المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأثر الأول:تحريم خيانتهم والغدر بهمفي أنفسهم وأموالهم وأعراضهم - الدخول في أمان غير المسلمين وآثاره في الفقه الإسلامي

[عبد الحق التركماني]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم معالي الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي

- ‌تقريظ سماحة الشيخ العلامة أحمد المرابط الشنقيطي

- ‌تقديم فضيلة الشيخ الدكتورعبد الله شاكر الجنيدي

- ‌مقدمة المؤلِّف

- ‌الفصل الأول:مقدمة في عقد الأمان

- ‌1 - التعريف:

- ‌2 - مشروعيَّةُ مَنْحِ الكفَّارِ الحربيِّينَ الأمانَ، ووجوبُ الوفاءِ لهم به:

- ‌3 - جواز الدخول في أمان الكفَّار للحاجة

- ‌4 - ما ينعقد به الأمان

- ‌5 - التأسيس الفقهي لمسائل هذا الكتاب ووجه ارتباطها بالواقع المعاصر

- ‌الفصل الثاني:الآثار المترتبة على دخول المسلم في أمان غير المسلمين

- ‌تمهيد

- ‌الأثر الأول:تحريم خيانتهم والغدر بهمفي أنفسهم وأموالهم وأعراضهم

- ‌الأثر الثاني:معاملة الكفار على أساس أنَّهم يملكون أموالهم مِلْكًا صحيحًا،ولا يجوز للمسلم أن يستولي عليها إلا بوجهٍ أذن به الشَّرع الحنيف

- ‌الأثر الثالث:أنَّ المسلم في بلاد الكفَّار يجب عليه الالتزامُبأحكام الدِّين كما يجب عليه في بلاد الإسلام

- ‌الأثر الرَّابع:جوازُ معاملَتِهم بالبَيْعِ والشِّراءِ والهِبَةِوالقَرْضِ والرَّهْنِ وسائرِ المعاملاتِ المباحة

- ‌الأثر الخامس:أنَّ المسلمَ إذا دَخَلَ بلادَ الكفَّار الحربيِّينَ وكان يقصِدُ القيامَ بعمليَّاتٍ عسكريَّةٍ ضدَّهم، فأَظْهَرَ لهم طلبَ الدُّخولِ في أمانِهم، فأَعْطَوهُ الأمانَ، وسَمَحُوا له بدخول بلادهم؛ وَجَبَ عليهِ ـ ديانةً وأخلاقًا ـ الالتزامُ بعقد

- ‌الأثر السادس:إذا دَخَلَ جماعةٌ من المسلمين في أَمانِ قومٍ من الكفَّارِ الحربيِّينَ، ثم قامتِ الحربُ بينهم وبين جماعةٍ أُخرَى من المسلمين؛ لم يَجُزْ لأولئك المسلمينَ المستأمَنِين نصرةُ إخوانِهم المسلمينَ إلا بعدَ أَنْ يُلْغُوا عَقْدَ الأَمانِ

- ‌الأثر السابع:جواز السَّفَر بالقرآن حال العهد والأمان

- ‌الأثر الثَّامن:أنَّ المسلمينَ المستأمَنينَ في بلاد الكفَّار لا يقيمونَ الحدودَ بينهم، لعَدَمِ وُجودِ وِلايةٍ إسلاميَّةٍ عليهم، لكنَّهم يلتزمون بما يترتَّب على ارتكابِ المعاصي الموجِبَة للحدود من توبةٍ وصومٍ وكفارةٍ ودِيَةٍ، ونحو ذلك

- ‌الأثر التاسع:أنَّ المسلمَ المقيمَ في بلاد الكفَّار ينبغي عليه أَنْ يُعاملهم بالحسنَى ويَدْعُوَهم إلى الإسلام، ويتألَّفَهم بموافقتهم في غيرِ ما حرَّمه الله تعالى

- ‌الأثر العاشر:يجبُ على المسلم أَنْ يحفَظَ لمن أحسن إليه من الكفَّار جميلَه، ويشكرَه على إِحسانِه، ويقابلَه بالوفاء وجميل الذِّكْر وإِرادة الخير

- ‌الخاتمة

- ‌أولًا:في محور النتائج

- ‌ثانيًا:في محور التوصيات

- ‌مصادر الكتاب

الفصل: ‌الأثر الأول:تحريم خيانتهم والغدر بهمفي أنفسهم وأموالهم وأعراضهم

‌الأثر الأول:

تحريم خيانتهم والغدر بهم

في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم

إنَّ الصِّدقَ في القول، والعدلَ في المعاملة، والوفاء بالوعد، والأداء للأمانة، والالتزام بموجبات العهود والمواثيق المشروعة؛ كلُّ ذلك من الواجبات الشرعيَّة اللازمة لكلِّ مسلمٍ، لا يختلف في وجوبها أحدٌ من المسلمين، فهو متقرِّرٌ بنصوص كثيرة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، وعليه أجمع علماء الإسلام، وأقرَّ به المسلمون جيلاً بعد جيلٍ.

وقد امتدح الله تعالى المؤمنين الصادقين المفلحين بأنَّهم: {لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: 8]، وأمرهم بالوفاء بالعقود التي يلتزمون بها، فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، وأجمع أهل التفسير على أن معنى «العقود»:«العهود» ؛ كما ذكر الإمامُ ابن جرير الطبريُّ رحمه الله

(1)

، وقال: «والعقود جمع: عَقْدٍ، وأصل العقد: عقد الشيء بغيره، وهو وصله به، كما يعقد الحبل بالحبلِ، إذا وصل به شدًّا. يقال منه: عقد فلان بينه وبين فلان عقدًا، فهو يعقده. وذلك إذا وَاثَقَه على أمرٍ وعاهده عليه عهدًا

(1)

أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت: 310/ 923): إمام المفسرين، وأحد أئمة أهل السنة الكبار في العقيدة والحديث والفقه واللغة والتاريخ. ولد بطبرستان، ورحل إلى بغداد واستقر وتوفي فيها، بعد أن زار عدة بلدان. يعدُّ تفسيره الكبير:«جامع البيان عن تأويل آي القرآن» أهمَّ مصادر التفسير السلفيِّ. مترجم في «سير أعلام النبلاء» (14/ 267:175).

ص: 77

بالوفاء له بما عاقده عليه، من أمانٍ، وذِمَّةٍ، أو نصرةٍ، أو نكاحٍ، أو بيعٍ، أو شركةٍ، أو غير ذلك من العقود».

(1)

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ الخيانة من صفات المنافقين، فقال صلى الله عليه وسلم:«آيةُ المنافق ثلاثٌ: إذا حدَّثَ كذَبَ، وإذا وعَدَ أخْلَفَ، وإذا ائْتُمِنَ خانَ» .

(2)

وقال صلى الله عليه وسلم في حديثٍ آخرَ: «أربَعٌ مَن كُنَّ فيه كان مُنافقًا خالِصًا، ومَن كانتْ فيه خَصْلةٌ منهُنَّ كانت فيه خَصلةٌ مِنَ النِّفاق حتَّى يَدَعَها: إذا ائْتُمنَ خانَ، وإذا حَدَّثَ كذَبَ، وإذا عاهَدَ غدَرَ، وإذا خاصَمَ فَجَرَ» .

(3)

وإذا كان الغدرُ والخيانةُ من صفات المنافقين، فإنَّهما لن يكونا من صفات المؤمنين حقًّا، ولهذا كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول في خُطْبَته:«لا إِيْمانَ لمن لا أمانةَ له، ولا دِينَ لمن لا عَهْدَ له» .

(4)

ومن هنا فإنَّ أهلَ الخيانة والغدر يستحقُّون الفضيحةَ الكبرى يوم القيامة، كما أخبر الصَّادق المصدوق فقال صلى الله عليه وسلم:«إذا جَمَعَ الله الأوَّلين والآخرين يوم القيامة؛ يُرفَعُ لكلِّ غادرٍ لواءٌ، فقيلَ: هذه غَدْرَةُ فلانِ بنِ فلانٍ» .

(5)

(1)

«جامع البيان في تأويل آي القرآن» [المائدة: 1].

(2)

أخرجه البخاريُّ في «الصحيح» (33)، ومسلم في «الصحيح» (59)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

أخرجه البخاريُّ في «الصحيح» (34)، ومسلم في «الصحيح» (58)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

(4)

أخرجه أحمد في «المسند» 3/ 135 (12383)، وأبو يعلى في «المسند» (2863)، وابن حبَّان في «الصحيح» (194)، والبغويُّ في «شرح السنَّة» (38) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

وقال البغويُّ: «هذا حديث حسنٌ» .

(5)

أخرجه البخاريُّ في «الصحيح» (6177)، ومسلم في «الصحيح» (1735) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

ص: 78

والمسلم مخاطبٌ بهذه النُّصوص ودلالاتِها في أحواله كلِّها، حيثما كان، وأينما حلَّ، سواء كان تعامله مع أخيه المسلم، أو مع المخالف له في الدِّين والملَّة حربيًّا كان أم مسالمًا. هذا ما فهمه علماء الإسلام وقرَّروه في كتبهم، لما دلَّ عليه صريحُ القرآن وصحيح السُّنَّة.

فقد أمر الله تعالى بالعدل في معاملة المخالفين وإن كانوا أعداءً حربيِّين، فقال عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8].

قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره هذه الآية: «يعني بذلك جلَّ ثناؤُه: يا أيُّها الذين آمنوا بالله وبرسوله محمدٍ! ليكن من أخلاقكم وصفاتكم القيامُ لله شهداءَ بالعدل في أوليائكم وأعدائكم، ولا تجوروا في أحكامكم وأفعالكم، فتُجاوِزُوا ما حدَّدتُ لكم في أعدائكم لعداوتهم لكم، ولا تقصِّروا فيما حددت لكم من أحكامي وحدودي في أوليائكم لولايتهم لكم، ولكن انتهوا في جميعهم إلى حدِّي، واعملوا فيه بأمري. ولا يحملنَّكم عداوةُ قومٍ على ألا تعدلوا في حكمكم فيهم، وسيرتكم بينهم، فتجُورُوا عليهم مِنْ أجلِ ما بينكم وبينهم من العداوة» .

(1)

وقال الفخر الرازيُّ

(2)

: «المعنَى: لا يحملنَّكم بغض قومٍ على أن تجوروا عليهم، وتجاوزوا الحدَّ فيهم، بل اعدلوا فيهم؛ وإن أساؤُوا إليكم، وأحسنوا

(1)

«جامع البيان في تفسير آي القرآن» [المائدة: 8].

(2)

فخر الدين أبو عبد الله محمد بن عمر التيمي الرازي الشافعي (ت: 606/ 1210): من أئمة الأشاعرة في علم الكلام، عالم في التفسير والفلك والفلسفة والمنطق وعلم الأصول وفي غيرها. ترك مؤلفات كثيرة تدل على غزارة علمه وسعة اطلاعه أبرزها تفسيره الكبير المعروف بمفاتيح الغيب. مترجم في «سير أعلام النبلاء» (21/ 500:261).

ص: 79

إليهم؛ وإن بالغوا في إِيْحاشِكُم، فهذا خطابٌ عامٌّ، ومعناه: أمر الله تعالى جميع الخلق بأن لا يعاملوا أحدًا إلا على سبيل العدل والإنصاف، وترك الميل والظُّلم والاعتساف»

(1)

.

وأمر الله تعالى بالوفاء لهم بالعهد وجعله من صفات المتقين لربِّهم، فقال سبحانه:{إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 4].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيُّما رَجُلٍ أَمَّنَ رجلاً على دَمِهِ ثُمَّ قتَلَه، فأَنَا مِنَ القاتل بَرِيءٌ، وإنْ كان المقتولُ كافرًا» .

(2)

وهذه البراءة من النبيِّ صلى الله عليه وسلم براءةٌ صريحةٌ من المسلم الذي يُقدِم على ذلك الفعل الشَّنيع، فهي براءة من الفعل والفاعل، فهو صلى الله عليه وسلم سيِّد الأوفياء والشرفاء، لا يرضَى بالغدر والخيانة، ولا بأهلهما، بخلاف من قد ينكر الفعلَ، ويسوِّغُ للفاعلِ!

(3)

ومن هنا بيَّن العلماء أن هذه الأخلاقيَّات الإسلامية السَّامية من أصول الدِّين وقواعده الكليَّة، فلا بدَّ أن يلتزم بها المسلم حتَّى وإن انتقل من بلاد

(1)

«التفسير الكبير» [المائدة: 8].

(2)

أخرجه أحمد في «المسند» 5/ 223 (21946 و 21947 و 21948)، والبخاري في «التاريخ الكبير» 3/ 322، وابن ماجه في «السنن» (2688)، والبزَّار في «المسند» (2307 و 2308)، والنسائيُّ في «السنن الكبرى» (8739 و 8740)، وابن حبان في «الصَّحيح» (5982) ـ واللَّفظُ له ـ، والحاكم في «المستدرك» 4/ 353، والبيهقيُّ في «السنن الكبرى» 9/ 142؛ من حديث عَمرو بن الحَمِقِ الخزاعيِّ رضي الله عنه. وقال الألبانيُّ في «صحيح الترغيب والترهيب» (3007):«حسن» .

(3)

وتقدَّم في مبحث (مشروعيَّة منح الكفار الحربيِّين الأمانَ

) ذكر الأحاديث الواردة في الترهيب من قتل المعاهد.

ص: 80

الإسلام إلى بلاد غير المسلمين، ولم يَقُلْ أحدٌ منهم أن هذه الأخلاقيَّات مصلحيَّة نفعيَّة، يجوز للمسلم أن يتخلَّى عنها، وينسلخ منها، إن كان في مجتمع غير مسلمٍ، أو كان تعاملُه مع غير المسلمين!

وهذه نماذج من كلام العلماء الأعلام، تُظهر عظمة دين الإسلام، وكمال شريعته، وسمو أخلاق أهله الملتزمين به كما يحبُّه الله تعالى ويرضاه:

قال الإمام الشافعيُّ رحمه الله

(1)

: «إذا دخلَ قومٌ من المسلمين بلادَ الحرب بأمانٍ؛ فالعدوُّ منهم آمنون إلى أن يفارقوهم، أو يبلغوا مدَّة أمانهم، وليس لهم ظلمهم، ولا خيانتهم» .

(2)

وقال الشَّافعيُّ ـ أيضًا ـ: «وإذا دخل رجلٌ مسلمٌ دار الحربِ بأمانٍ فوجد امرأتَه، أو امرأةَ غيره، أو مالَه، أو مالَ غيره من المسلمين أو أهل الذِّمَّة، مِمَّا غصَبَه المشركون؛ كان له أن يخرج به، من قِبَلِ أنَّه ليس بمِلْكٍ للعدو، ولو أسلموا عليه لم يكن لهم، فليسَ بخيانةٍ، كما لو قدر على مسلمٍ غصب شيئًا فأخذه بلا علمِ المسلم فأدَّاه إلى صاحبه؛ لم يكن خائنًا

(3)

. إنَّما الخيانةُ: أخذُ

(1)

أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيُّ (204/ 820): إمام مجتهد، عالم باللغة والأصول والحديث والفقه، نشأ بمكَّة، وتفقَّه بها، ورحل إلى اليمن، والعراق، واستقرَّ بمصر وتوفي بها. من مؤلفاته كتاب «الرِّسالة» وهو أول مؤلَّف في أصول الفقه، وكتاب «الأُم» وفيه كثيرٌ من حديثه وفقهه وآرائه التي أملاها على تلاميذه. ومذهبه في الفقه هو أحد المذاهب الفقهية الأربعة. مترجم في «سير أعلام النبلاء» (10/ 5:1).

(2)

كتاب «الأُم» 4/ 248، وط: دار الوفاء 5/ 606.

(3)

هنا يجري الإمام الشافعي رحمه الله على قاعدة واحدة مطَّردة، فيجعل لمن اغتصُب منه ماله حقَّ استرجاع العين المغصوبة، ولا فرق في ذلك أن يكون المغتصَبُ منه مسلمًا أو كافرًا، ولا في أن يكون المغتصِبُ مسلمًا أو كافرًا. ولا شكَّ أن هذا مقيَّد بشرط القدرة على تحقيق مصلحة استرجاع الحقِّ من غير ترتُّب مفاسد راجحة عليها.

وهذا الحكم متعلِّق بالأفراد وما تتعلق به مِلكيَّتُهم، أما ما يتعلَّق بالدول فالأمر راجع فيها إلى ولاة الأمر فيها، فليس للمسلم العاقل أن يظنَّ بأنَّ له حقَّ الاستيلاء على أموال الكفار بدعوى أنَّهم اغتصبوا بعضها من بلاد المسلمين، لأنَّ استرداد تلك الأموال ـ إن صحَّت هذه الدعوى ـ من واجبات الدولة، ولو قدِّر للفرد المسلم التمكُّن من استرجاعها؛ فليس له الانتفاع بها، بل يجب عليه ردُّها إلى دولة المسلمين لأنها مِلكٌ لمجموع الأمة لا لأفرادها.

وقول الشافعيُّ هنا مبنيٌّ على أنَّ ما حازه أهل الحرب من أموال المسلمين ظلمًا وعدوانًا يبقى على ملك المسلم، وله أخذه منهم بغير عوضٍ. هذا مذهبه ومذهب أصحابه ومذهب الحنابلة والظاهريَّة، وقال الحسن البصري والزهري وعمرو بن عطاء: أنَّها تصير بحيازتهم لها في ملكهم، فإذا استردَّها المسلمون من أيديهم فهي غنيمة الجيش ليس لصاحبها منها شيء. ووافقهم المالكية والحنفية في أصل المسألة لكن أثبتوا لصاحبها حقَّ ردِّها من الغنيمة في تفصيلٍ ليس هذا موضعه، وبنوا عليه قولهم في الكافر يُسلم وبيده مالُ مسلمٍ هل يصحُّ له ويقرُّ عليه أم لا؟ فقال مالك وأبو حنيفة: يصحُّ له. وقال الشافعيُّ وأحمد: لا يصحُّ له.

انظر في المسألة وأدلتها: «الأم» (من أسلم على شيء غصبه أم لم يغصبه)(4/ 282)، و «شرح معاني الآثار» لأبي جعفر الطحاوي (3/ 262)، و «المحلى بالآثار» لابن حزم (7/ 300) (المسألة: 931)، و «المبسوط» للسرخسي (10/ 61)، و «بداية المجتهد» لابن رشد (2/ 772)، و «المغني» لابن قدامة (13/ 117 و 121).

ص: 81

ما لا يحلُّ له أخذه. ولكنَّه لو قدر على شيءٍ من أموالهم لم يحلَّ له أن يأخذ منه شيئًا قلَّ أو كثرَ، لأنَّه إذا كان منهم في أمانٍ فهُمْ منه في مثله، ولأنه لا يحلُّ له في أمانهم إلا ما يحلُّ له من أموال المسلمين وأهل الذِّمَّة، لأنَّ المالَ ممنوعٌ بوجوهٍ:

أوَّلُها: إسلامُ صاحبه.

والثَّاني: مال من له ذِمَّةٌ.

ص: 82

والثالثُ: مال من له أمانٌ إلى مدَّة أمانه، وهو كأهل الذِّمَّة فيما يُمنع من ماله إلى تلك المدَّة».

(1)

وقال العلامة الماورديُّ رحمه الله

(2)

: «وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمانٍ، أو كان مأسورًا معهم فأطلقوه وأمَّنوه؛ لم يجزْ أن يغتالَهم في نفسٍ ولا مالٍ، وعليه أن يؤمِّنَهم. وقال داودُ

(3)

: يجوز أن يغتالهم في أنفسهم وأموالهم إلا أَنْ يَستَأْمنُوه فيلزمه الموادعةُ، ويَحرُمُ عليه الاغتيالُ».

(4)

وقال العلامة السَّرَخْسِيُّ رحمه الله

(5)

: «والذي دخلَ من المسلمين دارَ الحرب بأمانٍ فعليه ألا يغدر بهم، وألا يأخذ شيئًا من أموالهم بغير رضاهم،

(1)

كتاب «الأُم» (4/ 268)، وط: دار الوفاء (5/ 658).

(2)

أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغداديُّ الماوردي (450/ 1058): من فقهاء الشافعية، وإمام في الفقه والأصول والتفسير، وبصير بالعربية. كان من رجال السياسة البارزين في الدولة العباسية وخصوصًا في مرحلتها المتأخرة. ومن مؤلفاته:«أدب الدنيا والدين» و «أعلام النبوة» و «الحاوي الكبير» ، و «الأحكام السلطانية». مترجم في «سير أعلام النبلاء» (18/ 64:29).

(3)

أبو سليمان داود بن علي بن خلَفٍ البغداديُّ الأصبهانيُّ الظاهريُّ (ت: 270/ 884)، أحد الأئمة الأعلام، مؤسس المذهب الظاهريِّ في الفقه، وكان على مذهب السلف الصالح في التوحيد والاعتقاد. مترجم في «سبر أعلام النبلاء» (13/ 97:55).

(4)

«الأحكام السلطانية» (ص 179).

(5)

شمس الأئمة محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي (ت: 483/ 1090): فقيه أصوليٌّ، من كبار فقهاء الحنفيَّة وأئمتهم المجتهدين. سجنه أحد الملوك بسبب نصحه له، فأملى كتابه «المبسوط» ـ وهو أكبر كتاب في الفقه الحنفي مطبوع في ثلاثين جزءً ـ وهو سجين في الجبِّ، كما أملى:«شرح السير الكبير لمحمد بن الحسن» ، وله في أصول الفقه كتاب من أكبر كتب الأصول عند الحنفية، ويعرف بأصول السرخسي. مترجم في «الأعلام» (5/ 315).

ص: 83

لأنَّه التزم الوفاءَ لهم بحسب ما يَفُونَ له؛ بخلاف الأَسير فيهم. ثُمَّ كما لا يجوز للمستأمن أن يقتلهم، أو يأخذ مالهم بغير رضاهم؛ لا يجوز له أن يأمر الأسيرَ بذلك، لأنَّ فعل المأمور من وجهٍ كأنَّه فعلُ الآمر».

(1)

وقال السَّرخسيُّ ـ أيضًا ـ: «وإذا قتلَ المسلمُ المستأمَنُ في دار الحرب إنسانًا منهم، أو استهلكَ مالَه؛ لم يلزَمهم

(2)

غُرْمُ ذلك إذا خرجوا، لأنَّهم لو فعلوا ذلك به لم يلزمهم غُرْمٌ؛ فكذلك إذا فُعِلَ بهم، وهذا لأنَّهم غير ملتزمين أحكامَ الإسلام في دار الحرب حيثُ جرَى ذلك بينهم

(3)

. وأَكرَهُ للمسلم المستأمَن إليهم في دِينِه أن يغدر بهم؛ لأنَّ الغدرَ حرامٌ

(4)

؛ قال صلى الله عليه وسلم: «لكلِّ غادرٍ لواءٌ، يُركَزُ عند بابِ اسْتِهِ يومَ القيامةِ، يُعرفُ به غَدْرَتُه»

(5)

. فإنْ غدر بهم،

(1)

«شرح كتاب السِّير الكبير» (5/ 1861).

(2)

يعني: تلك الجماعة من المسلمين الذين دخلوا دار الحرب بأمانٍ فقتل واحدٌ منهم إنسانًا من الحربيِّين أو أتلف ماله. لهذا انتقل إلى صيغة الجمع مع أنه بدأ بصيغة الإفراد.

(3)

مراد السرخسي بهذا: أن المسلم إذا ارتكب جرائم حال إقامته في أراضي الدولة المعادية، ثم رجع إلى الدولة الإسلامية؛ فإنَّ الأخيرة لا تكون في هذه الحالة ملزمة بتحمُّل تبعات التصرفات الشخصيَّة لذلك المسلم، ذلك لأنَّ العلاقة بين الدولتين هي علاقة حرب وعداء، والمسلم إنَّما دخل أراضيَ الدولة المعادية بعهدٍ متعلِّق بخاصة نفسه، وهو وحده يتحمل تبعات الغدر به، لهذا بدأ السرخسيُّ بعد هذا مباشرةً ببيان الواجب الدينيِّ على المسلم، وإن كان خارجًا عن سيطرة وسلطان الدولة الإسلامية.

(4)

قوله: «الغدر حرام» يُبيِّن المراد من قوله: «وأكره» ، فهو كراهةُ تحريمٍ جازمٍ. وكذلك قوله الآتي:«كرهت للمسلم» .

(5)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 35:11303)، ومسلم في «الصحيح» (1738)، وأبو يعلى في المسند (1245)، ولم أجد عندهم لفظ:«باب» لكنَّه وقع في رواية الكلاباذي الحنفي في «بحر الفوائد» (304). ومعنى: «عند استه» أي: تحت مقعدته.

ص: 84

وأخذ مالَهم، وأخرجه إلى دار الإسلام؛ كرِهْتُ للمسلم شراءَه منه إذا علم ذلك؛ لأنَّه حصَّلَه بكسبٍ خبيثٍ، وفي الشراء منه إغراءٌ له على مثل هذا السَّبب، وهو مكروهٌ للمسلم، والأصلُ فيه حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه حين قتل أصحابَه، وجاء بمالِهم إلى المدينة فأسلَم، وطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُخمِّس مالَه، فقال:«أمَّا إِسلامُكَ فمقبولٌ، وأمَّا مالُكَ فمالُ غَدْرٍ فلا حاجةَ لنا فيه» .».

(1)

وقال السرخسيُّ ـ أيضًا ـ: «ولو أنَّ رسولاً لإمام المسلمين دخَلَ إليهم فأخذ متاعًا من متاعهم غَصْبًا، أو رقيقًا، وأخرجه إلى عسكر المسلمين في دار الحرب، أخذَه الأميرُ وردَّه على أهله، لأنَّ الرَّسولَ فيهم كالمستأمَن» .

(2)

وقال الإمام ابن قدامة المقدسي رحمه الله

(3)

: «من دخل إلى أرض العدوِّ بأمانٍ لم يخُنْهُم في مالهم، ولم يعاملهم بالرِّبا. أمَّا تحريم الرِّبا في دار الحرب؛ فقد ذكرناه في بابِ الرِّبا

(4)

، مع أنَّ قولَ الله تعالى:{وحرَّم الربا} [البقرة: 275]، وسائرَ الآياتِ والأخبارَ الدَّالة على تحريم الرِّبا عامَّةٌ، تتناولُ الرِّبا في كلِّ مكانٍ وزمانٍ. وأمَّا خيانَتَهُم فمحرَّمةٌ؛ لأنَّهم إنما أعطوه الأمانَ مشروطًا بتركه خيانتَهم، وأمْنِه إيَّاهم من نفسه، وإن لم يكن ذلك مذكورًا في اللَّفظ، فهو معلومٌ في المعنَى، ولذلك من جاءَنا منهم بأمانٍ فخاننا؛ كان ناقضًا

(1)

«المبسوط» (10/ 96). وسيأتي ذكر حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.

(2)

«شرح السير الكبير» (4/ 1137).

(3)

أبو محمد موفَّق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي (ت: 620/ 1223): من أئمة الحنابلة، محدث وفقيه موسوعي، قال ابن تيمية في حقِّه:«ما دخل الشام بعد الأوزاعي أفقه من ابن قدامة» . له كتب كثيرة أشهرها: «المغني» و «الكافي» في الفقه، و «روضة الناظر وجنة المناظر» في أصول الفقه. مترجم في «سير أعلام النبلاء» (22/ 165:112).

(4)

سيأتي نقله عند بحثنا في مسألة الربا.

ص: 85

لعهده. فإذا ثبت هذا: لم تحلَّ له خيانَتُهم لأنَّه غدرٌ، ولا يصلحُ في ديننا الغدْرُ، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم «المسلمونَ عند شُروطِهِم» .

(1)

فإِنْ خانَهم، أو سرقَ منهم، أو اقترض شيئًا؛ وجَبَ عليه ردُّ ما أخذ إلى أربابه، فإن جاء أربابُه إلى دار الإسلام بأَمانٍ أو إِيمانٍ؛ ردَّه عليهم، وإلا بَعَثَ به إليهم، لأنَّه أخَذَه على وجهٍ مُحَرَّمٍ عليه أخذُه، فلزِمَه رَدُّه، كما لو أخَذَهُ من مالِ مسلمٍ».

(2)

وقال العلامة المَرْغينانيُّ رحمه الله

(3)

: «وإذا دخل المسلم دار الحرب تاجرًا؛ فلا يحلُّ له أن يتعرَّض لشيءٍ من أموالهم، ولا من دمائهم، لأنَّه ضمِنَ أنْ لا يتعرَّض لهم بالاسْتِئْمانِ، فالتَّعرُّض بعد ذلك يكون غدرًا، والغدر حرامٌ» .

(4)

(1)

أخرجه أبو داود في «السنن» (3594)، والدراقطنيُّ في «السنن» (3/ 27:2890)، والحاكم في «المستدرك» (2/ 49) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال النَّوويُّ في «المجموع» (9/ 464):«رواه أبو داود بإسنادٍ حسنٍ أو صحيحٍ» . وذكره البخاريُّ في «الصحيح» (37 - كتاب الإجارة، 14 - باب أجر السَّمْسرة) معلَّقًا بصيغة الجزم، وللحديث شواهد من حديث: عمرو بن عوف، وأنس بن مالك، ورافع بن خديج، وعبد الله بن عمر، وغيرهم،. قال ابن حجر في «تغليق التَّعليق» (3/ 281):«وكلُّها فيها مقالٌ، لكنْ حديثُ أبي هريرة أمثَلُها» . وانظر: «البدر المنير» لابن الملقِّن (6/ 552)، و «إرواء الغليل» للألباني (1303).

(2)

«المغني» (13/ 152:1674).

(3)

أبو الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المَرْغِيناني (593/ 1197): من أكابر فقهاء الحنفية، كان حافظًا مفسِّرًا محقِّقًا أديبًا، من المجتهدين. من تصانيفه «بداية المبتدئ» وشرحه:«الهداية في شرح البداية» . مترجم في «سير أعلام النبلاء» (21/ 232:118).

(4)

«الهداية شرح البداية» (2/ 152). وقد ردَّد فقهاء الحنفية هذا، فذكره: أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاسانيُّ (ت: 587/ 1191) في: «بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» (5/ 301)، وعثمان بن علي الزيلعي (ت: 743/ 1343) في: «تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق» (3/ 266)، ومحمد بن محمد بن محمود البابرتي (ت: 786/ 1384) في: «العناية شرح الهداية» (6/ 17)، وابن الهمام: محمد بن عبد الواحد السِّيواسيُّ (861/ 1457) في: «فتح القدير» (6/ 17)، وزين الدين ابن نجيم (970/ 1563) في:«البحر الرائق شرح كنز الدقائق» (5/ 108)، وابن عابدين الدمشقي (1252/ 1836) في:«ردِّ المحتار على الدرِّ المختار» (4/ 166).

ص: 86

فإذا تقرَّرَ هذا؛ فالواجب على المسلم إِنْ سرقَ مال الكافر الذي استأمنه؛ أن يردَّه إلى صاحبه، ولا يجوزُ له التصرفُ والانتفاعُ به:

قال العلامةُ أبو إسحاقَ الشِّيرازيُّ رحمه الله

(1)

: «إنْ دخل مسلمٌ دار الحرب بأمانٍ، فسرق منهم مالاً، أو اقترض منهم مالاً، وعاد إلى دار الإسلام، ثم جاء صاحب المال إلى دار الإسلام بأمانٍ؛ وجب على المسلم ردُّ ما سرق، أو اقترض، لأنَّ الأمان يوجب ضمان المال في الجانبَيْن، فوجب ردُّه» .

(2)

قال السرخسيُّ رحمه الله: «فإنْ غلب العدوُّ على مال المسلمين فأَحْرزُوه

(3)

، وهناك مسلمٌ تاجرٌ مستأمَنٌ؛ حلَّ له أنْ يشتريه منهم، فيأكل الطعام من ذلك، ويطَأَ الجاريةَ، لأنَّهم ملكوها بالإحراز؛ فالتحقتْ بسائر أملاكهم، وهذا بخلاف ما لو دخل إليهم تاجرٌ بأمانٍ فسرق منهم جاريةً وأخرجها؛ لم يحلَّ للمسلم أن يشتريها منه، لأنَّه أحرزَها على سبيل الغدر، وهو مأمورٌ بردِّها عليهم

(1)

أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي الشيرازي ثم البغدادي (ت: 476/ 1083): من أئمة الشافعية، كان مرجع الطلاب ومفتي الأمة في عصره، واشتهر بقوة الحجة في الجدل والمناظرة. وله تصانيف كثيرة، منها:«التنبيه» و «المهذَّب» في الفقه، و «طبقات الفقهاء» ، و «اللمع» في أصول الفقه. مترجم في «سير أعلام النبلاء» (18/ 452:237).

(2)

«المهذَّب» (2/ 264).

(3)

أحرزوه: جعلوه في حِرزهم، أي: ضموه إلى أموالهم، وحفظوه معها.

ص: 87

فيما بينه وبين رَبِّه، وإِنْ كان لا يُجبره الإمامُ على ذلك، لأنَّه غَدَرَ بأمان نفسه، لا بأمان الإمام. فأمَّا هاهنا هذا المِلْكُ تامٌّ للَّذي أحرزَها، بدليل أنَّه لو أسلم، أو صار ذميًّا؛ كانت سالمةً له، ولا يُفتَى بردِّها. فلهذا حلَّ للمشتري منه وطؤُها، وهذا للفقه الذي قلنا: إنَّ العصمة الثابتة بالإحراز بدار الإسلام تنعدم عند تمام إحراز المشركين إيَّاها، وهذا بخلاف ما إذا كانت مدبَّرةً، أو أُمَّ ولدٍ، أو مكاتبَةً

(1)

. فإنَّها لم تصرْ مملوكةً بالإحراز، فلا يحلُّ للتَّاجر أن يشتريها منهم، ولا أن يطأَها، ألا ترى أنَّهم لو أسلموا، أو صاروا ذمةً؛ وجب عليهم ردُّها على المالك القديم، فتكون على مِلْكِه كما كانت».

(2)

وقال العلامة النَّوويُّ رحمه الله

(3)

: «دخلَ مسلمٌ دارَ الحرب بأمانٍ،

(1)

المدبَّر: هو أن يعتق السيِّدُ عبدَه أو أمته عن دُبُرٍ، وهو ما بعد الموت. فهو عتقٌ معلَّق بشرط وهو موت المعتِقِ.

وأمُّ الولد: هي الأمة التي ولدت من سيدها في ملكه، فلا يجوز لسيدها بيعها ولا هبتها، بل تبقى في ملكه، فإن مات فهي حُرَّةٌ.

والمكاتبَة: معاقدة بين العبد وسيِّده، يكاتبُ السيِّدُ عبده أو أمتَه على مال مقسَّط، فإذا أدَّى إليه العبدُ تلك الأقساط صار معتقًا حرًّا.

انظر: «الموسوعة الفقهية» (11/ 124)(مادة: تدبير)، و (4/ 164) (مادة: استيلاد)، و (38/ 360) (مادة: مكاتبة).

(2)

«المبسوط» (10/ 61). وبعض ما تضمَّنه كلام السرخسي هذا من أحكام جزئية هي موضع خلاف بين الفقهاء، والتطرق إليها بالشرح والمقارنة خارج عن موضوع بحثنا، وغرضنا منه هو الاستشهاد لمسألة ردِّ المال الذي أخذه المسلم المستأمَنُ بغير حقٍّ، وهذا موضع اتِّفاق بين الفقهاء، ولله الحمد.

(3)

محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النوويُّ الشافعيُّ (ت: 676/ 1278): كان علامةً فقيهًا بارعًا حافظًا أمَّارًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر، تاركًا للملَّذات، أتقن علومًا شتى، وألَّف كتبًا مجوَّدة فاشتهرت وانتشرت، منها:«شرح صحيح مسلم» ، و «الأذكار» ، و «رياض الصالحين» ، و «المجموع شرح المهذَّب». مترجم في «تاريخ الإسلام» للذَّهبيِّ (15/ 324:340).

ص: 88

فاقترض منهم شيئًا، أو سرَقَ، وعاد إلى دار الإسلام؛ لزمه ردُّه، لأنَّه ليس له التعرُّضُ لهم إذا دخلَ بأمانٍ».

(1)

ص: 89