الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عدم الاغترار بِمُجَرَّد الِاسْم دون النّظر فِي مَعَاني المسميات وحقائقها
وَمن جملَة مَا يَنْبَغِي لَهُ استحضاره أَن لَا يغتر بِمُجَرَّد الِاسْم دون النّظر فِي مَعَاني المسميات وحقائقها فقد يُسمى الشئ باسم شَرْعِي وَهُوَ لَيْسَ من الشَّرْع فِي شئ بل هُوَ طاغوت بحت
وَذَلِكَ كَمَا يَقع من بعض من نَزعه عرق إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّة من عدم تَوْرِيث الْإِنَاث فَإِنَّهُم يخرجُون أَمْوَالهم أَو أَكْثَرهَا أَو أحْسنهَا إِلَى الذُّكُور من أَوْلَادهم بِصُورَة الْهِبَة وَالنّذر وَالْوَصِيَّة أَو الْوَقْف فَيَأْتِي من لَا يبْحَث عَن الْحَقَائِق فَينزل ذَلِك منزلَة التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة اغْتِرَارًا مِنْهُ بِأَن الشَّارِع سوغ للنَّاس الْهِبَة وَالنّذر وَالْوَصِيَّة غير ملتفت إِلَى أَن هَذَا لم يكن لَهُ من ذَلِك إِلَّا مُجَرّد الِاسْم الَّذِي أحدثه فَاعله وَلَا اعْتِبَار بالأسماء بل الِاعْتِبَار بالمسميات
فالهبة الشَّرْعِيَّة هِيَ الَّتِي أرشد إِلَيْهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما سَأَلَهُ بشير وَالِد النُّعْمَان عَن تَخْصِيص وَلَده النُّعْمَان بِشَيْء من مَال وَطلب مِنْهُ أَن يشْهد على ذَلِك فَقَالَ لَا أشهد على جور وَوَقع مِنْهُ الْأَمر بالتسوية بَين الْأَوْلَاد وَهُوَ حَدِيث صَحِيح لَهُ طرق مُتعَدِّدَة
فالهبة الْمُشْتَملَة على التَّفْصِيل الْمُخَالف لفرائض الله لَيست بِهِبَة شَرْعِيَّة بل جور مضاد لما شَرعه الله فإطلاق اسْم الْهِبَة عَلَيْهَا مخادعة لله ولعباده فَلَا ينفذ من ذَلِك شئ بل هُوَ بَاطِل رده لكَونه لَيْسَ على أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَهَكَذَا من خصص بعض ورثته بِنذر يُخَالف مَا شَرعه الله من الْفَرَائِض
فَهَذَا لَيْسَ هُوَ النّذر الَّذِي شَرعه الله بل هُوَ نذر طاغوتي فَإِن النّذر الَّذِي شَرعه الله سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي يَقُول فِيهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم النّذر مَا ابْتغى بِهِ وَجه الله وَيَقُول لَا نذر فِي مَعْصِيّة الله كَمَا هُوَ ثَابت فِي الصَّحِيح
وَهَذَا النَّاذِر أخرج بعض مَاله إِلَى بعض ورثته مُخَالفا لما فَرْضه الله تَعَالَى من الْمَوَارِيث ثمَّ سمى ذَلِك الْبَعْض نذرا وَهُوَ لم يبتغ بِهِ وَجه الله وَلَا أطاعه بِهِ بل ابْتغى بِهِ وَجه الشَّيْطَان الَّذِي وسوس لَهُ بِأَن يُخَالف الشَّرْع وأطاعه بِمَعْصِيَة الله
وَهَكَذَا من أخرج بعض مَاله على تِلْكَ الصّفة بِالْوَصِيَّةِ فَإِن هَذِه الْوَصِيَّة المتضمنة للمفاضلة بَين الْوَرَثَة لَيست الْوَصِيَّة الَّتِي شرعها الله تَعَالَى لِعِبَادِهِ بل وَصِيَّة طاغوتية فَإِن الْوَصِيَّة الشَّرْعِيَّة هِيَ الَّتِي يَقُول فِيهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِن الله قد أعْطى كل حق حَقه وَلَا وَصِيَّة لوَارث
وَيَقُول فِيهَا الرب تبارك وتعالى (من بعد وَصِيَّة يوصى بهَا أَو دين غير مضار) وَيَقُول فِيهَا (فَمن خَافَ من موص جنفا أَو إِثْمًا فَأصْلح
بَينهم فَلَا إِثْم عَلَيْهِ) وَالْمرَاد بالإصلاح إبِْطَال مَا جَاءَ من الْفساد فِي وَصيته وَقد ورد عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن الضرار فِي الْوَصِيَّة من أَسبَاب النَّار وَأَنه يحبط عبَادَة الْعُمر كَمَا أخرج ذَلِك جمَاعَة وَصَححهُ من صَححهُ
فَمن جَاءَتْهُ من هَذِه الْوَصَايَا الْمُشْتَملَة عل الضرار بِوَجْه من الْوُجُوه فأنفذها من الثُّلُث مستدلا على ذَلِك بِمثل حَدِيث الثُّلُث وَالثلث كثير وبمثل مَا ورد من سَائِر الْآيَات وَالْأَحَادِيث القاضية بِالْوَصِيَّةِ على الْإِطْلَاق فقد غلط بَينا فَإِن هَذِه الْوَصِيَّة الَّتِي قَالَ فِيهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم الثُّلُث وَالثلث كثير هِيَ وَصِيَّة قربَة كَمَا فِي الْقِصَّة الْمَشْهُورَة الثَّابِتَة فِي الْأُمَّهَات أَن سعد بن أبي وَقاص اسْتَأْذن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يتَصَدَّق بِجَمِيعِ مَاله فمازال ينازله حَتَّى قَالَ لَهُ الثُّلُث وَالثلث كثير
وَهَكَذَا مَا ورد من قَوْله صلى الله عليه وسلم إِن الله جعل لكم ثلث أَمْوَالكُم فِي آخر أعماركم فَإِنَّهُ قَيده بقوله فِي آخِره زِيَادَة فِي حسناتكم وَلَا يزِيد فِي الْحَسَنَات إِلَّا مَا كَانَ قربَة وَأما وَصَايَا الضرار المتضمنة لمُخَالفَته مَا شَرعه الله فَهِيَ زِيَادَة فِي السَّيِّئَات لَا زِيَادَة فِي الْحَسَنَات
فَتبين لَك أَن هَذِه الْوَصِيَّة الَّتِي أذن بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَيست وَصِيَّة الضرار فَإِن تِلْكَ قد أخرجهَا الله من عُمُوم مَشْرُوعِيَّة الْوَصِيَّة بقوله (غير مضار) وأخرجها النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِمَا تقدم من الْوَعيد الشَّديد لمن يضار فِي وَصيته وَيمْنَع الْوَصِيَّة للْوَارِث حَتَّى ثَبت فِي بعض الرِّوَايَات بِلَفْظ لَا تجوز وَصِيَّة لوَارث وَقد أوضحته فِي أبحاث مُتعَدِّدَة من مصنفاتي وَلَيْسَ المُرَاد هَهُنَا إِلَّا إرشاد طَالب إنصاف إِلَى عدم الاغترار بِمَا يَفْعَله المتلاعبون بِأَحْكَام الشَّرْع من تَسْمِيَة أُمُور تصدر عَنْهُم من الطاغوت بأسماء شَرْعِيَّة مخادعة لأَنْفُسِهِمْ واستدراجا لمن لَا فهم عِنْده وَلَا بحث عَن الْحَقَائِق
وَهَذِه الذريعة الشيطانية قد عَمت وطمت خُصُوصا أهل الْبَادِيَة فَإِنَّهُ بقى فِي أنفسهم مَا كَانَت عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّة الأولى من عدم تَوْرِيث الْإِنَاث وَمن لاحظ لَهُ عِنْدهم من الْوَرَثَة وَإِن كَانُوا ذُكُورا فأرادوا الِاقْتِدَاء بهم وَلَكنهُمْ لما كَانُوا مخبوطين بِسَوْط الشَّرْع مقهورين بِسَيْفِهِ نصبوا هَذِه الْوَسَائِل الملعونة فَقَالُوا نذرنا وهبنا أَو وصينا وساعدهم على ذَلِك طَائِفَة من الْمُقَصِّرِينَ الَّذين لَا يعْقلُونَ الصَّوَاب وَلَا يفهمون ربط المسببات بأسبابها فحرروا لَهُم تحريرات على أبلغ مَا يُفِيد النّفُوذ وَالصِّحَّة طَمَعا فِيمَا يتعجلونه من الحطام الَّذِي هُوَ من أقبح أَنْوَاع السُّحت فَإِن مَا يأخذونه على ذَلِك هُوَ حرَام كَمَا ثَبت عَن الشَّارِع من تَحْرِيم حلوان الكاهن وَأجر الْبَغي وَمَا يَأْخُذهُ من يعلم كتاب الله وَنَحْو ذَلِك من الْأُمُور
وَلَا يشك من يفهم الْحجَج الشَّرْعِيَّة أَن سَبَب تَحْرِيم ذَلِك هُوَ كَونه على تَحْلِيل حرَام أَو تَحْرِيم حَلَال وَهَذَا الَّذِي يكْتب هَذِه المكاتيب الطاغوتية المتضمنة لمُخَالفَة مَا شَرعه الله من لِعِبَادِهِ من الْمَوَارِيث وَقدره لَهُم فِي كِتَابه وَقَيده بِعَدَمِ الضرار هُوَ أولى بِتَحْرِيم مَا يَأْخُذهُ من أُولَئِكَ
وَقد يقوم شَيْطَان من شياطين المقلدة ومخذول من مخذولي المشتغلين بِالرَّأْيِ فيجادل عَن هَذِه الْوَصَايَا وَالنّذر ورد الهبات وَنَحْوهَا وينزلها منزلَة الْوَصَايَا وَالنُّذُور والهبات الشَّرْعِيَّة ويورد مَا قَالَه من يقلده مِمَّن يستعظم النَّاس كَلَامه ويقتدون بمذهبه ويحكى لَهُم مَا صرح بِهِ فِي هَذِه الْأَبْوَاب وَنَحْوهَا من مصنفاته غير متعقل الْفرق بَين هَذِه الطواغيت وَبَين تِلْكَ الْأُمُور الشَّرْعِيَّة وَلَا فاهم للمغايرة الْكُلية وَلَا متأمل للأسباب الَّتِي تصدر عَنْهَا تِلْكَ الْأُمُور وَأَن أهل الْعلم بأسرهم إِنَّمَا تكلمُوا فِي مصنفاتهم على الْأُمُور الشَّرْعِيَّة لَا الْأُمُور الْجَاهِلِيَّة وَأَن مُجَرّد الِاسْم لَا يحلل الْحَرَام وَلَا يحرم الْحَلَال كَمَا لَو سميت الْخمر مَاء أَو المَاء خمرًا فَإِنَّهُ لَو كَانَ الحكم يَدُور على التَّسْمِيَة لَكَانَ الْخمر الْمُسَمّى مَاء حَلَالا وَكَانَ المَاء الْمُسَمّى خمرًا حَرَامًا
وَهَذَا خرق للشَّرْع وهتك للدّين وَمن اغْترَّ فَلَيْسَ من النَّوْع الإنساني بل من النَّوْع البهيمي وَلَا يَنْبَغِي الْكَلَام نعه بل يُقَال لَهُ هَذَا الَّذِي فِيهِ النزاع لَيْسَ هُوَ مَا تكلم عَلَيْهِ من تقلده وتقتدي بِهِ بل هُوَ شئ آخر يضاده وَيُخَالِفهُ لِأَن أهل الشَّرْع إِنَّمَا يَتَكَلَّمُونَ على الْأُمُور الشَّرْعِيَّة وَهَذَا لَيْسَ شَرْعِي بل طاغوتي فَإِن فهم هَذَا استراح مِنْهُ وَإِن لم يفهمهُ فَفِي السُّكُوت رَاحَة من تحمل كرب مُخَاطبَة السُّفَهَاء
وَلَقَد وقعنا مَعَ جمَاعَة من مقصري الْقُضَاة والمفتين فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فِي أُمُور عَظِيمَة وخطوب جسيمة وَفتن كَبِيرَة لَا يَتَّسِع الْمقَام لبسطها وَالْحق مَنْصُور وَالْبَاطِل مخذول وَللَّه الْحَمد
وَأعظم مَا يتمسكون بِهِ من التَّغْرِير على الْعَوام والتزوير على الْمُلُوك وَمن يقدر على الْقيام بنصرهم استكثارهم من قَوْلهم هَذَا خَالف الْمَذْهَب فعل كَذَا قَالَ كَذَا وَلم يُخَالف فِي الْوَاقِع إِلَّا الطاغوت وَلَا نصر إِلَّا الشَّرْع
فليحذر طَالب الْعلم من الاغترار بِمثل ذَلِك والروعة مِنْهُ فَإِن الْعَاقِبَة لِلْمُتقين وَالله نَاصِر المحقين والأعمال بِالنِّيَّاتِ وَلَقَد تلطف المحبون لهَذِهِ الطواغيت والمساعدون لَهُم على كتبهَا لما صممت على إِبْطَالهَا وأبطلها
كل من ترد عَلَيْهِ من فاض أَو غَيره بعد أَن وَقع بيني وَبينهمْ مَا أَشرت إِلَيْهِ سَابِقًا فَكَانَ من جملَة مَا عدلوا إِلَيْهِ من الذرائع والوسائل الْإِقْرَار للذكور أَو لمن يحبونَ بديون ونفقات ومكتسبات وَلم ينْفق ذَلِك عَليّ وَلَا الْتفت إِلَيْهِ بل كشفت عَن أصل كل إِقْرَار فَمَا كَانَ صادرا عَن هَذِه الْمَقَاصِد الْفَاسِدَة أبطلته
وَمن جملَة مَا تلطف بِهِ من لَهُ أَوْلَاد ذُكُورا وإناثا أَن يعمدوا إِلَى أَوْلَاد أَوْلَادهم الذُّكُور فينذرون عَلَيْهِم ويوصون لَهُم وَيَقُولُونَ إِنَّهُم فعلوا ذَلِك لغير وَارِث وَلم يَفْعَلُوا ذَلِك إِلَّا لقصد تقليل نصيب بناتهم وتوفير نصيب الذُّكُور
وَقد تتبعت هَذَا فَمَا وجدت أحدا يُوصي لأولاده أَوْلَاده أَو ينذر عَلَيْهِم إِلَّا وَمَعَهُ بَنَات أَو لَهُ ميل إِلَى بعض الْأَوْلَاد دون بعض وَلَا يَفْعَلُونَ ذَلِك لمقصد صَالح إِلَّا فِي أندر الْحَالَات وأقلها
وَمن جملَة هَذِه الْوَصَايَا الطاغوتية وَالنُّذُور الشيطانية مَا يَفْعَله كثير من النَّاس من النذور والوصايا على قبُول الْأَمْوَات فَإِنَّهُ لَا مقصد لَهُم بذلك إِلَّا استجلاب الْخَيْر واستدفاع الشَّرّ من صَاحب الْقَبْر وَهُوَ قد صَار بَين أطباق الثرى يعجز عَن نفع نَفسه فضلا عَن نفع غَيره
فَلَا يَصح شئ من ذَلِك بل يتَوَجَّه على أهل الولايات صرفه فِي مصَالح الْمُسلمين ويعرفون النَّاس بقبح مَا يصنعونه من ذَلِك وَأَنه من الْأُمُور الَّتِي لَا يحل اعتقادها وَأَن الضّر والنفع واستجلاب الْخَيْر واستدفاع الشَّرّ بيد الله عز وجل لَيْسَ لغيره فِيهِ حكم وَلَا لَهُ عَلَيْهِ اقتدار
فَإِن رجعُوا عَن ذَلِك وتابوا وَإِلَّا انْتقل صَاحب الْولَايَة مَعَهم إِلَى مَا هُوَ أَشد من ذَلِك وَلَا يدعهم حَتَّى يتوبوا
وَهَكَذَا مَا يَقع من الْأَوْقَاف على الْقُبُور فَإِنَّهَا من الْحَبْس الشيطانية والدلس الطاغوتية وَلَا يحل تَقْرِير شئ مِنْهَا وَلَا السُّكُوت عَنهُ بل صرفهَا