الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذيل في ذكر الجوامع من ملحقات سيدي الوالد الماجد
جامع بني أمية
1-
جامع دمشق ويقال له جامع بني أمية والجامع الأموي والجامع المعمور عن يزيد بن ميسرة قال: أربعة أجبل مقدمات بين يدي الله عز وجل طورزيتا وطور سينا وطور تينا وطور تيماء قال فطور زيتا بيت المقدس وطور سينا طور موسى عليه السلام وطور تينا مسجد دمشق وطور تيماء مكة المشرفة.
وعن قتادة1 أنه قال: أقسم الله تبارك وتعالى بمساجد أربعة فقال: والتين وهو مسجد دمشق والزيتون وهو مسجد بيت المقدس وطور سنين وهو حيث كلم الله تعالى موسى عليه السلام والبلد الأمين وهو مكة المشرفة.
وذكر أن جماعة أدركوا في مسجد دمشق شجرا من تين قبل أن يبنيه الوليد. وقال الحافظ شمس الدين الذهبي رحمه الله تعالى في مختصر تاريخ الإسلام خلافة الوليد بن عبد الملك كان ولي عهد أبيه فقام بالأمر بعده وكان مهيبا شجاعا ودولته عشرة أعوام بنى جامع دمشق وزخرفة وكان قبله نصفه كنيسة للنصارى ونصف الذي محراب الصحابة به للمسلمين فأرضى الوليد النصارى بعده كنائس صالحهم عليها فرضوا ثم هدمه سوى حيط أنه الأربعة
1 شذرات الذهب 1: 153.
وأنشأ قبة النسر والقناطر وحلاه بالذهب والجواهر واستار الحرير وبقي العمل فيه تسع سنين حتى قيل كان يعمل فيه اثنا عشر الف مرخم وغرم عليه من الدنانير المصرية زنة مائة قنطار وأربعة وأربعين قنطارا بالدمشقي حتى صيره نزهة الدنيا وأمر نائبه على المدينة المنورة ببناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وتوسيعه وزخرفته ففعل وهو ابن عمه عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه اهـ.
وقال العز بن شداد: أخبرني أحمد بن عبد الكريم المعروف بابن الخلال الحمصي أنه وقف على كتاب الف للوزير الأكرم وفيه أنه قال بحضرة أبي العلاء المعري1 إن حائط جامع دمشق الشرقي أمر الوليد أن لا يبنى إلا على جبل فحفر أسه فوجد حائط فانتهى إليه فأمر أن يحفر أمام الحائط فحفر فوجد في الحائط باب ففتح فوجد خلفه صخرة عليها كتابة فحملت إلى بين يدي الوليد فأمر بغسلها ونقل ما عليها من الكتابة فكان عليها لما كان العالم محدثا ثبت أن له محدثا أحدثه وصانعا صنعه فبنى هذا الهيكل لمضي ثلاثة الآف وسبعمائة سنة لأهل الاسطوان فإن رأى الداخل إليه أن يذكر بانيه عند بارية بخير فعل والسلام فقيل لأبي العلاء من أهل الاسطوان؟ فقال: لا اعرف وأنشد:
سيسأل قوم ما الحجيج وما منى
…
كما قال قوم من جديس ومن طسم
ورؤي وقرئ على حجر في المئذنة الشرقية كتابة باليونانية ففسرت بالعربية فإذا عليه مكتوب: لما كان العالم محدثا والحدث داخل عليه وجب ان يكون له محدث وكانت الضرورة تعود إلى التعبد لمحدثه لا كما يقول ذو اللحيين وذو اللسنين وأشباهما فلما دعت الضرورة إلى عبادة هذا الخالق المحدث بالحقيقة تجرد لإنشاء البيت وتولى النفقة عليه محب الخير وتقربا إلى منشئ العالم ومبدئه وإيثارا لما عنده وذلك في سنة ثلثمائة وألفين لأصحاب الاسطوان فليذكر كل من دخل هذا البيت للصلاة فيه العاني به وقال ابن عساكر في تاريخه: وأخبرني
1 شذرات الذهب 3: 280.
أبو التقى هشام بن عبد الملك حدثنا الوليد قال: لما أمر الوليد بن عبد الملك ببناء مسجد دمشق وجدوا في حائط المسجد القبلي لوحا من حجر فيه كتابة نقش فأتوا به الوليد فبعث إلى الروم فلم يستخرجوه فبعث إلى العبرانيين فلم يستخرجوه ثم بعث به إلى من كان بدمشق من بقية الأشبان فلم يستخرجوه فدل على وهب بن منبه1 فبعث إليه فلما قدم عليه أخبره بموضع ذلك اللوح فوجد ذلك الحائط بناه هود عليه السلام فلما نظر إليه وهب2 حرك رأسه وقرأه فإذا هو يقول فيه: بسم الله الرحمن الرحيم ابن ادم لو رأيت يسير ما بقي من أجلك لزهدت في طول أملك وإنما تلقى ندمك إذا زلت به قدمك وأسلمك أهلك وحشمك وانصرف عنك الحبيب وودعك القريب ثم صرت تدعى فلا تجيب فلا أنت إلى أهلك عائد ولا في عملك بزائد فاعمل لنفسك قبل يوم القيامة وقبل الحسرة والندامة وقبل أن يحل بك أجلك فلا ينفعك مال جمعته ولا ولد ولدته ولا أخ تركته ثم تصير إلى برزخ الثرى ومجاورة الموتى فاغتنم الحياة قبل الموت والقوة قبل الضعف والصحة قبل السقم قبل أن تؤخذ بالكظم ويحال بينك وبين العمل وكتب في زمان سليمان بن داود عليهما السلام وأنباء أبو الفضائل محمود عن زيد بن واقد3 قال: وكلني الوليد على العمال في يناء جامع دمشق فوجدنا فيه مغارة فعرفنا الوليد ذلك فلما كان الليل وافى وبين يديه الشمع فنزل فإذا هي كنيسة لطيفة ثلاثة أذرع في ثلاثة أذرع وإذا فيها صندوق ففتح الصندوق فإذا فيه سفط وفي السفط رأس يحيى ابن زكريا عليهما السلام مكتوب عليه هذا رأس يحيى بن زكريا فأمر به الوليد فرد إلى المكان وقال: اجعلوا العمود الذي فيه مغيرا بين الأعمدة فجعل عليه عمود مسفط الرأس. وروى الوليد بن مسلم حدثنا زيد بن واقد قال: ورأيت يحيى بن زكريا حين أرادوا بناء المسجد الجامع أخرج من تحت ركن من أركان القبة وكانت البشرة والشعر على رأسه لم يتغير وقيل إن رأس يحيى بن زكريا نقل من دمشق إلى بعلبك ثم نقل منها إلى حمص ثم نقل منها إلى حلب
1 شذرات الذهب 1: 344.
2 شذرات الذهب 1: 150.
3 شذرات الذهب 1: 207.
المحروسة في جرن رخام فدخل في القلعة وحين استيلاء التتار المخذولين على حلب وقلعتها قنل من قلعتها إلى جامعها وانبا أبو محمد الاكفاني1 عن كعب في قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} الآية. فقال: إذا هدمت كنيسة دمشق يعني كنيسة يوحنا فبنيت مسجدا وظهر لبس القصب فحينئذ تأويل هذه الآية فهدمها الوليد. وقرأت على أبي محمد السلمي2 عن يحيى بن عمر ونحوه وأنبأ أبو الفضل القاسم السمرقندي عن يعقوب بن سفيان3 قال سألت هشام بن عمار4 عن قصة مسجد دمشق وهدم الكنيسة قال: كان الوليد قال للنصارى من أهل دمشق إنا أخذنا كنيسة توما عنوة والكنيسة الداخلة صلحا فأنا أهدم كنيسة توما قال هشام: وتلك أكبر من الداخلة قال فرفضوا أن يهدم الكنيسة الداخلة فهدمها وأدخلها في المسجد قال وكان قبلة المسجد اليوم بالمحراب الذي يصلى فيه قال وهدم الكنيسة في أول خلافة الوليد سنة ست وثمانين وكانوا في بنائه سبع سنين حتى مات الوليد ولم يتم بناؤه فأتمه سليمان من بعده.
وفي كتاب البلاذري5 في البلدان: قالوا لما ولي معاوية بن أبي سفيان أراد أن يزيد كنيسة يوحنا في الجامع فأبى النصارى ذلك فأمسك ثم طلبها عبد الملك في أيامه للزيادة في المسجد وبذل لهم مالا فأبوا ثم إن الوليد بن عبد الملك ابن مروان جمعهم في أيامه وبذل لهم مالا عظيما على أن يعطوه إياها فأبوا فقال: لئن لم تفعلوا لأهدمنها فقال بعضهم: يا أمير المؤمنين إن لهذه الكنيسة شأنا إن من هذه هذه الكنيسة جن أو أصابه عاهة فاحفظه قولهم ودعى بمعول وجعل يهدم حيطانها بيده وعليه قباء خز أصفر ثم جعل الفعلة والنقاض يهدمونها وبنى الجامع فلما ولي عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه شكا النصارى إليه ما فعل الوليد بهم في كنيستهم فكتب إلى عامله يأمره برد ما زاده في الجامع
1 شذرات الذهب 4: 73.
2 شذرات الذهب 4: 78.
3 شذرات الذهب 2: 171.
4 شذرات الذهب 2: 109.
5 ابن كثير 11: 69.
عليهم فكره أهل دمشق ذلك وقالوا يهدم مسجدنا بعد أن إذنا فيه وصلينا ويريد بيعه وفيهم يومئذ سليمان بن حبيب المحاربي1 قلت: وهو قاضي دمشق يومئذ وغيره من الفقهاء فأقبلوا على النصارى وسالوهم أن يعطوهم جميع كنائس الغوطة التي أخذت عنوة وصارت في أي دي المسلمين على أن يصفحوا عن كنيسة يوحنا ويمسكوا عن المطالبه لها فرضوا بذلك واعجبهم فكتب به إلى عمر بن عبد العزيز فسره وأمضاه.
وقرأت على أبي محمد السلمي عن عبد العزيز بن أحمد وأنبأنا أبو محمد بن الاكفاني عن يحيى بن يحيى قال: لما هم الوليد بن عبد الملك بهدم كنيسة يوحنا ليزيدها في الجامع دخل الكنيسة ثم صعد منارة ذات الأصابع المعروفة بالساعات وفيها راهب يأوي في صومعة له فأحدره من الصومعة فأكثر الراهب كلامه فلم يزل الوليد في قفاه حتى أحدره من المنارة انتهى حديث عبد العزيز زاد ابن الأكفاني: ثم هم بهدم الكنيسة فقال له جماعة من نجاري النصارى: ما نجسر على هدمها يا أمير المؤمنين نخشى أن نجن أو يصيبنا شيء فقال الوليد: تحذرون وتخافون ياغلام هات المعول ثم أتى بسلم فنصبه على محراب المذبح وصعد فضرب بيده المذبح حتى أثر فيه أثرا كبيرا ثم صعد المسلمون فهدموها وأعطاهم الوليد مكان الكنيسة التي في المسجد الكنيسة التي تعرف بحمام القاسم بحذاء دار أم البنين في الفراديس قال يحيى بن يحيى: أنا رأيت الوليد بن عبد الملك فعل ذلك بكنيسة مسجد دمشق وقرأت على أبي محمد السلمي عن أبي محمد التميمي عن أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الملك2 بن مروان المقري أن المغيرة مولى الوليد بن عبد الملك دخل يوما على الوليد بن عبد الملك ابن مروان فرآه مغموما فقال: يا أمير المؤمنين ماشأنك فأعرض عنه ثم أنه عاوده فقال له: يا أمير المؤمنين ما شأنك؟ فقال له: يا مغيرة إن المسلمين قد كثروا وقد ضاق بهم المسجد وقد بعثت إلى هؤلاء النصارى أصحاب هذه الكنيسة لندخلها في المسجد فأبوا علينا وقد أقطعتهم قطائع كثيرةوبذلت لهم
1 شذرات الذهب 1: 171.
2 شذرات الذهب 2: 268.
أموالا فامتنعوا فقال له المغيرة: لا تغتم يا أمير المؤمنين قد دخل خالد بن الوليد من الباب الشرقي بالسيف ودخل أبو عبيدة بن الجراح من باب الجابية بالأمان فنماسحهم إلى موضع بلغ السيف فإن يكن لنا فيه حق أخذناه وان لم بكن لنا فيه حق داريناهم حتى نأخذ باقي الكنيسة فندخله في المسجد فقال له: فرجت عني فتول هذا الأمر قال فتولاه فبلغت المساحة إلى سوق الريحان حتى حاذى من القنطرة الكبيرة أربعة أذرع بالذراع الهاشمي فإذا باقي الكنيسة قد دخل في المسجد فبعث إليهم وقال: هذا حق جعله الله عز وجل لنا فقالوا: يا أمير المؤمنين قد أقطعتنا كنائس وبذلت لنا من المال كذا وكذا فإن رأيت يا أمير المؤمنين أن تتفضل به علينا فعلت فامتنع عليهم حتى سألوه وطلبوا إليه فأعطاهم كنيسة حميد بن درة وكنيسة أخرى إلى جانب سوق الجبن وكنيسة المصلبة وكنيسة مريم قال: ثم إن الوليد بعث إلى المسلمين حتي اجتمعوا لهدم الكنيسة واجتمع النصارى فقال للوليد بعض القسيسين والفاس على كتفه وعليه قباء سفرجلي وقد شد بزور قبائه يا أمير المؤمنين إني أخاف عليك من الشاهد قال: ويلك ما أضع فأسي إلا في رأس الشاهد ثم إنه صعد فأول من وضع فأسه في هدم الكنيسه الوليد وسارع الناس في الهدم وكبر الناس ثلاث تكبيرات وزادها في المسجد.
ولما بلغ ملك الروم هدمها كتب إليه: إنك هدمت الكنيسة التي رأى أبوك تركها فإن كان حقا فقد خالفت أباك وإن كان باطلا فقد أخطا أبوك فلم يدر ما جوابه فكتب إلى الكوفة وإلى البصرة وسائر البللدان أن يجيبوه فلم يجبه أحد فوثب الفرزدق فقال: أصلح الله أمير المؤمنين قد رأيت ر أيا فإن كان حقا فخذه وإن كان خطأ فمني وهو قول الله عز وجل: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} الآية. قال: فكتب الوليد إلى ملك الروم فلم يجبه وأنشأ الفرزدق يقول:
فرقت بين النصارى في كنائسهم
…
والعابدين مع الأسحار والعتم
وهم معا في مصلاهم وأوجههم
…
شتى إذا سجدوا لله والصنم
وكيف يجتمع الناقوس يضر به
…
أهل الصليب مع القراء لم تنم
فهمك الله تحويلا لبيعتهم
…
عن مسجد فيه يتلى طيب الكلم
فهمت تحويلها عنهم كما فهما
…
إذ يحكمان لهم في الحرث والغنم
داود والملك المهدي إذ حكما
…
أولادها واجتزاز الصوف بالجلم
ما من أب حملته الأرض نعلمه
…
خير بنين ولا خير من الحكم
وقيل لما أراد الوليد بناء مسجد دمشق احتاج إلى صناع كثيرة فكتب إلى الطاغيه أن وجه إلي بمائتي صانع من صناع الروم فإني أريد أن أبني مسجدا لم يبن من مضى قبلي ولم يبن من بعدي مثله فإن أنت لم تفعل غزوتك بالجيوش وأخرجت الكنائس في بلدي وكنيسة بيت المقدس وكنيسة الرها وسائر آثار الروم في بلدي فأراد الطاغية أن يغضه عن بنائه وأن يضعف عزمه فكتب إليه والله لئن كان أبوك فهمها وأغفلت عنها إنها لوصمة عليك وإن فهمتها وغيبت عن أبيك إنها لوصمة عليه وأنا موجه لك ما سألت فأراد أن يجعل له جوابا فجلس له عقلاء الرجال في حظيرة المسجد يفكرون في ذلك فدخل عليهم الفرزدق فقال: ما بال الناس أراهم مجتمعين حلقا فقيل له السبب كيت وكيت فقال: أنا أجيبه من كتاب الله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} الآية. وقال: قرأت في الكتاب الذي فيه أخبار الأوائل أن هذه الدار المعروفة بالخضراء مع الدار المعروفة بالمطبق مع دار المعروفة بدار الخيل مع المسجد الجامع أقاموا وقت بنائها يأخذون لها الطالع ثماني عشرة سنة وقد اجتهدوا في ذلك وما حفروا أساس الحيطان حتى وافاهم الوقت الذي طلع فيه الكوكبان اللذان أرادوا بطلوعهما أن المسجد لا يخرب أبدا ولا يخلو من العبادة وأن هذه الدار إذا بنت لا تخلو أن تكون دار الملك والسلطنة والضرب والحبس وعذاب الناس والقتل ومأوى الجند والعساكر والبلاء والفتنة فبنى عليه هذا وكانت في ذلك الزمان كلها دارا واحدة.
وقد بنى الوليد بن عبد الملك بن مروان كل ما كان داخل حيطان المسجد
وزاد في سمكها ولما بنى القبة فيه وستقلت وتمت وقعت فشق ذلك على الوليد فاتاه رجل من البنائين فقال له: أنا أتولى بنيانها على أن تعطيني عهد الله أن لا يدخل معي أحد في بنيانها ففعل ذلك فحفر موضع الأركان حتى بلغ الماء ثم بناها فلما استعلت على وجه الأرض غطاها بالحصر وهرب عن الوليد فأقام بطلبه ولم يقدر عليه فلما كان بعد سنة لم يعلم الوليد إلا وهو على بابه فقال له: ما دعاك إلى ما صنعت قال: تخرج معي حتى أريك فخرج الوليد والناس معه حتى كشف الحصر فوجد البنيان قد انحط حتى صار مع وجه الأرض فقال: من هذا ثم بناها ببنائها الذي هي عليه حتى قامت ويقال أنه حفر الأساس أي أساس مسجد دمشق حتى بلغ الحفير إلى الماء واقي فيه جراز الكرم وبنى عليه ذلك الأساس وقد روى عن بعض قومه المسجد في بنائه قال: حدث أن الوليد بن عبد الملك بعث إليه يوما عند فراغه من القبة الكبيرة ولم يبق منها إلا عقد رأسها فقال: إني عزمت أن اعقدها بالذهب فقال له: يا أمير المؤمنين هل اختلطت هذا شيء لا تقدر عليه فقال له: يا ماص هن أمه تقول لي هذا وأمر به فضرب خمسين سوطا ثم قال: اذهب فافعل ما أمرت به قال: فذكر لي أنه عمل لبنة من ذهب فأمر بحملها إليه فلما نظر إليه وعرف ما فيها وما تحتاج القبة إلى مثلها قال: هذا شيء لا يوجد في الدنيا فرضي عنه وأمر له أي للمضروب بخمسين دينارا.
ثم أراد أن يبني المسجد اسطوانات إلى الكوى فدخل بعض البنائين فقال: لا ينبغي أن يبني كذا ولكن ينبغي أن يبني فيها قناطر وتعقد أركانها بعضها إلى بعض ثم تجعل أساطين ويجعل عمدا ويجعل فوق العمد قناطر تحمل السقف وتخف عن العمد البناء ويجعل بين كل عمودين ركن فبني ذلك قال ابن الرامي يرفعه عن رجل ولما قطع الوليد بن عبد الملك بن مروان بالرصاص لمسجد دمشق على أهل الكور كانت كورة الاردن أكثرهم في ذلك فطلبوا الرصاص في النواويس فانتهوا إلى قبر من حجارة في داخله قبر من رصاص فأخرجوا الميت الذي فيه فوضعوه فوق الأرض فوقع في هوة من الأرض
فانقطع عنقه فسال من فيه دم فهالهم ذلك فسألوا عنه فكان فيمن سألوا عبادة بن نسي الكندي1 فقال لهم: هذا قبر طالوت الملك كذا قراه على عبد الكريم.
وأنبأنا أبو محمد بن الاكفاني قال: قرأت على أبي محمد السلمي عن بعض المشايخ قال: لما فرغ الوليد بن عبد الملك من بناء المسجد قال له بعض ولده أتعبت الناس طينته كل سنة ويخرب سريعا فأمر أن يسقف بالرصاص فطلب الرصاص من كل بلد فوصل إليه فبقي عليه موضع لم يجد له رصاصا فكتب إلى عماله يحرضهم في طلبه فكتب إليه بعض عماله: أنا وجدنا عند امرأة منه شيئا وقد أبت أن تبيعه إلا وزنا بوزن من النضار فكتب إليه أن خذه وزنا بوزن فأخذه وزنا بوزن فلما وافاها النضار قالت: هو هدية مني للمسجد فقال لها العامل: أنت أبيتي أن تبيعيني إياه إلا وزنا بوزن شحا منك فكيف تهديه إلى المسجد فقالت: إنما فعلت ذلك ظننت أن صاحبكم يظلم الناس في بنائه ويأخذ أموالهم فلما رأيت الوفاء منكم علمت أنه لم يكن يظلم فيه أحدا ويبتاع وزنا بوزن فكتب إلى الوليد بذلك فأمر أن يعمل في صفائحه لله ولم يدخله في جملة ما عمله فهو إلى اليوم مكتوب عليه لله طبع بطابع على السقف انتهى.
وكان سليمان بن عبد الملك هو المقيم مع الصناع فكان يفضل عند الرجل الفلس ورأس المسمار فيجيء به فيرميه في الخزانة.
أنبأنا أبو الحسن علي الخطيب يرفعه إلى أحمد بن هشام يقول: سمعت أبي يقول ما في مسجد دمشق شيء من الرخام إلا ما كان من رخامي المقام فإنه يقال أنه ما من عرش بلقيس وأما الباقي فكله مرمر. وقيل أنه اجتمع في ترخيمة اثنا عشر ألف مرخم قال بعضهم: كتب لي أبو عبد الله محمد الفراوي2 وقيل أنه ألفاه يخبرني عن أبي بكر أحمد بن الحسين الحافظ يرفعه إلى عبد الرحمن بن عبد
1 شذرات الذهب 1: 155.
2 شذرات الذهب 4: 96.
الله بن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي يقول: عجائب الدنيا خمسة أشياء أحدها منارتكم هذه يعني منارة ذي القرنين والثانية أصحاب الرقيم الذين هم بالروم اثنا عشر رجلا أو ثلاثة عشر رجلا والثالثه مرآة في بلاد الأندلس معلقة على باب المدينة أي مدينة الأندلس الكبيرة فإذا غاب الرجل من بلادهم على مسيرة مائة فرسخ في مائة فرسخ أتى بعض أهله إلى تلك المراة يقعد تحتها وينظر في المرآة يرى صاحبه من مائة فرسخ والرابعة مسجد دمشق وما يوصف به ومن الأنفاق عليه وكثرة محاسنه والخامسة الرخام والفسيفساء فإنه لا يدرى له موضع. ويقال: أن الرخام الذي فيه كله معجون والدليل على ذلك أنه لو وضع على النار لذاب وهذا من العجب العجاب وقيل لما أخذ الوليد في بناء مسجد دمشق وظهر من تزويقه وتنميقه وبنائه وعظم مؤنته ما ظهر تكلم الناس فقالوا: أنفق فيئنا وأتلف ما في بيوت أموالنا في نقش الخشب وتزويق الحيطان ثم كانا به قد حرمنا اعطاءنا واعتل علينا بذهاب المال وقلته فبلغ الوليد كلامهم والذي قالوه فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس قد بلغني مقالتكم وانتهى إلي ما خفتم من حبس إعطائكم ودفعكم عن حقوقكم وليس الأمر كما ظننتم أما وإني أمرت بإحصاء ما في بيوت الأموال فأصبت أعطاكم فيه ست عشر سنة مستقبلة من يومي هذا ثم نزل وقيل أنهم حسبوا ما أنفق على الكرمة التي قبل المسجد الأموي فكان سبعين ألف دينار. وقال أبو قصي: ما أنفق في عمارة مسجد دمشق أربع مائة صندوق في كل صندوق أربعة عشر ألف دينار وقيل أنه قال: رأيت كم يا أهل دمشق تفتخرون بمائكم وهوائكم وفاكهتكم وحماماتكم فأردت أن يكون مسجدكم الخامس وقيل أنه اشترى العامودين الأخضرين اللذين تحت قبة النسر من حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية بألف وخمسمائة دينار وأخبرني أبو الفضل القاسم بن السمرقندي قال: قال أبو يوسف يعقوب بن سفيان قرأت في صفائح في قبلة مسجد الجامع بدمشق مذهبة بلازورد:
بسم الله الرحمن الرحيم
{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} . إلى آخر الآية لا اله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا إياه ربنا الله وحده وديننا الإسلام ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أمر ببناء هذا المسجد وهدم الكنيسة التي كانت فيه عبد الله الوليد أمير المؤمنين في ذي القعدة من سنة ست وثمانين في ثلاث صفايح منها وفي الرابعة فاتحة الكتاب إلى آخرها ثم النازعات إلى آخرها ثم عبس إلى آخرها ثم إذا الشمس كورت إلى آخرها قال أبو يوسف: وقدمت بعد ذلك فرأيت هذا قد محي وكان هذا قبل المأمون وقال ابن الرومي: سمعت أبا مروان عبد الرحيم بن عمر المازني يقول: لما كان في أيام الوليد بن عبد الملك وبنائه المسجد الجامع احتفر فيه موضعا فوجدوا بابا من حجارة مغلقا فلم يفتحوه وأعلموا به الوليد فخرج من داره حتى وقف عليه وفتح بين يديه فإذا داخله مغارة فيها تمثال إنسان من حجارة على فرس من حجارة في يد التمثال الواحدة الدرة التي كانت في المحراب ويده الآخرى مقبوضة فأمر بها فكسرت فإذا فيها حبتان حبة قمح وحبة شعير فسأل عن ذلك فقيل لو تركت الكف لم يكسرها لم يسوس في هذا البلد قمح ولا شعير.
وأنبأنا أبو محمد بن الأكفاني أخبرني أبو القاسم غنائم بن أحمد الخياط حدثني أبو أحمد الحافظ الوراق وكان قد عمر مائة سنة قال: سمعت بعض الشيوخ يقولون إنه لما دخل المسلمون دمشق وقت فتحها وجدوا على العمود الذي في المقسلاط على السفود الحديدالذي في أعلاه صنما مادا يده بكف مطبقة فكسروه فإذا فيه حبة قمح فسألوا عن ذلك فقيل لهم هذه الحبة القمح جعلها حكماء اليونان في كف هذا الصنم طلسما حتى لا يسوس القمح ولو أقام سنين كثيرة. قال ابن عساكر: قلت ورأيت أنا هذا السفود على قناطر كنيسة بالمقسلاط. وأنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم الحسني قال: سمعت جماعة من شيوخ أهل دمشق يقولون إن العمود الحجر الذي بين سوق الشعير وبين سوق أم حكيم عليه حجر مدور مثل الكرة كبير لعسر بول الدواب إذا دار الفرس أو الحمار ثلاث
مرات حول العمود انطلق البول منه عملته حكماء الروم من اليونانيين.
وكان مبدأ شروع الوليد في عمارة المسجد سنة سبع وثمانين وتوفي يوم السبت منتصف جمادى الآخرة سنة ست وتسعين وكانت مدة ولايته تسع سنين وثمانية أشهر. قال الذهبي في العبر: وكان مع ظلمه كثير التلاوة للقرآن قيل أنه كان يختم في كل ثلاث ويقرأ في شهر رمضان سبع عشرة ختمة ورزق سعادة سعيدة في أيامه فافتتحت الهند في أيامه والترك والأندلس وكان كثير الصدقات جاء عنه أنه قال: لولا ما ذكر الله آل لوط في القرآن ما ظننت أن احدا يفعله وكان يكنى أبا العباس وكان ذميما سافلا يتبختر في مشيه وأدبه ناقص حتى قيل أنه قرأ في الخطبة قوله تعالى: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} . بضم التاء من ليت وأنشا هذا الجامع ولم يكمله كما تقدم فأتمه أخوه سليمان.
وأنبأ أبو محمد الأكفاني عن ابن مسهر1 قال: عملت المقصورة لسليمان بن عبد الملك حين استخلف. وقال الذهبي في العبر في سنة اثنتين وسبعين ومائة: وفي هذه السنة توفي أمير دمشق الفضل بن صالح بن علي العباسي2 ابن عم المنصور وهو الذي أنشا القبة الغربية التي بجامع دمشق وتعرف بقبة المال انتهى.
وقال الأسدي في تاريخه في سنة اثنتين وستمائة: قال ابن كثير في شعبان منها هدمت القنطرة الرومانية التي عند الباب الشرقي ونشرت حجارتها لتبليط الجامع الأموي بسفارة الوزير صفي الدين بن شكر وزير العادل فكمل تبليطه في سنة أربع وستمائة وقال ابن كثير في سنة إحدى وتسعين وستمائة: وفي ليلة اللسبت ثالث عشر صفر جيء بهذا الجرن الأحمر الذي بباب البرادة من عكا فوضع في مكانه الآن انتهى.
ورأيت بخط البرزالي في تاريخه في سنة ست وثلاثين وسبعمائة وفي جمادى الأولى أخربت مساطب سوق النحاسين بدمشق فوجدوا حائط دار الخطابة متعتقا فأخرب ووجد فيه حجارة كبار وظهر باب كبير مليح له اسكفة
1 شذرات الذهب 2: 44.
2 شذرات الذهب 1: 281.
وجوانب والجميع مخرب خلف مخراب المقصورة ونقلت الحجارة الكبار إلى باب الفرج فاستعين بها في البناء ذكره وذكر ذلك كله شمس الدين سبط ابن الجوزي انتهى.
وباب الجامع القبلي الغربي يعرف بباب الزيادة بباب الساعات وتعرف تلك الحارة بحارة القباب وهناك دار مسلمة بن عبد الملك قال ابن كثير في سنة إحدى وثلاثين وستمائة: وفيها كملت عمارة القاسارية التي هي قبلي النحاسين وحول إليها سوق الصاغة وشغر سوق اللؤلؤة الذي كان فيه الصاغة العتيقه عند الحدادين وفيها جددت الدكاكين التي بباب الزيادة. قلت: وقد جددت شرقي ههذه الصاغة الجديدة قاساريتان في زماننا وسكن بهما الصواغ وتجار الذهب والجوهر وهما حسنتان والجميع وقف الجامع المعمور انتهى.
وقال ابن عساكر رحمه الله تعالى: وأخبرني أبو محمد الاكفاني عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن زيد القاضي قال: إنما سمي باب الساعات لأنه كان عمل عناك منكاب الساعات يعلم بها كل ساعة تمضي من النهار عليها عصافير من نحاس وحية من نحاس وغراب فإذا تمت الساعة خرجت فصفرت العصافير وصاح الغراب وسقطت حصاة. وقال الصفدي في تاريخه في المحمدين: محمد بن عبد الكريم مؤيد الدين أبو الفضل الحارثي الدمشقي المهندس كان ذكيا أستاذا في نجارة الدف ثم برع في علم اقليدس ثم ترك نقش الرخام وضرب الخيط وأقبل على الاشتغال وبرع في الطب والعلم الرياضي وهو الذي صنع الساعات على باب الجامع وسمع من السفلي وضع كتبا مليحة واختصر الأغاني وهو بخطه في مشهد عروة وكتاب "الحروب والسياسات" و "الأدوية المفردة" و "مقالة في رؤية الهلال" توفي في سنة تسع وتسعين وخمسمائة وأورد له ابن أبي اصيبعه في تارخ الأطباء ونقلته من خطه من رسالة في رؤية الهلال الفها القاضي محي الدين بن الزكي ويقول فيها يمدحه:
خصصت بالأب لما أن رأيتهم
…
دعوا بنعتك أشخاصا من البشر
ضد النعوت تراهم إن بلوتهم
…
وقد يسمى بصيرا غير ذي بصر
والنعت ما لم تك الأفعال تعضده
…
اسم على صورة خطت من الصور
وما الحقيق به لفظ ييطابقه الـ
…
معنى كنجل القضاة الصيد من مضر
فالدين والملك والاسلام قاطبة
…
برأيه في أمان من يد الغير
كم سن سنة خير في ولايته
…
وقام لله فيها غير معتذر
قلت: هو شعر مقبول غير مردود ومات رحمه الله تعالى بداء الإسهال بدمشق وله سبعون سنة انتهى. وقال الصفدي في حرف الراء رضوان بن محمد ابن علي بن رستم الخراساني فخر الدين بن الساعاتي مولده ومنشؤه بدمشق وكان أبوه من خراسان وانتقل إلى الشام وأقام بدمشق إلى أن توفي وهو الذي عمل الساعات بباب الجامع الأموي ووضعها أيام الملك العادل نور الدين محمود وكان له منه الانعام الكثير ولما توفي خلف ولدين أحدهما بهاء الدين أبو الحسن علي بن الساعاتي والآخر فخر الدين رضوان المذكور انتهى.
وقال الصفدي في المحمدين: محمد بن نصر الدين بن صغير بن خالد هو أبو عبد الله مهذب الدين أو عدة الدين الشاعر المشهور صاحب الديوان المعرف باب القيسراني حامل لواء الشعر في زمانه ولد بعكا سنة ثمان وسبعين وأربع مائة ونشأ بقيسارية الساحل فنسب إليها وسكن دمشق وتولى إدارة الساعات التي على باب الجامع وسكن فيها في دولة تاج الملوك وبعده سكن حلب المحروسة مدة وولي بها خزانة الكتب وتردد إلى دمشق وبها مات سنة ثمان وأربعين وخمسمائة وقرأ الأدب على توفيق بن محمد وأتقن الهندسة والحساب والنجوم وأطال الكلام على ماله من نظم ونثر فراجعه. وقال فيه: علي بن إبراهيم بن محمد بن الهمام أبي محمد إبراهيم بن حسان بن عبد الرحمن بن ثابت الأنصاري الأوسي هو الإمام فريد الزمان المحق المتقن البارع الرضي أعجوبة الدهر الشيخ علاء الدين أبو الحسن علي المعروف بابن الشاطر رئيس المؤذنين بالجامع الأموي بدمشق قرأ على علي بن إبراهيم بن يوسف وكان يعرف بابن الشاطر فسمي هو بذلك سألته عن مولده فقال في خامس عشر شعبان سنة خمس وسبعمائة بدمشق رأيته غير مرة ودخلت إلى منزله في
شهر رمضان سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة لرؤية الاسطرلاب الذي أبدع وضعه فوجدته قد وضعه في قائم حائط في منزله داخل باب الفراديس في درب الطيار ورأيت هذا الاسطرلاب فأنشأ لي طربا ووجد لي في المعارف أربا وقلت: إن من تقدمه من الأفاضل عند جبل علمه الراسخ هباء ولو رآه إقليدس لما كان عنده إلا نقطة من خطه أو ارشميدس لرأى شكله قطاعا في تحرير وضبطه فسبحان من يفيض على بعض النفوس ما يشاء من المواهب ويجدد في كل عصر من يحييي رسوم الفضل الذي عدم في الليالي الذواهب وصورة الاسطرلاب المذكور قنطرة مقدار نصف أو ثلث ذراع تقريبا يدور أبدا على الدوام في اليوم والليلة من غير رحى ولا ماء على حركات الفلك لكنه قد رتبها على أوضاع مخصوصة تعلم منه الساعات المستوية والساعات الزمانية انتهى. وإليه ينسب عمل المنحرفتين في قبلة مأذنة العروس بالجامع الأموي المذكور انتهى. وحدث أبو الفضل يحيى بن علي1 القاضي أن أدرك في الجامع الأموي قبل حريقه طلسمات لسائر الحشرات معلقة في السقف فوق البطائن مما يلي السبع وأنه لم يوجد في الجامع الأموي شيء من الحشرات قبل الحريق فلما احترقت الطلسمات وجدت انتهى.
وكان حريق الجامع الأموي ليلة النصف من شعبان بعد العصر سنة إحدى وستين وأربع مائة قال الذهبي في كتاب العبر: في سنة إحدى وستين هذه في نصف شعبان احترق جامع دمشق الأموي كله من حرب وقع في الدولة فضربوا بالنار دارا مجاورة لللجامع الأموي فقضي الأمر واشتد الخطب وأتى الحريق على سائره ودثرت محاسنه وانقضت ملاحته انتهى.
ووجد في كتاب لبعض أهل دمشق اقيمت فية بيت الرخام التي فيها فوارة الماء في سنة ست وتسعين وثلاثمائة وقال جعفر بن دواس الكناني المعروف بقمر الدولة يصف هذه الفوارة شعر:
1 شذرات الذهب 4: 105.
رأيت بالجامع المعمور معجزة
…
في جلق إحدى "كذا" من بها سمعا
فوارة كلما فارت فرت كبدي
…
وماؤها فاض بالأنفاس فاندفعا
كانها الكعبة العظمى فكل فتى
…
من حيث قابل أنبوبا لها ركعا
وقرأت بخط إبراهيم بن محمد الحناء قال: أنشئت الفوارة المنحدرة وسط جيرون سنة ست عشرة وأربعمائة وجرت ليلة الجمعة لسبع ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة سبع عشرة وأربعمائة وأمر بجر القصعة من ظاهر قصر حجاج إلى جيرون وأجرى ماءها الشريف القاضي فخر الدولة أبو يعلى حمزة بن الحسين بن العباس الحسيني جزاه الله خيرا ونحته بخطه محمد بن أبي نصير الحميدي1 انتهى. وسقطت هذه الفوارة في صفر سنة سبع وخمسين وأربعمائة من جمال تحاكت فيها فأنشئت كرة أخرى ثم سقطت وعمرت وما عليها في حريق اللبادين ورواق دار الحجارة ودار خديجة في سنة اثنتين وستين وخمسمائة وقال الذهبي في مختصر تاريخ الإسلام: في سنة اثنتين هذه وفيها احترقت اللبادين وباب الساعات بدمشق حريقا عظيما وأذهب أموال الناس طلعت النارمن دكان هراس انتهى. وقال الأسدي في تاريخه في شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وثمانمائة: وفيها جدد قاضي القضاة جمال الدين بن حجي الشافعي بالمقصورة من الجامع الأموي ربعة قرآن تفرق على الناس وقت صلاة الجمعة وجعل عليها قبة صغيرة غربي المنبر نظير القبة التي شرقية انتهى. وقال الذهبي في المختصر من تاريخ الإسلام: في سنة إحدى وثمانين وستمائة وفي شهر رمضان احترقت اللبادين والكتبيين والزجاجين المرجانيين والخواتميين وجميع ما فوق ذلك وما تحته وكان منظرا مهولا ذهب فيه من الأموال ما لا يحصى وسلم الله تعالى الجامع الأموي ثم عمر ذلك كله مع الملازمة في سنين انتهى. وقال الأسدي رحمه الله تعالى في ذيله في سنة سبع وعشرين وثمانمائة في شهر: ربيع الآخر منها وفي يوم الأربعاء سادسه جاءالنائب هو الجديد سودون بن عبد الحمن إلى الجامع الأموي وجلس بحراب الحنفية ومعه الشيخ المالكي والشيخ الحنبلي
1 شذرات الذهب 3: 293.
وجماعة من الفقهاء بسبب اعتبار أمر الجامع الأموي: فلم يكن للنائب من البصر والبصيرة ما يهديه إلى شيء فقام في الحال وقال: تفعل القضاة المصلحة فلم يحصل بالاجتماع المذكور فائدة وفوض النظر إلى إمامه وهو شخص مصري حنفي يقال له تقي الدين العمادي وكان يباشر القضاء بمصر بمصر بمركز السويس ورسم الناظر المذكور أن لا يمشي الناس في صحن الجامع إلا حفاة فشق ذلك على الناس وعمل على الأبواب درا بزينات انتهى. ثم قال: في شوال من السنة وفي يوم السبت ثاني عشره ولي نظر الجامع زمام النائب الطواشي سنبل عوضا عن تقي الدين العمادي وكان قد ألزم الناس في مشارفته بالمشي في الجامع حفاة وشق على الناس ذلك وبطل في هذا اليوم انتهى. ثم قال: في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائه في شهر ربيع الآخر منها وفي أوائله وقف النائب وهو سودون ابن عبد الرحمن مصحفا كبيرا بخط الشرف موسى الججيني ووضع بمقصورة الجامع الأموي على كراسي مقابل باب المقصورة الشمالي وذكر النائب أنه يجعل وقفا على مقري وخادم وهذا المصحف هو غير المصحف الذي وقفه المؤيد شيخ مقابل باب المقصورة المذكور ورتب له معلوما في وقفه الذي على الذرية.
وقال ابن كثير في سنة سبع وستمائة قال أبو شامة: وفي ثاني شوال من هذه السنة جددت أبواب الجامع الأموي من ناحية باب البريد بالنحاس الأصفر وركبت في أماكنها وفي شوال أيضا شرع في إصلاح الفوارة والشاذروان والبركة وعمل عندها مسجد وجعل له إمام راتب وأول من تولاه رجل يقال له النفيس المصري وكان له بوق الجامع لطيب صوته إذا قرأ على الشيخ أبي منصور الضرير المصدر فيجتمع عليه الناس الكثير انتهى. ثم قال في سنة عشر وستمائة: وفيها أمر العادل أيام الجمع بوضع سلاسل على أبواب الطريق إلى الأموي لئلا تصل الخيول إلى قريب الجامع الأموي صيانة للمسلمين عن التأذي بها والتضيق انتهى. زاد الأسدي ثم ترك وعاد الأمر ما كان عليه وتمثل في ذلك ابن عنبن فقال من أبيات:
إن ذا عام جديد
…
إن ذا يوم سعيد
والمدينة هربت
…
قيودها بالحديد
في جمعة يسحبوها
…
لكنهم ما يعرفوها
والنبي لو طلقوها
…
ما ترح إلى البريد
ثم قال في سنة إحدى عشرة وستمائة: قال أبو شامة: وفيها شرع في تبليط داخل الجامع الأموي وبدأوا بناحية السبع الكبير وكانت أرض الجامع قبل ذلك حفرا وجورا فاستراح الناس بتبليطه. ثم قال في سنة ثلاث عشرة وستمائة: قال أبو شامة وفيها أحضرت الأوتاد الخشب الأربعة لأجل قبة نسر الجامع طول كل واحد اثنان وثلاثون ذراعا بالنجاري انتهى. ثم قال في سنة أربع عشرة وستمائة: وفي ثالث المحرم كمل تبليط داخل الجامع الأموي وجاء المعتمد مبارز الدين إبراهيم1 المتولي بدمشق فوضع آخر بلاطة منه بيده وكانت عند باب الزيادة فرحا بذلك انتهى. ثم قال في سنة سبع عشرة وستمائة: وفي هذه السنة نصب محراب الحنابلة بالرواق الثالث الغربي من جامع دمشق بعد ممانعة من بعض الناس لهم ولكن ساعدهم بعض الأمراء في نصبه وهو الأمير ركن الدين المعظمي وصلى فيه الشيخ موفق الدين بن قدامة ثم رفع في حدود سنة ثلاثين وسبعمائة وعوضوا عنه بالمحراب الغربي عند باب الزيادة كما عوضوا الحنفية عن محرابهم الذي كان في الجانب الغربي من الجامع بالمحراب المجدد لهم في باب الزيادة حين جدد الحائط الذي هو فيه في الأيام التنكرية على يدي ناظر الجامع ابن مراجل أثابه الله تعالى كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى. ثم قال في سنة أربع وتسعين وستمائة في شهر رمضان رسم للحنابله أن يصلوا قبل الإمام الكبير وذلك أنهم كانوا يصلون بعده فلما أحدث لمحراب الصحابة إمام كانو يصلون جميعا في وقت واحد فكان يحصل تشويش بسبب ذلك فاستقرت القاعدة على أن يصلوا قبل الإمام الكبير في وقت صلاة مشهد علي بالصحن عند محرابهم في الرواق الثالث الغربي. قلت: وقد تغيرت هذه القاعدة بعد العشرين وسبعمائة كما سيأتي بيانه انتهى. ثم قال في سنة سبع وعشرين وسبعمائة: وفي العشر الأول من ذي الحجة كمل ترخيم الجامع الأموي: أعني
1 ابن كثير 13: 124.
حائطه الشمالي وجاء تنكر حتى نظر إليه فأعجبه وشكر ناظره تقي الدين بن مراجل انتهى. ثم قال في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة: وفي شهر ربيع الآخر نقض الترخيم الذي بحائط جامع دمشق القبلي من جهة الغرب مما يلي باب الزيادة. فوجدوا الحائط متجافيا فخفيف من أمره وحضر النائب تنكر ومعه القضاه وأرباب الخبرة فاتفق رأيهم على نقضه وإصلاحه وذلك يوم الجمعة سابع عشرين شهر ربيع الآخر فكتب نائب السلطنة إلى السلطان يعلمه بذلك ويستأذنه في ذلك فجاء المرسوم بالإذن في عمارته فشرع في نقضه يوم الجمعة خامس عشر جمادى الأول وشرعوا في عمارتة يوم الأحد تاسع عشر جمادى الآخرة وعمل محراب فيما بين باب الزيادة ومقصورة الخطابة يضاهي محراب الصحابة ثم جدوا ولازموا في عمارته وتبرع كثير من الناس بالعمل فيه من سائر الناس فكان يعمل فيه كل يوم أزيد من مائة رجل حتى كملت عمارة الجدار وأعيدت طاقاته وسقوفه في العشرين من شهر رجب وذلك كله بهمة تقي الدين ابن مراجل وهذا من العجب فإنه نقض الجدار وما سامته من السقف وأعيد في مدة لا يتخيل أحد أن عمله يفرغ في هذه المدة قطعا وجزما وساعدهم على سرعة الاعادة حجارة وجدوها في أساس الصومعة الغربية التي عند الغزالية وقد كان في كل زاوية من هذا المعبد صومعة كما في الغربية والشرقية القبلتين منه فأبيدت الشماليتان قديما ولم يبق منها من مدة ألوف من السنين سوس أس هذه المئذنة الغربية الشمالية فكانت من أكبر المعونة على إعادة هذا الجدار سريعا. ومن العجب أن ناظر الجامع ابن مراجل لم ينقض أحدا من أرباب المرتبات على الجامع شيئا مع هذه العمارة انتهى. ثم قال ابن كثير في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة: وفي يوم الثلاثاء ثالث عشرين شهر رجب رسم للائمة الثلاثة الحنفي والمالكي والحنبلي بالصلاة في الحائط القبلي من الجامع الأموي فعين المحراب الجديد الذي بين باب الزيادة والمقصورة للإمام الحنفي وعين محراب الصحابة للمالكي وعين محراب مقصورة الخضر الذي كان يصلي فيه المالكي للإمام الحنبلي وعوض إمام محراب الصحابة بالكلاسة.
وقد كان قبل ذلك في حال العمارة قد بلغ محراب الحنفية من المقصورة المعروفة بهم ومحراب الحنابلة من خلفهم في الرواق الثالث الغربي وكانا بين الأعمدة فقلعت تلك المحاريب وعوضوا بالمحاريب المستقرة في الحائط القبلي واستقر الأمر على ذلك انتهى. ثم قال في سنة تسع وعشرين وسبعمائة: وفي الحادي والعشرين من صفر كمل ترخيم الحائط القبلي من جامع دمشق وبسط الجامع جميعه وصلي به الجمعة من الغد وفتح باب الزيادة وكان له أيام امغلقا وذلك في أيام مباشرة تقي الدين بن مراجل المذكور انتهى. ثم قال في سنة ثلاثين وسبعمائة: وفي شهر ربيع الآخر شرع في ترخيم الجانب الشرقي من الجامع الأموي ليشبه الجانب الغربي وشاور تقي الدين بن مراجل النائب والقاضي على جمع الفصوص من سائر الجامع الأموي في الحائط القبلي فرسما له بذلك انتهى. ورأيت بخط البرزالي في يوم السبت مستهل شهر ربيع الأول من السنة المتقدمة حضر نائب السلطنة وقاضي القضاة علم الدين الاخنائي الشافعي إلى جامع دمشق فشاورهما ناظر الجامع المعمور في جمع الفصوص المفرقة في حيطان الجامع وأن تجعل في الحائط القبلي فحصل الاتفاق على ذلك وشرع فيه في خامس الشهر المذكور فنقض الترخيم من الجانب الشرقي وجدد وذهب وعمل نسبة للجانب الغربي الذي تقدم عمله وكمل ذلك في آخر هذه السنة واخر أمر الفصوص انتهى. وقال في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة وفي الثالث والعشرين من جمادى الأولى كمل بسط الجامع فاتسع على الناس ولكن حصل حرج بحمل الأمتعة يعني المداسات على خلاف العادة فإن الناس كانوا يمرون وسط الرواقات ويخرجون من باب البرادة ومن شاء استمر يمشي إلى الباب الآخر بنعليه ولم يكن ممنوعا سوى المقصورة لا يمكن لأحد الخول إليها بالمداسات بخلاف باقي الرواقات فأمر نائب السلطنة بتكميل بسطه انتهى. وقال الذهبي في عبره في سنة ثمان وسبعين وخمسمائة: أبو محمد الشيرازي هبة الله محمد ابن هبة الله ابن ميميل البغدادي المعدل الصوفي الواعظ سمع أبا علي بن نبهان1
1 شذرات الذهب 4: 31.
وغيره وروى عنه ابن ابنه أبو المعالي أحمد بن محمد1 وأبو المواهب ابن صصري2 وآخرون ولد ببغداد سنة خمسمائة وكان دينا عاقلا حسن الطريقة فاضلا وقدم دمشق سنة ثلاثين وخمسمائة وهو شاب فسكنها وأم بمشهد علي يعني مشهد النائب بالجامع الأموي وفوض إليه عقد الانكحة توفي في شهر ربيع الأول وهو في عشر الثمانين وأم بعده بالمشهد ابنه القاضي شمس الدين أبو نصر محمد3 وأبو الفضل وفا بن أسعد التركي الخباز4 روى عن أبي القاسم بن بيان وجماعة توفي في شهر ربيع الآخر وكان شيخا صالحا انتهى. وقال الأسدي في سنة ثلاث وعشرين وستمائة: خزعل بن عساكر بن خليل العلامة تقي الدين أبو الحسن الثنائي المصري المقري النحوي اللغوي نزيل دمشق ولد بالاسكندرية سنة سبع وأربعين ظنا وذكر أنه سمع من السلفي وأنه دخل بغداد وقرأ على الكمال عبد الرحمن الأنباري أكثر مصنفاته وعند عوده أخذ في الطريق وراحت كتبه. أقرأ القرآن بالقدس الشريف مدة ثم سكن دمشق وصار إمام مسجد زين العابدين علي وكان يعقد الأنكحة ويشتغل في العربية قال أبو شامة: قرأت عليه عروض الناصح بن الدهان5 أخبرني به عن مصنفه وكان يحثني على حفظ الحديث والتفقه خصوصا حديث مسلم ويقول أنه أسهل من حفظ الكتب الفقهية وأنفع ويحث على مسح جميع الرأس احتياطا وكان لا يرد سائلا أصلا وربما جاءه فيقول له: اقعد فما جاء فهو لك وكان عقد الطلاق لا يأخذ شيئا عليه وكان ذا مروءة تامة وكان ابن الحاجب اقعد في آخر عمره وتمرض فازدحمت عليه الطلبه وكان أعلم الناس بكلام العرب انتهى. وقال ابن كثير في سنة إحدى وعشرين وسبعمائة: الشيخ الإمام العالم علاء الدين على بن سعيد بن سالم الأنصاري إمام مشهد علي من جامع دمشق كان بشوش الوجه متواضعا حسن الصوت بالقراءة ملازما
1 شذرات الذهب 5: 213.
2 شذرات الذهب 4: 285.
3 شذرات الذهب 5: 174.
4 شذرات الذهب 4: 263.
5 شذرات الذهب 5: 233.
لإقراء القرآن العزيز بالجامع الأموي وكان يؤم نائب السلطنة ولده العلامة بهاء الدين محمد1 وهو مدرس الأمينية ومحتسب دمشق توفي يوم الاثنين رابع شهر رمضان ودفن من الغد بسفح قاسيون انتهى. وقال الحافظ شمس الدين الحسيني في ذيله على العبر في سنة تسع وخمسين وسببعمائة: ومات الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن داود الكردي الشافعي إمام مشهد علي حدث عن التقي بن الواسطي وغيره وتوفي في تاسع ذي القعدة ومنها انتهى. وقال البدر الأسدي في كتابه "الكواكب الدرية في السيرة النورية" في سنة خمس وخمسين وخمسمائة: وفيها استعفى القاضي زكي الدين أبو الحسن علي بن محمد بن يحيى القرشي من القضاء بدمشق فأعفاه نور الدين وولي مكانه القاضي كمال الدين الشهرزوري وكان من خيار القضاة وإليه ينسب الشباك الكمالي الذي يجلس فيه الحكام وخصوصا النائب بالجامع الأموي بعد صلاة الجمعة من المشهد الغربي بالجامع الأموي انتهى. ورأيت بخط البرزالي في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة: وفي سحر يوم السبت سادس عشر شهر رمضان توفي الشيخ علي بن محمد يوسف الموصلي المعروف بالبالي وصلي عليه ظهر السبت بجامع دمشق ودفن بمقبرة باب الفراديس وكان رجلا مباركا ينوب في الأمانة بمشهد عثمان يعني مشهد المؤذنين بجامع دمشق ثم أنه استقل فيها وسمع من ابن البخاري مشيخة وكتب في الإجازات وحفظ التنبيه واشتغل على الشيخ تاج الدين الفزاري انتهى. وقال ابن كثير في سنة ثمان وتسعين وستمائة: وفي يوم السبت حادي عشر شوال فتح مشهد عثمان الذي جدده ناصر الدين بن عبد السلام ناظر الجامع وأضاف إليه مقصورة الخدام من شمالية وجعل له إماما راتبا وحاكى به مشهد علي بن زين العابدين انتهى. وقال في سنة ثمان وعشرين وستمائة ورتب فيها إمام بمشهد أبي بكر "يعني مشهد الجبرت" من جامع دمشق وصليت فيه الصلوات الخمس انتهى. وقال في سنة خمس وعشرين وسبعمائة الشيخ الصالح العابد الزاهد الناسك عبد الله بن موسى بن أحمد الجزري كان مقيما
1 شذرات الذهب 6: 172.
بمشهد أبي بكر من جامع دمشق كان من الصالحين الكبار مباركا توفي في صفر منها ودفن بباب الصغير انتهى. ملخصا وقال الذهبي في العبر في سنة ست وتسعين وخمسمائة: وفيها توفي الشيخ شرف الدين عبد الله بن محمد الدمشقي وكان رجلا فاضلا عين لإمامه مشهد عروة يعني مشهد شيخ الإسلام بالجامع الأموي ولم يباشره لأنه كان إلى الآن لم يكمل فتحه انتهى. وقال ابن كثير في سنة تسع وتسعين وستمائة: ومما كان من الحوادث في هذه السنة أنه جدد إمام راتب عند قبر رأس يحيى بن زكريا وهو الفقيه شرف الدين أبو بكر الحموي وحضر عنده ظهر يوم عشوراء القاضي إمام الدين الشافعي1 وحسام الدين2 الحنفي وجماعة ولم تطل مدته إلا شهورا ثم عاد الحموي إلى بلده وبطلب هذه الوظيفة إلى الآن انتهى.
ورأيت في مختصر تاريخ الإسلام للذهبي في سنة سبع وخمسمائة: وكان بطبرية مصحف عثمان فنقله طغتكن إلى جامع دمشق فهو الذي بمقصورة الخطابة انتهى. وقال الذهبي في مختصر تاريخ الإسلام في سنة أربعين وسبعمائة: وفيها كان الحريق الكبير في دمشق بالدهشة ثم بقاسارية القيسي وذهب لأهلها أموال واحترقت المأذنة الشرقية وذلك من فعل النصارى وأقرت به طائفة فصلت بسبب ذلك أحد عشر نفرا بعد أن أخذ منهم ما يقرب من ألف ألف درهم وأسلم ناس كثير انتهى. وقال في ذيل العبر في السنة المذكورة: وفي ليلة السادس والعشرين من شوال وقع بدمشق حريق كبير شمل اللبادين والقبلية وما تحتها وما فوقها إلى حد سوق الوراقين وسوق الدهشة وحاصل الجامع وما حوله والمأذنة الشرقية وعدم للناس فيه من الأموال والمتاع ما لا يحصى كثرة ونسب فعل ذلك إلى النصارى فأمسك كبارهم وسمروا حتى ماتوا انتهى.
وقال ابن قاضي شهبة في تاريخه وفي شهر ربيع الأول سنة أربع عشرة وثمانمائة: وفي هذا الشهر سكن سوق الذهبيين شمالي الجامع الأموي وكان قد بنى أيام الأمير نوروز وانتقل إليه تجار دهشة النساء ثم رجعوا بعد ذلك الى
1 شذرات الذهب 5: 451.
2 شذرات الذهب 5: 446.
موضعهم بباب البريد وبقي هذا المكان متعطلا مع أنه في غاية الحسن فسكن تجار آخر وامتد السوق الذي بباب الساعات إليه انتهى. وقال في جمادى الأولى من هذه السنة: وفي يوم الاثنين سادس عشره أغلق التجاردكاكينهم بباب البريد وتضجروا منها وزعموا أنها ضيقة عليهم وسألوا النقلة إلى النحاسين يعني سوق الذراع وكانوا قد سمعوا في ذلك غير مرة فلم يجابوا فلما كان في هذا الوقت أجيبوا إلى ذلك وانتقل التجار من باب البريد ومن الزابوق الذي عند باب البيمارستان الصغير من باب النحاسين إلى باب تحت الساعات ضمن السوق جمع ثلاثة أنفس وانتقل النحاسون إلى باب البريد وكذلك العنبرانيون والوراقون واستقر الأخفافيون بالزابوق وانتقل الفرايون إلى قاسارية يلبغا التي عمرت في هذه السنة وقف جامع يلبغا انتهى. وقال في شهر رمضان منها وفي يوم الجمعة ثانيه رأيت المؤذنين يسلمون ويؤذنون بالمنارة الغربية وأظنه أول يوم إذن فيها بعد عمارتها من فتنة تمرلنك وفي هذا اليوم نقل بيع الكتب من باب البريد إلى الجامع إلى باب مأذنة العروس ثم انكر هذا بعد جمع وأعيد إلى مك أنه آخر الشهر انتهى. وقال فيه: في شعبان سنة خمس عشرة وثمانمائة وفي هذه الأيام انتقل الإمام الأول إلى مشهد النائب فإنه لا يصلى في صحن الجامع عند باب الذي مقابل المحراب ويصلي بعد الثاني هناك فلما جاء المطر انتقل الأول إلى مشهد النائب والثاني إلى الجهة الشرقية عند مشهد عروة انتهى. وقال في شهر رمضان منها: وفي هذا الشهر فرغ من تبيض شاذروان الفوارة وجرى فيه الماء وذلك بأمر وزير مصر انتهى. وقال في تاسع شوال منها: ثم جرى من الغد يوم الأربعاء عاشره قضية منكرة أيضا وذلك أن السلطان ركب من دار السعادة في عصر اليوم المذكور ومعه جماعة يسيرة فنزل إلى الجامع الأموي فوجد الإمام الأول يصلي فجاء إلى المقصورة وأمر بإقامة الصلاة فأقيمت وصلى مع الأول ثم خرج ورسم بترخيم الحائط الشرقي والغربي داخل الجامع ولم يكن مرخما سوى القبلي والباقي مبيض وقيل أنه رسم بعمارة المأذنة الغربية أيضا ووصوا على المتصدرين لا غير مع أخذ مالهم في المدارس من الجوامك والشعير من الضياع ثم ما أخذ من الأوقاف ثم جباية المسقف خمسة
أشهر فحصل للناس مشقة بذلك لا سيما من هو منقطع إلى الاشتغال بالعلم وقد كان في العشر الأخير من شهر رمضان ووصوا على الجهات من عند الناظر أي ناظر الجيش فاجتمع الجماعة به فقال: كيف يجوز الأخذ من الجامع مع خرابه فقيل له: فرع المتصدرين ليس هو موقوف على عمارة الجامع. وقال: أنتم ما حضرتم في شعبان وشهر رمضان فقيل له نحن في بيوتنا فنشغل الناس ونفتي فقال: الإفتاء للعوام هذا ما يكفي وقال لبعض الجماعة: أنت شيخ على حافة قبرك أريد أن تنقل الذي في صدرك إلى صدر هذا وأشار إلى شخص طالب علم ثم اتفق الحال على أن أخذ له من المتصدرين من كل واحد نحو ثلثي شهر وأعطى ذلك فسكت وبطلت قضية العمارة ولم يرخم سوى يسير من حائط المشهد المعروف بمشهد عروة بالقرب من بابه انتهى. وقال رحمه الله تعالى في ذي القعدة منها وفي هذا الشهر عمل الدرابزين لمأذنة العروس انتهى. وقال: في صفر سنة ست عشرة وثمانمائة فرغ من بناء المأذنة الغربية وقد كان احترق رأسها في الفتنة واستمرت إلى أن كان الفراغ منها في هذا الوقت وقال في شعبان منها: وفي أخر هذا الشهر سكنت الصاغة التى عمرت في أوائل هذه السنة وفرغ منها في هذا الوقت وجاءت في غاية الحسن وسكن في بعضها تجار ثم سكن في الباقي العنبرانيون انتهى. وقال في شوال منها: وفي هذا الشهر انتقل الأول فصلى في مشهد عروة وكان يصلي خارجه فأنفق الناس قدمه وصلوا داخل الجامع ولكن من في غربي الجامع ربما لم يبلغه التكبير انتهى. وقال في شعبان سنة ثمان عشرة وثمانمائة: وفي هذه الأيام انتقل الإمام الأول من مشهد عروة إلى محراب الحنابلة وكان قبل الفتنة يصلي الإمام الأول في المشهد المسمى بالسجن داخل مشهد علي وأما الإمام الثاني وهو الإمام في مشهد علي لا تتركوا لهم شيئا وطلبهم فلم يوجدوا فبيت على مشايخ بالأسواق وعرفائهم ووقع شخص من السكان في الحال فضرب نحو مائتي عصا فلما كان من الغد اجتمع قاضي القضاة بملك الأمراء بعد الصلاة وقال: المصلحة العفو عن هؤلاء ولا سمع الناس إلا حلمك لا سيما في أول ولايتك إلى أن سكن غضبه وجاء القاضي وناظر الجامع
إلى مشهد عروة ورسما بأن ينادي في بالأسواق بالأمان لهم وفتح الدكاكين والبيع والشراء واتفق الحال على أخذ شهر دون شهر ومشى الحال انتهى. وقال في شعبان سنة تسع عشر وثمانمائة وفي يوم الأربعاء ثامنه انتقل الإمام الأول من محراب الحنابله إلى محراب المالكية وفي يوم الجمعة عاشره مشى الناس في صحن الجامع بالامتعة بمرسوم قاضي القضاة يعني ابن زيد وكان الناس يمشون به حفاة من سابع عشر ربيع الأول من هذه السنة. وقال في شوال منها: وفي يوم الاثنين ثالث عشرية انتقل الإمام الأول من محراب المالكية إلى محراب الحنفية واتسع الناس وسهل عليهم متابعة الإمام لقربه اهـ. وقال في محرم سنة عشرين وثمانمائة: وفي يوم الخميس آخر السنة الماضية هدمت الدكاكين بباب الجامع الشرقي لأجل فتح البابين الصغيرين وكانا قد سدا في الفتنه وعملا تبييضا في الجامع فلما كان في الوقت سعى الشيخ محمد بن قديدار1 في فتحهما فهدم الصف الذي في حائط الجامع حتى أزيد ما يقابل البابين ثم أعيدت بقية الدكاكين مع أن البناء في هذا المكان من أصله لا يجوز لأن هذا الموضع رحبة الجامع انتهى. وقال في صفر منها: وفي هذا الشهر ركب باب الجامع الصغير الشرقي في جهة الشمال ثم ركب الباب الآخر بعد ذلك وأما البابان الصغيران الغربيان فركبا في العام الماضي انتهى. وقال في ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين وثمانمائة: وفي يوم الخميس ثاني عشره يعني تنبك ميق والقضاة بدار السعادة في أمر الجامع بسبب العطل الذي حصل في هذه السنة وهو أكثر من أربعين ألفا ولم يمكن أن يعمل إلى أن ينقص على الناس شهرين حتى على الناظر والقضاة والخطيب وأما على المؤذنين فشهر واحد كل ذلك عن قبض عام أول وقد كان قبض المتصدرون في سنة تسع عشره الدرهم نصفا ثم في سنة عشرين ردوا إلى الثلث ثم في هذه السنة بسط الثلث على السنة وقطع منه شهر انتهى. وقال في رمضان سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة: وفي يوم الأربعاء رابع عشريه حضر ملك الأمراء يعني جمقمق والقضاة وجماعة من الفقهاء إلى الجامع فجلسوا عند محراب الحنفية وقد بيت على
1 شذرات الذهب 7: 218.
المتصدرين والمؤذنين ليحضروا والمقصود اختبار من يصلح من غيره فأول ما قريء قلم المباشرين فقطع منهم جماعة ومن جملة ذلك معلوم الناظر قطع منه ستمائة في الشهر فجاء جملة ماقطع من هذا القلم خمسة وثلاثين ألفا فقال النائب هذا المبلغ يكفي العمارة كل سنة. ولا يجتمع بعد ذلك على المتصدرين والمؤذنين ثم قريء قلم المباشرين العمارة وهو عشرة الآف فرسم بقطعة جميعه. وقال للناظر والمباشرين: باشروا ذلك بأنفسكم وإن احتجتم إلى أمين على الآت العمارة هاتوا مغربيا كل يوم بدرهمين فإذا أفرغت حاجتكم منه يروح ثم قريء عليه قلم المتصدرين فقطع منهم من لا يصلح والمبلغ المتوفر من ذلك ليس بكثير. ثم قريء قلم المؤذنين فقطع منهم أربعة عشر نفسا من ليس بصيت أولا يباشر ثم قطع من القراء ستة الآف وكانوا يقبضون ثمانية عشر ألفا وآخر قلم قراء الحديث لينظر فيه قاضي القضاة ونقص من المشارفين ستة وكانوا ثمانية وقطع من الفراشين والذي يبسط السجادة ووعد المؤذنين والمتصدرين بأن يكمل لهم ما نقص في هذه السنة من معالميهم وهو الربع وافترقوا على ذلك ثم لم يفوا بذلك بل استخرج معلوم من قطع وصرف في العمارة وعرف الذي أرصده في أول سنة العمارة فلا حول ولا قوة إلا بالله واتفق في هذا المجلس قضية حسنه سر بها جميع المسلمين وذلك أنه لما قرىء قلم الائمة جاء إمام الكلاسة والنائب في نفسه من عمارة الكلاسة فإنه فتح لها شبابيك من تربته إليها وكان قد رسم على تقي الدين صهر الغزي وشمس الدين صهر الشاذلي عامل الكلاسة على إقامة الحساب وعمارة المكان وألزم صهر الغزي بالقيام بما قبضه الغزي من معلوم التدريس وهو خمسة الآف وكسر وبقيا في الترميم نحو شهر وخرجا على ان يعمرا فلما قرأ إمام الكلاسة قال النائب: من هو إمام الكلاسة؟ فقيل له المجادلي فقال: كم قبض؟ فذكر له. فقال: هاتوه في الحال فرسم عليه وذكر له النائب أن بها صدقة خبز وزبيب وما تعطي أحد شيئا وقال النائب: والله ما هو مسلم ووافقه أهل المجلس بأسرهم ثم إنه سلمه لتغري ورمش مشد العمارة فضربه ضربا عنيفا قيل أنه ثلاثمائة عصا وكان في نفسه منه بسبب أنه سمعه
يقول للنائب خذ من مال الغزي أي شئ أردت فإنه رافضي نصراني فغضب هذا الرجل لكلامه في عالم من العلماء المسلمين فأخذه الله بكلامه فيه عاجلا ثم إنه استلخص منه بعض ما قبضه وحبس في القلعة على الباقي ثم أطلق بعده سفر النائب بعد أن التزم بعمارة جانب من الكلاسة وضمن عليه وسر الناس أجمعون بما وقع فيه ولم يرحمه أحد فإنه لارحم ضعيفا إذا استطال عليه ومن لا يرحم لايرحم وأما كذبه وفجوره وترافعه للخلق أجمعين فإنه شاع وذاع وضرب به الأمثال وعلمه القاصي والداني فنسأل الله القادر أن يريح البلاد والعباد منه إنه على كل شئ قدير انتهى. وقال في رجب سنة عشرين وثمانمائة: وفي يوم الأربعاء حادي عشرية دخل النائب إلى الجامع واجتمع القاضي والفقهاء وقرىء عليه أسماء المتصدرين فقطع منهم طائفة ممن لا استحقاق له ورسم لمن بقي أن يترتبوا على الأوقاف ورتب لهم كاتب غيبة وظهر من النائب في هذا المجلس معرفة وذكاء وحسن مقصد انتهى. وقال في جمادى الأولى سنة تسع وعشرين وثمانمائة: وفي هذا الشهر أسكن سوق اشبك الساقي الذي هو بسوق النائب القريب من البزوريين أسكن جماعة مفرقين بأجرة يسيره وقد كان عزمهم أن ينقلوا سوق التجار الذي بالنحاسين إلى سوق النائب فلم يتفق ذلك وجاء مرسوم السلطان بأن يرد سوق التجار إلى الرماحين على عادة ما كان قبل الفتنه فإنه كان التجار في القماشين في هذا السوق مع أن أكثرهم كان في البهنسة وقف الجامع فأخذ العرب المملوك الذي معه الكتاب وذهب الكتاب واستمر التجار في أماكنهم ولو أنه اتفق نقلهم لنقص وقف الجامع نقصا فاحشا هذا مع أنه نقص في هذه السنة عن العام الماضي أكثر من ستين ألفا واستمرت هذه الدكاكين عطلا إلى أن انسكنت في هذا الشهر انتهى. وقال في شعبان ثلاثين وثمانمائة: وفي هذا الشهر كشفوا على رأس الجسور بالجامع الأموي فوجدوا بضعة عشرة جسرا قد تآكلت فشرعوا في عملها طول الشهر وجاء رمضان والأمر على حاله وكان يعزل أيام الجمع للصلاة وبقية الأيام يصلي في المشهد والرواقات انتهى. وفي هذه السنة أخذ النائب سودون بن عبد الرحمن
سوق الحجاج من باب البريد ونقله إلى عمارته واستطوى على أوقاف الجامع انتهى. وقال في جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة: وفي يوم الجمعة رابع عشرة صلى الإمام الأول بمشهد السجن داخل مشهده والثاني بمشهد علي وكان الإمام الأول يصلي بمحراب الحنفية من سنين وحصل ذلك رفق واتسع الموضع بالمصلين وكان الثاني يصلي عند قبر رأس يحيى بن زكريا فلما كان في هذه الأيام رسم السلطان للجامع الأموي بألف دينار من مال السكر فأخذت وصرفت في ترميم الجامع الأموي بحيث لم يظهر لما صرف المال في كبير أمر وكان في المشهدين الشرقين بعض عمارة فلما فرغ من عمارتها أمر بالصلاة فيها ليظهر للناس أن ذلك عمر من مال السلطان وكان المشهدان المذكوران معطلين من الفتنه إلى الآن انتهى. وقال في الأعلاق الخطيرة: ولما ملك دمشق الملك الصالح إسماعيل ابن الملك العادل عمل وزيره أمين الدوله عبد السلام1 السامري بالجامع الأموي طلسما للحمام فلا تدخله وصح في الأيام الصالحية النجمية احترقت المأذنه الشرقية بجامع دمشق عند أول قدومه إليها في سنة خمس وأربعين وستمائة وأقامت خرابا ثمانية أشهر وثلاثة عشر يوما فأمر السلطان في أوائل سنة سبع وأربعين وستمائة وقيل في سنة ثلاثة وأربعين وستمائة بعمارتها وتولى عمارتها الشهاب الرشيد الصالحي نائب المملكه وكان بباب البريد في وسطه بين الأساطين حوانيت يباع فيها أنواع الفواكه وغيرها من الأطعمة وكان ازجه لاطيا فأخر بها وعلى أزجه وكلسه ومنع من كان يجلس فيه للمعاش. وفي الأيام الناصرية الصالحية ابن الملك العزيز فرض من ماء القنوات زيادة على ماء باناس للجامع الأموي المعمور عند انقطاع ماء باناس مقدار سبع عشرة اصبعا من أصابع الماء للكلاسة وللبركة المجدده بباب البريد القسطل المساق للبيمارستان الدقاقي ولمشهد عروة بتولي عز الدين بن عبد العزيز بن محمد بن وداعة الجيلي.
وفي الأيام الركنية الظاهرية أخرجت بأمره الصناديق والخزائن وفكت
1 ابن كثير 13: 192.
المقاصير وكانت قريبا من ثلاثمائة خزانة ومقصورة وجددو فيها قوارير البول والعرس والسجاجيد الكثيرة ومنع أن يبيت أحد من المجاورين بجامع دمشق وأشليت الدربزينات فاستراح الناس والجامع من ذلك واتسع على المصلين وذلك في سنة ثمان وستين وستمائة بولاية افتخار الدين أيار الحراني وكانت قد رفعت من الجامع جميع الخزائن والصناديق في سنة خمس وتسعين وخمسمائة ثم أعيد ت وصلى خلد الله ملكه فيه في هذه السنة بعض الجمع وطاف فرأى الحائط القبلي قد اتسخ رخامه وتشعثت الفسيفساء فأمر بإصلاحها وغسل الأساطين وتذهيب رؤوسها وتغير ما يجب تغيره من الرخام وذهب تازيره والكرمة وهي التي تدور به ولما طاف بالحائط وبقية الحيطان فرآها غير مرخمة أمر بترخيمها على مثال ترخيم الحائط القبلي فجلب إليها الرخام من كل جهة فجاءت أحسن ما عملت قديما وأصرف فيها ما ينوف على عشرين ألف دينار وبنى مشهد السيد زين العابدين وكان قد استولى عليه الخراب ودخل إليه ليلا مستخفيا فرأى فيه قوما نياما وآخرين قياما فأمر للقيام بصدقة سنية وأمر أن لا يسكن به أحد فأخرج من كان مقيما له سنين ولم يبق فيه سوى رجل واحد رآه كثير العبادة مثابرا على ما هو بصدده وكان لكل من كان به مقيما موضع قد أفرده واقتطعه وعمل فيه صندوقا وأحاطه بمقصورة حتى صار بها كأنه خان وأمر بتجديد باب البريد وفرشه بالبلاط ونقل سوق الشماعين إلى الحوانيت التي في حائطه وكان بها قبل سوق الأكفان ولما دخل دمشق المولى الصاحب بهاء الدين علي بن محمد1 مع مولانا السلطان خلد الله ملكه في سنة تسع وتسعين وستمائة نظر في وقوفه وما يصرف منها لأرباب الرواتب ممن كان منهم مستغنيا وليس به انتفاع في علم أبطله ومن كان منهم ذا حاجة ولم يكن لديه علم رتب له على بيت المال ما يقوم به وصرف ما كان مقررا لم أبطله في مصالح الجامع وفيمن للمسلمين الانتفاع بعلمه ورتب فيه مصحفا يقرأ فيه بعد صلاة الصبح تحت قبة النسر وأجرى على القاريء فيه كل شهر شيئا معلوما.
1 شذرات الذهب 5: 258.
وكان بصحن الجامع الأموي حواصل للمنجنيقات وحواصل للأمراء وغيرها من خيم وغيرها فأمر بإزالتها فاتسع الجامع وزاد رونقه وتطلب كتب وقفه وكانت قد أهمل النظر فيها وأجرى الوقوف على شروطها من واقفيها وإنما كان المتولي للنظر فيها يعمل بمقتضى ر أيه في منعه واعطائه فحملت إليه بعد ما شق على الباحث عنها وجودها فوجدها قد تمزق القديم منها وما كان وقفه الملك العادل نور الدين محمود ومن بعده من الملوك قد كادت كتبها أن تتلف فأمر بإحياء خطوطها وإثباتها عند سائر القضاة واجتهد فيها حسب ما اقتضته اراؤه السعيدة وأفعاله الرشيده وكذلك فعل في وقف البيمارستان الكبيرة وليس ذلك بمستنكر من خلائفه في إقامة منار الإسلام ورفع من خفضه البخوت على التخوت من العلماء الأعلام وكانت سائر الوقوف المرصدة على ما وقفت عليه مضافة إلى وقف الجامع الأموي وكانت لاتصرف في أربابها وإنما تصرف في مرتب الجامع فأفردها عنه وولاها من يصرفها على شروط من وقفها وأثبت كتبها كما فعل فيما عدها من الأوقاف الجامعية والبيمارستانية.
ويشتمل هذا الجامع في الوقت الذي وضعنا فيه هذا الكتاب على تسعة أئمة يصلون فيه الصلوات الخمس منهم:
الخطيب وإمام في مقصورة الحنفية.
وإمام في مقصورة الحنابلة.
وإمام في الكلاسة.
وإمام في مشهد زين العابدين علي.
وإمام في مشهد أبي بكر.
وإمام في مقصورة الكندي.
وفيه لاقراء القرآن في هذا الوقت ثلاثة وسبعون متصدرا يعسر تعدادهم.
وفيه من الأسباع المجرى عليها الأوقاف:
السبع الكبير وعدة من فيه على ما استقر عليه الحال الآن ثلاثمائة وأربعة
وخمسون نفرا.
وسبع الأمير مجاهد الدين إبراهيم.
وسبع مجاهد الدين بزان.
وسبع الساوجي.
وسبع ابن السابق.
وسبع التاج الكندي بمقصورة الخضر عليه السلام.
وسبع بن عبد.
وسبع فخر الدين المالكي.
وسبع المجلى بن الخليلي.
وسبع الفاضل.
وسبع ابن المنجنيقي.
وسبع ابن حبش.
وسبع ابن كلاب.
وسبع ابن نجشان.
وسبع ابن بشر.
وسبع الحلوانية.
وسبع ابن صاحب حمص.
وسبع ابن مصعب.
وسبع القاضي شرف الدين عبد الوهاب الحراني.
وسبع جهته قبر يحيى بن زكريا عليه السلام.
وسبع المالكية.
وسبع الحنابلة.
وسبع الكورية بعد صلاة العصر تجاه مقصورة الخطابة فيه أربعمائة وعشرون نفرا.
وسبع المتلقنين من الصغار وهم ثلاثمائة وثمانية وسبعون نفرا.
وفيه من الخلق للاشتغال بالعلم الشريف المصروف عليها من مال الصالح:
حلقة تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع1 الشافعي.
وحلقة الشيخ رشيد الدين الفارقي2.
وحلقة الشيخ شرف الدين أحمد بن المقدسي3.
وحلقة الشيخ برهان الدين بن المراغي4.
وحلقة القاضي زين الدين بن المرحل5.
وحلقة زين الدين بن المنجا الحنبلي.
وحلقة الشيخ نجم الدين بن الشماع الحنفي.
وحلقة الشيخ تاج الدين عبد الرحمن الزواوي المالكي.
وحلقة القاضي شمس الدين أبي عبد الله محمد الشافعي.
وحلقة الشيخ يحيى الزواوي المالكي.
وحلقة الشيخ مجد الدين المارداني.
وفيه من حلق الحديث الشريف:
ميعاد المجد تجاه قبر رأس يحيى بن زكريا عليه السلام.
وميعاد للأمير سيف الدين بن الغرس.
وميعاد بالكلاسة للقاضي الفاضل.
وفيه من المدارس:
الغزالية وتعرف بالشيخ نصر المقدسي.
والأسدية للملك المظفر أسد الدين شيركوه وهي شافعية.
والمنجائية لابن منجا حنبلية.
والقوصية حنفية.
والسفينية حنفية.
المقصورة الكبيرة حنفية
1 شذرات الذهب 5: 413.
2 شذرات الذهب 5: 409.
3 شذرات الذهب 5: 424.
4 شذرات الذهب 5: 374.
5 شذرات الذهب 6: 118.
والزاوية المالكية.
والشيخية لابن شيخ الإسلام.
ما قيل هذا الجامع ما روي عن القاسم قال: أوحى الله إلى جبل قاسيون أن هب ظلك وبركتك لجبل بيت المقدس قال: ففعل فأوحى الله تعالى إليه أما إذ فعلت فسأبني لك في حضنك بيتا أي في وسطك أعبد فيه بعد خراب الأرض أربعين عاما ولا تذهب الأيام والليالي حتى أرد ظلك عليك وبركتك فهو عند الله تعالى بمنزلة المؤمن الضعيف المتضرع وقد رأيت في بعض التواريخ أن هذا الجامع لم يزل معبدا لسائر الملل منذ خلقت الدنيا إلى أن كانت ملة الإسلام فاتخذ جامعا. وقال الحسن بن يحيى الحسيني: أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به صلى بالمسجد الجامع بدمشق.
وما قيل في وصفه نثرا. قال الصاحب صفي الدين من رسالة وصف بها دمشق وهو: مضيت إلى مسجدها الجامع وشنفت بإدراك البصر منه إدراك المسامع فلما وصلت إليه وحللت لديه رأيت من أوصافه ما أصغر الرواية وحصل من الحسن على النهاية ونوره يجلو الابصار وجمعا على الجموع الامصار وعبادة موصولة على الاستمرار وقرآنا يتلى آناء الليل وأطراف النهار ومنقطعين إليه قد اتفقوا في الاعتكاف نفائس الأعمار والبركات تحف بجوانية والعلوم تنشر في زواياه ومحارية والأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسند وتروى والمصاحف بين أيدي التالين تنشر فلا تطوى وأعلام البر فيه ظاهرة فلا تخفى ولا تزوى والخلق منقسمون فيه إلى حلق قد نبذ أهلها القلق والإسلام فيها فاش والجهل بلا متلاش وهو مما بناه الأولون لعبادتهم وجعلوه ذخرا لآخرتهم وما برح معبدا لكل ملة اتخذه المجوس والنصارى واليهود قبل الإسلام هيكلا وقبلة وهو بيت المتقين وسوق المتصدقين ليلة للمتهجدين ونهاره للعلماء المجتهدين.
وذكر إبراهيم بن الليث الكاتب في رسالة: وقد أفضيت إلى جامعها فشاهدت ما ليس في استطاعة الواصف أن يصفه ولا الرائي أن يعرفه وجملة ذلك أنه بكر
الدهر ووحيد العصر ونادرة الاوان واعجوبة الزمان وغريبة الأوقاف وعجيبة الساعات ولقد أبقت أمية ذكرا ما يدرس وخلفت أثرا لا يخفى ولا يدرس انتهى.
وما قيل في وصفه نظما فمن أبيات لبعضهم:
دمشق قد شاع حسن جامعها
…
وما حوته ربى مرابعها
بديعة المدن في الكمال لما
…
يدركه الطرف من بدائعها
طيبة أرضها مباركة
…
باليمن والسعد أخذ طالعها
جامعها جامع المحاسن قد
…
فاقت به المدن في جوامعها
بنية بالاتقان قد وضعت
…
لا ضيع الله سعي واضعها
تذكر في فضلة ورفعته
…
أخبار صدق راقت لسامعها
قد كان قبل الحريق مدهشة
…
فغيرته نار في بلاقعها
فاذهبت بالحريق بهجته
…
فليس يرجى إياب راجعها
إذا تفكرت بالفصوص وما
…
فيها تيقنت حدق صانعها
أشجارها ما تزال مثمرة
…
في أرض تبر يغشى بقائعها
فيها ثمار تخالها ينعت
…
وليس يخشى فساد يانعها
تقطف باللحاظ لا بجارحه
…
الأيدي ولا تجتنى لبائعها
وتحتها من زخامة قطع
…
لا قطع الله كف قاطعها
أحكم ترخيمها المرخم قد
…
بان عليها أحكام صانعها
وان تفكرت في قناطره
…
وسقفه بأن حذق رافعها
وإن تبينت حسن قبته
…
تحير اللب في أضالعها
تخترق الريح في مخارمها
…
عصفا فتقوى على زعازعها
وأرضه بالرخام قد فرشت
…
بنفسج الطرق في مواضعها
مجالس العلم فيه مونقة
…
ينشرح الصدر في مجامعها
وكل باب عليه مطهرة
…
قد أمن الناس دفع مانعها
يرتفق الخلق في مرافقها
…
ولا يصدرون عن منافعها
ولا تزال المياه جارية
…
فيها الماء شق من مشارعها
كذا وسوقها لا تزال آهلة
…
يزدحم الناس في شوارعها
لما يشاؤون من فواكهها
…
وما يريدون من بضائعها
كأنها جنة معجلة
…
في الأرض لولا سرى فجائعها
دامت برغم العدا مسلمة
…
وحاطها الله من قوارعها
وقال أبو بكر الصنبوري من أبيات يذكر فيها دمشق المحروسة ويذكر محاسن جامعها الأموي:
نعمنا في دمشق نعمة ليست بمغموطة
فيا بهجتها إذ هي في البهجة مغطوطة
ويا غبطتها إذ هي بالجامع مغبوطة
تأمله ترى فيه شروط الحسن مشروطه
ترى أفراط بان يأمن الراءون تفريطه
دع الحائط دعه وإن استغربت تحويطه
وصف تقديره إن كنت ذا وصف وتقسيطه
صف المحراب صف تصنيف بانيه وتفريطه
أما يخشى إمام قام في المحراب تغليطه
ووسط طرفة القبة إن حاولت توسيطه
ترى سلطان حسن لا يمل الطرف تسليطه
انح ترخيمه فكرك إن شئت وتبليطه
إذا المنقوش من جوهرة ضاحكة مخروطه
ومن مقدورة من قضب العقيان مقطوعه
حقا في أسطر مكتوبة بالتبر منقوطه
رأيت الناضر العجلان لايسأم تثبيطه
هو الجنة في الأرض أو في الجنة اغطوطه
قصور بينها الاشجار با لأنهار مغطوطه
فمن قصر حكى تقبيله الحسن وتسفيطه
وقال علي بن منصور السروجي من أبيات يصف فيها دمشق:
في كل قصر بها للعلم مدرسة
…
وجامع جامع للدين معمور
كأن حيطانه زهر الربيع فما
…
يمله الطرف فهو الدهر منظور
يتلى القرآن به في كل ناحية
…
والعلم يذكر فيه والتفاسير
جامع الكريمي
2-
بالقبيبات. قال الحافظ ابن كثير في تاريخه في سنة ثمان عشرة وسبعمائة: وفي بكرة يوم الاثنين التاسع من صفر قدم القاضي كريم الدين عبد الكريم بن المعلم هبة الله1 وكيل الخاص السلطاني بالبلاد جميعها قدم دمشق فنزل في دار السعادة فأقام بها أربعة أيام وأمر ببناء جامع القبيبات الذي يقال له جامع كريم الدين وذهب إلى زيارة بيت المقدس وتصدق بصدقات كثيرة وافرة وشرع في بناء الجامع بعد سفره انتهى. وقال فيها أيضا وفي سادس عشر شعبان خطب بجامع القبيبات الذي أنشأه كريم الدين وكيل السلطان وحضر فيه القضاة والأعيان وخطب فيه الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الواحد بن يوسف بن الوزير الحراني الآمدي الحنبلي وهو من الصالحين الكبار ذوي الزهادة والعبادة والنسك والتوحيد وطيب الصوت وحسن السمت انتهى. وقال في سنة عشرين وسبعمائة: وفي العشر الأول من شوال جرى الماء بالنهر الكريمي الذي اشتراه كريم الدين وكيل الخاص بخمسة وأربعين ألفا اجراه في جدول إلى جامعة بالقبيبات فعاش به الناس وحصل به الأنس لأهل تلك الناحية ونصبت عليه الأشجار والبساتين وعمل حوض كبير اتجاه الجامع من المغرب يشرب منه الناس والدواب وهو حوض كبير وعمل مطهرة وحصل بذلك نفع كبير ورفق زائد أثابه الله تعالى انتهى. وقال في سنة أربع وعشرين وسبعمائة في شوال وفي الثالث والعشرين منه وجد كريم الدين الكبير وكيل الخاص السلطاني قد شنق
1 شذرات الذهب 6: 63.
نفسه داخل خزانة له قد أغلقها عليه من داخل وربط حلقه بحبل وكان تحت رجليه قفص ودفع القفص برجليه فمات في مدينة أسوان وستأتي ترجمته انتهى. وقال في الموضع المذكور: كريم الدين الذي كان وكيل السلطان عبد الكريم بن المعلم هبة الله بن السديد المسلماني حصل له من الأموال والتقدم والمكانة والحظوة عند السلطان ما لم يحصل لغيره في دولة الأتراك وقد وقف الجامعين بدمشق أحدهما بالقبيبات والحوض الكبير الذي اتجاه باب الجامع واشترى له نهر ماء بخمسين ألفا فانتفع الناس به انتفاعا كثيرا ووجدوا رفقا. والثاني الجامع الذي بالقابون وله صدقات كثيره وافرة. تقبل الله تعالى منه وعفى عنا وعنه وقد مسك في آخر أمره وصودر ثم نفي إلى الشوبك ثم إلى القدس ثم إلى الصعيد فخنق نفسه كما قيل في عمامته بمدينة أسوان وذلك في الثالث والعشرين من شوال وقد كان حسن الشكل تام القامة ووجد له بعد موته دخائر كثيرة سامحه الله تعالى انتهى. وقال في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة: وفي منتصف شهر ربيع الآخر أمر الأمير صارم الدين إبراهيم الحاجب الساكن تجاه جامع كريم الدين طبلخ أنه وهو من كبار أصحاب الشيخ تقي الدين بن تيميه رحمه الله وله مقاصد حسنة صالحة وهو في نفسه رجل جيد انتهى. وقال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في مختصر تاريخ الإسلام في سنة ثمان عشرة وسبعمائة: وفيها أنشئ الجامع الكريمي بالقبيبات عمله الصاحب كريم الدين المصري انتهى. وقال في ذيل العبر في سنة أربع وعشرين وسبعمائة: ومات مخنوقا الصاحب الكبير كريم الدين عبد الكريم بن هبة الله القبطي المسلماني باسوان وكان نفي إلى الشوبك ثم إلى القدس ثم إلى أسوان ثم شنق نفسه سرا وكان هو الكل وإليه العقد والحل وبلغ من الرتبة ما مزيد عليه وجمع أموالا عظيمة عاد أكثرها إلى السلطان وكان عاقلا ذا هيبة حسنة سمحا وقورا مرض نوبة فزينت مصر بعافيته وكان يعظم الدينين وله بر وإيثار قارب سبعين سنة انتهى. وقال السيد الحسيني رحمه الله تعالى في ذيل العبر في سنة ثلاثة وأربعين وسبعمائة ومات الخطيب البليغ شمس الدين محمد بن عبد الواحد بن الوزير الحنبلي خطيب الجامع
الكريمي انتهى. وقال الأسدي في ذيله في سنة خمس وثمانمائة: وفي يوم الجمعة عاشره بعد العصر احترق سوق جامع كريم الدين والناس في الصلاة انتهى. وقال البرزالي في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة: الشمس محمد بن عيسى التكريدي كان فيه مهابة وصرامة توفي في صفر ودفن عند الجامع الكريمي بالقبيبات انتهى.
جامع المصلي:
3-
قبلي البلد من خارج محلة ميدان الحصى. قال ابن شداد: أنشأه الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب بتولي الصاحب صفي الدين بن شكر في شهور سنة ست وستمائة ولم يتهيا له وقف انتهى. وقال الحافظ ابن كثير في تاريخه في سنة سبع وستمائة: قال أبو شامة: في سابع شوال شرع في عمارة المصلى وبنى له أربعة جذر مشرفة وجعل له ابواب صونا لمكانه من الميتات ونزل القوافل وجعل في قبلته محراب من حجارة ومنبر من حجارة وعقدت فوق ذلك قبة ثم في سنة ثلاثة عشرة وستمائة وعمل في قبلته رواقان وعمل له منبر من خشب ورتب له خطيب راتب وإمام راتب ومات العادل المذكور ولم يتم الرواق الثاني منه وذلك على يد الوزير صفي الدين بن شكر انتهى. وقال في سنة ثلاث عشرة وستمائة: وفيها فرغ من بناء المصلى ظاهر دمشق ورتب له خطيب مستقل وأول من باشرها الصدر معيد الفلكية ثم خطب بعده بهاء الدين بن أبي اليسر ثم بنو حسان وإلى الآن انتهى. وتبعه الأسدي إلا أنه قال: واستمرت الخطابة في بني حسان إلى زماننا الآن فانقرضوا وقال الكتبي في سبع وستمائة: وفي سابع شوال منها شرعوا في عمارة المصلى ظاهر دمشق المجاور لمسجد النارنج برسم صلاة العدين وفتحت له الأبواب من كل جانب وبني له منبر كبير عال بجانب المحراب انتهى.
جامع جراح:
4-
خارج الباب الصغير بمحلة سوق الغنم وكان هذا الجامع كما تقدم في المساجد مسجدا للجنائز كبيرا وفيه بئر خرب فجدده جراح المضحي ثم
أنشأه جامعا الملك الأشرف موسى ابن الملك العادل في سنة إحدى وثلاثين وستمائة كما قال ابن كثير والصلاح الكتبي. قال ابن شداد: وجدد معه أيضا مسجدا بدار السعادة داخل باب النصر ووقف على الجامع والمسجد قرية من أعمال مرج دمشق وتعرف بالزعيزعية وشرط فيها للخطيب بالجامع في كل شهر عشرين درهما وللإمام بالمسجد في كل شهر خمسين درهما والمؤذن والقيم ثلاثين درهما ولعشرة قراء في الشهر لكل منهم عشرة دراهم ثم أحرق في أيام الملك الصالح عماد الدين إسماعيل في أواخر سنة اثنتين وأربعين وستمائة لما نازل دمشق معين الدين بن الشيخ ثم جدد بناوه الأمير مجاهد الدين محمد ابن الأمير غرس الدين قيلج النوري في سنة اثنتين وخمسين وستمائة انتهى.
جامع الملاح:
5-
خارج باب شرقي أنشأه الصاحب شمس الدين غبريال ناظر الدواوين بدمشق المتشرف بالاسلام في سنة إحدى وسبعمائة كما قاله البرزالي في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة. قال ابن كثير في سنة ثمان عشرة وسبعمائة: وفي يوم الجمعة السابع عشر ذو الحجة أقيمت الجمعة بالجامع الذي أنشأه الصاحب شمس الدين غبريال إلى جانب ضرار بن الأزور رضى الله تعالى عنه بالقرب من محلة الملاح أي القعاطلة وخطب به الشيخ شمس الدين محمد بن التدمري المعروف بابن النيرباني وهو من كبار الصالحين ذوي العبادة والزهادة وهو من أصحاب شيخ الإسلام ابن تيميه وحضره الصاحب المذكور وجماعة من القضاة والأعيان انتهى.
جامع الخليخاني:
6-
خارج باب كيسان. قال ابن كثير في سنة ست وثلاثين وسبعمائة: وفي سلخ شهر رجب أقيمت الجمعة بالجامع الذي أنشأه نجم الدين بن خليخان تجاه باب كيسان من القبلة وخطب به الشيخ الإمام العلامة شمس الدين بن قيم الجوزية انتهى. ورأيت بخط البرزالي في السنة المذكورة نحو ذلك وزاد وكان قد
نودي في البلد لذلك فحضر خلق كثير من الأعيان وغيرهم انتهى.
جامع المزاز
7-
بالشاغور قال الأسدي في ذيله في صفر سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة السيد تقي الدين أبو بكر بن أحمد بن جعفر الزيني الجوخي باني جامع المزاز بالشاغور بعد ان كان مسجدا وكان رجلا حسنا منجمعا عن الناس مولده سنة تسع وأربعين وسبعمائة وتوفي يوم الأحد ثامن عشرية ودفن بباب الصغير وهو أخو الشيد شمس الدين محمد الزيني وهو أسن من أخيه رحمهما الله تعالى انتهى.
جامع الطواشي:
8-
خارج باب النصر المعروف بباب السعادة. قال الحافظ شهاب الدين ابن حجي في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة: وفي الرابع عشري المحرم منها فرغ من عمارة المسجد المعروف بالعمري خارج باب النصر برأس حكر السماق وكان مسجدا قديما بوسط الطريق فحول إلى غرب الطريق توسعه للطريق على المارة ثم أحدث فيه خطبة في أيامنا ثم خرب في أيام الفتنة فجدده الطواشي مرجان خازندار الأمير شيخ وعمل فيه خطبة ووسعه ووقف عليه وقفا ورتب له إماما وخطيبا وجعل فيه محدثا يقرأ الحديث وقاريء حديث وجعل الشيخ جمال الدين ابن الشرايحي مصدرا لاقراء الحديث انتهى. وقال التقي ابن قاضي شهبة في العشر الأخير من صفر سنة ثلاث عشرة وثمانمائة وفي هذه الجمعة فرشت الحصر بالجامع الجديد خارج باب النصر بناه مرجان طواشي النائب يعني شيخ الخاصكي وجعل في جوانبه حوانيت ووقفها عليه وجاء في غاية الحسن ولم يفرغ إلى الآن منبره ولادهانه وهم في همة تكميل ذلك وجلست فيه للاشتغال بالعلم في كل أسبوع ثلاثة أيام وفي جامع تنكز يومين اخرين انتهى. وقال في ربيع الأول منها: وفي يوم الجمعة مستهلة خطب بالجامع الجديد خارج باب النصر وحضر بانيه مرجان خاندار النائب وجماعة مع أنه لم يعمل المنبر بعد وإنما هم في همته انتهى.
جامع يلبغا
9-
على شط نهر بردى تحت قلعة دمشق قال الحافظ شمس الدين ابن ناصر الدين في توضيح المشتبه في كلامه على القري: وجدت بخط الشيخ القدوة أبي سعيد مساعد بن ساري1 رحمه الله تعالى سمعت الشيخ محمد بن القرمي2 بالقدس يقول: كان موضع جامع يلبغا تلا يشنق عليه حتى شنق عليه فقير مجذوب شطح فقتل عليه مشنوقا ولم يقتل عليه أحد بعده وكان يرون أن ذلك بسببه انتهت الزيادة. وقال الذهبي في مختصر تاريخ الإسلام في سنة سبع وأربعين: وفي هذا العام أنشأ الجامع السيفي يلبغا بدمشق. وقال في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة: وفي جمادى الأولى جاء الخبر إلى دمشق بمسك جماعة من كبراء أمراء مصر منهم آق سنقر والحجازي وبيدمر البدري وغيرهم تتمه سنة فجمع نائب الشام الأمير سيف الدين يلبغا الأمراء بعد الموكب واستشارهم فيما يصنع فاختلفوا عليه فكاتب إلى النواب بالبلاد الشامية فأجابه بالطاعة نائب حلب المحروسة ارغون شاه3 فتحول نائب دمشق بأهله وخزائنه إلى القصر الظاهري فأقام به أياما فقدم عليه أمر السلطان يعلمه أنه قد كتب تقليد ارغون شاه نائب حلب المحروسة نيابة دمشق ويأمره بالشخوص إلى القاهرة فانتهر الرسول ورده بغير جواب فلما كان من الغد وهو يوم الخميس منتصف الشهر خرج بجميع أهله وغلمانه ودوايه وحواصله إلى خارج البلد عند قبته المعروفة به اليوم وخرج معه أبوه وإخوته وجماعة من الأمراء منهم قلاون وسبعة ممن أطاعوه فباتوا ليلتين بأرض القبيبات فلما كان من الغد يوم الجمعة نودي في البلد من تأخر من الأمراء والجند شنق على باب داره فتأهب الناس للخروج وطلع الأمراء فاجتمعوا إلى السنجق السلطاني تحت القلعة فلما تكاملوا ساروا نحوه بعد صلاة الجمعة ليمسكوه فجهز ثقله وزاده وما خف عليه من أمواله ثم ركب بمن أطاعه ووافاه الجيش عند ركوبه وهابوا أن يبتدوه بالشر فتقدمهم وساروا وراءه وأما أهل القبيبات وعوام الناس والأجناد الباطله فنهبوا خيامه
1 شذرات الذهب 7: 143.
2 شذرات الذهب 6: 303.
3 شذرات الذهب 6: 166.
وكان قيمة ذلك ما يزيد على مائة ألف درهم فقطعوها ونهبوا مطبخه وما قدروا عليه من الشعير والجمال والمتاع وأما العسكر فساقوا خلفه وتتابعت عليه الجيوش وأحاطت به العرب من كل جانب فألجؤوه إلى واد بين حماة وحمص فدخل إلى نائب حماة بعد أن قاسى من الشدائد ما قاسى فاستجار به فأجاره وأنزله وأكرمه وكتب إلى السلطان الملك المظفر يعلمه بذلك فجاءه الجواب بمسكه فقبض عليه نائب حماه وقيده وأرسل به متحفظا عليه فلما وصل إلى قاقون جاءه أمر الله تعالى فخنق هناك واجتزوا رأسه ومضوا به إلى القاهرة ثم قدم إلى دمشق شيخنا الأمير نجم الدين الزيبق صحبة الصاحب علاء الدين الحراني للحوطة على أموال يلبغا ومن معه من الأمراء انتهى. ثم قال: في ثامن جمادى الآخرة قدم الأمير سيف الدين ارغون شاه من حلب المحروسة على نيابة دمشق انتهى. وقال ابن حبيب1 في هذا الجامع شعرا.
يمم دمشق ومل إلى غربيها
…
والمح معاني حسن جامع يلبغا
من قال من حسد رأيت نظيره
…
بين الجوامع في البلاد فقد لغا
قال الأسدي في ذيله في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة: في المحرم وفي يوم السبت الرابع والعشرين منه رأيت القبة التي كانت مشهورة بقبة جامع يلبغا قد أزيلت وبني موضعها سقف على المسجد فعل ذلك الأمير محمد بن منجك وكان بسبب ذلك أن الناس كانوا يظنونها قبة يلبغا وأن الزاوية له وإنما ذلك للأمير الأمجد محمد بن منجك رحمه الله تعالى وقبة يلبغا فإنها غربيها انتهى. ولعل صوابه شرقيها والله تعالى أعلم.
جامع تنكز:
10-
قال ابن كثير في تاريخه في سنة سبع عشرة وسبعمائة وفي صفر منها شرع في عمارة الجامع الذي أنشأه أمير الأمراء تنكز نائب الشام ظاهر باب النصر تجاه حكر السماق على نهر بانياس بدمشق وتردد القضاة والعلماء في تحرير قبلته
1 شذرات الذهب 6: 262.
فاستقر الحال في أمرها على ما قال الشيخ تقي الدين بن تيمية في يوم الأحد الخامس والعشرين منه وشرعوا في بنائه بأمر السلطان ومساعدته لنائبه في ذلك انتهى. وقال فيها أيضا: وفي شعبان تكامل بناء الجامع الذي عمره الأمير تنكز ظاهر باب النصر وأقيمت الجمعة فيه يوم عاشر شعبان وخطب فيه الشيخ نجم الدين علي بن وداود بن يحيى الحنفي المعروف بالقحفازي1 من مشاهير الفضلاء بدمشق وذوي الفنون المتعددة بها وحضر نائب السلطان والقضاة والأعيان والقراء والمشدون وكان يوما مشهودا انتهى. وقد تقدمت ترجمة منشئه تنكز ملخصة في دار القرآن والحديث له انتهى. والله أعلم.
جامع السلطان
11-
خلف مسجد المؤيد. قال الأسدي في ذيله: في جمادى الأولى سنة ثمان عشرة وثمانمائة وفي يوم الثلاثاء تاسعه هموا في عمارة الجامع الذي رسم ببنائه السلطان تحت القلعة مقابل برج باب الحديد وكان له مدة قد بطلوا العمل فيه ولكن نقلوا إليه في هذه المدة حجارة كثيرة كبارا من السور الذي عند باب جيرون انتهى.
جامع التوبة
12-
بالعقيبة: قال ابن شداد أنشأه الملك الأشرف أبو الفتح موسى ابن الملك العادل سيف الديين أبي بكر بن أيوب في سنة اثنتين وثلاثين وستمائة وكان يعرف قديما بخان الزنجاري وكان به كل مكروه من القيان وغيره وولي خطابته الركن الطوسي ولم يزل بها إلى أن توفي ووليها بعده العماد المعروف بالواسطي واسمه أحمد ولم يزل بها إلى أن أخرج عن دمشق لأمور أنكرت عليه وقد نظم في ذلك أبياتا شرف الدين بن عنين فقال:
يا مليكا ملأ الرحـ
…
ـمن بالعدل زمانه
جامع التوبة قد
…
حملني منه أمانة
1 شذرات الذهب 6: 143.
قال قل للملك الأشـ
…
ـرف أعلا الله شانه
لي إمام واسطي
…
يعشق الخمر ديانه
والذي قد كان من
…
قبل يغني بالجفانه
فكما كنت وما زلـ
…
ـت ولا أبرح حانه
فأعدني النمط الأو
…
ل واستبق ضمانه
انتهى. وأخبر المولى البهاء محمد بن النحاس1 أن الصدر المرحوم جمال الدين ابن زوتينية أنشده هذه الأبيات لنفسه والبيت الأول:
يا مليكا قد أقام
…
العدل فينا وأبانه
وبعده:
قال قل للملك الاشـ
…
ـرف أعلا الله شانه
كم إلى كم أنا في
…
ذل وبؤس وإهانة
والذي قد كان من
…
قبل يغني بجفانه
فكما نحن وما زلـ
…
ـنا وما نبرح حانه
ثم قال ابن شداد: ثم ولي خطابته ونظره الشيخ بدر الدين يحيى ابن الشيخ الإمام عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام وجدد قبلته ومحرابه وذهبه وبيض أساطينه البرانية وأروقته الشمالية وصانه أتم صيانة وجدد له ربعا ووقفه عليه وفوض إليه ذلك الإمام فخر الدين بن حمويه في الأيام الصالحية النجمية وتولاه بعده اخوته وهو بأيديهم إلى الآن انتهى.
جامع العقبية:
13-
قال الأسدي في ذيله في سنة سبع عشرة وثمانمائة: وفي هذا الشهر جدد جامع بالعقبية الكبرى بالساحة وجعل فيه خطبة وكان مسجدا فوسع وجعل جامعا وبنى له مأذنة فعل ذلك شخص تاجر انتهى.
1 شذرات الذهب 5: 442.
جامع الجوزة:
14-
غربي عمارة السلطان القايتبائية. قال الأسدي في ذيله في شهر ربيع الأول سنة ثلاثين وثمانمائة: وفي هذا الشهر بلغني أن القاضي بدر الدين ناظر الجيش وسع في مسجد الجوزة من شمالية وجعله جامعا وحصل الرفق لأهل تلك الناحية بذلك انتهى. وقال في شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين: وممن توفي فيه زوجة القاضي بدر الدين حسن يعني ابن نجم الدين المتشرف بالاسلام ناظر الجيش وكان لها بنت من غيره وهي زوجة الأمير أزبك الدوادار وكانت غالبة على أمر زوجها ولما مات أقران البيت الذي عمره لصيق المدرسة الحنبلية ملكها فوقفته على نفسها ثم على أولادها ثم على الحرمين الشريفين واستولت على تركته وصالحت أرباب الديون والسلطان وشفع أزبك فيها حتى خفف ما كان يطلب منها وتزوجت بقاضي القضاة شهاب الدين ابن العز فلم يمض إلا مدة يسيرة وماتت في اليوم الأخير من شهر رمضان وصلي عليها بالجامع الأموي بعد صلاة العيد وأخرجت يوم العيد من باب شرقي عندما فتح الباب وبلغ ذلك الحاجب والقضاة عندما خرجوا من المصلى جاؤا إلى جنازتها فوجدوا الباب الشرقي لم يفتح بعد فانتظروه حتى فتح وصلوا عليها ودفنت عند زوجها بتربة مقابر أبي وكانت تنسب إلى خير ووقف أوقافا في مرضها على جهات بر فأبطلت بعد موتها وإليها تنسب التوسعة في جام الجوزة سامحها الله وأما زوجها فإنه توفي في جمادى الآخرة من السنة الماضية وهو ناظر الجيش وكاتب السر بدمشق وكان ساكنا في لس أنه لثغة ظاهرة وعمر دارا هائلة متصلة بالمدرسة الناصرية والباذرائية وأخذ أملاك الناس وأدخلها فيها وكان حنيفا جدا أصغر أمر يخرجه عن الاعتدال اتفق أنه تكلم على دار الضرب فأرسل إلى مصر فضة كثيره من مال السلطان فسبك بعضها فوجد في الألف ستين درهما نحاسا فأنكر السلطان عليه وأرسل مرسوما بإنكار كثير على فاعل ذلك وأنه يؤخذ منه تفاوت ذلك ستة الآف دينار ومن المصاريف والمباشرين تتمة عشرة الآف دينار وإن يعطي المستفسر بذلك ألف دينار وقريء ذلك بحضرة القضاة
فعظم ذلك عليه لكونه صار زغليا عند السلطان فحمل على قلبه وكان قبل ذلك متضعفا فانقطع أياما ومات ودفن عند والده خارج الباب الشرقي بمقصورة أبي وهو في عشر الستين انتهى. ملخصا والله سبحانه وتعالى أعلم انتهى.
جامع مسجد الاقصاب
15-
قال الحافظ شهاب الدين بن حجي في سنة إحدى عشرة: وفيها وقع بين القاضي المالكي وابن الحسباني1 المباشر لقضاء الشافعية بسبب أن مسجد القصب قصد توسعته من جهة القبلة من أرض خان فارس وأن المالكي يحكم بأخذ الأرض بقيمتها قهرا ومانعه الشافعي فجرت بينهما أمور ثم وقع استفتاء فكتب على الفتوى بعد مراجعة كتب المالكية واستقر الجواب فيها على المنع عند المالكية على ما بينه في الفتوى انتهى. وقال الشيخ تقي الدين بن قاضي شهبة عقيبة وقد اخرب الأمير ناصرر الدين بن منجك المسجد المذكور وبناه جامعا كبيرا ولكن أخذت أرضه على غير طريق مرضي وحكى الشيخ زين الدين عبد الرحمن ابن الشيخ المولى خليل القابوني: أنه صلى يوما بمسجد القصب هو والشيخ أحمد الأقباعي فقال الشيخ أحمد لو حصل لهذا من يوسعه لكان جيدا فقال له الشيخ: صار هذا فاتفق أنه عمر بعد وفاة الشيخ انتهى. وقال ابن كثير في سنة إحدى وعشرين وسبعمائة2: وفي الثالث عشر من جمادى الآخرة اقيمت الجمعة بمسجد القصب وخطب به الشيخ علي المناخلي انتهى. وقال الأسدي في ذيله في شعبان سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة وفي يوم الأربعاء ثامن عشرة حضر القاضي محيي الدين المصري بمسجد القصب لأجل تصدير رتبه له الواقف الأمير ناصر الدين محمد بن منجك وحضر عنده قاضي القضاه الشافعي هو ابن الحمرة وحضر جماعة من الأعيان انتهى. وزوج بنت القاضي الشافعي المذكور لابن أخي الشيخ محيي الدين المصري2 المذكور وهو رجل من أهل العلم قيل لي عنه أنه يحفظ مختصر ابن الحاجب في الفروع واسمه تقي الدين القباني واستنابه
1 شذرات الذهب 7: 108.
2 شذرات الذهب 7: 232.
المالكي بدمشق في ثالث شهر رجب منها ثم رجع إلى بلده في ذي القعدة منها انتهى.
جامع السقيفة
16-
خارج باب توما قال الشيخ تقي الدين بن قاضي شهبة في صفر سنة أربع عشرة وثمانمائة: وفي هذا الشهر فرغ من الجامع الذي جدد بالسبعة وجعل له شبابيك على النهر وارتفق به أهل تلك المحلة بناه شخص يقال له خليل الطوغاني رأس نوبة في دار السعادة وفي السنة الخالية جددت خطبة بالمدرسة الحلبية فبقي في هذا الخط ثلاث جمع تقام انتهى. يعنى هاتين الاثنتين وخطبة المدرسة الزنجية ثم قال في جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وثمانائة غرس الدين خليل الطوغاني نقيب النقباء بدار السعادة أنشأها جامعا عند باب توما على النهر وجاء حسنا ورتب فيه خطيبا ومؤذنين وقارئا للحديث وخرج إلى القسم فمات هناك وحمل إلى دمشق ودفن بها وكان شيخا أن لم يكن من الظلمة فهو من أعوانهم سامحه الله تعالى وخلف ولدين فباشرا عنه وظيفته انتهى كلامه.
جامع القابون
17-
قال ابن كثير في سنة إحدى وعشرين وسبعمائة: وفي منتصف شهر رمضان منها أقيمت الجمعة بالجامع الكريمي بالقابون ويومئذ شهدها القضاة والصاحب وجماعة من الأعيان انتهى. وقد مرت ترجمة الكريمي هذا في جامعه بالقبيبات انتهى.
جامع داريا الكبرى
18-
قال شيخنا بدرالدين الأسدي في كتابه الكواكب الدرية في السيرة النورية في سنة خمس وستين وخمسمائة: وفيها أمر نور الدين بعمارة جامع داريا القائم الآن وكان قديما عند أبي سليمان الداراني فأحرقه الفرنج لما تولوا على
داريا أيام مجير الدين آبق فعمره نور الدين في هذه السنة وجعله وسط البلد وعمر بها أي بداريا أيضا مشهد أبي سليمان الداراني انتهى.
جامع المزة
19-
عمره الوزير صفي الدين بن شكر. قال الأسدي في تاريخه في سنة اثنتين وعشرين وستمائة: عبد الله بن علي بن الحسين بن عبد الخالق بن الحسن ابن منصور الصاحب الوزير الكبير صفي الدين أبي محمد المصري الدميري المالكي المعروف بابن شكر ولد بالدميرة بين الاسكندرية ومصر سنة ثمان وأربعين وقال ابن كثير سنة أربعين وخمسمائة وتفقه على الفقيه أبي بكر عتيق اليحيائي1 وبه تخرج ورحل إلى الاسكندريه وتفقه بها على شمس الإسلام أبي القاسم مخلوف2 وسمع منه ومن أبي طاهر بن عوف3 وسمع من السلفي4 انشادا وأجاز له أبو محمد بن مربي5 وأبو الحسين بن الموازيني6 وجماعة وحدث بدمشق ومصر وروى عنه الذكي المنذري7 والشهاب القوصي8 وأثنيا عليه ووزر للعادل وتمكن منه ثم غضب عليه وعزله في سنة تسع وستمائة ونفاه إلى الشرق انتهى. وقال الذهبي في مختصر تاريخ الإسلام في سنة خمس عشرة وستمائة: وفيها مات السلطان الملك العادل أبو السلاطين الكامل والمعظم والأشرف والصالح والاوحد وغيرهم سيف الدين أبو بكر محمد بن أيوب في جمادى الآخرة بعالقين وحمل في المحفة إلى دمشق وعاش تسعا وسبعين سنة وكان مولده ببعلبك وأبوه والى عملها للاتابك زنكي بن اق سنقر فدفن بقلعة دمشق أربع سنين ثم نقل إلى تربته وكان أصغر من أخيه صلاح الدين بنحو ثلاث سنين انتهى. ثم قال الأسدي في سنة خمس عشرة وستمائة: قال ابن كثير وفيها كان عود الوزير صفي الدين بن شكر من بلاد الشرق من آمد إلى دمشق
1 شذرات الذهب 4: 158.
2 شذرات الذهب 4: 276.
3 شذرات الذهب 4: 268.
4 شذرات الذهب 4: 255.
5 شذرات الذهب 4: 273.
6 شذرات الذهب 4: 283.
7 شذرات الذهب 5: 277.
8 شذرات الذهب 5: 260.
بعد موت الملك العادل فعمل فيه الشيخ علم الدين السخاوي1 مقامة يمدحه فيها ويبالغ في شكره وقد ذكر أنه متواضعا يحب الفقهاء ويسلم على الناس إذا اجتاز بهم وهو راكب في أبهة وزارته ثم أنه انكب في هذه السنة وذلك أن الملك الكامل وهو الذي كان سبب طرده وإبعاده كتب إلى أخيه الملك المعظم فيه فاحتاط على أمواله وحواصله وعزل ابنه عن نظر الدواوين وكان ينوب عن أبيه في مدة غيبته. قال ابن كثير وعمل أشياء في أيام وزارته للملك العادل منها: تبليط جامع دمشق واحاطة سور المصلى وعمل الفوارة ومسجدها وعمر جامع المزة انتهى. قال المنذري: وكان مؤثرا للعلماء والصالحين كثير البر بهم والتفقد لهم لا يشغله ما هو فيه من كثرة الاشغال عن مجالستهم ومباحثتهم وأنشأ مدرسة قبالة داره بالقاهرة. وقال أبو شامة: وكان خليقا بالوزارة لم يتولها مثله وصنف كتابا سماه البصائر نور فيه على الأوائل والأواخر وفي آخر أمره فوض إليه الملك الكامل الأمور على عادته في أيام وزارته فتوفي على حرمته كذا ذكره الذهبي. وقال ابن كثير: وبقي معزولا من سنة خمس عشرة إلى أن توفي في نصف شعبان منها ودفن بتربته عند مدرسته بمصر ومنهم من يقول: كان مشكور السيرة ومنهم من يقول: كان ظالما وذكره الموفق عبد اللطيف وبالغ في ثلبه انتهى ملخصا. ثم قال الأسدي فيه في سنة ثلاث عشرة وستمائة: عبد الوهاب بن عبد الله بن علي الوزير جمال الدين أبو محمد ابن الصاحب الوزير صفي الدين بن شكر سمع من حنبل وابن طبرزد وجماعة ووزر للملك المعظم عيسى وكان كثير الصدقات توفي في ربيع الآخر شابا انتهى.
قال كاتبه خويدم الطلبة والفقراء أبو زكريا يحيى بن النعيمي مؤلف هذا الكتاب تغمده الله برحمته: قد خرب هذا الجامع الصفي وبطلت الصلوات فيه من مدة سنين إلى أن أمر مولانا السلطان سليمان بن عثمان بعمارة جامعه والتكية مكان قصر الملك الظاهر أخذت الآت جامع الصفي إلى ذلك وكذلك الآت
1 شذرات الذهب 5: 222.
جامع النيرب وحصل للسيد تاج الدين عبد الوهابب الصلتي بمقتضى ذلك هم وغم كثير وكان ذلك في سنة خمس وستين وتسعمائة: ولم يبق بالمزة جامع غير جامع المررجاني فقط وكنت قديما في سنة خمس عشرة صليت الجمعة الصفي المذكور خلف أفضل الدين محمد بن عمر الرجيحي الحنبلي تمت الزيادة بحروفها من خط المؤلف رحمه الله تعالى.
جامع الأفرم
20-
غربي الصالحية. قال ابن كثير في سنة ست وسبعمائة: وفي مستهل ذي القعدة كمل بناء الجامع الذي أنشأه وبناه الأمير جمال الدين نائب السلطنة الأفرم ورتب فيه خطيبا يخطب يوم الجمعة وهو القاضي شمس الدين محمد بن أبي العز الحنفي انتهى.
جامع الجبل
21-
المشهور بجامع الحنابلة وبالمظفري بسفح قاسيون. قال ابن كثير في تاريخه وتبعه الأسدي في سنة ثماني وتسعين وخمسمائة: وفيه شرع الشيخ أبو عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي1 في بناء المسجد الجامع الجبل فأنفق عليه رجل يقال له الشيخ أبو داود محاسن الفامي حتى بلغ البناء مقدار قامة فنفد ما كان معه فأرسل الملك المظفر كوكبوري بن زين الدين علي كجك صاحب إربل مالا جزيلا لتتميمه فكمل وأرسل ألف دينار ليساق بها إليه الماء من قرية برزه فلم يمكنه من ذلك الملك المعظم صاحب دمشق واعتذر بأن هذا فرش قبور كثيرة للمسلمين وصنع له بئر وبغل يدور ووقف عليه وقفا لذلك انتهى. وقال الأسدي في تاريخ في سنة ثلاث وستمائة: في ترجمة كوك بوري المذكور هو بضم الكافين بينهما واو ساكنه ثم باء موحدة مضمومة ثم واو ساكنة بعدها راء وهو اسم تركي ومعناه بالعربي دب ازرق هو ابن علي بن بكتكين
1 شذرات الذهب
ابن كجك التركماني وبكتكين بفتح الموحدة وسكون الكاف وكسر التاء المثناة من فوق الكاف وسكون مثناة من تحت وبعدها نون وهو اسم تركي وكجك لفظ عجمي ومعناه بالعربي صغير أي صغير لقد انتهى. ملخصا وقال ابن شداد: أول من خط الحاج علي الفامي من محلة مسجد القصب خارج باب السلامة ثم بلغ مظفر الدين كوكنبوري صاحب إربل أن الحنابلة بدمشق شرعوا في عمل جامع بسفح قاسيون وأنهم عاجزون عن العمل فيسير مع حاجب من حجابه يسمى شجاع الدين الإربلي ثلاثة الآف دينار أتابكية للتتميم العمارة ومهما فضل من ذلك يشتري له وقف ويوقف عليه وأول من ولي خطابته الشيخ أبو عمر المقدسي انتهى. وقال ابن كثير في تاريخه في سنة سبع وستمائة في ترجمة الشيخ أبي عمر باني المدرسة وولي خطابة الجامع المظفري وهو أول من خطب به وكان يخطب وعليه لباسه الضعيف وعليه أنوار الخشية والتقوى وإنما كان للمنبر الذي فيه ثلاث مراقي وأربعة للجلوس كما كان المنبر النبوي قد حكى أبو مظفر أنه حضر عنده الجمعة وكان شيخ عبد الله اليونيني هناك حاضره فلما انتهى. الشيخ أبو عمر إلى الدعاء إلى السلطان قال: اللهم أصلح عبدك الملك العادل سيف الدين أبا بكر بن أيوب فنهض الشيخ أبو عبد الله وترك الجمعة قال: فلما فرغنا ذهبت إليه فقلت: لماذا قمت؟ فقال: يقول لهذا الظالم العادل؟ وبينما نحن في الحديث إذ أقبل الشبيخ أبو عمر ومعه رغيف وخيارتان فكسر ذلك وقال: الصلاة ثم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بعثت في زمن الملك العادل كسرى" فتبسم الشيخ أبو عبد الله ومد يده فأكل فلما قام الشيخ أبو عمر قال: لي يا سيدنا ما هذا إلا رجل صالح قال الشيخ شهاب الدين أبو شامه: كان الشيخ أبو عبد الله من الصالحين الكبار وقد رأيته وكانت وفاته بعد أبي عمر بعشرة سنين ولم يسامح الشيخ أبي عمر في تساهله مع ورعه ولعه كان مسافرا لا جمعة عليه وعذر الشيخ أبي عمر أن هذا قد جرى مجرى الأعلام العادل الكامل الأشرف كما يقال سالم وغانم ومسعود ومحمود وقد يكون ذلك على الضد من تلك الأسماء وكذلك إطلاق العادل ونحوه أنه قد أدخل إطلاقه على المشترك
فهذا أولى قلت هذا الحديث الذي احتج به الشيخ أبو عمر لا أصل له وليس هو في بشئ من الكتب المشهورة وعجبا له ولأبي المظفر ثم لأبي شامه في قبول مثل هذا وأخذه منه مسلما والله أعلم انتهى. كلام ابن كثير ورأيت في كتاب التذكرة في الأحاديث المشتهرة حديث "ولدت في زمن الملك العادل" كذب باطل انتهى. وتبع الشيخ جلال الدين السيوطي1 في كتابة "الدرر المنتثرة" في الأحاديث المشتهرة بلفظ "ولدت" وقد قال الله تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} وقال البغوي2: أي يشتركون وأصله من مساواة الشيء بالشىء ومنه العدل أي يعدلون بالله غير الله يقال عدلت هذا بهذا إذا ساويته به وقال النضر بن شميل: الباء بمعنى عن أي عن ربهم يعدلون أي يمليون وينحرفون عن المعدول قال الله تعالى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} أي منها قيل تحت قوله: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} معنى لطيف ومثل قوله القائل: أنعمت عليهم بكذا وتفضلت بكذا ثم تكفررون بنعمتي انتهى. وقال غيره: يعدلون يجعلون له عدلا وأتى الحجاج بامرأة من الخوارج فقال لها: ما تقولين في فقالت: أنت قاسط عادل فقال لمن حضر ما تقولون في كلامها فقالوا: ما نرى به بأسا فقال إنها تقول إني جائر كافر وتلا قوله تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية وقوله تعالى: {وأما الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً} والله أعلم انتهى. قال ابن شداد: ثم ولي خطابته بعد الشيخ أبي عمر تقي الدين ابن الحافظ الحنبلي ثم من بعده شمس الدين عبد الرحمن وهو في يومه إلى يومنا هذا في شهور سنة ست وتسعين وخمسمائة وتجددت له من بعد ذلك فتوحات وأوقاف وهي بأيديهم انتهى.
جامع حرستا
22-
أنشأه الوزير صفي الدين بن شكر قاله الأسدي في تاريخه وقد تقدمت ترجمة الوزير هذا في جامع المزة انتهى.
1 شذرات الذهب 8: 51.
2 شذرات الذهب 4: 84.
جامع النيرب
23-
بالقرب من الربوة قال الحافظ ابن ناصر الدين في مسودة توضيحه: النيرب من قرى الغوطة وهي قرية حسناء من محاسن قرى دمشق من إقليم بيت لهيا كثيرة المياه والبساتين وبها جامع حسن تقام فيه الجمعة ويقال في شرقيه قبر حنة أم مريم عليهما السلام. وقال ابن شداد: وليست مريم بنت عمران "ولها حكاية" في تاريخ دمشق لابن عساكر أن الخضر عليه السلام ينتاب هذا المسجد ويصلي فيه ويروي أن عيسى عليه السلام كان فيه انتهى.
وقال ابن كثير في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة: الصدر أمين الدين محمد بن فخر الدين بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن يوسف ابن أبي العيش الأنصاري الدمشقي باني المسجد المشهور به بالربوة على حافة بردى والطهارة الحجارة إلى جانبه والسوق الذي هناك وله بجامع النيرب ميعاد ولد سنة ثمان وخمسين وستمائة وسمع البخاري وحدث به وكان من أكابر التجار ذوي اليسار توفي بكرة يوم الجمعة وقت أذان الفجر سادس المحرم ودفن بتربته بقاسيون وقال البزالي وفي بكرة يوم الجمعة وقت أذان الفجر سادس المحرم من سنة الآخرة المذكورة توفي الشيخ الصدر أمين الدين أبو عبد الله محمد ابن فخر الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن يوسف بن أبي العيش الأنصاري الدمشقي وصلى عليه عقيب الجمعة بجامع دمشق ودفن بتربته بسفح قاسيون شمالي الجامع المظفري وسألته عن مولده فقال: كنت رضيعا سنة ثمان وخمسين وستمائة وبيني وبيت تاج الدين بن الشيرازي رضاع سمع صحيح البخاري على ابن أبي اليسر والجماعة في سنة ست وستين وستمائة وحدث به قبل موته بأشهر ودخل اليمن في التجارة وكان رجلا جيدا فيه خير ودين وعمر تحت الربوة مسجدا وطهارة وانتفع الناس بذلك وتكلم في جامع النيرب وفي وقفه ووقف فيه ميعاد حديث قبل الجمعة انتهى.
وقد خرب هذا الجامع الذي بالنيرب وبطلت الصلوات فيه من مدة سنين
وأخذت الآته إلى عمارة الجامع والتكية التي أمر بإنشائها مولانا السلطان سليمان بن عثمان نصره الله تعالى مكان قصر الملك الظاهر وكان أخذ هذه الآلات لذلك في سنة خمس وستين وتسعمائة وحصل بين السيد تاج الدين عبد الوهاب الصلتي وبين الكمال محمد بن الحمراوي شر كثير بمقتضى ذلك انتهى.
جامع الربوة
24-
قال الذهب في ذيله على العبر: في سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة وفي شهر ربيع الأول ولي قاضي القضاة جمال الدين بن جملة1 وجددت بالربوة خطبة وأمسك حاجب السلطان المتكلم عليها الأمير سيف الدين الماس وكان ظلوما انتهى.
جامع ابن العنبري
25-
بدرب الصالحية الأخذ إلى الجسر الأبيض قال الأسدي في سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة وفي شهر ربيع الأول منها توفي علاء الدين علي المعروف بابن العنبري الطرابلسي وكان له دنيا وقدم الشام وأقام بها وكان خصيصا بشاهين دوادار نائب الشام الأمير شيخ وكان له مساعده في بناء جامع التوبة ووقف أوقافا على جهات بر فلما افتقر نقضها وبنى مسجدا غربي سويقه ساروجا على يمين المتوجه إلى الصالحية ثم جعله جامعا وجعل فيه خطبة ثم بطلت الخطبة لما عمر الحاجب برسب أي جامعة بالقرب منه ودارت عليه الدوائر وركبه الدين وأقام بطرابلس وتخمل جدا ثم جاء بعد موت صهره كريم الدين بردك بن منجك إلى دمشق فأقام بها إلى أن توفي ليلة السبت مستهل الشهر المذكور ودفن بالتربة التي مقابل مسجده وكان يتمعقل ويصحب الترك وقارب سنه السبعين ظنا انتهى. جامع الحاجب
26-
الدمشقي بسويقه ساروجا قال الأسدي في سنة ثلاثين وثمانمائة وفي
1 شذرات الذهب 6: 119.
أواخر شهر رمضان منها صلى بجامع الحاجب بسويقه ساروجا وخطب به يوم الجمعة رابع عشرة ويقال سلخ الشهر المذكور برهان الدين ابن قاضي عجلون وهو الذي كان نائب القاضي في الخطابة بالجامع الأموي انتهى. ثم قال في شوال منها: وفي يوم الجمعة رابع عشر من الشهر المذكور صلى النائب والأمراء بجامع الحاجب الجديد وخطب به قاضي القضاة خطبة بليغة وذكر الأحاديث الوارده في فضل بناء المساجد واختلاف ألفاظها ومن خرجها وهي آخر خطبة خطبها انتهى ملخصا.
جامع النحاس
27-
شرقي الركنية بالصالحية. قال ابن كثير في سنة أربعة وخمسين وستمائة: الشيخ عماد الدين عبد الله بن الحسين بن النحاس ترك الخدم وأقبل على الزهادة والتلاوة والعبادة والصيام المتتابع والانقطاع إلى مسجده الجامع بسفح قاسيون نحوا من ثلاثين سنة وكان من خيار الناس ولما توفي دفن عند مسجده الجامع بسفح قاسيون بتربة مشهورة به وحمام ينسب إليه في مشاريق الصالحية وقد أثنى عليه السبط وأرخ وفاته كهلا وقد توفي السبط في أواخر هذه السنة انتهى. ووجدت بخط الحافظ ابن ناصر الدين في مسودة توضيح المشتبه منهم المجد أبو الحسن علي ابن الحسن ابن علي ابن النحاس الأنصاري الدمشقي وإليه ينسب حمام النحاس الذي بطريق الصالحية العتيق بدمشق سمع ابن النحاس هذا من أبي طاهر السلفي وأبي القاسم بن عساكر وتفقه على ابن أبي عصرون وتوفي في جمادى الآخرة سنة إحدى وستمائة. وقال الأسدي وسمع أبا المظفر الفلكي1 وروى عنه الشهاب القوصي وغيره وإليه ينسب الحمام شرقي الصالحية وقد خرب في زماننا في الفتنة انتهى. جامع المرجاني
28-
بضواحي المزة. قال الشريف الحسيني في كتاب ذيل العبر في سنة تسع
1 شذرات الذهب 4: 188.
وستين وستمائة: وفيها أكمل جامع المزة وأقيمت فيه الجمعة في الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر انتهى. وقال في سنة تسع وخمسين وسبعمائة ومات في سادس عشري ذي القعدة شيخنا الزاهد بهاء الدين محمد بن أحمد بن المرجاني صاحب جامع المزة وغيره من الماثر الحسنة حدث عن ابن مزير وغيره انتهى. وقال ابن كثير في سنة عشرين وسبعمائة: وفيها عمر ابن المرجاني شهاب الدين مسجد الخيف وأنفق عليه نحوا من عشرين ألفا انتهى.
جامع قلعة دمشق
29-
قال العز ابن شداد: وفي القلعة المحروسة المسجد الكبير الجامع الذي أنشأه نور الدين الشهيد رحمه الله تعالى فيه منارة وبركة وعلى بابه سقاية وله إمام ومؤذن ووقف انتهى. قال ابن كثير في تاريخه في سنة خمس وثلاثين وسبعمائة: وفي المحرم منها وفي أمر السلطان الملك الناصر بن قلاوون بعمارة جامع القلعة وعمارة جامع مصر العتيقة انتهى. وقال الأسدي في تاريخه في سنة أربع وعشرين وثمانمائة: في جمادى الآخرة منها وفي هذا الشهر فربت المئذنة بجامع القلعة وكان قد الزم بها القاضي شمس الدين الأذرعي1 بسبب أنه مدرس القلعة فذكر أن هذه المئذنة محدثة أحدثها الأمير زبالة يعني زين الدين الفارقاني نائب القلعة في أيام الملك المنصور ابن الملك المحفوظ في سنة اثنتين وستين وسبعمائة فلم يسمع منه وأوذي وأهين فلما كان في هذا الوقت كان قد بقي في رأسها شيء يسير وبياضها فطلبه نائب القلعة واهانه ولربما قيل أنه ضربه فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم انتهى.
جامع الثابتية
30-
قال الأسدي في سنة خمس عشرة وثمانمائة: وفي شهر رمضان منها توفي شمس الدين محمد بن عياش الجوخي قال شهاب الدين ابن حجي: كان ذا ثروة وأموال كثيرة ولم يكن بالجواد على إنفاقها وقد سمع من ابن الخباز
1 شذرات الذهب 7: 204.
وحدث في هذا العام توفي في تاسع عشرة بمنزله بالقرب من حمام يلبغا وصلي عليه بجامع الثابتية ودفن بتربة ابن التدمري بالجامع المذكور وقد جاوز السبعين وهو أسن من أخيه المقري الخير شهاب الدين أحمد1 الذي هو الآن ببلاد اليمن وكان يدور البلاد ويقري القرآن انتهى.
جامع ابن منجك
31-
عند جسر الفجل وآخر ميدان الحصى أنشأ الأمير العوني الغيائي الهمامي الصارمي إبراهيم ابن الأمير سيف الدين منجك اليوسفي الناصري قتل رحمه الله بوقعة الأمير نعير ولم يعرف جسده من المقتولين وأما والده فقد مرت ترجمته في المدرسة المنجكية الحنفية ملخصة وهي طويلة ومنها ما بلغني عن بعض المشايخ أن الأمير منجك مر على طبقة فسمع صوت أمراه فسأله دواداره عنها فقيل له إن لها أياما في الطلق وتعسر عليها خروج الولد فمضى إلى منزله ثم أرسل إليها سرواله وأن تضعه على ظهرها ففعلت فنزل الولد في الحال فقيل له بم نلت ذلك؟ فقال: لأني ما كشفت ذيلي على معصية أبدا وقيل إن رجل تراهن هو وجماعة على مبلغ خمسمائة درهم إن ركب خلف منجك على فرسه وهو راكب ثم جاء الأمير وهو راكب فركب خلفه فقال له الأمير منجك. وقد غلبت اذهب فخذ الخمسمائة درهم كأنه كاشفه وقيل إن رجلا قدم له قميص مناشف منسوجا لن يضع فيه إبره فلما رآه الأمير منجك قال له من أستاذك في هذا الصناعة قال الرجل: إنما اصطنعت ذلك من نفسي فلما سمع الأمير ذلك طرحه له ولم يلتفت إليه لكونه استقل بذلك من غير أستاذ
وفيه يقول بعض الأدباء حين أمر بحمل الحجارة على العجل لأجل العمارة من أرض العمارة المذكورة:
لنا مليك على البنيان مقتدر
…
قلوب صم الحصى من ذكره وجله
ذو همة لو نأى في أمره جبل
…
أتى به مسرعا في الحال بالعجلة
1 شذرات الذهب 7: 154.
وله ثلاثة أولاد ذكور: أحدهم هذا الأمير فرج وقد مر أنه دفن بتربته بظاهر باب الجابية قبلي تربة افريدون العجمي وغربي تربة الأمير بها درآص والثالث الأمير ركن الدين عمر ودفن بالمكان الذي كان معصره وقفها الحاج عثمان بن البص التاجر بمحلة مسجد الذبان فأخذها بعده أيضا الحاجب فأسسها ليدفن بها فلم يقدر له ذلك فأخذها ركن الدين هذا ودفن بها قبل فتنة تيمور بسنتين ثم احترقت في الفتنة ثم جددها الناصر محمد ابن ابن أخيه إبراهيم وجعل بها خمسة مجاورين وشيخا لهم يقرئهم القرآن الكريم. انتهى ملخصا والله سبحانه وتعالى أعلم انتهى الكتاب.
انتهى الكتاب