الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التي عرف بها، ولإزالة هذا الخفاء لا بدّ من النظر، وبعد النظر وجد أن السارق إذا كان يسرق والعيون نائمة فإن النشال يسرق والأعين يقظة مما يدل على مكره ودهائه في تنفيذ جريمته وهي السرقة وكذلك النباش، فهؤلاء كلهم سراق يحدون حد السرقة وما كان هذا الأمر ليتضح إلا بعد النظر (1).
ثانيا: المشكل:
[1]
تعريف المشكل: لغة هو الداخل في أشكاله أي من أمثاله وأشباهه (2).
واصطلاحا: ما اشتبه المراد منه بدخوله في أشكاله وأشباهه على وجه لا يعرف إلا بدليل يتميز به من سائر الأشكال (3).
وقال السيوطي رحمه الله في المشكل هو: ما يوهم التعارض بين الآيات وكلامه سبحانه منزه عن ذلك (4).
[2]
سبب الإشكال: أن تكون الكلمة في موضع دالة على معنى ولا تدل عليه في المواضع الأخرى التي وردت فيها أو قد تتعدد المعاني في لفظ واحد ويشكل على السامع المعنى المراد بها في هذا الموضع وعلى هذا فالمشكل أشد إبهاما من الخفي (5).
أهمية معرفة المشكل:
أن معرفة المشكل للمفسر أمر مهم جدا، ذلك لأن بعض قصّار النظر والجهلة والمغرضين من أعداء القرآن، بمجرد ما يعرض لهم شيء من المشكل يظنون في القرآن تعارضا وتضاربا، وربما يتتبعونه، وقد تنبه لخطورة هذا الأمر العلماء قديما وحديثا حتى أصبح تأويل المشكل علما كاملا، كتب
(1) انظر: أصول البردوني 1/ 52.
(2)
لسان العرب 7/ 176.
(3)
أصول السرخي 1/ 168.
(4)
الإتقان 2/ 27.
(5)
انظر: بحوث في أصول التفسير للصباغ ص 262.
فيه ابن قتيبة كتابة (تأويل مشكل القرآن) والسيوطي تناوله في الإتقان في النوع الثامن والأربعين: (في مشكله وموهم الاختلاف والتناقض (وكتب الشيخ محمد الأمين الشنقيطي كتابة دفع الإيهام والاضطراب عن آيات الكتاب (1).
وتأمل هذا الحديث الذي رواه الحاكم في مستدركه لتعرف أهمية معرفة المشكل بالنسبة للمفسر وطالب التفسير والداعية وعموم المسلمين: «جاء رجل إلي ابن عباس فقال: رأيت أشياء تختلف عليّ من القرآن، فقال ابن عباس: ما هو؟ أشك؟ قال: ليس بشك، ولكنه اختلاف قال هات ما اختلف عليك من ذلك قال: أسمع الله يقول: ثُمَّ لَمْ تَكنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا واللَّهِ رَبِّنا ما كنَّا مُشْرِكينَ (23)[الأنعام: 23]، وقال: ولا يَكتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء: 42]، وأسمعه يقول: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ ولا يَتَساءَلُونَ (101)[المؤمنون: 101] ثم قال: وأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلي بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (27)[الصافات: 27]، وقال: أَإِنَّكمْ لَتَكفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدادًا ذلِك رَبُّ الْعالمين (9) وجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وبارَك فِيها وقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوي إِلَي السَّماءِ وهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها ولِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعًا أَوْ كرْهًا قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (11)[فصلت: 9 - 11]، أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّماءُ بَناها (27) رَفَعَ سَمْكها فَسَوَّاها (28) وأَغْطَشَ لَيْلَها وأَخْرَجَ ضُحاها (29) والْأَرْضَ بَعْدَ ذلِك دَحاها (30) [النازعات: 27 - 30] وأسمعه يقول: وكان الله .. ما شأنه يقول: وكان الله .. ؟.
فقال ابن عباس: أما قوله ثُمَّ لَمْ تَكنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا واللَّهِ رَبِّنا ما كنَّا مُشْرِكينَ (23)[الأنعام: 23] (فإنهم لما رأوا يوم القيامة أن الله يغفر لأهل
(1) المرجع السابق ص 262.
الإسلام ويغفر الذنوب ولا يغفر شركا ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره، جحده المشركون رجاء أن يغفر لهم فقالوا: واللَّهِ رَبِّنا ما كنَّا مُشْرِكينَ فختم على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون فعندئذ يَوَدُّ الَّذِينَ كفَرُوا وعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّي بِهِمُ الْأَرْضُ ولا يَكتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42)[النساء: 42]، وأما قوله: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ ولا يَتَساءَلُونَ (101) فإنه إذا نفخ في الصور فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ ومَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ [الزمر: 68]، فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ ولا يَتَساءَلُونَ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْري فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (68) [الزمر: 68]، وأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلي بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (25) [الطور: 25].
وأما قوله: خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، فإن الأرض خلقت قبل السماء وكانت السماء دخانا فسواهن سبع سماوات في يومين بعد خلق الأرض وأما قوله والْأَرْضَ بَعْدَ ذلِك دَحاها، يقول: جعل فيها جبلا وجعل فيها نهرا وجعل فيها شجرا وجعل فيها بحورا.
وأما قوله: وكانَ اللَّهُ
…
(فإن الله كان ولم يزل كذلك وهو كذلك عزيز، حكيم، عليم، قدير، لم يزل كذلك، فما اختلف عليك من القرآن فهو يشبه ما ذكرت لك، وأن الله لم ينزل شيئا إلا وقد أصاب به الذي أراد ولكن أكثر الناس لا يعلمون (1).
وذكر الزركشي في البرهان أن رجلا سأل بعض العلماء عن قوله تعالى: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ [البلد: 1] فأخبر أنه لا يقسم بهذا البلد ثم أقسم به في قوله تعالى: وهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)[التين: 3]، فقال له العالم: أي الأمرين أحب إليك؟، أجيبك ثم أقطعك، أو أقطعك ثم أجيبك؟.
(1) رواه الحاكم.
فقال السائل: بل اقطعني ثم أجبني فقال له: (اعلم أن القرآن نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرة رجال وبين ظهراني قوم كانوا أحرص الخلق على أن يجدوا فيه مغمرا وعليه مطعنا فلو كان هذا عندهم مناقضة لتعلقوا به وأسرعوا بالرد عليه ولكن القوم علموا وجهلت فلم ينكروا فيه ما أنكرت ثم قال له: إن العرب قد تدخل (لا) في أثناء كلامها وتلغي معناها (1).
ونظائر هذا في القرآن كثيرة منها - أيضا -: قال تعالى: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كالدِّهانِ (37) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكما تُكذِّبانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ ولا جَانٌّ (39)[الرحمن: 37 - 39]، فأخبر هنا أنه: لا يسأل الإنس ولا الجن يوم القيامة عن أعمالهم، بينما في آيات أخرى أثبت أنه يسألهم من ذلك قوله تعالى: وأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (91) وقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ [الشعراء: 90 - 93]، ويَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62) [القصص: 62]، ويَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) [القصص: 65]، وقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (24) [الصافات: 24].
وحل الإشكال: أن السؤال المنفي هو سؤال الاستعلام والاستفهام عن الأمور المجهولة، فإنه لا حاجة إلي سؤالهم مع كمال علم الله تعالى وإحاطته بأعمالهم والسؤال المثبت هو سؤال تقريرهم بأعمالهم لتوبيخهم وإظهار أن الله حكم فيهم بعدله وحكمته (2).
ومن هذا يتبين لنا أهمية قضية المشكل وكيف يتصيد هذه المواضع أعداء القرآن ليحرجوا الدعاة المساكين أمثالنا ممن لا يعرفون كيف يزال إشكال المشكل.
(1) البرهان في علوم القرآن 2/ 54.
(2)
انظر: بحوث في أصول التفسير للصباغ ص 268، والقواعد الحسان ص 46 - 41.