الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الحادي عشر التحذير من الاجتراء على التفسير بغير علم
الحق أن الله تعالى - حذرنا من الاجتراء على القول بغير علم على الإطلاق، في التفسير وغيره فقال تعالى: ولا تَقْفُ ما لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ [الإسراء: 36]، وأكثر ما يشتد التحذير عند ما يكون القول متعلقا بكلام الله عز وجل.
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار» (1).
والأخبار المحفوظة عن سلفنا الصالح - رضوان الله عليهم - في التورع والتحذير من القول في التفسير بغير علم كثير جدا منها:
عن أبي معمر قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله ما لم أعلم)(2).
وعن أنس رضي الله عنه قال: كنا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي ظهر قميصه أربع رقاع فقرأ وفاكهَةً وأَبًّا (31)[عبس: 31]، فقال ما الأبّ؟ ثم قال: إن هذا لهو التكلف فما عليك أن لا تدريه (3).
وعن ابن أبي مليكة قال: سأل رجل ابن عباس عن يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج: 4]، فقال له ابن عباس فما: يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، فقال الرجل سألتك لتحدثني، فقال ابن عباس هما يومان ذكرهما الله في كتابه الله أعلم بهما. فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم) (4).
(1) الترمذي برقم (2950) من حديث ابن عباس وذكر الألباني في ضعيف الجامع برقم (5737).
(2)
تفسير الطبري 1/ 52.
(3)
مقدمة في أصول التفسير ص 118.
(4)
فضائل القرآن لأبي عبيد.
وروي نفس الأثر عن ابن أبي مليكة قال سئل ابن عباس عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها فأبي أن يقول فيها (1).
وعن مالك رضي الله عنه قال: كان سعيد بن المسيب إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال: إنا لا نقول في القرآن شيئا.
وقال الليث .. كان سعيد بن المسيب لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن.
وقال ابن شوذب حدثني يزيد قال: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع.
وروي ابن جرير بسنده عن عبيد الله بن عمر قال: لقد أدركت فقهاء المدينة وإنهم ليعظمون القول في التفسير منهم سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد وسعيد بن المسيب ونافع.
وعن الشعبي عن مسروق قال: اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله (2).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (من قال في القرآن برأيه فقد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أمر به فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ لأنه لم يأت الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار وإن وافق حكمه الصواب في نفس الأمر، لكن يكون أخف جرما ممن أخطأ والله اعلم)(3).
وشبه شيخ الإسلام - بعد ذلك - المجترئين على القول في التفسير بغير علم بالقاذفين، قال: وهكذا سمي الله تعالى القذفة كاذبين فقال: فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِك عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ [النور: 13]، فالقاذف كاذب ولو
(1) تفسير الطبري 1/ 62.
(2)
مقدمة في أصول التفسير ص 120، 121.
(3)
المرجع السابق ص 116.
كان قد قذف من زني في نفس الأمر، لأنه أخبر بما لا يحل له الإخبار به وتكلف ما لا علم له به والله أعلم (1).
ومن خلال هذه الآثار يتبين لنا خطورة الاجتراء على تفسير القرآن بغير علم، وهذا كله محمول بالطبع على ما لا علم للإنسان فيه من معاني القرآن فأما ما كان يعرفه لوضوح دلالته أو لأنه تعلمه وقرأه فيكون الكلام به من أفضل القرب لأنه تبيين وبلاغ.
وأجدر الناس بالتورع عن الاجتراء على القول بغير علم في تفسير القرآن هم طلبة العلم، ولكن للأسف قد يحدث العكس، ففي إطار الجدل بحثا عن إرضاء النفس وإظهار قدراتها قد يثور الجدل في مسألة تفسيرية أو غيرها ويجترئ أكثرنا بدون علم.
وصدق من قال: إن أكثر أهل زماننا - الآن - يجترئ الواحد منهم على القول في المسألة، وربما تكون نفس المسألة لو سئل فيها عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر - يعني أكابر الصحابة، ولنحرص يا طلاب العلم على تعليم الناس هذا الورع فقد يأتيك اثنان يختصمان إليك في معنى آية وهذا يقول أنا قلت كذا والآخر يقول وأنا قلت كذا، وقبل أن تجيبهما إن كنت تعلم الجواب، بين لهما خطورة الأمر وأنه لا يحق لهما المجادلة في كتاب الله عز وجل، وأن يقول الواحد تفسيرا بغير علم ثم يلتمس له دليلا من العلماء فإن وافق كلام العلماء شعر بتحقيق النصر وإلا فلا.
والأمر كما أسلفنا من كلام شيخ الإسلام هو آثم وإن وافق قوله الصواب، طالما قد صدر عنه بغير علم وكانت منه رمية بغير رام. والله المستعان.
(1) المرجع السابق ص 117.