الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعضهم يقتل بعضا غما، وكانوا نحروا البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة، ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم جملا كان لأبي جهل، كان في أنفه برة من فضة، ليغيظ به المشركين، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثا بالمغفرة وللمقصرين مرة. وفي هذا السفر أنزل الله فدية الأذى لمن حلق رأسه بالصيام، أو الصدقة، أو النسك في شأن كعب بن عجرة.
الاباء عن رد المهاجرات:
ثم جاء نسوة مؤمنات فسأل أولياؤهن أن يردهن عليهم بالعهد الذي تم في الحديبية، فرفض طلبهم هذا، بدليل أن الكلمة التي كتبت في المعاهدة بصدد هذا البند هي:(وعلى أنه لا يأتيك منا رجل، وإن كان على دينك إلا رددته علينا)«1» فلم تدخل النساء في العقد رأسا. وأنزل الله في ذلك يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ حتى بلغ بِعِصَمِ الْكَوافِرِ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحنهن بقوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً إلخ، فمن أقرت بهذه الشروط قال لها: قد بايعتك. ثم لم يكن يردهن.
وطلق المسلمون زوجاتهم الكافرات بهذا الحكم. فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك. تزوج بإحداهما معاوية، وبالأخرى صفوان بن أمية.
ماذا يتمخض عن بنود المعاهدة:
هذه هي هدنة الحديبية، ومن سير أغوار بنودها مع خلفياتها لا يشك أنها فتح عظيم للمسلمين، فقريش لم تكن تعترف بالمسلمين أي اعتراف، بل كانت تهدف استئصال شأفتهم، وتنتظر أن تشهد يوما ما نهايتهم، وكانت تحاول بأقصى قوتها الحيلولة بين الدعوة الإسلامية، وبين الناس، بصفتها ممثلة الزعامة الدينية والصدارة الدنيوية في جزيرة العرب، ومجرد الجنوح إلى الصلح اعتراف بقوة المسلمين، وأن قريشا لا تقدر على مقاومتهم، ثم البند الثالث يدل لفحواه على أن قريشا نسيت صدارتها الدنيوية وزعامتها الدينية، وأنها لا تهمها الآن إلا نفسها، أما سائر الناس وبقية جزيرة العرب فلو دخلت في الإسلام بأجمعها، فلا يهم ذلك قريشا، ولا تتدخل في ذلك بأي نوع من أنواع التدخل. أليس هذا فشلا ذريعا بالنسبة إلى
(1) صحيح البخاري 1/ 380.
قريش؟ وفتحا مبينا بالنسبة إلى المسلمين؟ إن الحروب الدامية التي جرت بين المسلمين وبين أعدائهم لم تكن أهدافها- بالنسبة إلى المسلمين- مصادرة الأموال وإبادة الأرواح، وإفناء الناس، أو إكراه العدو على اعتناق الإسلام، وإنما كان الهدف الوحيد الذي يهدفه المسلمون من هذه الحروب هو الحرية الكاملة للناس في العقيدة والدين فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ. لا يحول بينهم وبين ما يريدون أي قوة من القوات، وقد حصل هذا الهدف بجميع أجزائه ولوازمه، وبطريق ربما لا يحصل بمثله في الحروب مع الفتح المبين، وقد كسب المسلمون لأجل هذه الحرية نجاحا كبيرا في الدعوة، فبينما كان عدد المسلمين لا يزيد على ثلاثة آلاف قبل الهدنة؛ صار عدد الجيش الإسلامي في سنتين عند فتح مكة عشرة آلاف.
أما البند الثاني؛ فهو جزء ثان لهذا الفتح المبين، فالمسلمون لم يكونوا بادئين بالحروب، وإنما بدأتها قريش، يقول الله تعالى وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، أما المسلمون فلم يكن المقصود من دورياتهم العسكرية إلا أن تفيق قريش عن غطرستها، وصدها عن سبيل الله، وتعمل معهم بالمساواة، كل من الفريقين يعمل على شاكلته فالعقد بوضع الحرب عشر سنين حد لهذه الغطرسة والصد، ودليل على فشل من بدأ الحرب وضعفه وانهياره.
أما البند الأول؛ فهو حد لصد قريش عن المسجد الحرام، فهو أيضا فشل لقريش، وليس فيه ما يشفي قريشا سوى أنها نجحت في الصد لذلك العام الواحد فقط.
أعطت قريش هذه الخلال الثلاث للمسلمين، وحصلت بإزائها خلة واحدة فقط، وهي ما في البند الرابع، ولكن تلك الخلة تافهة جدا، ليس فيها شيء يضر بالمسلمين، فمعلوم أن المسلم ما دام مسلما لا يفر عن الله ورسوله، وعن مدينة الإسلام، ولا يفر إلا إذا ارتد عن الإسلام ظاهرا أو باطنا، فإذا ارتد فلا حاجة إليه للمسلمين، وانفصاله من المجتمع الإسلامي خير من بقائه فيه، وهذا الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله «1» ، وأما من أسلم من أهل مكة- فهو وإن لم يبق للجوئه إلى المدينة سبيل- لكن أرض الله واسعة، ألم تكن الحبشة واسعة للمسلمين حينما لم يكن يعرف أهل المدينة عن الإسلام شيئا؟
وهذا الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا» «2» .
(1) صحيح مسلم باب صلح الحديبية 2/ 105.
(2)
نفس المصدر.