الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - التعريف:
الأمان لغةً:
قال ابنُ فارسٍ رحمه الله
(1)
: «أَمن ـ الهمزة والميم والنون ـ أصلان متقاربان: أحدهما: الأمانة التي هي ضد الخيانة، ومعناها: سكون القلب. والآخر: التصديق. والمعنيان كما قلنا متدانيان. قال الخليلُ
(2)
: الأَمَنَة من الأمن، والأمان إعطاء الأمنة، والأمانة ضد الخيانة».
(3)
وقال الراغبُ الأصفهانيُّ رحمه الله
(4)
: «أصل الأمْنِ: طمأنينة النفس، وزوال الخوف، والأمن والأمانة والأمان في الأصل مصادر [للفعل: أَمِنَ]، ويجعل الأمان تارة اسمًا للحالة التي يكون عليها الإنسان في الأمن، وتارة اسمًا لما يؤمَّن عليه الإنسانُ نحو قوله تعالى:{وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} [الأنفال: 27]
(1)
أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي (ت: 395/ 1004 م)، من أئمة اللغة والأدب. من تصانيفه:«مقاييس اللغة» ، و «الصَّاحبي» في علم العربية. ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذَّهَبيِّ (17/ 103 الترجمة: 65).
(2)
الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري (170/ 786)، عالم اللغة والنحو، ومنشئ علم العروض. من تصانيفه:«كتاب العين» وهو أوّل معجم في العربية. مترجم في «سير أعلام النبلاء» (7/ 429: 161).
(3)
«معجم مقاييس اللغة» (1/ 134).
(4)
أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الرَّاغب الأصفهاني (ت: 502/ 1108)، عالم لغوي وأديب، ومفسِّر متكلِّم، من تصانيفه:«محاضرات الأدباء» ، و «الذريعة إلى مكارم الشريعة» ، و «المفردات في غريب القرآن». مترجم في:«سير أعلام النبلاء» (18/ 120:60).
أي: ما ائتمنتم عليه».
(1)
وقال المُنَاويُّ رحمه الله
(2)
: «الأمْنُ: عدم توقُّعِ مكروهٍ في الزَّمَن الآتي» .
(3)
والأَمِنُ ـ ككَتِف ـ: المستجير ليأمن على نفسه. واستأمنه: طلب منه الأمان. واستأمن إليه: دخل في أمانه. والمأمن: موضع الأمان
(4)
واستأمن الحربيُّ: استجار، ودخل دار الإسلام مستأمَنًا، وهؤلاء قومٌ مستأمَنَةٌ.
(5)
والمستأمِنُ ـ بكسر الميم ـ: اسم فاعلٍ. وهو الطالب للأمان، وبفتحه: اسم مفعول، وهو من أعطي الأمان، والسين والتاء للصيرورة: أي من صار مؤامنًا.
الأمان اصطلاحًا:
هذا ما يتعلَّق بلفظ الأمان ودلالاته اللُّغويَّة، أما في بحثنا هذا فنقصِدُ بالأمان ما اصطلح عليه الفقهاء في كتبهم من إطلاقه على:«عقد الأمان أو صكِّه»
(6)
أي: الأمان بمعناه الديني والسياسي والقانوني، وهو عقد ملزم تترتَّب عليه نتائج وآثار، بخلاف الأمان النفسي، فهو شعور وجدانيٌّ لا ينضبط، وتتفاوت مراتبُ النَّاسِ فيه، فبعضهم تسْكُنُ نفسه ويطمئنُّ قلبه بأدنَى مظنَّةِ أمانٍ،
(1)
«المفردات في غريب القرآن» (مادة: أمن).
(2)
زين الدين عبد الرؤوف المناوي القاهري (ت: 1031/ 1622) مصنِّف شهير في العلوم الشرعية واللغوية. من كتبه «فيض القدير شرح الجامع الصغير للسيوطي» و «شرح الشمائل المحمدية للترمذي» و «شرح القاموس المحيط» . مترجم في: «الأعلام» للزِّرِكليِّ (6/ 204).
(3)
نقله الزَّبيدي في «تاج العروس» (مادة: أمن).
(4)
«تاج العروس» (مادة: أمن).
(5)
الزمخشري: «أساس البلاغة» (مادة: أمن).
(6)
انظر: «الموسوعة الفقهية» (6/ 233، مادة: أمان).
وبعضهم لا يزال في شكِّه وقلقه واضطرابه وإن تقلَّب في رياضٍ آمنةٍ، واجتمعت له أسباب الطمأنينة والسكينة والسعادة، وهذا حال أكثر النَّاس، كما قال ربُّنا سبحانه:{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13]، وقال تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [البقرة: 243]؛ وما أشبه حال كثيرٍ من اللاجئين إلى البلاد الغربيِّة بهذا، فإنَّ كثيرًا منهم قد خرجوا من ديارهم حَذَرَ الفقر والمرض والظلم والاضطهاد والموت، فبلَّغهم الله تعالى مأْمَنَهم، وأحياهم خير حياةٍ في المأكل والملبس والمسكن، ومع ذلك تجد أكثرهم متذمِّرين ساخطين، قلقين مضطربين؛ لأنَّهم قومٌ لا يشكرون!
والمقصود بالمستأمَن: «من يدخل دار غيره بأمانٍ؛ مسلمًا كان أو حربيًّا»
(1)
، وهو في بحثنا هذا: المسلمُ الذي يدخل دار غير المسلمين بأمانٍ.
مصطلحات ذات صلة بموضوع البحث:
الجِوَارُ: مِنْ أجارَ الرجلَ إجارةً: خَفَرَهُ. واستجاره: سأله أن يجيره. وفي التنزيل العزيز: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} [التوبة: 6]، قال الزَّجَّاجُ
(2)
: المعنى: إنْ طلب منك أحدٌ من أهل الحرب أن تُجيره من القتل إلى أن يسمع كلام الله؛ فأجره، أي: أَمِّنه، وعرِّفه ما يجب عليه أن يعرفه من أمر الله تعالى الذي يتبيَّن به الإسلامُ، ثم أبْلِغْهُ مأمنه، لئلا يُصابَ بسوءٍ قبلَ انتهائه إلى مأمنه. ويقال للذي يستجير بك: جارٌ. وللذي يُجير:
(1)
انظر: «رد المحتار على الدر المختار» (4/ 166).
(2)
أبو إسحاق إبراهيم بن السَّري بن سهل الزَّجَّاج (ت: 311/ 923): عالم بالنحو واللغة، ولد ومات في بغداد. من كتبه:«معاني القرآن» . مترجم في: «سير أعلام النبلاء» (14/ 360:209).
جارٌ. والجار: الذي أجرته من أن يظلمه ظالم. والجار والمجير: هو الذي يمنعك ويجيرك. واستجاره من فلان فأجاره منه. وأجاره الله من العذاب: أنقذه. وفي الحديث: «ويُجير عليهم أدناهم»
(1)
أي: إذا أجار واحد من المسلمين ـ حُرٌّ أو عبدٌ أو امرأةٌ ـ واحدًا أو جماعةً من الكفار وخَفَرَهم وأَمَّنَهُم، جازَ ذلك على جميع المسلمين، لا يُنْقَضُ عليه جوارُه وأمانُه.
(2)
وكان الجوارُ معروفًا عند العرب في جاهليَّتها، وكان موافقًا لشرع الله تعالى، فأقرَّه الإسلام.
المعاهِد والمعاهَد: بالبناء للفاعل والمفعول، لأنَّ الفعل من اثنين، فكل واحدٍ يفعل بصاحبه مثل ما يفعله صاحبه به، فكل واحدٍ في المعنى فاعلٌ ومفعولٌ، وهذا كما يقال: مكاتِبٌ ومكاتَبٌ، ومضارِبٌ ومضارَبٌ، وما أشبه ذلك. والعهد: الأمان والموْثِقُ والذِّمَّةُ، ومنه قيل للحربيِّ يدخل بالأمانِ: ذو عهدٍ، ومعاهد أيضًا. وأكثر ما يطلق في الحديث على أهل الذِّمَّة، وقد يطلق على غيرهم من الكفَّار إذا صُولحوا على ترك الحرب مدَّةً ما.
(3)
(1)
أخرجه أحمد في «المسند» (2/ 180:6692)، وأبو داود في «السنن» (2751 و 4531)، وابن ماجه في «السنن» (2685)، وابن خزيمة في «الصحيح» (2280) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه:«والمسلمون يدٌ على مَنْ سواهم، تَكَافَأُ دماؤُهم، يُجِيرُ عليهم أدناهم، ويَردُّ عليهم أَقصاهم .. » . وإسناده حسنٌ، وله شاهد من حديث ابن عباس، ومن حديث معقل بن يسار، كلاهما عند ابن ماجه (2683 و 2684)، ومن حديث عائشة عند أبي يعلى في «المسند» (4757). ومن حديث علي بن أبي طالب، وسيأتي ذكره قريبًا.
(2)
«لسان العرب» لابن منظور (مادة: جور).
(3)
«لسان العرب» لابن منظور (مادة: عهد)، و «المصباح المنير في غريب الشرح الكبير» للفيومي (مادة: عهد).