المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فضائل رمضان .. وفرص لا تعوض - أسرار المحبين في رمضان

[محمد حسين يعقوب]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌فضائل رمضانالغنيمة الباردةوفرص لا تعوض

- ‌فضائل رمضان .. وفرص لا تعوض

- ‌الاستعداد لرمضان

- ‌كيف نستعد لرمضان

- ‌تمرينات الاستعداد

- ‌التمرين الأول: التدريب على تجويد التوبة:

- ‌التمرين الثاني: التدريب على تعظيم الشعائر:

- ‌التمرين الثالث: التدريب استقامة القلب:

- ‌التمرين الرابع: تدريب القلب على الأنفة من المعاصي:

- ‌التمرين الخامس: الترويض على الانكسار لله عز وجل:

- ‌التمرين السادس: استئصال الأورام الخبيثة:

- ‌التمرين السابع: إجراء بعض تمارين العزيمة والهمة:

- ‌التمرين الثامن: ترويض الحواس:

- ‌التمرين التاسع: الاستحضار الذهني للعبادات قبل الشروع فيها:

- ‌التمرين العاشر: لزوم جناب الاحتشام ودوام الإطراق:

- ‌التمرين الحادي عشر: ملاحظة المنة:

- ‌التمرين الثاني عشر: تهدئة نمط الحياة:

- ‌كيف نستقبل رمضان

- ‌استقبال رمضان"الوصايا العشر قبل دخول الشهر

- ‌الوصية الأولى: هدنة مع المناقشات والجدال:

- ‌الوصية الثانية: إقامة هدنة في العمل الزملاء والمسؤلين:

- ‌الوصية الثالثة: إقامة هدنة مع نفسك للتخلص من سموم القلب:

- ‌الوصية الخامسة: عمل هدنة النفس لترك الذنوب والمعاصى والسيئات:

- ‌الوصية السادسة: هدنة مع طول الغياب خارج المنزل وكثرة الارتباطات والمواعيد واللقاءات:

- ‌الوصية السابعة: هدنة مع كثرة النفقات والتبذير:

- ‌الوصية الثامنة: هدنة مع العقول والقلوب من التفكير والتدبير للدنيا:

- ‌الوصية التاسعة. هدنة مع إستهلاك الأعضاء:

- ‌الوصية العاشرة: هدنة مع الهموم:

- ‌كيف تعيش رمضان

- ‌أولًا: تحديد الأهداف:

- ‌ثانيًا: الطريق لتحقيق الأهداف:

- ‌روحانيات صائم

- ‌خطة اليوم في رمضان

- ‌يوم في حياة صائم:

- ‌مشاهد العبودية في رمضان

- ‌المشهد الأول: مشهد التوحيد:

- ‌المشهد الثاني: مشهد الصبر والشكر:

- ‌المشهد الثالث: مشهد القبض والبسط:

- ‌المشهد الرابع: حسن الخلق:

- ‌المشهد الخامس: الزهد في الدنيا:

- ‌المشهد السادس: الإيثار:

- ‌المشهد السابع: استشعار المعانى الإيجابية للصوم:

- ‌المشهد الثامن: الجود والإحسان:

- ‌رمضان والقران

- ‌فضائل القرآن:

- ‌(1) القرآن رحمة:

- ‌(2) القرآن طمأنينة:

- ‌(3) القرآن صانع الرجال:

- ‌(4) القرآن شفاء:

- ‌(5) القرآن حماية بعد الهداية:

- ‌(6) القرآن حياة القلوب:

- ‌تحصيل لذة التلاوة وقراءة القرآن

- ‌أما الآداب الظاهرة:

- ‌وأما الآداب الباطنة:

- ‌استدرك مهم

- ‌قيام رمضان

- ‌صلاة التراويح في رمضان

- ‌الاعتكاف

- ‌هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف:

- ‌مقاصد الاعتكاف:

- ‌حكم الاعتكاف:

- ‌شروط الاعتكاف:

- ‌أركان الاعتكاف:

- ‌زمانه وبداية وقته:

- ‌محظورات الاعتكاف:

- ‌أهداف الاعتكاف:

- ‌كيف نحصل حلاوة الاعتكاف

- ‌برنامج الاعتكاف:

- ‌نصائح الاعتكاف

- ‌عمرة رمضان

- ‌لماذا نعتمر

- ‌كيف تعتمر

- ‌مشاهد العبودية في العمرة:

- ‌نسائم الأسحار

- ‌آداب الدعاء:

- ‌وداع رمضان

- ‌وظائف آخر الشهر:

- ‌ليلة القدر

- ‌وماذا بعد رمضان

- ‌مقتضيات القبول:

- ‌مقتضيات الحرمان:

- ‌وقد يسأل: كيف أعرف أنني من المقبولين

- ‌فوائد صيام ستٍّ من شوال بعد رمضان:

- ‌ومن علامات القبول أيضًا:

- ‌حراسة الطاعات:

الفصل: ‌فضائل رمضان .. وفرص لا تعوض

‌فضائل رمضان .. وفرص لا تعوض

الحمد لله اللطيفِ الرءوفِ العظيمِ المنان، الكبير القدير الملك الديان، الغني العلي القوي السلطان، الحليم الكريم الرحيم الرحمن، الأول فالسبق لسبقه، المنعم فما قام مخلوق بحقه، الموالي بفضله على جميع خلقه بشرائف المنائح على توالي الزمان، {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} .

جلَّ عن شريك وولد، وعزَّ عن الاحتياج إلى أحد، وتقدس عن نظير وانفرد، وعلم ما يكون وأوجد ما كان، {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} .

أنشأ المخلوقات بحكمته وصنَعها، وفرق الأشياء بقدرته وجمعَها، ودَحَا الأرض على الماء وأوسعها، {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} .

سالت الجوامد لهيبته ولانت، وذلت الصعاب لسطوته وهانت، وإذا بطش {انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} .

*سبحانه*

يُعز ويذل، وُيفقر يُغني، ويُسعد وُيشقي، ويُبقي وُيفني، ويُشين ويُزين، وَينقض وَيبني، {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ} .

قدر التقدير فلا راد لحكمه، وعَلِمَ سِرَّ العبد وباطنَ عزمِه، {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} ، ولا ينتقل قدمٌ من مكان، {خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} .

مَدَّ الأرض فأوسعها بقدرته، وأجرى فيها أنهارها بصنعته، وصبغ ألوان نباته بحكمته، فمن يقدر على صبغ تلك الألوان، {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ

ص: 15

وَالرَّيْحَانُ}، ثبتها بالجبال الرواسي في نواحيها، وأرسل السحاب بمياهٍ تُحييها، وقضى بالفناء على جميع ساكنيها، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} .

من خدمه طامعًا في فضله نال، ومن لجأ إليه في رفع كربه زال، ومن عامله أربحه وقد قال:{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} .

*سبحانه*

إلهٌ يثيب عباده ويعاقب، ويهب الفضائل ويمنح المناقب، فالفوزُ للمتقي والعز للمراقب، {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} .

أنعم على الأمة بتمام إحسانه، وعاد عليها بفضله وامتنانه، وجعل شهرها هذا مخصوصًا بعميم غفرانه، {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} .

أحمده على ما خصَّنا فيه من الصيام والقيام، وأشكره على بلوغ الآمال وسبوغ الإنعام، وأشهد أنه الذي لا تحيط به العقول والأذهان {يَسْأَلُهُ مَنْ في السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ} .

وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم أفضل خلقه وبريته، المقدَّم على الأنبياء ببقاء معجزته، الذي انشق ليلةَ ولادته الإيوان، {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} .

وعلى أبي بكرٍ رفيقِهِ في الغار، وعلى عمرَ فاتحِ الأمصار، وعلى شهيدِ الدار عثمان، وعلى عليٍّ كاشفِ غَمِّهِ سيدِ الشجعان، {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} .

إخوتاه ..

جاء شهر الصيام بالبركات، فأكرم به من زائرٍ هو آت، كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه يقول: "قد جاءكم شهُر رمضان، شهرٌ مبارك كَتَبَ الله عليكم

ص: 16

صيامه، فيه تُفتَحُ أبوابُ الجنان، وتُغلق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغَلُّ فيه الشياطين، فيه ليلةٌ خير من ألف شهر، من حُرِم خيرَها فقد حُرِم" (1).

قال بعض العلماء: هذا الحديث أصلٌ في تهنئة الناس بعضهم بعضًا بشهر رمضان، وكيف لا يبشَّر المؤمن بفتح أبواب الجنان؟!، كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران؟!، كيف لا يبشر العاقل بوقت تغل فيه الشياطين؟!، فمن أين يشبه هذا الزمان زمان!!، وكان بعض السلف يدعو ببلوغ رمضان، فكان إذا دخل رجب يقول:"اللَّهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان".

إخوتاه ..

جاء رمضان بما فيه من خيرٍ وبركة .. جاء رمضان يحمل البشريات للعاملين .. ويبهج بطيب أيامه قلوب المتقين .. جاء رمضان فرصةً للعابدين .. جاء رمضان ليغسل ذنوب التائبين النادمين .. جاء ليرفع في الجنة درجاتٍ المحبين الصادقين .. جاء رمضان إخوتاه فهل من مشمر؟! .. جاء رمضان فإليكم بعض مناقبه؛ لعلكم تَقْدُرُونَ الضيف قَدْرَه، لعلكم تعرفون مكانته وفضله:

أولًا: رمضان هو الشهر الذي اختاره الله واصطفاه ليكون ميقاتًا لنزول كتبه ورسالاته، فهو شهر الصلة بين الأرض والسماء، يُنْزِل اللهُ فيه كلامه، ويخاطب فيه خلقه، ويبث فيه نوره، ويوحي فيه إلى صفوة عباده، فأعْظِم به من شهر، سببُ الخير، ومنبعُ النور، ومنطلقُ الرحمة، ومهبطُ البركة من السماء إلى الأرض، فعن واثلة بن الأسقع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لستٍّ مضَت من رمضان،

(1) أخرجه الإِمام أحمد (2/ 230)، وصححه شعيب الأرنؤوط (7148).

ص: 17

وأنزل الإنجيل لثلاثَ عَشْرةَ مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشر خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان" (1).

واختصه الله بصفة أخص بنزول أعظم كتاب لأعظم أمة، اختصه من بين الشهور بذلك فقال جل جلاله:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]، فالقرآن العظيم الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور نزل في هذا الشهر العظيم الفضيل، فهل بعد هذه مَنقبَة؟!

ثانيًا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزي به"(2)، استأثر الله سبحانه وتعالى بالصيام لنفسه سبحانه من بين سائر الأعمال، ولهذا قال بعد ذلك:"إنه إنما ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي".

قال ابن عبد البر: كفى بقوله: "الصومُ لي" فضلًا للصيام على سائر العبادات، وقد اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى:"الصوم لي وأنا أجزي به"، مع أن الأعمال كلَّها له، وهو الذي يجزي بها، على أقوال: أحدِها: أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره، قال القرطبي: لما كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله، فأضافه إلى نفسه.

وقال أبو عبيد في غريبه: قد علمنا أن أعمال البر كلَّها لله وهو الذي يجزي بها، فنرى والله أعلم أنه إنما خص الصيام؛ لأنه ليس يظهر من ابن آدم بفعله وإنما هو شيءٌ في القلب؛ وذلك لأن الأعمال لا تكون إلا بالحركات، إلا الصوم فإنما هو بالنية التي تخفى على الناس.

(1) أخرجه أحمد (4/ 107)، وحسنه الألباني (1509) في "صحيح الجامع".

(2)

متفق عليه، أخرجه البخاري (1850)، مسلم (1151).

ص: 18

وكما هو معلوم أن كل ما نُسب إلى الله عز وجل نال شرفًا بذلك فهو أشرف الأمور، فنسب الله تعالى الكعبة بلى نفسه وهي أشرف الأماكن على الإطلاق، ونسب لنفسه شهر المحرم؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أفضل الصيام بعد رمضان صوم شهر الله المحرم"(1)، ونسب لنفسه الصوم فدل ذلك على أنه من أفضل الأعمال.

قال الحافظ ابن رجب -عليه رحمة الله تعالى: وقد كثر القول في معنى "الصوم لي" وذكروا فيه وجوهًا كثيرة، ومن أحسن ما ذُكِر فيه وجهان:

أحدهما: أن الصيام هو مجرد ترك حظوظ النفس وشهواتها الأصلية التي جبلت على الميل إليها لله عز وجل، ولا يوجد ذلك في عبادة أخرى غير الصيام؛ لأن الإحرام إنما يُترك فيه الجماع ودواعيه من الطِّيب دون سائر الشهوات من الأكل والشرب، وكذلك الاعتكاف مع أنه تابع للصيام، وأما الصلاة فإنه وإن ترك المصلي فيها جميع الشهوات إلا أن مدتها لا تطول، فلا يجد المصلي فَقْدَ الطعام والشراب في صلاته، بل قد نُهي أن يُصلي ونفسُه تَتُوق إلى طعام بحضرته حتى يتناول منه ما يُسَكِّن نفسه؛ ولهذا أُمر بتقديم العَشَاء على الصلاة.

وهذا بخلاف الصيام؛ فإنه يستوعب النهار كله، فيجد الصائم فَقْدَ هذه الشهوات، وتتوق نفسه إليها خصوصًا في نهار الصيف لشدة حرِّه وطوله؛ ولهذا روي أن من خصال الإيمان الصوم في الصيف، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم رمضان في السفر في شدة الحر دون أصحابه، كما قال أبو الدرداء: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في سفر، وأحدنا يضع يده على رأسه من شدة الحر

(1) أخرجه: مسلم (1163).

ص: 19

وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة، وفي الموطأ أنه صلى الله عليه وسلم كان بالعَرج يُصَبُّ الماءُ على رأسه وهو صائم من العطش أو الحر.

فإذا اشتد تَوَقان النفس إلى ما تشتهيه مع قدرتها عليه ثم تركته لله عز وجل في موضع لا يَطَّلع عليه إلا الله، كان ذلك دليلًا على صحة الإيمان، فإن الصائم يعلم أن له ربًّا يطلع عليه في خلوته، وقد حَرَّم عليه أن يتناول شهواته المجبول على الميل إليها في الخلوة، فأطاع ربه وامتثل أمره واجتنب نهيه، خوفًا من عقابه ورغبًة في ثوابه، فشَكَرَ اللهُ تعالى له ذلك، واختص لنفسه عمله هذا من بين سائر أعماله؛ ولهذا قال سبحانه بعد ذلك:"إنما ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي".

قال بعض السلف: طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد غيب لم يره.

لما علم المؤمن الصائم أن رضا مولاه في ترك شهواته قَدَّم رضا مولاه على هواه، فصارت لذتُه في ترك شهوته لله لإيمانه باطلاع الله عليه، وإيمانه بثوابه وعقابه، فصار ذلك أعظم من لذته في تناول شهوته في الخلوة إيثارًا لرضا ربه على هوى نفسه، بل المؤمن يكره ذلك في خلوته أشد من كراهته لألم الضرب، ولهذا تجد كثيرًا من المؤمنين لو ضُرب على أن يفطر في شهر رمضان لغير عذر لم يفعل؛ لعلمه كراهة الله لفطره في هذا الشهر.

وهذا من علامات الإيمان، أن يكره المؤمن ما يلائمه من شهواته إذا علم أن الله يكرهه، فتصير لذته فيما يرضي مولاه، وإن كان مخالفًا لهواه، ويكون ألمه فيما يكرهه مولاه، وإن كان موافقًا لهواه، إذا كان هذا فيما حُرِّم لعارض الصوم من الطعام والشراب ومباشرة النساء؛ فينبغي أن يتأكد ذلك فيما حرم على الإطلاق، كالزنا وشرب الخمر وأخذ الأموال أو الأعراض بغير حق، وسفك الدماء المحرمة؛ فإن هذا يُسْخِط الله على كل حال وفي كل زمان ومكان.

ص: 20

فإذا كَمُل إيمان المؤمن كره ذلك كلَّه أعظم من كراهته للقتل والضرب؛ ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم من علامات وجود حلاوة الإيمان: "أن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله كما يكره أن يُلقى في النار"(1)، وقال الله سبحانه وتعالى عن يوسف عليه السلام:{قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف: 33].

سئل ذو النون المصري: متى أحبُّ ربي؟، قال: إذا كان ما يكرهه أَمَرُّ عندك من الصبر، وقال غيره: ليس من أعلام المحبة أن تحب ما يكرهه حبيبك، وكثيرٌ من الناس يمشي على العوائد دون ما يوجبه الإيمان ويقتضيه؛ فلهذا كثيرٌ منهم لو ضُرِبَ ما أفطر في رمضان لغير عذر، ومن الجهال من لا يفطر لعذر ولو تضرر بالصوم جريًا على العادة، مع أن الله يحب منه أن يقبل رخصته، وقد اعتاد مع ذلك ما حرم اللهُ من الزنا وشرب الخمر وأخذ الأموال والأعراض أو الدماء بغير حق، فهذا يجري على عوائده في ذلك كله، لا على مقتضى الإيمان.

ومن عَمِلَ بمقتضى الإيمان صارت لذتُهُ في مصابرة نفسه عمَّا تميل نفسه إليه إذا كان فيه سخط الله، وربما يرتقي إلى أن يكره جميع ما يكرهه الله منه، وينفر منه وإن كان ملائمًا للنفوس كما قيل:

إنْ كانَ رضاكمْ في سَهَرِي

فسلامُ اللهِ عَلى وَسَنِي

وقال الآخر:

عذابُهُ فيكَ عَذْبُ

وبُعْدُهُ فيكَ قُربُ

وأنتَ عِندى كرُوحِي

بلْ أنتَ منها أَحَبُّ

حَسبيِ مِنَ الحبِّ أنِّي

لِمَا تُحِبُّ أحِبُّ

(1) متفق عليه، البخاري (5694)، ومسلم (43).

ص: 21

الوجه الثاني: أن الصيام سرٌّ بين العبد وربه لا يطلع عليه غيره؛ لأنه مُركب من نية باطنة، لا يطلع عليها إلا الله، وتَرْكٌ لتناول الشهوات التي يُسْتَخفى بتناولها في العادة؛ ولذلك قيل: لا تكتبه الحفظة، وقيل: إنه ليس فيه رياء، فإن من ترك ما تدعوه نفسه إليه لله عز وجل حيث لا يطلع عليه غيرُ من أمره. أو نهاه؛ دل ذلك على صحة إيمانه.

والله تعالى يحب من عباده أن يعاملوه سِرًّا بينهم وبينه، وأهل محبته يحبون أن يعاملوه سِرَّا بينهم وبينه، بحيث لا يطلع على معاملتهم إياه سواه؛ حتى كان بعضهم يود لو تمكن من عبادةٍ لا تشعر بها الملائكةُ الحفظةُ.

وقال بعضهم لما اطُّلِعَ على بعض سرائره، إنما كانت تطيب الحياة لمَّا كانت المعاملة بيني وبينه سرًّا، ثم دعا لنفسه بالموت، فمات.

المحبون يغارون من اطلاع الأغيار على الأسرار التي بينهم وبين من يحبهم ويحبونه.

وقوله: "ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي"، فيه إشارة إلى المعنى الذي ذكرناه، وأن الصائم يتقرب إلى الله بترك ما تشتهيه نفسه من الطعام والشراب والنكاح، وهذه أعظم شهوات النفس، وفي التقرب بترك هذه الشهوات بالصيام فوائد منها:

(أ) كسر النفس؛ فإن الشِّبَع والرِّي ومباشرة النساء تحمل النفس على الأَشَر والبَطَر والغفلة.

(ب) تُخَلِّي القلب للفكر والذكر؛ فإن تناول هذه الشهوات قد تُقسِّي القلب وتُغمِيه، وتحولُ بين العبد وبين الذكر والفكر، وتستدعي الغفلة.

وخلو الباطن من الطعام والشراب ينوِّر القلب ويوجب رقَّته وُيزيل قسوته ويخلِّيه للذكر والفكر.

ص: 22

(جـ) أن الغنيَّ يعرف قدر سعة الله عليه؛ بإقداره له على ما منعه كثيرًا من الفقراء من فضول الطعام والشراب والنكاح؛ فإنه بامتناعه من ذلك في وقت مخصوص، وحصول المشقة له بذلك يتذكر به من مُنِع من ذلك على الإطلاق؛ فيوجب له ذلك شكر نعمة الله عليه بالغنى، ويدعوه إلى رحمة أخيه المحتاج ومواساته بما يمكن من ذلك.

(د) أن الصيام يضيِّق مجاري الدم التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فتَسْكُن بالصيامِ وساوسُ الشيطان، وتنكسر سَوْرَةُ الشهوة والغضب؛ ولهذا جعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصومَ وِجاءً؛ لِقَطْعِه شهوةَ النكاح.

إشارة مهمة:

واعلم أنه لا يتم التقرب إلى الله تعالى بترك هذه الشهوات المباحة في غير حالة الصيام إلا بعد التقرب إليه بترك ما حَرَّم في كل حال، من الكذب، والظلم، والعدوان على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من لم يَدَعْ قولَ الزور، فليس لله حاجةٌ في أن يدعَ طعامه وشرابه"(1)، في حديث آخر:"ليس الصيام من الطعام والشراب؛ إنما الصيام من اللغو والرفث"(2)، وقال بعض السلف: أهون الصيام ترك الشراب والطعام، وقال جابر: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقارٌ وسكينةٌ يومَ صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"رُبَّ صائمٍ حظُّهُ من الصيام الجوعُ والعطش، ورُبَّ قائمٍ حظُّهُ من القيام السهر"(3).

(1) أخرجه البخاري (1804).

(2)

أخرجه ابن خزيمة (2/ 242)، وصححه الألباني (5376) في "صحيح الجامع".

(3)

أحمد (2/ 373)، وصححه الألباني (759) في "صحيح الجامع".

ص: 23

وسِرُّ هذا: أن التقرب إلى الله تعالى بترك المباحات لا يكمل إلا بعد التقرب إليه بترك المحرمات، فمن ارتكب المحرمات ثم تقرب إلى الله تعالى بترك المباحات كان بمثابة من يترك الفرائض ويتقرب بالنوافل، وإن كان صومه مجزئًا عند الجمهور بحيث لا يؤمرُ بإعادته؛ لأن العمل إنما يبطل بارتكاب ما نهي عنه فيه لخصوضه دون ارتكاب ما نهي عنه لغير معنى يختص به" اهـ كلام ابن رجب.

ولهذا المعنى والله أعلم ورد في القرآن بعد ذكر تحريم الطعام والشراب على الصائم بالنهار، ذكر تحريم أكل أموال الناس بالباطل، فإن تحريم هذا عامُّ في كل زمان ومكان بخلاف الطعام والشراب، فكان إشارةً إلى أنَّ من امتثل أمر الله تعالى في اجتناب الطعام والشراب في نهار صومه، فليمتثل أمره في اجتناب أكل أموال الناس بالباطل فإنه محرم على كل حال، لا يُباح في وقت من الأوقات.

ثالثًا: المنقبة الثالثة من مناقب رمضان: فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، هذه من بركات الله سبحانه ورحماته وإكرامه لهذه الأمة فنحن أمة مرحومة، لَمَّا كانت هذه الأمة تتراوح أعمارها بين الستين والسبعين وقليلٌ منهم من يجاوز ذلك، أعطاها الله البركة في الأعمال، فالحسنة بعشر أمثالها، وقراءة حرف من القرآن بعشر حسنات، وليلة القدر في رمضان خير من ألف شهر .. هل تأملت هذا المعنى: خيرٌ من ألف شهر؟!، فوالله لا يُحرمُ خيرَها إلا محروم مخذول، وقيامها فيه غفران ما تقدم من الذنوب؛ فيالها من نعمة على المؤمنين سابغة.

تأمل معي: أنك لو قمت ثلاثينَ أو أربعينَ ليلةَ قَدْرٍ، كل ليلة ببضع وثمانين سنة؛ لصار عمرك أكثر من ثلاثة آلاف سنة، سبحان الملك!!، اللَّهم زدنا من بركاتك، اللَّهم وفقنا لقيام ليلة القدر ولا تحرمنا أجرها.

ص: 24

رابعًا: تُفتح فيه أبواب الجنة وتُغلق فيه أبواب النار .. أخي في الله .. حبيبي في الله .. هل استشعرت هذا المعنى أيضًا: أن أبواب الجنة تكون مفتحة لطلابها وتغلق فيه أبواب الجحيم، وليست هذه المَنقبة لشهر آخر من المشهور، فاعرف شرف الشهر العظيم .. ولست أدري إن لم تدخل الجنة وهي مفتحة الأبواب متى تدخلها؟، وإذا كنت لا تنصرف عن النار وهي موصدة الأبواب، وترجع راغبًا عنها فمتى تنصرف؟! .. عفا الله عني وعنك.

خامسًا: في رمضان تُسلسل الشياطين .. تُغلُّ مردة الجن .. تصير فيه الشياطين مكبلة مقيدة تثبتها الأغلال وتعرقلها القيود، وكل هذا لتنطلق النفس حرةً طليقة في أجواء العبودية لله جل جلاله، فماذا يمنعك من أن تكون رجلًا بذولًا فيه للخير وقد قُيدت الشياطين؟!

هكذا أزيلت حجتك، وأبطلت أعذارك، وأزيلت معوقاتك؛ فلا شيطان يوسوس لك، ولا ماردًا يحاربك ويحجبك؛ إنما هي نفسك الأمارة وتسويلها بالسوء، أقبل وتخلص من سلطانها، كفانا الله وإياك شرها.

سادسًا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفدت الشياطين ومردة الجن وفلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر"(1) .. من أراد الطاعة في هذا الشهر الكريم فسبيلها سهلٌ ميسور، فأقبل بكل عزيمتك .. بادر بكل أشواقك .. ومن أراد معصية الله في هذا الشهر نودي: كُفَّ عن عصيانك واحذر ..

يا باغي الخير أقبل .. فإنك معان موفق مسدد ..

ويا باغي الشر أقصر- فإنك مخذول مكروه منبوذ مطرود ..

(1) أخرجه الترمذي (682)، وصححه الألباني (759) في "صحيح الجامع".

ص: 25

سابعًا: جماعية الطاعة في رمضان تبعث في النفس نشاطًا وثباتًا؛ فالناس كلهم صائمون، ويجتمعون في صلاة التراويح، والنفس من عادتها أنها تنشط عند المشاركة وتغتر بالكثرة الكاثرة؛ ولذلك تَثَبَّت كعبُ بن مالك رضي الله عنه عنه في قصة توبته بعد ما ضغط عليه أهله حتى كاد يعود فيُكَذِّب نفسه، تَثَبثَّ لما علم برجلين صالحين شهدا بدرًا أصابهم ما أصابه، وكذلك قال موسى عليه السلام:{وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ في أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} [طه: 29 - 34]، هكذا يشتد أزرك في العبادة بكثرة المشاركين لك فيها، فانطلق واعبد وستجد لك أعوانًا ومحبين، فتستفيد ويُستفاد منك.

ولذلك يعتبر رمضان ثورة عبادية شاملة، فتجد من بركته إقبال الناس على الخير .. وبحث الناس عن الخير .. تميل القلوب إلى الدين .. وتُقبِل نحو المساجد، فيا دعاة الإِسلام .. يا ورثة الأنبياء هذه فرصتكم فاغتنموها .. لا تضيعوا هذه الفرصة من أيديكم ودلوا الناس على الله .. عرفوا الناس دينهم، فإنهم في هذا الشهر مهيئُون للاستجابة السريعة؛ فاغتنم دعوتهم واكسب أجرهم ..

ثامنًا: في رمضان تجتمع أمهات الطاعات .. فالصلاة والصيام وزكاة الفطر فيه فرائض واجبة، ثم هناك تلاوة القرآن .. والذكر .. والدعاء .. والصدقة .. والعمرة .. وإطعام الطعام .. من المستحبات المؤكدات، وحصول هذه الطاعات وغيرها في هذا الشهر يجعله بمثابة توبة أمة؛ ولكن أين المشمرون لاستغلال الفرص؟!

تاسعًا: في رمضان أسباب كثيرة لغفران الذنوب والعتق من النار، قال

ص: 26

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"(1)، وقال صلى الله عليه وسلم:"من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"(2)، وقال صلى الله عليه وسلم:"من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"(3).

خذ هذه الغنيمة البادرة ثلاث فرص في شهر لمغفرة ما تقدم من ذنبك.

ثلاث فرص لتتطهر من ماضيك وتبدأ صفحة جديدة على بياض.

يالها من فرصة لو كنت رجلًا ..

عاشرًا: ثم أيضًا فرصة لتدخل في زمرة الأكابر، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليتُ الصلوات الخمس، وأديتُ الزكاة، وصمت رمضان وقمتُه، فممَّنْ أنا؟، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من الصدِّيقين والشهداء"(4)، سبحان الملك!، أمامك فرصة لتكون ممن قال الله فيهم:{وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]:، سبحان الله العظيم!، غنيمةٌ واللهِ باردة، وفرصٌ واللهِ لا تُعوض، سبحان الملك!، كم فرصة في الشهر للمغفرة والعتق، بل كم فرصة كل ليلة، حقًّا يا ويلهُ من فاتته تلك الفرص أو أضاعها.

وعن جابر بن سَمُرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل فقال: يا محمَّد، من أدرك أَحَدَ والديه فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين، قال: يا محمَّد، من أدرك شهر رمضان فمات ولم يغفر الله

(1) متفق عليه، البخاري (38)، ومسلم (760).

(2)

متفق عليه، البخاري (37)، ومسلم (759).

(3)

متفق عليه، البخاري (35)، ومسلم (760).

(4)

أخرجه ابن حبان (8/ 223)، وصححه الألباني (993) في "صحيح الترغيب والترهيب".

ص: 27

فدخل الناو فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين، قال: ومن ذُكرت عنده فلم يصلِّ عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، قلت: آمين" (1).

الحادي عشر: سُنَّة الاعتكاف في رمضان تعد بمثابهّ غرفة عناية مركزة، لاستئصال سرطان الذنوب من القلوب .. تعتبر بيئة معقمة بعيدة عن شوائب الدنيا وأدرانها، وكان حبيبنا ونبينا محمَّد صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، وفي العام الذي تُوفِّىَ فيه اعتكف عشرين يومًا ولما فاته الاعتكاف مرة قضاه فاعتكف العشر الأول من شوال، وفعله هذا يُنبيك عن أهمية هذه العبادة، وحرصه صلى الله عليه وسلم عليها يدفعك لأن تحرص عليها.

وفي الاعتكاف خَلوة، وقطع التعلق بالبشر، والتخلص من سموم المخالطة، وفوائد أخرى عظيمة منها جمع الهم على الله، وجمع شمل القلب بعد تشتته، وتغيير الطباع البشرية في العادات من الأكل والشرب والنوم، وقضاء الحاجة والوجوه المخالطة، وفي كل هذا فوافد نفيسة لمن استحضرها واستجمعها واستفاد منها فأقبل، واستعن بالله ولا تعجز، اعتكف ولا تهمل، اخسر شيئًا من الدنيا واكسب الآخرة، واعلم أن كل هذه الطاعات والعبادات سبيل لنزرل رحمة الله جل جلاله، فتعرَّض لرحمة الله عساك أن ترحم، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الثاني عشر: لله في كل ليلة من هذا الشهو عتقاء من النار؛ فكن منهم تسعد في الدنيا والآخرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لله عند كل فطر عتقاء"(2).

أخي الحبيب .. هل تعرف معنى هذه الجملة؟ (اللَّهم أعتق رقابنا من النار) برغم أنها تتكرر كثيرًا على الألسنة، إلا أننا لم نتدبر معناها جيدًا كما

(1) أخرجه ابن حبان (409)، وصححه الألباني (75) في "صحيح الجامع".

(2)

أخرجه أحمد (5/ 256)، وصححه الألباني (2170) في "صحيح الجامع".

ص: 28

ينبغي، لك أن تتصور في معنى العتق قول الله عز وجل:{يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحديد: 13 - 15].

ركز جيدًا على قوله تعالى: {مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} ، تفهم حينئذ أن العتق هو الخروج من هذه الولاية، ألا تكون النار مولاك، وفي الآيات الأخرى:{أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ، فالعتق: التخلي عن هذا المِلْك، ملكية النار للإنسان، سبحان الملك العظيم، أدركت الخطر المُدْلَهِم الذي تنجو منه بالعِتق، اللهم أعتق رقابنا من النار .. اللَّهم اجعلنا من عتقائك من النار ومن المرحومين، هذه فرصة عظيمة في هذا الشهر، فكاكُك من النار.

الثالث عشر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله عتقاء في كل يوم وليلة لكل عبدٍ منهم دعوةٌ مستجابة"(1)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ثلاثٌ لا تُرد دعوتهم وذكر منهم "الصائم حتى يفطر" (2)، أخي: هل لك إلى الله حاجة؟

أبشر .. مسموحٌ لك في ثلاثين حاجة، سبحان الله العظيم!، كم يشتهي الإنسان أشياء تُقْضَى بدعوةٍ عند الإفطار لأن قبل الأفطار في آخر النهار يكون الإنسان في أحسن حالات استشعار الانكسار، وإظهار الافتقار، ومَدِّ يد الضراعة، وبظهور الذل والحاجة، يستجيب الله دعاء الصائم المسكين.

(1) أخرجه أحمد (2/ 254)، وصححه الألباني (169) في "صحيح الجامع".

(2)

أخرجه أحمد (2/ 304)، وصححه الألباني (3030) في "صحيح الجامع".

ص: 29

اغتنم الفرصة واستعد قبل الغروب بتجهيز كشف المطالب والتبرؤ من العيوب، واجعل لنا نصيبًا في دعائك أيها الحبيب المحبوب، ولا تنس أن تجعل من دعائك دعاءً للأمة جميعًا أن يفرج الله عنها جميع الكروب.

الرابع عشر: الصيام يشفع لأهله يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: أي رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه؛ فيشفعان"(1)، يقول الله تعالى:{هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} [النساء: 109]، يحتاج الإنسان يوم القيامة إلى وكيل يدافع عنه، وشفيع يشفع له في مدلهمات هذا اليوم العظيم، فإذا وجد هذا الشفيع المُشَفَّع كانت قمة السعادة، فاحرص أن يعرفك الصيام ويعرفك رمضان، ويعرفك القرآن، ويعرفك الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فيجتمع لك الشفعاء، فتكون النجاة بفضل الله.

الخامس عشر: قوله صلى الله عليه وسلم: "اللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه"(2)، وكم يشتهي الإنسان في هذا الزمان وسط الحزن والنكد، والهم والألم فرحةً تُسعِد قلبَه، وينشرح لها صدرُه؛ فإذا به عند الإفطار يجد فرحةً عظيمةً بثها الله في قلبه، فأما فرحة الصائم عند فطره، فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح، فإذا مُنِعت من ذلك في وقت من الأوقات، ثم أبيح لها في وقت آخر؛ فرحت بإباحة ما منعت منه، خصوصًا عند اشتداد الحاجة إليه؛ فإن النفوس تفرح بذلك طَبْعًا، فإن كان ذلك محبوبًا لله كان محبوبًا شرعًا.

(1) أخرجه أحمد (2/ 174)، وصححه الألباني (3882) في صحيح الجامع".

(2)

أخرجه البخاري (1805).

ص: 30

وأما فرحته عند لقاء ربه فبما يجده عند الله من ثواب الصيام مُدَّخَرًا، فيجده أحوج ما كان إليه، كما قال الله تعالى:{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} [المزمل: 20]، وقال تعالى:{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} [آل عمران: 30]، وقال سبحانه:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7]. ومن أهم مميزات الصيام أنه لا يحبط بالقصاص في أداء مظالم العباد.

قال سفيان بن عيينة رحمه الله: فإذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله حتى لا يبقى إلا الصوم، فيتحمل الله عز وجل ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة.

الصيام لله عز وجل، فلا سبيل لأحد إلى أَخْذِ أجرِك من الصيام، بل أَجرُك مُدَّخَر لك عند الله عز وجل، وحينئذ فقد يقال: إن سائر الأعمال قد يكفر بها ذنوب صاحبها، فلا يبقى لها أثر، فإنه روي أنه يوازن يوم القيامة بين الحسنات والسيئات ويقتص بعضها من بعض، فإن بقي من الحسنات حسنة دخل بها صاحبها إلى الجنة، فيحتمل أن يق الذي الصوم: إنه لا يسقط ثوابه بمقاصة ولا غيرها، بل يوفر أجره لصاحبه حتى يدخل الجنة فيوفى أجره فيها. قال سبحانه:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].

السادس عشر: رمضان شهر التقوى: قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد": "لما كان المقصودُ من الصيام حبسَ النفس عن الشهوات، وفطامَها عن المألوفات، وتعديلَ قوتها الشهوانية لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية، ويكسر الجوع والظمأ من حِدَّتها وسَوْرتها، ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين، وتضييق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب، وتحُبْسَ قوى الأعضاء عن

ص: 31

استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها، ويسكن كل عضو وكل قوة عن جماحه، وتُلجم بلجامه، فهو لجامُ المتقين، وجُنَّةُ المحاربين، ورياضةُ الأبرار والمقربين، وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال.

فإن الصائم لا يفعل شيئًا، وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده، وهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثارًا لمحبة الله ومرضاته، وهو سرٌّ بين العبد وربه لا يطلع عليه سواه، والعباد قد يَطَّلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة، وأما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده؛ فهو أمرٌ لا يطلع عليه بشر، وذلك حقيقة الصوم.

وللصوم تأثيرٌ عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة، والقوى الباطنة، وحِمْيتُها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة، التي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها؛ فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات، فهو من أكبر العون على التقوى كما قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] " اهـ.

بعد هذا الكلام المتين لابن القيم في ذكر أسرار الصيام؛ علمت أن المقصود الأعظم من الصيام التقوى، وهي الدرة المفقددة والغاية المنشودة، وفرصتك في تحصيلها في هذا الشهر أعظم، فبادر والله المستعان.

وقفة

بعد هذه الفوائد والمناقب والتحف والطرائف لفضائل شهر رمضان المعظم؛ لابد من وقفة:

هل تحصيلها بمجرد ترك الطعام والشهوة من الفجر إلى المغرب أم أن لذلك شروطًا أُخَرَ؟

ص: 32

وهنا أقول لك -أيها الحبيب المحب-: إن حقيقة وسر الصيام المطلوب ليست أمرًا شكليًّا يُؤدى كيفما اتفق؛ ولكن هناك أسرار لهذه العبادة العظيمة لا بد من معرفتها وإتقانها علمًا وعملًا، ثم هناك مراتب للصائمين .. ليسوا سواء .. وإنما تتفاوت الأعمال بقدر ما تتفاوت الهمم وأحوال القلوب:

قال الحافظ ابن حجر: نقل ابن العربي عن بعض الزهاد أن الصوم على أربعة أنواع:

*صيام العوام: وهو الصوم عن الأكل والشرب والجماع.

*وصيام خواص العوام: وهو هذا مع اجتناب المحرمات من قول أو فعل.

* وصيام الخواص: وهو الصوم عن غير ذكر الله وعبادته.

* وصيام خواص الخواص: وهو الصوم عن غير الله، فلا فطر لهم إلى يوم القيامة، وهذا مقامٌ عالٍ.

وقال ابن الجوزي: الصوم ثلاثة: صوم الروح وهو قِصَرُ الأمل، وصومُ العقل وهو مخالفة الهوى، وصومُ الجوارح وهو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع.

وقال: وما من جارحة في بدن الإنسان إلا ويلزمها الصوم في رمضان وغير رمضان، فصوم اللسان: ترك الكلام إلا في ذكر الله تعالى، وصوم السمع: ترك الإصغاء إلى الباطل وإلى ما لا يحل سماعه، وصيام العينين: ترك النظر والغض عن محارم الله.

فيا أخي ..

يا من طالت غيبته عن الله أبشر .. أبشر يا من دامت خسارته طول العام؛

ص: 33

فقد أقبلت التجارة الرابحة، من لم يربح في رمضان متى يربح، من لم يتب فيه إلى مولاه؛ فهو على بُعْدِهِ لا يبرح.

كم يُنَادي: حي على الفلاح وأنت خاسر، كم تدعى إلى الصلاح وأنت على الفساد مثابر، إذا رمضانُ أتى مقبلًا فأَقْبِل فبالخير يُستقبَل، لعلك تخطئه قابلًا وتأتي بَعْدُ فلا تُقبل.

إخوتاه .. من يضمن أن يعيش إلى رمضان؟!، كم من آمل أن يصوم هذا الشهر فخانه أملُه؛ فصار قبله إلى ظلمة القبر! كم مستقبلٍ يومًا لا يستكمله، ومؤمِّلٍ غدًا لا يدركه!!

إِخوتاه ..

تالله لو قيل لأهل القبور تمنوا لتمنوا يومًا من رمضان ..

قيل: الشهور الاثنا عشر كمثل أولاد يعقوب عليه السلام، وشهر رمضان بين الشهور كيوسف بين إخوته، فكما أن يوسف أحب الأولاد إلى يعقوب، كذلك رمضان أحب الشهور إلى علام الغيوب.

إن كان في يوسف من الحلم والعفو ما غمر جفاهم حين قال: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [يوسف: 92]؛ فذلك شهر رمضان فيه من الرأفة والبركات والنعمة والخيرات، والعتق من النار، والغفران من الملك القهار، ما يغلب جميع الشهور.

جاء إخوة يوسف معتمدين عليه في سد الخلل، وإزاحة العلل بعد أن كانوا خطايا زلل، فأحسن لهم الإنزال، واْصلح لهم الأحوال، وبلغهم غاية الآمال، وأطعمهم في الجوع، وأذن لهم في الرجوع، وقال لفتيانه:{اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ في رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا} [يوسف: 62]، فسدَّ الواحدُ خَلَلَ أَحَدَ عَشَر؛

ص: 34

كذلك رمضان واحدٌ والشهور أَحَدَ عَشَر، وفي أعمالنا خلل وأي خلل، ويرجو العبد أن يتلافي في شهر رمضان ما فرَّط فيه في سائر الشهور.

كان ليعقوب أحد عشر ولدًا ذكورًا بين يديه حاضرين، ينظر إليهم ويراهم ويطلع على أحوالهم وما يبدو من فِعالهم، ولم يرتد بصره بشيء من ثيابهم، وارتد بقميص يوسف بصيرًا، وصار بصره منيرًا، فكذلك المذنب، إذا ثم روائح رمضان، وجلس فيه مع المُذَكِّرين وقُرَّاء القرآن، وصحبهم بشرط الإِسلام والإيمان، وترك الغِيبة والبهتان؛ يصير إن شاء الله مغفورًا له بعد ما كان عاصيًا، وقريبًا بعد ما كان قاصيًا، ينظر بقلبه بعد العمى، ويسعد بقربه بعد الشقا، ويقابل بالرحمة بعد السخط.

فاللهَ اللهَ؛ اغتنموا هذه الفضيلة، في هذه الأيام القليلة، تعقبكم النعمة الجزيلة، والدرجة الجليلة، والراحة الطويلة.

والحالة الرضية، والجنة السرية، والعيشة الرضية، لا تُنال إلا بالوقار لهذا الشهر، ومن لا يُوقِّره كان مصيره إلى النار.

من رُحِمَ في رمضان فهو المرحوم، ومن حرم خيره فهو المحروم، ومن لم يتزود لمعاده فهو ملوم ..

فإلى متى أنت في ثياب البَطَر، أما تعلم مصيرَ الصُّوَر؟، أما ينفعك ما ترى من العبر؟، أَصُمَّ السمعُ أم غَشِيَ البصر؟، تالله إنك لعلى خطر .. آن الرحيل ودنا السفر، وعند الممات يأتيك الخبر .. كلما خرجت من ذنوبٍ دخلت في أُخَر؟!، يا قليل الصفا إلى كم هذا الكدر؟!، أنت في رمضان كما كنت في صفر؟! .. إذا خسرت في هذا الشهر فمتى تربح؟!، وإذا لم تسافر فيه نحو الفوائد فمتى تبرح؟! ..

يا من إذا تاب نقض، يا من إذا عاهد غدر، يا من إذا قال كذب، كم سترناك على معصية، كم غطيناك على مخزية!!

ص: 35

يا ذا الذي ما كفاهُ الذنبُ في رجبٍ

حتى عصى ربَّهُ في شهرِ شعبان

قد أظلكَ شهرُ الصومِ بعدهما

فلا تصيِّرهُ أيضًا شهرَ عصيان

ورتِّل القرآنَ وسبِّح فيهِ مجتهدًا

فإنه شهرُ تسبيح وقرآن

واحمل على جسدٍ ترجو النجاةَ له

فسوفَ تُضرَمُ أجسادٌ بنيران

كم تعرفُ ممَّنْ صامَ في سَلَفٍ

مِن بينِ أهلٍ وجيرانٍ وإخوان

أفناهمُ الموتُ واستبقاكَ بعدهمُ

حَيًّا فما أقربَ القاصي من الدان

ومُعْجَبٌ بثياب العيد يقطعُها

فأصبحَ بها غدًا أثوابًا وأكفان

حتى متى يَعْمُرُ الإنسانُ مَسْكَنَهُ

مَصِيرُ مَسْكَنِهِ قَبْرٌ لانسان

أحبتي في الله ..

إنني واثق من أنكم تريدون أن تعرفوا كيف نصوم رمضان، وإن مطالعتك الآن لهذا الكلام دليل على ذلك، فهلَّا تضيفون إلى ذلك العمل .. نويتم أن تعلموا فهل نويتم أن تعملوا؟ .. ولكن اعلموا أنه قبل العمل لا بد من الاستعداد والتهيؤ للعمل؛ فلذلك أبدأ معكم متدرجًا: نبدأ بالاستعداد للعمل .. هيا خذ عُدَّتك .. والبس لَأُمَّتَك .. وأصلح نيتك .. واشحذ عزيمتك .. وامض ولا تلتفت متوكلًا على الله .. خذ كلامي عملًا .. وبادر به الأجلا .. اللَّهم ارزقنا العمل بما علمنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، واجعل ما علمتنا حجةً لنا لا علينا، اللهم ارزقنا العمل، واكتب لنا خير رمضان وما فيه؛ إنك ولي ذلك والقادر عليه.

أحبكم في الله

ص: 36