الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمرة القضاء
قال الحاكم: تواترت الأخبار أنه صلى الله عليه وسلم لما هل ذو القعدة أمر أصحابه أن يعتمروا قضاء عمرتهم، وأن لا يتخلف منهم أحد شهد الحديبية، فخرجوا إلا من استشهد، وخرج معه آخرون معتمرين، فكانت عدتهم ألفين سوى النساء والصبيان. أه «1» .
واستخلف على المدينة عويف أبا رهم الغفاري، وساق ستين بدنة، وجعل عليها ناجية بن جندب الأسلمي، وأحرم للعمرة من ذي الحليفة، ولبى، ولبى المسلمون معه، وخرج مستعدا بالسلاح والمقاتلة، خشية أن يقع من قريش غدر، فلما بلغ يأجج وضع الأداة كلها، الحجف، والمجان، والنبل، والرماح، وخلف عليها أوس بن خولي الأنصاري في مائتي رجل، ودخل بسلاح الراكب والسيوف في القرب «2» .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الدخول راكبا على ناقته القصواء، والمسلمون متوشحو السيوف، محدقون برسول الله صلى الله عليه وسلم يلبون.
وخرج المشركون إلى جبل قعيقعان- الجبل الذي في شمال الكعبة- ليروا المسلمين، وقد قالوا فيما بينهم: إنه يقدم عليكم وفد وهنتهم حمى يثرب، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا ما بين الركنين. ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء، وإنما أمرهم بذلك ليري المشركين قوته «3» ، كما أمرهم بالاضطباع، أي أن يكشفوا المناكب اليمنى، ويضعوا طرفي الرداء على اليسرى.
(1) فتح الباري 7/ 700.
(2)
نفس المصدر وزاد المعاد 2/ 151.
(3)
صحيح البخاري 1/ 218، 2/ 610، 611، صحيح مسلم 1/ 412.
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من الثنية التي تطلعه على الحجون- وقد صف المشركون ينظرون إليه- فلم يزل يلبي حتى استلم الركن بمحجنه، ثم طاف، وطاف المسلمون، وعبد الله بن رواحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتجز متوشحا بالسيف:
خلوا بني الكفار عن سبيله
…
خلوا فكل الخير في رسوله
قد أنزل الرحمن في تنزيله
…
في صحف تتلى على رسوله
يا رب إني مؤمن بقيله
…
إني رأيت الحق في قبوله
بأن خير القتل في سبيله
…
اليوم نضربكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله
…
ويذهل الخليل عن خليله «1»
وفي حديث أنس فقال عمر: يا ابن رواحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي حرم الله تقول الشعر؟. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«خل عنه يا عمر، فلهو أسرع فيهم من نضح النبل» «2» .
ورمل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ثلاثة أشواط، فلما رآهم المشركون قالوا: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا «3» .
ولما فرغ من الطواف سعى بين الصفا والمروة، فلما فرغ من السعي، وقد وقف الهدي عند المروة، قال:«هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر» . فنحر عند المروة وحلق هناك، وكذلك فعل المسلمون، ثم بعث ناسا إلى يأجج، فيقيموا على السلاح، ويأتي الآخرون فيقضون نسكهم ففعلوا.
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثا، فلما أصبح من اليوم الرابع أتوا عليا، فقالوا: قل لصاحبك: اخرج عنا، فقد مضى الأجل، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل بسرف فأقام بها.
ولما أراد الخروج من مكة تبعتهم ابنة حمزة، تنادي يا عم يا عم، فتناولها علي، واختصم فيها علي وجعفر وزيد، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم لجعفر، لأن خالتها كانت تحته.
وفي هذه العمرة تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بميمونة بنت الحارث العامرية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل
(1) اضطربت الأشعار وترتيبها في الروايات فجمعنا بين شتيتها.
(2)
رواه الترمذي، أبواب الاستئذان والأدب، باب ما جاء في إنشاد الشعر 2/ 107.
(3)
صحيح مسلم 1/ 412.
الدخول في مكة بعث جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة، فجعلت أمرها إلى العباس، وكانت أختها أم الفضل تحته، فزوجها إياه، فلما خرج من مكة خلف أبا رافع ليحمل ميمونة إليه حين يمشي، فبنى بها بسرف «1» .
وسميت هذه العمرة بعمر القضاء؛ إما لأنها كانت قضاء عن عمرة الحديبية، أو لأنها وقعت حسب المقاضاة أي المصالحة التي وقعت في الحديبية، والوجه الثاني رجحه المحققون «2» وهذه العمرة تسمى بأربعة أسماء: القضاء، والقضية، والقصاص، والصلح «3» .
وبعد الرجوع من عمرة القضاء بعث عدة سرايا، هاك تفصيلها:
1-
سرية ابن أبي العوجاء، في ذي الحجة سنة 7 هـ، في خمسين رجلا بعثه رسول الله إلى بني سليم، ليدعوهم إلى الإسلام، فقالوا: لا حاجة لنا إلى ما دعوتنا، ثم قاتلوا قتالا شديدا، جرح فيه أبو العوجاء، وأسر رجلان من العدو.
2-
سرية غالب بن عبد الله إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك في صفر سنة 8 هـ. بعث في مائتي رجل، فأصابوا من العدو نعما، وقتلوا منهم قتلى.
3-
سرية ذات أطلح في ربيع الأول سنة 8 هـ. كانت بنو قضاعة قد حشدت جموعا كبيرة للإغارة على المسلمين، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عمير الأنصاري في خمسة عشر رجلا، فلقوا العدو، فدعوهم إلى الإسلام، فلم يستجيبوا لهم، وأرشقوهم بالنبل حتى استشهدوا كلهم إلا رجل واحد، فقد ارتث من يبن القتلى «4» .
4-
سرية ذات عرق إلى بني هوازن في ربيع الأول سنة 8 هـ. كانت بنو هوازن قد أمدت الأعداء مرة بعد أخرى، فأرسل إليه شجاع بن وهب الأسدي في خمسة وعشرين رجلا، فاستاقوا نعما من العدو، ولم يلقوا كيدا «5» .
(1) زاد المعاد 2/ 152.
(2)
انظر زاد المعاد 1/ 172، فتح الباري 7/ 500.
(3)
انظر نفس المصدر الأخير.
(4)
رحمة للعالمين 2/ 231.
(5)
نفس المصدر وتلقيح فهوم أهل الأثر لابن الجوزي ص 33 حاشية.