الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع شروط المفسر وآدابه
الحق أن أكثر من كتبوا في شروط المفسّر وآدابه خلطوا بين ما هو شرط في المفسر كآداب وأخلاق ونحوه، وما هو شرط في المفسر كناحية علمية لا بدّ من توفرها.
وفي هذا المبحث سوف نذكر أولا الشروط التي هي كآداب للمفسر ثم نذكر الشروط التي تتعلق به من الناحية العلمية.
الشروط التي لا بدّ من توفرها في المفسر كآداب:
الأول: صحة الاعتقاد:
فسلامة العقيدة أمر مهم بالنسبة للمفسر، لأنه لو تطرق إليه فساد في عقيدته لفسر القرآن حسب مذهبه واعتقاده الفاسد فيكون تفسيره ظاهر التكلف والبعد عما يحتمله اللفظ القرآني.
(1) انظر: السيوطي: الإتقان 2/ 176.
وقال ابن القيم رحمه الله: «لا يدرك معاني القرآن ولا يفهمه إلا القلوب الطاهرة، وحرام على القلب المتلوث بنجاسة البدع والمخالفات أن ينال معانيه» (1).
ثانيا: صحة المقصد:
يعني أن يخلص المفسر فلا يطلب بتفسيره عرضا من أعراض الدنيا الزائلة، وإنما يبتغي وجه الله تعالى.
قال السيوطي رحمه الله أيضا: «ومن شرطه - أي المفسر - صحة المقصد فيما يقول ليلقي التسديد فقد قال تعالى: والَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا [العنكبوت: 69]، «وإنما يخلص له القصد إذا زهد في الدنيا، لأنه إذا رغب فيها لم يؤمن أن يتوسل به إلي غرض يصده عن صواب قصده، ويفسد عليه صحة عمله» (2)، وليت المفسر وطالب التفسير يدرك هذا الاستدلال الخطير من الإمام السيوطي رحمه الله بالآية السابقة والَّذِينَ جاهَدُوا فِينا، فكأنه يشير إلي أن تفسير القرآن جهاد إذا صح المقصد، وكيف لا يكون جهادا وقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وجاهِدْهُمْ بِهِ جِهادًا كبِيرًا (52)[الفرقان: 52].
ثالثا: التقوي:
يشترط في المفسر أن يكون على أعلى مستوي من التقوي، وليكن دليل تقواه التأثر بما في القرآن في كل شيء في حياته.
قال الإمام الشهيد/ سيد قطب رحمه الله: «
…
فالتقوي في القلب هي التي تؤهله للانتفاع بهذا الكتاب، هي التي
(1) ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن ص 143 ط دار الكتاب العربي - بيروت 1414 هـ.
(2)
الإتقان 20/ 176.
تفتح مغاليق القلب له، فيدخل ويؤدي دوره هناك، هي التي تهيئ لهذا القلب أن يلتقط وأن يتلقي وأن يستجيب، لا بدّ لمن يريد أن يجد الهدي في القرآن أن يجئ إليه بقلب سليم، بقلب خالص. ثم يجئ إليه بقلب يخشي ويتوقي ويحذر أن يكون على ضلالة، وعندئذ يتفتح القرآن عن أسراره وأنواره، ويسكبها في هذا القلب الذي جاء إليه متقيا خائفا حساسا مهيئا للتلقي» (1).
رابعا: العمل بما في القرآن:
ومن أخص شروط المفسر العمل بما في القرآن، إذ لا يمكن أن يتصور أبدا أن يوفق الإنسان لفهم القرآن وهو لا يعمل بما فيه.
وإذا كان قد ثبت في الحديث أنه: «رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه» .
فلا أدري كيف يحالف التوفيق من أراد التفسير واللعنات تنزل عليه لعدم عمله بما في كتاب الله، نسأل الله المعافاة.
قال الدكتور/ محمد لطفي الصباغ: «إن هذا الكتاب الكريم لا يفتح خزائن كنوزه وجواهره ودرره إلا لمن آمن بمنزله، وعمل به كله وأحل حلاله وحرّم حرامه، وأخلص لله النية في فهمه وطلبه العلم الذي يبلغه تفسيره وتدبره» (2).
خامسا: البعد عن خوارم المروءة:
مهم جدا للمفسر - وطالب التفسير - أن يبتعد عن كل ما يزري به، إذ ينبغي أن يكون لحامل القرآن ومفسره فضل على غيره، بمزيد أدب ورجاحة عقل وبعد عما يشين الإنسان.
(1) في ظلال القرآن 1/ 38/ 39.
(2)
بحوث في أصول التفسير ص 28.
قال الإمام القرطبي رحمه الله: «قال عبد الله بن عمرو: لا ينبغي لحامل القرآن أن يخوض مع من يخوض، ولا يجهل مع من يجهل، ولكن يعفو ويصفح، لحق القرآن، لأن في جوفه كلام الله تعالى» .
سادسا: مداومة ذكر الله تعالى: قال القرطبي رحمه الله:
(وينبغي له - أي حامل القرآن ومفسره - أن يكون لله حامدا، ولنعمه شاكرا، وله ذاكرا، وعليه متوكلا، وبه مستعينا، وإليه راغبا، وبه معتصما، وللموت ذاكرا وله مستعدا، وينبغي له أن يكون خائفا من ذنبه، راجيا عفو ربه)(2).
وبالجملة فيشترط في المفسر كل أدب يؤهله لحمل كتاب الله تعالى وفهمه وتوضيحه للناس، وإن هو أخل بتلك الآداب أزري بنفسه وبعلمه فقلّ أن يفهم الفهم التام، وإن فهم لم يقبل منه، لأن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا وابتغي به وجهه.
(1) تفسير الطبري 1/ 21.
(2)
المرجع السابق 1/ 20.