الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولعلَّه يدلُّك على هذا قولُ الله عز وجل: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25] فتُوُعِّدَ بعذابٍ أليم لمجرد الإرادة، وهذا مُسَامَحٌ فيه في غير هذا المكان؛ فدَلَّ على أن المعاصي تُضاعف عقوباتهُا لشرفِ المكان.
وإني وإن كان يَبهرُني أن يُكتبَ لك مئةُ ألف قيراط في الجنة بصلاة جنازة واحدة، القيراط كجبل أحد، تصديقًا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إلا أنه يُفزعُنِي أن نظرةً واحدة إلى وجه امرأةٍ في الحرم تُكتب بمئة ألف زَنْيَة.
الخلاصة: لماذا نعتمر في رمضان؟
(1)
ليجتمع لنا أفضل الأعمال في شرف الزمان، وشرف المكان، وشرف الأعمال.
(2)
الرحلة إلى الله.
(3)
الفرار إلى الله.
(4)
الهجرة إلى الله.
(5)
التبتل والانقطاع والتفرغ لله.
(6)
صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة.
(7)
مغفرة الذنوب المتقدمة.
(8)
أعالي القصور من أعالي الأجور.
ثم تعال إلى العمل نفسه: كيف نعتمر؟
كيف تعتمر
؟
(1)
النية: وقد قدمنا تحريرها.
(2)
لا بد من تعلم أحكام العمرة قبل السفر، واعلم أن ذلك فرض عين عليك في هذا العلم، فلابد من أن تعلم كيف تؤدي العمرة على سنة النبي محمَّد صلى الله عليه وسلم.
أحكام الإحرام: لأن كتابنا ليس كتابًا فقهيًّا؛ فإننا سنتحدث عن أسرار شعائر العمرة، ويمكنك مراجعة أحد الكتب الفقهية لإتقان الشعائر، ولكن ببساطة اعلم أن أركان العمرة أربع: الإحرام، والطواف بالبيت سبعًا، والسعي بين الصفا والمروة سبعًا، والحلق أو التقصير.
وإليك أخي أسرار الإحرام:
أولًا: تعظيم لمقام الملك جل جلاله، ألا تدخل بيته أول قدومك عليه إلا بلباس هو يشترطه.
ثانيًا: من أسرار لباس الإحرام أن تخلع كل شيء إلا ثوبين أبيضين، فهو أنقص من الكفن، فالكفن ثلاثة أثواب، لتستشعر بذلك الاستغناء عن الدنيا بأكملها، فأنت لا تحوز منها في هذا الحال إلا هذين الثوبين، غنيًّا به سبحانه وحده، مستغنيًا به عن كل ما سواه.
ثالثًا: في هذه الملابس وفرضها على كل من أحرم للحج أو العمرة شعور بأن الناس سواسية أمام الله عز وجل، فكلهم غنيهم وفقيرهم، صغيرهم وكبيرهم، الأمير والوزير، والعامل والحقير، الكُلُّ قد كشف رأسه خضوعًا وإذعانًا لذي الجلال، لا يتميز أحد على أحد، الكُلُّ قد خلع اسم دكتور أو مهندس أو وزير أو أمير، وخضع الكل لاسم عبد، وهذا من أَجلِّ ما في الموقف، أن تنسى وظيفتك ومقامك الدنيوي وَيثْبتُ لك نسبتك إلى الله عز وجل عبد مربوب مقهور مطيع يلزم رسم الأدب وحدود الطاعة.
رابعًا: من أهم مشاهد الإحرام أن تشهد عند نزع ملابس الدنيا ثم اغتسالك
ولبس الإزار والرداء فحسب كأنه أتاك ملك الموت فنزع روحك، وغسلوك وكفنوك، فلما باشرف الأهوال قلت كما يقول كل ميت:{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون: 99 - 100] وقد بقيت لك فرصة فقيل لك: ارجع، فرجعت بكفنك تنادي بأعلى صوتك .. لبيك اللَّهم لبيك، إذا استشعرت هذا، كل الذي قلته لك، استشعرته فعلا، فتخرج لبيك اللَّهم لبيك من عين قلبك بكل مشاعر وأحاسيس رجل أُعطِيَ فرصةً أخيرةً لمهلةٍ وجيزةٍ، فأقبل على ربه يقول لبيك .. أي جئتك .. جئتك .. جئتك .. ملازمًا لطاعتك .. خاضعًا لك .. مقيمًا على ذلك ..
وأيضًا من أسرار الإحرام أنه تربية شديدة دقيقة لتتعلم الطاعة المطلقة دون تدخل العقل في أوامر الله، فممنوع في الإحرام لبس ساتر خاص غير الإزار لحفظ العورة المغلظة، ممنوع الطيب، ممنوع قص الشعر، ممنوع قص الأظافر، الصيد ممنوع، والزوجة ممنوعة، سبحان الملك إنه إحرام!!
خامسًا: إحرام القلب قبل إحرام الجسد، إنك حين تنوي العمرة تبتغي وجه الله، لا بد أن يحرم القلب ابتداء بتوبة نصوح قبل الجسد، فكما يخلع الجسد ملابس الدنيا للإحرام ويلبس ملابس الآخرة، فلابد أن يخلع القلب أيضًا هم الدنيا، ويلبس هم الآخرة، فلا تلفته أثناء العمرة الصوارف ولا تقطعه القواطع.
(4)
التلبية:
لكي تلبي من قلبك؛ لا بد أن تفهم معنى كلمة لبيك، وهي في الشرع كما هي في اللغة، المقصود واحد، فافهم معناها لتلبي ولا تغني، معنى لبيك: إجابةً ولزومًا لطاعتك، وقيل معناها: اتجاهي وقصدي إليك، وقيل معناها:
محبتي لك، وقيل معناها: إخلاصي لك، وقيل معناها: أنا مقيم على طاعتك، وقيل معناها: قربًا منك، وقيل: أنا ملب بين يديك، أي خاضع.
والحقيقة أن معنى لبيك هو كل ما سبق .. كل ذلك؛ فقلها من قلبك.
(5)
رؤية بيت الله .. الكعبة بيت النور:
لما أضاف الله تعالى ذلك البيت إلى نفسه ونسبه إليه بقوله عز وجل لخليله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26]، تعلقت قلوب المحبين ببيت محبوبهم، فكلما ذكر لهم ذلك البيت الحرام حنُّوا، وكلما تذكروا بُعْدَهم عنه أنُّوا ..
فلله دَرُّها من رؤية!! .. رؤية البيت .. لحظات كأنها ليست من الدنيا ..
بيتٌ خلق من الحجر .. وأضيف إلى الله فصار مغناطيس أفئدة الرجال ..
بيتٌ من وقع عليه طرفه بُشِّرَ بتحقيق الغفران ..
بيت من طاف حوله؛ طافت اللطائف بقلبه، فطوفة بطوفة، وشوطة بشوطة، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
بيتٌ ما خسر من أنفق على الوصول إليه ماله.
بيتٌ ما ربح من ضن عليه بشيء.
بيتٌ من زاره نسي مزاره، وهجر دياره.
بيتٌ لا تستبعد إليه المسافة.
بيتٌ لا تترك زيارته لحصول مخافة أو هجوم آفة ..
بيتٌ من صبر عنه؛ فقلبه أقسى من الحجارة ..
بيتٌ من وقع عليه شعاع أنواره، تسلى عن شموسه وأقماره ..
بيتٌ ليس العجب من بَعُدَ عنه كيف يصبر، إنما العجب ممن حضره كيف يرجع!
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ينزل على هذا البيت كل يوم مائة وعشرون رحمة: ستون للطائفين، وأربعون للمصلين، وعشرون للناظرين"(1).
ولله كم في رؤية البيت من نفحات ونفحات ومعان عطرات ..
عجبًا للبيت .. عجبًا للكعبة .. أي سِرٌّ في النظر إليها .. والله إنها ليست من الدنيا هذه اللحظات ..
آياتٌ تحير الألباب .. وجمالٌ ينسيك الدنيا بأسرها .. وجلالٌ دموع العين عنه جواب .. أي سر بين البيت والعين إذا ما نظرته .. وبين دموعها ..
(6)
الطواف:
أولًا: لو لم يكن للطواف من فضل إلا قول الله تبارك وتعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26]، لكفاه. فقد استعمل الله الأنبياء لتطهير بيته للطائفين، وقدمهم على غيرهم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطواف بالبيت صلاة، ولكن الله أحل فيه المنطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير"(2).
ثانيًا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طاف بالبيت استلم الحجر والركن في كل طواف، وكان يلصق صدره ووجهه بالملتزم.
(1) أخرجه الطبراني (11/ 195) في "الكبير"، وضعفه الألباني (1760) في "ضعيف الجامع".
(2)
أخرجه ابن حبان (3836)، وصححه الألباني (3954) في "صحيح الجامع".
قال المُنَاوي: تبركًا وتيمنًا به سمي الملتزم؛ لأن الناس يعتنقونه ويضمونه إلى صدورهم، وصح أنه ما دعا به ذو عاهة إلا برئ، أي بصدق النية وتصديق الشارع والإخلاص، وغير ذلك مما يعلمه أهل الاختصاص.
عن محمَّد بن المنكدر عن أبيه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من طاف بالبيت أسبوعًا لا يلغو فيه كان كعدل رقبة يعد له"(1).
ثالثًا: عن محمَّد بن المنكدر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من طاف بهذا البيت أسبوعًا فأحصاه؛ كان كعتق رقبة، لا يضع قدمًا ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه بها خطيئة وكتب له بها حسنة"(2).
رابعًا: الابتداء بالحجر؛ لأنه وجب عند التشريع أن يعين محَلَّ البداءةِ وجِهَةَ المشي، والحجر أحسن مواضع البيت؛ لأنه نازل من الجنة، واليمين أيمن الجهتين.
وطواف القدوم بمنزلة تحية المسجد، إنما شرع تعظيمًا للبيت؛ لأن الإبطاء بالطواف في مكانه وزمانه عند تهيؤ أسبابه سوء أدب، وأول طواف بالبيت فيه رمل واضطباع، وذلك لمعانٍ: منها ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما، من إخافة قلوب المشركين، وإظهار صولة المسلمين، فهو فعل من أفعال الجهاد، وهذا السبب قد انقضى ومضى، ومنها تصوير الرغبة في طاعة الله، وأنه لم يزده السفر الشاسع والتعب العظيم إلا شوقًا ورغبة.
(7)
تقبيل الحجر:
وأعظم ما في الطواف تقبيل الحجر:
(1) أخرجه ابن حبان (3697)، وصححه الألباني (1143) في "صحيح الترغيب والترهيب".
(2)
أخرجه أحمد (2/ 3) وصححه الألباني (1140) في "صحيح الترغيب والترهيب".
* الحجر .. وما أدراك ما الحجر!! .. إنه من الجنة .. يا الله .. من الجنة شيءٌ على الأرض ثم لا نشتاق إليه!! .. ثم لا نذرف الدموع عنده وحواليه!! .. ثم لا نلثمه بشفاه القلوب ووجيبها!! ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحجر الأسود من الجنة"(1).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان الحجر الأسود أشدُّ بياضًا من الثلج حتى سودته خطايا بني آدم"(2)، نقل الحافظ في الفتح عن المحب الطبري قوله: في بقائه أسود عبرة لمن لا بصيرة له، فإن الخطايا إذا أَثرَّت في الحجر الصلد، فتأثيرها في القلب أشد.
يا هذا .. سودت الخطايا الحجر وهو من الجنة، وأنت من التراب ومن الأرض، فانظر سودته وهو صلد، أفلا تُسوِّد القلبَ إذا عصى وهو من لحمٍ ودم!!
* عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا: "إن الحجر والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة، طمس الله نورهما، ولولا ذلك لأضاءا ما بين المشرق والمغرب".
* وقال صلى الله عليه وسلم: "إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطًّا"(3)، فيالجود عطاء الملك .. وياله من حجرٍ كريمٍ ميمون يأتي مَسْحُهُ بغفران الذنوب.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا ما مس
(1) أخرجه أحمد (1/ 307)، وصححه الألباني (2618) في "الصحيحين".
(2)
أخرجه أحمد (1/ 307)، وصححه الألباني (2618) في "الصحيحين".
(3)
أخرجه أحمد (2/ 89)، وصححه الألباني (2194) في "صحيح الجامع".
الحجر من أنجاس الجاهلية ما مسه ذو عاهة إلا شُفي، وما على الأرض شيء من الجنة غيرُه" (1).
* عن ابن عباس مرفوعًا: "إن لهذا الحجر لسانًا وشفتين، يشهد لمن استلمه يوم القيامة بحق"(2)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ليأتين هذا الحجر يوم القيامة له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، يشهد على من استلمه بحق"(3).
* أخي .. لقد بوب العلماء لتقبيله وفضله والمزاحمة عليه.
فقد قبل عمر ابن الخطاب الحجر ثم قال: والله لقد علمت أنك حجر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
قال القاسم بن محمَّد: رأيت ابن عمر يزاحم على الركن حتى يدمى وقال: هوت الأفئدة إليه، فأريد أن يكون فؤادي معهم.
وعن عبد الله بن عمر أنه استلم الحجر ثم قبل يده، وقال: ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبله.
(8)
صلاة ركعتين خلف المقام:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعًا، ثم صلى خلف المَقَام ركعتين (4).
فبعد أن تنتهي من الطواف أخي الحبيب؛ صلِّ ركعتين سُنَّة الطواف خلف مقام إبراهيم، أو حيث تيسر بقدر إمكان القرب منه، ثم حاول أن تقف على
(1) أخرجه البيهقي (5/ 75)، وصححه الألباني (2619) في "الصحيحين".
(2)
أخرجه أحمد (1/ 266)، وصححه الألباني (2184) في "صحيح الجامع".
(3)
أخرجه أحمد (1/ 247)، وصححه الألباني (5346) في "صحيح الجامع".
(4)
متفق عليه، البخاري (387)، مسلم (1700).
الملتزم بين الحجر وباب الكعبة، الصق بطنك وصدرك وركبتيك ووجهك بالكعبة، وناج ربك .. وناد ربك من قريب، وهنا تسكب العبرات وتحس بالقرب الحقيقي من باب مولاك .. ثم انطلق بعدها إلى زمزم.
(9)
التضلع من زمزم:
فضل زمزم:
* زمزم .. وما أدراك ما زمزم!! .. ركضة جبريل عليه السلام، هزمة الملك، سقيا إسماعيل، برة الشباعة، إيهٍ يا شرب الأبرار ..
إيهٍ يا خير ماء .. ويا سيد المياه ..
* قال وهب بن منبه: نجدها في كتاب الله، يعني زمزم، شراب الأبرار، مضنونة، طعامُ طُعم، شفاءٌ من سُقم، لا تُنْزِح ولا تُذَم.
* غُسل قلب النبي صلى الله عليه وسلم بماء زمزم، اشرب وتضلع واغسل قلبك، عن أنس ابن مالك: كان أبو ذر رضي الله عنه يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فرج سقفي وأنا بمكة، فنزل جبريل عليه السلام ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمةً وإيمانًا، فأفرغها في صدري ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج إلى السماء الدنيا، قال جبريل لخازن السماء الدنيا: افتح، قال: من هذا؟، قال: جبريل"(1).
* خير ماء على وجه الأرض، خير ماء تشربه لتكون من خير أمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام من طعم، وشفاء من السقم"(2).
(1) متفق عليه، البخاري (342)، مسلم (163).
(2)
أخرجه مسلم (2473).
* لا يتضلع منه منافق، عن عثمان بن الأسود، حدثني عبد الله بن أبي مليكة قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: من أين جئت؟، فقال: شربت من زمزم، قال: شربتها كما ينبغي؟، قال: وكيف ذا يا أبا العباس؟، قال: إذا شربت منها فاستقبل القبلة واذكر اسم الله، وتنفس ثلاثًا وتضلع منها، فإذا فرغت منها فاحمد الله، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم"(1).
هذا الحديث قرة عين للمخلصين الصادقين، ويفصح المنافقين فحذار، فإن زمزم اختبار لقلبك، والتضلع: هو الإكثار من الشرب حتى يتمدد الجنب والأضلاع، فيقال: شرب فلان حتى تضلع أي: انتفخت أضلاعه من كثرة الشرب.
* ماء زمزم لما شُرِبَ له، لماذا تشرب من زمزم؟، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ماء زمزم لما شُرب له"(2).
قال الحكيم الترمذي لشارب ماء زمزم:
إنْ شَرِبَهُ لشبع أشبعه الله.
إن شربه لريٍّ أرواه الله.
وإن شربه لشفاء شفاه الله.
وإن شربه لسوء خلق حَسَّنَه الله.
وإن شربه لضيق صدر شرحه الله.
(1) أخرجه ابن ماجه (3061)، وضعفه الألباني (3052) في "ضعيف ابن حبان".
(2)
أخرجه أحمد (3/ 357)، وصححه الألباني (388) في "الصحيحين".
وإن شربه لانفلاق ظلمات الصدر فلقها الله.
وإن شربه لغنى النفس أغناه الله.
وإن شربه لحاجة قضاها الله.
وإن شربها لأمر نابه كفاه الله.
وإن شربه للكربة كشفها الله.
وإن شربه لنصرة نصره الله.
وبأية نية شربه من أبواب الخير والصلاح وفي الله له بذلك؛ لأنه استغاث بما أظهره الله تعالى من جنته غياثًا.
* عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنا نسميها شباعة -يعني زمزم- وكنا نجدها نعم العون على العيال.
* قال وهب بن منبه: والذي نفس وهبٍ بيده لا يعمد إليها أحدٌ فيشرب منها حتى يتضلع إلا نزعت داءً وأحدثت له شفاءً.
يقول ابن القيم عليه رحمة الله: جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أمورًا عجيبة، واستشفيت به من عدة أمراض فبرئت بإذن الله.
(10)
السعي بين الصفا والمروة:
* السر في السعي بين الصفا والمروة على ما ورد في الحديث، أن هاجر أُمِّ إسماعيل عليه السلام لما اشتد بها الحال، سعت بينهما سعي الإنسان المجهود، فكشف الله عنها الجهد بإبداء زمزم وإلهام الرغبة في الناس أن يعمروا تلك البقعة، فوجب شكر تلك النعمة على أولاده ومن تبعهم، وتذكر تلك الآية الخارقة لتبهت بهيمتهم وتدلهم على الله، ولا شيء في هذا مثل أن يُعْضَدَ عَقْدُ
القلب بهما بفعلٍ ظاهرٍ منضبط مخالفٍ لمألوفِ القوم، فيه تذلل عند أول دخولهم مكة، وهو محاكاة ما كانت فيه من العناء والجهد، وحكاية الحال في مثل هذا أبلغ بكثير من لسان المقال.
* إذا دنوت من الصفا فاقرأ قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 158]، ثم قل: نبدأ بما بدأ الله به، ثم ابدأ بالصفا فترتقي عليه حتى ترى الكعبة إن أمكنك ذلك، وتستقبل الكعبة وتوحد الله وتكبره وتقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده لا شريك له أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، قل ذلك ثلاث مرات، وتدعو بين التهليلات بما شئت من الدعاء المأثور، ثم أنزل لتسعى بين الصفا والمروة، فامش إلى العلامة الموضوعة عن اليمين وعن اليسار، وهو المعروف بالميل الأخضر، ثم اسعَ سعيًا شديدًا إلى العلم الآخر الذي بعده، وكان في عهده صلى الله عليه وسلم وادَي أبطح فيه دقاق الحصى، وقال صلى الله عليه وسلم:"لا يُقطع الأبطح إلا شدًّا"(1).
ثم امش صُعُدًا حتى تأتي المروة فترتقي عليها، وتصنع فيها ما صنعت على الصفا من استقبال الكعبة والتكبير والتوحيد والدعاء، وهذا شوط.
* ثم تعود حتى ترقى على الصفا، تمشي موضع مشيك وتسعى موضع سعيك، وهذا شوط ثان، ثم إلى المروة وهكذا حتى يتم لك سبعة أشواط نهاية آخرها على المروة، وإن دعوت في السعي بقولك: "رب اغفر وارحم
(1) أخرجه أحمد (6/ 404)، وصححه الألباني (2437) في "الصحيحة".