المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - مشروعية منح الكفار الحربيين الأمان، ووجوب الوفاء لهم به: - الدخول في أمان غير المسلمين وآثاره في الفقه الإسلامي

[عبد الحق التركماني]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم معالي الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي

- ‌تقريظ سماحة الشيخ العلامة أحمد المرابط الشنقيطي

- ‌تقديم فضيلة الشيخ الدكتورعبد الله شاكر الجنيدي

- ‌مقدمة المؤلِّف

- ‌الفصل الأول:مقدمة في عقد الأمان

- ‌1 - التعريف:

- ‌2 - مشروعيَّةُ مَنْحِ الكفَّارِ الحربيِّينَ الأمانَ، ووجوبُ الوفاءِ لهم به:

- ‌3 - جواز الدخول في أمان الكفَّار للحاجة

- ‌4 - ما ينعقد به الأمان

- ‌5 - التأسيس الفقهي لمسائل هذا الكتاب ووجه ارتباطها بالواقع المعاصر

- ‌الفصل الثاني:الآثار المترتبة على دخول المسلم في أمان غير المسلمين

- ‌تمهيد

- ‌الأثر الأول:تحريم خيانتهم والغدر بهمفي أنفسهم وأموالهم وأعراضهم

- ‌الأثر الثاني:معاملة الكفار على أساس أنَّهم يملكون أموالهم مِلْكًا صحيحًا،ولا يجوز للمسلم أن يستولي عليها إلا بوجهٍ أذن به الشَّرع الحنيف

- ‌الأثر الثالث:أنَّ المسلم في بلاد الكفَّار يجب عليه الالتزامُبأحكام الدِّين كما يجب عليه في بلاد الإسلام

- ‌الأثر الرَّابع:جوازُ معاملَتِهم بالبَيْعِ والشِّراءِ والهِبَةِوالقَرْضِ والرَّهْنِ وسائرِ المعاملاتِ المباحة

- ‌الأثر الخامس:أنَّ المسلمَ إذا دَخَلَ بلادَ الكفَّار الحربيِّينَ وكان يقصِدُ القيامَ بعمليَّاتٍ عسكريَّةٍ ضدَّهم، فأَظْهَرَ لهم طلبَ الدُّخولِ في أمانِهم، فأَعْطَوهُ الأمانَ، وسَمَحُوا له بدخول بلادهم؛ وَجَبَ عليهِ ـ ديانةً وأخلاقًا ـ الالتزامُ بعقد

- ‌الأثر السادس:إذا دَخَلَ جماعةٌ من المسلمين في أَمانِ قومٍ من الكفَّارِ الحربيِّينَ، ثم قامتِ الحربُ بينهم وبين جماعةٍ أُخرَى من المسلمين؛ لم يَجُزْ لأولئك المسلمينَ المستأمَنِين نصرةُ إخوانِهم المسلمينَ إلا بعدَ أَنْ يُلْغُوا عَقْدَ الأَمانِ

- ‌الأثر السابع:جواز السَّفَر بالقرآن حال العهد والأمان

- ‌الأثر الثَّامن:أنَّ المسلمينَ المستأمَنينَ في بلاد الكفَّار لا يقيمونَ الحدودَ بينهم، لعَدَمِ وُجودِ وِلايةٍ إسلاميَّةٍ عليهم، لكنَّهم يلتزمون بما يترتَّب على ارتكابِ المعاصي الموجِبَة للحدود من توبةٍ وصومٍ وكفارةٍ ودِيَةٍ، ونحو ذلك

- ‌الأثر التاسع:أنَّ المسلمَ المقيمَ في بلاد الكفَّار ينبغي عليه أَنْ يُعاملهم بالحسنَى ويَدْعُوَهم إلى الإسلام، ويتألَّفَهم بموافقتهم في غيرِ ما حرَّمه الله تعالى

- ‌الأثر العاشر:يجبُ على المسلم أَنْ يحفَظَ لمن أحسن إليه من الكفَّار جميلَه، ويشكرَه على إِحسانِه، ويقابلَه بالوفاء وجميل الذِّكْر وإِرادة الخير

- ‌الخاتمة

- ‌أولًا:في محور النتائج

- ‌ثانيًا:في محور التوصيات

- ‌مصادر الكتاب

الفصل: ‌2 - مشروعية منح الكفار الحربيين الأمان، ووجوب الوفاء لهم به:

‌2 - مشروعيَّةُ مَنْحِ الكفَّارِ الحربيِّينَ الأمانَ، ووجوبُ الوفاءِ لهم به:

تبيَّن لنا من المبحث السابق أنَّ للأمان صورتين:

الأولى: دخول غير المسلم في أمان المسلمين.

والثانية: دخول المسلم في أمان غير المسلمين.

وأرى من المناسب أن أقدِّم بذكر نبذةٍ في تقرير الصورة الأولى، وإن كانت خارجةً عن موضوع بحثنا هذا، ولها أحكام تفصيلية مذكورة في كتب الفقه؛ ولكنَّ الإشارةَ إليها مفيدةٌ لتعلُّقها بموضوعنا من جهة أنَّ الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم قد أوجبَا على المسلم الوفاء بعهد الأمان والالتزام بموجباته في كلا الحالتين. فكما أنَّ المسلمَ يحبُّ أن يُعامَل بالصدق والوفاء ويتوقَّى الغدرَ والخيانةَ؛ فكذلك يجب عليه شرعًا أنْ يُعامِل غيرَه على أساسٍ متينٍ من المبادئ السامية، والأخلاق القويمة؛ فلا يُقامُ الدِّينُ ولا تصلح حياة البشرية إلا بالتعايش بينهم بقواعد مشتركة، أهمُّ معالمها: العدلُّ والالتزام بالعهود والمواثيق.

لقد اتَّفق العلماءُ على مشروعيَّة منح الكافر الأمان في دخول بلاد الإسلام والإقامة فيها مدَّة معيَّنةً؛ إِنْ دعت الحاجةُ إلى ذلك، وكان فيه مصلحةٌ

(1)

، والأصل في هذا قوله تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ} [التوبة: 6].

(1)

انظر: «الأوسط» (11/ 255)، و «الإجماع» (ص 64)، و «المغني» (12/ 79)، وما سيأتي من الأدلة وأقوال أهل العلم.

ص: 34

قال أبو بكر ابن العربي رحمه الله

(1)

: «استجارك: معناه سأل جوارك، أي: أمانك وذِمَامك، فأعطه إيَّاه ليسمع القرآن، فإن قبل أمرًا فحسن، وإن أبَى فرُدَّه إلى مأمنه. والآية إنَّما هي فيمن يريد سماع القرآن، والنظر في الإسلام، فأما الإجارة لغير ذلك فإنما هي لمصلحة المسلمين، والنظر فيما يعود عليهم به منفعته» .

(2)

وعن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:«ذِمَّةُ المسلمينَ واحدةٌ، يَسْعَى بها أدناهُم، فمَنْ أَخفَرَ مسلمًا؛ فعليه لعنةُ الله والملائكةِ والنَّاسِ أجمعينَ، لا يُقبَلُ منه صرفٌ ولا عَدْلٌ» .

(3)

قال ابن حجر رحمه الله

(4)

: «قوله: «ذمة المسلمين واحدة» أي: أمانُهم صحيحٌ، فإذا أمَّن الكافرَ واحدٌ منهم حرم على غيره التعرُّض له، وللأمان شروط معروفة، وقال البيضاويُّ

(5)

: الذِّمَّةُ: العهد، سُمِّي بها لأنه يُذَمُّ متعاطيها

(1)

محمد بن عبد الله بن محمد المعافريُّ الأندلسيُّ (ت: 543/ 1148)، من أئمة المالكية، فقيه محدِّث مفسر أصولي أديب متكلِّم. له مؤلفات كثيرة منها:«عارضة الأحوذي في شرح الترمذي» ، و «القبس في شرح موطأ مالك بن أنس» و «العواصم من القواصم» ، و «أحكام القرآن». مترجم في:«سير أعلام النبلاء» (20/ 197:128).

(2)

«أحكام القرآن» (2/ 458)، ونقله القرطبيُّ في «الجامع لأحكام القرآن» [التوبة: 6]، وقال:«وهذا لا خلاف فيه» .

(3)

أخرجه البخاريُّ في «الصحيح» (1870)، ومسلم في «الصحيح» (1370).

(4)

أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد العَسْقَلاني الشافعي (ت: 852/ 1448) عالم محدِّث فقيه، صاحبُ أشهر شرح لصحيح الإمام البخاري، أصله من عسقلان بفلسطين، ومولده ووفاته بالقاهرة. مترجم في «الأعلام» (1/ 178).

(5)

أبو الخير عبدُ الله بن عمر بن محمد البيضاويُّ (ت: 691/ 1292)، قاضٍ وفقيه أصولي متكلِّم، ولد في مدينة البيضاء قرب شيراز، وتوفي في تبريز. من مؤلفاته:«المنهاج الوجيز» في أصول الفقه، وتفسيره الشهير:«أنوار التنزيل وأسرار التأويل» . مترجم في «الأعلام» (4/ 110).

ص: 35

على إضاعتها. وقوله: «يسعى بها» أي: يتولاها ويذهب ويجيء، والمعنى: أن ذمة المسلمين سواء صدرت من واحد أو أكثر شريف أو وضيع، فإذا أمَّن أحدٌ من المسلمين كافرًا وأعطاه ذمةً لم يكن لأحد نقضه، فيستوي في ذلك الرجل والمرأة والحرُّ والعبد، لأن المسلمين كنفس واحدة. وقوله:«فمن أخفر» أي: نقض العهد، يقال: خفرته بغير ألف: أمَّنته، وأخفرته: نقضت عهده».

(1)

وقد وردت أحاديث صحيحة في بيان أهمية الوفاء للمعاهَد بعهده، ووجوب المحافظة على حياته، والتحذير من الغدر به:

فعَنْ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:«مَنْ قَتَلَ نَفْسًا معاهَدًا؛ لم يَرَحْ رائحةَ الجنَّةِ، وإنَّ ريحها تُوجَدُ من مسيرةِ أربعينَ عامًا» .

(2)

وفي روايةٍ: «مَنْ قتل قتيلاً من أهل الذِّمَّة؛ لم يجد ريحَ الجنة، وإنَّ ريحها ليُوجَد من مسيرةِ أربعينَ عامًا» .

(3)

وعن أبي بكرة الثَّقَفيِّ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قتلَ معاهَدًا في غير كُنْهِهِ؛ حرَّمَ الله عليه الجنَّةَ» .

(4)

(1)

«فتح الباري شرح صحيح البخاري» (4/ 112:1870).

(2)

أخرجه البخاري في «الصحيح» (3166 و 6914)، وابن ماجه في «السنن» (2686).

(3)

صحيح: أخرجه أحمد في «المسند» (2/ 186:6745)، والنسائي في «المجتبى» (8/ 25:4750)، وفي «السنن الكبرى» (6952 و 8742).

(4)

صحيح: أخرجه أحمد في «المسند» (5/ 36:20377)، وفي (5/ 39:20403)، والدارمي في «السنن» (2504)، وأبو داود في «السنن» (2760)، والنسائي في «المجتبى» (8/ 25:4747)، وفي «السنن الكبرى» (6949)، وابن الجارود في «المنتقى» (835 و 1070)، والحاكم في «المستدرك» (2/ 142)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.

وقوله: «في غير كنهه» قال ابن الأثير في «النهاية» (مادة: كنه): «كُنْهُ الأمْر: حَقيقته. وقيل: وَقْته وقَدْرُه. وقيل: غايَتُه. يعني: مَن قَتَله في غيْرِ وَقْته أو غايةِ أمْرِه الذي يجوز فيه قَتْلُه» .

ص: 36

وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَلا مَنْ قتَلَ نَفْسًا معاهَدًا، له ذِمَّةُ الله وذِمَّةُ رسولِهِ؛ فقد أَخْفَرَ بذِمَّة الله، فلا يُرَحْ رائحةَ الجنَّة، وإنَّ ريحها ليوجَدُ من مسيرةِ سبعينَ خريفًا» .

(1)

فدلَّت آية الاستجارة وهذه الأحاديثُ: على أنَّ من قدم من دار الحرب إلى دار الإسلام في أداء رسالةٍ، أو في تجارةٍ أو طلب علمٍ أو سياحةٍ، أو في طلب صلحٍ أو مهادنةٍ، أو في غير ذلك من الأسباب؛ فطلب من الإمام، أو نائبه أمانًا؛ أُعطي أمانًا ما دام متردِّدًا في دار الإسلام، وحتى يرجع إلى مأمنه ووطنه.

(2)

وهذا الحكم يشمل الذميَّ الذي اختار المواطنة الدَّائمة في بلدٍ إسلاميٍّ من باب الأولى، فقتله أعظم من قتل المعاهَد والمؤمَّن لمدَّةٍ محدَّدةٍ

(3)

، لهذا ترجم البخاريُّ رحمه الله

(4)

على الحديث الأول بقوله: «بابٌ: إثم مَن قتل ذميًّا بغير جُرمٍ» . وقال ابن حجر في شرحه: «كذا ترجم بالذِّميِّ، وأورد الخبرَ في المعاهد، وترجم في «الجزية» بلفظ: «من قتل معاهدًا» ؛ كما هو ظاهر الخبر،

(1)

أخرجه ابن ماجه في «السنن» (2687)، والترمذي في «الجامع» (1403)، والحاكم في «المستدرك» (2/ 127). وقال الترمذي:«حسن صحيح» ، وصححه الحاكم على شرط مسلم، وصححه الألباني في «صحيح ابن ماجه» (2176).

(2)

قال بنحو هذا ابنُ كثير: «تفسير القرآن العظيم» [التوبة: 6].

(3)

«نهاية المحتاج» (7/ 246)، و «حاشية الجمل» (5/ 2).

(4)

أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاريُّ (ت: 256/ 780): الإمامُ الحافظ صاحب «الجامع الصحيح» المشهور بصحيح البخاري. وكان آية في الحفظ والفقه وسعة العلم والذكاء. ولد في بخارَى ونشأ يتيمًا، قام برحلة طويلة في طلب العلم، وتوفي في خَرْتَنك؛ قرية من قُرى سمرقند. مترجم في «سير أعلام النبلاء» (12/ 391:171).

ص: 37

والمراد به من له عهد مع المسلمين، سواء كان بعقدِ جزيةٍ، أو هدنةٍ من سلطان، أو أمانٍ من مسلم، وكأنه أشار بالترجمة هنا إلى روايةٍ للحديث بلفظ:«من قتل قتيلاً من أهل الذِّمَّةِ» .».

(1)

وفي هذه الأحاديث تعظيم الجناية على الكافر المعاهَد بالقتل، وهذا الوعيد الشديد يدلُّ على أنَّه من كبائر الذنوب، ولا فرق ـ من هذه الجهة ـ بين المسلم أو غير المسلم بغير حقٍّ، لهذا عدَّ ابنُ حجر الهيتَميُّ

(2)

من الكبائر: «قتل المسلم أو الذميِّ المعصوم؛ عمدًا أو شبه عمدٍ» . ثُمَّ ساقَ الآياتِ والأحاديثَ العامَّةَ في التَّرْهيبِ من القتل وتعظيم الدماء

(3)

، فكلُّ ما ورد في ذلك يشمل قاتل غير المسلم بغير حقٍّ.

(1)

«فتح الباري» (12/ 323:6914). والرواية المشار إليها تقدمت في حديث ابن عمرو رضي الله عنه.

(2)

أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي (ت: 974/ 1567): فقيه شافعي، اشتهر بكثرة مؤلفاته، منها:«الصواعق المحرقة على أهل البدع والضلال والزندقة» و «تحفة المحتاج بشرح المنهاج» و «الفتاوى» . مترجم في «الأعلام» (1/ 234).

(3)

«الزواجر عن اقتراف الكبائر» (الكبيرة: 313).

ص: 38