الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المدينة أن طلحة وسلمة ابني خويلد قد سارا في قومهما ومن أطاعهما، يدعون بني أسد بن خزيمة إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فسارع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعث سرية قوامها مائة وخمسون مقاتلا من المهاجرين والأنصار، وأمر عليهم أبا سلمة وعقد له لواء، وباغت أبو سلمة بني أسد بن خزيمة في ديارهم قبل أن يقوموا بغارتهم، فتشتتوا في الأمر، وأصاب المسلمون إبلا وشاء لهم، فاستاقوها، وعادوا إلى المدينة سالمين غانمين لم يلقوا حربا.
كان مبعث هذه السرية حين استهل هلال المحرم سنة 4 هـ، وعاد أبو سلمة وقد نغر عليه جرح كان قد أصابه في أحد، فلم يلبث حتى مات «1» .
بعث عبد الله بن أنيس:
وفي اليوم الخامس من نفس الشهر- المحرم سنة 4 هـ- نقلت الاستخبارات أن خالد بن سفيان الهذلي يحشد الجموع لحرب المسلمين، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أنيس ليقضي عليه.
وظل عبد الله بن أنيس غائبا عن المدينة ثماني عشرة ليلة، ثم قدم يوم السبت لسبع بقين من المحرم، وقد قتل خالدا وجاء برأسه، فوضعه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فأعطاه عصا، وقال:
«هذه آية بيني وبينك يوم القيامة، فلما حضرته الوفاة أوصى أن تجعل معه في أكفانه» «2» .
بعث الرجيع:
وفي شهر صفر من نفس السنة- أي الرابعة من الهجرة- قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من عضل وقارة. وذكروا أن فيهم إسلاما. وسألوا أن يبعث معهم من يعلمهم الدين، ويقرئهم القرآن، فبعث معهم ستة نفر- في قول ابن إسحاق وفي رواية البخاري أنهم كانوا عشرة- وأمر عليهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي- في قول ابن إسحاق وعند البخاري أنه عاصم بن ثابت جد عاصم بن عمر بن الخطاب- فذهبوا معهم، فلما كانوا بالرجيع- وهو ماء لهذيل بناحية الحجاز
(1) زاد المعاد 2/ 108.
(2)
نفس المصدر 2/ 109، وابن هشام 2/ 619، 620.
بين رابغ وجدة- استصرخوا عليهم حيا من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فتبعوهم بقرب من مائة رام، واقتصوا آثارهم حتى لحقوهم، فأحاطوا بهم- وكانوا قد لجأوا إلى فدفد- وقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلا. فأما عاصم فأبى من النزول، وقاتلهم في أصحابه، فقتل منهم سبعة بالنبل، وبقي خبيب وزيد بن الدثنة ورجل آخر فأعطوهم العهد والميثاق مرة أخرى، فنزلوا إليهم، ولكنهم غدروا بهم وربطوهم بأوتار قسيهم، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، وأبى أن يصحبهم، فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم، فلم يفعل، فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد فباعوهما بمكة، وكانا قتلا من رؤوسهم يوم بدر، فأما خبيب فمكث عندهم مسجونا، ثم أجمعوا على قتله، فخرجوا به من الحرم إلى التنعيم، فلما أزمعوا على صلبه قال: دعوني حتى أركع ركعتين، فتركوه فصلاهما، فلما سلم قال: والله لولا أن تقولوا:
إن ما بي جزع لزدت، ثم قال: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا، ثم قال:
لقد أجمع الأحزاب حولي وألبوا
…
قبائلهم واستجمعوا كل مجمع
وقد قربوا أبناءهم ونساءهم
…
وقربت من جذع طويل ممنع
إلى الله أشكو غربتي بعد كربتي
…
وما جمع الأحزاب لي عند مضجعي
فذا العرش صبرني على ما يراد بي
…
فقد بضعوا لحمي وقد بؤس مطعمي
وقد خيروني الكفر والموت دونه
…
فقد ذرفت عيناي من غير مدمع
ولست أبالي حين أقتل مسلما
…
على أي شق كان في الله مضجعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
…
يبارك على أوصال شلو ممزع
فقال له أبو سفيان: أيسرك أن محمدا عندنا نضرب عنقه، وأنك في أهلك؟ فقال:
لا والله ما يسرني أني في أهلي وأن محمدا في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه.
ثم صلبوه ووكلوا به من يحرس جثته، فجاء عمرو بن أمية الضمري، فاحتمله بخدعة ليلا، فذهب به فدفنه، وكان الذي تولى قتل خبيب هو عقبة بن الحارث وكان خبيب قد قتل أباه حارثا يوم بدر.
وفي الصحيح أن خبيبا أول من سن الركعتين عند القتل، وأنه رئي وهو أسير يأكل قطفا من العنب، وما بمكة تمرة.