الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب
النون الساكنة والتنوين
(النون الساكنة) مشتقة من السُّكُون وهو الهدوء والثبات وعدم الحركة، وهو من سَكَنَ أي قَرَّ، وعكس (الساكنة): المُتحَرِّكة.
واعلم أن النون الساكنة يمكن وجودها في الاسم مثل: [المنتهى - الأنهار]، ويمكن وجودها في الفعل مثل [يَنْهَون - يَنْتَهي]، ويمكن وجودها في الحرف مثل:[مِنْ - عَنْ]، كما أنها قد تأتي في وسط الكلمة أو في آخرها (كما هو واضح في الأمثلة السابقة)، ولا تأتي في أول الكلمة لأن أول الكلمة لابد أن يكون متحركًا.
فائدة:
بما أن الابتداء عكس الوقف، فإنه لا يمكن أن يُبْتَدأ بساكن، كما أنه لا يمكن الوقف بمتحرك.
والتنوين يأخذ أحكام النون الساكنة نفسها، والعلة في ذلك هي أن التجويد يعتمد على النطق لا على الكتابة، واعلم أن التنوين لا يكون أبدًا إلا في آخر الكلمة.
فائدة:
النون الساكنة تثبت (أي توجد) لفظًا (أي عند النطق بها) وخَطًا (أي كتابة)، كما أنها تثبت وصلاً (أي حالة وصلها)، ووقفًا (أي حال الوقف عليها).
أما التنوين فهو نون ساكنة زائدة تثبت لفظًا ولا تثبت خطاً، وتثبت وصلاً ولا تثبت وقفًا.
وَحُكْمُ تَنْوِيْنٍ وَنُونٍ يُلْفَى
…
إِظْهَارٌ ادْغَامٌ وَقَلْبٌ اخْفَا
يقول: إنَّ حكم التنوين والنون الساكنة (يُلْفَى) أي: يوجد، تقول: ألفيتُ الشيء أي وجدته. ثم بين في الشطر الثاني أحكام النون الساكنة
والتنوين الأربعة، وهي: الإظهار، والإدغام، والقلب، والإخفاء، ثم شرع في تفصيل هذه الأحكام فقال:
فَعِنْدَ حَرْفِ الحَلْقِ أَظْهِرْ وَادَّغِمْ
…
فِي اللَاّمِ وَالرَّا لَا بِغُنَّةٍ لَزِمْ
وَأَدْغِمَنْ بِغُنَّةٍ فِي يُومِنُ
…
إِلَاّ بِكِلْمَةٍ كَدُنْيَا عَنْوَنُوا
في هذين البيتين يوضح الناظم حكمين: الإظهار والإدغام.
قوله: (حرف الحلق) أي حروف الحلق.
قوله: (أظهر) أي أظهر النون الساكنة (أو التنوين) عندما تسبق حرفًا من الحروف الحلقية الستة وهي: (ء - هـ - ع - ح - غ - خ).
والإظهار: لغة: التوضيح.
واصطلاحًا: إظهار النون تامة بدون أي تدخل في صفاتها، ولكن نأتي بها كما في حالة الوقف عليها.
فائدة:
إذا أضيف الاسم المفرد لما بعده فإنه قد يُراد به الجمع، مثل قول الله عز وجل:{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ} [المائدة: 7] أي نِعَمَهُ. كذلك قوله: (حرف الحلق) أي: حروفه.
فائدة:
السبب في حدوث الإظهار هو بُعد مخرج النون عن مخارج حروف الإظهار الستة، ونتيجة لذلك لا يوجد تشابه ولا تقارب بين مخرج النون ومخارج الحروف الستة.
فائدة:
اعلم أن للإظهار ثلاث مراتب:
الأولى: وهي أعلى مرتبة يكون عندها الإظهار أوضح ما يمكن وهي مع [الهمزة والهاء] لأنهما أبعد حروف الحلق عن مخرج النون.
الثانية: وهي مرتبة متوسطة وهي مع [العين والحاء] لوقوعهما في منتصف الحلق.
الثالثة: وهي أقل مرتبة وهي مع [الغين والخاء] لأنهما أقرب حروف الحلق لمخرج النون.
تنويه: يسمى هذا الإظهار بـ (الإظهار الحَلْقي) ومن أمثلته مع النون الساكنة [مَنْ آمَنَ - مِنْ هَاد - مِنْ عِنْد - مِنْ غَيْر - ولِمَنْ خَافَ] هذا في كلمتين، أما في كلمة واحدة مثل [ينأونَ - مِنْهم - الأنعام - ينْحتون]. والله تعالى أعلى وأعلم.
ومن أمثلة الإظهار مع التنوين (ولا يحدث إلا في كلمتين لأن التنوين لا يكون إلا في آخر الكلمة) مثل: [عذابٌ أليم - سلامٌ هي - حكيمٌ عليم - غفورٌ حليم - وربٌ غفور - عليمًا خبيرًا].
قوله: (وأدغم) هنا بدأ في الحكم الثاني وهو الإدغام، وهو لغة: الإدخال تقول أدغمت اللجام في فم الفرس أي أدخلته فيه.
واصطلاحًا: أنه عند التقاء حرفين الأول منهما ساكن والثاني متحرك فإننا نحذف الأول لفظًا وننطق بالثاني مشددًا.
والإدغام نوعان: الأول: الإدغام الكامل، وهو الإدغام بدون غنة وهو يكون مع حرفي اللام والراء، ويتضح ذلك في قوله:(في اللام والرا).
والثاني: الإدغام الناقص، وهو الإدغام بغنة، ويكون مع حروف كلمة (يومن)(1)، ويتضح ذلك من قوله:(وأدغمن بغنة في يومن).
واعلم أن الإدغام لا يحدث إلا في كلمتين، أي لا يحدث في كلمة واحدة أبدًا.
واعلم أيضًا أن النون الساكنة لا تأتي في كلمة واحدة وبعدها حرف من حروف كلمة (يومن) إلا في أربع كلمات فقط في القرآن الكريم
(1) وهي نفسها حروف كلمة (ينمو).
وهي: (دُنْيا - صِنْوَان - قِنْوان - بُنْيَان)، ويجب الإظهار في هذه الكلمات الأربعة، وأشار إلى ذلك بقوله:(إلا بكلمة كدنيا عنونوا).
والعلة في عدم الإدغام في هذه الكلمات الأربعة هي مخافة إشباه المضاعف (مثل: حيَّان)، فلا نقول:(صِوَّان) أو (دُيَّا)؛ لأننا لو أدغمنا، فإنه لا يُعرف ما أَصْلُهُ النون فأُدغِمَ، وما أَصْلُهُ التضعيف (1).
وأمثلة الإدغام بغنة: [مَن يَّعمل - من وَّراء - مَن نُّعمره - مِن مَّا - يومئذ يَّفْرح - باخعٌ نَّفسك - حينٌ مِّن - أذنٌ وَّاعية].
ومن أمثلة الإدغام بدون غنة: [مَن لَّه - مِن رَّبهم].
لاحظ أن الإدغام لا يكون إلا في كلمتين كما سبق.
فائدة:
سُمِّي الإدغام بغنة ناقصًا؛ لأننا ندغم النون ولكن نُبْقي صفة من صفاتها وهي الغنة.
وسُمي الإدغام بدون غنة كاملاً؛ لأننا ندغم النون تمامًا ولا نبقي شيئًا من صفاتها.
القَلْبُ عِنْدَ البَا بِغُنَّةٍ كَذَا
…
الاخْفَا لَدَى بَاقِي الحُرُوفِ أُخِذَا
تكلم هنا عن الحكمين الباقيين وهما: القلب (2) والإخفاء.
والقلب لغة: التحويل أو الإبدال، والمراد به هنا أن النون الساكنة (أو التنوين) تقلب ميمًا بغنة مع إخفاء الميم إذا سبقت حرف الباء في كلمة مثل:(انبعث) أو في كلمتين مثل: (مِنْ بَعد - سميعًا بصيرًا).
أما الإخفاء لغة فهو: الستر. والمراد به هنا أنه عندما تسبق النون الساكنة (أو التنوين) باقي الحروف (أي الحروف غير: ء، هـ، ع، ح، خ، غ/ ل
(1) انظر: أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص:176.
(2)
قال الأستاذ محمد منيار في التعبير عن القلب بـ (الإقلاب): إنه خطأ. ففي القصد النافع ص: 230 "ولا يقال: إقلاب كما يقوله بعض عوام الطلبة؛ لأن إفعال لا يأتي إلا من: أفعل، مثل: أظهر وأخفى. ولا يُقال: أقلب، فلا يقال: إقلاب". اهـ.
انظر: أحكام تلاوة القرآن الكريم، بالهامش.
ر، ي، ن، م، و/ ب)، فإننا ننطق بها بصفة بين الإظهار والإدغام، وبدون تشديد، مع ملاحظة حدوث الغنة.
فائدة:
اعلم أن مراتب الإخفاء ثلاثة:
الأولى: أعلى مرتبة، وهي التي تكون مع (ط - د - ت)، وهذه المرتبة يكون الإخفاء عندها يكاد أن يقارب الإدغام.
الثانية: أدنى مرتبة، وهي مع (ق - ك) ويكاد الإخفاء عندها يقارب الإظهار.
الثالثة: مرتبة متوسطة، وهي عند باقي الحروف.
ومن أمثلة الإخفاء مع كل حرف: [يَنْصُرْكُم - ولَمَنْ صَبر - ريحًا صرصرًا - ليُنْذر - مَنْ ذَا - ظِلٍ ذي - مَنْثُورًا - مِنْ ثَمَره - أزواجًا ثلاثة - أنكالاً - مَنْ كَانَ - قَولاً كريمًا - وأنْجَيْنَا - وإنْ جَنَحُوا - لِكُلٍ جَعَلنَا - أنْشأنَا - فَمَنْ شَهدَ - غَفُورٌ شكور - ينْقَلب - مِنْ قَبْل - سَميعٌ قَريب - ما نَنْسَخ - أنْ سَيكُون - رجُلاً سَلمًا - أندادًا - مِنْ دَابَّة - قِنْوَانٌ دَانية - يَنْطِقُونَ - مِنْ طَيِّبَات - صَعيدًا طَيّبًا - أنْزَلنَا - مَنْ زكَّاها - نَفْسًا زّكية - أنْفقوا - فَإنْ فَاءَتْ - خالدًا فيها - كُنْتم - وإنْ تُبْتُم - جَنَّاتٍ تجري - مَنْضود - مِنْ ضَعف - عذابًا ضِعْفًا - فانْظُرُوا - مِنْ ظَهِير - ظِلاً ظَليلاً].
فائدة:
الفرق بين الإخفاء والإدغام؛ أن الإخفاء لا تشديد معه مطلقًا بخلاف الإدغام، وأن إخفاء الحرف عند غيره لا في غيره، وإدغام الحرف في غيره لا عند غيره، تقول: أخفيت النونَ عند السين لا في السين، وأدغمت النون في اللام لا عند اللام (1).
(1) انظر: أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص:188.