الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب
صفات الحروف
الصفة: لغة: ما قامت بالغير.
اصطلاحًا: الحالة التي تعرض للحرف عند النطق به.
ولمعرفة صفات الحروف ثلاثة فوائد (1):
الأولى: تمييز الحروف المشتركة في المخرج، قال الإمام ابن الجزري: "كل حرف يشارك غيره في المخرج فإنه لا يمتاز عنه إلا بالصفات، وكل حرف يشارك غيره في الصفات فإنه لا يمتاز عنه إلا بالمخرج، ولولا ذلك لاتَّحَدَت أصوات الحروف في السمع فكانت كأصوات البهائم لا تدل على معنى، ولما تميزت ذواتها.
الثانية: معرفة القوي من الضعيف، ليعلم ما يجوز إدغامه وما لا يجوز إدغامه فإن ما له قوة ومزيَّة لا يجوز إدغامه في ذلك الغير، لئلا تذهب تلك المزيَّة.
الثالثة: تحسين لفظ الحروف المختلفة المخارج.
فسبحان من دقت في كل شيء حكمته. اهـ.
(صِفَاتُهَا) جَهْرٌ وَرِخْوٌ مُسْتَفِلْ
…
مُنْفَتِحٌ مُصْمَتَةٌ وَالضِّدَّ قُلْ
لما فرغ من مخارج الحروف أخذ في بيان صفاتها، وذلك مما يحتاج إلى معرفته، بين القوي منه والضعيف فذكر في هذا خمسًا منها وهو ما له ضد وهي الجهر والرخو والمستفل والمنفتح والمصمت، وأشار إلى أضدادها بقوله:(والضد قل)، ثم ذكر الأضداد المشار إليها عقب هذا البيت كما سيأتي.
قوله: (والضد قل) أي قل أو اذكر فيما يأتي عقبه.
مَهْمُوسُهَا (فَحَثَّهُ شَخْصٌ سَكَتْ)
…
شَدِيْدُهَا لَفْظُ (أَجِدْ قَطٍ بَكَتْ)
(1) كتاب أحكام قراءة القرآن، ص:78.
أي مهموس الحروف، ثم ذكر هذه الكلمات الثلاث وهي عشرة: الفاء، والحاء والثاء والهاء والشين والخاء والصاد والسين والكاف والتاء، قيل لها مهموسة لضعفها، ولذلك يضعف الصوت بها حين جرى النفس معها، فلم يَقْوَ الصوت قوته في الجهورة فصار في الصوت بها نوع خفاء إذ كان الهمس من صفات الضعف؛ كما أن الجهر الذي هو ضده من صفات القوة فالهمس الصوت الخفي، ومنه قوله تعالى:{فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْساً} [طه: 108]، قيل: هو صوت مشي الأقدام، وأقوى المهموس الصاد والخاء لها فيهما من الاستعلاء وهو من صفات القوة، وغير المهموس مجهور، من قوله: جهرت بالشيء، إذا أعلنته وذلك لما امتنع النفس أن يجري معها انحصر الصوت بها فقوي التصويت.
ولما فرغ من بيان المهموسة أخذ في بيان الشديدة وهي ثمانية أحرف يجمعها لفظ الكلمات الثلاث، وهي: الهمزة والجيم والدال والقاف والطاء والباء والكاف والتاء، قيل لها شديدة لامتناع الصوت أن يجري معها حال النطق بها؛ لأن الصوت انحصر في المخرج فلم يجر. أي وامتنع قبوله للتليين، بخلاف الرخوة وذلك من صفات القوة وهي ثمانية منها ستة من المجهورة واثنان من المهموسة: التاء والكاف، والستة الباقية اجتمع فيها أن النفس لا يجري معها ولا الصوت، وذلك معنى الجهر والشدة جميعًا.
وَبَيْنَ رِخْوٍ وَالشَّدِيدِ (لِنْ عُمَرْ)
…
وَسَبْعُ عُلْوٍ (خُصَّ ضَغْطٍ قِظْ) حَصَرْ
أي الحروف التي بين الحروف الرخوة وبين الحروف الشديدة خمسة يجمعها حروف هاتين الكلمتين، وهي اللام والنون والعين والميم والراء. يعني أنها بين القبيلين: الرخوة والشدة، والباقي من الحروف رخو وهي ستة عشرة. ومعنى قوله "لن عمر" يا عمر لن فهو منادى حُذِفَ حرف ندائه أي استعمل اللين في امورك ولا تكن ذا عنف وفظاظة.
قوله: (وسبع علو) أي أن هذا هو الضد الثالث وهو ضد الحروف المستفلة، يعني: والحروف
المستعيلة سبع حصرتها هذه الكلمات الثلاثة، وهي: الخاء والصاد والضاد والغين والطاء والقاف والظاء، وهي حروف التفخيم على الصحيح.
قوله: (سبع علو) أي سبع أحرف كما تقدم من جواز تأنيث الحروف وتذكيرها، وإنما ذكر عددها لئلا يتوهم دخول حصر فيها.
قوله: (حَصَرْ) أي حصرها هذا اللفظ من هذه الكلمات، ومعناها أقم في القيظ خص ضغط: أي أدنى ضغط: أي ضيق.
(وَصَادُ ضَادٌ طَاءُ ظَاءٌ) مُطْبَقَهْ
…
وَ (فِرَّ مِنْ لُبِّ) الحُرُوفِ المُذْلَقَهْ
يعني هذه الأربعة أحرف هي الحروف المطبقة وهي ضد الحروف المنفتحة، سميت لأنه انطبق على مخرجها من اللسان ما حاذاه من الحنك وذلك غاية القوة.
وقوله: (وفر من لب) الأصل: (من لبٍ) بالتنوين فحذف الساكن تخفيفًا، وهو خبر مقدم والحروف مبتدأ والمذلقة صفة. ومعنى اللب: العقل، أي هرب من عقله حيث لم يطق الجور، إذ الفرار مما لا يطاق من سنن المرسلين، اللهم نجنا من القوم الظالمين. والمذلقة: أي المتطرفة وهي ستة يجمعها الكلمات الثلاث، وهي: الفاء والراء والميم والنون واللام والباء. قيل لها مذلقة لتطرفها؛ لأن ثلاثة منها من طرف اللسان وثلاثة من طرف الشفتين، وضدها المصمتة؛ وسميت بذلك لثقلها وامتناع الكلام بها، فلا توجد كلمة من كلام العرب رباعية فما فوقها بناؤها من الحروف المصمتة، وندر عسجد وعسطوس، وقيل: إنهما غير أصليين في كلام العرب بل ملحقان فيه، ولسهولة هذه الحروف وخفتها على اللسان لا يخلو منها الكلام إلا ما ندر فلذلك ينطق بها بسهولة بلا تكلف.
صَفِيرُهَا صَادٌ وَزَايٌ سِينُ
…
قَلْقَلَةٌ (قُطْبُ جَدٍّ) وَاللِّينُ
لما فرغ من صفات ما ذكر لها وضده أخذ في صفات أخرى لأحرف مخصوصة لم يذكر لها ضدًا، منها حروف الصفير وهي الثلاثة المذكورة،
سميت حروف الصفير؛ لأنها يصفر بها وغيرها من الحروف لا صفير فيها. قال مكي: والصفير حدة الصوت، ومنها حروف القلقلة، وهي خمسة جمعها في كلمتين، وهي: القاف والطاء والباء والجيم والدال، سُميت بذلك لأنها إذا سكنت ضعفت فاشتبهت بغيرها فتحتاج إلى إظهار صوت شبه النبرة حال سكونها وإلى زيادة إتمام النطق بها فذلك الصوت في سكونها أبين منه في حركتها.
قال ابن الجوزي (1): "وسُميت هذه الحروف بذلك لأنها إذا سُكِّنت ضعفت فاشتبهت بغيرها، فيحتاج إلى ظهور صوت يشبه النبرة حال سكونهن في الوقف وغيره، وإلى زيادة إتمام النطق بهنَّ، فذلك الصوت في سكونهن أبين منه في حركتهن، وهو في الوقف أمكن، وأصل هذه الحروف القاف؛ لأنه لا يُقْدَر أن يؤتى به ساكنًا إلا مع صوت زائد لشدة استعلائه". انتهى.
وقال شيخ الإسلام (2): "سميت حروفها بذلك؛ لأنها حين سكونها تتقلقل عند خروجها، حتى يُسمع لها نبرة قوية، لما فيها من شدة الصوت الصاعد بها مع الضغط، دون غيرها من الحروف". انتهى.
وقوله: (قطب جد) يجوز أن يكون أصله قطب جدي فنقلت كسرة الياء إلى الدال على نية الوقف، وعُومل معاملة المنقوص فحذفت الياء، فيكون فيه إشارة إلى قطب الجدي، وهو القطب الشمالي الذي بين الجدي والفرقدين، والجدي: هو النجم الذي إلى جانب القطب، تعرف به القِبْلَة.
(1) النشر (1/ 203).
(2)
هو الشيخ زكريا الأنصاري.