الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما تسابق المسلمون في إنفاق الأموال وبذل الصدقات. كان عثمان بن عفان قد جهز عيرا للشام، مائتا بعير بأقتابها وأحلاسها، ومائتا أوقية، فتصدق بها ثم تصدق بمائة بعير بأحلاسها وأقتابها، ثم جاء بألف دينار فنثرها في حجره صلى الله عليه وسلم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلبها ويقول:
«ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم» «1» ، ثم تصدق وتصدق، حتى بلغ مقدار صدقته تسعمائة بعير ومائة فرس سوى النقود.
وجاء عبد الرحمن بن عوف بمائتي أوقية فضة، وجاء أبو بكر بماله كله، ولم يترك لأهله إلا الله ورسوله- وكانت أربعة آلاف درهم، وهو أول من جاء بصدقته، وجاء عمر بنصف ماله، وجاء العباس بمال كثير، وجاء طلحة وسعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة، كلهم جاءوا بمال، وجاء عاصم بن عدي بتسعين وسقا من التمر، وتتابع الناس بصدقاتهم قليلها وكثيرها، حتى كان منهم من أنفق مدا أو مدين لم يكن يستطيع غيرها؛ وبعثت النساء ما قدرن عليه من مسك ومعاضد وخلاخل وقرط وخواتم.
ولم يمسك أحد يده، ولم يبخل بماله إلا المنافقون الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ (9: 79)
الجيش الاسلامي إلى تبوك:
وهكذا تجهز الجيش، فاستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري، وقيل سباع بن عرفطة، وخلف على أهله علي بن أبي طالب، وأمره بالإقامة فيهم، وغمص عليه المنافقون، فخرج فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فرده إلى المدينة وقال:«ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي» .
ثم تحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخميس نحو الشمال يريد تبوك، ولكن الجيش كان كبيرا- ثلاثون ألف مقاتل، لم يخرج المسلمون في مثل هذا الجمع الكبير قبله قط- فلم يستطع المسلمون مع ما بذلوه من الأموال أن يجهزوه تجهيزا كاملا. بل كانت في الجيش قلة شديدة بالنسبة إلى الزاد والمراكب، فكان ثمانية عشر رجلا يعتقبون بعيرا واحدا وربما أكلوا أوراق
(1) جامع الترمذي. مناقب عثمان بن عفان 2/ 211.
الأشجار حتى تورمت شفاههم، واضطروا إلى ذبح البعير- مع قلتها- ليشربوا ما في كرشه من الماء، ولذلك سمي هذا الجيش جيش العسرة.
ومر الجيش الإسلامي في طريقه إلى تبوك بالحجر- ديار ثمود الذين جابوا الصخر بالواد، أي وادي القرى- فاستقى الناس من بئرها، فلما راحوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا تشربوا من مائها ولا تتوضأوا منه للصلاة. وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل، ولا تأكلوا منه شيئا» ، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها ناقة صالح عليه السلام.
وفي الصحيحين عن ابن عمر قال: لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم؛ أن يصيبكم ما أصابهم، إلا أن تكونوا باكين» ، ثم قنع رأسه وأسرع بالسير حتى جاز الوادي «1» .
واشتدت في الطريق حاجة الجيش إلى الماء حتى شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا الله، فأرسل الله سحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس، واحتملوا حاجاتهم من الماء.
ولما قرب من تبوك قال: «إنكم ستأتون غدا إن شاء الله تعالى عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي» . قال معاذ: فجئنا وقد سبق إليها رجلان، والعين تبض بشيء من مائها، فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هل مسستما من مائها شيئا» ؟ قالا: نعم. وقال لهما ما شاء الله أن يقول، ثم غرف من العين قليلا حتى اجتمع الوشل، ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وجهه ويده، تم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير فاستقى الناس، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى هاهنا قد ملىء جنانا» «2» .
وفي الطريق أو لما بلغ تبوك- على اختلاف الروايات- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تهب عليكم الليلة ريح شديدة، فلا يقم أحد منكم، فمن كان له بعير فليشد عقاله» ، فهبت ريح شديدة، فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طيء «3» .
(1) صحيح البخاري باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم الحجر 2/ 637.
(2)
رواه مسلم عن معاذ بن جبل 2/ 246.
(3)
نفس المصدر.