الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأثر الخامس:
أنَّ المسلمَ إذا دَخَلَ بلادَ الكفَّار الحربيِّينَ وكان يقصِدُ القيامَ بعمليَّاتٍ عسكريَّةٍ ضدَّهم، فأَظْهَرَ لهم طلبَ الدُّخولِ في أمانِهم، فأَعْطَوهُ الأمانَ، وسَمَحُوا له بدخول بلادهم؛ وَجَبَ عليهِ ـ ديانةً وأخلاقًا ـ الالتزامُ بعقد
الأمان، وحَرُمَ عليه الغدرُ بهم
ليس لهذا الأثر تعلُّق بواقع المسلمين المقيمين في بلاد الغرب، لأنَّهم جاؤوا إليها طلبًا للأمان وأسباب المعيشة والاستقرار، ولكنه لا يخلو من فائدةٍ في بيان ما في كلام فقهاء الإسلام من تأصيلاتٍ رائعةٍ للعلاقات الدَّولية في حالتَي الحرب والسِّلم، وتعظيمٍ للعهود والمواثيق، وتأكيدٍ على الالتزام بها على وجهِ التديُّنِ لله عز وجل.
قال السَّرخسيُّ رحمه الله: «ولو أنَّ رهطًا من المسلمين أتوا أوَّل مَسَالِحِ
(1)
أهل الحرب؛ فقالوا: نحن رسلُ الخليفة. وأخرجوا كتابًا يشبه كتاب الخليفة، أو لم يخرجوا، وكان ذلك خديعةً منهم للمشركين. فقالوا لهم: ادخلوا. فدخلوا دار الحرب؛ فليس يحلُّ لهم قتل أحدٍ من أهل الحرب، ولا أخذ شيءٍ من أموالهم ما داموا في دارهم. لأنَّ ما أظهروه لو كان حقًّا كانوا في أمانٍ من أهل الحرب، وأهل الحرب في أمانٍ منهم أيضًا، لا يحلُّ لهم أن يتعرَّضوا لهم بشيءٍ.
(1)
المسالح جمع: المسلَح والمسلَحة: موضع السلاح وكلُّ موضعِ مخافةٍ يقف فيه الجندُ بالسلاح للمراقبة والمحافظة، والقومُ المسلَّحون في ثغرٍ أو مخفرٍ للمحافظة. كذا في «المعجم الوسيط» (مادة: سلح)، والمراد ما يُشبه في هذا العصر قوَّة حماية الحدود.
والحكم في الرُّسل إذا دخلوا إليهم كما بيَّنا. فكذلك إذا أظهروا ذلك من أنفسهم، لأنَّه لا طريق لهم إلى الوقوف على ما في باطن الدَّاخلين حقيقةً، وإنَّما يُبنَى الحكم على ما يظهرون لوجوب التَّحرُّزِ عن الغدر، وهذا لما بيَّنا: أنَّ أمر الأمان شديدٌ، والقليلُ منه يكفي. فيُجعَلُ ما أظهروه بمنزلة الاستئمان منهم، ولو استأمَنُوا فآمَنُوهم؛ وجَبَ عليهم أن يفُوا لهم، فكذلك إذا ظهر ما هو دليل الاستئمان. وكذلك لو قالوا: جئنا نريد التجارةَ. وقد كان قصدهم أن يغتالوهم، لأنَّهم لو كانوا تُجَّارًا حقيقةً كما أظهروا؛ لم يحلَّ لهم أن يغدروا بأهل الحرب، فكذلك إذا أظهروا ذلك لهم».
(1)
(1)
«شرح كتاب السير الكبير» (2/ 508)، وأطال السرخسي في ذكر صور وتفاصيل هذه المسألة.