الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جعلُوا كَلَامهم ومذكراتهم فِي قَوَاعِد فنهم ويعتقدون لعدم اشتغالهم بِغَيْرِهِ أَن من لَا يجاريهم فِي مباحثه لَيْسَ من أهل الْعلم وَلَا هُوَ مَعْدُود مِنْهُم وَإِن كَانَ بِالْمحل العالي من عُلُوم الشَّرْع فَحِينَئِذٍ لَا يبالون بمقاله ويوردون عَلَيْهِ مَا لَا يدْرِي مَا هُوَ ويسخرون مِنْهُ فَيكون فِي ذَلِك من المهانة على عُلَمَاء الشَّرِيعَة مَا لَا يقادر قدره
وَأما إِذا كَانَ الْعَالم المتشرع المتصدر للهداية إِلَى المسالك الشَّرْعِيَّة والمناهج الإنصافية عَالما بذلك فَإِنَّهُ يجْرِي مَعَهم فِي فنهم فيكبر فِي عيونهم ثمَّ يعْطف عَلَيْهِم فيبن لَهُم بطلَان مَا يعتقدونه بمسلك من المسالك الَّتِي يعرفونها فَإِن ذَلِك لَا يصعب على مثله ثمَّ بعد ذَلِك يُوضح لَهُم أَدِلَّة الشَّرْع فيقبلون مِنْهُ أحسن قبُول ويقتدون بِهِ أتم قدوة
وَأما الْعَالم الَّذِي لَا يعرف مَا يَقُولُونَ فغاية مَا يجْرِي بَينه وَبينهمْ خصام وسباب ومشاتمة هُوَ يرميهم بالاشتغال بالعلوم الكفرية وَلَا يدْرِي مَا هِيَ تِلْكَ الْعُلُوم وهم يرمونه بالبلادة وَعدم الْفَهم وَالْجهل بِعلم الْعقل وَلَا يَدْرُونَ مَا لَدَيْهِ من علم الشَّرْع
أَنْصَاف المثقفين فِي زمن الشَّوْكَانِيّ
وَلَقَد أَهْدَت لَهَا هَذِه الْأَيَّام مَا لم يكن لنا فِي حِسَاب من زعانف هم سقط الْمَتَاع وفقعة القاع وَأَبْنَاء الرعاع لابسوا طلبة الْعلم بعض الملابسة وشاركوهم بِجَامِع الْخلطَة وَالْعشرَة فِي مثل النّظر فِي مختصرات النَّحْو حَتَّى صَارُوا مِمَّن يتَمَكَّن من إِعْرَاب أَوَاخِر الْكَلم ثمَّ طاحت بهم الطوائح ورمت بهم الروامي إِلَى مطالعة تَجْرِيد الطوسي وَبَعض شروحه وفهموا بعض
مباحثه فظنوا أَنهم قد ظفروا بِمَا لم يظفر بِهِ أرسطو طاليس وَلَا جالينوس دع مثل الْكِنْدِيّ والفارابي وَابْن سينا فَإِنَّهُم عِنْدهم فِي عداد الْمُقَصِّرِينَ وَأما مثل الرَّازِيّ وطبقته فليسوا من أهل الْعلم فِي ورد وَلَا صدر وَأما سَائِر الْعلمَاء المتبحرين فِي علم الشَّرْع وَغَيره من أهل الْعَصْر وَغَيرهم فهم عِنْد هَؤُلَاءِ النوكاء الرقعاء لَا يفهمون شَيْئا وَلَا يعْقلُونَ
فقبح الله تِلْكَ الْوُجُوه فَإِنَّهَا صَارَت عارا وشنارا على أهل الْعلم وَصَارَ
دُخُول مثل هَؤُلَاءِ الَّذين دنسوا عرض الْعلم وجهموا وَجهه وأهانوا شرفه من أعظم المصائب الَّتِي أَصَابَت أَهله وأكبر المحن الَّتِي امتحن بهَا حَملته فَإِنَّهُ يسمعهم السَّامع يثلبون أَعْرَاض الْأَحْيَاء والأموات من الْمَشْهُورين بِالْعلمِ الَّذين قد اشتهرت مصنفاتهم وانتشرت معارفهم فيزهد فِي الْعلم وَيخَاف من أَن يعرض نَفسه للوقيعة من مثل هَؤُلَاءِ الجهلة وعَلى أَنهم لَا يعْرفُونَ شَيْئا إِلَّا مَا ذكرت لَك وَلَا يفهمون علما من الْعُلُوم لَا بالكنة وَلَا بِالْوَجْهِ فَمَا أَحَق هَؤُلَاءِ بِالْمَنْعِ لَهُم عَن مجَالِس الْعلم وَالْأَخْذ على أَيْديهم من الدُّخُول فِي مدَاخِل أَهله والتشبه بهم فِي شَيْء من الْأُمُور وإلزامهم بملازمة حرف آبَائِهِم وصناعات أهلهم وَالْوُقُوف فِي الْأَسْوَاق لمباشرة الْأَعْمَال الَّتِي يُبَاشِرهَا سلفهم فَلَيْسَ فِي مفارقتهم لَهَا إِلَّا مَا جلبوه من الشَّرّ على الْعلم وَأَهله
وَلَكنهُمْ قد تحذلقوا وَجعلُوا لأَنْفُسِهِمْ حصنا حصينا وسورا منيعا فتظهروا بِشَيْء من الرَّفْض وتلبسوا بثيابه فَإِذا أَرَادَ من لَهُ غيرَة على الْعلم المعاقبة لَهُم وإعزاز دين الْإِسْلَام بإهانتهم قَالُوا للعامة إِنَّهُم أصيبوا بِسَبَب التَّشَيُّع وأهينوا بِمَا اختاروه لأَنْفُسِهِمْ من محبَّة أهل الْبَيْت رضي الله عنهم
وَقد علم الله وكل من لَهُ فهم أَنهم لَيْسُوا من ذَلِك فِي قبيل وَلَا دبير بل لَيْسَ عِنْدهم إِلَّا التهاون بالشريعة الإسلامية والتلاعب بِالدّينِ والطعن على الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم وَسَلَامه فضلا عَن غَيرهم من المتمسكين بِالشَّرْعِ
وكل عَارِف إِذا سمع كَلَامهم وتدبر أبحاثهم يتضوع لَهُ مِنْهَا رَوَائِح الزندقة بل قد يقف على مَا هُوَ صَرِيح الْكفْر الَّذِي لَا يبْقى مَعَه ريب
وَلَقَد كَانَ الْقُضَاة من أهل الْمذَاهب فِي الْبِلَاد الشامية والمصرية والرومية والمغربية وَغَيرهَا يحكمون بإراقة دم من ظهر مِنْهُ دون مَا يظْهر من هَؤُلَاءِ حَسْبَمَا تحكيه كتب التَّارِيخ وَقد أَصَابُوا أصَاب الله بهم فإعزاز دين الله هُوَ فِي الانتقام من أعدائه المتنقصين بِهِ
وَمَا يصنع الْعَالم فِي مثل أَرْضنَا هَذِه فِي مثل هَؤُلَاءِ المخذولين فَإِنَّهُ إِن قَامَ
عَلَيْهِم وَأفْتى بِمَا يستحقونه ويوجبه عَلَيْهِم الشَّرْع حَال بَينه وَبينهمْ حوائل مِنْهَا عدم اعتياد مثل هَذِه الْبِلَاد لمثل سفك دِمَاء المتزندقين وَمِنْهَا عدم نُفُوذ أفهام المنفذين لأحكام الشَّرْع حَتَّى يعرفوا الدقائق الكفرية الْمُوجبَة لِلْخُرُوجِ من الْإِسْلَام القاضية بسفك دم من صدرت عَنهُ وَكَيف يفهم ذَلِك غَالب الْقُضَاة وهم يعجزون عَن فهم شُرُوط الْوضُوء وفرائضه وسننه بل يقصرون عَن فهم مبَاحث أَبْوَاب قَضَاء الْحَاجة فَهَل تراهم يفهمون مَا يَقُوله لَهُم الْمُفْتِي بسفك دم المتزندق من أَنه كفر بِكَذَا اسْتحق سفك دَمه بِكَذَا
هَيْهَات هَيْهَات فَإِنَّهُم أبلد من ذَاك وأسوأ فهما من الْبلُوغ إِلَيْهِ
وَمِنْهَا وَهُوَ أعظمها مَا عرفناك بِهِ من تظهرهم بالرفض وادعائهم أَنهم لم يصابوا بذنب سواهُ وَلَا نالهم مَا نالهم إِلَّا بِسَبَبِهِ فَإِن هَذِه الدَّعْوَى سريعة النِّفَاق تدخل إِلَى أذهان غَالب النَّاس وتقبلها عُقُولهمْ بأيسر عمل للاشتراك فِي الْجِنْس وَإِن لم يكن على التواطئ بل على التشكيك وَكَفاك من شَرّ سَمَاعه
وَبعد هَذَا فَإِنِّي أَرْجُو الله عز وجل أَن يُمكن مِنْهُم فتجري عَلَيْهِم الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وَينفذ فيهم مَا يَقْتَضِيهِ مر الْحق وَنَصّ الدَّلِيل وَقد علم الله سُبْحَانَهُ أَنِّي أجد من الْحَسْرَة والتلهف مَا لَا يقادر قدره وَلَا يُمكن التَّعْبِير عَنهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بتغاض عَن مُبْتَدع وَلَا بِمُجَرَّد سكُوت عَن انتهاك حُرْمَة من حرمات الشَّرْع بل هُوَ سكُوت عَن الْكفْر وإغماض عَن متظهر بالزندقة يتَكَلَّم فِيمَا بملء فِيهِ ويبدي مِنْهَا مَا تبْكي لَهُ عُيُون الْإِسْلَام وَأَهله فَتَارَة يتهاون بِالْقُرْآنِ وَتارَة يتهاون بالأنبياء وَتارَة يتهاون بحملة الدّين وحينا يزري على عُلَمَاء الْمُسلمين وَلَكِن بعبارات لَا يفهمها المقصرون ورموز لَا يَهْتَدِي إِلَيْهَا المشتغلون بِأَبْوَاب الْفِقْه مَعَ خلط تِلْكَ الْعبارَات بِشَيْء من الرَّفْض يفهمهُ المقصر والكامل فَإِذا نظره المقصرون فِي كَلَامهم لم يفهموا مِنْهُ إِلَّا مَا فِيهِ من الرَّفْض وَلَا يفهمون شَيْئا مِمَّا عداهُ
وَإِذا أخْبرهُم الْعَالم بِمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ ذَلِك الْكَلَام من الْكفْر والزندقة لم تقبله
أفهامهم لأمرين
أَحدهمَا الْجَهْل بالعلوم الَّتِي يتوصلون بهَا إِلَى فهم ذَلِك
وَالثَّانِي اعْتِقَادهم أَن ذَلِك الْمُتَكَلّم شيعي وَأَن هَذَا الْعَالم الَّذِي أنكرهُ إِنَّمَا قَامَ عَلَيْهِ لأجل الشِّيعَة لكَوْنهم يَعْتَقِدُونَ فِي كل من اشْتغل بعلوم الِاجْتِهَاد أَنه يُخَالف الشِّيعَة طبيعة راسخة فيهم وَأمر ورثوه عَن أسلافهم وداء قبلوه من كل مخذول ومحنة تعاظم بِسَبَبِهَا الْبلَاء على الشَّرِيعَة وعَلى أَهلهَا
فبهذه الْأَسْبَاب علمت أَن قيامي عَلَيْهِم لَا يجدى إِلَّا ثوران فتْنَة وَظُهُور محنة وَقد يكون سَببا لتظهرهم بِزِيَادَة على مَا يتظهرون بِهِ من تِلْكَ الْأُمُور الفظيعة والكفريات الشنيعة
اللَّهُمَّ إِنِّي أشهدك وَأَنت خير الشَّاهِدين أَنِّي أول حَاكم بسفك دم من صدر مِنْهُ ذَلِك وَأول مفت بقتل من فعل شَيْئا مِنْهُ أَو قَالَ بِهِ عِنْد أول بارقة من بوارق الْعدْل وَفِي إخفاء رَائِحَة من رَوَائِح الْإِنْصَاف
وَلست أَقُول أَن جَمِيع من أَشرت إِلَيْهِم هم على الصّفة الَّتِي ذكرتها الْمُوجبَة لإراقة الدَّم وإزهاق الرّوح بل يتظهر بذلك بعض مخذوليهم ويشتغل بِهِ أنَاس من شياطينهم والبقية وَإِن كَانُوا بِمَا يصدر مِنْهُم نقمة على الْعلم وَأَهله فَإِنَّهُم ينفرون النَّاس عَن علم الشَّرْع ويهونونه فِي صُدُورهمْ ويستصغرون عُلُوم الدّين بأسرها ويجذبون من يطمعون فِيهِ إِلَى جهالاتهم وضلالاتهم فهم مستحقون للْحَيْلُولَة بَينهم وَبَين كل سَبَب يتوصلون بِهِ إِلَى الْعلم على كل تَقْدِير كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ سَابِقًا مَعَ إِنْزَال بعض مَا فِيهِ إهانة لَهُم بهم ومسهم بِسَوْط إذلال ليَكُون فِي ذَلِك إعزاز للدّين وَرفع لمناره وَغسل لما قد لوثوا بِهِ أَهله من الْقدر الَّذِي يلقونه عَلَيْهِم وينجسونهم بِهِ
وَالله المرجو فَعنده الْخَيْر كُله وَهُوَ أغير على دينه وَهُوَ أكْرم عَلَيْهِ من أَن يهان أَو يضام أَهله
وَفِيهِمْ أَفْرَاد قَلِيلُونَ يصلحون بتَعَلُّم الْعلم ويتشبهون بأَهْله ويجرون على