الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَقْلِيد المتعصبين من عُلَمَاء الْجرْح وَالتَّعْدِيل
وَمن جملَة الْأَسْبَاب الْمَانِعَة من الْإِنْصَاف التَّقْلِيد فِي علم الْجرْح وَالتَّعْدِيل لمن فِيهِ عصبية من المصنفين فِيهِ كَمَا يجده اللبيب كثيرا فَإِنَّهُ إِذا تصدى لذَلِك بعض المصابين بالتقليد كَانَ الْعدْل عِنْده من يُوَافقهُ فِي مذْهبه الَّذِي يَعْتَقِدهُ والمجروح من خَالفه كَائِنا من كَانَ
وَمن خفى عَلَيْهِ فَلْينْظر مَا فِي مصنفات الْحفاظ بعد انتشار الْمذَاهب وتقيد النَّاس بهَا وَكَذَلِكَ مَا فِي كتب المؤرخين
فَإِن الْمُوَافقَة فِي الْمَذْهَب حاملة على ترك التَّعَرُّض لموجبات الْجرْح وكتم الْأَسْبَاب الْمُقْتَضِيَة لذَلِك فَإِن وَقع التَّعَرُّض لشئ مِنْهَا نَادرا أَكثر المُصَنّف من التأويلات والمراوغات والتعسفات الْمُوجبَة لدفع كَون ذَلِك الْخَارِج خَارِجا
وَإِن كَانَ الْكَلَام على أَحْوَال المخالفات كَانَ الْأَمر بِالْعَكْسِ من ذَلِك فالفضائل مغموطة والرذائل منشورة من غير تَأْوِيل وَلَا إِحْسَان ظن
وَبِالْجُمْلَةِ فالاهتمام فِي الْمُوَافق بِذكر المناقب دون المثالب وَفِي الْمُخَالف بِالْعَكْسِ من ذَلِك وَلَا أَقُول إِنَّهُم يتعمدون الْكَذِب ويكتمون الْحق فهم أَعلَى قدرا وَأَشد تورعا من ذَلِك وَلَكِن رسخ فِي قُلُوبهم حب مذاهبهم فَأحْسنُوا الظَّن بِأَهْلِهَا فتسبب عَن ذَلِك مَا ذكرنَا وَلم يشعروا بِأَن هَذَا الصَّنِيع من أَشد التعصب وأقبح الظُّلم بل ظنُّوا أَن ذَلِك من نصْرَة الدّين وَرفع منار المحقين وَوضع أَمر المبطلين غَفلَة مِنْهُم وتقليدا
وَقد يَقع ذَلِك بَين أهل الْمَذْهَب الْوَاحِد مَعَ اتِّفَاقهم فِي التَّقْلِيد لإِمَام وَاحِد واعتقادهم بمعتقد وَاحِد فَإِذا تصدى أحدهم لتراجم أهل مذْهبه أَطَالَ ذيل الْكَلَام عِنْد ذكر شُيُوخه وتلامذته بِكُل مَا يقدر عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ يُوسع نطاق الْمقَام عِنْد تَرْجَمته لمن عَلَيْهِ أَي يَد كَانَت فَإِذا ترْجم غير شُيُوخه وتلامذته وَأهل مودته طفف لَهُم تطفيفا وأوسعهم ظلما وحيفا
وَإِذا كَانَ هَذَا مَعَ الِاتِّفَاق فِي الْمَذْهَب والمعتقد فَمَا ظَنك بِمَا يكون مَعَ
الِاخْتِلَاف فِي الْمَذْهَب والاتفاق فِي التسمي باسم وَاحِد إِمَّا بِاعْتِبَار الِاعْتِقَاد أَو بِاعْتِبَار أَمر آخر كَأَهل الْمذَاهب الْأَرْبَعَة فَإِنَّهُم اخْتلفُوا فِي الْمذَاهب مَعَ اتِّفَاقهم على أَنهم أهل السّنة واشتراك غالبهم فِي اعْتِقَاد قَول الْأَشْعَرِيّ فَإِن دَائِرَة الأهوية حِينَئِذٍ تتسع ومحبة العصبية تكْثر كَمَا ترَاهُ كثيرا فِي تراجم بَعضهم لبَعض خُصُوصا فِيمَا بَين الْحَنَابِلَة وَمن عداهم من أهل الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَكَذَلِكَ فِيمَا بَين الْحَنَفِيَّة وَمن عداهم وَمن نظر فِي ذَلِك بِعَين الْإِنْصَاف علم بِالصَّوَابِ
دع عَنْك مَا يَقع مَعَ الِاخْتِلَاف فِي الْمذَاهب والمعتقدات فَإِنَّهُ يبلغ الْأَمر إِلَى عَدَاوَة فَوق عَدَاوَة أهل الْملَل الْمُخْتَلفَة
فطالب بالإنصاف لَا يلْتَفت إِلَى شَيْء مِمَّا يَقع من الْجرْح وَالتَّعْدِيل بالمذاهب والنحل فيقبلون جَمِيعًا إِلَّا أَن يكون مَا جَاءَ بِهِ المتذهب مقويا لبدعته أَو كَانَ على مَذْهَب لَا يرى بِالْكَذِبِ فِيهِ بَأْسا كَمَا هُوَ عِنْد غلاة الرافضة وَأما مَا عدى الْجرْح وَالتَّعْدِيل بالمذاهب والمعتقدات فَإِن كَانَ الْمُتَكَلّم فِي ذَلِك بَرِيئًا عَن المتذهب والتعصب كَمَا يرْوى عَن السّلف قبل انتشار الْمذَاهب فاحرص عَلَيْهِ واعمل بِهِ على اعْتِبَار صِحَة الرِّوَايَة وصدوره فِي الْوَاقِع وَأما بِاعْتِبَار كَونه جارحا أَو غير جارح فَذَلِك مفوض إِلَى نظر الْمُجْتَهد
وَالَّذِي يَنْبَغِي التعويل عَلَيْهِ أَن القادح إِن كَانَ يرجع إِلَى أَمر يتَعَلَّق بالرواية كالكذب فِيهَا وضعت الْحِفْظ والمجازفة فَهَذَا هُوَ القادح الْمُعْتَبر وَإِن كَانَ يرجع إِلَى شَيْء آخر فَلَا اعْتِدَاد بِهِ وَإِن كَانَ الْمُتَكَلّم متلبسا بِشَيْء من هَذِه الْمذَاهب فَهُوَ مَقْبُول فِي جرح من يجرحه من الموافقين لَهُ وتزكية من يُزَكِّيه من الْمُخَالفين لَهُ وَأما مَا جَاءَ بِمَا يَقْتَضِي تَعْدِيل الْمُوَافق وجرح الْمُخَالف فَهَذَا مِمَّا يَنْبَغِي التَّوَقُّف فِيهِ حَتَّى يعرف من طَرِيق غَيره أَو يشْتَهر اشتهارا يقبله سامعه