المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أنصاف المثقفين في زمن الشوكاني - أدب الطلب ومنتهى الأرب - ت الخشت

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌وَاجِبَات طَالب الْعلم

- ‌إخلاص النِّيَّة لله

- ‌قصد تَحْصِيل علم الدّين

- ‌تجنب التحيز وَالْمَعْصِيَة

- ‌تحري الْإِنْصَاف

- ‌توطين النَّفس على الْبَحْث وَالِاجْتِهَاد

- ‌تجربة الشَّوْكَانِيّ مَعَ الِاجْتِهَاد

- ‌الْأَسْبَاب الَّتِي تُؤدِّي إِلَى الْبعد عَن الْحق والعصبية

- ‌النشوء فِي بلد متمذهب بِمذهب معِين

- ‌حب الشّرف وَالْمَال

- ‌الْجِدَال والمراء وَحب الظُّهُور

- ‌حب الْقَرَابَة والتعصب للأجداد

- ‌صعوبة الرُّجُوع إِلَى الْحق لقَوْله بِخِلَافِهِ

- ‌كَون المنافس الْمُتَكَلّم بِالْحَقِّ صَغِير السن أَو الشَّأْن

- ‌آفَات الشُّيُوخ والتلاميذ

- ‌علاج التعصب

- ‌العواقب الوخيمة للتعصب والبعد عَن الْحق

- ‌عود إِلَى أَسبَاب التعصب

- ‌الِاسْتِنَاد إِلَى قَوَاعِد ظنية

- ‌عدم الموضوعية فِي عرض حجج الْخُصُوم

- ‌المنافسة بَين الأقران

- ‌التباس مَا هُوَ من الرَّأْي الْبَحْث بِشَيْء من الْعُلُوم الَّتِي هِيَ مواد الِاجْتِهَاد

- ‌الْأَسْبَاب الَّتِي تُؤدِّي إِلَى الْبعد عَن الْحق والتعصب

- ‌النشوء فِي بلد متمذهب بِمذهب معِين

- ‌حب الشّرف وَالْمَال

- ‌الْجِدَال والمراء وَحب الِانْتِصَار والظهور

- ‌حب الْقَرَابَة والتعصب للأجداد

- ‌صعوبة الرُّجُوع إِلَى الْحق الَّذِي قَالَ بِخِلَافِهِ

- ‌أَن يكون المنافس الْمُتَكَلّم بِالْحَقِّ صَغِير السن أَو الشَّأْن

- ‌من آفَات الشَّيْخ والتلميذ

- ‌علاج التعصب

- ‌العواقب الوخيمة للتعصب والبعد عَن الْحق

- ‌عود إِلَى أَسبَاب التعصب الِاسْتِنَاد إِلَى قَوَاعِد ظنية

- ‌عدم الموضوعية فِي عرض حجج الْخُصُوم

- ‌تَقْلِيد المتعصبين من عُلَمَاء الْجرْح وَالتَّعْدِيل

- ‌المنافسة بَين الأقران بِلَا تبصر

- ‌التباس مَا هُوَ من الرَّأْي الْبَحْث بِشَيْء من الْعُلُوم الَّتِي هِيَ مواد الِاجْتِهَاد

- ‌كَيْفيَّة الْوُصُول إِلَى مَرَاتِب الْعلم الختلفة

- ‌طَبَقَات طلاب الْعلم

- ‌كَيْفيَّة الْوُصُول إِلَى الْمرتبَة الأولى للْعلم

- ‌كَيْفيَّة الْوُصُول إِلَى الْمرتبَة الثَّانِيَة

- ‌كَيْفيَّة الْوُصُول إِلَى الْمرتبَة الثَّالِثَة

- ‌كَيْفيَّة الْوُصُول إِلَى الْمرتبَة الرَّابِعَة

- ‌كَيْفيَّة الْوُصُول إِلَى مَرَاتِب الْعلم الْمُخْتَلفَة

- ‌طَبَقَات طلاب الْعلم

- ‌كَيْفيَّة الْوُصُول إِلَى الْمرتبَة الأولى للْعلم

- ‌علم النَّحْو

- ‌علم الصّرْف

- ‌علم الْمعَانِي وَالْبَيَان

- ‌فن الْوَضع والمناظرة

- ‌المؤلفات الْمُشْتَملَة على بَيَان مُفْرَدَات اللُّغَة عُمُوما وخصوصا

- ‌علم الْمنطق

- ‌فن أصُول الْفِقْه

- ‌علم الْكَلَام أَو أصُول الدّين

- ‌علم التَّفْسِير

- ‌علم السّنة

- ‌علم مصطلح الحَدِيث

- ‌علم التَّارِيخ

- ‌مؤشر الْوُصُول إِلَى الْمرتبَة الأولى

- ‌علم الْفِقْه

- ‌من لَوَازِم الْإِنْصَاف وَالِاجْتِهَاد

- ‌أهمية الِاطِّلَاع على أشعار المبدعين

- ‌النّظر فِي بلاغات مبدعي الْإِنْشَاء

- ‌علم الْعرُوض والقوافي

- ‌أهمية الِاطِّلَاع على الْعُلُوم الفلسفية

- ‌أَنْصَاف المثقفين فِي زمن الشَّوْكَانِيّ

- ‌المؤهلون لتلقي الْعلم

- ‌تولي أهل الْعلم للمناصب

- ‌كَيْفيَّة الْوُصُول إِلَى الْمرتبَة الثَّانِيَة للْعلم

- ‌علم النَّحْو

- ‌علم الصّرْف

- ‌علم الْمعَانِي وَالْبَيَان

- ‌علم أصُول الْفِقْه

- ‌علم التَّفْسِير

- ‌علم الحَدِيث

- ‌عُلُوم أُخْرَى

- ‌مؤشر الْوُصُول إِلَى الْمرتبَة الثَّانِيَة

- ‌كَيْفيَّة الْوُصُول إِلَى الْمرتبَة الثَّالِثَة للعم

- ‌علم الْإِعْرَاب

- ‌علم مصطلح الحَدِيث

- ‌علم السّنة

- ‌علم التَّفْسِير

- ‌مَاذَا يفعل الطَّالِب عِنْد حُدُوث إِشْكَال أَو صعوبة

- ‌كَيْفيَّة الْوُصُول إِلَى الْمرتبَة الرَّابِعَة للْعلم

- ‌كَيفَ تصبح شَاعِرًا

- ‌كَيفَ تصبح منشئا

- ‌كَيفَ تصبح محاسبا

- ‌كَيفَ تصبح عَالما بالفلسفة

- ‌كَيفَ تصبح طَبِيبا

- ‌كَيفَ تكون عَالما بِمذهب من الْمذَاهب

- ‌مبَاحث ضَرُورِيَّة لطَالب الْحق

- ‌جلب الْمصَالح وَدفع الْمَفَاسِد

- ‌الدَّلَائِل الْعَامَّة والكليات

- ‌أَصَالَة الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ وَعدم جَوَاز الِانْتِقَال عَنهُ إِلَّا لعلاقة أَو قرينَة

- ‌التحايل على أَحْكَام الشَّرِيعَة

- ‌الْإِجْمَاع - الْقيَاس

- ‌الِاجْتِهَاد - الِاسْتِحْسَان

- ‌مفاسد أَصَابَت دين الْإِسْلَام

- ‌الاعتقادات الْفَاسِدَة فِي بعض الْأَمْوَات

- ‌تعدد الْمذَاهب

- ‌مفاسد بعض أدعياء التصوف

- ‌جلب الْمصَالح وَدفع الْمَفَاسِد

- ‌الدَّلَائِل الْعَامَّة والكليات

- ‌أَصَالَة الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ وَعدم جَوَاز الِانْتِقَال عَنهُ إِلَّا لعلاقة أَو قرَابَة

- ‌التحايل على أَحْكَام الشَّرِيعَة

- ‌عدم الاغترار بِمُجَرَّد الِاسْم دون النّظر فِي مَعَاني المسميات وحقائقها

- ‌‌‌الْإِجْمَاعوَالْقِيَاس وَالِاجْتِهَاد وَالِاسْتِحْسَان

- ‌الْإِجْمَاع

- ‌الْقيَاس

- ‌الِاسْتِحْسَان

- ‌الِاجْتِهَاد

- ‌مفاسد أَصَابَت دين الْإِسْلَام

- ‌تعدد الْمذَاهب

- ‌الاعتقادات الْفَاسِدَة فِي بعض الْأَمْوَات

- ‌مفاسد بعض أدعياء التصوف

الفصل: ‌أنصاف المثقفين في زمن الشوكاني

جعلُوا كَلَامهم ومذكراتهم فِي قَوَاعِد فنهم ويعتقدون لعدم اشتغالهم بِغَيْرِهِ أَن من لَا يجاريهم فِي مباحثه لَيْسَ من أهل الْعلم وَلَا هُوَ مَعْدُود مِنْهُم وَإِن كَانَ بِالْمحل العالي من عُلُوم الشَّرْع فَحِينَئِذٍ لَا يبالون بمقاله ويوردون عَلَيْهِ مَا لَا يدْرِي مَا هُوَ ويسخرون مِنْهُ فَيكون فِي ذَلِك من المهانة على عُلَمَاء الشَّرِيعَة مَا لَا يقادر قدره

وَأما إِذا كَانَ الْعَالم المتشرع المتصدر للهداية إِلَى المسالك الشَّرْعِيَّة والمناهج الإنصافية عَالما بذلك فَإِنَّهُ يجْرِي مَعَهم فِي فنهم فيكبر فِي عيونهم ثمَّ يعْطف عَلَيْهِم فيبن لَهُم بطلَان مَا يعتقدونه بمسلك من المسالك الَّتِي يعرفونها فَإِن ذَلِك لَا يصعب على مثله ثمَّ بعد ذَلِك يُوضح لَهُم أَدِلَّة الشَّرْع فيقبلون مِنْهُ أحسن قبُول ويقتدون بِهِ أتم قدوة

وَأما الْعَالم الَّذِي لَا يعرف مَا يَقُولُونَ فغاية مَا يجْرِي بَينه وَبينهمْ خصام وسباب ومشاتمة هُوَ يرميهم بالاشتغال بالعلوم الكفرية وَلَا يدْرِي مَا هِيَ تِلْكَ الْعُلُوم وهم يرمونه بالبلادة وَعدم الْفَهم وَالْجهل بِعلم الْعقل وَلَا يَدْرُونَ مَا لَدَيْهِ من علم الشَّرْع

‌أَنْصَاف المثقفين فِي زمن الشَّوْكَانِيّ

وَلَقَد أَهْدَت لَهَا هَذِه الْأَيَّام مَا لم يكن لنا فِي حِسَاب من زعانف هم سقط الْمَتَاع وفقعة القاع وَأَبْنَاء الرعاع لابسوا طلبة الْعلم بعض الملابسة وشاركوهم بِجَامِع الْخلطَة وَالْعشرَة فِي مثل النّظر فِي مختصرات النَّحْو حَتَّى صَارُوا مِمَّن يتَمَكَّن من إِعْرَاب أَوَاخِر الْكَلم ثمَّ طاحت بهم الطوائح ورمت بهم الروامي إِلَى مطالعة تَجْرِيد الطوسي وَبَعض شروحه وفهموا بعض

ص: 158

مباحثه فظنوا أَنهم قد ظفروا بِمَا لم يظفر بِهِ أرسطو طاليس وَلَا جالينوس دع مثل الْكِنْدِيّ والفارابي وَابْن سينا فَإِنَّهُم عِنْدهم فِي عداد الْمُقَصِّرِينَ وَأما مثل الرَّازِيّ وطبقته فليسوا من أهل الْعلم فِي ورد وَلَا صدر وَأما سَائِر الْعلمَاء المتبحرين فِي علم الشَّرْع وَغَيره من أهل الْعَصْر وَغَيرهم فهم عِنْد هَؤُلَاءِ النوكاء الرقعاء لَا يفهمون شَيْئا وَلَا يعْقلُونَ

فقبح الله تِلْكَ الْوُجُوه فَإِنَّهَا صَارَت عارا وشنارا على أهل الْعلم وَصَارَ

ص: 159

دُخُول مثل هَؤُلَاءِ الَّذين دنسوا عرض الْعلم وجهموا وَجهه وأهانوا شرفه من أعظم المصائب الَّتِي أَصَابَت أَهله وأكبر المحن الَّتِي امتحن بهَا حَملته فَإِنَّهُ يسمعهم السَّامع يثلبون أَعْرَاض الْأَحْيَاء والأموات من الْمَشْهُورين بِالْعلمِ الَّذين قد اشتهرت مصنفاتهم وانتشرت معارفهم فيزهد فِي الْعلم وَيخَاف من أَن يعرض نَفسه للوقيعة من مثل هَؤُلَاءِ الجهلة وعَلى أَنهم لَا يعْرفُونَ شَيْئا إِلَّا مَا ذكرت لَك وَلَا يفهمون علما من الْعُلُوم لَا بالكنة وَلَا بِالْوَجْهِ فَمَا أَحَق هَؤُلَاءِ بِالْمَنْعِ لَهُم عَن مجَالِس الْعلم وَالْأَخْذ على أَيْديهم من الدُّخُول فِي مدَاخِل أَهله والتشبه بهم فِي شَيْء من الْأُمُور وإلزامهم بملازمة حرف آبَائِهِم وصناعات أهلهم وَالْوُقُوف فِي الْأَسْوَاق لمباشرة الْأَعْمَال الَّتِي يُبَاشِرهَا سلفهم فَلَيْسَ فِي مفارقتهم لَهَا إِلَّا مَا جلبوه من الشَّرّ على الْعلم وَأَهله

وَلَكنهُمْ قد تحذلقوا وَجعلُوا لأَنْفُسِهِمْ حصنا حصينا وسورا منيعا فتظهروا بِشَيْء من الرَّفْض وتلبسوا بثيابه فَإِذا أَرَادَ من لَهُ غيرَة على الْعلم المعاقبة لَهُم وإعزاز دين الْإِسْلَام بإهانتهم قَالُوا للعامة إِنَّهُم أصيبوا بِسَبَب التَّشَيُّع وأهينوا بِمَا اختاروه لأَنْفُسِهِمْ من محبَّة أهل الْبَيْت رضي الله عنهم

وَقد علم الله وكل من لَهُ فهم أَنهم لَيْسُوا من ذَلِك فِي قبيل وَلَا دبير بل لَيْسَ عِنْدهم إِلَّا التهاون بالشريعة الإسلامية والتلاعب بِالدّينِ والطعن على الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم وَسَلَامه فضلا عَن غَيرهم من المتمسكين بِالشَّرْعِ

وكل عَارِف إِذا سمع كَلَامهم وتدبر أبحاثهم يتضوع لَهُ مِنْهَا رَوَائِح الزندقة بل قد يقف على مَا هُوَ صَرِيح الْكفْر الَّذِي لَا يبْقى مَعَه ريب

وَلَقَد كَانَ الْقُضَاة من أهل الْمذَاهب فِي الْبِلَاد الشامية والمصرية والرومية والمغربية وَغَيرهَا يحكمون بإراقة دم من ظهر مِنْهُ دون مَا يظْهر من هَؤُلَاءِ حَسْبَمَا تحكيه كتب التَّارِيخ وَقد أَصَابُوا أصَاب الله بهم فإعزاز دين الله هُوَ فِي الانتقام من أعدائه المتنقصين بِهِ

وَمَا يصنع الْعَالم فِي مثل أَرْضنَا هَذِه فِي مثل هَؤُلَاءِ المخذولين فَإِنَّهُ إِن قَامَ

ص: 160

عَلَيْهِم وَأفْتى بِمَا يستحقونه ويوجبه عَلَيْهِم الشَّرْع حَال بَينه وَبينهمْ حوائل مِنْهَا عدم اعتياد مثل هَذِه الْبِلَاد لمثل سفك دِمَاء المتزندقين وَمِنْهَا عدم نُفُوذ أفهام المنفذين لأحكام الشَّرْع حَتَّى يعرفوا الدقائق الكفرية الْمُوجبَة لِلْخُرُوجِ من الْإِسْلَام القاضية بسفك دم من صدرت عَنهُ وَكَيف يفهم ذَلِك غَالب الْقُضَاة وهم يعجزون عَن فهم شُرُوط الْوضُوء وفرائضه وسننه بل يقصرون عَن فهم مبَاحث أَبْوَاب قَضَاء الْحَاجة فَهَل تراهم يفهمون مَا يَقُوله لَهُم الْمُفْتِي بسفك دم المتزندق من أَنه كفر بِكَذَا اسْتحق سفك دَمه بِكَذَا

هَيْهَات هَيْهَات فَإِنَّهُم أبلد من ذَاك وأسوأ فهما من الْبلُوغ إِلَيْهِ

وَمِنْهَا وَهُوَ أعظمها مَا عرفناك بِهِ من تظهرهم بالرفض وادعائهم أَنهم لم يصابوا بذنب سواهُ وَلَا نالهم مَا نالهم إِلَّا بِسَبَبِهِ فَإِن هَذِه الدَّعْوَى سريعة النِّفَاق تدخل إِلَى أذهان غَالب النَّاس وتقبلها عُقُولهمْ بأيسر عمل للاشتراك فِي الْجِنْس وَإِن لم يكن على التواطئ بل على التشكيك وَكَفاك من شَرّ سَمَاعه

وَبعد هَذَا فَإِنِّي أَرْجُو الله عز وجل أَن يُمكن مِنْهُم فتجري عَلَيْهِم الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وَينفذ فيهم مَا يَقْتَضِيهِ مر الْحق وَنَصّ الدَّلِيل وَقد علم الله سُبْحَانَهُ أَنِّي أجد من الْحَسْرَة والتلهف مَا لَا يقادر قدره وَلَا يُمكن التَّعْبِير عَنهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بتغاض عَن مُبْتَدع وَلَا بِمُجَرَّد سكُوت عَن انتهاك حُرْمَة من حرمات الشَّرْع بل هُوَ سكُوت عَن الْكفْر وإغماض عَن متظهر بالزندقة يتَكَلَّم فِيمَا بملء فِيهِ ويبدي مِنْهَا مَا تبْكي لَهُ عُيُون الْإِسْلَام وَأَهله فَتَارَة يتهاون بِالْقُرْآنِ وَتارَة يتهاون بالأنبياء وَتارَة يتهاون بحملة الدّين وحينا يزري على عُلَمَاء الْمُسلمين وَلَكِن بعبارات لَا يفهمها المقصرون ورموز لَا يَهْتَدِي إِلَيْهَا المشتغلون بِأَبْوَاب الْفِقْه مَعَ خلط تِلْكَ الْعبارَات بِشَيْء من الرَّفْض يفهمهُ المقصر والكامل فَإِذا نظره المقصرون فِي كَلَامهم لم يفهموا مِنْهُ إِلَّا مَا فِيهِ من الرَّفْض وَلَا يفهمون شَيْئا مِمَّا عداهُ

وَإِذا أخْبرهُم الْعَالم بِمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ ذَلِك الْكَلَام من الْكفْر والزندقة لم تقبله

ص: 161

أفهامهم لأمرين

أَحدهمَا الْجَهْل بالعلوم الَّتِي يتوصلون بهَا إِلَى فهم ذَلِك

وَالثَّانِي اعْتِقَادهم أَن ذَلِك الْمُتَكَلّم شيعي وَأَن هَذَا الْعَالم الَّذِي أنكرهُ إِنَّمَا قَامَ عَلَيْهِ لأجل الشِّيعَة لكَوْنهم يَعْتَقِدُونَ فِي كل من اشْتغل بعلوم الِاجْتِهَاد أَنه يُخَالف الشِّيعَة طبيعة راسخة فيهم وَأمر ورثوه عَن أسلافهم وداء قبلوه من كل مخذول ومحنة تعاظم بِسَبَبِهَا الْبلَاء على الشَّرِيعَة وعَلى أَهلهَا

فبهذه الْأَسْبَاب علمت أَن قيامي عَلَيْهِم لَا يجدى إِلَّا ثوران فتْنَة وَظُهُور محنة وَقد يكون سَببا لتظهرهم بِزِيَادَة على مَا يتظهرون بِهِ من تِلْكَ الْأُمُور الفظيعة والكفريات الشنيعة

اللَّهُمَّ إِنِّي أشهدك وَأَنت خير الشَّاهِدين أَنِّي أول حَاكم بسفك دم من صدر مِنْهُ ذَلِك وَأول مفت بقتل من فعل شَيْئا مِنْهُ أَو قَالَ بِهِ عِنْد أول بارقة من بوارق الْعدْل وَفِي إخفاء رَائِحَة من رَوَائِح الْإِنْصَاف

وَلست أَقُول أَن جَمِيع من أَشرت إِلَيْهِم هم على الصّفة الَّتِي ذكرتها الْمُوجبَة لإراقة الدَّم وإزهاق الرّوح بل يتظهر بذلك بعض مخذوليهم ويشتغل بِهِ أنَاس من شياطينهم والبقية وَإِن كَانُوا بِمَا يصدر مِنْهُم نقمة على الْعلم وَأَهله فَإِنَّهُم ينفرون النَّاس عَن علم الشَّرْع ويهونونه فِي صُدُورهمْ ويستصغرون عُلُوم الدّين بأسرها ويجذبون من يطمعون فِيهِ إِلَى جهالاتهم وضلالاتهم فهم مستحقون للْحَيْلُولَة بَينهم وَبَين كل سَبَب يتوصلون بِهِ إِلَى الْعلم على كل تَقْدِير كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ سَابِقًا مَعَ إِنْزَال بعض مَا فِيهِ إهانة لَهُم بهم ومسهم بِسَوْط إذلال ليَكُون فِي ذَلِك إعزاز للدّين وَرفع لمناره وَغسل لما قد لوثوا بِهِ أَهله من الْقدر الَّذِي يلقونه عَلَيْهِم وينجسونهم بِهِ

وَالله المرجو فَعنده الْخَيْر كُله وَهُوَ أغير على دينه وَهُوَ أكْرم عَلَيْهِ من أَن يهان أَو يضام أَهله

وَفِيهِمْ أَفْرَاد قَلِيلُونَ يصلحون بتَعَلُّم الْعلم ويتشبهون بأَهْله ويجرون على

ص: 162