الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طالباً الزواج من امرأة وقد بيّت نيّة طلاقها بعد قضاء وَطَرَه منها، وتتقبل المرأة عرض الزواج، وتوافق أسرتها على فهم منها بأن هذه الخطوة لتكوين أسرة على أساس مستديم -غير مؤقت- وبغير علم بتلك النيّة التي أسرّها ذلك الشخص، ثم يقع الطلاق.
ما هو الحكم في هذا النوع من الزواج؛ سواء من جانب الرجل الذي يمارسه أو المرأة التي تقع ضحية له
هذا، وقد انتقل ممارسو هذا النوع من الزيجات إلى بلاد ينتشر فيها ممارسة البغاء؛ حيث أجاز من يمارس الزواج بِنيِّة الطلاق لنفسه للمبيت مع الواحدة منهن تحت مثل تلك التفسيرات والتي قد لا تهمّ المرأة البغي، إلا أن الرجل يستند إلى ذلك التفسير للرد على من ينكر عليه هذا الانحراف، زاعماً أنه قام بترتيب زواج ولكن بِنِيَّة الطلاق
يرجى التكرم بالتوجيه نحو الحكم الشرعي في هذه المسألة.
أجابت اللجنة بما يلي:
الزواج شرعاً رباط دائم وميثاق غليظ بين الزوج وزوجته، الغاية منه السكن النفسي والاجتماعي وإنجاب الأطفال الذي يتوقف عليه بناء المجتمع واستمرار البشرية، قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
وله شروط متعددة بيّنها الفقهاء في مصنفاتهم، كالوليّ، والكفاءة، ومهر المثل، والشهود، والخلو من الموانع؛ كالعِدّة، وعدم التوقيت نصاً ونحوها.
ولهذا حرم الإسلام الزواج المؤقت وقضى بفساده، فإذا تزوج الرجل المرأة بزواج مستوف لشروطه من غير نص على التوقيت كان زواجاً دائماً وصحيحاً، ولا عبرة بِنِيّة الزوج توقيته إن وجدت، وإن كان آثماً في ذلك ما دام لم يصرّح
بذلك في العقد على وجه الاشتراط، ذلك أنّ للمسلم أن يطلّق زوجته في أي وقت شاء بعد العقد من غير نِيّة طلاقها عند الزواج، ولا يؤثر ذلك على صحة العقد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«الطلاق لمن أخذ بالساق»
(1)
، فلا يكون لنية الطلاق عند الزواج أي أثر على صحة العقد كذلك، إلا أن الزوج إذا طلّق زوجته من غير سبب مبرر له كان آثماً عند الله تعالى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«أبغض الحلال إلى الله الطلاق»
(2)
، ولما فيه من الإضرار غير المُبَرَّر بالزوجة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا ضرر ولا ضرار»
(3)
.
ثم إن الرجل إذا طلّق زوجته بعد الدخول بها سواء نوى طلاقها عند العقد أو لم ينوه يجب عليه لها كامل مهرها، ونفقة عِدّتها، وترثه إذا مات وهي في عِدّته من طلاق رجعي، كما يثبت نسب أولادها منه ما دامت في عصمته أو عِدّته بعد الفراق، وهذه القيود والأحكام كلها كافية لردع العابثين والعابثات عن الإقدام على زوجيّة لا يراد لها الاستمرار والاستقرار.
ولا بد من التذكير بأن الزواج من الزانيات والمومسات ليس من شأن المسلمين الأتقياء، وهو حرام لقوله تعالى:{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3]، وقوله تعالى:{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور: 26].
ولا يَحِلُّ الزواج من الزانية إلّا إذا تابت من الزنا؛ لقوله تعالى: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
…
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا
…
} [النور: 3 - 5].
كما يشترط انقضاء عِدَّتها حتى لا يختلط ماؤه بماء غيره، وللتأكد من براءة الرحم فلا يُنْسَب إليه غير ولده.
(1)
ابن ماجه (رقم 2081).
(2)
أبو داود (رقم 2178)، ابن ماجه (رقم 2018).
(3)
سبق تخريجه.