الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاجِبَات طَالب الْعلم
وَإِنِّي أتصور الْآن أَن الْكَلَام بمعونة الله ومشيئته لَا بُد أَن يتَعَدَّى إِلَى فَوَائِد ومطالب ينْتَفع بهَا المنتهي كَمَا ينْتَفع بهَا الْمُبْتَدِئ وَيحْتَاج إِلَيْهَا الْكَامِل كَمَا يحْتَاج إِلَيْهَا المقصر ويعدها المتحققون بالعرفان من أعظم الْهَدَايَا
إخلاص النِّيَّة لله
فَأول مَا على طَالب الْعلم أَن يحسن النِّيَّة وَيصْلح طويته وَيتَصَوَّر أَن هَذَا الْعَمَل الَّذِي قصد لَهُ وَالْأَمر الَّذِي أَرَادَهُ هُوَ الشَّرِيعَة الَّتِي شرعها الله سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ وَبعث بهَا رسله وَأنزل بهَا كتبه ويجرد نَفسه عَن أَن يشوب ذَلِك بمقصد من مَقَاصِد الدُّنْيَا أَو يخلطه بِمَا يكدره من الإرادات الَّتِي لَيست مِنْهُ كمن يُرِيد بِهِ الظفر بِشَيْء من المَال أَو يصل بِهِ إِلَى نوع من الشّرف أَو الْبلُوغ إِلَى رئاسة من رئاسات الدُّنْيَا أَو جاه يحصله بِهِ
فَإِن الْعلم طيب لَا يقبل غَيره وَلَا يحْتَمل الشّركَة والروائح الخبيثة إِذا لم تغلب على الروائح الطّيبَة فَأَقل الْأَحْوَال أَن تساويها وبمجرد هَذِه الْمُسَاوَاة لَا تبقى للطيب رَائِحَة وَالْمَاء الصافي العذب الَّذِي يستلذه شَاربه كَمَا يكدره الشَّيْء الْيَسِير من المَاء المالح فضلا عَن غير المَاء من القاذورات بل تنقص لذته مُجَرّد وجود القذاة فِيهِ وَوُقُوع الذُّبَاب عَلَيْهِ هَذَا على فرض أَن مُجَرّد تشريك الْعلم مَعَ غَيره لَهُ حكم هَذِه المحسوسات وهيهات ذَاك
فَإِن من أَرَادَ أَن يجمع فِي طلبه الْعلم بَين قصد الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فقد أَرَادَ الشطط وَغلط أقبح الْغَلَط فَإِن طلب الْعلم من أشرف أَنْوَاع الْعِبَادَة
وأجلها وأعلاها وَقد قَالَ الله سُبْحَانَهُ (وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين) فقيد الْأَمر بِالْعبَادَة بالإخلاص الَّذِي هُوَ روحها
وَصَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَلكُل امْرِئ مَا نوى وَهُوَ ثَابت فِي دواوين الْإِسْلَام كلهَا وَقد تَلَقَّتْهُ الْأمة بِالْقبُولِ وَإِن كَانَ أحاديا أجمع جَمِيع أهل الْإِسْلَام على ثُبُوته وَصِحَّته
وَقد تقرر فِي علم الْبَيَان الْأُصُول بِأَن إِنَّمَا من صِيغ الْحصْر وَثَبت القَوْل بذلك عَن الصَّحَابَة روى عَن ابْن عَبَّاس أَنه احْتج على اخْتِصَاص الرِّبَا النَّسِيئَة بِحَدِيث الرِّبَا فِي النَّسِيئَة وَلم يُخَالِفهُ الصَّحَابَة فِي فهمه وَإِنَّمَا خالفوه فِي الحكم مستدلين بأدلة أُخْرَى مصرحة بِثُبُوت رَبًّا الْفضل
وكما أَن هَذَا التَّرْكِيب يُفِيد مَا ذَكرْنَاهُ من الْحصْر كَذَلِك لفظ الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ أَو بِالنِّيَّاتِ كَمَا ورد فِي بعض أَلْفَاظ الحَدِيث الثَّابِتَة فِي الصَّحِيح فَإِن الْألف وَاللَّام تفِيد الِاسْتِغْرَاق وَهُوَ يسْتَلْزم الْحصْر وَهَكَذَا ورد فِي بعض أَلْفَاظ الحَدِيث لَا عمل إِلَّا بنية وَهِي أَيْضا من صِيغ الْحصْر بل هِيَ أقواها
وَالْمرَاد بِالْأَعْمَالِ هُنَا أَفعَال الْجَوَارِح حَتَّى اللِّسَان فَتدخل الْأَقْوَال وَمن نَازع فِي ذَلِك فقد أَخطَأ
ثمَّ لَا بُد لقَوْله بِالنِّيَّاتِ من تَقْدِير متخلق عَام لعدم وُرُود دَلِيل يدل على