الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث العشرون التفسير العقلي (بالرأي)
لا شك أن العقل من أهم مميزات الإنسان على غيره من المخلوقات، وقد دعا القرآن الكريم إلي التدبر وإعمال العقل كثيرا، وأفضل ما تعمل العقول في تدبره كتاب الله تعالى، الذي قال في الحكمة من إنزاله: وأَنْزَلْنا إِلَيْك الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ولَعَلَّهُمْ يَتَفَكرُونَ (44)[النحل: 44].
لهذا توجهت عقول أهل الحرص على فهم كتاب الله تعالى نحوه، حتى شكلت اتجاها من اتجاهات التفسير عرف بالتفسير العقلي، أو التفسير بالرأي، وسوف نتناوله في النقاط التالية:
الأولي: معنى التفسير بالرأي:
هو عبارة عن النتاج الفكري الذي ينتج عن الاجتهاد في تفسير كتاب الله عز وجل. فإن كان مضبوطا بأصول التفسير وقواعده فهو الرأي المحمود، وإلا فهو المذموم.
الثانية: موقف العلماء من التفسير بالرأي (1):
لقد انقسم العلماء في موقفهم من التفسير بالرأي إلي فريقين، فريق تشدّد فمنع تماما تفسير القرآن بالرأي مهما كان علم المفسر ومعرفته بأصول التفسير، وفريق على عكس ذلك، يرون أن من كان ذا أدب وعلم يجوز له أن يفسر كتاب الله تعالى برأيه واجتهاده، ولكل فريق أدلة.
أدلة المانعين: قالوا:
[1]
إن التفسير بالرأي قول على الله بغير علم، والقول على الله بغير علم
(1) انظر التفسير والمفسرون 1/ 246 - 253، وانظر القرطبي في مقدمة تفسيره.
منهي عنه فيكون التفسير بالرأي منهي عنه لقوله تعالى وأَنْ تَقُولُوا عَلَي اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ وهو معطوف على محرمات قبله قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ [الأعراف: 33].
[2]
كما استدل المانعون بقوله تعالى: وأَنْزَلْنا إِلَيْك الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ولَعَلَّهُمْ يَتَفَكرُونَ (44)[النحل: 44] فقد أضاف البيان إليه صلى الله عليه وسلم فعلم أنه له وليس لغيره بيان شيء من معاني القرآن.
[3]
واستدلوا أيضا بما ورد في السّنّة من تحريم القول في القرآن بالرأي مثل:
ما رواه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم، فمن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار» (1)(وما رواه الترمذي - أيضا - وأبو داود عن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ» (2).
[4]
كما استند المانعون إلي الآثار الواردة عن السلف من الصحابة والتابعين تفيد مدي تحرّجهم من القول في القرآن بآرائهم، كالذي ورد من أبي بكر رضي الله عنه:
(لأن تضرب عنقي ولا أقول في القرآن برأيي) وما ورد عن سعيد بن المسيب أنه كان إذا سئل عن الحلال والحرام أجاب، وإذا سئل عن تفسير آية من القرآن سكت، .. وغير ذلك من الآثار التي تفيد تحرجهم من التفسير بالرأي.
أدلة القائلين بالجواز:
[1]
استدلوا بالآيات الكثيرة الداعية إلي التدبر والتفكر وإعمال العقل في فهم القرآن من ذلك قوله تعالى: كتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْك مُبارَك لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ [ص: 29]
…
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلي قُلُوبٍ أَقْفالُها (24)[محمد: 24]،
(1) رواه الترمذي، وقال حديث حسن، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي برقم 2951.
(2)
رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم 2952.
وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَي الرَّسُولِ وإِلي أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: 83] (
…
ووجه الدلالة في الآيات أن الله تعالى حث على تدبر القرآن والاعتبار بآياته، وبين أن في القرآن ما يستنبطه أولوا الألباب باجتهادهم، ويصلون إليه بإعمال عقولهم، فكيف يمنع ويحظر الطريق الموصّل إلي شيء تعبدنا الله عز وجل به.
[2]
قالوا لو كان التفسير بالرأي غير جائز لما كان الاجتهاد جائزا، ولتعطّل كثير من الأحكام، وهذا باطل واضح البطلان.
[3]
استدلوا بما ثبت من أن الصحابة قرءوا القرآن، واختلفوا في تفسيره على وجوه، ولو كان التفسير بالرأي محظورا، لكان هذا مخالفا من الصحابة ومعاذ الله أن يكونوا قد خالفوا.
[4]
قالوا - أيضا - إن النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا لابن عباس قائلا: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) فلو كان التأويل مقصورا على السماع والنقل فقط لما كان هناك فائدة لتخصيص ابن عباس بهذا الدعاء.
ولم يكتف القائلون بالجواز بإيراد أدلتهم، بل قاموا بتفنيد أدلة المانعين وأجابوا عنها، وخلاصة جوابهم عنها:
أن النبي صلى الله عليه وسلم وإن أضيف إليه البيان في الآية إلا أنه لم يثبت عنه تفسير القرآن لفظا لفظ اعتمادا على فهم الناس يومئذ وسلامة سليقتهم، كما أن ما ورد من النهي محمول على من قال برأيه في المشكل من القرآن ونحوه مما لا يعلم إلا عن طريق النقل، وهو محمول أيضا على الرأي الذي يغلب على صاحبه من غير دليل يستند إليه، أما الرأي الذي يشهد له الدليل ويشدّه البرهان فجائز، وما ورد عن السلف من آثار تفيد تحرّجهم فهي محمولة على ورع واحتياط منهم، ويحمل إحجامهم على أنه كان مقيدا بما لم يعرفوا وجه الصواب فيه، أما إذا عرفوا وجه الصواب فيه فلم يكونوا يتحرجون من إبداء ما يظهر لهم ولو
بطريقة الظن، فهذا أبو بكر رضي الله عنه يقول - وقد سئل عن الكلالة -:«أقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان غير ذلك فمني ومن الشيطان: الكلالة كذا وكذا» ، وهناك أجوبة أخرى عن أدلة المانعين تدل على أن من أحجم من السلف عن التفسير بالرأي لم يكن عن اعتقاد منه بعدم الجواز.
الرأي الراجح: هو القول بجواز التفسير بالرأي ولكن بشروط وضوابط.
الثالثة: ضوابط التفسير العقلي: تتلخص فيما يلي:
[1]
الالتزام بمدلول الألفاظ واستعمالها في اللغة العربية في ظل السياق.
[2]
عدم التكلف أو الشطط في الفهم.
[3]
الحذر من السير مع الهوى والاستحسان.
[4]
الحذر من جعل المذهب الفاسد أصلا، والتفسير تابع له، فيحتال في التأويل لتأييد مذهبه وإن كان غاية في البعد والغرابة.
وما توفرت فيه تلك الضوابط فهو التفسير بالرأي الجائز، وإلا فهو المذموم.
وسأسوق لك نماذج الأسماء ومناهج تفاسير في كلا النوعين من التفسير بالرأي.
نماذج لكتب التفسير بالرأي الجائز:
سوف أختار هنا في تلك النماذج كتبا من كتب التفسير بالرأي الجائز وسأحاول أن أجمع بين كتب التراث والمعاصرة، وربما كانت الكتب التي سأختارها هنا لها اتجاهات مختلفة لغوية أو فلسفية كلامية أو غير ذلك، لكن الذي يجمع بينها أنها جميعا من كتب التفسير بالرأي الجائز.
أولا: النماذج التي تمثل التراث في كتب التفسير بالرأي الجائز:
[1]
مفاتيح الغيب: لمحمد بن عمر بن الحسين الملقب بفخر الدين الرازي ت 606 هـ.
ومنهجه فيه يتلخص في أنه كثير الاستطراد، مولع بالاستنباط حتى أنه
قال في مقدمة تفسيره إن سورة الفاتحة وحدها يمكن أن يستنبط منها عشرة آلاف مسألة .. ويكثر من الاستطراد إلي العلوم الرياضية والطبيعية والفلسفية، وربما يعرض أقوال بعض الفلاسفة ويقوم بردها، ويكثر أيضا من إيراد شبه المخالفين، وربما يقصر في تفنيدها، حتى قال ابن حجر عنه إنه يعاب بإيراد الشبهة الشديدة ويقصر في حلها حتى قال بعض المغاربة: يورد الشبهة نقدا ويحلها نسيئة، ثم إن الفخر الرازي لا يكاد يمر بآية من آيات الأحكام إلا ويذكر مذاهب الفقهاء فيها مع ترجيحه للمذهب الشافعي، كذلك يستطرد في المسائل الأصولية والكلامية والنحوية والبلاغية وإن كان لا يتوسع في هذا توسعه في علوم الكون كالفلك والنجوم وغيرها.
وبالجملة: فالكتاب أشبه ما يكون بموسوعة في علم الكلام، وفي علوم الكون والطبيعة، إذ أن هذه الناحية هي التي غلبت عليه حتى كادت تقلّل من أهميته ككتاب تفسير للقرآن الكريم، حتى قال بعض أهل العلم عنه:(فيه كل شيء إلا التفسير)(1).
ولكن برغم هذا تبقي قيمة الكتاب عالية يتعلم المطالع منه كيف يربط بين كافة العلوم وبين القرآن الكريم.
[2]
أنوار التنزيل وأسرار التأويل: لعبد الله بن عمر بن محمد البيضاوي من بلاد فارس توفي بمدينة تبريز سنة 685 هـ.
لقد اختصر البيضاوي تفسيره من تفسيري الزمخشري والرازي، غير أنه ترك اعتزاليات الزمخشري، وإن كان أحيانا يوافقه في مذهبه كالذي حصل عند موافقته له في إنكار تلبس الجن بالإنس عند تفسير آية البقرة.
وكذلك عند ما أخذ من الرازي لا يتابعه في الاستطراد في العلوم الكونية
(1) انظر: التفسير والمفسرون 276 - 282.
والكلامية ونحوها
…
والبيضاوي لم يكتف فقط بالنقل من تفاسير السابقين، وإنما أعمل عقله، فضمّن تفسيره نكتا بارعة ولطائف رائقة واستنباطات دقيقة بأسلوب موجز، وعبارة دقيقة، وهو يهتمّ بذكر القراءات أحيانا، ويعرض للصناعة النحوية، ولكن بدون توسع كما أنه يتعرض للأحكام الفقهية بدون توسع أيضا .. والبيضاوي مقلّ جدا من إيراد الإسرائيليات وإن أورد شيئا منها صدّره بما يشير إلي ضعفها ووهنها.
قال صاحب كشف الظنون عنه: (وتفسيره - أي البيضاوي - عظيم الشأن غنيّ عن البيان لخّص فيه من الكشاف ما يتعلق بوجوه الإعراب والمعاني والبيان، ومن التفسير الكبير ما يتعلق بالحكمة والكلام، ومن تفسير الراغب ما يتعلق بالاشتقاق وغوامض الحقائق ولطائف الإشارات، وضم إليه ما وري زناد فكره ..
فأظهر مهارته في العلوم حسب ما يليق بالمقام) (1).
[3]
مدارك التنزيل وحقائق التأويل: لعبد الله بن أحمد بن محمود النسفي ت 701 هـ:
لخصه من تفسير البيضاوي ومن الكشاف، وجري فيه على مذهب أهل السنة، وقد كتبه بأسلوب سهل وعبارة موجزة، يتعرض للمسائل النحوية والفقهية وينتصر لمذهبه الحنفي ويرد على من خالفه في كثير من الأحيان، وهو مقل جدا من إيراد الإسرائيليات ويظهر النسفي ورعا كبيرا حتى إنه قال في مقدمته:(وكنت أقدّم فيه رجلا وأؤخر أخرى استقصارا لقوة البشر عن درك هذا الوطر، وأخذ السبيل الحذر عن ركوب متن الخطر ..)(2) وفي الجملة الكتاب قيّم سهل التناول وقد اعتمد تدريس بعض أجزاء منه على طلاب المرحلة الثانوية بالمعاهد الأزهرية لفترة طويلة.
(1) التفسير والمفسرون 282 - 288، كشف الظنون 1/ 127 وما بعدها
(2)
انظر مقدمة تفسير النسفي 1/ 28، ط دار النفائس، الأردن 1996 م.
[4]
لباب التأويل في معاني التنزيل: لعلي بن محمد بن إبراهيم بن عمر المعروف بالخازن، اشتهر به لأنه كان خازن كتب خانقاه السيماطية بدمشق. ت 741 هـ.
اشتهر في منهج الخازن أنه اعتمد كثيرا على كتاب معالم التنزيل للبغوي، وحرص على إيراد كثير من روايات التفسير المأثور، ولكن أكثرها في الإسرائيليات والقصص الغريبة والمواعظ الرقيقة .. ولكن بدون نقد ولا تمحيض، مما قلل من قيمة الكتاب العلمية
…
ولعل نزعته الصوفية هي التي أثرت فيه فجعلته يعنى بتلك النواحي ويستطرد فيها حتى تغلب على تفسيره، ومع ذلك هو يذكر الأحكام الفقهية كثيرا وكادت سمعته الإسرائيلية وشهرته القصيصية تصد الناس عن الرجوع إليه (1).
[5]
البحر المحيط: لأبي حيان الأندلسي الغرناطي. ت 745 هـ:
يعتبر البحر المحيط المرجع الأول والأهم لمن يريد أن يقف على وجوه الإعراب لألفاظ القرآن الكريم، إذ أن الناحية النحوية هي أبرز سمة في منهج أبي حيان في التفسير، فقد أكثر من مسائل النحو وتوسع في مسائل الخلاف بين النحويين حتى أصبح الكتاب أقرب إلي كتب النحو منه إلي كتب التفسير، وهو مع ذلك لم يهمل النواحي الأخرى التي لها اتصال بالتفسير كالبيان والبديع وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ والقراءات .. وغيرها، وقد استفاد أبو حيان كثيرا من تفسيري الزمخشري وابن عطية خصوصا في المسائل النحوية، وإن كان يتعقبها كثيرا بالرد والتصويب وكثيرا ما يحمل حملات ساخرة على الزمخشري من أجل آرائه الاعتزالية، ومع ذلك يمدحه في مهارته في تجلية بلاغة القرآن ..
كما استفاد أبو حيان وأكثر من النقل عن كتاب: (التحرير والتحبير لأقوال
(1) التفسير والمفسرون 1/ 294 - 300.
أئمة التفسير) لشيخه ابن النقيب، ومع ذلك كان يخالفه في نقوله التي ينقلها عن غلاة الصوفية ولا يرضاها (1).
[6]
إرشاد العقل السليم إلي مزايا الكتاب الكريم: لأبي السعود المتوفي 982 هـ.
تعتبر أهم ميزة في كتاب أبي السعود هي: عنايته بالناحية البلاغية للقرآن، فهو يهتم بأن يكشف عن نواحي القرآن البلاغية، وسر إعجازه في نظمه وأسلوبه وبخاصة في باب الوصل والفصل، والإيجاز والإطناب، والتقديم والتأخير، والاعتراض والتذييل .. كما يهتمّ بإبداء المعاني الدقيقة التي تحملها التراكيب القرآنية بين طياتها مما لا يكاد يظهر إلا لمن أوتي حظا وافرا من المعرفة بدقائق اللغة العربية.
كما اهتم أبو السعود بإبراز وجوه المناسبات بين الآيات، وألمّ ببعض القراءات من غير توسع، ويلاحظ إقلاله من ذكر المسائل الفقهية، وكذلك من الإسرائيليات والنواحي الكونية .. وربما يتعرض لذكر الوجوه النحوية أحيانا إذا كانت الآية تحتمل أوجها للإعراب، ويرجّح واحدا منها ويدلل على رجحانه.
وبالجملة فالكتاب دقيق غاية الدقة، بعيد عن خلط التفسير بما لا يتصل بالتفسير (2).
[7]
غرائب القرآن ورغائب الفرقان: لنظام الدين ابن الحسن بن محمد النيسابوري المشهور بالنظام الأعرج.
لقد سلك النيسابوري في تفسيره مسلكا جعله فريدا بين المفسرين، وذلك أنه يذكر الآية ثم يذكر القراءات الواردة فيها، مع التزامه إضافة كل قراءة
(1) المرجع السابق 1/ 300 - 304.
(2)
التفسير والمفسرون 1/ 326 - 332.
إلي صاحبها من العشرة، ثم يذكر الوقوف مع التعليل لكل وقف منها، ثم يشرع في التفسير مبتدءا بذكر المناسبة وربط اللاحق بالسابق .. ثم بعد ذلك يبين معاني الآيات بأسلوب بديع يشتمل على إبراز المقدرات وإظهار المضمرات، وتأويل المتشابهات وتصريح الكنايات، وتحقيق المجازات والاستعارات، وتفصيل المذاهب الفقهية، مع التوجيه .. كذلك لم يكن يغفل التعليق على الآيات الكونية، ولا المسائل الكلامية والرد على الغلاة .. وقد رد على الشيعة استدلالهم بقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَهُ [المائدة: 54]، على ولاية علي رضي الله عنه، وهذا يدل دلالة واضحة على بطلان التهمة التي وجهت إليه بأنه متشيع (1).
[8]
تفسير الجلالين/ لجلال الدين المحلي ت 864 نسبة إلي المحلة من أقاليم مصر، وجلال الدين السيوطي ت 911 هـ نسبة إلي أسيوط.
وكان قد بدأ المحلي أولا التفسير من أول سورة الكهف إلي آخر سورة الناس، ثم ابتدأ يفسر في الفاتحة فاخترمته المنية ومات، فجاء السيوطي من بعده فمكمل التفسير من البقرة إلي آخر الإسراء ووضع الفاتحة من آخر تفسير المحلي لتكون ملحقة به، ولا يكاد الناظر يري كبير فرق بين أسلوب المحلي والسيوطي، فإن السيوطي قد تابع المحلي في اختصاره وعدم التوسع، وفي يسر العبارة وسهولتها، والبعد عن خلافات النحويين والفقهاء وأصحاب الكلام، حتى قال بعض علماء اليمن: عددت حروف القرآن وتفسير الجلالين فوجدتهما متساويين إلي سورة المزمل ومن سورة المدثر التفسير زائد على القرآن .. ومع هذا فالتفسير قيم في بابه من أكثر التفاسير تداولا وانتشارا .. وقد حشا عليه بعض العلماء الحواشي من أشهرها حاشية الصاوي على الجلالين، وحاشية الجمل على الجلالين - أيضا - (2).
(1) المرجع السابق 304 - 314.
(2)
التفسير والمفسرون 1/ 315 - 319.
وبعد .. فهذه أهم كتب التفسير بالرأي الجائز وهناك سواها كثير يطول المقام بذكرها، وفي الغالب المناهج متقاربة مع اختلاف يسير.
ثانيا: النماذج التي تمثل المعاصرة في كتب التفسير بالرأي الجائز:
[1]
تفسير المراغي/ لأحمد مصطفي المراغي - أستاذ الشريعة الإسلامية واللغة العربية بكلية دار العلوم - ونسبته إلي مراغة من صعيد مصر.
ألف الشيخ تفسيره لما اقتضته حاجة عصره من تبسيط العبارة، فهو يقول عن كتب التفسير السابقة إنها ألفت في عصور قد خلت بأساليب تناسب أهلها .. فرأينا مسيس الحاجة إلي وضع تفسير للكتاب العزيز يشاكل حاجة الناس في عصرنا في أسلوبه .. ومنهج الشيخ في تفسيره أنه يورد الآية أو الآيات ثم يقوم بشرح المفردات اللغوية، ثم يتبع ذلك بذكر المعنى الإجمالي للآيات ليتجلي للقارئ منها صورة مجملة، ثم يعقب ذلك بذكر ما ورد من أسباب النزول لهذه الآيات إن صح شيء منه، كذلك ضرب الشيخ صفحا عن مصطلحات العلوم، من نحو وصرف وبلاغة وأشباه ذلك مما أدخله المفسرون في تفاسيرهم فكان من العوائق التي حالت بين الناس وبين قراءة كتب التفسير، ومما تميز به تفسير المراغي:
أنه شبه خال تماما من الإسرائيليات، كما أنه في إيراد القصص القرآني عن أخبار الأمم الغابرة، يركز على استنباط الدروس والعبر ولا يستهويه الاستطراد في القصص والأخبار، ثم هو يهتمّ أيضا بالتعليق على الظواهر الكونية التي جاءت بها الآيات في أسلوب بديع بعيدا عن تعقيد النظريات العلمية، في ثوب يصل إلي القلب ويدعو إلي الإيمان، وهذا هو المقصود من لفت الأنظار بالآيات الكونية أصلا (1).
(1) انظر مقدمة تفسير المراغي 1/ 16 - 20 ط دار إحياء التراث العربي - بيروت 1365.
وبالجملة فالكتاب مفيد جدا وبإمكان جميع الناس على اختلاف مستوياتهم الثقافية أن يتعاملوا معه ويستفيدوا منه إذا ما أرادوا ذلك، وقد تصفّحت الكتاب فوجدت الشيخ قد سار على هذا المنهج الذي أثبته في مقدمة تفسيره ولم يخلّ بشيء منه.
[2]
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: لعبد الرحمن بن ناصر السعدي - من علماء القصيم بالسعودية. ت 1376 هـ
وطريقته فيه أنه يورد الآية ثم يقطّعها إلي أجزاء يعلق عليها جزءا جزءا بأسلوب موجز وعبارة سهلة بليغة وسرعان ما تترابط هذه الأجزاء وتمزج سبيكة واحدة لتعطي معنى الآية مكتملا، وهو برغم عبارته الموجزة يذكر الأحكام الفقهية ويرجّح ويبرز في كثير من الأحيان أسرار وحكم التعبير القرآني في الأنواع كأن يقول عبر بكذا ولم يعبّر بكذا لحكمة
…
ونحو ذلك.
كما أنه لا يدخل في إطالات الإعرابات النحوية إلا في النادر الذي يتوقف عليه المعني.
ويتميز هذا التفسير بترسيخ العقيدة السلفية وخصوصا في آيات الصفات، وبأسلوبه التربوي الذي ينمّي لدي القارئ القيم الأخلاقية الفاضلة التي حض عليها الإسلام.
ولا ننسي أن نقول إن الشيخ رحمه الله طبّق تطبيقا عمليا أصول التفسير التي كتبها في كتابه القيم (القواعد الحسان في تفسير القرآن) وهو يدوّن تفسيره هذا.
وبالجملة فهذا التفسير من أنفع التفاسير التي تناسب أوساطا كثيرة من أبناء المسلمين اليوم وليس يعني أنه للعامة بل إن المتخصص سيجده - أيضا - في مستواه (1).
(1) انظر تفسير السعدي رحمه الله (من صفحات مختلفة منه) ط المكتبة العصرية - بيروت.
[4]
التفسير الوسيط للقرآن الكريم: للدكتور: محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الشريف.
وهو تفسير رائع، سلك فيه الشيخ منهجا طيبا عصر فيه أقوال المفسرين السابقين، وأحسن سبكها في أسلوب رائق راق، مع استنباطات دقيقة وحكم خفية، تناسب حاجة العصر قال وهو يحرر منهجه: ((وستلاحظ خلال قراءتك أنني كثيرا ما أبدأ بشرح الألفاظ القرآنية شرحا لغويا مناسبا ثم أبين المراد منها - إذا كان الأمر يقتضي ذلك - ثم أذكر سبب النزول للآية أو الآيات إذا وجد وكان مقبولا، ثم أذكر المعنى الإجمالي للآية أو الجملة عارضا ما اشتملت عليه من وجوه البلاغة والبيان والعظات والآداب والأحكام .. مدعما ذلك مما يؤيد المعنى من آيات أخرى ومن الأحاديث النبوية ومن أقوال السلف الصالح وقد تجنبت التوسع في وجوه الإعراب واكتفيت بالرأي أو الآراء الراجحة إذا تعددت الأقوال، .. وذلك لأنني توخيت فيما كتبت إبراز ما اشتمل عليه القرآن الكريم من هدايات جامعة وتوجيهات نافعة، وأحكام سامية، وتشريعات جليلة، وآداب فاضلة وعظات بليغة
…
) (1).
وقد تتبعت الكتاب فوجدت الشيخ قد سار على المنهج الذي حرره ولم يخلّ به إلا في بعض الأحيان، وبالجملة هو كتاب ماتع يمتاز بسهولة أسلوبه، وكذلك بالتركيز على الحكم الدقيقة في الألفاظ القرآنية.
كما إن الكتاب يمتاز بحاسة التمحيص والتحقيق التي تمتع بها مؤلفه - حفظه الله - فهو شبه خال من الإسرائيليات، وإذا وردت آية كان تفسيرها محلّ نزاع بيّن هذا النزاع بيسر، ثم يخرج القارئ من حيرة الاختلاف بترجيح الرأي الراجح، كما يمتاز الكتاب بأسلوب المحاورة الشيقة الذي يدفع الملل عن القارئ، فكثيرا ما يفسّر الآية، ثم يطرح قائلا: (فإن قال قائل كذا
…
) (قلنا كذا) وغير
(1) انظر التفسير الوسيط 1/ 10 ط دار نهضة مصر - القاهرة 1997 م.
ذلك من اللطائف، والميزات والخصائص التي يقف عليها المطالع لهذا التفسير.
[5]
تفسير الشعراوي/ للشيخ: محمد متولي الشعراوي من علماء الأزهر الشريف رحمه الله:
وتفسيره هذا نسمة من فتوحات الرحمن على عباده، سماه الناس تفسيرا وسماه هو خواطر حول القرآن الكريم وقد سلك فيه الشيخ رحمه الله منهجا استقطب واسترعي كل انتباه، لبساطة أسلوبه، الذي يفهمه العامي البسيط، ويشتاق إليه المثقف صاحب الثقافة العالية، لما يجد فيه من لفتات تهزّ العواطف هزا تدعوها إلي الإيمان والتفكير، وهذا التفسير مقروء ومسموع من الشيخ على نفس المنهج، يبدأ الشيخ بمعنى إجمالي للآية، ثم يورد ما يفسرها من آيات القرآن والحديث والقصص والأخبار، مع ضرب الأمثلة البسيطة التي تقرب الفهم وتشعر بأن القرآن منهج حياة ملموس أثره في الواقع، وليس ترانيم تتلي في المعبد - كما تميز الكتاب بحرص مؤلفه على إبراز الحكم سواء في التعبيرات التي تشد الانتباه من نحو (لماذا قال: اهبطوا منها جميعا مع أنه ساعتئذ لم يكن إلا آدم وحواء؟، ويجيب فيقول: كأن الحق سبحانه وتعالى أراد أن يلفتنا إلي أن الخلق من ذرية آدم كانوا موجودين في ظهره .. خلقهم جميعا ثم صوّرهم جميعا) (وعند ما قال في هذه اللحظة وهي لحظة الهبوط إلي الأرض، سيبدأ منهج الله مهمته في الحياة وما دام هناك منهج وتطبيق فردي تكون المسئولية فردية ولا يأتي الجمع هنا
…
) (1).
ثم هو قليل الإيراد جدا للخلافات الفقهية والنحوية والعقائدية لأنه قصد بالكتاب تحريك المشاعر .. ويلاحظ أن الشيخ قد أتمّ هذا التفسير في إلقاءه وعرضه على الجماهير لكن المطبوع إلي الآن غير كامل بل هو إلي سورة الأنبياء.
(1) انظر: تفسير الشعراوي 1/ 277 - 278. ط أخبار اليوم - القاهرة 1991.
وبالجملة فالكتاب كما قلت نسمة من فتوحات الرحمن على عباده يشعر القارئ حقا بتجدد القرآن وأن معينه لا ينضب على مر الزمان.
[6]
التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج.
[7]
التفسير الوجيز.
[8]
التفسير الوسيط - ثلاثتهم - للعلامة الدكتور/ وهبة الزحيلي.
تتفق التفاسير الثلاثة في بيان مدلول الآيات بدقّة وشمول وأسلوب مبسّط وميسّر وفي معرفة أسباب النزول الصحيحة والاستشهاد ببعض الآيات والأحاديث في موضوعها وفي البعد عن القصص والروايات الإسرائيلية التي لا يخلوا منها تفسير قديم وفي التزام أصول التفسير بالمأثور والمعقول معا وبالاعتماد على أمهات كتب التفسير بمختلف مناهجها.
وينفرد التفسير المنير ببيان أوسع وأجلي للآيات (1) يقدّم فيه المؤلف تقدمة إجمالية لكل سورة يبين مضامينها وما صح من فضائل السور وعلى المناسبة بين السورة السابقة واللاحقة، ثم نجد الشيخ يفصل القصص وأحداث السيرة النبوية ويستنبط الأحكام الشرعية بالمعنى الواسع للحكم بحيث يشتمل على العقيدة والعبادة والأخلاق والآداب والعبر والعظات ونظام الحياة والمعاملات وأصول الحياة الإسلامية مع بيان المفردات اللغوية بيانا شافيا .. كل ذلك مع تعقيب ومقارنة وتنويه بالمعجزات والإعجاز العلمي للقرآن الكريم بحسب تقدم العلوم العصرية.
وقد ذكر الشيخ أنه توسع في هذا التفسير لأنه كتبه لأهل التخصص، وإن كان لا يصعب على غير المختص أن يأخذ منه.
ويقتصر التفسير الوجيز (2) على بيان المقصود بكل آية، بعبارة شاملة
(1) المنير جاء في 16 مجلد.
(2)
والوجيز جاء في مجلد واحد.
غير مخلة ولا مملة مع بيان الكلمات الغامضة غموضا شديدا، وبيان أسباب النزول مع كل آية أثناء الشرح.
وهذا التفسير كان المؤلف قد قصد به العامة وأكثرية الناس.
وأما التفسير الوسيط (1) فقد كتبه الشيخ لمتوسطي الثقافة، وقد تتطابق عباراته في بعض المواضع من التفسيرين السابقين، ويمتاز التفسير ببساطته وعمقه في آن واحد، وفي الغالب حرص الشيخ فيه على وضع عناوين لكل مجموعة من الآيات، وهي مهمة جدا وتسهل على القارئ معرفة المحور الرئيسي الذي تدور حوله الآيات (2).
جزي الله الشيخ خيرا، إذ استطاع أن يخاطب كل إنسان بما يناسبه من ألوان التفسير
[9]
في رحاب التفسير: للشيخ/ عبد الحميد كشك رحمه الله من علماء الأزهر الشريف.
وهو تفسير ممتاز ظهر فيه طبع مؤلفه وهو الوعظ المؤثر المدعّم بالأبيات الشعرية الهادفة والقصص، وفي الغالب يورد الآيات ثم يبين معاني المفردات ثم سبب النزول ثم يمضي مع الأنواع جزءا جزءا يسبكه بحيث يعطي معنى مكتملا وهو مع تأثره بالوعظ لم يغفل الجوانب الأخرى فقد تعرض للنواحي الفقهية في آيات الأحكام ببراعة وتفصيل معقول حتى إنه عند ما تعرض لآيات المواريث من سورة النساء وضح الآيات وساق مسائل حسابية لعمليات التوريث، ويركز الشيخ على قصص القرآن وبيان سنن الله تعالى المضطردة في الخلق، .. ويستطرد في بعض الأحيان في إيراد القصص المؤثر الهادف،
…
وبالجملة هو تفسير نافع محمود في بابه، أنصح به الدعاة والوعّاظ حيث تجد فيه مادة وعظية قيّمة
(1) الوسيط جاء 3 مجلدات.
(2)
انظر: التفسير الوسيط 1/ 6 - 7 ط دار الفكر المعاصر - بيروت - مع دار الفكر - دمشق 1422 هـ.
وعلمية غزيرة (1).
هذا
…
وهناك كتب أخرى كثيرة في التفسير بالرأي الجائز كتبت في العصر الحالي كلها تتجه نحو البساطة واليسر، تسهيلا على أبناء هذا الجيل، ليفهموا كتاب الله تعالى، منها:
[1]
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير - للشيخ/ أبو بكر جابر الجزائري.
[2]
فتح الرحمن في تفسير القرآن - للدكتور/ عبد المنعم أحمد تعيلب.
[3]
تفسير البشائر وتنوير البصائر - للشيخ/ علي الشّريجي.
[4]
تفسير الشامل للقرآن الكريم - للدكتور/ أمير عبد العزيز النابلسي.
ونسأل الله تعالى أن يكثّر الحريصين على تفسير كتابه للناس، وأن يرزقنا وإياهم الإخلاص والصدق في القول والعمل. والله المستعان.
نماذج لكتب التفسير بالرأي المذموم:
لقد نتج عن الاختلاف والتفرق المذهبي في أمور العقيدة كمّ هائل من التفسيرات القرآنية، لكنها - أي هذه التفسيرات - بنيت على أصول اعتقاد ومبادئ كل فرقة من تلك الفرق.
ولم تخل فرقة من تلك الفرق من شطحات في أصول الاعتقاد مما ترتب عليه حدوث الانحراف في تفسير القرآن الكريم، فكل فرقة تحاول تفسير القرآن بما يؤيد مذهبها ومبادئها.
وربما كان من المرهق تتبع هذه التفاسير عند الفرق المبتدعة كما سماها الشيخ الذهبي فهي اثنتين وسبعين فرقة كما في حديث افتراق الأمة، ولكن نكتفي بأن نأخذ فكرة عامة عن موقفهم من تفسير القرآن الكريم.
فالمعتزلة مثلا: ينكرون جواز تكليم الله لرسله تكليما مباشرا فإذا وجد
(1) انظر: في رحاب التفسير 1/ 826 - 827، ط المكتب المصري الحديث - القاهرة.
في اللفظ القرآني ما يثبته تصرفوا فيه أو قرءوه بقراءة بعيدة من أجل تقرير عقيدتهم فعند تفسيرهم لقوله تعالى: وكلَّمَ اللَّهُ مُوسي تَكلِيمًا [النساء: 164] يقرءونها بنصب لفظ الجلالة على أنه مفعول، ورفع موسي على أنه فاعل، وحملها بعضهم على أنها من الكلم بمعنى الجرح فيكون المعنى وجرح الله موسي بأظفار المحن ومخالب الفتن. كل هذا ليفرّ المعتزلي من ظاهر النص القرآني الذي يصادم عقيدته.
وعند ما فسروا قول الله تعالى: الَّذِينَ يَأْكلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة: 275] فسروا المس بالجنون لأنهم في مبادئهم ينكرون تلبس الجني بالإنسي، ويقولون إنه لا تسلط لها على الإنسان إلا بالوسوسة والإغواء كما في قصة أيوب أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وعَذابٍ (41) [ص: 41] وبيّن قدرات الشيطان بقوله تعالى في الحكاية عنه وما كانَ لِي عَلَيْكمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إبراهيم: 23].
وعند ما يفسرون قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (22) إِلي رَبِّها ناظِرَةٌ [القيامة: 22 - 23] يتأولونها فيقولون في الكلام محذوف تقديره إلي ثواب ربها ناظرة، لأنهم يقولون لا يجوز ولا يصح النظر إلا إلي الأجسام فالقائل بجواز رؤية الله قائل بجسميته، وإذا جاز أن يري جاز أن يصافح ويعانق ويلمس تعالى الله عن ذلك.
يقولون هذا ولا يبالون بالأحاديث الصحيحة التي صرحت بجواز الرؤية في الآخرة!.
وعند ما يفسرون قوله تعالى: واللَّهُ خَلَقَكمْ وما تَعْمَلُونَ (96)[الصافات: 96]، ونحوها من الآيات التي تفيد أن الله هو الخالق لأفعال العباد يقولون: وَاللَّهُ خَلَقَكمْ وما تَعْمَلُونَ (96) من الأصنام، فالأصنام من خلق الله وإنما عملهم
نحتها وتسويتها ذلك لأن المعتزلة يقولون بأن العبد يخلق أفعال نفسه.
وعند ما يفسرون قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيمانًا وعَلي رَبِّهِمْ يَتَوَكلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3)[الأنفال: 2 - 3]، ونحوها من الآيات يقولون: كل ذلك يدل على أن الإيمان قول وعمل ويدخل فيه هذه الطاعات ولا يكون المؤمن مؤمنا إلا إذا قام بحق العبادات ومتي وقعت منه كبيرة خرج عن أن يكون مؤمنا، ولكن أيضا لا يكون كافرا بل في منزلة بين المنزلتين أي فاسق (1).
ويمكن أن تراجع هذه الأقوال المنحرفة في تفاسير المعتزلة، ومنها:
[1]
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل - لمحمود بن عمر بن محمد الخوارزمي المعتزلي المتوفي (538 هـ).
[2]
تنزيه القرآن عن المطاعن - للقاضي: عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار بن الخليل الهمداني شيخ المعتزلة المتوفي (415 هـ).
[3]
غرر الفوائد ودرر القلائد أو (أمالي الشريف المرتضي). لأبي القاسم علي بن الطاهر بن أحمد بن الحسين .. ينتهي في نسبة إلي علي بن أبي طالب .. المتوفي (436 هـ).
والشيعة: أيضا يفسرون القرآن ويزعمون أن له ظاهرا وباطنا، ويخدمون بتفاسيرهم مبادئهم ومعتقداتهم.
فهم يرون أن الأئمة أركان الأرض أن تميد بأهلها وحجة الله على من فوق الأرض ومن تحت الثري، وهم فوق أن يحكم عليهم لأن لهم صلة روحية بالله تعالى.
وفي سبيل إثبات عقيدة الإمامة يفسرون كل الآيات الواردة في الأمر بطاعة
(1) ملخصا من التفسير والمفسرون 1/ 351 - 445.
النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: وما آتاكمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7].
فيقولون: الله فوض دينه إلي نبيه والنبي فوض ذلك كله إلي علي وأولاده فسلمنا به وجحد الناس، والأئمة بيننا وبين الله وما جعل الله لأحد خيرا في خلاف أمرهم.
ويفسرون قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكمْ تَطْهِيرًا (33)[الأحزاب: 33] هم علي وفاطمة والحسن والحسين، ليصلوا من وراء ذلك إلي تقرير عصمة الأئمة كالأنبياء.
وعند ما يفسرون قوله تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ومَنْ يَفْعَلْ ذلِك فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً [آل عمران: 28].
(يقولون): في هذه الآيات دليل على جواز التقية عند الخوف على النفس وفي كل الأحوال وربما تكون واجبة في بعضها.
وعند ما يفسرون قوله تعالى: والْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكتْ أَيْمانُكمْ كتابَ اللَّهِ عَلَيْكمْ وأُحِلَّ لَكمْ ما وَراءَ ذلِكمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً [النساء: 24]
يقولون: المراد بالاستمتاع هنا نكاح المتعة وهو النكاح المنعقد بمهر معين إلي أجل معلوم أي فمتي عقدتم عليهن ذلك العقد المسمي متعة فآتوهن أجورهن ويدل على ذلك أن الله علق وجوب إعطاء المهر على الاستمتاع وذلك يقتضي أن يكون ذلك العقد المخصوص.
وعند ما يفسرون قوله تعالى: ثُمَّ بَعَثْناكمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكمْ لَعَلَّكمْ تَشْكرُونَ [البقرة: 56] ونحوها يقولون: (.. وفيه حجة على صحة البعث والرجعة)
لأنهم يؤمنون بعقيدة الرجعة أي رجعة علي في آخر الزمان قبل القيامة.
وعند ما يفسرون قوله تعالى: ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ [التوبة: 40] ونحوها من الآيات التي فيها مدح الصحابة الكرام والثناء عليهم يحرصون على سبهم وتكفيرهم أو على الأقل تجريدهم من كل فضل نسب إليهم في القرآن وفي الآية السابقة قال مفسرهم عبد الله العلوي: ثانِيَ اثْنَيْنِ: أي معه واحد لا غير، إذ يقول لصاحبه: لا مدح فيه إذ قد يصحب المؤمن الكافر، كما قال: قالَ لَهُ صاحِبُهُ وهُوَ يُحاوِرُهُ [الكهف: 37]
وقالوا في تفسير قوله تعالى: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَي (17) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكي (18)[الليل: 17 - 18]، ومعلوم أنها نزلت في أبي بكر الصديق قالوا: وإن كانت الآيات نزلت في رجل خاصّ، فالمعنى عام والأصل فيمن أعطي واتقي عليّ، وفيمن بخل واستغني هو الثاني (أي أبا بكر).
ويمكن أن تراجع هذه الأقوال التي تفوح بروح التعصب المذهبي البغيض في تفاسير الشيعة ومنها:
[1]
مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار - للمولي عبد اللطيف الكازراني الشيعي.
[2]
تفسير الحسن العسكري.
[3]
مجمع البيان لعلوم القرآن - للفضل بن الحسن الطبرسي (ت 835 هـ).
[4]
الصافي في تفسير القرآن - للملا محسن الكاشي أحد الغلاة المتعصبين كما قال عنه الشيخ الذهبي
[5]
بيان السعادة في مقامات العبادة - لسلطان محمد الخراساني - أحد متطرفي الإمامية الاثني عشرية في القرن الرابع عشر الهجري - كما قال الشيخ الذهبي.
والخوارج: أيضا عند تفسيرهم للقرآن يشتطون ويؤلون بحسب ما يؤيد مبادئهم ومن أهم مبادئهم: القول بكفر مرتكب الكبيرة وسأنقل لك بعض
المواضع لتري:
في قوله تعالى: ولِلَّهِ عَلَي النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ومَنْ كفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالمين [آل عمران: 97]، قالوا: جعل تارك الحج كافرا.
وفي قوله تعالى: ووُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (41) أُولئِك هُمُ الْكفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)[عبس: 40 - 41]، قالوا: والفاسق على وجهه غبرة فوجب أن يكون من الكفرة الفجرة.
وفي قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكمْ فَمِنْكمْ كافِرٌ ومِنْكمْ مُؤْمِنٌ [التغابن: 2]، قالوا: وهذا يقتضي أن من لا يكون مؤمنا فهو كافر، والفاسق ليس بمؤمن فوجب أن يكون كافرا.
ومن الخوارج من أداه تمسكه بظاهر النصوص إلي أن قال: لو أن رجلا أكل من مال يتيم فلسين وجبت له النار لقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكلُونَ أَمْوالَ الْيَتامي ظُلْمًا إِنَّما يَأْكلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نارًا وسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)[النساء: 10]، ولو قتل اليتيم أو بقرت بطنه لم تجب له النار لأن الله لم ينص على ذلك.
وها هو أحد مفسريهم يحلّ نكاح بنات الأولاد وبنات أولاد الإخوة والأخوات ويستدل على ذلك بظاهر آية المحرمات من النساء.
كما إنهم كانوا يرون جواز قتل مخالفيهم من المسلمين واستحلال أموالهم ونسائهم في حين أنهم لا يرون ذلك في المشركين لأن المشرك نصت آية صريحة على جواره وإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكينَ اسْتَجارَك فَأَجِرْهُ حَتَّي يَسْمَعَ كلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ [التوبة: 6].
وقصة واصل بن عطاء المعتزلي لما خرج مع نفر من أصحابه ووقعوا في يد الخوارج وتظاهروا بأنهم مشركين فأكرموهم وأحسنوا إليهم مشهورة.
ويمكن أن تراجع أقوالهم هذه في تفاسيرهم وهي للعلم قليلة منها:
هيمان الزاد إلي دار المعاد - لمحمد بن يوسف أطفيش (ت 1332 هـ) بالجزائر.
وقد بادت معظم تفاسير الخوارج ولم يبق منها إلا القليل كهذا التفسير وربما يرجع هذا إلي أن معظم فرقهم بادت ولم يبق لها أثر إلا الإباضية التي تنتشر في بلاد المغرب وحضر موت وعمان.
الصوفية: أيضا من غلا منهم كان له شطحات عقلية مذمومة في تفسير القرآن الكريم لا تتناسب مع السياق ولا مدلول الألفاظ ولا أي شيء ويسمون هذا باطن القرآن الذي لا يعرفه غيرهم، وإليك طرفا من أقوالهم:
قال ابن عطاء الله السكندري في قوله تعالى وآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكلُونَ [يس: 33] قال: القلوب الميتة بالغفلة أحييناها بالتيقظ والاعتبار والموعظة وأخرجنا منها حبا: معرفة صافية تضيء أنوارها على الظاهر والباطن (1).
وقال أبو عبد الرحمن السّلمي في قوله تعالى الم فاتحة البقرة: الأف ألف الوحدانية واللام لام اللطف والميم ميم الملك، ومعناه من وجدني على الحقيقة بإسقاط العلائق والأغراض تلطفت له فأخرجته من رقّ العبودية إلي الملأ الأعلى وهو الاتصال بمالك الملك دون الاشتغال بشيء من الملك (2).
وقال سهل التستري في قوله تعالى: والْجارِ ذِي الْقُرْبي والْجارِ الْجُنُبِ والصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وابْنِ السَّبِيلِ [النساء: 36]، الجار ذي القربي هو القلب، والجار الجنب هو الطبيعة، والصاحب بالجنب هو العقل المهتدي بالشريعة وابن السبيل هو الجوارح المطيعة (3).
(1) حقائق التفسير للسلمي ص 284.
(2)
المرجع السابق ص 9.
(3)
تفسير القرآن العظيم للسلمي ص 284.
وقال بعضهم في تفسير آية الكرسي: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة: 255] معناه (من ذل) من الذل، (ذي) إشارة إلي النفس (يشف) من الشفاء، (ع) أمر من الوعي (1).
وقال بعضهم أيضا في قوله تعالى: وإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت: 69] فسر لَمَعَ فجعلها فعلا ماضيا من اللمعان بمعنى أضاء والمحسنين مفعوله.
وقال السلمي عند قوله تعالى: وهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وجَعَلَ فِيها رَواسِيَ [الرعد: 3].
قال بعضهم: هو الذي بسط الأرض وجعل فيها أوتادا من أوليائه وسادة من عبيده فإليهم الملجأ وبهم النجاة فمن ضرب في الأرض يقصدهم فاز ونجا ومن كان بغيته لغيرهم خاب وخسر (2).
ويدعون أن جعفر الصادق قال في قوله تعالى: فِيها فاكهَةٌ والنَّخْلُ ذاتُ الْأَكمامِ (11)[الرحمن: 11] جعل الحق تعالى في قلوب أوليائه رياض أنسه فغرس فيها أشجار المعرفة، أصولها ثابتة في أسرارهم وفروعها قائمة بالحضرة في المشهد فهم يجنون ثمار الأنس في كل أوان (3).
وقال أبو محمد الشيرازي في تفسير قوله تعالى: لَيْسَ عَلَي الضُّعَفاءِ ولا عَلَي الْمَرْضي ولا عَلَي الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ [التوبة: 91] وصف الله زمرة من أهل المراقبات ومجالس المحاضرات والهائمين في المشاهدات والمستغرقين في بحار الأزليات الذين أنحلوا جسومهم بالمجاهدات وأمرضوا نفوسهم بالرياضات وأذابوا قلوبهم بدوام الذكر وجولانها في الفكر وخرجوا بعقائدهم الصافية عن الدنيا الفانية بمشاهدته الباقية، بأن رفع عنهم بفضله
(1) انظر التفسير والمفسرون 2/ 363.
(2)
حقائق التفسير ص 138.
(3)
المرجع السابق ص 344.
حرج الامتحان وأبقاهم في مجالس الأنس ورياض الإيقان وقال ليس على الضعفاء (1).
وقال - أيضا - في تفسير قوله تعالى: واللَّهُ جَعَلَ لَكمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا وجَعَلَ لَكمْ مِنَ الْجِبالِ أَكنانًا وجَعَلَ لَكمْ سَرابِيلَ تَقِيكمُ الْحَرَّ وسَرابِيلَ تَقِيكمْ بَأْسَكمْ كذلِك يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكمْ لَعَلَّكمْ تُسْلِمُونَ (81)[النحل: 71] .. يعني ظلال أوليائه ليستظل بها المريدون من شدة حر الهجران ويأوون إليها من قهر الطغيان وشياطين الإنس والجان، .. وجَعَلَ لَكمْ مِنَ الْجِبالِ أَكنانًا، أكنان الجبال: قلوب أكابر أهل المعرفة وظلال أهل السعادة من أهل المحبة وجَعَلَ لَكمْ سَرابِيلَ تَقِيكمُ الْحَرَّ .. سرابيل روح الأنس لئلا يحترفوا بنيران القدس وسَرابِيلَ تَقِيكمْ بَأْسَكمْ سرابيل المعرفة وأسلحة المحبة لتدفعوا بها محاربة النفوس والشياطين.
وقال - أيضا - في قوله تعالى: وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَي الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (21)[النمل: 20 - 21].
إن طير الحقيقة لسليمان طير قلبه، تفقده ساعة وكان قلبه غائبا في غيب الحق مشغولا بالمذكور عن الذكر، فتفقده وما وجده فتعجب من شأنه .. أين قلبه إن لم يكن معه؟ فظن أنه غائب عن الحق وكان في الحق غائبا، وهذا شأن غيبة أهل الحضور من العارفين ساعات لا يعرفون أين هم وهذا من كمال استغراقهم في الله .. لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذابًا شَدِيدًا بالصبر على دوام المراقبة والرعاية، وألقيته في بحر النكرة من المعرفة ليفني ثم يفني عن الفناء أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ بسيف المحبة أو بسيف العشق أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (أو ليأتين من الغيب
(1) عرائس البيان في حقائق القرآن للشيرازي 1/ 339.
بسواطع أنوار أسرار الأزل (1).
وقال شيخهم وقدوتهم محي الدين بن عربي في تفسير قوله تعالى: وإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَدًا آمِنًا وارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ ومَنْ كفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلي عَذابِ النَّارِ وبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)[البقرة: 126]، وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا الصدر الذي هو حرم القلب بلدا آمنا من استيلاء صفات النفس واغتيال العدو اللعين وتخطف جن القوي البدنية أهله وارزق أهله من ثمرات معارف الروح وحكمه أو أنواره
…
(2).
وقال - أيضا - عند قوله تعالى: نَحْنُ خَلَقْناكمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (57)[الواقعة: 57] نحن خلقناكم بوجودنا وظهورنا في صوركم (3).
وقال في قوله تعالى: وهُوَ مَعَكمْ أَيْنَ ما كنْتُمْ [الحديد: 4] وهو معكم أينما كنتم بوجودكم به وظهوره في مظاهركم.
وقال في قوله تعالى: واذْكرِ اسْمَ رَبِّك وتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ [المزمل: 8 - 9] واذكر اسم ربك الذي هو أنت أي اعرف نفسك وأذكرها ولا تنسها فينسك الله واجتهد لتحصيل كمالها بعد معرفة حقيقتها رَبُّ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ أي الذي ظهر عليك نوره فطلع من أفق وجودك بإيجادك والمغرب الذي اختفي بوجودك وغرب نوره فيك واحتجب بك (4).
وقال في قوله تعالى: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصارًا (25)[نوح: 25] مما خطيئتهم أغرقوا .. فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله وهو الحيرة، فأدخلوا نارا في عين الماء .. فلم يجدوا
(1) عرائس البيان 2/ 813.
(2)
انظر: تفسير ابن عربي 1/ 57.
(3)
السابق 2/ 291.
(4)
تفسير ابن عربي 2/ 352.
لهم من دون الله أنصارا أي فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلي الأبد (1).
ويمكن أن تراجع هذه الأقوال المنحرفة في تفاسير الصوفية ومنها:
[1]
تفسير القرآن العظيم - لسهل بن عبد الله التستري - المتوفي (273 هـ).
[2]
حقائق التفسير - لأبي عبد الرحمن السلمي - المتوفي (412 هـ).
[3]
عرائس البيان في حقائق القرآن - لأبي محمد روزبهان أبي نصر الشيرازي المتوفي 666 هـ.
[4]
تفسير ابن عربي - لمحي الدين بن عربي - المتوفي (638 هـ)
…
وغيرها كثير.
هذا ولا بد من بيان أن بعض هذه الأقوال المنحرفة في التفسير تسرب إلي كتب التفسير بالرأي المقبول مما يتطلب استحضار حاسة التحقيق والتمحيص وعرض الأقوال على الأصول فإن وافقتها كانت مقبولة وإلا فلا.
ونكتفي بهذا القدر من اتجاهات التفسير - علما بأن هناك اتجاهين آخرين للتفسير - هما الإتجاه الفقهي والاتجاه العلمي ولعل الله أن ييسر دراسة اتجاهات التفسير في بحث مستقل إن شاء الله تعالى.
(1) فصوص الحكم 1/ 219.