الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آداب الدعاء:
(1)
أن يترصد لدعائه الأوقات الشريفة كيوم عرفة من السنة، ورمضان من الأشهر، ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السحر من ساعات الليل.
(2)
أن يغتنم الأحوال الشريفة:
وإليك بعض الأوقات والأحوال التي يستجاب فيها الدعاء:
* وقت التنزل الإلهي:
قال صلى الله عليه وسلم: "إن في الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى فيها خيرًا من أمر الدنيا والآخرة؛ إلا أعطاه إياه وذلك في كل ليلة"(1).
* في السجود:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم"(2).
* أن يبيت على ذكر فيتعار من الليل فيدعو:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يبيت على ذكر طاهرًا فيتعار من الليل فيسأل الله تعالى خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله له"(3).
* عند الأذان:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا نودي بالصلاة فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء"(4).
(1) أخرجه مسلم (757).
(2)
أخرجه مسلم (479).
(3)
أخرجه أحمد (5/ 234)، وصححه الألباني (5754) في "صحيح الجامع".
(4)
أخرجه أحمد (3/ 342)، وصححه الألباني (803) في "صحيح الجامع".
* بين الأذان والإقامة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد"(1).
* عند نزول المطر، وعند التقاء الجيوش، وعند إقامة الصلاة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اطلبوا استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة، ونزول الغيث"(2).
* آخر ساعة من نهار الجمعة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة، منها ساعة لا يوجد عبد مسلم يسأل الله تعالى فيها شيئًا إلا آتاه الله إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر"(3).
* دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب:
دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير؛ قال الملك الموكل به: آمين، ذلك بمثل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب لا يرد"(4).
* دعوة المسافر، والمظلوم، والوالد لولده، ودعوة الصائم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر"(5).
(1) أخرجه أحمد (3/ 119)، وصححه الألباني (265) في "صحيح الترغيب والترهيب".
(2)
أخرجه البيهقي (6252)، وصححه الألباني (1026) في "صحيح الجامع".
(3)
أخرجه أبو داود (1048)، وصححه الألباني (8190) في "صحيح الجامع".
(4)
أخرجه مسلم (2733).
(5)
أخرجه ابن خزيمة (1901)، وصححه الألباني (3030) في "صحيح الجامع".
* عدم العجلة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت فلم يستجب لي"(1).
* دعاء رمضان:
فهو وقت صيام وزمان شريف، وهناك علاقة وطيدة بين فتح أبواب السماء وأبواب الرحمة وإجابة الدعاء، وهي حاصلة في رمضان، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لله في كل يوم وليلة عتقاء، لكل عبد منهم دعوة مستجابة"(2).
(3)
أن يدعو مستقبل القبلة، ويرفع يديه إلى السماء.
(4)
خفض الصوت بين المخافتة والجهر، قال تعالى:{قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: 110]، قالت عائشة رضي الله عنها: أي بدعائك، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا أيها الناس إن الذي تدعون ليس بأصم ولا غائب"(3).
(5)
أن لا يتكلف السجع في الدعاء، ادع بلسان الذلة والافتقار، لا بلسان الفصاحة والانطلاق.
(6)
التضرع والخشوع والرغبة والرهبة.
(7)
أن يجزم بالدعاء، ويوقن بالإجابة ويصدق رجاءه فيه: قال سفيان بن عيينة: لا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه، فإن الله عز وجل أجاب دعاء شر الخلق إبليس لعنه الله:{قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الحجر: 36 - 37].
(1) متفق عليه، البخاري (5981)، ومسلم (2735).
(2)
أخرجه أحمد (2/ 254)، وصححه الألباني (2169) في "صحيح الجامع".
(3)
متفق عليه، البخاري (2830)، مسلم (2704).
(8)
أن يلح في الدعاء، ويعظم المسألة، ويكرر الدعاء ثلاثًا: قال ابن مسعود: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا دعا ثلاثًا، وإذا سأل سأل ثلاثًا، وقال صلى الله عليه وسلم:"إذا تمنى أحدكم فليكثر؛ فإنما يسأل ربه"(1).
قال المناوي: إذا تمنى أحدكم خيرا من خير الدارين فليكثر الأماني فإنما يسأل ربه الذي رباه وأنعم عليه وأحسن إليه، فيعظم الرغبة ويوسع المسألة، ويسأله الكثير والقليل حتى شسع النعل، فإنه إن لم ييسره لا يتيسر، فينبغي للسائل إكثار المسألة ولا يختصر ولا يقتصر فإن خزائن الجود سحاء الليل والنهار، ولا يفنيها عطاء، وإن جل وعظم فعطاؤه بين الكاف والنون، وليس ذا بمناقض لقوله سبحانه:{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ الله بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 32]، فإن ذلك نهي عن تمني ما لأخيه بغيا وحسدا، وهذا تمني على الله سبحانه خيرا في دينه ودنياه وطلب من خزائنه اهـ.
(9)
أن يفتتح الدعاء بذكر الله والثناء عليه، وأن يختمه بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله:"كل دعاء محجوب حتى يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم"(2).
قال أبو سليمان الداراني رحمه الله: من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأل حاجته، ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل يقبل الصلاتين، وهو أكرم من أن يدع ما بينهما.
(10)
وهو الأدب الباطن، وهو الأصل في الإجابة، التوبة ورد
(1) أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط"(2/ 301، وصححه الألباني (437) في "صحيح الجامع".
(2)
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"(1575)، وحسنه الألباني (4523) في "صحيح الجامع".
المظالم والإقبال على الله عز وجل بكنه الهمة، فذلك هو السبب القريب في الإجابة.
قال مالك بن دينار: إنكم تستبطئون المطر، وأنا أستبطئ الحجارة، أي نزول الحجارة.
وقال ابن المبارك: قدمت المدينة في عام شديد القحط، فخرج الناس يستسقون فخرجت معهم، إذا أقبل غلام أسود، فجلس إلى جنبي فسمعته يقول: إلهي .. أخلقت الوجوه عندك كثرةُ الذنوب ومساوئُ الأعمال، وقد حبست عنا غيث السماء لتؤدب عبادك بذلك، فأسألك يا حليمًا ذا أناة .. يا من لا يعرف عباده منه إلا الجميل أن تسقيهم الساعة، فلم يزل يقول: الساعة الساعة حتى اكتست السماء بالغمام وأقبل المطر من كل جانب، قال ابن المبارك: فجئت إلى الفضيل فقال لي: مالي أراك كئيبًا؟، قال: أمرٌ سَبَقَنَا إليه غيرنا فتولاه دوننا، وقصصت عليه القصة فخرَّ الفضيل مغشيا عليه.
إخوتاه ..
الدعاء والمناجاة والتضرع والافتقار بالأسحار؛ عبادة لها لذة، وفي رمضان لها طعم آخر، لها في رمضان مذاق خاص، والسعيد السعيد من قام في السحر يناجي ربه ويتملقه؛ ليستنشق نسيم الأنس بالله، فوالله ثم تالله لو شممت نسيم الأسحار لاستفاق منك قلبك المخمور.
وفي هذا الفصل بالبكاء علي النفس، والرجاء لفضل الله، والخوف من النيران وطلب الجنان، نتعرض لأمثلة عطرة من مناجاة وأدعية السلف الأكابر، لنتعلم كيف نتملق ربنا ونستفتح لديه بالدعاء، ولم نتعرض لأدعية القرآن الكريم والسنة؛ فهي بفضل الله معروفة لديكم ومشهورة.
إخوتاه ..
قال يحيى بن معاذ الواعظ: طوبى لعبد أصبحت العبادة حرفته، والفقر منيته، والعزلة شهوته، والآخرة همته، وطلب العيش بلغته، وجعل الموت فكرته، وشغل بالزهد نيته، وأمات بالذل عزته، وجعل إلى الرب حاجته، يذكر في الخلوات خطيئته، وأرسل على الوجنة عبرته، وشكا إلى ربه غربته، وسأله بالتوبة رحمته، وطوبى لمن كان ذلك صفته، وعلى الذنوب ندامته، جئار لليل والنهار، وبكاء إلى الله بالأسحار، يناجي الرحمن، ويطلب الجنان، ويخاف النيران.
إخوتاه ..
لو رأيتم أرباب القلوب والأسرار، وقد أخذوا أهبة التعبد في الأسحار، وقاموا في مقام الخوف على قدم الاعتذر، {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} .
عقدوا عزم الصيام وما جاء النهار، وسجنوا الألسنة فليس فيهم مهذار، وغضوا أبصارهم ولازمٌ غَضُّ الأبصار، فانظر مدحهم إلى أين إنتهى وصار، أحزانهم أحزان ثكلى مالها اصطبار، ودموعهم لولا للتحري لقلت كالأنهار، ووجوههم من الخوف قد علاها الصفار، والقلق قد أحاط بهم ودار، {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} .
جَدُّوا في انطلاقهم إلى خلَاّقهم، ورضوا أنفسهم بتحسين أخلاقهم، فإذا بهم قد أذابهم كرب اشتياقهم، أتدري ما الذي حبسك عن لحاقهم: حب الدرهم والدينار.
أيقظنا الله وإياكم من هذه السَّنة ورزقنا اتباع النفوس المحسنة، وآتانا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة ووقانا عذاب النار.
من أدعية السلف
…
ومناجاتهم:
• ربِّ، ما أحكمَك وأمجدَك وأجودَك وأرأفك، وأرحمك وأعدلك وأقربك، وأقدرك وأقهرك، وأوسعَك وأقضاك، وأبينك وأنورك وألطفك وأخبرَك، وأعلمك وأشكرك وأحلمك، وأحكمك وأعطفك وكرمك ..
• رب، ما أرفعَ حُجتَك وأكثر مِدحتك، رب ما أبينَ كتابِك وأشدَّ عقابِك، رب ما أكرم مآبك وحسن ثوابك، رب ما أجزل عطاءك وأجل ثناءك، رب ما أحسن بلاءك وأسبغ نعماءك، رب ما أعلى مكانك وأعظم سلطانك، رب ما أمتن كيدك وما أغلب مكرك، رب ما أعز ملكك وأتم أمرك، رب ما أعظم عرشك وأشد بطشك، رب ما أوسع رحمتك وأعرض جنتك، رب ما أعز نصرك وأقرب فتحك، رب ما أعمر بلادك وأكثر عبادك، رب ما أوسع رزقك وأزيد شكرك، رب ما أسرع فرجك وأحكم صنعك، رب ما ألطف خيرك وأقوى أمرك، رب ما أنور عفوك وأجل ذكرك، رب ما أعدل حكمك وأصدق قولك، رب ما أوفى عهدك وأنجز وعدك، رب ما أحضر نفعك وأتقن صنعك ..
• إلهي .. تم نورك فهديت فلك الحمد، عَظُمَ حلمك فغفرت فلك الحمد، بسطت يدك فأعطيت فلك الحمد، ربنا وجهُك أكرمُ الوجوه، وجاهُكَ أعظمُ الجاه، وعَطِيتُك أفضل العطية وأهناها، تطاع ربَّنا فتشكر، وتعصى فتغفر، وتجيب المضطر، وتكشف الضر، وتشفي السُّقم، وتغفر الذنب، وتقبل التوبة، ولا يجزي بآلائك أحد، ولا يبلغ مدحك قول قائل.
• إلهي .. يا حَسَنَ التجاوز، يا من أظهر الجميل، وستر القبيح، يا من لا يؤاخذ بالجريرة، ولا يهتك الستر، يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة، يا صاحب كل نجوى، ويا منتهى كل شكوى، يا كريم الصفح،
يا عظيم المَنّ، يا مبتدئًا بالنعم قبل استحقاقها، يا ربَّنا وسيدَنا ومولانا، ويا غايةَ رغبتِنا، أسألك يا الله؛ أن لا تشوي وجهي بالنار.
• اللَّهم، أنت أحق من ذُكر، وأحق من عُبد، وأعظم من ابتغي، وأرأف من ملَك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى، أنت الملك لا شريك لك، والفرد لا نِدَّ لك، كل شيء هالك إلا وجهَك، لن تطاع إلا بإذنك، ولن تعصى إلا بعلمك، تطاع فتشكر، وتعصى فتغفر، أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، حُلْتَ دون النفوس، وأخذت بالنواصي، وكتبت الآثار، ونسخت الآجال، القلوب لك مُفضية، والسر عندك علانية، الحلال ما أحللت والحرام ما حرمت، والدين ما شرعت، والأمر ما قضيت، الخلق خلقك، والعبد عبدك، وأنت الرءوف الرحيم، اللَّهم لا تحرمني خير ما عندك بسوء ما عندي.
• يا سيدي وأملي، ومن به تم عملي، أعوذ بك من بدن لا ينتصب بين يديك، وأعوذ بك من قلبٍ لا يشتاق إليك، وأعوذ بك من دعاءٍ لا يصل إليك، وأعوذ بك من عينٍ لا تبكي عليك.
• يا من آنسني بقربه، وأوحشني من خلقه، وكان عند مسرتي؛ ارحم اليوم عَبرتي.
• شهد لك قلبي في النوازل بمعرفة الفضل لك، وكيف لا يشهد لك قلبي بذلك، ولا يحسن بقلبي أن يألف غيرك، هيهات، لقد خاب لديك المقصرون.
• إلهي، أصبحت وأمسيت وقلبي مُصِرٌّ على حبك سيدي، ومشتاق إلى لقائك، فعجل بذلك قبل أن يأتيني سواد الليل.
• قام البطالون وقمت معهم، قمنا إليك ونحن متعرضون لجودك، فكم من ذي جُرم قد صفحت له عن جرمه، وكم من ذي كربٍ عظيمٍ قد فرَّجْتَ له عن كربه، وكم من ذي ضُرٍّ كبيرٍ قد كشفت له عن ضره، فبعزتك ما دعانا إلى مسألتك بعد ما انطوينا عليه من معصيتك إلا الذي عرفتنا من جودك وكرمك، فأنت المؤمَّل لكُلِّ خير، والمرجوُّ عند كل نائبة.
• سيدي .. قصدَكَ عبدٌ روحُهُ لديك، وقيادُةُ بيديك، وأشتياقه إليك، واحسرتاه عليه، ليله أَرَق، ونهاره قلق، وأحشاؤه تحترق، ودموعه تستبق، شوقًا إلى رؤيتك، وحنينا إلى لقائك، ليس له راحةٌ دونك، ولا أمل غيرك.
• سيدي .. أحلى العطايا في قلبي رجاؤك وأعذب الكلام على لساني ثناؤك .. وأحب الساعات إليّ ساعةٌ يكون فيها لقاؤك.
• إلهي. . أغلقت الملوك أبوابها، وبابك مفتوح للسائلين، غرات النجوم، ونامت العيون، وأنت الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، إلهي .. فرشت الفرش، وخلا كل حبيب بحبيبه، وأنت حبيب المتهجدين وأنيس المستوحشين ..
• إلهي .. إن طردتني عن بابك فإلى باب مَن ألتجي، وإن قطعتنى عن خدمتك فخدمة مَنْ أرتجي ..
• إلهي .. إن عذبتني فإني مستحق العذاب والنقم، وأن عفوت عني فأنت أهل الجود والكرم، يا سيدي لك أخلص العارفون، وبفضلك نجا الصالحون، وبرحمتك أناب المقصرون، يا جميل العفو، أذقني برد عفوِك وحلاوة مغفرتك، وإن لم أكن أهلًا لذلك، فأنت أهل التقوى وأهل المغفرة.
• إلهي .. أنت الذي خلقتني، وفي الرحم صورتني، فارحمني إلهي،
فكما مننت عليَّ بالإِسلام؛ فامنن عليَّ بطاعتك، وبترك معاصيك أبدًا ما أبقيتني ولا بسرائري، ولا تخذلني بكثرة فضائحي ..
• سبحانك خالقي .. أنا الذي لم أزل لك عاصيًا، فمن أجل خطيئتي لا تَقَرُّ عيني، وهلكتُ أن لم تعف عني.
• سبحانك خالقي .. بأي وجهٍ ألقاك، وبأي قدم أقف بين يديك، بأي لسانٍ أناطقك، بأي عينٍ أنظر إليك؟، وأنت قد علمت سرائر أمري، وكيف أعتذر إليك إذا ختمت على لساني، ونطقتْ جوارحي بكل الذي قد كان مني!!
• سبحانك خالقي .. فأنا تائبٌ إليك، فأقبل توبتي، واستجب دعائي، وارحم شبابي، وأقلني عثرتى، وأرحم طول عَبرتي، ولا تفضحنى بالذى قد كان مني ..
• سبحانك خالقي .. أنت غياثُ المستغيثين، وقرة أعين العابدين، وحبيب قلوب الزاهدين، فإليك مستغاثي ومنقطعي؛ فارحم شبابي، واقبل توبتي، واستجب دعوتي، ولا تخذلني بالمعاصى التي كانت مني ..
• إلهي .. علمتني كتابك الذي أنزلته على رسولك محمَّد صلى الله عليه وسلم، ثم وقعتُ على معاصيك وأنت تراني، فمَن أشقى مني إذ عصيتك وأنت تراني، وفي كتابك المنزل قد نهيتني، إلهي، أنا إن ذكرتُ ذنوبي ومعصيتي لم تَقَرَّ عيني للذي كان مني؛ فأنا تائب إليك فأقبل ذلك مني، ولا تجعلني لنار جهنم وقودًا ..
• اللَّهم .. نوِّر دنيانا بنورٍ من توفيقك، واقطع أيامنا في الاتصال بك، وانظم شتاتنا في سلك طاعتك، عجبًا لمن عرفك ثم أحب غيرك، ولمن
سمع مناديك ثم تأخر عنك، إلهي، لا تعذب نفسًا قد عذبها الخوفُ منك .. ولا تخرس لسانًا كل ما يروي عنك .. ولا تُقِذْ بصرًا طالما يبكي لك .. ولا تخيب رجاءً وهو منوطٌ بك.
• إلهي .. ضع في ضعفي قوةً منك، ودع في كَفِّي كفًى عن غيرك، ارحم عبرة تترقرق على ما فاتها منك، برِّد كَبِدًا تحترق على بُعدها عنك.
• إلهي .. عرفتنا بربوبيتك، وأغرقتنا في بحار نعمتك، ودعوتنا إلى دار قدسك، ونعمتنا بذكرك وأنسك.
• إلهي، إن ظلمة ظلمنا لأنفسنا قد عمت، وبحار الغفلة على قلوبنا قد طمت، فالعجز شامل، والحصر حاصل، والتسليم أسلم، وأنت بالحال أعلم.
• إلهي .. ما عصيناك جهلًا بعقابك، ولا تعرضًا لعذابك، ولكن سولت لنا نفوسنا، وأعانتنا شقوتنا، وغرنا سترك علينا، وأطمعنا في عفوك برك بنا، فالآن من عذابك من يستنقذنا؟!، وبحبل من نعتصم إن قطعت حبلك عنا؟، واخجلاه من الوقوف غدًا بين يديك!!، وافضيحتنا إذا عرضت أعمالنا القبيحة عليك!!، اللَّهم اغفر ما علمت، ولا تهتك ما سترت.
• إلهي .. إن كنا عصيناك بجهل، فقد دعوناك بعقل، حيث علمنا أن لنا ربًا يغفر الذنوب ولا يبالي ..
يا من أقام لي غرس ذكري، وأجرى لي أنهارًا تجري، وجعل لي أيام عيد في اجتماع الورى، وأقام لي فيهم أسواق التقوى؛ أقبلت إليك معتمدًا عليك، ممتلئ القلب من رجائك، ورطب اللسان من دعائك، في قلبي من الذنوب زفرات، ومعي عليها ندامات، إن أعطيتني قبلت، وإن منعتني
رضيت، وإن تركتني دعوت، وإن دعوتني أجبت، فأعطني إلهي ما أريد، فإن لم تعطني ما أريد؛ فارزقني الصبر على ما تريد.
• اللَّهم، ارحم غربتي في الدنيا، وارحم مصرعى عند الموت، وارحم قيامي بين يديك.
• اللَّهم، إن خطيئتي تعذبني، وتوبتي تذوبني؛ فعيشتي طول دهري بين تعذيب وتذويب.
• واسوأتاه منك، إذا شاهدتني وهمتي تسبق إلى سواك، أم كيف لا أضنى في طلب رضاك.
• إلهي .. ما أشوقني إلى لقائك، وأعظم رغبتي لجزائك، وأنت الكريم الذي لا يخيب لديك أمل الآملين، ولا يبطل عندك شوق المشتاقين.
• إلهي .. إن كان دنا أجلي ولم يقربني منك عملي، فقد جعلت الاعتراف بالذنب وسائل عللي، فإن عفوت فمن أولى منك بذلك؟!، وإن عدلت فمن أعدل منك هنالك؟!.
• إلهي .. قد جرت على نفسي بالنظر لها، وبقي لها حسن نظرك، فالويل لها إن لم تسعدها.
• إلهي .. إنك لم تزل بي بَرًّا أيام حياتي، فلا تقطع عني برك بعد مماتي، ولقد رجوت ممن تولاني في حياتي بإحسانه أن يسعفني عند مماتي بغفرانه.
• إلهي .. كيف أيأسُ من حسن نظرك بعد مماتي، ولم تولني إلا الجميل في حياتي.
• إلهي .. إن كانت ذنوبي قد أخافتني؛ فإن محبتي لك قد أجارتني، فتول من أمري ما أنت أهله، وعُدْ بفضلك على من غره جهله.
• إلهي .. لو أردت إهانتي لما هديتني، ولو أردت فضيحتي لم تسترني، فمتعني بما له هديتني، وأدم لي ما به سترتني.
• اللَّهم، يا وأسع المغفرة، ويا باسط اليدين بالرحمة، افعل بي ما أنت أهله.
• إلهي .. أذنبت في بعض الأوقات، وآمنت بك في كل الأوقات، فكيف يغلب بعض عمري مذنبا جميع عمري مؤمنا؟!
• إلهي .. لو سألتني حسناتي لجعلتها لك مع شدة حاجتي إليها، وأنا عبد، فكيف لا أرجو أن تهب لي سيئاتي مع غناك عنها، وأنت رب؟!، فيا من أعطانا خير ما في خزائنه، وهو الإيمان به قبل السؤال، لا تمنعنا أوسع ما في خزائنك، وهو العفو مع السؤال.
• إلهي .. حجتي حاجتي، وعدتي فاقتي، فارحمني.
• إلهي .. كيف أمتنع بالذنب من الدعاء، ولا أراك تمتنع مع الذنب من العطاء؟!، فإن غفرت فخير راحم أنت، وإن عذبت فغير ظالم أنت.
• إلهي .. أسألك تذللًا، فأعطني تفضلًا.
• اللَّهم، اجعل طاعتك همي، وقَوِّ عليها جسدي، وسَخ نفسي عن الدنيا، واشغلني بما ينفعني، وبارك لي في قواها حتى ينقضي مني حالي، وامنن عليَّ وارحمني، حين تعيد بعد الموت خلقي، ومن سوء الحساب فعافني، يوم تبعثني فتحاسبني، ولا تُعرِض مني، يوم تعرضني بما سلف من ظلمي وجرمي، وآمنِّي يوم الفزع الأكبر، يوم لا تهمني إلا نفسي، وارزقني نفع عملي، يوم لا ينقعني عمل غيري، وكما مننت عليَّ بالإِسلام فامنن عليَّ بطاعتك، وبترك معاصيك أبدًا ما أبقيتنى، ولا تفضحني بسرائري، ولا تحذلني بكثرة فضائحي.
• سبحانك خالقي، أنا تائب إليك فاقبل توبتي، واستجب دعائي، وارحم شبابي، وأقِلْ عثرتي، وارحم طول عبرتي، ولا تفضحني بالذي قد كان مني، سبحانك خالقي، أنت غياث المستغيثين، وقرة أعين العابدين، وحبيب قلوب الزاهدين، فإليك مستغاثى ومنقطعي، فارحم شبابي، واقبل توبتي، واستجب دعوتي، ولا تخذلني بالمعاصي التي كانت مني، ولا تجعلني لنار جهنم وقودًا، بعد توحيدي وإيماني بك.
• إلهي .. وسيلتى إليك: نعمك عليّ، وشفيعي إليك: إحسانك إليّ، اللَّهم، إليك تقصد رغبتي، وإياك أسأل حاجتي، ومنك أرجو نجاح طِلبتي، وبيدك مفاتيح مسألتي، لا أسال الخير إلا منك، ولا أرجوه من غيرك، ولا أيأس من روحك بعد معرفتي بفضلك، يا من جمع كل شيء بحكمته، ويا من نفذ في كل شيء حكمه، يا من الكريم اسمه؛ لا أحد لي غيرك فأسأله ولا أثق بسواك فآمله، ولا أجعل لغيرك مشيئة من دونك أعتصم بها، وأتوكل عليه، فمن أسال إن جهلتك؟!، وبمن أثق بعد إذ عرفتك؟!
• اللَّهم، إن ثقتي بك، وإن ألهتني الغفلات عنك وأبعدتني العثرات منك بالاغترار، أنا نعمة منك أجري في نعمك، لا أزداد على سابقة علمك، ولا أنتقص من عزيمة أمرك، فأسألك يا منتهى السؤالات، وأرغب إليك يا موضع الحاجات، سؤالَ من قد كذَّب كلَّ رجاءٍ إلا منك، ورغبةَ من رَغِب عن كل ثقةٍ إلا عنك، أن تهب لي إيمانًا أُقدم به عليك، وأوصل به عظم الوسيلة إليك، وأن تهب لي يقينًا لا توهنه بشبهة إفك، ولا توهنه خطرة شك، ترحب به صدري، وتيسر به أمري، ويأوي إلى محبتك قلبي، حتى لا ألهو عن شكرك، ولا أنعم إلا بذكرك.
• يا من لا تُمَلُّ حلاوة ذكره ألسن الخائفين، ولا تكل من الرغبات إليه
مدامع الخاشعين، أنت منتهى سرائر قلبي في خفايا الكتم، وأنت موضع رجائي بين إسراف الظلم، من ذا الذي ذاق حلاوة مناجاتك فلها بمرضاة بشر عن طاعتك ومرضاتك؟!، يا من يعصى ويتاب إليه، فيرضى كأنه لم يعص، بكرم لا يوصف، وتحنن لا ينعت، يا حنَّانًا بشفقته، يا متجاوزًا بعظمته، لم يكن لي حول فأنتقل عن معصيتك إلا في وقتٍ أيقظتني فيه لمحبتك، خضعتُ لك وخشعتُ لك إلهي لتعزني بإدخالي في طاعتك، ولتنظر إليَّ نظر من ناديته فأجابك، واستعملته بمعونتك فأطاعك، يا قريب، لا تبعد عن المغترين، يا ودود، لا تعجل على المذنبين.
• اللَّهم، استعملنا بسنة نبيِّنا، وتوفَّنا على ملته، وأوزعنا بهديه، وارزقنا مرافقته، وعرفنا وجهه في رضوانك والجنة، اللَّهم خذ بنا إلى سبيله وسنته، نعوذ بك أن نخالف سنته وسبيله، اللَّهم أقر عينه بمن يتبعه من أمته، واجعلنا منهم، وأوردنا حوضه، واسقنا مشربًا رويًّا لا نظمأ بعده أبدًا، اللَّهم ألحقنا بنبينا غير خزايا ولا نادمين، ولا خارجين ولا فاسقين، ولا مبدلين ولا مرتابين، واجعلنا من الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
• إلهي .. إن كان صغر في جنب طاعتك عملي، فقد كبر في جنب رجائك أملي.
• إلهي .. كيف أنقلب من عندك محرومًا وقد كان حسن ظني بك منوطًا؟!.
• إلهي .. فلا تبطل صدق رجائي لك بين الآدميين.
• إلهي .. إن كانت أسقطتني الخطايا من مكارم لطفك، فقد آنسني اليقين إلى مكارم عطفك.
• إلهي .. إن أمنتني الغفلة من الاستعداد للقائك، فقد نبهتني المعرفة لكرم آلائك.
• إلهي .. إن دعاني إلى النار أليم عقابك، فقد دعاني إلى الجنة جزيل ثوابك.
• اللَّهم، اجعلنا من الذين تفكروا فاعتبروا، ونظروا فأبصروا، وسمعوا فتعلقت قلوبهم بالمنازعة إلى طلب الآخرة، حتى أناخت وانكسرت عن النظر إلى الدنيا وما فيها، ففتقوا بنور الحكم ما رتقه ظلمُ الغفلات، وفتحوا أبواب مغاليق العمى بأنوار مفاتيح الضياء، وعمَّروا مجالس الذاكرين بحسن مواظبة استيدام الثناء، اللَّهم، اجعلنا من الذين تراسلت عليهم ستور عصمة الأولياء، وحصَّنتَ قلوبهم بطهارة الصفاء، وزينتها بالفهم والحياء، وطيرت همومهم في ملكوت سمواتك حجابًا حتى تنتهي إليك، فرددتها بظرائف الفوائد، اللَّهم اجعلنا من الذين سهل عليهم طريق الطاعة، وتمكنوا في أزمَّة التقوى، ومنحوا بالتوفيق منازل الأبرار، فزينوا وقُرِّبوا وكُرِّموا بخدمتك.
لك الحمد يا ذا المَنِّ والطول والآلاء والسعة، إليك توجهنا، وبفنائك أنخنا، ولمعروفك تعرضنا، وبقربك نزلنا، يا حبيب التائبين، ويا سرور العابدين، ويا أنيس المنفردين، ويا حرز اللاجئين، ويا ظهر المنقطعين، ويا من حبب إليه قلوب العارفين، وبه أنست أفئدة الصديقين، وعليه عطفت رهبة الخائفين، يا من أذاق قلوب العابدين لذيذ الحمد، وحلاوة الانقطاع إليه، يا من يقبل من تاب ويعفو عمن أناب، ويدعو المُوَلِّين كرمًا، ويرفع المقبلين إليه تفضلًا، يا من يتأنى على الخاطئين، ويحلم عن الجاهلين، ويا من حل عقدة الرغبة من قلوب أوليائه، ومحا شهوة الدنيا عن فكر قلوب خاصته وأهل محبته، ومنحهم منازل القرب والولاية، ويا من لا يضيع مطيعًا، ولا ينسى
صبيًا، ويا من منح بالنوال، ويا من جاد بالاتصال، يا ذا الذي استدرك بالتوبة ذنوبنا، وكشف بالرحمة غمومنا، وصفح عن جرمنا بعد جهلنا، وأحسن إلينا بعد إساءتنا، يا آنس وحشتنا، ويا طبيب سقمنا، يا غياث من أُسقط بيده، وتمكن حبل المعاصي من رقبته، وأسفر خدْرُ الحيا عن وجهه؛ هب لنا رحمة منك وعافية بين يديك، يا خير من قدر، وأرأف من رحم وعفا.
• إلهي .. فإني أعترف لك اللَّهم بما دل عليه صنعك، وشهد لك فعلك ، فهب لي اللَّهم تطلب العزيمة إليك؛ لأن من لم يشبعه الولوع باسمك؛ ولم يروه من ظمئه ورود غدران ذكرك، ولم ينسه جميع الهموم رضاه عنك، ولم يلهه عن جميع الملاهي تعدد آلائك، ولم يقطعه عن الأنس بغيرك مكانه منك؛ كانت حياته ميتة، ومِيتته حسرة، وسروره غُضَّة، وأنسه وحشة.
• إلهي .. عرفني عيوب نفسي، وافضحها عندي لأتضرع إليك في التوفيق للتنزه عنها، وأبتهل إليك بين يديك خاضعًا ذليلًا في أن تغسلني منها، واجعلني من عبادك الذين شهدت أبدانهم وغابت قلوبهم، تجول في ملكوتك وتتفكر في عجائب صنعك، ترجع بفوائد معرفتك وعوائد إحسانك، قد ألبستهم خُلَعَ محبتك، وخلعت عنهم لباس التزين لغيرك.
• إلهي .. لا تترك بيني وبين أقصى مرادك حجابًا إلا هتكته، ولا حاجزًا إلا رفعته، ولا وَعْرًا إلا سهلته، ولا بابًا إلا فتحته، حتى تقيم قلبي على الحق في معرفتك، وتذيقني طعم محبتك، وتبرد بالرضا منك فؤادي وجميع أحوالي؛ حتى لا أختار غير ما تختاره، وتجعل لي مقامًا فسيحًا في ميدان طاعتك.
• إلهي .. كيف أسترزق من لا يرزقني إلا من فضلك؟!، أم كيف أسخطك في رضا من لا يقدر على ضري إلا بتمكينك؟!، فيا من أسأله إيناسًا
به وإيحاشًا من خلقه، ويا من إليه التجائي في شدتي ورجائي؛ ارحم غربتي، وهب لي من المعرفة ما أزداد به يقينًا، ولا تكلني إلى نفسي الأمارة بالسوء طرفة عين.
• إلهي .. لو أصبتُ مَوْئِلًا في الشدائد غيرَك، أو ملجَأ في المنازل سواك، لحُقَّ لي أن لا أعرض إليه بوجهي عنك، ولا أختاره عليك؛ لقديم إحسانك إلى وحديثه، وظاهر منتك عليَّ وباطنها، ولو تقطعت في البلاد إربًا إربًا، وانصبت عليَّ الشدائد صبًّا صبًّا، ولا أجد مشتكئ غيرك، ولا مُفَرِّجًا لما بي عني سواك، فيا وارث الأرض ومَن عليها، ويا باعث جميع من فيها؛ ورَّث أملي فيك مني أملي، وبلِّغ همي فيك منتهى وسائلي.
نعم إخوتاه:
هذه أدعية سلفنا .. ما أطيبَها .. ما أرقَّها .. ما أطيبَ أملَهم في المناجاة، ما أقربهم من طريق النجاة، ما أقل ما تعبوا، وما أيسر ما نصبوا، وما كان إلا القليل ثم نالوا ما طلبوا، لو ذاق الغافل شراب أنسِهم في الظلام، أو سمع الجاهل صوت حنينهم في القيام، وقد نصبوا لما انتصبوا له الأقدام، وترنموا بأشرف الذكر وأحلى الكلام، وضربوا على شواطئ أنهار الصدق الخيام، وركزوا على باب اليقين بالحق الأعلام، وزمُّوا مطايا الشوق إلى دار السلام، وسارت جنود حبهم والناس في الغفلة نيام، وشكَوْا في الأسحار ما يلقَوْن من وقع الغرام، ووجدوا من لذة الليل ما لا يخطر على الأوهام، وإذا أسفر النهار تلقَوْهُ بالصيام، وصابروا الهواجر بهجر الشراب وترك الطعام، وتدرعوا دروعَ التقى خوفًا من الزلل والآثام، فنورهم يُخجلُ شمسَ الضحى وُيزري بدرَ التَّمَام، فلأجلهم تَنْبُتُ الأرض، ومن جَرَّاهم يجري الغَمَام، وبهم
يُسامح الخطاءون وُيصفح عن أهل الإجرام، فإذا نازلهم الموتُ طلبَ لهم كأسَ الحمام، وإذا دفنوا في الأرض فَخَرَت بحفظها تلك العِظام؛ فعلى الدنيا إذا ماتوا من بعدهمُ السلام.