الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والله هذا صاحب قريش الذي ذكروا من أمره ما ذكروا، لقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا، وأصبح صوت بمكة عاليا يسمعونه ولا يرون القائل:
جزى الله رب العرش خير جزائه
…
رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر وارتحلا به
…
وأفلح من أمسى رفيق محمد
فيا لقصي ما زوى الله عنكم
…
به من فعال لا يجازى وسؤدد
ليهن بني كعب مكان فتاتهم
…
ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها
…
فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
قالت أسماء: ما درينا أين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل من الجن من أسفل مكة فأنشد هذه الأبيات، والناس يتبعونه ويسمعون صوته ولا يرونه، حتى خرج من أعلاها.
قالت: فلما سمعنا قوله عرفنا حيث توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن وجهه إلى المدينة «1» .
(5)
وفي الطريق لقي النبي صلى الله عليه وسلم أبا بريدة، وكان رئيس قومه، خرج في طلب النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر؛ رجاء أن يفوز بالمكافأة الكبيرة التي كان قد أعلن عنها قريش، ولما واجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه أسلم مكانه مع سبعين رجلا من قومه، ثم نزع عمامته، وعقدها برمحه، فاتخذها راية تعلن بأن ملك الأمن والسلام قد جاء ليملأ الدنيا عدلا وقسطا «2» .
(6)
وفي الطريق لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في ركب المسلمين، كانوا تجارا قافلين من الشام، فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثيابا بيضاء «3» .
النزول بقباء:
وفي يوم الإثنين 8 ربيع الأول سنة 14 من النبوة- وهي السنة الأولى من الهجرة- الموافق 23 سبتمبر سنة 622 م نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء «4» .
(1) زاد المعاد 2/ 53، 54.
(2)
رحمة للعالمين 1/ 101.
(3)
روى ذلك البخاري عن عروة بن الزبير 1/ 554.
(4)
رحمة للعالمين 1/ 102- وفي هذا اليوم تم عمره صلى الله عليه وسلم ثلاثة وخمسين عاما كاملا لا وكس ولا شطط، وتم على نبوته ثلاثة عشر عاما كاملا عند من يقول: إنه أكرم بالنبوة في 9 ربيع الأول في سنة 41 من عام الفيل، وأما-
قال عروة بن الزبير: سمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة، فيتنظرونه حتى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يوما بعد ما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم أو فى رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته يا معاشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح «1» .
قال ابن القيم: وسمعت الرّجّة والتكبير في بني عمرو بن عوف، وكبر المسلمون فرحا بقدومه، وخرجوا للقائه، فتلقوه وحيوه بتحية النبوة، فأحدقوا به مطيفين حوله، والسكينة تغشاه، والوحي ينزل عليه: فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (66: 4)«2» .
قال عروة بن الزبير: فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعدل بهم ذات اليمين، حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الإثنين من شهر ربيع الأول. فقام أبو بكر للناس، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيي- وفي نسخة: يجيء- أبا بكر، حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك «3» .
وكانت المدينة كلها قد زحفت للاستقبال، وكان يوما مشهودا لم تشهد المدينة مثله في تاريخها، وقد رأى اليهود صدق بشارة حبقوق النبي: إن الله جاء من التيمان، والقدوس من جبال فاران «4» .
ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء على كلثوم بن الهدم، وقيل: بل على سعد بن خيثمة، والأول أثبت، ومكث علي بن أبي طالب بمكة ثلاثا، حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت
- من يقول: إنه أكرم بالنبوة في رمضان سنة 41 من عام الفيل فعنده يتم على نبوته- في ذلك اليوم- اثنى عشر عاما وخمسة أشهر و 18 يوما أو 22 يوما.
(1)
صحيح البخاري 1/ 555.
(2)
زاد المعاد 2/ 54.
(3)
صحيح البخاري 1/ 555.
(4)
صحيفة حبقوق (3: 3) .