تفسير الطبري 1/ 51.
الفقه لإتقان عملية الاستنباط للأحكام الشرعية من الآيات.
[7]
علم العقيدة: فالقرآن الكريم قد أصّل بناء العقيدة السليمة ونقاها مما شابها من أدران الشرك، فالمفسر بدوره يتعرض لشرح الأمور العقدية التي تضمنتها الآيات القرآنية من التدليل على ثبوت الألوهية والربوبية والرسالات، والبعث والجزاء، والجنة والنار، ومناقشة عقائد المشركين الفاسدة.
[8]
علم التاريخ: لأن القرآن الكريم قد تعرض لقصص الأمم السابقة، ووجه الهدف نحو استخلاص العبرة والعظة منها، وقصص القرآن أحسن القصص كما قال تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْك أَحْسَنَ الْقَصَصِ [يوسف: 3]، (وذلك لامتيازه بالصدق والواقعية، وللقصة تأثير خطير على القارئ والسامع مهما كان مستواه الثقافي، فالإنسان يجد - أحيانا - نفسه في تلك القصة، ويتذكر مواقف تعرض لها ربما تشبه هذا القصص، فتنغمس روحه في بحور من الراحة والسعادة، وقد يكون في القصة ما يوحي بحل إشكال وقف أمامه زمنا طويلا عاجزا لا يدري ما يصنع.
[9]
العلوم الكونية: ونعني بها العلوم التي تعنى بدراسة الكون من طب للإنسان والحيوان أو للظواهر الطبيعية كالسحاب والرعد والبرق والمطر .. أو لطبقات الأرض والجبال ومكوناتها .. أو غير ذلك، يستعين بها المفسر في شرح الآيات القرآنية التي ورد فيها ذكر شيء من تلك الظواهر الكونية وما أكثرها في القرآن الكريم.
وبالجملة فكل علم محترم شرعا يعتبر من مصادر علم التفسير التي يستمد منها مادته، ولكن يراعي أنه يجب على المفسر وهو يستمد من تلك العلوم أن لا يكثر من تفريع هذه العلوم داخل التفسير، فهي موجودة في مظانها ومصنفاتها، ويحسن به أن يأخذ منها فقط ما يعينه على توضيح المعنى المراد.