المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الخانقاه الناصريه - الدارس في تاريخ المدارس - جـ ٢

[النعيمي]

فهرس الكتاب

- ‌المدارس المالكية

- ‌الزاوية المالكية

- ‌ المدرسه الشرابيشيه

- ‌ المدرسه الصمصأميه

- ‌ المدرسه الصلاحيه

- ‌فصل مدارس الحنابله

- ‌المدرسة الجوزية

- ‌ المدرسة الجاموسيه

- ‌ المدرسة الحنبلية الشريفية

- ‌ المدرسة الصاحبيه

- ‌ المدرسة الصدرية

- ‌ المدرسة الضيائية المحمدية

- ‌ المدرسة الضيائية المحاسنية

- ‌ المدرسة العمرية الشيخية

- ‌ المدرسة العالمة

- ‌ المدرسة المسمارية

- ‌المدرسة المنجائية

- ‌فصل مدارس الطب

- ‌المدر سة الدخوارية

- ‌ المدرسة الدنيسرية

- ‌ المدرسة اللبودية النجمية

- ‌فصل الخوانق

- ‌الخانقاه الأسدية

- ‌ الخانقاه الاسكافية

- ‌ الخانقاه الأندلسية المشهورة

- ‌ الخانقاه الباسطية

- ‌ الخانقاه الحسامية

- ‌ الخانقاه الخاتونية

- ‌ الخانقاه الدويرية

- ‌ الخانقاه الروزنهارية

- ‌ الخانقاه السميساطية

- ‌ الخانقاه الشومانية

- ‌ الخانقاه الشهابية

- ‌ الخانقاه الشبلية

- ‌ الخانقاه الشنباشية

- ‌ الخانقاه الشريفية

- ‌ الخانقاه المعروفة بخانقاه الطاحون

- ‌ الخانقاه الطواويسية

- ‌ الخانقاه العزية

- ‌ خانقاه القصر

- ‌ الخانقاه القصاعية

- ‌ الخانقاه الكججانية

- ‌ الخانقاه المجاهدية

- ‌ الخانقاه النجيبية

- ‌ الخانقاه النحاسية

- ‌ الخانقاه النجمية

- ‌ الخانقاه الناصرية

- ‌ الخانقاه الناصريه

- ‌ الخانقاه النهرية

- ‌ الخانقاه اليونسيه

- ‌ خانقاه مجهولة

- ‌فصل الرباطات

- ‌الرباط البياني

- ‌ الرباط التكريتي

- ‌ رباط صفية

- ‌رباط زهرة ورباطات أخرى

- ‌فصل الزوايا

- ‌فصل الترب

- ‌فصل في ذكر المساجد بدمشق داخلها:

- ‌الذيل في ذكر الجوامع من ملحقات سيدي الوالد الماجد

الفصل: ‌ الخانقاه الناصريه

182-

‌ الخانقاه الناصريه

قال ابن شداد رحمه الله تعالى: منسوبه إلى الناصر صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب بن شاذي بن مروان بدرب خلف قاساريه الصرف كانت داره لما كان واليا بدمشق انتهى. وقال ابن قاضي شهبة رحمه الله تعالى في سنة إحدى وعشرين في أول هذه السنه: قاساريه الصرف عمرها السلطان الملك المؤيد حجارة محازن وطباق وقد جعل بعضها للجهه التي كانت موقوفه عليها انتهى. وقد مرت له ترجمة من كلام الذهبي في المدرسه الصلاحيه مختصره وهذه ترجمته هنا ملخصه من تاريخ الإسلام له وتاريخي ابن كثير والصفدي وغيرهما وهي السلطان الملك ناصر صلاح الدين يوسف أبو المظفر ابن الأمير نجم الدين أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدويني الأصل التكريتي المولد ودوين بلدة من طرف أذربيجان من جهة اران والكرج أهلها أكراد قال ابن كثير أصلهم أكراد من الأكراد الهذانيه وأنكر بنو أيوب النسبه إلى الأكراد وقالوا: إنما نحن عرب نزلنا عند الأكراد وتزوجنا منهم. قال الأسدي رحمه الله تعالى في تاريخه في ترجمة أسد الدين شيركوه في سنة أربع وستين وخمسمائه ولد بتكريت سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائه اذ أبوه وإليها وسمع من أبي طاهر السفلي والإمام أبي حسن ابن بنت أبي سعد وأبي طاهر بن عوف1 وعبد الله بن بري النحوي والقطب مسعود النيسابوري وغيرهم وحدث بالقدس سمع منه الحافظان أبو المواهب ابن صصري وأبو محمد القاسم بن علي الدمشقيان والفقيهان أبو محمد عبد اللطيف ابن الشيخ أبي النجيب السهروردي وأبو المحاسن بن شداد وغيرهم من النبلاء وملك البلاد ودانت له العباد وافتتح المفتوحات وكسر الفرنج مرات وجاهد في سبيل الله بنفسه وماله وكان خليقا بالملك أقام في السلطنه أربعا وعشرين سنه وروى عنه يونس بن

1 شذرات الذهب 4: 268.

ص: 139

محمد ألفارقي والعماد الكاتب وغيرهما وقد أسمع وهو في بعض مصافه جزءا وهو بين الصفوف لا بين الصفين ويتبجح بذلك وقال: هذا موقف لم يسمع فيه أحد حديثا وكان ذلك بإشارة العماد الكاتب وكان كريما جوادا شجاعا بطلا كامل القوى والعقل شديد الهيبة ضحوك الوجه كثير البشر لا يتضجر من خير يفعله افتتح بسيفه وبما قال به من اليمن إلى الموصل إلى أوائل المغرب إلى أسوان قال الموفق عبد اللطيف: أتيت الشام وكان السلطان صلاح الدين بالقدس فأتيته فرأيت ملكا عظيما علا العيون روعة والقلوب محبة قريبا بعيدا مجيبا وأصحابه يتشبهون ويتسابقون إلى المعروف وأول ليلة حضرته وجدت مجلسا محفوفا بأهل العلم يتذاكرون في أصناف العلوم وهو يحسن الاسماع والمشاركة ويأخذ في كيفيه بناء الأسوار وحفر الخنادق ويفقه في ذلك ويأتي بكل معنى بديع وكان مهتما في بناء سور بيت المقدس وحفر خندقه يتولى ذلك بنفسه ينقل الحجارة على عاتقه ويتأسى به جميع الناس الاغنياء والفقراء والأقوياء والضعفاء حتى العماد الكاتب والقاضي الفاضل ويركب لذلك قبل طلوع الشمس إلى وقت الظهر فيأتي داره فيمد السماط ثم أنه يستريح ويركب وقت العصر ويرجع في ضوء المشاعل ويصرف أكثر الليل فيما يعمل نهارا وكان يحفظ الحماسة ويظن أن كل فقيه يحفظها فكان ينشد القطعة فإذا توقف في موضع استطعم فلا يطعم وجرى له ذلك مع القاضي الفاضل ولم يكن يحفظها فخرج من عنده فلم يزل حتى حفظها ولما كان شحنة دمشق كان يشرب الخمر فمذ باشر الملك طلق الخمر واللذات وكان محببا خفيفا على قلب نور الدين يلاعبه بالكرة وملك مصر وكانت وقعته مع السودان سنة بضع وستين وكانوا نحو مائتي ألف فانتصر عليهم وقتل أكثرهم وهرب الباقون وابتنى سور القاهرة وقطع حطبة العاضد بمصر وخطب للمستضيء ومات العاضد واستولى صلاح الدين على القصر وذخائره وفي سنة تسع وستين مات نور الدين وافتتح أخوه شمس الدولة اليمن وقتل المتغلب عليها عبد النبي وفي سنة سبعين سار من مصر وتملك دمشق ودخلها يوم الاثنين سلخ شهر

ص: 140

ربيع الأول ولم ينتطح فيها عنزان ولا أختلف سيفان فنزل في دار والده وهي دار العقيقي وهي التي بنيت مدرسة الملك الظاهر بيبرس وأحسن إلى أهل دمشق غاية الإحسان وكان في القلعة إذ ذاك الطواشي جمال الدين ريحان الخادم فلم يزل يكاتبه ويفعل له في الذروة والغارب حتى استماله وأجزل نواله فسلمها إليه ووفد عليه ومثل بين يديه فأكرمه واحترمه وأحسن إليه وأظهر أنه أحق بتربية ولد نور الدين لما له عليهم من الإحسان المتين وذكر أنه خطب لنور الدين بديار مصر وظرب باسمه السكه ثم عامل الناس بالجميل وأمر بوضع ما حدث بعد نور الدين من المكوس والضرائب في أيام والده إسماعيل الصالح وكان قاضي دمشق قاضي القضاة كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري وتوفي في أول سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة وكان من خيار القضاة واخص الناس بنور الدين الشهيد رحمهم الله تعالى وفي سنة ثلاثة وسبعين كسرته الفرنج على الرمله وفي سنة خمس وسبعين كسرهم وأسر ملوكهم وأبطالهم وفي سنة ست أمر ببناء قلعة القاهرة على جبل المقطم وفي سنة ثمان عبر الفرات وفتح سنجار وسروج ونصبين وامد والرها وحران والرقة والبيرة وحاصر الموصل وملك حلب المحروسة ثم حاصر الموصل ثانيا وثالثا وأنزل أخاه العادل عن قلعة حلب المحروسة وسلمها لولده الملك الظاهر غازي وعمره إحدى عشرة سنة وسير أخاه العادل إلى مصر ثانيا كان تقي الدين عمر بها فقدم الشام وفي سنة ثلاث وثمانين فتح السلطان صلاح الدين رحمه الله تعالى طبرية ونازل عسقلان وكانت وقعة حطين وكان الفرنج فيها أربعين ألفا فأخذهم عن بكرة أبيهم وأسر ملوكهم وأخذ عكا وبيروت وقلعة كوكب والسواحل وسار فأخذ القدس الشريف بالأمان بعد قتال ليس بالشديد ودخل قراقوش التركي مملوك تقي الدين عمر المغرب فاستولى على أطرافها وكسر عسكر تونس وخطب لبني العباس ثم إن الفرنج نازلوا عكا مدة طويله وكانوا مما لا يحصون كثرة يقال بلغت جموعهم مائة الف ويقال ستمائة الف وقتل منهم مائة الف وتعب المسلمون واشتد الأمر وآل إلى أخذها قال عبد اللطيف: ومدة أيامه لم يختلف

ص: 141

عليه أحد من أصحابه وكان الناس يأمنون ظلمه ويرجون بره وأكثر ما كان عطاؤه يصل إلى أهل العلم وأهل البيوتات ولم يكن ليمطل ولا لصاحب هزل عنده نصيب وكان حسن الوفاء بالعهد حسن القدرة إذا قدر كثير الصفح وإذا نازل بلدا وأشرفوا على أخذه ثم طلبوا منه الأمان أمنهم فكان يتألم جيشه لذلك لفوات حظهم وقد عاقد الفرنج وهادنهم عندما ضرس عسكره الحرب ومكر قال القاضي بهاء الدين بن شداد: قال السلطان في بعض محاورته في الصلح أخاف أن أصالح وما أدري أي شئ يكون مني فتقوى يد العدو وقد بقيت لهم بلاد فيخرجون الاستفادة ما في أي دي المسلمين ويرى كل واحد من هؤلاء يعني أخاه ويعني أولاده وأولاد أخيه قد قعد في رأس تلة يعني قلعة وقال لا أنزل ويهلك المسلمون فكان والله كما قال توفي رحمه الله تعالى عن قريب واستقل كل واحد من أهل بته بناحية ووقع الخلف بينهم فكان الصلح مصلحة فلو قدر موته والحرب قائمة لكان الإسلام على خطر.

وقال أبو المظفر بن الجوزي: حسب ما أطلعه مدة مقامه على عكا مرابطا للفرنج إلى أن تقاله كان معه اثنا عشر ألف رأس من الخيل العراب والأكاديش الجياد وقال المنذري: ومآثره رحمه الله تعالى في فتح بيت المقدس والاستيلاء على معاقل الفرنج وبلادها بالساحل مشهورة ومكارمه فيما أرصده في وجوه البر بالديار المصرية والشامية مذكورة وقال ابن خلكان: قدم به أبوه وهو رضيع فناب أبوه بعلبك لما أخذها الاتابك زنكي في سنة ثلاث وثلاثين ثم خدم نجم الدين أيوب وولده صلاح الدين نور الدين الشهيد فصيرهما أمرين وكان أسد الدين أرفع منهما منزلة عنده فإنه كان مقدم جيوشه وولي صلاح الدين وزارة مصر وهي كالسلطنة في ذلك الوقت سنة أربع وستين فلما هلك العاضد في أول سنة سبع استقل بالأمر مع المداراة لنور الدين ومخادعته إلى أن قال وفي سنة ثلاث وثمانين افتتح بلاد الفرنج وقهرهم وأباد عساكرهم وأسر ملوكهم وفتح القدس وعكا وطبرية وغير ذلك وافتتح في هذا العام من الفتوحات ما لم يفتحه ملك قبله فطار صيته في الدنيا وهابته الملوك وبقي مرابطا على عكا نحو من

ص: 142

سنتين وكان متشرعا في ملبسه ومأكله ومشربه ومركبه فلا يلبس إلا الكتان والقطن والصوف ولا يعرف أنه تخطى مكروها بعد أن انعم الله تعالى عليه بالملك وكان همه الأكبر نصر الإسلام وكان عنده فضيلة تامة في اللغة والأدب وأيام الناس قي لأنه كان يحفظ الحماسة بكاملها وكان يفهم ما يقال بين يديه من البحث والمناظرة ويشارك في ذلك مشاركة قريبة حسنة وان لم يكن بالعادة المصطلح عليها وكان قد جمع له القطب أبو المعالي مسعود النيسابوري نزيل دمشق عقيدة فكان يحفظهما ويحفظها من عقل من أولاده وكان يحب سماع القرآن العظيم ويواظب على سماعه وسماع الحديث الشريف وكان رقيق القلب سريع الدمعة عند سماعه كثير التعظيم لشعائر الدين وكان قد لجأ إلى ولده الظاهر غازي وهو بحلب شاب يقال له الشهاب السهروردي1 وكان يعرف الكيمياء وشيئا من الشعوذة والأبواب النارنجيات فافتتن به ولده وقربه واحبه وخالف فيه حملة الشرع فكتب إليه أن يقتله لا محالة فصلبه ولده عن أمر والده وشهره ويقا لأنه حبسه بين حائطين حتى مات كمدا وذلك في سنة ست وثمانين وكان صلاح الدين رحمه الله تعالى مواظبا على الصلوات في اوقاتها في جماعة يقا لأنه لم تفنه الجماعة في صلاة قبل وفاته بدهر طويل حتى في مرض موته وكان يدخل الإمام فيصل به ويتجشم القيام مع ضعفه واستهلت سنة تسع وثمانين وخمسمائة وهو في غاية الصحة والسلامه وخرج هو وأخوه أبو بكر العادل معه إلى الصيد شرقي دمشق وقد اتفق الحال بينه وبين أخيه العاد لأنه بعدما قد يفرغ من أمر الفرنج هذه المدة يسير هو إلى بلاد الروم ويبعث أخاه إلى بغداد وكان همه الأكبر ومقصوده الاعظم نصر الإسلام وكسر الاعداء اللئام ويعمل فكره في ذلك ورايه وحده ومع من يثق به وبرأيه ليلا ونهارا سرا وجهرا فإذا فرغا من شأنه ما سارا جميعا إلى بلاد أذربيجان وبلاد العجم فإنه ليس دونهما أحد يمانع عنها ولا يصدهم ولما قدم الحجيج من الحجاز الشريف في يوم الاثنين حادي عشر صفر منها خرج لتلقيهم وكان معه ولد

1 شذرات الذهب 4: 290.

ص: 143

أخيه سيف الإسلام صاحب اليمن فأكرمه والتزمه واحترمه وعاد إلى القلعة المنصورة فدخلها من باب الحديد وكان ذلك آخر ما ركب في هذه الدنيا ثم أنه اعتراه حمى صفراوية ليلة السبت سادس عشره فلما أصبح دخل عليه القاضي وابن شداد وابنه الأفضل فأخذ يشكو إليهم كثرة قلقة البارحة وطاب له الحديث وطال مجلسهم عنده ثم تزايد به المرض واستمر وفصده الأطباء في اليوم الرابع فاعتراه يبس وحصل له عرق شديد بحيث نقذ إلى الأرض فقوي اليبس أيضا فأحضره الأمراء والأكابر والرؤساء فبويع الأفضل نور الدين علي وكان نائبا على ملك دمشق وذلك عندما ظهرت مخايل الضعف الشديد وغيبوبة الذهن في بعض الأوقاف وكان الدين يدخلون عليه في هذه الحال القاضي الفاضل وابن شداد وقاضي البلد ابن الزكي وتفاقم به الحال ليلة الأربعاء السابع والعشرين من صفر المذكور واستدعي الشيخ أبو جعفر إمام الكلاسة ليبيت عنده يقرأ القرآن ويلقنه الشهادة إذا جد به الأمر فذكر أنه كان يقرأ عنده وهو في غمرات الموت فقراء قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} "الآية". فقال: وهو كذلك صحيح فلما إذن الصبح جاء القاضي الفاضل فدخل عليه وهو بآخر رمق فلما قرأ القاريء قوله تعالى: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} تبسم وتهلل وجهه وسلمها إلى ربه عز وجل ومات رحمه الله تعالى وأكرم مثواه وجعل جنة الفردوس مأواه عن سبع وخمسين سنة وغلقت بالأسواق واحتفظ على الحواصل وأخذوا في تجهيزه وغسله وحضر جميع أولاده واهله ويعز عليهم أن يأتوا بمثله وكان الذي تولى غسله خطيب البلد الفقيه الصالح ضياء الدين عبد الملك الدولعي وكان الذي أحضر الكفن ومؤنه التجهيز هو القاضي الفاضل من صلب ماله الحلال هذا وأولاده الكبار والصغار يبرزون وينادون ويبكون وأخذ الناس في العويل والانتحاب والابتهال وابرز نعشه في تابوت بعد صلاة الظهر وأم الناس في الصلاة عليه قاضي القضاة محي الدين محمد بن الزكي الشافعي ثم دفن في داره بالقلعة المنصورة وارتفعت الاصوات بالبكاء وعظم الضجيج حتى إن العاقل كان يتخيل أن الدنيا تضج

ص: 144

صوتا واحدا وتأسف الناس عليه حتى الفرنج لما كان عليه من صدق ووفائه إذا عاهد وقال ابن شداد: وجد الناس عليه شبها بما يجدونه على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وما رأيت ملكا حزن الناس لموته سواه لأنه كان محببا يحبه البر والفاجر والمسلم والكافر وشرع ابنه في بناء تربة له ومدرسة للشافعية بالقرب من مسجد القدم لوصيته بذلك قديما فلم يكمل بناؤها ولم يتم وذلك حين قدم ولده العزيز وكان محاصرا لأخيه الأفضل فاشترى له الأفضل دارا شمالي الكلاسة في وراء ما زاده القاضي الفاضل في الكلاسة فجعلها تربة وبني فيها قبة شمالي الجامع وهي التي شباكها القبلي إمام الكلاسة ونقله من القلعة إليها في يوم عاشوراء سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وصلي عليه تحت النسر قاضي القضاة محمد بن علي القرشي بن الزكي عن إذن الأفضل له ودخل في لحده ولده الأفضل فدفنه بنفسه وهو السلطان الشام ويقال أنه دفن معه سيفه الذي كان يحضر به الجهاد وذلك عن أمر القاضي الفاضل تفاؤلا بأن يكون يوم القيامة معه يتوكأ عليه حتى يدخل الجنة لما أنعم الله عليه تعالى من كسر الأعداء ونصر الأولياء ثم عمل عزاه في الجامع الأموي ثلاثة أيام بحضرة الخاص والعام رحمه الله تعالى. قال العماد الكاتب وغيره: لم يترك رحمه الله تعالى في خزانته من الذهب سوى دينار واحد صوري وسته وثلاثين درهما قلت: وفي الروضتين في أخبار الدولتين لأبي شامة رحمه الله تعالى أن السلطان الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله تعالى لم يخلف في خزانته إلا سبعة وأربعين درهما ولم يترك دارا ولا عقارا ولا مزرعة ولا سقفا ولاشيئا من أنواع الأملاك هذا وله من الأولاد سبعة عشر ذكرا وابنه واحدة وتوفي له في بعض حياته غيرهم والذين تأخروا بعده ستة عشر ذكرا أكبرهم الملك الأفضل نور الدين علي ولد بمصر سنة خمس وستين ليلة عيد الفطر ثم العزيز عماد الدين أبو الفتح عثمان ولد بمصر أيضا في جمادى الأولى سنة سبع وستين ثم الظافر مظفر الدين أبو العباس الخضر ولد بمصر أيضا في نصف شعبان سنة ثمان وستين وهو شقيق الأفضل ثم الظاهر غياث الدين أبو منصور غازي ولد بمصر أيضا في نصف شهر رمضان

ص: 145

سنة ثمان وستين ثم العزيز فتح الدين أبو يعقوب إسحاق ولد بدمشق في شهر ربيع الأول سنة سبعين ثم المؤيد نجم الدين أبو الفتح مسعود ولد بدمشق سنة إحدى وسبعين وهو شقيق العزيز ثم الأغر شرف الدين أبو يوسف يعقوب ولد بمصر سنة اثنتين وسبعين وهو شقيق العزيز أيضا ثم الزاهر مجد الدين1 أبو سليمان داود ولد بمصر أيضا سنة ثلاث وسبعين وهو شقيق الظاهر ثم أبو الفضل قطب الدين موسى وهو شقيق الأفضل ولد بمصر أيضا سنة ثلاث وسبعين ثم نعت بالمظفر ثم الأشرف معز الدين أبو عبد الله محمد ولد بالشام سنة خمس وسبعين ثم المحسن ظهير الدين أبو العباس2 أحمد ولد بمصر أيضا سنة سبع وسبعين وهو شقيق الذي قبله ثم المعظم فخر الدين أبو منصور توران شاه ولد بمصر أيضا في شهر ربيع الأول سنة سبع وسبعين وتأخرت وفاته إلى سنة ثمان وخمسين وستمائة ثم الجواد ركن الدين أبو سعيد أيوب ولد سنة ثمان وسبعين وهو شقيق العزيز ثم الغالب نصير الدين أبو الفتح ملك شاه ولد في شهر رجب سنة ثمان وسبعين وهو شقيق المعظم ثم المنصور أبو بكر أخو المعظم لابويه ولد بحران بعد وفاة السلطان وعماد الدين شاذي لام ولد ونصرة الذين مروان لام ولد أيضا وأما البنت فهي مؤنسة خاتون تزوجها ابن عمها الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب رحمهم الله تعالى أجمعين رحمهم أموات المسلمين وترجمته طويلة مشهورة ذكرها ابن خلكان رحمه الله تعالى في أربعين ورقه كبارا وقد ذكر الشيخ أبو شامة رحمه الله تعالى في كتاب الروضتين في أخبار الدولتين وكتاب الذيل عليها طرفا صالحا من سيرته وأيامه وعدله في سره وعلانيته وأحكامه. وقال أبو المظفر بن الجوزي رحمه الله تعالى: ذكره ابن شداد وأثنى عليه وحكى عنه العجائب ولم سكت اثنت عليه الحقائب. وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: ومدة نور الدين صلاح الدين متقاربة في السنين والأيام والعدل واجتناب الاثام وكلاهما لم يبلغ كل منها ستين سنة وكم حصلا من فضيلة وسنة حسنة رحمهما الله تعالى انتهى.

1 شذرات الذهب 5: 148.

2 شذرات الذهب 5: 167.

ص: 146