الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومعنى هذا الإخاء- كما قال محمد الغزالي- أن تذوب عصبيات الجاهلية، فلا حمية إلا للإسلام، وأن تسقط فوارق النسب واللون والوطن، فلا يتقدم أحد أو يتأخر إلا بمروءته وتقواه.
وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأخوة عقدا نافذا، لا لفظا فارغا، وعملا يرتبط بالدماء والأموال، لا تحية تثرثر بها الألسنة ولا يقوم لها أثر.
وكانت عواطف الإيثار والمواساة والمؤانسة تمتزج في هذه الأخوة، وتملأ المجتمع الجديد بأروع الأمثال «1» .
فقد روى البخاري أنهم لما قدموا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن وسعد بن الربيع، فقال لعبد الرحمن: إني أكثر الأنصار مالا، فاقسم مالي نصفين، ولي امرأتان، فانظر أعجبهما إليك فسمها لي، أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، وأين سوقكم؟ فدلوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط وسمن، ثم تابع الغدو، ثم جاء يوما وبه أثر صفرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مهيم؟ قال: تزوجت. قال: كم سقت إليها؟ قال: نواة من ذهب «2» .
وروى عن أبي هريرة قال: قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل.
قال: لا. فقالوا: فتكفونا المؤنة، ونشرككم في الثمرة. قالوا: سمعنا وأطعنا «3» .
وهذا يدلنا على ما كان عليه الأنصار من الحفاوة البالغة بإخوانهم المهاجرين، ومن التضحية والإيثار والود والصفاء، وما كان عليه المهاجرون من تقدير هذا الكرم حق قدره، فلم يستغلوه ولم ينالوا منه إلا بقدر ما يقيم أودهم.
وحقا فقد كانت هذه المؤاخاة فذة، وسياسة صائبة حكيمة، وحلا رائعا لكثير من المشاكل التي كان يواجهها المسلمون، والتي أشرنا إليها.
ميثاق التحالف الإسلامي:
وكما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقد المؤاخاة بين المؤمنين، قام بعقد معاهدة أزاح بها كل ما كان
(1) فقه السيرة ص 140، 141.
(2)
صحيح البخاري. باب إخاء النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار 1/ 553.
(3)
صحيح البخاري- باب إذا قال: اكفني مؤنة النخل إلخ 1/ 312.
من حزازات الجاهلية، والنزعات القبلية، ولم يترك مجالا لتقاليد الجاهلية، وهاك بنودها ملخصا:
هذا كتاب من محمد النبي- صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم:
(1)
أنهم أمة واحدة من دون الناس.
(2)
المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وكل قبيلة من الأنصار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
(3)
وأن المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل.
(4)
وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم، أو ابتغى دسيعة «1» ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين.
(5)
وأن أيديهم عليه جميعا، ولو كان ولد أحدهم.
(6)
ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر.
(7)
ولا ينصر كافرا على مؤمن.
(8)
وأن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم.
(9)
وأن من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم.
(10)
وأن سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم.
(11)
وأن المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله.
(12)
وأنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا، ولا يحول دونه على مؤمن.
(13)
وأنه من اعتبط مؤمنا «2» قتلا عن بينة فإنه قود به، إلا أن يرضى ولي المقتول.
(1) الدسع: الدفع كالدسر. والمعنى أي طلب دفع ظلم. لسان العرب بتصرف.
(2)
اعتبط مؤمنا قتلا: قتله بلا جناية كانت منه ولا جريرة توجب قتله. لسان العرب.