المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌فضائل رمضانالغنيمة الباردةوفرص لا تعوض

- ‌فضائل رمضان .. وفرص لا تعوض

- ‌الاستعداد لرمضان

- ‌كيف نستعد لرمضان

- ‌تمرينات الاستعداد

- ‌التمرين الأول: التدريب على تجويد التوبة:

- ‌التمرين الثاني: التدريب على تعظيم الشعائر:

- ‌التمرين الثالث: التدريب استقامة القلب:

- ‌التمرين الرابع: تدريب القلب على الأنفة من المعاصي:

- ‌التمرين الخامس: الترويض على الانكسار لله عز وجل:

- ‌التمرين السادس: استئصال الأورام الخبيثة:

- ‌التمرين السابع: إجراء بعض تمارين العزيمة والهمة:

- ‌التمرين الثامن: ترويض الحواس:

- ‌التمرين التاسع: الاستحضار الذهني للعبادات قبل الشروع فيها:

- ‌التمرين العاشر: لزوم جناب الاحتشام ودوام الإطراق:

- ‌التمرين الحادي عشر: ملاحظة المنة:

- ‌التمرين الثاني عشر: تهدئة نمط الحياة:

- ‌كيف نستقبل رمضان

- ‌استقبال رمضان"الوصايا العشر قبل دخول الشهر

- ‌الوصية الأولى: هدنة مع المناقشات والجدال:

- ‌الوصية الثانية: إقامة هدنة في العمل الزملاء والمسؤلين:

- ‌الوصية الثالثة: إقامة هدنة مع نفسك للتخلص من سموم القلب:

- ‌الوصية الخامسة: عمل هدنة النفس لترك الذنوب والمعاصى والسيئات:

- ‌الوصية السادسة: هدنة مع طول الغياب خارج المنزل وكثرة الارتباطات والمواعيد واللقاءات:

- ‌الوصية السابعة: هدنة مع كثرة النفقات والتبذير:

- ‌الوصية الثامنة: هدنة مع العقول والقلوب من التفكير والتدبير للدنيا:

- ‌الوصية التاسعة. هدنة مع إستهلاك الأعضاء:

- ‌الوصية العاشرة: هدنة مع الهموم:

- ‌كيف تعيش رمضان

- ‌أولًا: تحديد الأهداف:

- ‌ثانيًا: الطريق لتحقيق الأهداف:

- ‌روحانيات صائم

- ‌خطة اليوم في رمضان

- ‌يوم في حياة صائم:

- ‌مشاهد العبودية في رمضان

- ‌المشهد الأول: مشهد التوحيد:

- ‌المشهد الثاني: مشهد الصبر والشكر:

- ‌المشهد الثالث: مشهد القبض والبسط:

- ‌المشهد الرابع: حسن الخلق:

- ‌المشهد الخامس: الزهد في الدنيا:

- ‌المشهد السادس: الإيثار:

- ‌المشهد السابع: استشعار المعانى الإيجابية للصوم:

- ‌المشهد الثامن: الجود والإحسان:

- ‌رمضان والقران

- ‌فضائل القرآن:

- ‌(1) القرآن رحمة:

- ‌(2) القرآن طمأنينة:

- ‌(3) القرآن صانع الرجال:

- ‌(4) القرآن شفاء:

- ‌(5) القرآن حماية بعد الهداية:

- ‌(6) القرآن حياة القلوب:

- ‌تحصيل لذة التلاوة وقراءة القرآن

- ‌أما الآداب الظاهرة:

- ‌وأما الآداب الباطنة:

- ‌استدرك مهم

- ‌قيام رمضان

- ‌صلاة التراويح في رمضان

- ‌الاعتكاف

- ‌هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف:

- ‌مقاصد الاعتكاف:

- ‌حكم الاعتكاف:

- ‌شروط الاعتكاف:

- ‌أركان الاعتكاف:

- ‌زمانه وبداية وقته:

- ‌محظورات الاعتكاف:

- ‌أهداف الاعتكاف:

- ‌كيف نحصل حلاوة الاعتكاف

- ‌برنامج الاعتكاف:

- ‌نصائح الاعتكاف

- ‌عمرة رمضان

- ‌لماذا نعتمر

- ‌كيف تعتمر

- ‌مشاهد العبودية في العمرة:

- ‌نسائم الأسحار

- ‌آداب الدعاء:

- ‌وداع رمضان

- ‌وظائف آخر الشهر:

- ‌ليلة القدر

- ‌وماذا بعد رمضان

- ‌مقتضيات القبول:

- ‌مقتضيات الحرمان:

- ‌وقد يسأل: كيف أعرف أنني من المقبولين

- ‌فوائد صيام ستٍّ من شوال بعد رمضان:

- ‌ومن علامات القبول أيضًا:

- ‌حراسة الطاعات:

الفصل: ‌وماذا بعد رمضان

وماذا بعد رمضان؟!

جاء رمضان .. ومضى رمضان ..

سوق قام ثم انفض، ربح فيه من ربح، وخسر فيه من خسر، ويتوجع المسلم لفراق رمضان ويظل يتذكر أيامه ولياليه كيف كانت عامرة بالخيرات، ممتلئة بالعبادات، منيرة بالطاعات ..

وينتهي رمضان وإذا بالمساجد تعود مرةً أخرى خاويةً على عروشها إلا من أهلها الذين هم أهلها، ويتباكى الدعاة إلى الله على جهدٍ على مدار شهر بذلوه؛ وإذا هم في نهاية الأمر لم يجدوا له الأثر الذي ظنوه وانتظروه ..

لماذا ينتكس الناس بعد رمضان وينشغلون مرة أخرى بدنياهم بعد أن ذاقوا حلاوة القرب من مولاهم؟

لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف أبو بكر يقول: من كان يعبد محمدًا، فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت ..

وهأنذا أقول: من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد انقضى، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت، قال تعالى:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 26 - 27]، {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 88].

أحبتي في الله ..

قال ربكم جل جلاله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} [النحل: 92] .. هل رأيت امرأة تغزل ثوبًا وتغزل ثم تغزل، وبعد أن تم لها ذلك قامت فنقضت غزلها .. أعادت الثوب خيطًا كما كان، فهل هذا

ص: 361

فعل إنسانٍ عاقل ..

هكذا حالك: إنك بعد أن كنت تقوم الليل إحدى عشرة ركعة يوميًّا في رمضان؛ تريد أن تترك هذا كله فلا تقوم الليل ولو بأربع ركعات، فأين أثر القيام فيك إذًا؟!

ألست قد وجدت لذةً في قيام رمضان؟، فلماذا تحرم نفسك من هذه اللذة؟، لماذا تحرم نفسك من الأجر؟، لماذا تترك سوسة الكسل تنخر في إيمانك؟!

إخوتاه .. إن ديننا هو دين الاستقامة لا يصلح فيه التلون والتفلت والزوغان، قال الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم:{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ} [هود: 112]، فاستقم على أمر الله .. استقم على طاعة الله حتى تلقاه فيكون ذلك يوم عيدك الحقيقي، قال ربنا جل جلاله:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]، واليقين: الموت، فكن ربانيًّا ولا تكن رمضانيًّا.

استقم على طاعة الله ولا تتلون.

لما جاء حذيفةَ بنَ اليمان الصحابيَّ الجليلَ رضي الله عنه الموتُ جلس عبد الله بن مسعود عند رأسه فقال: أوصني، فقال له: ألم يأتك اليقين؟، قال ابن مسعود: بلى وعزةِ ربي، فقال له حذيفة: فإياك والتلون؛ فإنه دين الله واحد.

إنك لا بد أن تخرج من رمضان بقلبٍ قد أَلِفَ الطاعة وأحبها واعتادها حتى صارت له كالهواء والماء للإنسان، فإياك أن تقتل إيمانك بالتثاقل إلى الأرض، والإخلاد إلى الكسل، والرضا بالقعود والنكوص.

إننى أريدك أيها الحبيب أن تكون شخصيةً ربانية مدى حياتك، لا على

ص: 362

فترات متقطعة في حياتك فتكون رجلَ المناسبات، إياك أن تهجر الطاعة، لا تهجر حفظ القرآن وتلاوته .. فالأعمال لم تنقطع بعد انتهاء رمضان، لم يُرفع عنك القلم بعد رمضان، قيل لأحد الصالحين: أيهما أفضل: رجب أم شعبان؟، فقال: كن ربانيا ولا تكن شعبانيًّا!!، لا بد أن تثبت وتصطبر وتربي نفسك وتُلزمها.

إن أول خطوات طريق الفشل والضياع أن تتحكم فيك نفسك وتسيِّرك كيف شاءت، قم تقوم، اخرج تخرج، ثم تنام، كل تأكل، لا بد أن تمتلك أنت زمام المبادرة، لا بد أن تتحكم أنت في نفسك وتذللَّها لطاعة الملك جل جلاله.

أيها الإخوة، لازالت الأعمال بعد رمضان لم تنقطع.

فالقرآن لا يهجر بمجرد انتهاء رمضان، بل حافظ على وِردك الثابت فيه، دُمْ على ذلك فالقرآن هو الذي يزكِّي نفسك ويصلح قلبك، ويثبتك على طريق الحق، فلتستمر في قراءة القرآن جزءين في اليوم على الأقل، ثم زد إلى ثلاثة ثم إلى خمسة لتختم كل أسبوع كما كان يفعل الصحابة.

كذلك القيام لم ينقطع، قم كل ليلة بإحدى عشرة ركعة، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان لا يترك قيام الليل، فإذا فاته يومًا من وجع أو غيره صلَّى من النهار ثنتي عشرة ركعة، وذُكر أن الحسن بن صالح باع جاريةً له، فلما انتصف الليل قامت فنادتهم: يا أهل البيت، الصلاة .. الصلاة، قالوا: طلع الفجر؟، قالت: وأنتم لا تصلون إلا المكتوبة؟!!، ثم جاءت إلى الحسن فقالت: بعتني إلى قومٍ لا يصلون إلا المكتوبة؟!! .. رُدَّني.

والصيام لم ينقطع، فعليك أن تبادر بصيام ستة أيام من شوال حتى تكون كأنك صمت السنة كلها، رمضان ثلاثون يومًا، والحسنة بعشر أمثالها فيكون ثلاثمائة، وستة أيام بعشر أمثالها إذًا ستون يومًا، فتكتمل السنة، كأنك صمت

ص: 363

سنةً كاملة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من صام رمضان ثم أتبعه سِتًا من شوال؛ كان كصيام الدهر"(1)، وهناك ثلاثة أيام في كل شهر كان النبي صلى الله عليه وسلم يصومها ويأمر بصيامها هي الأيام البيض: ثالث عشر، ورابع عشر وخامس عشر من كل شهر عربي.

قال أبو هريرة رضي الله عنه: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لن أدعهن ما عشت: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، وألا أنام حتى أوتر"(2)، وأريدك أن تنتبه جيدًا إلى قوله رضي الله عنه: لن أدعهن ما عِشت.

وهناك غير ذلك صيام الاثنين والخميس، قال صلى الله عليه وسلم:"تُعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحبُّ أن يُعرض عملي وأنا صائم"(3).

وهناك الصوم في المحرم، فيستحب فيه الصيام استحبابًا عظيمًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم"(4).

باع قومٌ من السلف جارية، فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهبون له ويستعدون بالأطعمة وغيرها، فسألتهم فقالوا: نتهيأ لصيام رمضان، فقالت: وأنتم لا تصومون إلا رمضان!، لقد كنتُ عند قوم كُلَّ زمانِهم رمضان، رُدوني عليهم ..

وأنواع الصيام كثيرة كصيام العشر الأوائل من ذي الحجة، وصيام شعبان؛ بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى يقول الصحابة: لا يفطر، ويفطر حتى

(1) أخرجه مسلم (1164).

(2)

متفق عليه، البخاري (1124)، مسلم (721).

(3)

أخرجه أحمد (5/ 201)، وصححه الألباني (1041) في "صحيح الترغيب والترهيب".

(4)

أخرجه مسلم (1163).

ص: 364

يقولوا: لا يصوم، فالصيام مدرسة لتزكية النفس، وهي وصيتي الخاصة للشباب وخصوصًا في هذه الأيام التي امتلأت بالفتن، أسال الله أن ينجيني وإياكم منها.

والأعمال الصالح؛ كلها لم تنقطع بانقطاع رمضان.

قيل لبشر: إن قومًا يتعبدون ويجتهدون في رمضان فقط، فقال: بئس القوم لا يعرفون لله حقا إلا في رمضان.

إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنن؛ كلها، فأكثِر من الصدقة والإنفاق في سبيل الله، كلما مَنَّ الله عليك بفضله، وأكثر من ذكر الله وتسبيحه في كل أحوالك وفي كل أحيانك.

حتى الاعتكاف لم ينقطع بانتهاء رمضان، فالاعتكاف مشروع طيلة السنة.

إخوتاه .. بادروا بالأعمال الصالح؛ فطوبى لمن بادر عمره القصير، فعمَّر به دار المصير، وتهيأ لحساب الناقد البصير، قبل فوات القدر؛ وإعراض النصير.

كان الحسن يقول: عجبتُ لأقوام أُمروا بالزاد، ونودي فيهم بالرحيل، وجلس أولهم على آخرهم وهم يلعبون!!

وكان يقول: يا ابن آدم، السكِّينُ تُشحَذ، والتَّنور يُسجر، والكَبشُ يُعتلف.

وقال أبو حازم: إن بضاعة الآخرة كاسدة فاستكثروا منها في أوان كسادها؛ فإنه لو جاء وقت نفاقها لم تصلوا فيها إلى قليلٍ ولا كثير.

وكان عون بن عبد الله يقول: كم من مستقبلِ يوم لا يستكمله، وكم من مؤملٍ لغدٍ لا يدركه، إنكم لو رأيتم الأجل ومسيره؛ لأبغضتم الأمل وغروره.

ص: 365

وكان أبو بكر بن عياش يقول: لو سقط من أحدكم درهمٌ لظل يومه يقول: إنا لله .. ذهب درهمي، وهو يذهب عمره ولا يقول؛ ذهب عمري، وقد كان لله أقوام يبادرون الأوقات، ويحفظون الساعات، ويلازمونها بالطاعات.

هذا الفاروق عمر رضي الله عنه ما مات حتى سَرَدّ الصوم.

وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تسرد، وسرد أبو طلحة بعد رسول الله أربعين سنة.

وقال نافع: ما رأيت ابن عمر صائمًا في سفره، ولا مفطرًا في حضره.

وقال ثابت البُناني: ما تركت في المسجد سادِنةً إلا وختمتُ القرآن عندها.

وقيل لعمرو بن هانئ: لا نرى لسانك يفتر من الذكر فكم تسبح كل يوم؟، قال: مائة ألف، إلا ما تخُطئ الأصابع.

وصام المنصور بن المعتمر أربعين سنة وقام ليلها، وكان الليل كله يبكي، فتقول له أمه: يا بني، قتلت قتيلًا؟، فيقول: أنا أعلمُ بما صنعتُ بنفسي.

قال الجماني: لما حضرتْ أبو بكر بن عياش الوفاة بكت أخته، فقال: لا تبك، وأشار إلى زاوية في البيت، إنه قد ختم أخوك في هذه الزاوية ثمانية عشر ألف ختمة.

كان بعض السلف يقول: صم الدنيا واجعل فطرك الموت، الدنيا كلها شهر صيام المتقين يصومون فيه عن الشهوات المحرمات، فإذا جاءهم الموت فقد انقضى شهر صيامهم واستهلوا عيد فطرهم.

وقَدْ صُمْتُ عَنْ لذاتِ دَهْرِي كُلِّها

ويَوْمَ لِقَاكُمْ ذَاكَ فِطرُ صِيامِي

من صام اليوم عن شهواته أفطر عليها بعد مماته، ومن تعجل ما حُرَّمَ عليه

ص: 366

قبل وفاته؛ عوقب بحرمانه في الآخر؛ وفواته، قال الله تعالى:{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ في حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف: 20].

كان الإمام علي يقول في آخر ليلة من رمضان: ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه، ومن هذا المحروم فنعزيه.

وكذلك كان يقول ابن مسعود رضي الله عنهما: من هذا المقبول منا فنهنيه؟، ومن هذا المحروم منا فنعزيه؟

وكأن المستفاد من ذلك أولًا أن قبول الأعمال غيب، وأن غاية ما كان من سعي المكلفين إنما هو في تحصيل صور الأعمال ومظاهرها، وأما المعول والذي عليه المدار في القبول؛ إنما هو حقائق الأعمال ومقاصدها.

فليت شعري من هذا المقبول فنهنيه، ومن هذا المحروم فنعزيه؟

إن ذلك غيب، لا يدري أحدٌ أين المقبول؟، وأين المحروم؟

واستفدنا كذلك أنه لا بد بعد إنقضاء العمل من وقفة المحاسبة للنفس، والنظر فيما كان فيه هذا العمل، وهل وقع هذا العمل من الله تعالى موقع القبول، أو كان هذا العمل في محل الرد والحرمان؟

فاكتسبت النفس لذلك وَجَلًا بعد ما ظنت انقضاء زمان السعي والمجاهدة، جاءها زمان آخر .. زمان المحاسبة للنفس، والمعاقبة على تقصيرها، والمجاهدة لشكر نعم الله عز وجل عليها.

قال بعض السلف: كانوا يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوه وقع عليهم الهم: أيقبل منهم أم لا، فما ينفكون من وجلهم وإشفاقهم في أثناء أعمالهم، وما يذهب عنهم وجلهم ولا إشفاقهم بعد انقضاء تلك الأعمال، لا يدرون قبلت منهم أعمالهم أم ذهبت تلك الأعم الذي غير محل القبول؟

ص: 367