الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فمن كان عليه قضاء من رمضان ثم بدأ بصيام ستٍّ من شوال تطوعًا لم يحصل له ثواب من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال؛ حيث لم يكمل عدة رمضان، كما لا يحصل لمن أفطر رمضان لعذر بصيام ستة أيام من شوال أجر صيام السنة بغير إشكال.
ومن بدأ بالقضاء في شوال، ثم أراد أن يتبع ذلك بصيام ستٍّ من شوال بعد تكملة قضاء رمضان كان حسنًا؛ لأنه يصير حينئذ قد صام رمضان وأتبعه بست من شوال، ولا يحصل له فضل صيام ست من شوال بصوم قضاء رمضان؛ لأن صيام الست من شوال إنما يكون بعد إكمال عدة رمضان.
ومن علامات القبول أيضًا:
1 -
إذا كنت بعد رمضان تسارع إلى الطاعات محبًّا لها، وتترك المعاصي أنفةً منها؛ فتلك من علامات القبول، وإذا رأيت أبواب الخير تفتح لك مثل البكاء، ورقة القلب، والسهر، وقلة النوم فهذه من ثمرات رمضان أيضًا، كما هي في رمضان أو أزيد، فهذه من علامات القبول.
2 -
إذا كنت بعد رمضان أفضل مما كنت عليه قبل رمضان، وتستشعر أن لك قلبًا جديدًا ينبض بحب الله، وتحس أنك تحب ربك أكثر، وتحب ذكره والقيام بين يديه، وتحب شكره وتحب الإقبال عليه، فهذه من علامات القبول.
حراسة الطاعات:
ثم إنه أيها الأحبة في الله إذا كان حَقٌّ كل عمل إذا صُحِب بالإخلاص، فكانت النية فيه غير مشوبة برياء أو سُمعة؛ كان لا بد في ذلك العمل من حراسة له؛ حتى لا يتطرق إليه ضرب من ضروب الخلل.
والحراسة تكون:
أولًا: بالحذر من الإدلال بالطاعة:
أول ذلك حراسة ذلك العمل من أن يحصُلَ من العبد به مَنٌّ على الله عز وجل، أو على خلقه، فما يرى ذلك العمل حتى ينتظر حقًّا يتقاضاه من الخلق، أو شيئًا يوجب له شيئًا آخر من الرب عز وجل، فهو وإن كان ثَمَّ عمل، فلا يزال يرى نفسه أقل إخوانه وأكثرهم ذنوبًا وأشدهم عيوبًا، فما له عليهم حَقُّ يتقاضاه بعمله.
وهو كذلك لا يُدِلُّ بذلك العمل على ربه، لا يرى أنه صنع شيئًا له على الله عز وجل به حق أو دلال، فما يرى ذلك العمل نعمة الله عز وجل التي تستوجب منه شكرًا آخر، وسعيًا موصولًا، واجتهادًا غير منقطع إلى الممات.
ثانيًا: بالحذر من العجب:
حَقُّ العمل بعد إنقضائه الحذر من أن يدرك النفس به عجبٌ، ودفع العجب بشهود منة الله عز وجل عليك، وتقصير نفسك، فتندفع رؤيتك لعملك، حين تكون مستغرقًا برؤية نعمة الله عز وجل لا برؤية عملك.
ثالثًا: بالحذر من الغرور:
وحق ذلك العمل بعد انقضائه حذر النفس من الغرور، فغرورها مبنيٌّ على نسبة ما كان من السعي لكسبها، ومن العمل لتحصيلها، وهي نسبة كاذبة غير صحيحة، فما كان من سعي أو كسب؛ فذلك فضل الله عز وجل، عطاؤه ومنته، إحسانه وجوده، لا نسبة لشيءٍ من ذلك للعبد ألبتة.
رابعًا: بالمداومة على الطاعات:
وحق ذلك العمل بعد انقضائه أن يعلم المرء أن علامة قبوله إنما هي
التوفيق لنظائره وأمثاله بعد انقضائه، وأن يعلم أن انقضاء موسم ذلك العمل يعني استجماع عدوِّه قوتَهُ في حبسه عن المزيد من ذلك العمل، حتى يجمع العدو اللعين كل الموانع والقواطع عن الصيام والقيام وتلاوة القرآن، فيحصل بعد رمضان انحدار شديد لما كان من الأعمال الصالحة بذهابها وفواتها.
خامسًا: بالاستعانة بالله لدفع الشواغل:
فحق تلك الأعمال التي أوتيتموها وأعانكم الله عليها أن تحذروا لها من مكايد العدو المتربص بها، حتى إذا جمع الشواغل، وكَثَّر الهموم والموانع والقواطع؛ كان عندكم من استعانتكم بالله عز وجل، واستمدادكم لقوته، كان عندكم من ذلك ما يدفع الشواغل والموانع والقواطع، وإلا فإن أي استسلام لذلك يعني ذهاب رمضان وانقطاعه بأعماله الصالحات، ويعني رجوع العبد إلى مرذول عاداته وسئ مألوفاته التي هي حبسٌ عن الله عز وجل، وانقطاعٌ عن السير إليه، وتقصيرٌ في تحصيل أسباب النجاة.
إخوتاه ..
اعلموا أن الراحة لا تُنال بالراحة، ومعالي الأمور لا تُنال بالفتور، ومن زرع حصد، ومن جد وجد.
لله دَرُّ أقوامٍ شغلهم تحصيلُ زادهم عن أهاليهم وأولادهم، ومال بهم ذِكرُ المآل عن المال في معادهم، وصاحت بهمُ الدنيا فما أجابوا شُغْلًا بمرادهم، وتوسدوا أحزانهم بدلًا من وسادهم، واتخذوا الليل مسلكًا لجهادهم واجتهادهم، وحرسوا جوارحهم من النار عن غيِّهم وفسادهم.
أقبلت قلوبهم ترعى حَقَّ الحَقِّ؛ فذهلت بذلك عن مناجاة الخلق.
فالأبدان بين أهل الدنيا تسعى، والقلوب في رياض الملكوت ترعى.
نازلهم الخوفُ فصاروا والِهين، وناجاهم الفكرُ فعادوا خائفين.
وجَنَّ عليهمُ الليلُ فباتوا ساهرين، وناداهم منادي الصلاح: حيَّ على الفلاح، فقاموا متجهين.
وهبَّت عليهم ريحُ الأسحار فتيقظوا مستغفرين، وقطعوا بند المجاهدة فأصبحوا واصلين.
فرجعوا وقت الفجر بالأجر .. فيا خيبةَ النادمين.
إخوتي في الله ..
إن عمل الصالحات لا ينقطع عنك ما دامت فيك روح .. فعل الطاعات لا يسقط عنك ما دام يتردد فيك نَفَس .. وأيُّما وجدت خيرًا فسارع إليه وشارك .. اللَّهم ارزقنا فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين .. ربنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار .. اللَّهم خذ بنواصينا إلى ما تُحِبُّ وترضى؛ إنك على ما تشاء قدير .. وبالإجابة جدير.
إخوتاه ..
هذه الشهور والأعمال والليالي والأيام كلها مقادير للآجال، ومواقيت للأعمال، ثم تنقضي سريعًا، وتمضي جميعًا، والذي أوجدها وابتدعها وخصها بالفضائل وأودعها باقٍ لا يزول، ودائمٌ لا يحول؛ هو في جميع الأوقات إلهٌ واحد، ولأعمال عباده رقيبٌ مشاهد.
فسبحان من قلَّبَ عباده في اختلاف الأوقات بين وظائف الخَدَم؛ ليسبغَ عليهم فيها فواضل النعم، ويعاملهم بنهاية الجود والكرم.
لما انقضت الأشهر الثلاثة الكرام التي أولها الشهر الحرام، وآخرها شهر
الصيام؛ أقبلت بعدها الأشهر الثلاثة، أشهر الحج إلى البيت الحرام، فكما أن من صام رمضان وقامه غُفر له ما تقدم من ذنبه؛ فمن حج البيت ولم يرفث ولم يفسُق رجع كيوم ولدته أمه.
فما يمضي من عمر المؤمن ساعة من الساعات إلا ولله فيها عليه وظيفة من وظائف الطاعات؛ فالمؤمن يتقلب بين هذه الوظائف، ويتقرب بها إلى مولاه وهو راجٍ خائف، والمحبُّ لا يَمَلُّ من التقرب بالنوافل إلى مولاه، ولا يأمل إلا قربه ورضاه.