الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جملَة أَنْوَاع الْقَرَائِن الْعُرْفِيَّة والعقلية افترى كل متعصب على الْعقل وَالْعرْف مَا شَاءَ وصنع فِي مَوَاطِن الْخلاف مَا أرد وَالله الْمُسْتَعَان
التحايل على أَحْكَام الشَّرِيعَة
وَمن جملَة مَا يَسْتَعِين بِهِ على الْحق ويأمن مَعَه من الدُّخُول فِي الْبَاطِل وَهُوَ لَا يشْعر أَن يُقرر عِنْد نَفسه أَن هَذِه الشَّرِيعَة لما كَانَت من عِنْد عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الَّذِي لَا يُغَادر صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة إِلَّا أحصاها وَيعلم مَا تكن الصُّدُور وتخفيه الضمائر ويحول بَين الْمَرْء وَقَلبه كَانَت المخادعة بالحيل الْبَاطِلَة والتخلص مِمَّا طلبه بالوسائل الْفَاسِدَة من أعظم الْمعاصِي لَهُ وأقبح التجرؤ عَلَيْهِ
وَجَمِيع هَذِه الْحِيَل الَّتِي دونهَا أهل الرَّأْي هِيَ ضد لما شَرعه وعناد لَهُ ومراوغة لأحكامه ومجادلة بَاطِلَة لما جَاءَ فِي كِتَابه وَسنة رَسُوله
وَمن تفكر فِي الْأَمر كَمَا يَنْبَغِي وتدبره كَمَا يجب اقشعر لَهُ جلده وقف عِنْده شعره فَإِن هَذَا الَّذِي وضع للعباد هَذِه الْحِيَل كَأَنَّهُ يَقُول لَهُم هَذَا الحكم الَّذِي أوجبه الله عَلَيْكُم أَو حرمه قد وجدت لكم عَنهُ مخلصا وَمِنْه متحولا بذهني الدَّقِيق وفكري العميق هُوَ كَذَا وَكَذَا
فَهَذَا المخذول قد بلغ من التجرؤ على الله تَعَالَى مبلغا يتقاصر عَنهُ الْوَصْف لِأَنَّهُ ذهب يعانده ويضاد مَا تعبدنا بِهِ بِمُجَرَّد رَأْيه الفايل وتخليه الْبَاطِل مقرا على نَفسه بقبيح صنعه وَأَنه جَاءَ بِمَا يرِيح الْعباد من الحكم الشَّرْعِيّ
فَإِن كَانَ مَعَ هَذَا مُعْتَقدًا أَن ذَلِك التحيل الَّذِي جَاءَ بِهِ يحلل الْحَرَام وَيحرم الْحَلَال فَهُوَ مَعَ كذبه على الله وافترائه على شَرِيعَته قد ضم إِلَى ذَلِك مَا يسْتَلْزم أَنه يَدعِي لنَفسِهِ أَن يشرع للعباد من عِنْد نَفسه غير مَا شَرعه لَهُم وَذَلِكَ لَا يكون إِلَّا لله سُبْحَانَهُ فَإِن كَانَ هَذَا المخذول يَدعِي لنَفسِهِ الإلوهية مَعَ
الله سُبْحَانَهُ فحسبك من شَرّ سَمَاعه
وَإِن كَانَ لَا يَدعِي لنَفسِهِ ذَلِك فَيُقَال لَهُ مَا بالك تصنع هَذَا الصنع وَأي أَمر ألجأك إِلَيْهِ وأوقعك فِيهِ
قَالَ فَإِن رَأَيْت الله عز وجل قد صنع مثل هَذَا فِي مثل قصَّة أَيُّوب وصنعه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْمَرِيض الَّذِي زنى
فَيُقَال لَهُ مَا أَنْت وَهَذَا لأكْثر الله فِي أهل الْعلم من أمثالك وَمن أَنْت حَتَّى تجْعَل لنَفسك مَا جعله الله لنَفسِهِ فَلَو كَانَ هَذَا الْأَمر الفظيع سائغا لأحد من عباد الله لَكَانَ لَهُم أَن يشرعوا كَمَا شرع وينسخوا من أَحْكَام الدّين مَا شاوا كَمَا نسخ
ثمَّ أَي جَامع بَين هَذِه أَو بَين مَا شَرعه الله من ذَلِك فَإِنَّهُ مُجَرّد خُرُوج من مأثم وتحلل من يَمِين قد شرع الله تَعَالَى فِيهَا إتْيَان الَّذِي هُوَ خير كَمَا تَوَاتَرَتْ بذلك الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة حَتَّى ثَبت فِي الصَّحِيح أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حلف على ذَلِك فَقَالَ وَالله لَا أَحْلف على شئ فَأرى غَيره خيرا مِنْهُ إِلَّا أتيت الَّذِي هُوَ خير وكفرت عَن يَمِيني
فَأَيْنَ هَذَا مِمَّا يصنعه أسراء التَّقْلِيد من الْكَذِب على الله تَعَالَى وعَلى شَرِيعَته وعَلى عباده
أما الْكَذِب على الله فلكونهم زَعَمُوا عَلَيْهِ أَنه أذن لَهُم وسوغه لَهُم وَهُوَ كذب بحت وزور مَحْض وَإِن كَانُوا لَا يَعْتَقِدُونَ ذَلِك بل جَعَلُوهُ من عِنْد أنفسهم جرْأَة وعنادا ومكرا وخداعا فَالْأَمْر أَشد والقضية أعظم
وَأما كذبهمْ على الشَّرِيعَة فلكونهم جعلُوا مَا نصبوه من الْحِيَل الملعونة والذرائع الشيطانية والوسائل الطاغوتية من جملَة الشَّرِيعَة وَمن مسائلها ودونوه فِي كتب الْعِبَادَات والمعاملات
وَأما الْكَذِب على عباده فلكونهم ذَهَبُوا إِلَيْهِم فخدعوهم وماكروهم بِأَن مَا أوجبه الله من كَذَا لَيْسَ بِوَاجِب وَمَا حرمه من كَذَا لَيْسَ بِمحرم إِذا فعلوا كَذَا أَو قَالُوا كَذَا
وَمَا أشبه هَذَا بِمَا كَانَ يصنعه رُؤَسَاء الْجَاهِلِيَّة لأَهْلهَا من التلاعب بهم كَمَا يتلاعب الصّبيان والمجانين وكما يصنعه المجان وَأهل الدعاية فَإِن تَحْرِيم الْبحيرَة والسائبة والوصيلة والحام وَكَذَلِكَ مَا كَانَ يَفْعَلُونَهُ من النسئ وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ من الميسر والأنصاب والأزلام وَمَا كَانُوا يعتمدونه من يطوف بِالْبَيْتِ الْحَرَام من تِلْكَ الْأَفْعَال الَّتِي هِيَ أشبه بِأَفْعَال المجانين كالتعري وَمَا يشاكله لَا مقصد لرؤساء الْجَاهِلِيَّة بِهَذِهِ الْأُمُور الَّتِي كَانُوا يفعلونها ويأمرون الْعباد بهَا إِلَّا مُجَرّد ارْتِفَاع الذّكر وَإِظْهَار اقتدارهم على تَنْفِيذ مَا يريدونه وَقبُول النَّاس لما يأمرونهم بِهِ وَإِن كَانَت أُمُور متكررة وبلايا مُتعَدِّدَة وأعمالا شاقة
فَتدبر هَذَا وتأمله لتَكون على حذر من نفاق مَا جَاءُوا بِهِ من الْحِيَل الْبَاطِلَة عنْدك وَإِلَّا كنت كالبهيمة الَّتِي لَا تمنع ظهرهَا من رَاكب وَلَا تستعصى على مُسْتَعْمل
وَقد دلّت أَدِلَّة الْكتاب وَالسّنة على هَذَا وَكَفاك بِمَا قصَّة الله سُبْحَانَهُ علينا من حِيلَة أهل السبت وَقد أورد البُخَارِيّ فِي = كتاب الْحِيَل = من صَحِيحه
مَا يشفى ويكفى ولبعض الْمُتَأَخِّرين فِي هَذَا مُصَنف حافل استوعب فِيهِ جَمِيع الْأَدِلَّة وَهِي مَعْلُومَة لعلماء الْكتاب وَالسّنة
ولكننا اقتصرنا هَهُنَا على بَيَان الْأَسْبَاب الَّتِي تنشأ عَنْهَا الْحِيَل والمفاسد الَّتِي تتأثر عَنْهَا ليَكُون ذَلِك أوقع للْمُصَنف وأوقع فِي نَفسه كَمَا هُوَ دأبنا فِي هَذَا الْمُخْتَصر فَإنَّا نشِير إِلَى الْقَضِيَّة الَّتِي يَنْبَغِي اجتنابها بِكَلِمَات لَا تنبو عَنْهَا مسامع المنصفين وَلَا تنكرهَا قُلُوبهم وَلَا تبعد عَنْهَا أفهامهم وَإِذا حصل الْمَقْصُود بالاختصار لم تبْق للتطويل حَاجَة وَقد ينفع الْقَلِيل نفعا لَا يبلغهُ الْكثير على أَنا لم نَكُنْ بصدد نشر الْأَدِلَّة وإيراد ألفاظها فَإِنَّهَا مَعْرُوفَة مدونة بل نَحن بصدد الْإِرْشَاد إِلَى الْإِنْصَاف بعبارات تشْتَمل على معَان قد تحتجب عَن كثير من الأذهان وتبعد عَن غَالب الأفهام