الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمرين السادس: استئصال الأورام الخبيثة:
أيها الإخوة .. قد يتسرطنُ عيب .. وقد يتجدرُ ذنب .. وقد تتأصلُ عادة .. ولا يُجدي مع هذا أساليب العلاج التقليدية .. إنما هي عملية جراحية قبل دخول رمضان لاستئصال كل عيب.
أحد عشر شهرًا قضيناها في اللعب والتهريج، لذلك فإن علاج أمراض ومآسي وذنوب ومخالفات وغفلة سبعة أشهر ليس بالأمر السهل؛ لأنه من الممكن في هذه الفترة أن يظهر عيبٌ صغير، ولكن تركه سبعة أشهر كاملة يتسبب في انتشار سرطاني في الإيمان.
ومشكلة السرطان أنه يتفشى وينتشر ويملأ ما حوله .. فلابد من الإسراع في معالجة هذه العيوب والذنوب والعادات السيئة، لئلا تهيج وتقضي على القلب .. وعلاجها ليس تقليديًّا بالمهدئات والمسكنات .. لا .. بل تحتاج لاستئصال سريع لإسعاف الحالة الإيمانية .. والاستئصال يتطلب خطوات ثلاثة:
1 -
همة عالية .. شحذتهَا بالأعمال:
قال الله سبحانه وتعالى {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة:3 - 4].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كان الإيمان في الثريا؛ لناله رجال"(1).
وقال ابن القيم عليه رحمه الله: الوصول إلى المطلوب موقوفٌ على همةٍ عالية ونية صحيحة.
(1) متفق عليه، البخاري (4615)، مسلم (2546).
أحبتي في الله ..
الكلام سهل، والوصف والتوصيف غاية في البساطة، والوهم قاتل، والأماني تغر، والمَحَكُّ هو العلم، فأين الأعمال؟، كثيرًا ما نسمع كلامًا ونحصل على وعود ولا نرى عملًا حقيقيًّا مؤثرًا، كما قيل: أسمعُ ضجيجًا ولا أرى طحنًا.
كثير من الشباب في غاية الكسل، لا يعمل ولا يتحرك ثم يشتكي الفتور! .. ويشكو عدم الخشوع، ويشكو قسوة القلب، ودواؤه بين يديه، قم واعمل، قال سبحانه وتعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].
إننا وبين يدي رمضان، نحتاج إلى همة عالية، نحتاج أن ندخل رمضان بنفسية التحدي، أكون أو لا أكون .. وكأني بالصحابي الجليل أنس بن النضر وكان قد غاب عن غزوة بدر، ونزل قول الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا في سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 218]، قال: والله لئن أشهدني الله مشهدًا ليرين ما أصنع .. إنني أتعجب من هذه العزيمة .. أنا في غاية الإعجاب بهذه الكلمة.
أخي الحبيب ..
كم فات في عمرك رمضان، لم تعتق رقبتك فيه على كثرة الفرص؟!
كم فات من عمرك رمضان لم تغفر ذنوبك المتقدمة على كثرة الفرص؟!
كم فات من عمرك رمضان، ولم تدرك ليلة القدر كما ينبغي على كثرة الفرص؟!
ليتك تصنع كما صنع أنس بن النضر فتقول كما قال: والله لئن بلغني الله رمضان .. ليرين ما أصنع ..
ولكن، القضية كما ذكرت لك سابقًا ليست كلامًا، إنها تحدٍّ وقوة وعزم .. لأننا رأينا من قالها قبل ذلك في أول رمضان ثم نام .. وإنما كانت صادقة من أنس بن النضر حتى إنه أشهد الله من نفسه البطولة في غزوة أحد بعدها مباشرة؛ لأنه انصدع قلبه عندما علم بأجر المجاهدين الذي فاته، فتحرق قلبه لنيل هذا الأجر، فاستعد له قبل دخوله؛ لذلك فإنني أريدك من الآن وقبل رمضان أن تستعد وتتهيأ.
فيلزمنا العزم .. والقوة .. والعمل المكثف المستمر .. مع الهمة العالية، حتى نبدأ في استئصال الأمراض القلبية التي تفشت مع الغفلة الإيمانية خلال السنة الماضية، فالخطوة الأول أن تكف عن الشكوى، وتترك الكلام، وتبدأ العمل.
2 -
لا تستعمل أي مخدر:
إننا نحتاج إلى بداية حقيقية، دعونا من الخدل، خداع النفس وخداع الآخرين، قال الله سبحانه وتعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ الله فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء:142 - 143]، بالمصارحة أقول: دعك من المسكنات، ودعك من حقن التخدير، وأطباء التخدير الذي يصفون العلاج المؤقت ويعالجون بالوهم.
إننا حين نريد أن نستقبل رمضان بنفسية التحدي التي اتفقنا عليها سابقًا -أكون أو لا أكون- لا يصلح أن أقول لك: تدرج في العبادات، في الصيام والقيام والذكر وتلاوة القرآن؛ فإن هذا الكلام لا يصلح اليوم، إنما يصلح في الأوقات العادية حينما يكون هناك متسع من الوقت، أما الآن وفي الاستعداد لرمضان .. ابدأ فورًا .. لا تستعمل المسكنات، ولا ترضى بالتخدير، وتحمل
ألم البتر، بتر البطالة والكسل، بتر الغفلة واللَّهو واللعب، بتر الأماني والخداع والجهل، بتر كل الأمراض ليصح الإيمان .. ابدأ فورًا.
3 -
ابدأ العملية الجراحة فورًا:
فورًا .. فورًا .. لا تسويف .. لك أسوة في أئمتك من الرسل والأنبياء، انظر إلى سيدنا موسى عليه السلام كما جاء في الحديث:"أُرْسِلَ ملكُ الموت إلى موسى، فلما جاءه صكَّه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فرد الله عينه وقال: ارجع إليه وقيل له: يضع يده على متن ثور فله بكل ما غطت يده بكل شعرة سنة، قال: أي رب ثم ماذا؟!، قال ثم الموت، قال: فالآن"(1). نعم إن كان الموت لا بد منه فالآن .. عزيمة ماضية.
وكذلك سيدنا النبي محمَّد صلى الله عليه وسلم، لما خير بين مفاتيح خزائن الأرض والخلد فيها وبين ما عند الله، اختار ما عند الله.
ولما استعد صلى الله عليه وسلم للخروج إلى غزوة أحد ثم حاول بعض الصحابة أن يقنعوه بالمكث في المدينة، قال:"ما كان لنبي لَبِسَ لَأْمَةَ العرب أن يضعها حتى يفصل الله بينه وبين عدوه"(2).
في الاستعداد لرمضان، لبست لأمة العرب وبدأت الاستعداد؛ فابدأ فورًا بدون تسويف وبدون تأجيل، لا تقل: سأحاول، قل: قررت، لا تقل شيئًا، ابدأ فعلا في التخلص من أمراضك القلبية ومعاصيك الظاهرة والباطنة، تخلص من الغفلة والجهل، تخلص من كل ما يحرمك من رضا الله ويحول بينك وبين دخول الجنة.
(1) أخرجه مسلم (2372).
(2)
أخرجه أحمد (3/ 351)، وصححه الألباني (1100) في "السلسلة الصحيحة".