المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 - جواز الدخول في أمان الكفار للحاجة - الدخول في أمان غير المسلمين وآثاره في الفقه الإسلامي

[عبد الحق التركماني]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم معالي الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي

- ‌تقريظ سماحة الشيخ العلامة أحمد المرابط الشنقيطي

- ‌تقديم فضيلة الشيخ الدكتورعبد الله شاكر الجنيدي

- ‌مقدمة المؤلِّف

- ‌الفصل الأول:مقدمة في عقد الأمان

- ‌1 - التعريف:

- ‌2 - مشروعيَّةُ مَنْحِ الكفَّارِ الحربيِّينَ الأمانَ، ووجوبُ الوفاءِ لهم به:

- ‌3 - جواز الدخول في أمان الكفَّار للحاجة

- ‌4 - ما ينعقد به الأمان

- ‌5 - التأسيس الفقهي لمسائل هذا الكتاب ووجه ارتباطها بالواقع المعاصر

- ‌الفصل الثاني:الآثار المترتبة على دخول المسلم في أمان غير المسلمين

- ‌تمهيد

- ‌الأثر الأول:تحريم خيانتهم والغدر بهمفي أنفسهم وأموالهم وأعراضهم

- ‌الأثر الثاني:معاملة الكفار على أساس أنَّهم يملكون أموالهم مِلْكًا صحيحًا،ولا يجوز للمسلم أن يستولي عليها إلا بوجهٍ أذن به الشَّرع الحنيف

- ‌الأثر الثالث:أنَّ المسلم في بلاد الكفَّار يجب عليه الالتزامُبأحكام الدِّين كما يجب عليه في بلاد الإسلام

- ‌الأثر الرَّابع:جوازُ معاملَتِهم بالبَيْعِ والشِّراءِ والهِبَةِوالقَرْضِ والرَّهْنِ وسائرِ المعاملاتِ المباحة

- ‌الأثر الخامس:أنَّ المسلمَ إذا دَخَلَ بلادَ الكفَّار الحربيِّينَ وكان يقصِدُ القيامَ بعمليَّاتٍ عسكريَّةٍ ضدَّهم، فأَظْهَرَ لهم طلبَ الدُّخولِ في أمانِهم، فأَعْطَوهُ الأمانَ، وسَمَحُوا له بدخول بلادهم؛ وَجَبَ عليهِ ـ ديانةً وأخلاقًا ـ الالتزامُ بعقد

- ‌الأثر السادس:إذا دَخَلَ جماعةٌ من المسلمين في أَمانِ قومٍ من الكفَّارِ الحربيِّينَ، ثم قامتِ الحربُ بينهم وبين جماعةٍ أُخرَى من المسلمين؛ لم يَجُزْ لأولئك المسلمينَ المستأمَنِين نصرةُ إخوانِهم المسلمينَ إلا بعدَ أَنْ يُلْغُوا عَقْدَ الأَمانِ

- ‌الأثر السابع:جواز السَّفَر بالقرآن حال العهد والأمان

- ‌الأثر الثَّامن:أنَّ المسلمينَ المستأمَنينَ في بلاد الكفَّار لا يقيمونَ الحدودَ بينهم، لعَدَمِ وُجودِ وِلايةٍ إسلاميَّةٍ عليهم، لكنَّهم يلتزمون بما يترتَّب على ارتكابِ المعاصي الموجِبَة للحدود من توبةٍ وصومٍ وكفارةٍ ودِيَةٍ، ونحو ذلك

- ‌الأثر التاسع:أنَّ المسلمَ المقيمَ في بلاد الكفَّار ينبغي عليه أَنْ يُعاملهم بالحسنَى ويَدْعُوَهم إلى الإسلام، ويتألَّفَهم بموافقتهم في غيرِ ما حرَّمه الله تعالى

- ‌الأثر العاشر:يجبُ على المسلم أَنْ يحفَظَ لمن أحسن إليه من الكفَّار جميلَه، ويشكرَه على إِحسانِه، ويقابلَه بالوفاء وجميل الذِّكْر وإِرادة الخير

- ‌الخاتمة

- ‌أولًا:في محور النتائج

- ‌ثانيًا:في محور التوصيات

- ‌مصادر الكتاب

الفصل: ‌3 - جواز الدخول في أمان الكفار للحاجة

‌3 - جواز الدخول في أمان الكفَّار للحاجة

هذه الصورة هي موضوع بحثنا، وهي عكس الصورة السابقة، حيث يكون المسلم ـ هاهنا ـ طالبًا للأمان لدى الكافر، فيكون الكافرُ مستأمِنًا له، والمسلم مستأمَنًا لديه.

وقد اتَّفق العلماء على جواز هذا العقد إِنْ دَعَت الحاجةُ إليه، وكانت فيه مصلحةٌ للمسلم

(1)

.

ولا شكَّ أنَّ العاقل ـ مسلمًا كان أو كافرًا ـ لا يدخل في عقدٍ ملزمٍ إلا بعد النَّظَر في حاجته إليه، وفي الآثار المترتبة عليه، فيوازن بين المصالح والمفاسد، ويختار ما هو الأصلح والأنفع له. والمسلمُ يقدِّم في نظره في هذا الأمر وفي سائر أموره مصلحةَ دينه، أما من لا يهتمُّ بأمر الدِّين فيقدِّم مصلحةَ دنياه

(2)

.

دخول النبي صلى الله عليه وسلم في أمان بعض المشركين:

وكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أوَّلَ من دخل في أمان الكفَّار، فكان في جوار عمِّه أبي طالبٍ، فكان له عَضُدًا، وحِرْزًا في أمره، ومَنَعَةً وناصرًا على قومه، فلمَّا هَلَكَ أبو طالبٍ ـ وذلك قبل الهجرة إلى المدينة بثلاث سنينَ ـ؛ نالتْ قريشٌ من

(1)

يتبيَّن هذا الاتفاق من الأدلة ونصوص العلماء الكثيرة التي نسوقها في هذا المبحث وما بعده.

(2)

ويتعلق بهذا النظرُ في حكم الإقامة في بلاد الكفار وشروطها وضوابطها، وهذه المسألة مشروحة في كتب التفسير وشروح السنة والفقه، وفيما كتبه العلماء والباحثون المعاصرون من فتاوى وأبحاث ودراسات مفردة، ولم أتطرق إليه هنا لأنَّ مقصود بحثي هو تجلية الحكم الفقهي لواقع موجود قائم، وليس بيان حكم وجوده.

ص: 39

رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالبٍ. فخرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يلتمسُ النُّصرةَ من ثقيفٍ، والمَنَعَةَ بهم من قومه، ورجاءَ أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله عز وجل، لكنَّهم لم يستجيبوا لدعوته، بل آذوه وأغروا به سفهاءَهم وعبيدَهم يسبُّونه ويصيحون به، فرجع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولم يُمكِنْهُ أَنْ يدخل مكَّةَ حتَّى دخل في جوارِ المُطْعِمِ بنِ عَدِيٍّ

(1)

.

دخول صدِّيق الأمة رضي الله عنه في أمان مشركٍ:

وكذلك دخل في جوار المشركين بمكَّة جماعةٌ من السَّابقين الأوَّلين، فمنهم خير هذه الأمة بعد نبيِّها: أبو بكرٍ الصِّديق رضي الله عنه.

قالت عائشة رضي الله عنها: لمَّا ابتليَ المسلمون، خرج أبو بكر مهاجرًا قِبَلَ الحبشة، حتَّى إذا بلغ بَرْكَ الغِمَادِ لقيه ابنُ الدَّغِنَةِ ـ وهو سيِّدُ القارَة

(2)

ـ، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أَسيحَ في الأرض، فأعبُدَ ربِّيَ. قال ابن الدغنة: إنَّ مثلك لا يَخرجُ، ولا يُخرجُ، فإنَّك تَكْسِبُ المعدومَ، وتَصِلُ الرَّحمَ، وتحمل الكَلَّ، وتَقْرِي الضيفَ، وتعين على نوائب الحقِّ، وأنا لك جارٌ، فارجع فاعبد ربَّك ببلادك. فارتحل ابنُ الدغنة، فرجع مع أبى بكرٍ، فطاف في أشراف كفار قريشٍ، فقال لهم: إنَّ أبا بكر لا يَخْرُجُ مثلُه، ولا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رجلاً يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكلَّ، ويَقري الضيفَ، ويعين علَى نوائب الحقِّ؟! فأنفذتْ قريش جوار ابن الدَّغنة، وأَمَّنُوا أبا بكر، وقالوا لابن الدغنة: مُرْ أبا بكر فليعبد ربَّه في داره، فليصلِّ وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به، فإنَّا قد

(1)

«السيرة النبوية» لابن هشام (1/ 419)، وسيأتي ذكر قصة أبي طالب والمطعم بن عديٍّ بتمامها مع التخريج في آخر هذا الكتاب.

(2)

القارة: قبيلة موصوفة بجودة الرمي. وهم: بنو الهون بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، سموا بذلك لأنهم في بعض حربهم لبني بكر صفوا في قارة، وقال ابن دريد: القارة أكمة سوداء فيها حجارة. «عمدة القاري» للعَيْنيِّ (12/ 124).

ص: 40

خشينا أن يفتن أبناءَنا ونساءَنا! قال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر، فطفق أبو بكر يعبدُ ربَّه في داره، ولا يستعلنُ بالصلاة ولا القراءة في غير داره، ثم بدا لأبي بكرٍ فابتنى مسجدًا بفناء داره، وبَرَزَ، فكان يصلِّي فيه، ويقرأ القرآنَ، فيتقصَّف عليه نساءُ المشركين وأبناؤهم، يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلاً بكَّاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفْزَعَ ذلك أشرافَ قريشٍ من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدَّغِنة فقَدِمَ عليهم، فقالوا له: إنَّا كنَّا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربَّه في داره، وإنَّه جاوز ذلك، فابتنى مسجدًا بفناء داره، وأعلن الصلاة والقراءة، وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فأْتِهِ؛ فإن أحبَّ أن يقتصر على أن يعبد ربَّه في داره فعل، وإن أبَى إلا أن يعلن ذلك فسَلْهُ أن يرد إليك ذمَّتك، فإنا كرهنا أن نُخْفِرَكَ، ولسنا مقرِّين لأبي بكر الاسْتعلانَ. قالت عائشة: فأتى ابنُ الدغنة أبا بكر، فقال: قد علمت الذي عقدت لك عليه، فإمَّا أن تقتصر على ذلك، وإما أن تردَّ إليَّ ذِمَّتِي، فإنِّي لا أحبُّ أن تسمع العربُ أنِّي أُخفرتُ في رجلٍ عقدتُ له. قال أبو بكر: إنِّي أردُّ إليك جواركَ، وأرضَى بجوار الله.

(1)

(1)

أخرجه أحمد في «المسند» (6/ 198:25626)، والبخاري في «الصحيح» (2298 و 3906)، وابن خزيمة في «الصحيح» (265)، وابن حبان في «الصحيح» (2677 و 6868).

قال المهلَّبُ بنُ أبي صُفرة الأزديُّ (ت: 435/ 1044 م) رحمه الله: «هذا الجوار كان معروفًا بين العرب، وكان وجوه العرب يجيرون من لجأ إليهم واستجار بهم، وقد أجار أبو طالب النبيَّ عليه السلام، ولا يكون الجوار إلا من الظلم والعداء، ففي هذا من الفقه: أنه إذا خشي المؤمن على نفسه من ظالم؛ أنه مباح له، وجائز؛ أن يستجير بمن يمنعه ويحميه من الظلم، وإن كان مجيره كافرًا، إن أراد الأخذ بالرخصة، وإن أراد الأخذ بالشدة على نفسه؛ فله ذلك، كما ردَّ أبو بكر الصديق على ابن الدغنة جواره، ورضي بجوار الله وجوار رسوله عليه السلام، وأبو بكر يومئذ من المستضعفين، فآثر الصبر على ما يناله من أذى المشركين محتسبًا على الله، وواثقًا به، فوفَّى الله له ما وثق به فيه، ولم ينله مكروه؛ حتى أذن الله لنبيه في الهجرة، فخرج أبو بكر معه ونجاهم الله تعالى، من كيد أعدائهما حتى بلغ مراده تعالى من إظهار النبوة وإعلاء الدين، وكان لأبي بكر في ذلك من الفضل والسبق في نصرة نبيِّه وبذل نفسه وماله في ذلك ما لم يَخْفَ مكانُه، ولا جهل موضعه» . نقله ابن بطَّال القرطبيُّ (ت: 449/ 1057) في «شرح صحيح البخاري» (6/ 430).

ص: 41

دخول جماعة من السابقين الأوَّلين رضي الله عنهم في أمان قومٍ مشركين:

ومنهم: جماعة من الصحابة الذين رجعوا من الحبشة عندما بلغهم إسلام أهل مكَّة.

قال ابن إسحاق رحمه الله

(1)

: «وبلغ أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خرجوا إلى أرض الحبشة إسلامُ أهل مكة، فأقبلوا لما بلغهم من ذلك، حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن ما كانوا تحدَّثوا به من إسلام أهل مكة كان باطلاً، فلم يدخل منهم أحدٌ إلا بجوارٍ أو مستخفيًا. فكان من دخل منهم بجوارٍ ـ فيمن سُمِّيَ لنا ـ: عثمان بن مظعون بن حبيب الجُمَحيُّ، دخل بجوارٍ من الوليد بن المغيرة. وأبو سلمةَ ابنُ عبدِ الأسد بن هلال بن عبد الله بن عُمَر بن مخزومٍ، دخل بجوارٍ من أبي طالب بن عبد المطلب، وكان خالَه، وأُمُّ أبي سلمة: بَرَّةُ بنتُ عبد المطَّلب» .

(2)

السابقون الأولون رضي الله عنهم واللجوء الجماعيُّ إلى دولة عادلة:

إنَّ الأمثلة السابقة تمثل دخول شخصٍ أو بعض الأشخاص في حماية شخصٍ آخرَ، وذلك لما لذلك الشخص من منزلة ونفوذ في مجتمعه لأسباب

(1)

محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني (ت: 151/ 768): محدِّث حافظ، من أقدم مؤرخي الإسلام، من أهل المدينة، سكن بغداد فمات فيها، له:«السيرة النبوية» هذَّبَها ابنُ هشام. مترجم في «سير أعلام النبلاء» (7/ 33:15).

(2)

«السيرة النبوية» لابن هشام (1/ 364).

ص: 42

طَبَقِيَّةٍ أو اجْتِماعِيَّةٍ، وهذا هو «الجوار» الذي كان من الأعراف الجاهلية المصانة، وكان موافقًا لشرع الله تعالى، فأقرَّه الإسلام، وجعله ملزمًا ديانةً.

أما الهجرة إلى الحبشة فهو مثالٌ آخرُ، أكثر أهميةً وأثرًا، وأشبه بنظام «اللجوء السياسي» أو «الإنساني» الذي جَعلت له الدول الكبرى في العصر الحديث قوانين وقواعد ملزمة لجميع الدول، ولا شكَّ أنَّه من محاسن الحضارة الغربيَّة، ومن الرأفة والرحمة التي جعلها الله تعالى في قلوب أهلها، كما قال تعالى:{وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً} [الحديد: 27].

إنَّ إيواء المظلوم، وإغاثة الملهوف، ورحمة الضعيف؛ ممَّا ترشد إليه الفطر السليمة، والنفوس الشريفة، وإن كانت في وثنيَّة العرب، أو نصرانيَّة الحبشة، وقد جاء الدِّينُ الصَّحيح بإتمام هذه المعاني النبيلة، والتأكيد عليها، ونقلها من ممارساتٍ اجتماعيةٍ تُقصَدُ بها الوجاهةُ أو الشهرةُ أو الثناءُ العاجل، إلى عبادةٍ خالصةٍ لله تعالى، يقصد بها وجه الله تعالى والفوز بالجنات الخالدة والسعادة الأبدية.

سياق قصة الهجرة إلى الحبشة:

فلنذكر قصَّة الهجرة إلى الحبشة، ثم نستلخص منها بعض الفوائد والعبر:

قال ابن إسحاق رحمه الله وقد ذكر جانبًا من صدِّ قريشٍ عن دعوة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، واستكبارهم عنها، وعداوتهم لها ـ: «ثم إنَّهم عَدَوْا على من أسلم واتَّبع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه، فوثَبَتْ كلُّ قبيلة على من فيها من المسلمين فجعلوا يحبسونَهم، ويعذِّبونهم بالضَّرب والجوع والعَطَشِ، وبرَمْضَاءِ مكَّةَ إذا اشتدَّ الحرُّ، من استَضْعَفُوا منهم؛ يفتنونهم عن دينهم، فمنهم من يُفتن من شدَّة البلاء الذي يُصيبُه، ومنهم من يَصْلُب لهم، ويَعصِمُه الله منهم

فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة، مخافةَ الفتنة، وفرارًا

ص: 43

إلى الله بدينهم؛ فكانت أوَّلَ هجرةٍ كانت في الإسلام».

(1)

وهذه الهجرة الأولى إلى الحبشة كانت في شهر رجبٍ من سنة خمسٍ من البعثة النبويَّة، وكان المهاجرون عشرةً من الرجال، وأربع نسوة، أشهرهم: عثمانُ بن عفان رضي الله عنه، معه امرأته: رُقيَّةُ بنتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنها، والزُّبيرُ بن العوَّام، ومُصعب بن عُمَير، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي معه امرأته: أمُّ سلمة، وعثمان بن مظعون رضي الله عنهم أجمعين

(2)

. ولم يطل مكثهم في الحبشة، إذ بلغتهم الأخبار بأنَّ أهل مكة قد أسلموا، فرجعوا في شوال من السنة نفسها، فلمَّا اقتربوا من مكَّة، علموا بعدم صحَّة ما بلغهم، فمنهم من رجع إلى الحبشة، ومنهم من دخل مكَّة مستخفيًا أو في جوار رجل من قريشٍ ـ كما سلف ذكره ـ.

واستمرت قريشٌ في عدائها للدعوة، واشتدَّت في إيذائها للمؤمنين، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه المستضعفين بالهجرة مجدَّدًا، فكانت الهجرة الثانية إلى الحبشة، وكان العدد كبيرًا، يزيد على ثمانين رجلاً وإحدى عشرةَ امرأة

(3)

، فأدركت قريش خطورة هذا الأمر، وأرسلت إلى الحبشة وفدًا لاسترداد اللاجئين إليها.

حديثُ أمِّ سلمة رضي الله عنها في هجرة الحبشة:

لقد حفظتْ لنا أُمُّ المؤمنين أُمُّ سلمةَ جانبًا مهمًّا من قصَّتهم في الحبشة فأجادت وأفادت رضي الله عنها

(4)

.

(1)

«السيرة النبوية» لابن هشام (1/ 317 و 321).

(2)

انظر: «السيرة النبوية» لابن هشام (1/ 332، و 364).

(3)

انظر: «الطبقات الكبرى» لابن سعد (1/ 162).

(4)

هي أمُّ المؤمنين هند بنت أبي أمية القرشيَّة المخزوميَّة، هاجرت مع زوجها أبي سلمة إلى الحبشة الهجرةَ الأولى، ورجعا إلى مكَّة، ثم هاجرا إلى الحبشة الهجرةَ الثانية، ثم رجعا إلى مكَّة، وآذتْ قريشٌ أبا سلمة، فلمَّا بلغه إسلام من أسلم من الأنصار؛ هاجر إلى المدينة قبل بيعة أصحاب العقبة بسنةٍ، ولحقتْ به أمُّ سلمة بعد أيَّامٍ. وشهد أبو سلمة غزوةَ بدرٍ وغزوةَ أُحدٍ، ورُمي فيها بسهمٍ، فعاش بعدها خمسة أشهر أو سبعة ومات، فتزوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّ سلمة سنة أربعٍ من الهجرة، وعاشت بعده حتَّى توفِّيت في آخر سنة إحدى وستين (681 م)، عن عمرٍ يناهز التسعين، وكان لها من الأولاد من أبي سلمةَ: عُمرُ، وسلَمةُ، وزينبُ، ودُرَّة. وكانت آخر أمهات المؤمنين وفاةً، رضي الله عنهن أجمعين.

يُراجع في ترجمتها: ابن سعد: «الطبقات الكبرى» (3/ 239 و 8/ 86)، والمِزِّي:«تهذيب الكمال» (35/ 317:7941)، والذهبيُّ:«سير أعلام النبلاء» (2/ 201:20)، وابن حجر:«الإصابة في تمييز الصحابة» (4/ 131:4801 و 8/ 404:12065).

ص: 44

قالتْ أمُّ سلمة: [لما ضاقتْ علينا مكَّةُ، وأُوذي أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفُتِنُوا، ورَأَوا ما يُصيبهم مِنَ البلاء والفتنة في دينهم، وأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في منَعَةٍ مِن قَوْمِه، ومِنْ عمِّه، لا يصلُ إليه شيءٌ مِمَّا يَكْرَهُ مِمَّا ينالُ أصحابَه، فقال لهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:«إنَّ بأَرْضِ الحبَشَةِ مَلِكًا لا يُظلَمُ أحَدٌ عندَه، فالْحَقُوا ببلادِه، حتَّى يجعَلَ الله لكم فرَجًا ومخرَجًا مِمَّا أنتم فيه» . فخَرَجنا إليها أَرْسالاً

(1)

، حتَّى اجتَمَعْنا بها]، فَلَمَّا نزَلَنا أرضَ الحبشة جاورنا بها خيرَ جارٍ: النجاشيَّ

(2)

، أَمِنَّا على ديننا، [ولم نَخشَ منه ظُلمًا]، وعبَدْنا الله لا نُؤْذَى، ولا نسمع شيئًا نكرَهُهُ، فلمَّا بلَغَ ذلك قريشًا، ائْتَمَرُوا أنْ يبعثوا إلى النجاشيِّ فينا رجلَيْن جَلْدَيْن

(3)

، وأن يُهْدُوا

(1)

الأَرسال: جمع رَسَل، وهي الأفواجُ، والفِرَقُ المتقطعة التي يتبع بعضها بعضًا. «النهاية في غريب الحديث والأثر» (مادة: رسل).

(2)

النَّجاشيُّ: هو لقب ملك الحبشة، واسمه: أَصْحَمةُ بن أَبْجَر. وهو الذي آوى المهاجرين إليه، وأسلم على أيديهم، كما سيأتي في آخر هذا المبحث.

(3)

أي: قويَّين شديدَين.

ص: 45

للنجاشيِّ هدايا مِمَّا يُسْتَطْرَفُ

(1)

من متاع مكَّةَ، وكان مِن أَعْجَبِ ما يأْتِيه منها إليه الأَدَمُ

(2)

، فجَمَعُوا له أَدَمًا كثيرًا، ولم يتركوا مِن بطارقته بِطْريقًا

(3)

إِلا أهدَوا له هديةً، ثُمَّ بعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزوميِّ وعمرو بن العاص بن وائل السهميِّ، وأَمَرُوهُما أَمْرَهُم، وقالوا لهما: ادفعَا إلى كلِّ بِطْريقٍ هديَّتَه قبل أن تُكلِّموا النجاشيَّ فيهم، ثم قَدِّموا للنجاشيِّ هداياه، ثم سَلُوه أن يُسْلِمَهُم إليكم قبل أَنْ يُكلِّمَهم.

قالتْ: فخرجَا، فقَدِمَا على النجاشيِّ، ونحن عنده بخيرِ دارٍ، وعند خَيرِ جارٍ، فلم يبقَ مِن بَطَارقته بِطْريقٌ إلا دفعَا إليه هديَّتَه، قبل أنْ يكلِّما النجاشيَّ، ثم قالا لكلِّ بِطْريقٍ منهم: إنَّه قد صَبَأَ إلى بَلَدِ المَلِكِ

(4)

مِنَّا غِلْمانٌ سفهاءُ، فارقوا دِينَ قومِهِم، ولم يدخلوا في دِينكم، وجاؤُوا بدينٍ مُبتَدَعٍ لا نعرِفُهُ نحنُ ولا أَنتم، وقد بَعَثَنَا إلى المَلِك فيهم أشرافُ قومِهم، لنردَّهم إليهم، فإذا كلَّمنا المَلِكَ فيهم؛ فأَشِيرُوا عليه بأَنْ يُسلِمَهم إلينا، ولا يُكلِّمَهم، فإنَّ قومَهم أعلَى بهم عَيْنًا

(5)

، وأَعلمُ بما عابُوا عليهم. فقالوا لهما: نعم.

ثُمَّ إنَّهما قرَّبَا هداياهم إلى النجاشيِّ، فقبِلَها منهما، ثم كلَّماه، فقالا له: أَيُّها الملكُ! إنَّه قد صَبَأَ إلى بلدك منَّا غلمانٌ سفهاءُ، فارقوا دِينَ قومِهم،

(1)

أي: يُستحسنُ.

(2)

الأَدَمُ: جمع أديم، وهو الجلد المدبوغ، أو الأحمر منه.

(3)

البِطْريق: هو الحاذق بالحرب وأمورها بلغة الروم، ويكون من خواصِّ الدولة. «لسان العرب» (مادة: بطرق).

(4)

«صَبَأَ: إذا خرج من دينٍ إلى دينٍ، والمراد هاهنا: الخروج مطلقًا، أو من الدين، و «إلى» متعلقة بمقدَّر، أي: متوجهين إلى بلد الملك». قاله السِّنديُّ في «حاشية مسند الإمام أحمد بن حنبل» (2/ 210:977)، ومنه نقلتُ أكثر التعليقات على هذا الحديث.

(5)

أي: نظرًا. أي: نظرهم يكفي عن نظرك.

ص: 46

ولم يدخلوا في دِينكَ، وجاؤُوا بدينٍ مُبتَدَعٍ، لا نعرِفُه نحنُ ولا أنتَ، وقد بَعَثَنا إليك فيهم أشرافُ قومِهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم، لتَرُدَّهُم إليهم، فَهُمْ أعلَى بهم عينًا، وأعلَمُ بما عابوا عليهم وعاتَبُوهُم فيه.

قالت: ولم يكن شيءٌ أبغضَ إلى عبد الله بن أبي ربيعةَ وعمرو بن العاص من أَنْ يَسْمَعَ النجاشيُّ كلامَهم، فقالت بَطَارقَتُه حولَه: صَدَقوا أيُّها الملكُ! قومُهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم، فأَسْلِمْهُم إليهما، فلْيَرُدَّاهم إلى بلادهم وقومهم.

قالتْ: فغضب النجاشيُّ، ثم قال: لا ها أَيْمُ الله إِذَنْ

(1)

، لا أُسْلِمُهم إليهما، ولا أُكَاُدُ قومًا جاوَرُوني

(2)

، ونزلُوا بلادِي، واخْتَارُونِي على مَن سِوايَ، حتَّى أَدْعُوهُم فأسأَلَهم ما يقولُ هذان في أَمرهم، فإنْ كانوا كما يقولان؛ أسْلَمْتُهم إليهما، وردَدْتُهم إلى قومِهم، وإِنْ كانوا على غير ذلكَ؛ منَعْتُهم منهما، وأَحسَنْتُ جوارهم، ما جاوَرُونِي.

قالتْ: ثُمَّ أَرسلَ إلى أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فدَعاهُم، فلما جاءَهم رسولُه اجتَمَعُوا، ثُمَّ قال بعضهم لبعضٍ: ما تقولونَ للرَّجُل إذا جِئْتُمُوه؟ قالوا: نقولُ

(1)

قال السِّنديُّ: «كلمةُ: «لا» للنفي، أي: ليس الأمر كما ذكرتم، و «ها» حرف تنبيه، و «أيم الله» للقسم، و «إذَنْ» بمعنى: إذا جاؤوا بلادي، ودخلوا فيها». وفي «سير ابن إسحاق»:«لا، لَعَمرُ الله لا أردُّهم عليهم حتَّى .. » .

(2)

قال السِّنديُّ: «ولا أكاد» خبره محذوف، أي: أُسلمهم. وقال أحمد محمد شاكر في شرح «المسند» (3/ 184): «ولا أُكادُ: بضم الهمزة، فعل مبنيٌّ للمجهول، أي: ولا يكيدني أحدٌ، ففي «لسان العرب» (مادة: كيد): «يقولون إِذا حُمِلَ أَحدُهُمْ على ما يَكْرهُ: لا والله ولا كَيْدًا ولا هَمًّا. يريد: لا أُكَادُ ولا أُهَمُّ» . وضبط الفعلان فيه بوزن المبني للمجهول، وهذا هو الصواب عندي، خلافًا لضبطهما في «القاموس المحيط». والمراد أنه يقول: إنه لا يُسْلِمُهم أبدًا، ولا يهمُّه من ذلك شيءٌ، ولا يخشى أن يلقى فيه كيدًا. وهذا استعمال نادرٌ، لم أجد مثله في غير هذا الموضع».

ص: 47

واللهِ ما عَلِمْنا، وما أمرنا به نبيُّنا صلى الله عليه وسلم، كائنٌ في ذلك ما هو كائنٌ. فلما جاؤُوهُ ـ وقد دعا النجاشيُّ أساقِفَته

(1)

، فنشرُوا مصاحِفَهم حولَه ـ سأَلَهم فقال: ما هذا الدِّين الذي فارَقْتُم فيه قومَكم، ولم تدخلوا في ديني، ولا في دِين أحدٍ من هذه الأُمَم؟

قالتْ: فكان الذي كلَّمَه جعفرُ بن أبي طالبٍ، فقال له: أيُّها الملكُ! كنَّا قومًا أهلَ جاهليَّةٍ: نعبدُ الأصنامَ، ونأكلُ الميتةَ، ونأْتِي الفواحشَ، ونقطَعُ الأرحامَ، ونُسيءُ الجوارَ، يأكُلُ القويُّ منَّا الضَّعيفَ، فكُنَّا على ذلك حتَّى بعث الله إلينا رسولاً مِنَّا، نَعْرِفُ نسَبَه، وصِدْقَه، وأَمانَتَه، وعَفَافَه، فدَعَانا إلى الله لنوحِّدَه ونَعْبُدَه، ونَخْلَع ما كُنَّا نَعْبُدُ نحنُ وآباؤُنا مِن دونِه من الحجارة والأوثان.

وأمَرَنَا بصدق الحديث، وأداءِ الأمانة، وصلة الرَّحِمِ، وحُسْن الجوار، والكفِّ عن المحارم والدِّماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزُّور، وأكل مال اليتيم، وقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ.

وأمرنا أَنْ نعبُدَ الله وحْدَه، ولا نشركَ به شيئًا، وأمرَنا بالصَّلاة والزَّكاة والصِّيام ـ قالتْ: فعَدَّد عليه أُمورَ الإسلامِ. ـ فصدَّقْناهُ، وآمنَّا به، واتَّبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحْدَه، فلم نُشركْ به شيئًا، وحرَّمْنا ما حرَّمَ علينا، وأَحْلَلْنا ما أحلَّ لنا، فَعَدَا علينا قومُنا، فعَذَّبُونا، وفَتَنُونا عن ديننا، ليَرُدُّونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأنْ نستَحِلَّ ما كنَّا نَسْتَحِلُّ من الخبائث، فلمَّا قهَرُونا وظَلَمُونا، وشَقُّوا علينا، وحالُوا بيْنَنَا وبين دِيننا؛ خرَجْنا إلى بلدكَ، واخترناكَ على مَنْ سواكَ، ورَغِبْنَا في جواركَ، ورَجَوْنا أن لا نُظْلَم عندكَ أيُّها الملكُ!

قالتْ: فقال له النجاشيُّ: هل معك مِمَّا جاء به عن الله من شيءٍ؟ قالتْ: فقال له جعفرٌ: نعم. فقال له النجاشيُّ: فاقْرَأْه عليَّ. فقرأ عليه صَدْرًا من

(1)

جمع «الأَسقُف» وهو العالم والرئيس من علماء النَّصارى. «لسان العرب» (مادة: سقف).

ص: 48

{كهيعص}

(1)

. قالتْ: فبَكَى ـ واللهِ! ـ النجاشيُّ حتَّى أَخْضَلَ

(2)

لحيتَهُ، وبكت أساقِفَتُه حتَّى أخْضَلُوا مصاحِفَهُم حين سَمِعُوا ما تلا عليهم. ثُمَّ قال النجاشيُّ: إنَّ هذا ـ واللهِ! ـ والذي جاءَ به مُوسَى ليَخْرُجُ من مِشْكاةٍ واحدةٍ، انْطَلِقَا، فواللهِ لا أُسلِمُهم إليكم أبدًا، ولا أُكادُ

(3)

.

قالتْ أُمُّ سَلَمة: فلمَّا خرجَا من عنده، قال عمرو بن العاص: واللهِ لأُنبِّأَنَّهُ غدًا عَيْبَهم عنده، ثم أستَأْصِلُ به خَضْراءَهُم

(4)

. قالت: فقال له عبدُ الله بن أبي رَبيعة ـ وكان أتقَى الرَّجلين فينا ـ: لا تفعلْ، فإنَّ لهم أرحامًا، وإن كانوا قد خالفونا. قال: والله لأخبرَنَّه أنَّهم يزعمون أنَّ عيسى ابنَ مريم عبْدٌ.

قالت: ثم غَدَا عليه الغَدَ، فقال له: أيُّها الملكُ! إنَّهم يقولونَ في عيسى ابنِ مريم قولاً عظيمًا، فأَرسِلْ إليهم فاسْأَلْهم عمَّا يقولون فيه. قالت: فأَرسَلَ إليهم يسأَلُهم عنه ـ قالتْ: ولم ينْزِلْ بنَا مثله ـ فاجتمَعَ القومَ، فقال بعضهم لبعضٍ: ماذا تقولون في عيسَى إذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول ـ واللهِ! ـ فيه ما قالَ الله، وما جاء به نبيُّنا، كائنًا في ذلك ما هو كائنٌ. فلمَّا دخلوا عليه قالَ لهم: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقال له جعفرُ بن أبي طالبٍ: نقول فيه الذي جاء به نبيُّنا هو عبدُ الله ورسولُه ورُوحُه وكلِمَتُه ألقاها إلى مَرْيَمَ العَذْراءِ البَتُولِ.

(1)

وهي سورة مريم (19)، وفي أولها قصَّة مريم وولادة المسيح عليهما السلام، الآيات:(1 - 40).

(2)

أي: بَلَّ.

(3)

وفي «سيرة ابن إسحاق» : «قال: إنَّ هذا الكلامَ ليخرجُ من المشكاة التي جاء بها موسى، انطلقوا راشدينَ، لا والله لا أردُّهم عليكم، ولا أُنعمكم عينًا» . وكذلك هو في أكثر المصادر، فما وقع في بعضها من ذكر «عيسى» مكان «موسى» تحريف.

قال السِّنديُّ رحمه الله: «لم يقل: عيسى، مع أنه نبيُّهم؛ لما فيه من خلاف اليهود، بخلاف موسى، فلم يختلف أحد من الطوائف المعلومة في نبوَّته» .

(4)

«أستأصل» أي: أُخرج من الأصل «خضراءهم» أي: جماعتهم.

ص: 49

قالتْ: فضربَ النَّجاشيُّ يدَهُ إلى الأرض فأَخَذَ منها عُودًا، ثم قال: ما عَدَا عيسى ابنُ مريم ما قُلْتَ هذا العُودَ. فتناخَرَتْ

(1)

بطارِقَتُه حولَه حين قالَ ما قالَ، فقال: وإِنْ نَخِرْتُم، واللهِ! اذْهَبُوا، فأَنْتم سُيُومٌ بأَرْضِي ـ والسُّيُومُ: الآمِنُون

(2)

ـ مَنْ سَبَّكُم غُرِّمَ، ثُمَّ من سبَّكم غُرِّم، ثم من سبَّكم غُرِّم، فما أُحبُّ أَنَّ ليَ دَبْرًا ذهَبًا؛ وأَنِّي آذَيتُ رجلاً منكم ـ والدَّبْرُ بلسان الحبشَةِ: الجَبَلُ ـ رُدُّوا عليهما هداياهما، فلا حاجةَ لنا بها، فواللهِ ما أخَذَ الله منِّيَ الرَّشوةَ حين ردَّ عليَّ مُلْكِيَ؛ فآخُذَ الرَّشوةَ فيه، وما أَطاعَ النَّاسَ فِيَّ فأُطيعَهُم فيه.

قالتْ: فخَرَجَا مِن عنده مقبُوحَيْن، مردُودًا عليهما ما جاءَا به، وأقمنا عنده بخيرِ دارٍ، مع خيرِ جارٍ.

(3)

(1)

من «نَخَر» : إذا مدَّ الصوت في خياشيمه.

(2)

عند ابن إسحاق وابن هشام وغيرهما في الموضعين: «شيوم» بالشين. وقال السِّندي: ضبط بضمِّ سين مهملة، وبضمِّ مثناة تحتية.

(3)

وفي رواية ابن راهويه: «قالتْ أم سلمة: فجعلنا نتعرَّضُ لعمرو بن العاص وصاحبه أن يسبَّانا؛ فيغرِّمهما، فخرجا خائبين، .. » .

وممَّا يحسن ذكره هنا أنَّ هذين الرجلين أسلما بعدُ، فأمَّا عمرُو بن العاصِ فإنَّه لمَّا رأى ازدياد قوة المسلمين وظهور أمرهم، خرج إلى النجاشيِّ على أمل أن يجد هناك أرضًا آمنةً إن تغلَّبَ المسلمون على مكَّة، فنصحه النجاشيُّ بأن يُسلمَ، فأسلمَ عمرو على يده، ورجع إلى مكة، وهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمًا في أوائل سنة ثمان من الهجرة (629 م) قبل فتح مكَّة، وحسُنَ إسلامُه، وقرَّبَه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد له بالإيمان والصلاح، وكان من كبار الصحابة وعظمائهم، وكان أمير جيش المسلمين في فتح مصر، وسكنها، ومات بها سنة (43/ 664 م) رضي الله عنه.

أما عبد الله بن أبي ربيعة فأسلم عند فتح مكة، وحسن إسلامه، وولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الجَنَدَ ـ بلدٌ باليمن بين عَدَن وتَعْز ـ ومخاليفها، فبقي فيها إلى أيَّام فتنة الخروج على الخليفة الراشد عثمان بن عفَّان رضي الله عنه، فجاء لينصره، فوقع عن راحلته، فمات بقرب مكَّة، سنة (35/ 656) رضي الله عنه.

يُراجع ترجمتهما في: «تهذيب الكمال» (14/ 492، و 22/ 78)، و «تاريخ الإسلام» (2/ 256، و 425).

ص: 50

قالتْ: فواللهِ إنَّا على ذلك إذ نَزَل به ـ يعني: من ينازِعُه في ملكه

(1)

ـ. قالتْ: فوالله ما علمنا حُزْنًا قطُّ كان أشدَّ مِن حُزْنٍ حزَنَّاه عند ذلك، تخَوُّفًا أنْ يظْهَرَ ذلك على النَّجاشيِّ، فيأتيَ رجلٌ لا يَعرِفُ مِن حَقِّنا ما كان النَّجاشيُّ يعرفُ منه.

قالتْ: وسار النَّجاشيُّ، وبينهما عَرْضُ النِّيلِ. فقال أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ رجُلٌ يخرجُ حتى يحضُرَ وقْعَةَ القوم، ثم يأْتِينَا بالخَبَرِ؟ فقال الزُّبير بن العوام: أنَا. قالت: وكان من أحدث القوم سِنًّا، فنفَخُوا له قِرْبةً فجعَلَها في صدرِه، ثم سَبَحَ عليها، حتَّى خرج إلى ناحيةِ النِّيل التي بها مُلتقَى القوم، ثم انطلق حتَّى حضَرَهم.

قالت: ودَعَوْنا الله للنَّجاشيِّ بالظُّهورِ على عدُوِّه، والتَّمكينِ له في بلادِه، [فهزَمَ الله ذلك الملكَ وقَتَلَه، وظهرَ النجاشيُّ عليه]، واسْتَوسَقَ

(2)

عليه أمرُ الحبشةِ، [فجاءَنا الزُّبيرُ، فجَعَلَ يُلَيِّحُ إلينا بردائِه، ويقولُ: ألا أَبشروا، فقد أظهَرَ الله النجاشيَّ. فوالله ما علمنا فرَحَنَا بشيءٍ قطُّ فرَحَنَا بظهور النجاشيِّ]، فكُنَّا عنده في خيرِ منْزِلٍ، حتَّى قَدِمْنا على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكَّةَ. وفي روايةٍ: ثمَّ أقمنَا عندَهُ حتَّى خرَجَ منَّا من خرجَ راجعًا إلى مكَّة، وأَقامَ مَن أَقامَ.

(3)

(1)

عند ابن إسحاق: «فلم ينشب أن خرج عليه رجلٌ من الحبشة ينازعه في ملكه» .

(2)

أي: اجتمع. عطفٌ على «دعونا» .

(3)

أخرجه محمد بن إسحاق في «السِّير والمغازي» ص 213؛ قال: حدَّثَني محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهريُّ، عن أبي بكرٍ بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، عن أم سلمة بنت أبي أُميَّة بن المغيرة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، به. ونقله ابن هشام في «السيرة النبويَّة» (1/ 334).

وأخرجه أحمد في «المسند» (1/ 201:1740) و 5/ 290:22498)، وابن خُزيمة في «الصحيح» (2260)، وأبو نُعيم في «دلائل النبوة» (194)، وفي «حِلية الأولياء» (1/ 115)، والبيهقيُّ في «السنن الكبرى» (9/ 9)، وفي «دلائل النبوة» 2 (/301)، =

ص: 51

مسائل وفوائد مستنبطة من هذه القصَّة:

لقد تأملتُ هذه القصة العظيمة فوجدت فيها كثيرًا من المعاني والفوائد، هذه تقييد لجملة منها:

= وابن عبد البر في «الدُّرر في المغازي والسِّير» (ص 134)، من طرقٍ عن محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد، به. والسياق للإمام أحمد، وما بين المعقوفين هكذا [

] فمن «السير والمغازي» ومن غيره، والرواية المذكورة للجملة الأخيرة هي عند ابن إسحاق وغيره، وهي رواية مفسِّرة، لأنَّ أم سلمة وزوجها في آخرين رجعوا إلى مكَّة، وبقي أكثرهم هناك إلى أن عادوا جميعًا إلى المدينة حين افتتح المسلمون خيبر في السنة السابعة للهجرة (628 م).

وأخرجه إسحاق بن راهويه في «المسند» (1835)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (423)، وفي «الاعتقاد» ص 46، وفي «شعب الإيمان» (82)، من طريق: جرير بن حازمٍ، عن ابن إسحاق، قال حدثني الزهريُّ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعن عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبةَ، وعن عُروة بن الزُّبير ـ وصُلبُ الحديث عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ـ عن أم سلمة، به.

وإسناد الحديث جيِّدٌ كما قال الحافظ العراقيُّ رحمه الله في «المغني عن حمل الأسفار» (2097)، والعلامة الألبانيُّ رحمه الله في «سلسلة الأحاديث الصحيحة» (3190).

وقال الحافظ الهيثمي رحمه الله في «مجمع الزوائد» 6/ 24 (9842): «رواه أحمد، ورجاله رجال الصَّحيح غير ابن إسحاق، وقد صرَّح بالسَّماع» .

وقال العلامة أحمد محمد شاكر رحمه الله في تحقيق «المسند» (3/ 180): «إسناده صحيح، أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة: تابعيٌّ كبيرٌ، وهو أحد الفقهاء السبعة المعروفين، وكان ثقةً فقيهًا عالمًا من سادات قريش» .

وساق شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الحديث واحتجَّ به في «الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح» (1/ 243)، وقال:«وقد ذكر قصَّتهم جماعة من العلماء والحفاظ كأحمد بن حنبل في المسند، وابن سعد في الطبقات، وأبي نعيم في الحلية، وغيرهم، وذكرها أهل التفسير والحديث والفقه، وهي متواترة عند العلماء» .

ص: 52

1 -

إنَّ إرشاد النبيِّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه المستضعفين إلى الهجرة إلى الحبشة، وأمرهم بذلك، يدلُّ على شفقته عليهم، ورحمته بهم، وحرصه على حياتهم، وتألُّمه ممَّا كانوا يعانونه من التَّعذيب والأذى الشَّديد، وإن كانَ هو صلى الله عليه وسلم في سلامةٍ من ذلك. قال تعالى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].

2 -

إنَّ هجرتهم كانت طلبًا لحقِّهم في توحيد الله وعبادته بأمانٍ وسلامٍ، وليس لتحقيق أهدافٍ ماديَّةٍ أو سياسيَّةٍ، وتلك كانت قضيَّتهم في دارهم وموطنهم مكَّة، فلم يكن غرضهم المنازعة على السلطة فيها، ولا المغالبة على أمر الوِلاية عليها، لهذا هانَ عليهم تركُها وإنْ كانتْ أفضلَ البقاع وأشرَفَها، لأنَّ وطَنَ المسلمِ حيثُ يتمكَّنُ منْ عبادة ربِّه، والأَمن على نفسه.

3 -

إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد مدح النجاشيَّ ـ ولم يكن مسلمًا حينئذٍ ـ بأنَّه: «ملكٌ لا يظلمُ عنده أحدٌ» . فدلَّ ذلك على أنَّ المخالف في الدين والعقيدة قد يكون عنده من مبادئ الحقِّ والعدل والرَّحمة ما يكونُ قاعدةً للالتقاء والتعاون معه في الحقِّ والخير، ويستحقُّ به الثناء الجميل.

4 -

إنَّ الكفَّار متفاوتون في مواقفهم من دين الإسلام وأهله، فبعضهم يبالغ في العداء والمحاربة، وبعضهم يميل إلى المسالمة والإعراض، وآخرون منهم يختارون المعاملة على أساس الحقِّ والعدل والإنصاف. فمن الجهل والظلم عدمُ إنزالهم منازلهم، والنَّظَرُ إليهم بعينٍ واحدةٍ من غير اعتبارٍ لمواقفهم.

5 -

لقد التزم الصحابة الكرام رضي الله عنهم بالصِّدق التامِّ في عرض قضِّيتهم، فاستحقُّوا تأييد الله تعالى، ونالوا القبول والحظوة عند ملك الحبشة، وكان من ثمار ذلك أن اقتنَعَ بدعوتهم، فدخل في دين الإسلام، وثبت عليه رغم معارضة خواصِّ رجال دولته وعامَّة قومه له، فبقي كاتمًا إسلامَه إلى أن مات سنة تسعٍ من الهجرة (630 م)، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه في المدينة: «ماتَ اليومَ

ص: 53

رجلٌ صالحٌ، فقُومُوا فصَلُّوا على أخيكم: أَصْحَمَةَ»

(1)

.

6 -

ظهر ما بشَّر به النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابه مِنْ عَدْلِ النجاشيِّ؛ في إصراره على الاستماع لدَعوَى طالبي اللُّجوء إليه، قبل الحكم عليهم، فذلك من إنصافه، ورجاحة عقله، وتمام عدله. وتحقُّق خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا، رغم تباعد الديار؛ من دلائل صدق نبوَّته صلى الله عليه وسلم

(2)

.

7 -

إن كلمة جعفر بن أبي طالبٍ رضي الله عنه بين يدي النجاشي تضمَّنت ـ على وجازتها ـ تعريفًا جامعًا لأصول الدِّين وقواعده ومقاصده الكليَّة، وأول ذلك وأهمُّه: توحيد الله تعالى في العبادة، والبراءة من الشرك وأهله، واشتمال الدِّين على ما فيه صلاح النفس وتزكيتها، وحسن المعاملة مع الخلق، ويظهر فضل ذلك بتلك المقارنة التي ذكرها بين قبائح الجاهلية ومحاسن الإسلام.

8 -

التوسُّل إلى الملك بذكر ما وقع عليهم من الظلم والحيف، وباختيارهم له على من سواه، طمعًا في جواره، ورجاءً لعدله وإنصافه.

9 -

إنَّهم كانوا يذكرون ما لقوه هنالك من حسن المعاملة، وطيب الإقامة، على وجه الوفاء والثناء، والاعتراف بالجميل.

10 -

ودلَّت هذه القصَّة على جواز دخول المسلمين في أمان غير المسلمين، والالتجاء إليهم طلبًا للحماية، إذا دعت الحاجة إلى ذلك. وهذا مشروط ـ بلا ريبٍ ـ بأن لا يكون على وجه المناصرة لمن يحارب الإسلام والمسلمين، وأن لا يكون في إقامته بينهم إضرارًا بدول المسلمين ومصالحها، فلا يتَّخذُ البلدَ الذي لجأَ إليه قاعدةً له ومنطلقًا للتَّآمر والكَيْد والمَكْرِ والخيانة لبلاد المسلمين.

(1)

أخرجه البخاريُّ في «الصحيح» (1317)، ومسلم في «الصحيح» (952) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

(2)

لهذا عدَّ العلماء قصة الهجرة إلى الحبشة من دلائل النبوة، منهم: أبو بكر البيهقي في «دلائل النبوة» (2/ 285).

ص: 54

قال ابنُ حزمٍ رحمه الله

(1)

: «وأمَّا مَن فرَّ إلى أرض الحرب لظلمٍ خافَه، ولم يُحارب المسلمين، ولا أعانَهم عليهم، ولم يجدْ في المسلمين مَنْ يُجيرُه؛ فهذا لا شيءَ عليه، لأنَّه مضطرٌّ مُكرَهٌ. وقد ذكرنا أنَّ الزُّهريَّ

(2)

ـ مُحمَّدَ بنَ مسلم بنِ شهابٍ ـ؛ كان عازمًا على أنَّه إِنْ ماتَ هشام بن عبد الملك لَحِقَ بأَرض الرُّوم، لأَنَّ الوليدَ بنَ يزيدٍ كان نَذَرَ دمَه؛ إِنْ قدَرَ عليه

(3)

، وهو كان الوالي بعد هشامٍ. فمن كان هكذا فهو معذورٌ».

(4)

(1)

علي بن أحمد بن سعيد بن حزم القرطبيُّ الظاهريُّ (ت: 456/ 1063): أشهر علماء الأندلس، شاعر وأديب ومحدث وفقيه وفيلسوف ومؤرخ، تميَّز بمؤلفات مفيدة في مختلف فروع المعرفة من أشهرها:«الفِصَل في المِلَلْ والأهواء والنِّحَل» و «طوق الحمامة» و «جمهرة أنساب العرب» و «المحلَّى بالآثار» و «الإحكام في أصول الأحكام» . مترجم في «سير أعلام النبلاء» (18/ 184:99).

(2)

الزُّهريُّ: من أئمة التابعين، فقيه حافظٌ، متَّفَقٌ على جلالته وإتقانه وإمامته في الدين والعلم، مات سنة (124/ 742)، قبل وفاة الخليفة الأمويِّ هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، حيث توفي هذا سنة (125/ 743)، فبويع بالخلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وكانَ فاسقًا مجاهرًا بالفواحش، مصرًّا عليها، منتهكًا لمحارم الله تعالى، لا يتحاشى من معصيةٍ، لهذا كان الإمامُ الزهريُّ يتكلَّمُ فيه، ويحثُّ الخليفة هشام بن عبد الملك على خلعه من ولاية العهد، لكنَّه لم يفعل، فتولَّى الخلافة بعدَه، لكن لم تطُل أيَّامه، حيث قُتل بعد سنةٍ.

انظر: «البداية والنهاية» لابن كثير (9/ 351 و 10/ 2).

(3)

الخبرُ في «الطبقات الكبرى» لابن سعد (5/ 356)، و «أنساب الأشراف» للبلاذري (3/ 200)، و «تاريخ مدينة دمشق» لابن عساكر (55/ 381)، و «سير أعلام النبلاء» للذهبيِّ (5/ 342).

(4)

«المحلَّى بالآثار» (1/ 200) المسألة: (2198).

ص: 55