الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما ينقض ويلزم القول بالاحتجاج بالقدر على المعاصي
43-
ويكفيك نقضا أن ما قد سألته
…
من العذر مردود لدى كل فطرة
44-
فأنت تعيب الطاعنين جميعهم
…
عليك، وترميهم بكل مذمة
45-
وتنحل من والاك صفو مودة
…
وتبغض من ناواك1 من كل فرقة
46-
وحالهم في كل قول وفعلة
…
كحالك يا هذا بأرجح حجة
الشرح:
وهذا كما تقدم إلزام ونقص واضح، على من اعتذر عن مخالفته ومعاصيه بالقدر. فإنه في فطرة كل عاقل: أن من ذمك ذمته، ومن عابك عبته، ومن ظلمك في نفسك أو مالك، عاملته معاملة الظالم.
فكيف تعذر نفسك إذا عصيت الله، ولا تعذرهم إذا ذموك، أو ظلموك بل تبغضهم وتذمهم، وتقابلهم على ظلمهم بما تقدر عليه؟! وهذا شيء كل أحد يعرفه. فاتضح بهذا: أن المحتج بالقدر على المعاصي، كما أنه مخالف للشرع والعقل، فهو مخالف للفطرة التي فطر عليها كل أحد. بل هو مكابر مستهزئ.
1 في الأصل: "ناداك" والتصويب من ((س)) و ((الفتاوى)) و ((العقود)) .
أمثلة للرد على المعترضين بأقدار الله على المعاصي
ثم أعاد هذه المعاني، بذكر أمثلة توضح المقام، لكونه من أهم المهمات فقال:
47-
وهبك كففت اللوم عن كل كافر
…
وكل غوي خارج عن محبة
48-
فيلزمك الإعراض عن كل ظالم
…
على الناس في نفس، ومال، وحرمة
49-
فلا1 تغضبن يوما على سافك دما
…
ولا سارق مالا لصاحب فاقة
50-
ولا شاتم عرضا مصونا، وإن علا
…
ولا ناكح فرجا على وجه غية
51-
ولا قاطع للناس نهج سبيلهم
…
ولا مفسد في الأرض في كل وجهة
52-
ولا شاهد بالزور إفكا وفرية
…
ولا قاذف للمحصنات بزنية2
53-
ولا مهلك للحرث والنسل عامدا
…
ولا حاكم للعالمين برشوة
1 في الفتاوى والعقود: "ولا".
2 في العقود: "برية".
54-
وكف لسان اللوم عن كل مفسد
…
ولا تأخذن ذا جرمة بعقوبة
55-
وسهل سبيل الكاذبين تعمدا
…
على ربهم، من كل جاء بفرية
56-
وإن قصدوا إضلال من يستجيبهم
…
بروم فساد النوع، ثم الرياسة
57-
وجادل عن الملعون، فرعون، إذ طغى
…
فأغرق في اليم انتقاما بغصة1
58-
وكل كفور مشرك بإلهه
…
وآخر طاغ كافر بنبوة
59-
كعاد، ونمروذ، وقوم لصالح
…
وقوم لنوح2، ثم أصحاب الأيكة
60-
وخأصم لموسى، ثم سائر من أتى
…
من الأنبياء محييا للشريعة
1 كذا في المطبوع و (س) وفي الفتاوى: "بغضبة" وفي العقود: "بعصية".
2 في الأصل: "للوط" وما أثبته من (س) والفتاوى والعقود.
61-
على كونهم قد جاهدوا الناس إذ بغوا
…
ونالوا من العاصي1 بليغ العقوبة
62-
وإلا فكل الخلق في كل لفظة
…
ولحظة عين، أو تحرك شعرة
63-
وبطشة كف، أو تخطي قديمة
…
وكل حراك، بل وكل سكينة
64-
هم تحت أقدار الإله وحكمه
…
كما2 أنت فيما قد أتيت بحجة
الشرح:
هذه الإلزامات التي ذكرها الشيخ في غاية القوة والوضوح، يبطل كل واحد منها اعتذار المعتذرين بالأقدار.
ومثل بأمثلة كثيرة يعرفها كل أحد، لأن كثرة الأمثلة توضح المعاني وتصور المقالات القبيحة بأشنع صورة.
ولأنه لو فرض أنه تأول من ألزم بها بعض هذه الأمثلة باحتمالات ضعيفة، لم يكن له سبيل إلى بقيتها.
فالشيخ يقول لهؤلاء المعارضين، المعترضين بأقدار الله على المعاصي:
1 في الفتاوى: "المعاصي".
2 في (س) والمطبوعة: "فيما" وما أثبته من الفتاوى والعقود.
يلزمكم أن تعرضوا عن كل ظالم للناس في دمائهم وأعراضهم وأموالهم. فلا تغضبون على من سفك الدماء وأخذ الأموال بالغضب والسرقة، ولا من شتم الأعراض، ولا على الزناة وقطاع الطرق والمفسدين في الأرض ولا قاذف أو شاهد بالزور، ولا من سعى في الأرض، ليهلك الحرث والنسل، ولا من حكم بالرشوة وجار في حكمه.
بل يجب عندهم كف اللسان عن كل مفسد معتد على الخلق.
بل عليك أن تسهل سبيل الكاذبين على ربهم، وتعتذر عنهم، وإن سعوا في إضلال الناس.
بل وجادل عن أئمة الكفر، كفرعون وقارون وهامان، وكل مشرك وكافر، كعاد وثمود، ونمرود، وقوم لوط، وأصحاب الأيكة، وما أشبههم من الكفار المعاندين.
بل على قول هؤلاء، عليك أن تخاصم جميع الرسل والأنبياء، حيث جاهدوا الناس على الإيمان، وعاقبوا أهل الجرائم، لأن الخلق كلهم في جميع حركاتهم وسكناتهم، ولفظاتهم ولحظاتهم تحت أقدار الله.
وهذا القول الفظيع الذي يفضي إلى هذه المكابرات، والمجاهرة بتكذيب الله ورسله وكتبه حسب الناظر لهذا القول: أن يتصور هذه اللوازم التي هي غاية المشاقة لله ولرسله، وفيها فساد الدين والدنيا والآخرة.