الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس عشر العام والخاص والمشترك
لقد اشتمل القرآن الكريم في ألفاظه على ألفاظ متنوعة لكل منها دلالة معينة، فمن الألفاظ ما هو عام يفيد الشمول والاستغراق ويسمي العام، وقد يطرأ على هذا العموم ما يخرج بعض الأفراد التي شملها العام، وهذا يسمي الخاص، ومن الألفاظ ما يكون له في أصل اللغة أكثر من الاستعمال وهذا يسمي المشترك.
ومن الاصول المهمة للتفسير معرفة تلك الدلالات حتى لا يقع المفسر في الخطأ وهو يفسر، فربما يخرج أفرادا من حكم لا وجه لإخراجهم، أو يعمم حكما هو لحالات أو أفراد مخصوصين بأعيانهم، أو يفسر لفظا يجزم بأن معناه كذا، مع أنه مشترك له عدة معان، وسنقف مع كل أصل من هذه الأصول وقفة يسيره بإذن الله لمعرفة تلك الدلالات.
أولا: العام:
[1]
تعريف العام: هو ما وضع وضعا واحدا لكثير غير محصور (1):
مثل: قوله تعالى: والسَّارِقُ والسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما [المائدة: 38] وأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وحَرَّمَ الرِّبا [البقرة: 275] وفَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [المجادلة: 3].
فلفظ السَّارِقُ والسَّارِقَةُ عام في كل من سرق، والبيع والربا عام في البيوع والربويات، ورقبة عام تشمل كل رقبة مؤمنة وغير مؤمنة ذكر أو أنثي.
[2]
صيغ العموم (2): للعموم صيغ مستعملة تدل عليه نذكر منها:
لفظ (كل) مثاله كلُّ امْرِئٍ بِما كسَبَ رَهِينٌ [الطور: 21].
(1) انظر: الاتقان في علوم القرآن 3/ 41.
(2)
انظر: إرشاد الفحول ص 115، كشف الأسرار شرح أصول البزدوي 2/ 9.
لفظ (جميع) مثاله وسَخَّرَ لَكمْ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [الجاثية: 13].
اسم الشرط مثاله:
مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها [النساء: 85].
الأسماء الموصولة:
الَّذِينَ يَأْكلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا [البقرة: 275].
وَأُحِلَّ لَكمْ ما وَراءَ ذلِكمْ [النساء: 24].
وَما آتاكمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7].
النكرة الواقعة بعد النفي:
وَلا تُصَلِّ عَلي أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَدًا [التوبة: 84].
النكرة الموصوفة بوصف عام:
وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِك [البقرة: 221].
قَوْلٌ مَعْرُوفٌ ومَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذيً [البقرة: 263].
الجمع المعرّف باللام الاستغراقية:
وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ [البقرة: 228].
الجمع المعرف بالإضافة:
خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة: 103].
حُرِّمَتْ عَلَيْكمْ أُمَّهاتُكمْ [النساء: 23].
المفرد المعرف بأل الاستغراقية
الزَّانِيَةُ والزَّانِي فَاجْلِدُوا كلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور: 2].
أسماء الاستفهام:
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة: 245].
هذه أهم صيغ الألفاظ التي تفيد العموم، فإذا رأى المفسر شيئا منها في سياق حمله على مقتضى دلالة اللفظ أي العموم ما لا يرد مخصص.
[3]
أنواع العام: (1)
لقد تحدث الإمام الشافعي رحمه الله في الرسالة - وغيرها - عن أنواع العام من الألفاظ وهي ثلاثة:
العام الباقي على عمومه ومثاله:
قول الله تعالى: اللَّهُ خالِقُ كلِّ شَيْءٍ وهُوَ عَلي كلِّ شَيْءٍ وَكيلٌ (62)[الزمر: 62].
حُرِّمَتْ عَلَيْكمْ أُمَّهاتُكمْ [النساء: 23].
العام الذي يراد به الخصوص أصلا مثل:
وَلِلَّهِ عَلَي النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران: 97].
فلفظ النَّاسِ عام يطلق على المؤمن وغير المؤمن ولكن المراد به خاص وهو المؤمن ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ومَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ [التوبة: 120] .. (فهذا عام أريد به الخصوص وهم القادرون على الجهاد، أما العجزة ومن لا يقدرون على الخروج فهم غير مقصودين ..
العام الذي يجمع العموم والخصوص مثاله:
إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ كتابًا مَوْقُوتًا [النساء: 103] (فلفظ الْمُؤْمِنِينَ جمع معرف بأل الاستغراقية فأفاد العموم لكن فيه خصوص دلت عليه السّنّة في قوله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ
…
) الحديث (2).
وقال تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكمْ مِنْ ذَكرٍ وأُنْثي وجَعَلْناكمْ شُعُوبًا وقَبائِلَ
(1) انظر: الرسالة للشافعي ص 53 - 62.
(2)
رواه أحمد في المسند برقم (940) 1/ 116 من حديث علي بن أبي طالب.