الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المشهد الرابع: حسن الخلق:
قال الله سبحانه وتعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 199 - 200]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق"(1)، وشهر رمضان له علاقة حميمة بالأخلاق السامية، والمعاني الرفيعة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الصوم جُنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يصخب ولا يجهل، وإن سابه أحدٌ أو قاتله، فليقل: إني صائم"(2).
وكأن هذا الحديث وضع أصولًا لأخلاق الصائمين:
أولها: أن الصائم هادئ النفس، ليِّن الطبع، في غاية الاحترام، فإنه يستشعر المراقبة حال الصيام، فلا يرفث أي لا يتكلم في الجماع ومقدماته.
ثانيها: لا يفسق: أي إنه لا يخرج عن حدود الأدب، لا في القول ولا في العمل، بل هو منضبطٌ إلى أقصى حد.
ثالثها: لا يصخب: لا يرتفع صوته؛ لأن الصيام نوعٌ من السكون، يقال صامتِ الدابة أي سكنت عن الحركة، وصامت الخيل أي سكتت عن الصهيل، فأصل الصيام نوع سكون، وقد فهم الصائم هذا النوع من التعبد فلا يصخب، إنه يكره الضجيج ويحب السكون والسكوت؛ لأنه أجمع لشمل قلبه على ربه.
رابعها: ولا يجهل: والجهل أنواع، وأبو جهل لا يبالي، وآباء الجهل كثيرون، الصائم لا يجهل، وكل معصية جهالة، وكل ما عصي الله به فهو
(1) أخرجه أحمد (2/ 381)، وصححه الألباني (2349) في "صحيح الجامع".
(2)
أخرجه أحمد (2/ 306)، وصححه الألباني (978) في "صحيح الترغيب والترهيب".
جهل، وكل عاص جاهل، والذي يعامل الناس بما يكرهون يجهل عليهم لأنه يجهل حقهم وهو معاملتهم بالحسنى؛ لذلك أمر الصائم أن يتذكر دومًا ليعلم أنه صائم فيقول: إني صائم.
خامسها: وهو الأهم أنه إذا أوذي أو اعتدى عليه أو أضر به أحد، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فإن سابه أحد أو قاتله"؛ فإن المبدأ الإِسلامي العظيم يبرز هنا جليًّا وهو: رد السيئة بالحسنة.
هذا الخلق المفقود في حياة المسلمين اليوم، وإني أعتقد أن كثيرًا من منظومة الأخلاق في الإِسلام مفقودة، والأخطر من ذلك أن تستبدل هذه الأخلاق وتتحول أخلاقيات أهل الغرب هي الأصل، وتصبح الأمثلة الشعبية والمقولات العامية أصولًا لأخلاق المسلمين في عصرنا، فصارت الدعوة إلى ظلم الناس لئلا تظلم هي الأصل عند الكثير.
قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 34 - 36]، فانظر كيف وعدك الله سبحانه وتعالى أنك إن أحسنت إلى من أساء إليك أحبك حتى صار كأنه ولي حميم، والآخرون يقولون لك: إن سامحته طمع فيك وعلى هذا فقس.
ترى إعراض الناس عن وعود الشرع في مسألة الأخلاق، والاعتماد على تجاربهم الحياتية، ومن أجل ذلك خذلوا، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما من شيء أثقل في ميزان العبد من حسن الخلق"(1)، وقال صلى الله عليه وسلم:
(1) أخرجه أحمد (6/ 448)، وصححه الألباني (5390) في "صحيح الجامع".