الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإنَّك إِن فعلت ذَلِك كنت قد جعلته شَارِعا لَا متشرعا مُكَلّفا لَا مُكَلّفا وتعبدا لَا متعبدا وَفِي هَذَا من الْخطر علك والوبال لَك مَا قدمْنَاهُ فَإِنَّهُ وَإِن فضلك بِنَوْع من أَنْوَاع الْعلم وفَاق عَلَيْك بمدرك من مدارك الْفَهم فَهُوَ لم يخرج بذلك عَن كَونه مَحْكُومًا عَلَيْهِ متعبدا بِمَا أَنْت متعبد فضلا عَن أَن يرْتَفع عَن هَذِه الدرجَة إِلَى دَرَجَة يكون رَأْيه فِيهَا حجَّة على الْعباد واجتهاده لَدَيْهَا لَازِما لَهُم
بل الْوَاجِب عَلَيْك أَن تعترف لَهُ بِالسَّبقِ وتقر لَهُ بعلو الدرجَة اللائقة بِهِ فِي الْعلم مُعْتَقدًا أَن ذَلِك الِاجْتِهَاد الَّذِي اجتهده وَالِاخْتِيَار الَّذِي اخْتَارَهُ لنَفسِهِ بعد إحاطته بِمَا لَا بُد مِنْهُ هُوَ الَّذِي لَا يجب عَلَيْهِ غَيره وَلَا يلْزمه سواهُ لما ثَبت فِي = الصَّحِيح = عَنهُ صلى الله عليه وسلم من طرق أَنه إِذا اجْتهد الْحَاكِم فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَإِن اجْتهد فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر وَفِي خَارج = الصِّحَاح = فِي طرق أَنه إِذا أصَاب فَلهُ عشر أجور وَقد صَححهُ الْحَاكِم فِي = الْمُسْتَدْرك = وَفضل الله وَاسع وعطاؤه جم
توطين النَّفس على الْبَحْث وَالِاجْتِهَاد
وَلَيْسَ لَك أَن تعتقد أَن صَوَابه صَوَاب لَك أَو خطأه خطأ عَلَيْهِ بل عَلَيْك أَن توطن نَفسك على الْجد وَالِاجْتِهَاد والبحث بِمَا يدْخل من تَحت طوقك وتحيط بِهِ قدرتك حَتَّى تبلغ إِلَى مَا بلغ إِلَيْهِ من أَخذ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة من ذَلِك الْمَعْدن الَّذِي لَا مَعْدن سواهُ والموطن الَّذِي هُوَ أول الْفِكر وَآخر الْعَمَل فَإِن ظَفرت بِهِ فقد تدرجت من هَذِه الْبِدَايَة إِلَى تِلْكَ النِّهَايَة وَإِن قصرت عَنهُ لم تكن ملوما بعد أَن قررت عِنْد نَفسك وَأثبت فِي تصورك أَنه لَا حجَّة إِلَّا لله وَلَا حكم إِلَّا مِنْهُ وَلَا شرع إِلَّا مَا شَرعه وَإِن اجتهادات
الْمُجْتَهدين لَيست بِحجَّة على أحد وَلَا هِيَ من الشَّرِيعَة فِي شَيْء بل هِيَ مُخْتَصَّة بِمن صدرت عَنهُ لَا تتعداه إِلَى غَيره وَلَا يجوز لَهُ أَن يحمل عَلَيْهِ أحدا من عباد الله وَلَا يحل لغيره أَن يقبلهَا عَنهُ ويجعلها حجَّة عَلَيْهِ يدين الله بهَا فَإِن هَذَا شَيْء لم يَأْذَن الله بِهِ وَأمر لم يسوغه لأحد من عباده
وَلَا يغرك مَا اسْتدلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِجَوَاز التَّقْلِيد فَإِنَّهُ لَا دلَالَة فِي شَيْء مِمَّا جَاءُوا بِهِ على مَحل النزاع وَقد أوضحنا ذَلِك فِي مؤلف مُسْتَقل وَهُوَ القَوْل الْمُفِيد فِي حكم التَّقْلِيد فَارْجِع إِلَيْهِ إِن بَقِي فِي صدرك حرج فَإنَّك تقف فِيهِ على مَا يريحك وينثلج بِهِ صدرك ويفرح عِنْده روعك
فَإِن قلت وَكَيف يقتدر على تصور مَا أرشدت إِلَى تصَوره ويتمكن من توطين نَفسه على مَا دللت عَلَيْهِ من أَرَادَ الشُّرُوع فِي الْعلم بادئ بَدْء وَهُوَ إِذْ ذَاك لَا يدْرِي مَا الشَّرْع وَلَا يتعقل الْحجَّة وَلَا يعرف الْإِنْصَاف وَلَا يَهْتَدِي إِلَى مَا هديته إِلَيْهِ إِلَّا بعد أَن يتمرن ويمارس وَيكون لَهُ من الْعلم مَا يفهم بِهِ مَا تُرِيدُ مِنْهُ
قلت مَا أرشدك إِلَيْهِ يعرف بِمُجَرَّد الْعقل وسلامة الْفطْرَة وَعدم وُرُود مَا يرد عَلَيْهَا مِمَّا يغيرها وعَلى فرض وُرُود شَيْء من الْمُغيرَات عَلَيْهَا كاعتقاد حقية التَّقْلِيد وَنَحْوه فارتفاع ذَلِك يحصل بِأَدْنَى تَنْبِيه فَإِن هَذَا أَمر يقبله الطَّبْع بِأول وهلة لمطابقته للْوَاقِع وحقيته وكل مَا كَانَ كَذَلِك فَهُوَ مَقْبُول والطبائع تنفعل لَهُ انفعالا بأيسر عمل وَأَقل إرشاد وَهَذَا أَمر يُعلمهُ كل أحد ويشترك فِي مَعْرفَته أَفْرَاد النَّاس على اخْتِلَاف طبقاتهم وَلِهَذَا نبه عَلَيْهِ الشَّارِع فَقَالَ كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة وَلَكِن أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ ويمجسانه وَهُوَ ثَابت فِي = الصَّحِيح =